2022العدد 190ملف ثقافي

تداعيات أدوات السوشيال ميديا على المسرح العربي

ليس منا من لم يعترف بتأثيرات وتداعيات السوشيال ميديا وأدواتها على حياتنا سلبًا وإيجابًا، وليس فينا من لم يشهد انعكاس هذه التداعيات وما فرضته على الفنون وخاصة المسرح “أبو الفنون” الذي يُعد تجسيدًا للواقع بقضاياه ومتغيراته، ولما كانت أدوات السوشيال ميديا قد جمعت مستخدميها تحت سقف شبكي عنكبوتي فقد تشابكت تأثيراتها السلبية والإيجابية على المسرح وجمهوره وصنَّاعه أيضًا، ففي الوقت الذي أثرت فيه السوشيال ميديا سلبًا على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة، وسببت انعزالًا كان له تداعياته الضارة على جماهيرية المسرح حيث المسرح “فرجة عائلية” في الأصل، وجدنا أن نفس أدوات السوشيال ميديا خلقت جسورًا بين القائمين على فن المسرح في العالم العربي من كتَّاب ومخرجين ومنتجين، وكذلك النقاد والصحفيين والمهتمين به، وفي الوقت الذي غيرت فيه الثقافات وعددتها داخل المجتمع الواحد وصعبت فهم وتحديد ملامح الكتلة الوطنية لجمهور المسرح، وجدناها تفتح لبعض كتاب المسرح آفاقًا جديدة وتمنح معطيات أخرى كشفت عنها السوشيال ميديا في الوعي واللاوعي العربي، وإذا رصدنا تداعيات هذه الأدوات على حركة المسرح ونشاطه في مصر كنموذج ينسحب على محيطه العربي ستأتي التداعيات التي دخلت على العلاقة بين جمهور المسرح والقائمين عليه هي الأوضح.

أولًا: جاءت التداعيات الجديدة للتسويق والترويج الرقمي والإلكتروني على السوشيال ميديا وأدواتها الأقل في التكلفة والأوسع والأسرع في التأثير عنها في كل وسائل الإعلام التقليدية مرئية ومقروءة، وقد أصبحت المسارح الحكومية والخاصة تتعامل مع شركات للتسويق الرقمي والترويج الممول بما لها من خبرة وقدرة على الوصول لملايين الأشخاص من ناحية وتحديد الجمهور المستهدف بشرائحه الاجتماعية والثقافية والعمرية بأسلوبٍ علمي وتقني مبتكر من ناحيةٍ أخرى، علاوة على مشاركة أبطال العرض المسرحي وصنَّاعه في تلك العملية الترويجية من خلال قنواتهم على اليوتيوب وحساباتهم على (الفيس بوك وإنستجرام وتويتر… وغيرها)، في متابعة كل صغيرة وكبيرة من مستجدات الدعاية للعمل المسرحي ومن مقالات للنقاد ومتابعات للصحفيين، أما تعليقات الجمهور فتأخذها شركات الدعاية والتسويق الرقمي وتقوم بتحليلها وتحديد الشرائح والجهات التابعة لها لتتجه بدعايتها لهذه الشريحة أو تلك الجهة لتوسعة خريطة الجمهور المستهدف والمنضم لمتابعة العمل المسرحي، ودائمًا ما تكون هناك مساحة من التنسيق بين القائمين على العمل المسرحي وبين شركة التسويق الرقمي والإلكتروني، يوفر من خلالها كل منهما للآخر المعلومات ويشاركه الأفكار من خلال متابعة متفحصة لنوعية الجمهور بشكلٍ يومي وهو مالم يكن متاح أيضًا في وسائل الدعاية التقليدية السابقة عبر الإعلام المرئي والمقروء، وقد تابعت مثلًا تجربة المخرج الموهوب “عادل حسان” كنموذج لذلك في مسرح الدولة وهو يستعين بكل هذا لسنوات في تسويق عرضه الناجح والمتميز” قواعد العشق الأربعين” على مسرح السلام قبل أن يجوب مسارح أخرى وقبل أن تعمَّم التجربة في كل مسارح البيت الفني للمسرح ولكل مسارح الهيئات والقطاعات التابعة لوزارة الثقافة وللدولة.

ثانيًا: على مستوى النص ومحتوى الكتابة ظهرت تداعيات أدوات السوشيال ميديا وعالمها الافتراضي في تجربة أكثر من مؤلف مسرحي كان أولهم المؤلف الكبير د. سامح مهران الذي كتب  مسرحية بعنوان” إن بوكس” أواخر عام ٢٠١٥، أنتجها مسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح عام ٢٠١٦، وأخرجها جلال عثمان، وكانت أول مسرحية مصرية- وربما عربية- تتناول زيف العلاقات في العالم الافتراضي لأدوات السوشيال ميديا من خلال قصة زوج مسن عاجز جنسيًّا ” منايا” وقد جسده الفنان عبد الرحيم حسن وزوجة شابة ” دوايا” وجسدتها الفنانة إيمان إمام، وقد شارك هذا العرض باسم مصر في مهرجان فاس الدولي للمسرح الاحترافي بالمملكة المغربية وفاز بجائزة أفضل نص مسرحي في المهرجان، كما سبق وفاز بجائزة أفضل نص في المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته التاسعة، وفاز بطل العرض “عبد الرحيم حسن” بجائزة أفضل ممثل، كما فاز بنفس الجائزة في مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي الحادي عشر، وفازت بطلة العرض “إيمان إمام” بجائزة التميز الخاصة في نفس المهرجان، وقد تبلورت فكرة المسرحية في عبارات جاءت على لسان الزوج المسن”منايا” قال فيها:

“عارفه.. الفيس بوك دا أحلى اختراع.. تقدري تكوني اللي نفسك فيه.. الفقير يقلب غني.. والعاجز شوارزنجر.. والحرامي ثوري.. والعميل وطني.. تلبسي الوش اللي في خيالك.. وتضيع الحقيقة والملامح.. عشان كل يوم فيه حقيقة تانية وملامح جديدة “.

وحاليًّا هناك تجربة ثانية لنفس المؤلف د. سامح مهران “في مسرحية هاملت بالمقلوب” برؤية حديثة لرواية “شكسبير” وطرح عصري للصراع على السلطة بين هاملت وعمه، استخدم فيه الفيس بوك ليسقط “الصراع” على الحاضر بمفرداته وأدواته حيث يسعى”الملك” عم هاملت لتشويه صورة “الأمير” هاملت مستخدمًا السوشيال ميديا بعد أن أودعه مستشفى الأمراض العقلية، وقد اختار المؤلف هذا الشكل ليعبر عن التناقضات العبثية لدى الغرب الذي انقسم على ذاته، حيث يرى الكاتب أن الغرب في حالة ردة، وأن أوروبا خضعت لليمين المتطرف الفوضوي، بل إنها تقود حملات صليبية دون أن تدري لذا رأى أن هاملت قد أصبح “هاملت بالمقلوب”؛ حيث معاداة الغرب للثقافات الأخرى والانقلاب على مبادئ الحرية والديمقراطية متبنيًا منطق من ليس معنا فهو ضدنا، و”هاملت” في معالجة د. مهران هو الرجل الشعبوي في أوروبا المُعادي لكل مبادئ الحريات، أما المسرحية فهي من إنتاج المسرح الحديث ومن إخراج مازن الغرباوي، الذي استفزته حداثة النص والمعالجة لاستخدام تقنيات أخرى مثل تقنية” الهولوجرام” لتجسيد شبح والد هاملت بأشعة الليزر ثلاثية الأبعاد- وهي تقنية سوف تُحدث ثورة في المسرح فيما بعد- وقد قام بدور والد هاملت الفنان “خالد الصاوي” في عودة للمسرح بعد أكثر من عشرين سنة أمام بطل العرض الفنان الشاب عمرو القاضي وبين تجربتي د. سامح مهران كانت هناك تجارب لآخرين ظهرت تداعيات السوشيال ميديا في نصوصها وأفكارها، كان أبرزهم عرض” سلم نفسك” صياغة وإخراج المبتكر د. خالد جلال الذي قدمه في عام ٢٠١٧ مع الدفعة الثالثة من خريجي قسم التمثيل باستوديو مسرح مركز الإبداع، وقد حقق صدىً كبيرًا عند الجمهور والنقاد حتى اختاره الرئيس السيسي كي يعرض أمامه وأمام ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” على المسرح الكبير بدار الأوبرا في زيارته للقاهرة بتاريخ ٥ مارس ٢٠١٨، وقد تناول العرض تأثير السوشيال ميديا على العلاقات الأسرية في لوحتين من بين عشر لوحات، أحدهما غلبت عليها كوميديا “الفَارس”: وسماها ” الفيس بوك لا تراجع ولا استسلام”، حيث الأجواء الصعيدية وانعكاس الفيسبوك على أفراد أحد العائلات في “الصعيد الجواني” لم يعد يربطهم سوى الفيسبوك وعالمه ومفرداته، وقد أجاد الممثلون استغلال المبالغات والمفارقات الكوميدية غير المتوقعة في هذه الأجواء فانطلقت الضحكات في أرجاء المسرح، أما اللوحة الثانية واسمها ” الرومانسية”: فقد جاءت بنفس نعومة وشجى الاسم حين قارن بين جفاء مفردات السوشيال ميديا ودفء وثراء مفردات أغاني زمن عبد الحليم وزمن عبد الوهاب وأشعار أحمد شوقي على ألسنة المحبين، وفرضت أدوات السوشيال ميديا تداعياتها على محتوى المضمون النصي في أعمال أخرى أيضًا من خلال تجارب مسرح الشباب مثل مسرحية” جاري التحميل” تأليف سامح عثمان وإخراج سامح الحضري وبطولة ياسر صادق ونادر رامي، وتجاوزت التداعيات محتوى المضمون لتفرض نفسها على الشكل في تصميم الديكور؛ حيث تضمن الديكور نماذج لصفحات السوشيال ميديا ومنصاتها واحتوت الصياغة الإخراجية نقل مواد ومحادثات من صفحات السوشيال ميديا وشاشات اليوتيوب، علاوة على تصوير المخ البشري وكأنه مجموعة حسابات على السوشيال ميديا جاري تحميلها طوال الوقت، وكان الملاحظ في هذا العمل وفي أغلب الأعمال التي تناولت تداعيات السوشيال ميديا أو التي سعت لخلق مسرح جديد من خلال هذه التداعيات، اعتمدت في بنائها على مجموعة من اللوحات أو “الاسكتشات” سريعة الإيقاع وقصيرة المدة يسهل تداولها على منصات السوشيال ميديا للترويج ولجلب الأرباح أيضًا.

ثالثًا: أصبح هناك مسمى ” مسرح أون لاين” فرضته تداعيات السوشيال ميديا وساعدت عليه ظروف جائحة كورونا، فوجدنا مسرحيات تم إعدادها وتصويرها بمقاييس أدوات ووسائل السوشيال ميديا وتم طرحها على هذه الوسائل وخاصة موقع ” يوتيوب”، وأنشأت المسارح قنوات ” يوتيوب” خاصة بها لعرض هذه الأعمال، بل أنشأت وزارة الثقافة قناة “يوتيوب” خاصة بها وقامت بإنتاج وتصوير عدة مسرحيات قصيرة من الأدب العالمي، وبدأ البيت الفني للمسرح من خلال فرقة المسرح القومي وفرقة مسرح المواجهة والتجوال _بإنتاج صياغات مسرحية لبعض القصص القصيرة للكاتب الروسي “أنطوان تشيكوف” عام ٢٠٢٠ على أن تكون مدة المسرحية من ٢٠ دقيقة إلى ٥٠ دقيقة، والمرحلة الأولى شارك فيها كل من المخرج هشام عطوة بمسرحية” أبو عطسة جنان” عن قصة “موت موظف”، والمخرج إسلام إمام مسرحية “المقام العالي” عن قصة “البدين والنحيف”، والمخرج سامح بسيوني مسرحية” أول كل شهر” عن قصة ” المغفلة”، والمخرج مازن الغرباوي قدم مسرحية” مشهور مش مشهور” عن قصة ” كالخاص”، وقدم المخرج تامر كرم مسرحية” العازف” عن قصة ” العازف الأخير”، كما قدم المخرج مراد منير مسرحية” الفرح” وكذلك شارك المخرج د. خالد جلال والمخرج د. أشرف زكي والمخرج محمد عمر والمخرج محمد موسي، وكانت كل مسرحية يسبقها شرح وتحليل لمنهج تشيكوف في كل مسرحية، شارك في هذا أساتذة كبار مثل المخرج سمير العصفوري، والمخرج جلال الشرقاوي، والدكتور سناء شافع والمخرج فهمي الخولي… وغيرهم، وكان ذلك ضمن مبادرة أطلقتها الوزارة تحت عنوان “اضحك -فكر -اعرف”

كما قام البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية بإعادة تصوير أغلب رقصات وتابلوهات فرقة رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية وطرحها” أون لاين “، بالإضافة لتابلوهات قديمة من تراث الفرقتين، وسعى رئيسه د. عادل عبده في هذا الإطار إلى إعادة إنتاج بعض الصور الغنائية الشهيرة من تراث الإذاعة المصرية، وقرر مسرحتها وتصويرها لعرضها ” أون لاين ” عبر موقع ” يوتيوب ” مثل الصورة الغنائية” قسم وأرزاق” ، التي ألفها للإذاعة الشاعر عبد الفتاح مصطفى ولحنها الملحن محمود الشريف، وقد أخرجها مراد منير وحوّل اسمها إلى ” السلطنية”، وكذلك الصورة الغنائية” علي بابا ” التي كتبها إبراهيم رجب ولحنها عبد الحليم علي، وقد أخرجها للمسرح حسن خليل وغير اسمها إلى” افتح يا سمسم”، والصورة الغنائية” سهرة في حي السيدة” التي كتبها فتحي قورة ولحنها مصطفي إسماعيل، وقد أخرجها محمد الخولي، ولاتزال مسارح الدولة وبعض المسارح الخاصة تستثمر محتواها المسرحي على وسائل السوشيال ميديا وتطوعها لمقاييس هذه الوسائل والأدوات لتصل إلى جمهور هذه الشبكة والمقدر بالملايين بل المليارات.

رابعًا: لم تغب هذه التداعيات عن “ورش تدريب واكتشاف المواهب” الجديدة التي اتجهت أيضًا إلى وسائل السوشيال ميديا وخاصة موقع يوتيوب وحسابات الفيس بوك التي تبنتها الوزارة لإتاحة العدالة الثقافية في كل أنحاء البلاد لغير القادرين على تكلفة ورش التدريب الخاصة، بل إنه قد تم إطلاق منصة رقمية لورش تدريب الممثل  ضمن مشروع ” ابدأ حلمك أون لاين” التابع لمسرح الشباب بقيادة المخرج عادل حسان، ويتم من خلالها بث محاضرات مدتها ١٥ دقيقة يوميًّا، وتعتبر مبادرة ” ابدأ حلمك أون لاين” هي النسخة الإلكترونية لمشروع “ابدأ حلمك” لتدريب الممثل، والذي يتم على عدة مراحل أولها الاحتكاك المباشر مع المتدربين عبر الإنترنت من خلال مجموعة من المحاضرات الأكاديمية في كل فنون المسرح من (تمثيل، ودراما، والأداء الصوتي، والغناء المسرحي، والإلقاء)، وكان مشروع “ابدأ حلمك” قد بدأ منذ سنوات ومد جسوره إلى محافظات مصر، وتخرجت منه ثلاث دفعات انضم بعضهم لفرقة مسرح الشباب وأخذوا مكانهم بين المحترفين، ثم دخلت هيئة قصور الثقافة لتشارك من خلال أنشطتها في محافظات مصر لتثبيت نجاح هذه التجربة واستمراريتها جنبًا إلى جنب مع مسرح الشباب التابع للبيت الفني للمسرح.

خامسًا: حقوق الملكية الفكرية أيضًا، جاءت من أهم التداعيات التي فرضتها وسائل وأدوات السوشيال ميديا، فهذه المنصات والمواقع تحترم حقوق الملكية الفكرية وتطبق قوانينها ومعاهداتها الدولية وخاصة القوانين التي تحمي حق المؤلف، وتلزم كل من يستخدم مصنف فني -قديم أو جديد- لم يُكتب خصيصًا للعمل المسرحي أو للمحتوى الذي سيعرض على هذه المواقع أو المنصات( أغنية أو مشهد أو صورة)_ أن يقدم لها ما يثبت أنه دفع حق استغلال هذا المصنف وحصل على موافقة كتابية وإذن من أصحاب هذه الحقوق أو من يخلفهم، سواء كان مؤلفًا أو ملحنًا أو كاتب سيناريو أو مخرجًا أو منتجًا، وقد أصبحت قوانين الملكية الفكرية وحق المؤلف وقوانين الأداء العلني والإتاحة العلنية معمول بها في أغلب الدول العربية، وكلها تعتبر الاعتداء على حق المؤلف وحقوق الأداء العلني جريمة قد تصل عقوبتها للحبس، وفي مصر هناك القانون ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ ومواده التي أعطت للمؤلف حق المنح أو المنع لاستغلال مصنفه الفني طالما كان في مدة الحماية القانونية وهي طوال حياة المؤلف وحتى ٥٠ سنة بعد وفاته، وإذا كان المصنف الفني “مصنف مشترك ” مثل الأغنية فتكون مدة الحماية القانونية هي ٥٠ سنة بعد وفاة آخر متوفى من شريكي المصنف(المؤلف والملحن)، وتفاصيل كثيرة لا تغفلها ولا تتجاهلها وسائل وأدوات السوشيال ميديا أو وسائل وأدوات الإعلام الرقمي، وتقوم فورًا بحذف أية مواد لم يحصل منتجوها على موافقة أصحابها، ولم يقدموا ما يثبت أنهم دفعوا هذه الحقوق، وهو ما فرض على مجتمعاتنا الالتزام بهذه الحقوق وخاصة من سيقوم بعرض هذه المصنفات ضمن محتوى سيعرض على وسائل ومواقع السوشيال ميديا بكل أنواعها، وقد رأينا أن موقع” يوتيوب” وفَّر حجمًا ضخمًا من المحتوى القديم والمواد النادرة التي وثقت تاريخ الأمم وفنونها، وهو ما استغله صنُّاع المسرح كثيرًا واستفادوا منه حديثًا في مسرحياتهم.

سادسًا: لأننا نبحث تداعيات السوشيال ميديا كإعلام رقمي خطير وكبير الأثر قبل أن نبحث تداعياتها كوسائل للتواصل، يجب أن لا نغفل توابعها من وسائل اقتحمت الإعلام بكل فنونه ودخلت مؤخرًا على المسرح، وهي المنصات الرقمية مثل منصة”  Shahid ” ومنصة ” Watch it ” ومن قبلهما منصة” Netflix”  ولابد أن نرصد تجارب مثل العرض المسرحي” كوكو شانيل”، الذي شهد عودة النجمة شيريهان بعد طول غياب من تأليف الشاعر د. مدحت العدل وإخراج هادي الباجوري ومن إنتاج العدل جروب، وعرضت على منصة “شاهد” بعد أن اشترتها هيئة الترفيه بالمملكة العربية السعودية، وكان لافتًا أن هذا العمل قد صنع بمستوى مقاييس ومعطيات وتقنيات شاشات المنصات الرقمية الأقرب إلى تقنيات السينما، فمؤلف العرض هو شاعر وسيناريست، ومخرج العرض هو مخرج سينمائي، بل إن مصممة الملابس هي ريم العدل واحدة من الموهوبات في التصميم للسينما والدراما، وكذلك كان فريق التصوير والإضاءة وغيرهم، وهي تقنيات أضافت للعرض بالطبع ووضعته في مصاف العروض الأوروبية لكنها ملاحظة كانت لافتة لتداعيات جديدة أخذتنا إليها أدوات الإعلام الجديد ومنصاته الرقمية، وفي نفس الاتجاه كان موسم الرياض حافزًا لظهور مسرحيات تعرض عدة ليالٍ ليتم تصويرها حصريًّا للمنصة، مثل مسرحية “حبيبتي من تكون” عن حياة العندليب عبد الحليم حافظ التي أخرجها المخرج السينمائي أيضًا خيري بشارة وكتبها عزة شلبي ومحمد نبيل، وقام ببطولتها مجموعة من المواهب الواعدة، وقد صمم العرض في لندن على يد خبراء بريطانيين وعرب؛ ليقترب من عروض “برودواي” ، ومسرحية” نص الليل” التي كتبها أيمن بهجت قمر بعد أن استوحاها من بعض أعمال والده بهجت قمر، وأخرجها المخرج السينمائي عمرو عرفة، وقام ببطولتها غادة عادل وحسن الرداد وريم مصطفى في أواخر ديسمبر٢٠٢١، وأوائل يناير ٢٠٢٢، ثم جاءت مسرحية ” الليلة الكبيرة” التي كتبها وليد يوسف وأخرجتها اللبنانية بتول عرفة وقام ببطولتها نيكول سابا ومحمود عبد المغني، وعرضت لثلاثة ليالٍ ضمن احتفالات موسم الرياض بعيد الفطر المبارك بمسرح بكر الشدي ببوليفارد الرياض، وكان محمد هنيدي قد سبقهم إلى هذا المسرح بمسرحية “سلام مربع” تأليف وإخراج د. خالد جلال وبطولة نسائية لأيتن عامر في افتتاح موسم الرياض في نوفمبر ٢٠٢١، وحسبما تم التصريح به من المستشار تركي آل شيخ فإن عددًا ضخمًا من المسرحيات لدول عربية أخرى سوف تدخل تباعًا نفس السوق وتلقى نفس الاهتمام، وبالتوازي مع هذه العروض الجديدة اهتمت المنصات بشراء  بعض المسرحيات القديمة للفنانين الكبار أمثال (عادل إمام وسعيد صالح وسمير غانم … وغيرهم)، كما اهتمت منصات حكومية بعرض ما لديها من كنوز أرشيفها المسرحي القديم، والحقيقة أن وجود منصات عربية وأدوات تواصل وإعلام رقمي عربي هو حماية من منصات أخرى لها شروطها التي تخرج أحيانًا عن ثوابت مجتمعاتنا وهويتنا العربية، بل وتكرس كل إمكانياتها وطاقاتها من أجل تحطيم هذه الثوابت، ونحن إذا ضمنا وجود أدوات ومنصات عربية تضمن عدم انصياع البعض لشروط المنصات الغربية فلا قلق على مستقبل المسرح ولا خوف عليه من هذه التداعيات التي أحدثتها، والتي فرضتها أدوات ومواقع ومنصات السوشيال ميديا والإعلام الرقمي” الديجيتال”، فكما نرى فإن التداعيات السلبية تقابلها تداعيات إيجابية كثيرة يمكن للمسرح أن يستفيد منها إذا تحصنا بالوعي الكافي للتعاون مع هذه الأدوات وما يمكن أن تضيفه، وكذلك الحرص على عدم الانصياع لشروطها في تقديم محتوى منافي لثقافتنا وهويتنا أو محتوى يشجع على التطبيع معها أو تبنيها في عالمنا العربي مثلما رأينا من بعض المنصات الغربية القائمة على تبني كل ما هو غريب عن ثوابت مجتمعنا العربي.

اظهر المزيد

فوزي ابراهيم

كاتب وناقد مصري ورئيس تحرير مجلة الكواكب الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى