في هذا الكتاب يقدم السيد (عمرو موسى) شهادته الموثقة من عشر سنواتٍ صاخبة، أمضاها أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية خلال الفترة من(2001م إلى2011م)، حيث يصطحبك إلى الجلسات المغلقة والساخنة في القمم العربية المختلفة، ويدخل بك إلى اجتماعات وزراء الخارجية العرب في اللّحظات الحرجة التي مرَّت على العالم العربي من حروب وخلافات وانقسامات سياسية؛ لتَسمع وتُشاهد وتَطَّلع بنفسك على رؤية جميع القادة في القضايا والأزمات التي عاشها العالم العربي في عشرية خطيرة ومفصلية من تاريخنا العربي الحديث.
إنَّ ما كشفه (موسى) في هذا الكتاب بشجاعته وبصدقه عن أحداث لم يكن فقط شاهدًا عليها بل أحد صُنَّاعها وأحد اللاعبين الأساسيين في إخراجها .
يَقُودنا إلى مكامن الخطر التي تحيق بالعالم العربي والعمل العربي المشترك؛ ليدق ناقوس الخطر لمن أراد أن يدرس ولمن أراد أن يعرف؛ ليبني مستقبلًا أكثر تفاؤلًا وأملًا أكثر مما فات .
فالقيمة الكبرى المضافة لهذا الكتاب تكمن في أنَّه يقدم سرديّة عربية يكتبها الأمين العام بشأن العديد من القضايا العربية الرئيسية خلال سنوات وجوده على رأس مؤسسة العمل العربي المشترك .
أمَّا عن الكتاب فقد قُسّم إلى تسعة عشر فصلًا، الفصول الأربعة الأُولى يسرد السيد (عمرو) بوادر تولية منصب أمين عام الجامعة العربية بعد رفض الرئيس مبارك تمديد فترة ولاية السيد عصمت عبدالمجيد في الجامعة لمدة أخرى، في تلك الفترة يقول السيد (عمرو) أنَّ الرئيس ظل كلما التقي به في المناسبات الرسمية أو في اللّقاءات الأخرى؛ لعرض أمر من أمور السياسة الخارجية عن الموضوع قال: ” أنا محتار نرشح مين أمين عام للجامعة العربية” والرسالة كانت واضحة أنَّه يستدرج إلى نقاش ينتهى بعبارة ” ما تروح أنتَ ” .
إلى أن جاء تليفون من سكرتير الرئيس للمعلومات السفير ( ماجد عبد الفتاح)، بدأ حديثه:” بأنَّ الرئيس يطلب من الوزير أن يعرض اسمًا أو أكثر يصلح أمينًا عامًا للجامعة العربية، وأنَّ الوقت أزف؛ لتتقدم مصر باسم مرشحها للمنصب الكبير، وأردف أنَّه بكل صراحة يرى أنَّ لا أحد يصلح إلَّا سيادتك وهو أيضًا رأى الرئيس”، وأدرك السيد (عمرو) أنَّها رسالة من الرئيس، وكان رده أنَّه موافق .
وأعلنت مصر خبر الترشح لخلافة د.(عصمت عبد المجيد) رسميًّا في ( 5 فبراير 2001 م)، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في مصر كما في كثيرٍ من العواصم العربية والعالمية، وكان هناك شعور عربي يرى أنَّ إبقاءه على رأس الخارجية المصرية أنجح وأكثر فائدة للمصالح العربية العليا .
وتم انتخابه أمينًا عامًا للجامعة العربية في القمة العربية التي انعقدت في العاصمة الأردنية عمان في( 27 مارس 2001 م)، وظهر فيها تقدير كبير من الملوك والرؤساء لوزير خارجية مصر المرشح أمينًا عامًا .
ورأى السيد (عمرو) أنَّه لم يكن هناك مَفر من إحداث تَغيير جذري في ذهنية العاملين في الجامعة العربية وكذلك ميثاقها الجامد منذ نشأتها سنة 1945 م ، فلابد من إعادة هيكلة تُشبه التي أحدثها في وزارة الخارجية عندما تولى منصب وزير الخارجية سنة 1991 م.
ومن أُولى القضايا التي فرضت نفسها، فور أن تولى السيد(عمرو) مهام منصب أمين عام الجامعة العربية مسألة تَوقف المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة بخصوص التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تزعم أنَّ العراق يمتلك أو يسعى لامتلاك بعضها- خصوصًا الأسلحة النووية .
ففي (نوفمبر 2001 م) كانت الزيارة الأُولى للأمم المتحدة بصفته أمينًا عامًا للجامعة العربية؛ لحضور اجتماعات الجمعية العامة بعد أن تأجلت عن موعدها المقرر من سبتمبر من كل عام ووقوع هجمات( 11/9) ، ويتحدث إلى الأمين العام (كوفي عنان) حيث قال له:” لا يليق في عهدك والأمم المتحدة تحت رئاستك، ألَّا يكون هناك مجهود واضح في منع حرب وشيكة على العراق”، وكان رد السيد (عنان): “أنَّه يحاول ولكن (صدَّام) عنيد” وكان رد السيد(عمرو) :” لابد أن نمنح العراق فرصة للإفلات من الحرب التي تسعى إليها واشنطن، سأزور الرئيس العراقي في يناير ضمن زيارات لرؤساء الدول العربية بمناسبة تَسلُّم مهام منصب أمين عام الجامعة العربية”.
وكانت الزيارة الأُولى إلى العراق في (يناير 2002 م) وكان من الصعوبة على المسئولين العراقيين أن يعبروا من الحقيقة رغم شعورهم بخطورة الموقف – لاسيما بعد أحداث ( 11/9 )، وكان من الممكن استشفاف الشعور بأنَّهم غير موافقين على ما قام به (صدام) وهم يُعايشون نتيجة مواقفه، ولكنَّ معظمهم خائفٌ منه، ربما بمثل ما هم خائفون على بلدهم مما هو قادم .
ثُمَّ يحكي السيد (عمرو) بعد ذلك عن استقبال الرئيس (صدَّام حسين) له في إحدى القصور ومعه وفد يضم السيد( أحمد بن حلي) نائب الأمين العام ( رحمه الله ) والسيد السفير(حسين حسونه) رئيس بعثة الجامعة لدى الأمم المتحدة في واشنطن، والسفير( هشام بدر) مدير مكتبه، حيث تحدَّث السيد(عمرو) إلى الرئيس (صدَّام) بلهجةٍ حادة حسب قوله حيث يقول من حضـرها: ” أنَّها أعنف لهجة تحدث بها مسؤول إلى(صدَّام حسين) “،حيث أعاد على الرئيس العراقي ما قاله لكبار مساعديه دون الإشارة إلى حديثه معهم، من الجمود التي تبديه وفوده في الجامعة العربية وعتب عليه تعامله غير الإيجابي مع زيارة خبراء الأمم المتحدة المعنيّين بالتفتيش على أسلحة الدمار الشامل في العراق، وقال أيضًا:” أنَّ العراق يخسر تعاطف منظمتين كبيرتين، حيث نقل إليه رسالة الأمين العام (كوفي عنان) في هذا الشأن، حيث يخسر العراق دعم الجامعة العربية ويفقد ساحة الأمم المتحدة” .
قبل أن يجيب قال السيد (عمرو):” اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أوجه لك سؤالًا، هل لديك أسلحة نووية تخشى التفتيش عليها؟”.
أجاب : لا يوجد لدى العراق أسلحة نووية، وأعلنتُ ذلك مرارًا.
ورد السيد (عمرو):” اسمح لي سيادة الرئيس أن أعيد عليك السؤال مرة أخرى، هل لديك أسلحة نووية تخشى عليها ؟”.
ثم ردَّ الرئيس (صدَّام) ويقول السيد (عمرو): “يبدو وأنَّه مأخوذ من اللهجة الحادة” : “لا يوجد لدينا أسلحة نووية”، فردَّ السيد(عمرو):” لماذا تمانع في حضور المفتشين الدوليين ما دام العراق لا يخشى شيئًا ؟”.
الرئيس (صدَّام): “لأنَّ هناك ما نخشاه؛ لأنَّ كل المفتشين الذين يأتون عملاء لوكالات المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، فكان رد السيد (عمرو): ” وماذا لو تأكدت أنَّهم من خارج الـ(CIA)؟ – أى يعملون لحساب الأمم المتحدة- نستطيع أن نشد على المنظمة الدولية لإرسال مفتشين على درجة من النزاهة والاستقلالية، ويمكن تأكيد ذلك من خلال عملية مفاوضات تتم بينكم وبين الأمم المتحدة وبالذات (كوفي عنان)” .
فكان رد الرئيس (صدَّام): ” أنَّه يقبل بذلك، وأنَّه يأخذ بكلامه لأنَّه رجلٌ عربيٌّ محترم”، وأكمل السيد (عمرو): “وهل تقبل أن أنقل هذا الكلام للأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان) ؟” فكان الرد : “نعم، أقبل”، وانطلقت عملية المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة.
وفي (17 سبتمبر 2002 م) أصدر السيد(عمرو موسى) بيانًا أعلن ترحيبه بالخطوة الايجابية التي اتخذها العراق بالموافقة على السماح بعودة مفتشي الأسلحة الدوليين، ورغم ذلك ظلَّت آلة الحرب ماضية في طريقها نحو المسرح العراقي، وجاء يوم( 19 مارس)، وهنا يقول السيد( عمرو): “أنَّه تجرع نفس تلك المرارة التي تجرعها بعد هزيمة سنة 1967 م”، إذ بدأ غزو العراق، وكم حاول تجنب تلك اللَّحظة الجهنمية التي أدخلت بلدًا عربيًّا رئيسيًّا إلى المجهول – في ظل تشرذم عربي – يَكبح أى قدرة على الفعل، وحذَّر من أنَّ غزو العراق سيفتح أبواب جهنم على المنطقة وعلى أمريكا والجميع .
أمَّا )الفصول من الخامس إلى الثامن( فيتناول فيهم بداية القضية الفلسطينية والمبادرة العربية للسلام ، حيث يقول السيد(عمرو) :” أنَّه منذ تبوأ منصب أمين عام الجامعة العربية، كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية قائمة، كما كان التعنت الإسرائيلي مستمرًا بل متصاعدًا، وكذلك كان الجمود يشمل (عملية السلام ) فمنذ تسلم الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش) مهامه رسميًّا في ( 20 يناير 2001 م)، وحتى أحداث (11 سبتمبر) من ذات العام لم تُقدم إدارته أى مبادرة سياسية لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتبنَّت إدارة (بوش) هذا المنحنى بناءً على قراءتها لتجربة إدارة الرئيس (بيل كلينتون)، فكانت ملامح الإدارة الجديدة تجاه القضية الفلسطينية تقوم على عدم التورط في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي بتعقيداته وصعوباته؛ كي لا يضعف الدور الأمريكي في المنطقة بالإضافة إلى أنَّه أمر يمس مقام الرئاسة الأمريكية .
ثم يتحدث بعد ذلك عن الانقسام الفلسطيني بين (فتح وحماس) أو بين (غزة والضفة)، فعقب فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في ( يناير 2006 م)، لم يتخذ موقفًا معاديًّا منها بل طالب بإعطائها الفرصة للدخول في العملية السلمية، ووصف تصريحات العواصم الغربية المنددة بفوزها في الانتخابات بالمتسرعة، حيث أنَّ الديمقراطية والانتخابات الحرة وإرادة الشارع الفلسطيني هى التي أتت بحماس وعلينا احترام ذلك .
وحرصت الجامعة العربية منذ حدوث الانقسام الفلسطيني على حصار هذه الحالة شديدة الخطورة وكانت الرؤى عند الكثير من المتابعين فيما يتعلق بهذا الانقسام الفلسطيني، أنَّه نتاج لتدخلات خارجية، وأعمال مخابرات وتجنيد عملاء، وإنفاق أموال طائلة، للحيلولة دون وحدة الصف الفلسطيني.
فحسب قول السيد(عمرو):”أنَّ المشكلة الفلسطينية قد اغتالتها أو هي في سبيلها إلى الاغتيال للأسباب الثلاثة التالية :-
-غرور القوة وصفاقة التعنت و(الطفاسة) الإسرائيلية .
– الانقسام الفلسطيني .
– الانحياز المطلق من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل .
ويزيد من الشعر بيتًا بقوله وبعض السياسات العربية التي تداهن السياسات الداعمة لإسرائيل أو التي لا تستطيع منها فكاكًا .
ثم ينتقل بحديثه إلى مبادرات الإصلاح والمواجهة القاسية في قمة تونس 2004 م، إذ يقول:” إذا سُئل عن أصعب اللّحظات التي واجهها خلال العقد الذي قضاه أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية، سوف تكون الإجابة لحظة سقوط بغداد، وكذلك تلك الأسابيع التي سبقت انعقاد قمة تونس وأجواء تأجيلها من (مارس إلى مايو 2004 م) بعد أن صارت القمة العربية مناسبة للانسحابات والتلاسن بين القادة المجتمعين، وهو ما تم خلال القمتين الأولتين اللّتين حضرهما بصفته أمينًا عامًا، سواءً في (بيروت 2002 م، أو شرم الشيخ في 2003 م)، وتطلب حركة سريعة للحفاظ على الحدود الدّنيا من العمل العربي المشترك” .
فكانت أصعب اللَّحظات التي سبقت قمة تونس في (مارس 2004 م)، بالنظر إلى جملة القضايا التي كانت تحيط بالعالم العربي وقتها، فعلى الصعيد الفلسطيني كانت مواجهة ممارسات حكومة (شارون) البالغة القسوة بحق الشعب الفلسطيني، بل أنَّه عمد إلى تمزيق أوصال تلك الأرض في الكثير من المناطق، وهو ما قاومته الجامعة العربية في محكمة العدل الدولية .
وفي العراق كان الاحتلال الأمريكي يفكك الدولة، وكان الرأي العام العربي تحت صدمة الانتهاكات التي اقتُرفت في حق عراقيات وعراقيين في سجن(أبو غريب)، ومجلس الحكم الانتقالي في العراق يتطلَّع إلى دعم الجامعة العربية .
سوريا أيضًا كانت في المرمى المؤثر للنيران الأمريكية، والقادة العرب أنفسهم كانوا يعانون أيضًا خلال تلك الفترة من ضغوط خارجية كبيرة للمُضيّ قدمًا في مشروعات للإصلاح السياسي داخل بلدانهم، بعد اقتناع تَولَّد لدى الإدارة الأمريكية بعد أحداث ( 11 سبتمبر) بأنَّ تطبيق الديمقراطية في العالم سيحُول دون خروج إرهابيين من تلك البقعة من العالم للهجوم على الغرب .
كما أنَّ العقيد (القذافي) كان مُصرًا على أن تخرج من القمة إشادة بقرار ليبيا الصادر في )19 ديسمبر 2003 م( الذي أعلنت فيه تفكيك برنامجها للأسلحة غير التقليدية طوعًا، وضرورة أن تحذو الدول الأخرى حذوها، وهو الأمر الذي لم تُرحب به أكثر من دولة عربية خصوصًا سوريا .
بالإضافة إلى مشكلات مع عدد من الدول العربية التي امتنع بعضها عن دفع الحصص المالية السنوية لميزانية الجامعة العربية لخلافات لها مع الأمين العام .
ثم يتناول بعد ذلك ملابسات تأجيل القمة العربية في تونس، ومكالمة السيد (زين العابدين) الرئيس التونسي له تليفونيًّا وتوضيح سبب التأجيل وهو بالقطع بسبب الخلافات في وجهات النظر بين وزراء الخارجية العرب، وهو ما سينعكس بالسلب على اجتماعات القمة في تونس، ثم مغادرته تونس إلى القاهرة ومقابلته الرئيس (مبارك)، وأبدى السيد (عمرو) رأيه للرئيس بالتأكيد على إقامة المؤتمر بتونس لعدة اعتبارات تفهمها السيد الرئيس بعد أن طلب بإقامة المؤتمر في مصر بدلًا من تونس .
وتم انعقاد القمة في ( 22 مايو 2004 م) في تونس، والتي خرجت بعدد من القرارات بشأن عملية الإصلاح والتطوير والتحديث في العالم العربي، حيث احتوت على عدد من الوثائق الأساسية التي شكَّلت مرجعية لعملية الإصلاح والتطوير والتحديث .
أمَّا (الفصول من التاسع إلى الثالث عشر) فيتحدث فيهم عن لبنان ويبدأ من حيث مصرع (رفيق الحريري) مع (21) شخصًا عندما انفجر ما يعادل الطن من مادة (TNT) ، وتوَجَّه السيد(عمرو) إلى بيروت واعتذر عن حضور المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية في اليمن، وكان واضحًا أنَّ أقطاب الطائفة السُّنية وبعض الأحزاب المارونية وغيرهم يشيرون بأصابع الاتهام إلى سوريا، وبعضهم أشار بأصابع الاتهام إلى حزب الله ولكن بالأساس كان الاتهام موجهًّا إلى سوريا، فوجد أنَّ أفضل شئ يقوم به الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يسافر إلى سوريا ويتحدث مع الرئيس (بشَّار الأسد)، وبالفعل سافر إلى سوريا وقابل الرئيس (بشَّار الأسد) وكان الحديث صريحًا جدًا حيث قال: “يا سيادة الرئيس، إنَّني جئت من لبنان حيث المشاعر متأثرة بعدما حدث، وأن مصرع (رفيق الحريري) لن يمر بسهولة، وأنَّ موضوع الوجود السوري في لبنان أصبح الآن مطروحًا بقوة وهناك مطالبة كبيرة جدًا بانسحاب القوات السورية، أصحاب هذه المطالب لا يتحدثون من فراغ عن انسحاب القوات السورية بل يستندون إلى القرار عام 1559 م، الذي اتخذه مجلس الأمن في )2 سبتمبر2004 م)”. ويستكمل أنَّه نقل هذا الكلام ،وإنَّه يسمع اتهامات واضحة لسوريا بقتل (الحريري)، ومن ثم فإنَّ الوقت مناسب لإعادة النظر في موضوع الوجود السوري في لبنان للتهدئة وإدخال عناصر إيجابية إلى موقف ملئ بالسلبيات .
فقال السيد( بشَّار):” أنا أول رئيس سوري يسحب قوات من لبنان، فقد كان هناك أكثر من (60) ألف عسكري سوري عند وصولي إلى الحكم، خفضت العدد إلى( 35) ألف عسكري الآن، ومستعد أن أسحب قوات إضافية ولا مانع لدي أن أسحب جميع القوات؛ لأنَّ العلاقات اللّبنانية السورية لا تعتمد على الوجود العسكري”. فسأله السيد (عمرو):” هل أستطيع سيادة الرئيس أن أعلن أنَّك قررت سحب الجيش السوري من لبنان ؟”. فقال : “نعم تستطيع إعلان ذلك، فأنا قلت لك أنَّني سأسحب الجيش” .
وأعلن أنَّ الرئيس (بشَّار الأسد) فعلًا قرر سحب القوات السورية من لبنان وأنَّه سيبدأ بهذا قريبًا، وعاد من سوريا إلى القاهرة ووصلها مساءً، وفتح الراديو في السَّيَّارة وسمع على إذاعة(BBC) تكذيب مسئولين سوريين لما ذكره الأمين العام لجامعة الدول العربية عن أنَّ الرئيس (بشَّار الأسد) تحدث إليه عن سحب القوات السورية من لبنان .
واتَّضح بعد ذلك أنّ الرئيس (الأسد) أمر بإصدار تصحيح يؤكد أنَّ الرئيس قال هذا الكلام للأمين العام، الأمر الذي يدل على مصداقية الرئيس، في حين أن َّالمساعدين أو الإدارة السورية حاولت أن تضع غطاءً على عملية انسحاب القوات السورية، وربما كانت ضد هذا الانسحاب، إنَّما الرئيس كان واضحًا في تفكيره وفى حركته، وبدأ بالفعل في تخفيض القوات ثُمَّ سحبها جميعًا .
وبعد ذلك قرر السيد(عمرو) التمهيد لدور الجامعة العربية الواضح والفاعل الذي لايترك للآخرين (ملعب لبنان السياسي)، وهو في النهاية الذي حصل، كان هناك لاعبان ثابتان هما (سوريا ولبنان)، ولاعب ثالث يمكن وصف دوره بالتاريخي هو (فرنسا)، وأنَّ هناك لاعبًا رابعًا لايمكن تجنبه وهو (الولايات المتحدة)، ومن الجانب الخليجي هناك لاعبان لهما أوراق كثيرة في لبنان تُمكّنهما من أداء أدوار نشطة وهما (المملكة العربية السعودية وقطر)، وكانت الأخيرة بالذات تواقة للعب دور رئيسِ في أحداث لبنان .
أمَّا بالنسبة للسودان فإنَّه يرى أنَّ السودان لا تحظى بالاهتمام الكافِ ولا تتمتع بتركيز الأضواء عليها أو انعكاسات أوضاعها على القوى العربية الشاملة والاستقرار الإفريقي المنشود، على الرغم من أهميتها الإستراتيجية البالغة مصريًّا وعربيًّا وإفريقيًّا .
أمَّا بالنسبة لموقع السودان في الوطن العربي، فإنَّه يُعتبر جزءًا مهمًا من مستقبل العالم العربي على صعيد أمور عدة على رأسها أنَّه يَصلح إذا ما قام على إدارته مَن يحسنون حكمه ويتمكنون من حُسن استغلال موارده وموقعه، مع كفاءة إدارة التنوع البشري الموجود على أراضيه،إلى أن يصبح قوة إقليمية كبيرة ومؤثرة تُضاف إلى رصيد العالم العربي والقارة الإفريقية – ناهيك عن أنَّه سلة غذاء واعدة يمكن أن تُعطي احتياجات كبيرة للعالم العربي وإفريقيا إذا أحسنت إدارتها والاستثمار فيها بكفاءة .
وبعد انفصال جنوب السودان لعدة عوامل تضافرت في خلق تغذية الصراع بين الجنوب والشمال منها: التعددية العرقية في السودان بما في ذلك جنوبها وتمايزه عن الشمال، وكذلك التعددية الدينية في الجنوب والكثير من العوامل غرس نبتته الاستعمار. فيرى السيد(عمرو موسى) في هذا الصدد ضرورة ضم جنوب السودان إلى الجامعة العربية، وأن توحد الصيغة اللازمة لذلك بفتح مجال للمراقبين والضيوف، ثم يقول أنَّه ربما كان انفصال جنوب السودان أحد الأسباب التي دعته إلى تقديم اقتراحه المعروف إلى قمة سرت (أكتوبر 2010 م) الخاص برابطة الجوار العربي التي طرحت فكرة إنشاء كيان جديد يجمع الدول العربية وجيرانهم جميعًا ومنهم جنوب السودان في منظمة إقليمية تحيط بالجامعة العربية ( ولا تحل محلها ) .
وعن دارفور والصراع فيها فقد أرسل السيد (عمرو موسى) بعثة من جامعة الدول العربية؛ لتقصي الحقائق في وسط وشمال وجنوب دارفور، وكان القليل مما تسرَّب من تقريرها لتقصي الحقائق أن بدأت حكومة السودان في الاحتجاج على الأمانة العامة للجامعة العربية، وقرر الرئيس (البشير) عدم حضور القمة العربية في تونس 2004 م احتجاجًا على ذلك التقرير مع تهديدات مختلفة متعلقة بإثارة دور الأمين العام ومدى تفويضه بالتصرف والأمر بالتحقيق في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء .
كما تحدَّث معه بعض كبار المسئولين في دول عربية، مبدين احترامهم للتطور الكبير في عمل الجامعة ودورها في مواجهة الأزمات العربية، مع النصح بعدم الذهاب بعيدًا في ذلك لما يترتب عليه من تفجير الجامعة من داخلها، ويضيف السيد (عمرو) أنَّه كان يعلم ذلك ولكنَّه يرى ولازال أن دور الجامعة يجب أن يتطور جذريًا وألَّا تقبل الجامعة التغطية أو التجاهل على مواقف شديدة السلبية مثل: الوضع في دارفور حتى كانت زيارته بنفسه إلى دارفور في (يونيو 2005 م).
وتأكيدًا على حرصه على إبراز اهتمام الجامعة العربية بدارفور دعى إلى عقد اجتماع لمجلس الجامعة على مستوى السفراء والمندوبين الدائمين على أرض الإقليم السوداني في( فبراير 2010 م) افتتح فيها عدد من المنشأت العربية .
أمَّا الفصول )من الرابع عشر إلى التاسع عشر(، فيتحدث فيهم في البداية عن المغرب العربي حيث يقول:” أنَّها جزء هام وحيوي جدًا بالنسبة للعالم العربي وجناح رئيسِ وبدونه يقتصر تشكيل العالم العربي على دول الهلال الخصيب ودول الخليج العربي، وتصبح مصر مترددة بين غرب آسيا وشمال إفريقيا دون اللُّحمة التي تجمع البلاد العربية من المحيط إلى الخليج .
ومنذ اليوم الأول له أمينًا عامًا للجامعة العربية بحث عن سياسي أو دبلوماسي أو أيهما من المغرب العربي؛ ليكون الشخصية الثانية في إدارة الأمانة العامة، وبالفعل اختار (نور الدين حشاد) نائبًا للأمين العام من تونس، وقد أدى المهمة بمهنية مشكورة، ثم طلب من السفير الجزائري (أحمد بن حلي) ،أن يقوم بنفس المهمة، وقد صاحبه بهذه السنوات – تقرب من السبع – وقد أعطى للمنصب حيوية وجديَّة كبيرتين .
بالإضافة إلى ارتباط السيد(عمرو) بالرؤساء من المغرب العربي مثل: (زين العابدين بن على) وبعده الراحل (قائد السبسي)، بالإضافة إلى الرئيس (عبد العزيز بوتفليقه)، وهنا يقول:” أنَّ الجزائر دولة كبيرة وثقيلة وغنية، ولها دورها الإفريقي شديد الحيوية، وفي هذا الإطار هناك فرق كبير بين دور الجزائر ودور ليبيا (القذافي) ،الذي كان سطحيًّا وحالمًا في المحفل الإفريقي، فالاخ العقيد كان يعنيه الحصول على لقب ملك ملوك إفريقيا بينما نجد الجزائر حاضرة بقوة في عمق العمل السياسي والاقتصادي في القارة السمراء على اتساعها” .
أمَّا المغرب فترجع سياسته الإقليمية عربية وإفريقية في بواكيرها إلى ملك المغرب الراحل الملك (الحسن الثاني)، وجاء (محمد السادس) بعد ذلك ولديه خطة إصلاحيَّة في رأسه نفَّذها، وله كل التقدير؛ لأنَّه تَعامَل بحنكة وذكاء مع موقف شديد الخطورة في العالم العربي منذ ثورة تونس في (ديسمبر 2010 م)، لقد أخذ خطوة استباقية بإجراء إصلاحات مبكرة في الدستور الغربي .
ثم يقول: “أنَّه عندما اقتربت سنة 2011 م، وهي السنة العاشرة له كأمين عام للجامعة العربية بعد فترتين كاملتين في هذا المنصـــــب، كان قد قرر أن يعتذر عن محاولات التجديد له لولاية ثالثة، لم يكن يدري أنَّ زلازل وبراكين سياسية بهذا الحجم الهائل سوف تنفجر في بلاد العرب على هذا النحو الذي جرى، فتُجهز على حكام كانوا يحسبون أنفسهم من القوة والمنعة ما يحول بينهم وبين ثورة شعوبهم المقهورة ، ويحول كذلك بينهم وبين إدراك الأزمات الحقيقية التي تعاني منها دولهم، ومن ثَمَّ عدم التحرك الجدي لعلاجها وإصلاحها، وكان بالفعل يتوقع حدثًا شعبيًّا كبيرًا كرد فعل على الأوضاع المتدهورة حضاريًّا ومعيشيًّا، وقد عبَّر عن ذلك صراحة في( 19 يناير 2011 م) أمام القمة الاقتصادية العربية بشرم الشيخ” .
ويسترسل السيد (عمرو) بالحديث عن الثورة اللّيبية ودور الجامعة العربية في حماية المدنيين وبعد مقتل (القذافي) يقول:” أنَّه حزن حقًا عليه، كان طريفًا ومغرورًا ويفترض في نفسه العبقرية ويُشكّك في ذكاء كثيرٍ من الرؤساء العرب، كان سعيدًا كالأطفال بلقب (ملك ملوك إفريقيا)، ويرفض تلقيبه بالرئيس ويُصر على تلقيبه أحيانًا بالزعيم “.
أمَّا عن مواجهة البرنامج النووي الإسرائيلي أم الإيراني ؟ فالسيد (عمرو) لديه إيمان عميق بأنَّ توحيد الرؤية العربية للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط هو نصف الطريق نحو رفع القدرات التفاوضية للمجموعة العربية أمام محاولات بعض القوى تفتيت الموقف العربي من أى قضية خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي الذي يؤكد مِرارًا أنَّ الجامعة العربية حدَّدت رؤيتها للأمن الإقليمي في المنطقة على أنَّه لن يتحقق بأمور أخرى إلَّا بإزالة أسلحة الدَّمار الشامل من دول المنطقة جميعها دون استثناء .
ثم ينتقل بحديثه بعد ذلك إلى موضوع آخر وهو تطوير هيكل العمل العربي المشترك والعلاقات العربية الدولية، فبالنسبة للأمانة العامة للجامعة العربية فقد تم استحداث منصب المفوّض العربي؛ ليتولى قيادة العمل العربي في موضوعات مستحدثة ( حوار الحضارات والمجتمع المدني )، وتم اختيار شخصيات عربية تتميز بالحنكة والخبرة، وتمت إعادة هيكلة دور الأمناء العامين المساعدين بما يحقق الإشراف على آليات العمل في الأمانة العامة تنظيميًّا وقطاعيًّا، ويحقق تمثيلًا أوسع للدول الأعضاء وبالمناصب القيادية في الأمانة العامة، وتم لأول مرة تعيين عنصر نسائي؛ لتولي منصب أمين عام مساعد، ومن ثَمَّ تم استحداث منصب نائب الأمين العام واستخدام نظام رشيد للحصول على الخبرات المتميزة التي يحتاجها تحديث العمل داخل الأمانة العامة وفقًا لتعاقدات محددة المدة ومرتبطة ببرامج ومشروعات معينة .
ثم يتحدث السيد(عمرو) أخيرًا عن مستقبل النظام الإقليمي (رابطة دول الجوار العربي)، حيث يشير إلى أنَّه طرح مبادرة إنشاء رابطة الجوار العربي خلال انعقاد القمة العربية في مدينة سرت (مارس 2010 م)، فقد استلهم هذه المبادرة من تجارب إقليمية نجحت في مناطق متفرقة من العالم، فقد سبق الاتحاد الأوروبى أن عمل على سياسات متنوعة لإدارة علاقة بدول الجوار الأوروبي، حيث خضعت هذه الدول إلى التصنيف إلى فئات متعددة يتم التعامل مع كل منها بطرق ومضامين مختلفة وفقًا لدرجة كثافة ونوع العلاقة المطلوبة بالإضافة إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا ( الأسيان) وغيرها من المنظمات والمجتمعات الاقتصادية الأسيوية التي ابتكرت آليات إقليمية مشايعة لتنظيم علاقتها مع دول الجوار .
وقد هدفت هذه المبادرة إلى تحقيق ثلاثة أهداف:- أولها: خلق تكتل قاري داعم للعالم العربي في صراعه مع إسرائيل، وفى نفس الوقت اجتذاب إسرائيل إلى تخفيف غلواتها، والثاني: فتح الباب أمام حوار (عربي إيراني) و(حوار عربي تركي)، بالإضافة إلى حوار (عربي – تركي – إيراني)؛ لغلق الطريق بوجه الفتنة الطائفية في المنطقة، والثالث: إطلاق عملية أمن إقليمي واسع يضم البحر الأحمر والأبيض وما حولهما وصولًا إلى شواطئ الخليج العربي ومياه المحيط الهندي، والرابع: تعميق التعاون والتداخل العربي الإفريقي المتوسطي.
وقد أظهرت مُجمل ردود الفعل بخصوص المبادرة أنَّ الدول العربية قبيل مرحلة الربيع العربي، لم تكن في موقف يسمح لها بتبني هذه المبادرة أو بذل جهود حقيقية للاستفادة منها، فخشى البعض أن تخرج إيران من عزلتها أو تنامِ الدور التركي، الملخص أنَّ الكل كان قلق ويخشى من مفاجآت الحركة إلى أن جاءتهم مفاجآت القدر.