مما لاشك فيه أن منظومة الأمن الأوروبية تحتاج إلى إصلاحات كبيرة بعد أن ظلت خمسة وعشرين عامًا بدون تلك الإصلاحات، فأوروبا ترتكز على دعامتين ألا وهما (الناتو والاتحاد الأوروبي)، ولا يوجد لديها دعامة ثالثة ومن غير المتوقع حدوث ذلك مستقبلًا، وتحتاج أوروبا إلى روسيا كضلع ثالث تعتمد عليه .
غير أن النخب الأوروبية التي أفسدتها الحرب الباردة لا طائل منها، لا تستطيع فهم ذلك، فالمنظومة الأوروبية تعاني من عدم الاستقرار، وقد كشفت الأزمة الأوكرانية تلك الحقيقة، وروسيا لن تقبل بأن يتم بناء منظومة الأمن الأوروبي بالاعتماد فقط على الاتحاد الأوروبي والناتو، وليس بمقدرة روسيا الانضمام إلى أي من المنظمتين، وهو ما يعني أنها خارج المنطقة الأوروبية للعقدين القادمين وربما لقرنٍ قادم، وهذا الأمر غير مفيد لروسيا كما أنها تعارض ذلك، وفي الوقت نفسه هذا ما تريده بلدان أوروبا الشرقية التي تسعى لطرد روسيا من أوروبا.
هذا ويتناول الكتاب الأعراض المقلقة لحالة الضعف التي أصابت الاتحاد الأوروبي وليس ذلك بالخبر السعيد لروسيا؛ لأن الاتحاد الأوروبي يُعد الشريك التجاري الرئيس لموسكو، ويقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات لروسيا لتحديث اقتصادها، هكذا كان الوضع على كل حال قبل فرض العقوبات، أما عن الكتاب فهو مكون من ثلاثة عشر فصلًا، الفصول الأربع الأولى يتحدث الكاتب فيهم عن روسيا والغرب، حيث يقول: أن الحمض النووي الروسي يحتوي على عناصر فيها رغبة شديدة في مواجهة عالم القطب الأوحد، وأن روسيا ستناضل دومًا من أجل تحقيق توازن للقوى في العالم حتى إذا تسبب ذلك لها في خسائر فادحة، ومع تحقيق عوائد ضخمة من ارتفاع أسعار النفط وتكوين احتياطي ضخم، استطاعت روسيا التقدم واستعادة مكانتها كقوى عظمى عسكرية في العالم، واستفادت من حالة الفوضى في السياسات الغربية نفسها ومحدودية قدرات السياسيين الأوربيين المعاصرين، وقام بوتين باستعراض قوته في أوكرانيا وسوريا وإظهار أن موسكو ستظل تدافع عن مصالحها وبالقوة إذا لزم الأمر، إلا أن التحدي الذي يقف أمامه الغرب يحتوي في نفسه على مخاطر كبيرة ويمكن لقدرات روسيا أن تنفذ في أي وقت وتعجز عن مواجهة رد الفعل الغربي القاسي، فإذا مضى الغرب في العقوبات إلى مرحلة طرد روسيا من المنظومة المالية العالمية “سويفت” مثلما الحال مع إيران، فإن النفط الروسي سيتعرض للحصار العام ويمكن للاقتصاد الروسي أن يصبح على شفا الانهيار.
ويتوقع الكاتب أن في منتصف القرن الحالي سيصبح العالم أكثر انقسامًا وفوضى، وسيكون هناك ثلاث قوى عظمى مهيمنة وسيصيب الضعف الاتحاد الأوروبي، ولذا سيسعى إلى إنقاذ نفسه من تهديدات ومخاطر العولمة والتهديدات القادمة من آسيا متنامية القدرة، وكذا مخاطر الضعف التي ستصيب المؤسسات الأوروبية وحينها سيُلقي الاتحاد الأوروبي نفسه في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية .
وللوهلة الأولى يُتوقع أن تفوز الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا في الصراع على أوروبا غير أن روسيا، والصين، وإيران، وعددًا من الدول الأخرى- ستؤسس تحالفات عسكرية واقتصادية فيما بينها، ستقوم روسيا في بناء علاقات جيدة مع بلدان في أوروبا تقبل بالمشروع الروسي بديلًا لأوروبا .
ويرى الكاتب أيضًا أنه نظرًا لتشابه قيم الهوية يمكن مستقبلًا أيضًا أن يتعرض الطرفان (روسيا والغرب) في القريب لتهديدات مشتركة مثل الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والأصولية الإسلامية، وصولًا إلى الاعتداء العسكري القادم من بلدان الجنوب الآخذة في الانقسام .
ثم يتطرق الكاتب إلى الفترة من (1991-1993) من تاريخ العلاقات الروسية الأوروبية، حيث كانت تلك المرحلة هي مرحلة تأسيس الدولة الروسية الجديدة، وشهدت محاولات من الرئيس يلتسين لتقديم بلاده كدولة تعتمد على مؤسسات ديمقراطية وقواعد قانونية، كان يرغب في رؤية روسيا جزءًا من النظام السياسي المشترك بين البلدان الديمقراطية في شمال العالم، ولم يعد اللوبــــي الأطلسي، والذي يضم بين أعضائه الرئيسين “يلتسين” ووزير خارجيته “أندريه كوزيريف”، لا يرى الغرب عدوًا بل حليفًا في بناء النظام العالمي الجديد .
وقد اقترح يلتسين أيضًا إنشاء منظومة روسية أمريكية مشتركة للردع النووي توجه ضد أي استهداف أو عدوان محتمل من الجنوب.
ورأت روسيا أن اعتراف الغرب بروسيا الاتحادية وريثًا شرعيًّا للاتحاد السوفيتي على الساحة العالمية يمثل نجاحًا كبيرًا للسياسة الروسية، وورثت روسيا مقعد الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن وفى ظل الجدال، ومع تشكيل السياسة الخارجية الروسية تجاه أمريكا وأوروبا حاولت روسيا إيجاد أطر جديدة للتعاون المتبادل مع الجمهوريات السوفيتية الأخرى، ولم يكن ذلك بالأمر السهل، وعانى يلتسين كثيرًا في إرساء علاقات جيدة مع )أوكرانيا، وروسيا البيضاء، ومولدوفيا( على وجه الخصوص، كانت تلك الدول مرتبطة بروسيا. وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي، كان الروس ينظرون إلى هذه الأراضي ليس فقط كونها مناطق نفوذ تقليدية لروسيا، بل جزءًا من الإمبراطورية الروسية سيعود عاجلًا او آجلًا وبشكلٍ أو بآخرٍ إلى أحضان موسكو .
وقد أثار الاستقلال الوطني لـأوكرانيا، ومولدوفيا البيضاء- قلق النخبة الحاكمة في روسيا، وأدَّت مساعي هذه الجمهورية إلى الاندماج في المؤسسات الاقتصادية والسياسة الغربية سواء الاتحاد الأوروبي أو الناتو، وإلى إثارة الكثير من المشكلات بينها وبين روسيا، ومن ناحية أخرى كانت النخبة الحاكمة في موسكو تتفهم أن علاقات روسيا بالدول الغربية الأعضاء في رابطة الدول المستقلة لا يمكن تسويتها خارج الإطار الأوروبي، ووضعت الحكومة الروسية من بين أهدافها على الأقل عدم السماح بتحول هذه الدول إلى منطقة عازلة بين روسيا والغرب .
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى عهد بوتين، وكانت القضية الشائكة الأهم هي توسيع حدود حلف الناتو والاتحاد الأوروبي تجاه الشرق، وهو ما يهدد من وجهة نظر موسكو الأمن القومي الروسي ويخترق مناطق نفوذه، ولم يرغب في التخلي عن خططه ولكن كان الواضح أنه من الضروري التعاون مع موسكو وبدون ذلك لا يمكن تجنب المواجهة.
أما الفصل من الخامس إلى التاسع: فيتحدث الكاتب فيهم عن ضعف موقف روسيا بعد أحداث 11 سبتمبر على الساحة الدولية، وفشل فكرة صياغة سياسية دفاعية وأمنية وأوروبية مشتركة، فبعد أن شعر بالتهديد القادم من الشرق الأوسط الأدنى هرع الاتحاد الأوروبي للاحتماء بواشنطن، في الوقت نفسه كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في إسقاط النظام العراقي وعزل صدام حسين، وأصبحت الحرب في العراق أمرًا محتومًا، وبعد أن احتلت العراق سعت واشنطن إلى تأكيد هيمنتها في منطقة الخليج العربي النفطي، وسمحت هذه السيطرة بمراقبة تدفق النفط والمحروقات إلى بلدان (أوروبا وآسيا)، وعلى رأسها الصين .
وبعد ذلك دارت نقاشات في روسيا حول التوجه الأمثل للسياسة الروسية وهل هو البحث عن التقارب مع الاتحاد الأوروبي أو بناء نموذج تكاملي جديد على أراضي الاتحاد السوفيتي السابق؟ وفي هذه الأثناء كان الاتحاد الأوروبي يتوسع شرقًا، حيث ضم الاتحاد الأوروبي عدة دول جديدة وهي (المجر، ولاتفيا، ومالطا، وبولندا، وسلوفاكيا، وقبرص، والتشيك، وإستونيا)، ومن كان يصدق منذ 15 عامًا أن تصبح بلدان الاتحاد السوفيتي السابق- وعلى رأسها دول البلطيق- أعضاءَ في الاتحاد الأوروبي، وبدت روسيا في موقف الخاسر كونها لا تعد شريكًا في تأسيس أو دعم التكامل الأوروبي، غير أن بوتين رغم ذلك بقى نصيرًا للتقارب بين روسيا والاتحاد الأوروبي إلى أقصى حد، بالإضافة إلى أن روسيا أدركت أن أوكرانيا تمثل مفتاح النصر أو الفشل لجهود روسيا في تحقيق التكامل مع محيطها، وظل الغرب صامتًا، ودامت أوكرانيا رافضة لأن يتم تجنيدها من قبل روسيا، فبدون أوكرانيا لا يمكن لروسيا أن تصبح إمبراطورية، إلا أن بوتين استطاع تحقيق بعض النجاحات فيما يتعلق باستقطاب أوكرانيا إلى جانب روسيا .
ثم جاءت الثورة البرتقالية في أوكرانيا وأدت إلى فقدان موسكو نفوذها على كامل الفضاء السوفيتي السابق، ودار صراع في أوكرانيا بين أجهزة المخابرات الروسية والغربية، وكان في الحقيقة صراعًا بين منظومة القيم لدى الجانبين (النموذج الليبرالي الغربي، والديمقراطية الروسية الموجهة)، وقامت موسكو بتحديد خيارها عندما كان من الضروري توحيد الأمة الروسية ودعم مؤسسات الدولة، وبدا أن نموذج الديمقراطية غير الليبرالية هو الأنسب لروسيا من النموذج الغربي، غير أن جزءًا كبيرًا من المجتمع الأوكراني ظل مولعًا بالغرب وليس بروسيا، وتحولت الحرب من أجل الفوز بأوكرانيا إلى جزء من صراع شامل لتحديد مستقبل أوروبا، ففي جزء منه هو نضال بين نظريتين لأوروبا في القرن الحادي والعشرين، وكان الاتحاد الأوروبي آخذ في التوسع شرقًا، وهو على ثقة أنه يتصرف وفقًا لروح العصر، فأفكار الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان تنتشر على نطاقٍ واسع في المناطق الغربية من الفضاء الروسي السابق .
وقبل شهور من الثورة الأوكرانية كانت موسكو ترى الولايات المتحدة الأمريكية منافسًا على فرض النفوذ في دول الجوار، وأدت الثورة إلى تغيير الواقع الجيوسياسي، حيث أصبح الاتحاد الأوروبي هو الأب الأساسي والمنافس الوحيد لروسيا في العلاقات مع الجمهوريات السوفيتية السابقة، وهو ليس الاتحاد القديم الذي كانت تسيطر عليه ألمانيا وفرنسا، بل هو اتحاد جديد حيث تلعب بولندا دورًا مهمًّا في تحديد سياسة الاتحاد في علاقته بحدوده الشرقية، وأصبح هناك خطر يتهدد العلاقة بين روسيا والغرب، وبوادر شقاق خطير على خلفية الصراعات على أرض دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، وحاول الاتحاد الأوروبي حرمان روسيا من محيطها المجاور وضم هذه البلدان إلى مناطق نفوذه.
ثم يقول الكاتب إنه خلال عام (2008 و 2009) ساءت العلاقات الروسية الأوكرانية على كافة المسارات، وحاول الرئيس الأوكراني وقتها “فيكتور يوشنكو” إخراج بلاده عنوة من الماضي السوفيتي والانخراط في إعادة كتابة التاريخ، ومن وجهة نظر روسيا، وخاصة وأن سياساته التي تتعلق بإعادة الاعتبار للمسؤولين الفاشيين إبَّان الحرب العالمية الثانية غير مقبولة، غير أن يوشنكو اتبع سياسة البعد عن روسيا وبناء هوية جديدة لأوكرانيا قوامها المبادئ والقيم الغربية، كان ذلك بالنسبة له وللنخبة الأوكرانية الموالية للغرب هو الرهان الذي يضمن عدم العودة إلى السير في ركاب موسكو مرة أخرى .
غير أن أوكرانيا كانت منقسمة على نفسها إلى جزأين شرقي وغربي، ولم يكن السبيل إلى توحيد الأمة الأوكرانية هو تبني الأيديولوجية المعارضة لروسيا بل المصالح الاقتصادية المتبادلة ، فيوشنكو لا يرغب في تقديم نفسه كبطل تاريخي أعاد أوكرانيا بعد عقود من التبعية لروسيا إلى الحضارة الأوروبية، وبدت المواجهة المستمرة مع روسيا بالنسبة له الأسلوب الأمثل؛ لكي يثبت للغرب ضرورة قبول أوكرانيا في الناتو والاتحاد الأوروبي، وقام الرئيس الأوكراني ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان بالتوقيع على نداء إلى حلف الناتو بقبول أوكرانيا في عضوية الحلف .
وفي بداية عام 2009 اشتعل خلاف جديد بين روسيا وأوكرانيا على أسعار الغاز، وتصاعدت الانتقادات في الغرب ضد روسيا واتهامها بأنها تسعى إلى استغلال ثروات المحروقات؛ كي تضمن تبعية أوروبا لها وتستخدمها كأداة لاكتساب مكانة الدول العظمى في مجال الطاقة، غير أن الغرب في الوقت نفسه يرى أن أوكرانيا يمكن أن تستغل الموقف كونها بلد العبور الوحيد للغاز الروسي إلى أوروبا وبدأ في ابتزاز روسيا .
وعلى كلٍ فأزمة الغاز دلت على أن العلاقات الروسية الأوكرانية تمر بمرحلة خلاف مزمــــــــــــن، حيث ترغب أوكرانيا في أن يتقبلها الغرب بوصفها دولة عظمى تناضل من أجل الدفاع عن الحرية، ولكنها تحاول أن تخلق جبهة مصطنعة لهذا النضال بدعم من: دول البلطيق، وجورجيا، وبعض دول الاتحاد الأوروبي ومنها (السويد، وبولندا، وإيطاليا)، وبعد ذلك رأت البلدان الأوروبية المتقدمة أنها ليست مستعدة لانتهاج سياسة ردع روسيا أو بناء تحالف ضد روسيا؛ فالغرب في حاجة إلى روسيا كشريك إستراتيجي في الحرب على التطرف الإسلامي ولا تعتبره عدوًا، وقد أدى ذلك إلى حالة من عدم الاتزان في القيادة الأوكرانية، فلم يكن العرب مقتنعًا بالدور الذي تريد أن تلعبه أوكرانيا وكونها ضحية للإمبريالية الروسية .
وهنا تراجع الرئيس الأوكراني، وشعر أنه لابد من الدعم الروسي خاصة وأن المستثمرين الروس هم مبعث سعادة أوكرانيا وانطلاقًا من قناعته التامة بمعارضة روسيا لتوسعة الناتو فقد أعلن وقتها عن رفض أوكرانيا الانضمام إلى أي حلف أو تكتل.
أما الفصول من العاشر إلى الثالث عشر: يعود الكاتب مرة أخرى للحديث عن الصراع على أوكرانيا بين روسيا والغرب، حيث دخل هذا الصراع في عام 2013 مرحلة شديدة الخطورة، وكان الاتحاد الأوروبي يتفهم أن سياسته في عقد شراكات مع دول الجوار الشرقي قد فشلت، فالهدف الرئيس أن أوكرانيا لا تبذل جهدًا في سبيل التقرب من الغرب والارتماء في أحضانه، في حين لا يرغب السياسيان “مانويل باروسو” رئيس المفوضية الأوروبية، و”ستيفان فيولي” المفوض التشيكي في ترك منصبيهما دون إنجاز عمل يخلد ذكراهما، حيث أرادا أن يقوما وبأي ثمن بتمهيد الطريق لتحقيق توسع مستقبلي للاتحاد الأوروبي، وقد أدى فشل ثورات الربيع العربي إلى سد الطريق أمام مساعي الامتداد جنوبًا في بلدان شمال إفريقيا، وشعرت بروكسل أن أوكرانيا هي فرصتها الأخيــــــــرة .
هكذا أصبحت أوكرانيا ضحية لرغبة الغرب في اقتطاعها من روسيا، وكانت في حاجة إلى القوى الخارجية التي تستطيع تحقيق الاستقرار فيها- كان نفوذ الولايات المتحدة وأوروبا كبيرًا في غرب ووسط أوكرانيا، أما روسيا فتسيطر على الجنوب الشرقي، وكان من الممكن حل الأزمة الأوكرانية التي طال أمدها والاتفاق على حل وسط يقضي بأن تقوم أوكرانيا بالتحول من حكومة مركزية إلى كيان فيدرالي، ويكون للأقاليم علاقاتها الاقتصادية والثقافية المستقلة مع روسيا والغـــــــــرب، وكان من شأن ذلك أن يخفف من حدة الوضع .
ثم ينتقل إلى المظاهرات والاحتجاجات في أوكرانيا وقيام بوتين بخطوة استباقية، واحتلال الأسطول الروسي في البحر الأسود لمواقع إستراتيجية في شبه جزيرة القرم وتم السيطرة على السلطات في القرم، وشهدت الجزيرة انقلابًا، وتم طرد السلطات الأوكرانية من القرم وإجراء استفتاء أيَّد فيه أغلبية الناخبين الانفصال عن أوكرانيا من القرم وإجراء استفتاء أيَّد فيه أغلبية الناخبين انفصال أوكرانيا والانضمام إلى روسيا، وبلغ استياء الغرب مبلغه واشتعل الخلاف بين روسيا والغرب، وانتقل الصراع بين روسيا والغرب إلى أشدِّه، فالغرب لم يقبل بالاستيلاء على القرم ووقف دومًا خلف السلطات في كييف التي تسعى إلى توحيد أوكرانيا.
وانتقل الصراع بين روسيا والغرب إلى مرحلة الحرب الباردة، كان الغرب يجهل كيف يتعامل مع الموقف؟ واتخذ قرارًا بفرض عقوبات على روسيا، وتم اتهام موسكو بخرق القانون الدولي، وردت روسيا بأن الغرب هو أول من خرق مبادئ القانون الدولي في كوسوفو، وفي العراق، وليبيا، وأيضًا في سوريا .
والروس أيضًا ينظرون إلى الأزمة في أوكرانيا على نحو مغاير، فروسيا لن تسمح بأن تصبح أرض أوكرانيا التي ارتبطت بروسيا لقرون أداة في يد الغرب لاستغلالها ضد موسكو، ودارت أحاديث كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عن ضـم ” القرم” أو ” احتلال شرق أوكرانيا ” إلا أن روسيا لم تقم بأي حركات للتوسع على حساب الأراضي الأوكرانية، وظل الغرب يسعى إلى حماية أوكرانيا وحدها رغم عدم توفر القدرات المالية لديه لذلك، وكان هذا الموقف الدولي ينطوي على الكثير من التهديدات، وللأسف أصبح المسؤولون يَعُون أن أي خطوة غير ضرورية، أو ضغطة بالصدفة على الزر الأحمر يمكن أن تؤدي بالبشرية إلى كارثة خطيرة، أما اليوم فلا أحد يفكر في التبعات المحتملة، وهنا تكمن خطورة عدم إدراك حجم الأزمة .
ويعتقد الكثيرون في الغرب أن الأمر سيستتب من تلقاء نفسه، فموسكو تعترف بعدم صحة موقفها في الأزمة الأوكرانية وسيحين الوقت الذي تعاود فيه إظهار اهتمامها بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، غير أن روسيا لن تسمح أبدًا بأن تصبح أوكرانيا عضوًا في الناتو، كما أن الغرب لن يقبل أبدًا بعودة أوكرانيا إلى النفوذ الروسي، هكذا يبدو الأمر وكأننا في طريق مسدود، وعندما يعتقد كل طرف أنه الفائز في النهاية وأن الطرف الثاني ضعيف وسيعترف بفشله لاحقًا، وحتى على مستوى عامة الناس أصبحت هناك حالة من فقدان الثقة المتبادلة وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أن تتوقف الأجيال الجديدة عن التعامل مع بعضها البعض ومن ثم الاتفاق . عمومًا فإذا تحدثنا عن الواقع السياسي، فإن روسيا استغلت الأزمة الأوكرانية لدعم موقفها في أوروبا، ويعتقد الغرب أن روسيا تطالب بمنطقة نفوذ خاصة بها وهو ما لن يوافق عليه الأوروبيون أو الأمريكيون، غير أن روسيا لن تتقبل المزيد من توسع الناتو أو الاتحاد الأوروبي شرقًا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي .