2021العدد 185عروض كتب

العلاقات العراقية التركية إشكاليات القضايا والمصالح المتغيرة

­إنَّ طبيعة المواقف التركية مع دول الشرق الأوسط كانت ثانوية بالمقارنة مع علاقاتها بالغرب ، وقد مهَّد انهيار الاتحاد السوفيتي السبيل لإحياء النزعة الإقليمية لدى تركيا ، وتزامن ذلك مع بروز تساؤلات حول مدى أهميتها للغرب ، مما حفز تركيا للاهتمام بدورها في الشرق الأوسط خاصةً في الجانب المتعلق بمواقفها تجاه (العراق وسوريا وإيران) على صعيد الاقتصاد والمسألة الكردية والحدود والمياه هذا بالإضافة إلى أنَّ تركيا تولي أهمية خاصة لعلاقاتها بالعراق لعدة أسباب منها اعتبارات سياسية وأمنية وموضوع المياه والمصالح الاقتصادية .

أمَّا الفصل الأول من الكتاب: فيتناول موقف تركيا من قضايا الأقليات في العراق ، حيث تُشكل الأقليات مصدرًا من مصادر التوتر وعدم الاستقرار للدول بشكلٍ عام والدول النامية بشكلٍ خاص ، كما أنَّ امتداد هذه الأقليات المجاورة جغرافيًا يمكن أن يصبح من مصادر التوتر بين هذه الدول ، ومن هنا يتحدث الكاتب عن قضية الأكراد ، حيث تؤكد أغلب الدراسات أنَّهم شعب آري يتكلم لغة ترجع في أصلها إلى المجموعة الهندو- أوروبية وتستعمل الحروف العربية في الكتابة باستثناء الأكراد في جمهورية الاتحاد السوفيتي السابق ، إذ تستعمل الأبجدية الروسية ، وبعض المحاولات في تركيا لاستعمال الحروف اللاتينية .

 فالأكراد انتشروا على مساحة جغرافية واسعة تقطعت وفقًا لحدود الدول ، ويبدو أنَّ تركيزهم الجغرافي كان ينحصر في (إيران والعراق وتركيا وسوريا) وتشير المصادر إلى أنَّ هناك (380) قبيلة وعشيرة كردية كانت منتشرة في بلاد كردستان (العراق وتركيا وإيران وسوريا ) أيام الدولة العثمانية ، وكان يطلق عليها أسماء كثيرة مثل ( كرد ، دردي ، كدولي ، كرديلي ، مورتانا قرة كوردلون )، أمَّا عن عدد الأكراد في العالم فيصل إلى ما يقرب من (24-27( مليون نسمة موزعة على (تركيا وإيران والعراق وسوريا وأوروبا الغربية ودول الاتحاد السوفيتي سابقًا ) .

ويعد العامل الكردي عاملًا مؤثرًا في استقرار العلاقات العراقية التركية ؛ لأنه العامل القابل للانفجار، وهو الوسيلة الجاهزة لتصفية الحسابات وإدارة المنازعات والحروب حتى إذا كان السبب غير متعلق أصلًا بهم ، فإنَّ وجودهم على جانبي الحدود المشتركة بين الدولتين دومًا مثار قلق للبلدين ومحور للقلق السياسي في إطار العلاقات المتبادلــــة .

هذا وقد ارتبطت تركيا بالقضية التركية (أوضاع الأكراد اجتماعيًا وسياسيًا) وتطوراتها اللاحقة في شمال العراق – خصوصًا بعد حرب الخليج الثانية حيث أنَّها قضية أمنية رئيسية لتركيا دفعتها إلى الانخراط في الشؤون العراقية بشكلٍ لم يكن في حساب صانعي السياسة التركية إذا سعت إلى تطوير سياسة متعددة الجوانب إزاء الأكراد في إطار تحركها لإدارة دور أكبر في التوترات الإقليمية سواءً في المناطق العراقية أو في منطقة الشرق الأوسط وتبلورت هذه السياسة حول ثلاثة محاور أو اتجاهات وهى: (دور الحامِ ودور الوسيط ودور الغازِ) .

ثم يتطرق الكاتب بعد ذلك إلى الاضطرابات التي حدثت بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة (مسعود البرزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة(جلال طالباني) وتعامل كل من تركيا والعراق واستفادتهما من تلك الاضطرابات، وتدخل المسؤولون الأمريكيون الذين بذلوا مساعٍ كبيرة في تقريب وجهات النظر بين الحزبين الكرديين وكانت الدوافع الأمريكية واضحة ، وتهدف إلى إيجاد ممر لدخولها إلى المنطقة عبر بوابة كردستان لإضعاف النظام العراقي .

بالإضافة إلى ذلك فتركيا بضغط من الولايات المتحدة رأت ضرورة تحسين العلاقات تجاه الأكراد، فقررت الموافقة على افتتاح مكتبين للحزبين السياسيين الكرديين في العـــراق  دون أن تمنحهما الوضع الرسمي للتمثيل ، وبهذا حافظت على علاقاتها على المستوى الأمني دون التوجه إلى التبادل الدبلوماسي ، وهذا التحرك كان بطبيعة الحال نابعًا من الخوف التركي – من تعاظم قوة الأكراد في شمال العراق – وبالتالي يكون لذلك تداعيات وتأثير على أكراد تركيا .

ومع تطور الأيام زاد اهتمام الولايات المتحدة بقضية الأكراد – لاسيما بوصول تيار المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض ، حيث أشار تقرير اللَّجنة الأمريكية للأمن القومي عام 2000 م إلى أنَّ القضية الكردية ستبقى عنصرًا من عناصر عدم الاستقرار بين دول المنطقة إذ لم تُعَالج بصورةٍ صحيحة ، وإنَّما الأقلية الكردية التي لم تُحقق دولتها ستصبح ورقة للقوى الدولية لتحقيق مصالح إستراتيجية في المنطقة ، وتطرَّق تقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي إلى مستقبل المنطقة منذ عام 2000 م (حيث قضايا القوميات والعرقيات)، حيث توقع التقرير أزمات قومية في عموم منطقة الشرق الأوسط وسيتجه الأكراد في تلك المنطقة إلى المطالبة بالاستقلال وتكوين دولة مستقلة في العراق مع تنامي النزعة الانفصالية لدى أكراد (تركيا وإيران وسوريا) واندلاع أزمة قومية كبرى في المنطقـــة .

ويرى الكاتب أنَّه مهما ذهبت تركيا إلى أفكار هذه القضية الداخلية ، فإنَّ ذلك لن يكون حلًا على المدى القريب ، وأن لم تتجه إلى الإيجابية مع مشكلتها الكردية والاستمرار في محاولة تصديرها إلى الخارج ، فإنَّ هذه القضية سوف تسبب المزيد من التدهور في علاقات تركيا مع دول الجوار الجغرافي فضلًا على أنَّها ستظل عقبة كبيرة تمنعها من القيام بدور إقليمي سواءً كان تجاه الشرق الأوسط أو أوروبا .

ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن قضية (التركمان) حيث يأتي (التركمان) في المرتبة الثالثة بعد العرب والأكراد باعتبارهم مكون قوي في العراق ويعود أصل التركمان إلى (الأوغوز) الذين انحدروا من آسيا الوسطى وسُموا بالتركمان بعد إسلامهم ، وهناك مَنْ يرى أنَّهم من المغول الذين استوطنوا العراق أثناء غزواتهم أو هم أتراك هاجروا كمجندين في الجيش العثماني من جنوب آسيا الوسطى .

ويحتل (التركمان) موقعًا جغرافيًا متوسطًا ومتميزًا يفصل بين المنطقة الجبلية الشمالية الكردية والجنوبية السهلية العربية ، ويمتد وجودهم في الأراضي المتصلة التي تمتد إلى (قضاء تلعفر) ضمن محافظة نينوى في الشمال الغربي من العراق إلى (قضاء مندلي) في محافظة ديالى في الشمال الشرقي وتوزيعهم الجغرافي شريطًا طويلًا وضيقًا من الأراضي يفتقر إلى عمق إستراتيجي، ومع ذلك فإنَّ هذا الموقع أعطى (لـلـتركمان) أهمية من خلال توسطهم بين العرب والأكراد ، مما أهَّلهم لأن يكونوا عنصر معادلة في التركيبة الاجتماعية والسياسية لعراق متعدد القوميات والطوائف .

وينتشر(التركمان) في العراق في كل من محافظات (كركوك وصلاح الدين وأربيل والموصل وديالى) ويدينون بالدين الإسلامي، إذ يُشكّل السُنة نحـو )55%) والشّـيعة (45%)، وعن الموقف التركي منهم رغم مساندتهم وتقديم الدعم لهم عن طريق خلق تنظيمات توحدهم – كون تركيا تنظر إليهم على أنَّهم أتراك – إلَّا أنَّ الحكومة العراقية في بغداد تعد ذلك تدخلًا صريحًا في الشأن الداخلي .

أمَّا الفصل الثاني من الكتاب فهو بعنوان موقف تركيا من قضية المياه : حيث يعد نهري (دجلة والفرات) من أهم الأنهار التي لها أهمية تاريخية ، وتعتمد عليها العراق اعتمادًا كليًّا كمصدر للمياه ، وقد أظهرت استخدامات أخرى للمياه كتوليد الطاقة الكهربائية وأخذت هذه القضية تتفاقم في أعقاب سعي تركيا لإنشاء مشروع شرق الأناضول وجوهر القضية أنَّ تركيا تنوي تعزيز سيادتها على مياه نهري (دجلة والفرات) على الرغم من أنَّها ثروة مائية مشتركة مع كل من سوريا والعراق وتريد الانفراد الكلي باستثمارها- أى ممارسة السيادة المطلقة عليها- وبفعل السياسات والمتغيرات الدولية والإقليمية تبلورت هذه القضية وأخذت منحنى ضاغطًا في أواخر القرن المنصرم بفعل عاملين :

أولًا : تحكم تركيا بمنابع تدفق مياه الأنهار إلى سوريا والعراق .

ثانيًا : دخول قضية المياه ضمن المشكلات السياسية القائمة بين الدول المعنية.

وتسعى تركيا لفرض وجهة نظرها في السياسة المائية على المنطقة بمساعدة الغرب، مع العلم أنَّ تركيا دولة المنبع لنهري(دجلة والفرات) ، ولا تعاني نقصًا في الموارد المائية ، لوجود أنهار أخرى مثل: نهري (سيحون وجيجون).

هذا ويعد الخلالف على مياه (دجلة والفرات) من أكثر القضايا التي تثير التوتر بين تركيا وجارتيها العراق وسوريا ؛ وذلك بسبب عدم وجود قواعد قانونية ملزمة يُرجع إليها لتسوية النزاع ، ويمكن تحديد الأسباب التي تَكْمُن وراء نشوب هذه النزاعات واحتمال تحوله إلى صراع مسلح إلى عدة أسباب هي:-

  1. وقوع معظم منابع المياه خارج حدود الوطن العربي، ولاسيما (دجلة والفرات والنيل) .
  2. تناقص النصيب النسبي بالنسبة للدولة العربية من المياه بسبب التلوث ؛ وكذلك بسبب السدود والخزانات .
  3. دخول الولايات المتحدة وإسرائيل أطرافًا فاعلة في زيادة حدة الأزمات من خلال دعمها للمشاريع التركية ، وبالرغم من توقيع عدة اتفاقيات ومعاهدات تقوم على تنظيم استخدام مياه نهري (دجلة والفرات) بين تركيا وسوريا والعراق

إلاَّ أنَّ تركيا ترى أنَّ هذين النهرين تركيان ومياههما عابرة للحدود ، ولها حق التصرف في استخدام المياه والتحكم بكيانها التي تذهب إلى الدول الأخرى ، وقد ازدادت حدة القضية بين تركيا وسوريا والعراق عندما أعلنت تركيا رغبتها في إقامة مشاريع على نهري (دجلة والفرات) أبرزهما :-

  • مشروع أنابيب السلام.
  • مشروع جنوب شرق الأناضول .

على أساس أنَّ تركيا ترى أنَّ نهري (دجلة والفرات) ليسا نهرين دوليين وينطبق عليها وصف الأنهار العابرة للحدود ولتركيا حق السيادة على مياهها وأنَّ المباحثات حول

وضع النهرين يجب ألاَّ تتركزعلى موضوع قسمة المياه وإنَّما على موضوع الاستخدام الأمثل للمياه.

وانطلاقًا من إدراك تركيا لأهمية المياه سياسيًا واقتصاديًا ، بدأت تركيا مشروعًا تنمويًّا طموحًا في منطقة جنوب شرق الأناضول متعدد الأغراض يقوم على إنشاء شبكة ضخمة من السدود والخزانات الرئيسية والثانوية على مجرى النهرين الرئيسيين ، وعلى روافدهما المغذية مع شبكة معقدة من قنوات التوزيع والصرف .

   أمَّا عن أثر العلاقات الإسرائيلية – التركية على موقف تركيا من قضايا المياه فينظر على موضوع المياه كأحد بوادر التقارب الإسرائيلي – التركي ، فقضية التمويل الخاص بالمشاريع المائية مصدره إسرائيل ، ولسوء العلاقات التركية تجاه المحيط العربي والإسلامي ، طلبت تركيا المساعدة من إسرائيل (الحليف الأقوى للمؤسسة العسكرية التركية) باعتبارها البلد الأكثر تقدمًا وتطورًا في مجال الزراعة والري، ووافقت إسرائيل على المشروع المائي التركي وصرَّحت بأنَّ إسرائيل تنظر إلى مشروع )الغاب) باهتمام زائد ، وهي مستعدة للمساهمة بتقديم الخبرات التكنولوجية الإسرائيلية في مجال الزراعة في هذا المشروع .

وقد لعبت إسرائيل دورًا بارزًا في التأثير المباشر على صانع القرار التركي ، فتشير العديد من المصادر إلى أنَّ إسرائيل كانت وراء إقناع تركيا لإقامة مشروعاتها لتنفيذ (30) سدًا على نهر الفرات مع قدوم عام 2000 م بتكلفة (21) مليار دولار .

أمَّا الفصل الثالث من الكتاب فقد خُصِّص للحديث عن موقف تركيا من حربي الخليج الأولى والثانية:-

فبالنسبة لحرب الخليج الأولى التي استمرت ثمانِ سنوات من (عام 1980 م إلى عام 1988 م)، فقد أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا في (12 أكتوبرعام 1980 م) أعلنت فيه أنَّ تركيا ستبقى على الحياد بين العراق وإيران ، وأنَّها لن تبادر إلى إرسال الأسلحة إلى أى منهما عبر أراضيها .

فقد كانت علاقات الصداقة الجيدة التي ربطت بين العراق وتركيا من جهة وبين تركيا وإيران من جهةٍ أخرى عاملًا مهمًا في تمسك تركيا بموضوع الحياد في هذه الحرب .

ويُذكر في هذا الصدد المساعي التركية لتقريب وجهات النظر التي جاءت متوافقة مع رغبة جامعة الدول العربية التي أشار أمينها العام آنذاك (الشاذلي القليبي) إلى ضرورة أن يسهم أصدقاء العراق وإيران بحل النزاع وخصوصًا تركيا .

أمَّا إسرائيل في ذلك الوقت أى عام 1980 م، فقد عمدت على تزويد إيران بالسلاح ، إلاَّ أنَّ الموقف التركي ظلَّ يُمارس دورًا إيجابيًّا من خلال اللقاءات مع المسؤولين في العراق وإيران .

 أمَّا عن موقف تركيا من حرب الخليج الثانية 1990 م، فيتعلق هذا الموقف بتطورات الموقف التركي من غزو العراق للكويت ومن ثم حرب الخليج ، فيُمكن القول أنَّ هناك عدة عوامل أثرت في ذلك الموقف منها الطموحات التركية بقيام دور أكبر في المنطقة والضغط الأمريكي على تركيا وخاصةً الجيش والأحزاب السياسية الرئيسية برفض أى تورط في الحرب ، ومن هنا توزع الموقف التركي بين الاندفاع والتردد والقلق .

وعلى الرغم من موقفها المتردد من المشاركة أو الرفض إلاَّ أنَّها كانت تطمح أن تقوم بدور ٍعسكري مع الولايات المتحدة في الحرب على العراق ، فكانت تطالب بمكاسب اقتصادية وعسكرية تحصل عليها قبل الاشتراك في الحرب تركزت تلك المطالب على ثلاثة أمور:-

  1. الحصول على ثمن مالي وعسكري للموافقة على استخدام القواعد الأمريكية على أراضيها.
  2. الحصول على موافقة أمريكية على خُطة شاملة؛ لتحديث وتطوير القوات المسلحة التركية، وكانت هذه الخُطة قد عُرضت على الولايات المتحدة ، منذ عدة سنين ورفضتها مرات؛ لتكلفتها العالية التي تبلغ (5( مليارات دولار .
  3. الحصول على تعهدات من حزب(الناتو): أن تمتد نطاق عملياته على كامل الأراضي التركية إن تعرضت للعدوان من العراق أو غيره .

وبعد موافقة الولايات المتحدة حصُلت على ضمانات بالتعويضات لقاء الموافقة على استخدام القواعد العسكرية المتواجدة فى أراضيها ثمَّ حصُلت على حق امتلاك جميع الصواريخ والأسلحة التى ستحضرها الولايات المتحدة والدول الحليفة لها إلى الأراضي التركية بعد انتهاء الحرب .

وأعلنت على إثرها الحكومة التركية استعدادها لإرسال قوات تركية إلى منطقة الخليج العربى بحجة ( المساهمة فى تطبيق قرار الحصار الاقتصادي الصادر من مجلس الأمن ضد العراق) ، وسمحت للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدتي (انجرليـــــــك) و(باطمان) فى العمليات العسكرية ضد العراق، كما أمدَّ الأتراك المخابرات الأمريكية بالمعلومات العسكرية والإستراتيجية اللازمة.

فحرب الخليج الثانية بأسبابها ونتائجها التى أفرزتها ، جعلت من تركيا عنصرًا أساسيًا وجزءًا لا يتجزأ من الأحداث في المنطقة العربية من خلال عوامل النفط والمياه والأمن والأقليات القومية خاصةً الأقلية الكردية فى شمالي العراق .

فيُستشف من ذلك أنَّ الموقف التركي بعد حرب الخليج الثانية قد تغيَّر جذريًّا من موقفها إبان حرب الخليج الأولى ، ففي الوقت الذي كان موقفها قد امتاز بالإيجابية في حرب الخليج الأولى انقلب رأسًا على عقب فى حرب الخليج الثانية ، حيث انحازت وبشكلٍ تام إلى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والحلف العربي إلى حد الاشتراك فعليًّا فى الحرب ضد العراق وذلك بمنح جميع التسهيلات اللازمة ، ويعتقد أنَّه كان نتيجة لتخوف الأتراك من مشروع تنامي قوة العراق قبل حرب الخليج الثانية أولًا والحصول على مكاسب ومغانم سياسية واقتصادية وعسكرية بعدها .

أمَّا الفصل الرابع فهو بعنوان المواقف التركية تجاه القضايا الاقتصادية العراقية ، يمكن القول أنَّ الطرفين (التركي والعراقي) قررا التعاون فى مختلف القطاعات الاقتصادية بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بما يخدم مصلحة البلدين ، وعن المواقف المتبادلة بين العراق وتركيا على المستوى الاقتصادي ساعدت تركيا العراق على تجاوز الأزمة الاقتصادية التى كانت تمر بها منذ أوائل السبعينات من القرن العشرين .

أمَّا عن موقف تركيا تجاه العراق فى الثمانينات فقد قدَّمت تركيا ميزات إستراتيجية مهمة وقت الشدة ، من خلال تزويد العراق بالكثير من السلع الاستهلاكية نظرًا لالتزام تركيا فيما يتعلق بحرب الخليج الأولى ، ويتسم موقف تركيا بسبب العلاقات التجارية التى كانت تربطها بكلا البلدين (العراق وإيران) ، فقد أصبحت تركيا أهم القنوات الرئيسية لتصدير النفط العراقي إلى العالم الخارجي حيث يبلغ حجم التعاملات التجارية (1,9) مليار دولار، بالإضافة إلى خط النفط العراقي التركي ومع الوقت تضاعف استيراد تركيا من العراق .

أمَّا بعد الحرب على العراق فى حرب الخليج الثانية فرأت تركيا أنَّ خسارة علاقاتها مع العراق سوف يسبب لها خسائر اقتصادية كبيرة وليس هناك دولة تحل محل العراق فى تعامله الاقتصادي أو تعويض تركيا ، لذا اتخذت تركيا بعد ذلك مواقف لاسيما في السنوات الأخيرة؛ لتطوير وإقامة بعض الجسور التجارية لتنشيط التعامل الاقتصادي مع العراق ، وهذا أثرٌ إيجابيٌ على الاقتصاد التركي ، ويقدر الخبراء حجم التبادل التجاري بين البلدين لاسيما الفترة الأخيرة بأكثر من مليار دولار سنويًا .

ويتضح مما سبق أنَّ العامل الاقتصادي مارس دورًا مهمًا فى تحديد السياسة الخارجية والإستراتيجية السياسية لأيّة دولة سلبيًا وإيجابًيا، فقد أصبحت المقومات الاقتصادية تلعب دورًا رئيسيًّا فى العلاقات الدولية لذا فيعد المتغير الاقتصادي من المؤثرات المهمة الفاعلة ، إذ أنَّه له دور فى تحديد قوة دولة ما ، ومن ثمَّ في سياستها الخارجية .

فالعلاقات الاقتصادية العراقية – التركية هي في صالح تركيا نظرًا لاعتمادها على العراق فى استيراد المواد الخام ومصادر الطاقة الرئيسية فضلًا عن المكاسب الأخرى ، وأنَّ حصار العراق ألحق ضررًا بتركيا ، وأنَّ عودة العلاقات الاقتصادية مع العراق تم بقرارٍ رسمي سياسي أمريكي من خلال المصالح المشتركة، ومن خلال إقامة هياكل جديدة للتعاون خارج حدود خط النفط ، ومن خلال إنشاء شركات صناعية عراقية وتركية مشتركة يسهم فيها عراقيون وأتراك .

اظهر المزيد

غادة مختار توفيق

باحثة مصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى