يتواصل الحديث عبر سنوات عديدة حول مقولة إن العالم سيشهد نظامًا دوليًّا متعدد الأقطاب كنتاج لصراع وتنافس دولي في كافة المجالات بين الولايات المتحدة من جانب وقوى عظمى من جانب آخر من أبرزها ( الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي )، وتعد في هذا الصدد كل من المنطقة العربية والقارة الإفريقية مجالًا حيويًّا لذلك الصراع المحتدم بين تلك القوى، ومصدرًا خَصبًا لتقوية وتعظيم أي من هذه الأقطاب، أي أن كلاهما قوى مفعول بها وليست فاعلة في إطار هذا الصراع وذلك التنافس على نحو لا يتحقق لها تأمين أمنها القومي ومصالح شعوبها على النحو المنشود.
إن ما تواجهه المنطقتان من مخاطر وتحديات مشتركة، تستوجب الدفع نحو التنسيق والتشاور بل والتوحد معًا عبر آليات مشتركة؛ لمواجهتها وتجاوزها والتغلب عليها، كما أن ما لدى المنطقة العربية والقارة الإفريقية من إمكانات وقدرات وثروات طبيعية وبشرية وبالتكنولوجيا الحديثة، تؤهلهما لأن تكونا قوى فاعلةً على المسرح الدولي وقطب من بين الاقطاب الدولية الوليدة.
نطرح في هذا المقال رؤية إستراتيجية تستهدف السعي نحو إقامة تجمع عربي إفريقي يتبلور في قطب دولي في نظام دولي متعدد الأقطاب، ويمكن أن يتم ذلك عبر مبادرة تتبناها القوى الإقليمية الأبرز في المنطقتين العربية والإفريقية ( مصر، السعودية، جنوب إفريقيا، نيجيريا) منفرده من إحداها أو مجتمعة معًا أو من خلال الرئاستين الدوريتين للجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.
واقع الأمر أن المنظمتين تضم منطقة ثالثة بمنظمة مستحدثة خاصة بها ولدت من ثناياهما ، وهى مجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن، وكما سبق الإشارة تتقاطع وتتداخل دول شعوب المناطق الثلاثة وتتشارك في المصالح والتحديات فيما بينها، وفي نفس الوقت تشكل هذه المناطق معًا نطاق الأمن القومي العربي الإفريقي في محيطه الإقليمي ومردوده في الإطار الدولي، تتجسد المناطق الثلاثة (المنطقة العربية ، ومنطقة البحر الأحمر، والقارة الإفريقية) في منظمات إقليمية ثلاثة؛ حيث تتقاطع وتتداخل معًا كدوائر أمنية فيما بينها، وتتوافر لديها من إمكانات وقدرات وثروات ما يؤلها لأن تكون قوة ذات وزن وتأثير على مجريات الأمور الإقليمية والدولية أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا.
يستهدف المقال إيجاد آلية عليا تجمع المناطق الثلاثة؛ لتحقيق الأمن والاستقرار من جانب؛ ولتدفع عملية التنمية المستدامة في اتجاه التنامي والتعاظم في إطار تعاوني تكاملي، في ظل مناخ آمن ومستقر يتجاوز -عبر شراكة جماعية ثلاثية – تحديات أمنية خطيرة ، وعلى نحو يمكن معه أن تكون قطبًا دوليًّا في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب .
واقع الأمر وبصفة عامة يُعد الأمن القومي والتنمية المستدامة وجهين لعملة واحدة؛ إذ إن توفير مناخ آمن ومستقر يأخذ التنمية المستدامة إلى آفاق أرحب وبمعدلات أسرع ، خاصة وأن توفير الأمن والاستقرار في نطاق تلك الرؤية يستوجب- في التقدير- أن يتم في” إطار أمن إقليمي ” عبر منظمات إقليمية تتوافر لديها القدرة والإمكانات اللازمة لتحقيق هذا الغرض، كما أن توفير هذا المناخ الآمن والمستقر إقليميًّا يرتبط عضويًّا بصدد التنمية المستدامة ببرنامج الاتحاد الإفريقي 2063، وبرنامج الأمم المتحدة 2030 والذي يتضمن كل منهما ما يقرب من 18 قطاعًا تنمويًّا في جميع المجالات، أبرزها تلك ذات الطبيعة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية.
تنتظم المناطق الثلاثة (المنطقة العربية، ومنطقة البحر الأحمر، والقارة الإفريقية) في تنظيم هيكلي مؤسسي خاص بكل منها على مستوى الدول أي الحكومات ، وهي الجامعة العربية (22 دولة ) ، والاتحاد الإفريقي ( 55 دولة ) ومجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن الُمنشَأ حديثًا ، وتحددت أهدافه الإستراتيجية طبقًا لميثاقه في ” الأمن والتنمية ” ( يناير 2020 ، مقره الرياض ، يضم ثماني دول مصر، السعودية، السودان، اليمن، الصومال، الأردن، جيبوتي، وهم أعضاء بالجامعة العربية بالإضافة إلى إريتريا وهي عضو بالاتحاد الإفريقي ) .
تجدر الإشارة إلى أن ما تحدث به العالم الجليل الدكتور جمال حمدان في كتابيه ” شخصية مصر” “وإستراتيجية الاستعمار والتحرير” حول موقع مصر الفريد والمتفرد كواسطة عقد وقلب العالم القديم بقاراته الثلاثة (إفريقيا، وآسيا، وأوروبا)، يدفع نحو القول بأن البحر الاحمر “هو واسطة عقد البحار والمحيطات وقلبهم في ذات العالم”، هو بحر دولي مفتوح يضم ممر مائي حيوي حيث قناة السويس ومضيق باب المندب وخليج عدن وجزر متعددة ( حوالى 379 جزيرة) ودول متشاطئة عليه ، البحر الأحمر بصفة عامة هو الرابط بين دول وشعوب العالم العربي وإفريقيا ، وهو برؤية جيو إستراتيجية ، بمثابة ” بحيرة عربية إفريقية ” بساحله الشرقي العربي الذي يضم شرقًا منطقة الخليج ، وبساحله الغربي الإفريقي الذي يضم غربًا شرق إفريقيا حيث منطقة القرن الإفريقي. البحر الأحمر في إطار تلك الرؤية للوصل وليس للفصل بين منطقة عربية والقارة الإفريقية والتي يمكن أن يُعد كلٌ منهما امتدادًا للآخر أمنيًّا؛ لتحقيق الأمن والاستقرار وشيوع السلام، وتنمويًّا؛ لإنفاذ عملية التنمية المستدامة.
وبتقدير أن تصبح المناطق الثلاثة في ” إطار تجمع كوحدة أو كتلة واحدة اقتصادية وسياسية وأمنية” على نمط الاتحاد الأوروبي أو مجموعة دول البريكس ( الصين، روسيا، البرازيل، جنوب إفريقيا، الهند ) في الإطار الدولي، هذا مع إمكانية اعتبار أن دول منطقة البحر الأحمر تدخل ضمنًا في المنطقتين على النحو المشار إليه؛ ليصبح عدد الدول الأعضاء في الآلية المقترحة 77 دولة.
تضم منطقة البحر الأحمر دولًا عربية وأخرى عربية إفريقية، إذًا بموقع البحر الأحمر ينقسم العالم العربي إلى مشرق ليضم 12 دولة عربية، وإلى مغرب يضم 10 دول “عربية – إفريقية ” تضم أكثر من نصف شعوب العالم العربي، ويصبح نطاق الأمن القومي العربي الإفريقي ممتدًا في اتجاه محوره الشرقي ليشمل منطقة الخليج، وممتدًا في اتجاه محوره الغربي ليشمل المغرب وموريتانيا، وممتدًا في اتجاه محوره الجنوبي ليشمل الصومال .
وتُعد منطقة البحر الأحمر بما يتوافر لديها من إمكانات وقدرات اقتصادية وأمنية وعسكرية متقدمة – وخاصة من جانب مصر والسعودية- العمود الفقري للأمن القومي بشقيه العربي والإفريقي من جانب، وقوة اقتصادية ذات وزن وتأثير إقليمي ودولي من جانب آخر، خاصة حال التركيز في عملية التنمية المستدامة على” الاقتصاد الأزرق” القائم على الثروات الطبيعية والخدمية للبحار والمحيطات بما فيها (الغاز، والبترول، والطاقة الجديدة والمتجددة)، ونظيره “الاقتصاد الأخضر” القائم على القطاع الزراعي والثروة الحيوانية وما يرتبط بها من قطاعات أخرى في إطار بيئي صحي سليم آخذًا في الاعتبار تغيرات المناخ وتداعياته .
يبلغ طول ساحل البحر الأحمر 1900 كم، وأقصى عرض 204 كم ، وأقل عرض 19 كم، وتصل طول السواحل 4910 كم، تتوزع تنازليًّا على (السعودية، مصر، إريتريا، السودان، اليمن، جيبوتي، الأردن، إسرائيل)، يبلغ عدد سكان المنطقة 250 مليون نسمة بناتج محلي يقارب 3 تريليون دولار تمر بالمنطقة تجارة دولية لحوالي 2،5 تريليون دولار تمثل حوالي 13 % من حجم التجارة الدولية، تمتلك المنطقة ثروات وموارد طبيعية ضخمة من أبرزها (البترول والغاز والحديد والذهب والفضة والنحاس والرصاص والمغنسيوم)، يوجد بها 300 نوع من الثروة البحرية ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وثروة حيوانية ضخمة.
تتعاظم أهمية المنطقة ووزنها وتأثيرها على مجريات الأمور الدولية أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا حال وضعها في إطار رؤية عربية إفريقية شاملة تشمل باقي دول الخليج بما لديها من إمكانات وقدرات استثمارية وثروات بترولية وغاز وتقدم تكنولوجي؛ ولكونها ” تتاخم مناطق” ذات حساسية بالغة وأهمية إستراتيجية كبيرة من أبرزها الأماكن المقدسة، وحوض النيل وروافده ذو الأهمية البالغة للأمن القومي المائي، كما يمر بها حوالي 60 % من إنتاج نفط المنطقة إلى أوروبا للوفاء باحتياجاتها منه، وحوالي 25 % منه للوفاء باحتياجات الولايات المتحدة، هذا فضلًا عن أن المنطقة تتواجد بها قواعد عسكرية ثابتة وأخرى متحركة، أساطيل وسفن حربية إقليمية ودولية، تكتظ جيبوتي بقواعد عسكرية لكل من السعودية لدعم التحالف في اليمن، فرنسا حوالي 900 جندي؛ لحماية حركة التجارة عبر مضيق باب المندب، أمريكا حوالي 3000 جندي منذ عام 2000 لمراقبة المجال الجوي والبري والبحري لدول محددة في البحر الأحمر (الصومال واليمن) ومراقبة حركة التجارة ، الاتحاد الأوروبي وتُسمى قوة “أتلاتنا”؛ لمكافحة القرصنة في مضيق باب المندب ومراقبة حركة التجارة الدولية، الصين تضم 10000جندي منذ عام 2016 لمدة عشر سنوات، يتردد أن لإسرائيل قاعدة في إريتريا ولدولة الامارات قاعدة في صومالي لاند بالصومال واستحدثت اليابان قاعدة عسكرية بجيبوتي، ولتركيا قاعدة بالصومال 450 جندي، ويتردد أن لإسرائيل قاعدة في إريتريا وأن لدولة الإمارات قاعدة في صومالي لاند .
أما فيما يتعلق بالقواعد المتحركة ويقصد بها (الأساطيل، والسفن الحربية)، فالبحر الأحمر كبحر مفتوح تتواجد به مثل هذه القواعد لقوى محلية وإقليمية ودولية، وقد دفعت العديد من التطورات التي شهدتها المنطقة العربية والقارة الإفريقية مصر إلى تحديث وتطوير قوتها البحرية خاصة في جنوب البحر الأحمر؛ لتكون القوة البحرية السادسة في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا مهددةٌ الأمن القومي المائي لكل من مصر والسودان، وهي دولة مغلقة سعت بالتوازي مع أزمة سد النهضة للنفاذ إلى المحيط و البحر الأحمر عبر اتفاقات مع الصومال لتعقد أربع اتفاقات بأربعة منافذ على المحيط ، ومنفذ خامس عن طريق صومالي لاند، وسادس عن طريق إريتريا فضلًا عن جيبوتي عبر خط سكة حديد يربط بين البلدين، يتم من خلاله تصدير80% من الصادرات الإثيوبية، بل وأنشأت أسطولًا بحريًّا تواجد في البحر الأحمر .
تُوصف القارة الإفريقية بأنها خزان العالم من حيث الثروات الطبيعية – وأنها الصين القادمة أو الهند الجديدة، وسلة غذاء العالم، والأكثر جاذبية للاستثمار الإقليمي والدولي، يقدر إجمالي الناتج المحلي للقارة الإفريقية بحوالي 3 تريليون دولار، ثاني أكبر قارات العالم من حيث عدد السكان والمساحة، بها 65 % من الأراضي الصالحة للزراعة وغير مستغلة، 10 % من مصادر المياه العذبة المتجددة داخليًّا، 30% من الموارد المعدنية وأكبر احتياطي من المعادن الثمينة، 18 % من إنتاج العالم من اليورانيوم وثلث الاحتياطي العالمي منه، 8 % من احتياطي الغاز الطبيعي، 12% من احتياطي النفط، 40 % من الذهب، 90 % من الكروم، أكبر احتياطي من الكوبالت والماس والبلاتين، بجانب الثروة الحيوانية والبحرية الضخمة.
وقد شهدت القارة منذ تولي رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019 قفزات نوعية في الملف الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي بما يدعم الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية؛ بمحاربة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، والإسهام في تسويات لصراعات داخلية بدول إفريقية، وإقامة مشروعات كبرى في البنية التحتية (طرق برية، نهرية، بحرية، ربط كهربائي، الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، خط القاهرة كيب تاون، منطقة الحزام والطريق) عبر استثمارات تم ضخها في هذا القطاع وأيضًا في قطاعات إنتاجية على النحو الذي تعززت معه فرص الاندماج الاقتصادي والتكامل القاري، وتنشيط حرة التجارة الإفريقية / الإفريقية ونظيرتها مع العالم الخارجي- خاصة مع إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، والعمل على مواجهة تحديات تغير المناخ وتداعياته الخطيرة المرتبطة بقضايا المياه وبالتصحر وارتفاع درجة حرارة الأرض ….، وتحديات جائحة كورونا على تطوير قطاع الصحة بتحديث النظم الصحية وبناء القدرات وتوفير مساعدات إنسانية وتوزيع اللقاحات على نحو عادل بل وإنتاجها، وتشجيع الدول الكبرى والتجمعات الإقليمية والدولية على توفير التمويل والدعم في هذا الصدد بل وإسقاط الديون عن دول إفريقية لإزالة عبء الدين الخارجي، يصل إلى حوالي 40 % من إجمالي الناتج المحلي، والذي يعرقل مع عوامل أخرى عملية التنمية المستدامة.
هذا ويمثل رأس المال الطبيعي في إفريقيا 30 إلى 50 % من مجموع الثروة وهو ما يدعم اقتصاد القارة ويعد ملاذًا لخلق الثروة والاستثمارات، ويسمح باتخاذ إجراءات لتحقيق خطة الأمم المتحدة 2030، والاتحاد الإفريقي 2063 بشأن تحقيق التنمية المستدامة من خلال المساهمة المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية .
يضم الوطن العربي دولًا عربية ذات تاريخ ولغة وثقافة مشتركة ويمتد إلى المحيط الأطلسي غربًا وإلى بحر العرب شرقًا ليشمل جميع الدول العربية التي تنضوي تحت لواء الجامعة العربية، وتقع تلك الدول في غرب آسيا وشمال إفريقيا وشرقها، يضم الوطن العربي أيضًا أراضي احتلت وتقع تحت سيطرة دول مجاوره مثل: فلسطين، الجولان، لواء الإسكندرونة، وأقاليم سورية شمالية سلمتها فرنسا لتركيا، وجزر الكناري وسبتة ومليلية وصخرة الحسيمة (تحت سيطرة الاستعمار الإسباني)، عربستان (الأحواز) الجزر الإماراتية ( طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى ) وهي محتلة من إيران، ( عداء مع إيران، تركيا، إسرائيل ).
تمتلك المنطقة العربية حوالي 55 % من احتياطي النفط العالمي ( العراق والسعودية وليبيا والإمارات والكويت )، وأكبر احتياطي من الغاز عالميًّا بحوالي 14 % منه، فضلًا عن موارد طبيعية مثل الفحم والنحاس، وثروة بحرية وحيوانية ضخمة، ويتجاوز عدد سكان العالم العربي 350 مليون نسمة ليقترب من حوالي 6 % من إجمالي سكان العالم، ويقترب إجمالي الناتج المحلي للعالم العربي من ثلاثة تريليون دولار.
وتُعد دول الخليج مصدرًا رئيسًا لرأس المال في أطرة الاستثمارية والمساعدات والقروض…. كما أنها تمتلك ودول عربية أخرى التكنولوجيا المتقدمة في مجالات عديدة على نحو يعزز من فرص تسريع عملية التنمية المستدامة .
يأتي الصراع الإقليمي / الإقليمي كأحد أبرز مهددات الأمن الإقليمي للمناطق الثلاثة ، وإنْ بدا يتمحور حول منطقة البحر الأحمر والخليج، إلا أنه يمتد ليطال بجانب المنطقة العربية، القارة الإفريقية، وخاصة في منطقة الساحل التي تشهد نشاطًا لمنظمات إرهابية متطرفة تدعمها قوى خارجية يهدد وحدة وسلامة أراضي دول بالقارة من أبرزها دول الساحل بالتفتيت والتقسيم على أسس دينية أو عرقية أو مذهبية ….، ولعل أبرز هذه المهددات المحور الإيراني التركي في محاولة لفرض أيدولوجيات ورؤى ذات توجهات متطرفة عبر تدخلات في الشؤون الداخلية ( سياسيًّا وعسكريًّا قوات من الحرس الثوري ، قوات تركية ، مليشيات موالية ومرتزقة …..)، ودعم قوى لتنظيمات داخلية ( حزب الله، الحشد الشعبي …… ) تتبنى هذه التوجهات، وتستخدمها إيران كأذرع سياسية وعسكرية بداخل دول معينة.
تثير هذه الأمور في مجملها نزعات (عرقية، ودينية، ومذهبية، وطائفية، وجهوية)؛ لتفتيت وتقسيم دول بهدف السيطرة والهيمنة على نحو يتم معه تغيير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، تتعاظم تلك المخاطر والتحديات مع سعي إيران لامتلاك سلاح نووي بجانب امتلاكها صواريخ باليستية بعيدة المدى، وبما يوفره هذا المحور، من دعم بأشكاله المختلفة لتنظيمات إرهابية متطرفة تنشط بالوكالة لتحقيق تلك الأهداف، ومن أبرزها (القاعدة وداعش وحركة الشباب الصومالية وبوكو حرام والحوثيين …..)، وهؤلاء منتشرون على نطاق واسع في المناطق الثلاثة من بينها: سوريا،اليمن، الصومال، ليبيا، تونس، منطقة الساحل الخمس في إفريقيا وتضم (تشاد، مالي، النيجر، موريتانيا، إفريقيا الوسطى).
كما تشهد المناطق الثلاثة صراعًا وتنافسًا دوليًّا عليها من جانب القوى الكبرى وخاصة (الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي)؛ لاعتبارات تتعلق بمصالح إستراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية، فضلًا عن مواجهة تحديات الإرهاب وأعمال القرصنة والجريمة المنظمة والهجرة غير المشروعة وجائحة كورونا وتغيرات المناخ وتداعياتها .
إن تحقيق الأمن القومي في إطار الرؤية الإستراتيجية المشار إليها سابقًا -على نحو يتوافر معه مناخ آمن ومستقر للتنمية المستدامة في إطار برنامج الأمم المتحدة 2030 ، وبرنامج الاتحاد الإفريقي 2063، والمنظمات الأم للمناطق الثلاثة( الجامعة العربية، ومجلس الدول العربية، والاتحاد الإفريقي) – يستوجب في ارتباط بتلك الرؤية إنشاء تجمع يضم المناطق الثلاثة ليكون بمثابة آلية ذات هياكل أمنية وتنموية مستهدفًا تعاونًا ثلاثيًّا أمنيًّا لمواجهة التحديات والمهددات الأمنية المشار إليها، وتكاملًا اقتصاديًّا ثلاثيًّا بإمكانات اقتصادية هائلة للمناطق الثلاثة عبر مؤسسات مستحدثة.
يتشكل التجمع على المستوى الأعلى من قمة ثلاثية من الرئاسة الدورية للمنظمات الثلاثة، ويستكمل هياكله على المستويات الأدنى، ويمكن أن يأخذ في تشكيله نموذج الاتحاد الأوروبي أو تجمع دول البريكس في هذا الصدد؛ ليصبح هذا التجمع الإقليمي على المستوى الدولي ذا وزن وثقل أمني وتنموي يضاهي التجمعات والقوى الكبرى العالمية التي قد تعد قطبًا حاليًّا أو مستقبلًّا ( الاتحاد الأوروبي، الصين، الولايات المتحدة روسيا ……)، وقد يكون تحت مسمى ” التجمع (الاتحاد) العربي الإفريقي للأمن والتنمية ” . قد يبدو الأمر بعيد المنال أو من قبيل الأحلام، إلا أنه يستوجب التوجه نحو الأخذ به لاعتبارات تتعلق بما يشهده العالم من صراعات وتنافس وما يواجهه من تحديات جسام في ظل توجه العالم نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، تدفع في مجملها نحو إيجاد قطب عربي إفريقي بين الأقطاب الدولية الأخرى .
ولعل ما يعزز تلك الرؤية، ما يشهده العالم في اللحظة الراهنة من تطورات لأحداث جسام : الغزو الروسي لأوكرانيا ( العملية العسكرية الروسية الخاصة ) ، جائحة كورونا، تغيرات المناخ، بما تفرزه كل منها من تداعيات على النظام الدولي القائم حاليًّا والمتسم بنظام القطب الواحد، ولكنه يبدو في نفس الوقت متجهًا نحو نظام دولي متعدد الأقطاب.