لا شك أن التحديات التي تواجه العالم العربي الناجمة عن التطورات الطارئة محليًّا ودوليًّا، وبروز ظواهر جديدة خلقت وضعًا جديدًا أصبحت الحاجة معه ماسة لمواكبته، بما صاحبه من متغيرات، وهذه التحدياتٌ ألقت بظلالها الكثيفة وعبئها الأكبر على الشباب العربي، ولا سيما أنهم يمثلون النسبة العظمى في البلاد العربية.
مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات شابة ترتفع فيها نسبة الشباب إلى إجمالي عدد سكانها لتصل إلى الثلث أو النصف في بعض الدول، بما يفوق الكثير من حالات غالبية دول العالم الأخرى، خاصة الدول المتقدمة التي تعاني غالبيتها الساحقة من ظاهرة عكسية تمامًا هي الارتفاع المتواصل في نسبة المسنين إلى إجمالي السكان، مقابل تدن مستمر في نسبة الشباب.
ومن الجانب الآخر فمجتمعاتنا العربية تواجه العديد من التحديات ويسهم في تلك التحديات إما بوصفهم أداة أو فاعلًا أو مفعولًا كما في ظاهرة الإرهاب الدولي الذي دخل حياتنا اليومية أو أصبح سمة الحياة في بعض دول المنطقة العربية، فقد استهدف الإرهاب الشباب العربي عبر الاستقطاب والتجنيد؛ لاستخدامهم أداة لتحقيق أهدافه التخريبية ولتدمير مستقبل هذا المورد البشري المهم، فضلًا عن استهداف الشباب العربي ليكونوا ضحية للإرهاب- سواء أكانوا مدنيين أو عسكريين- إضافة إلى تصدير أنماط قيمية لتخريب الثقافة والتراث العربي المتوارث بين الأجيال المتعاقبة، وخلق جيل من النازحين يسمى ( الجيل المفقود ) لا نعلم عواقبه حتى الآن .
وفي هذا السياق تنقسم الدراسة إلى قسمين: القسم الأول، يناقش التحديات الكامنة في واقعنا العربي وتهديد الشباب ذاته .
فالكاتبة تحذر من مجموعة تحديات تواجه عالمنا العربي الناجم بعضها عن تطورات جديدة طارئة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، من متغيرات وتحديات يمس كيان الأمة العربية بالصميم وبعضها الآخر يحمل أبعادًا عدة لا تمس مستقبل المنطقة العربية وإنما وجودها وبقاءها بالأساس.
فبالنسبة للتحديات المرتبطة بالشباب العربي ذاته، فهي تحديات تتعلق بهوية الشباب العربي ووضعه الديموغرافي والتباينات بين فئة الشباب، وبمعنى آخر يعاني الشباب بالوطن العربي من عدد من التحديات التي تتعلق بهم أنفسهم مثل: زيادة أعدادهم في ظل عدم تمتعهم بالمقومات التي تؤهلهم لسوق العمل، وافتقادهم للخبرات العلمية المطلوبة .
فيعاني عالمنا العربي من صراع الأجيال المتجسد في حالة من الصدام بين أبناء المجتمع الواحد حول القيم والأفكار والأهداف التي يقر بها المجتمع أو يسعى لتحقيقها في لحظة ما، مما دفع الشباب إلى تشكيل ثقافتهم الفرعية الخاصة بهم بوصفه ذلك حلًّا للمشكلات الناجمة من الاختلافات والفجوة بين الطموح والمساحة المتاحة لديهم من قبل الأجيال الأكبر سنًّا .
هذا بالإضافة إلى اختلاف شرائح الشباب العربي فعلى سبيل المثال خلق الاختلافات بين منظومة التعليم الوطني أو الحكومي ومنظومة التعليم الأجنبي ومنظومة التعليم الديني شرائح مختلفة، لها ثقافتها الخاصة، فهناك من يتمسك بالقيم الجامدة والمتطرفة في بعض الأحيان، وهناك من يُعلي من القيم الغربية والتمدن والحداثة والتمسك باللغات الأجنبية مقابل العربية، وهناك من يفتقد لمتطلبات سوق العمل بسب عدم ملاءمة المنظومة التعليمية لمتطلبات العمل .
كما شكل الاستقرار السياسي منظومة قيمية مختلفة بكل دولة عن الأخرى، فظهر ما يُسمى (الجيل المفقود)، مثل الشباب الذين وقعوا تحت طائلة النزاعات المسلحة والصراعات الطائفية والعرقية، ووقعوا فريسة للتنظيمات الإرهابية مثل وضع الشباب في (سوريا، العراق، ليبيا، الصومال، اليمن، وفلسطين) خاصة في ظل زيادة أعداد اللاجئين والنازحين بتلك الدول .
واذا نظرنا إلى السياق الاجتماعي الذي يتواجد فيه الشباب يمكن القول: إن الشباب في الدول العربية الأفقر والتي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية، والتي تغفل دورهم، إذ لا يتم تدريب الشباب وتأهيلهم لتولي المسؤولية أي للعب دور اجتماعي مسؤول فيتبارى الشباب فيها في الحرب والقتال ويقعون فريسة الصراع على الثروة والنفوذ دون لعب دور حقيقي، وإنما يلجؤون للعنف .
هذا ويواصل الشباب العربي جملة من التحديات المرتبطة بوقوعهم في المنطقة العربية، منها التشريعي والقانوني، ومنها السياسي المرتبط بالقيادة السياسية العربية، والضعف الذي يعتري مؤسسات المشاركة السياسية، وكذلك تراجع دور الدولة القومية والتغير في بيئة المجتمع الدولي من المنظور السياسي، ومنه أيضًا ما أفرزه الواقع الاقتصادي من بطالة وعمالة للأطفال، إلا أن ذلك ليس بفعل السياق الاقتصادي الداخلي أو الإقليمي في المنطقة العربية؛ لأن منها الناتج عن التغيرات الاقتصادية الخارجية وما أفرزته من فجوات اقتصادية واجتماعية مصاحبة .
أما عن هجرة الشباب العربي فتشهد المنطقة العربية اليوم حركة هجرة على ثلاثة أنماط هي (هجرة العمال النظامية وغير النظامية، والهجرة العشرية، والهجرة المختلطة وهي النوع الأخطر)، فمثلًا العمالة النظامية هي محور قوة لما ينتج عنها من تحويلات للعملات الصعبة، وهو ما يصب في مسيرة التنمية، لكن الأمر الأصعب مرتبط بنزيف العقول، أي هجرة العقول المميزة خارج أوطانها وانفصالها تمامًا وانقطاع علاقاتها بأوطانها، وتزداد المشكلة مع الشباب الذي ولد وتربى خارج الوطن، فتجهل هذه الفئة تاريخ المنطقة والموروثات الثقافية إضافة إلى اللغة العربية، مما يمثل فرصة مهدرة أمام الدول العربية التي تحتاج إلى إعادة النظر والاعتبار.
أما عن التحديات الثقافية لدى الشباب، فتعاني مجتمعاتنا العربية من أزمات ثقافية حادة تشوه هويتها تحمل تناقضات وتهديدات خطيرة، كانتشار الثقافة الغربية في ظل ثقافة العشوائيات وتراجع دور اللغة والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى ظهور الجيل المفقود في سوريا والعراق بسبب الدمار والحرب والتشريد، مقابل ظهور جيل جديد من الأطفال الداعشيين المولد والمنشأ وهو من التهديدات الرئيسة للثقافة العربية وينذر بأزمات متتالية وكذلك الحال بالنسبة للأمن الثقافي؛ فاللغة العربية تتعرض للاختراق بفعل دور برامج المنح الثقافية والتعليمية التي تقدمها الدول الغربية للشباب في الدول النامية، أو بفعل تواجد العمالة الآسيوية، خاصة بالنسبة لدول الخليج العربي، أو بفعل انهيار مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية، والخوف كل الخوف أن تصبح اللغة العربية داخل البلاد العربية هي اللغة الثانية أو الثالثة مع مرور الزمن .
هناك خطر آخر هام يهدد الشباب العربي هو بروز ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب وما نتج عنها من ظواهر اجتماعية وأزمات تهدد بوجود أجيال جديدة تحمل ثقافات مشوهة ما زالت آخذة في التبلور وتهدد مستقبل المنطقة ككل وكذلك ظهور مفهوم الجيل المفقود .
أما القسم الثاني من الدراسة: فتتحدث الكاتبة فيه عن البدائل المتاحة لتمكين الشباب العربي، فبعد استعراض واقع الشباب العربي وما يقابله من تحديات وما تحمله من خطورة على واقع الشباب ومستقبلهم، بل وعلى المنطقة ككل يظهر السؤال حول المخرج وسبل المواجهة أو تقليل كلفة وتبعات هذه المخاطر المرتبطة بالتحديات التي تواجه الشباب العربي مصدر الإنتاج ، كذلك البحث في كيفية تحويل هذه التحديات إلى منفعة وفرص يمكن استثمارها وتنميتها وتحويل الشباب إلى مصدر قوة وليست قوة حرجة تهدد استقرار المجتمعات العربية بل وبناءها .
فمن واقع تحليل واقع الشباب العربي يمكن القول: إن على صناع القرار العرب أن يعوا أن الشباب ليسوا كتلة متجانسة لها احتياجات، فهذا النوع الضخم داخل الدولة الواحدة وداخل الإقليم وداخل الجماعة الدولية_ قضاياه يجب ألا تُجمع ولا يُنظر لها باعتبارها فئة واحدة، استنادًا على (المنطقة الجغرافية أو الفئة العمرية أو الجنس أو أية متغيرات أخرى)؛ ذلك لأن الاقتراب الأفضل هو تفهم اختلاف احتياجات الشرائح المختلفة من الشباب، وأولويات كل شريحة واهتماماتها، وتبنِّي برامج معضلة تلبي احتياجات كل شريحة على حدة، وتوجه مباشرة إلى هؤلاء الشباب .
ثم تضيف الكاتبة: إن نظرية التنمية أو الدولة التنموية التي تسعى المنطقة العربية للوصول إليها تقوم على تعظيم الموارد والأصول ومضاعفاتها وتحقيق التوظيف الأمثل للطاقات البشرية بما يكفل القدرة على الوفاء باحتياج المواطنين في الدولة، ومن هذا المنطق يمثل الشباب العربي موردًا بشريًّا علينا جميعًا الاقتناع وإدراك هذه الحقيقة، فالبروز أو القوة الشبابية ليست كارثة تهدد بقاء المنطقة العربية واستمرارها، وإنما هي مصدر قوة؛ لذلك فإن من المهم استثمار الشباب وتطويره لخدمة المجتمعات العربية ليشارك في ركب التنمية، فالأمر متعلق برؤية وقناعة وحماسة القيادات السياسية للشباب العربي، مما يتوجب تصحيح المفهوم الخطأ والنظرة القاصرة لبعض القيادات العربية.
فيعاني قطاع كبير من الشباب العربي من مشاعر الاغتراب والوحدة والفردية وعدم الاهتمام ، ويترجمون هذا الشعور باللجوء إلى الهجرة غير المشروعة بما لها من أخطار تصل إلى الموت المحقق، أو يلجؤون للانضمام للجماعات الإرهابية والمتطرفة لمعاقبة المجتمع ذاته الذي أهملهم وخيب آمالهم وأضاع طموحاتهم، وتظهر أزمات المواطنة والهوية والاعتماد في ظل غياب القنوات السياسية المشروعة للمشاركة وعدم ثقة الأجيال الأكبر في قدراتهم وإمكاناتهم، من هنا كان البديل اللازم لصياغة بلورة مفهوم المشاركة المدنية للشباب العربي بمختلف طوائفه وانتماءاته .
بالإضافة إن تمكين الشباب العربي لا يمكن أن يتم بجهد فاعل واحد بالمجتمع، حتى وإن كان هذا الفاعل هو الدولة، وإنما لابد من إدراك وجود دور للشباب ذاته في عرض آماله وطموحاته، ودور لمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بمعنى أصح المجتمع ككل .
والحديث عن تمكين الشباب العربي لا يمكن أن يكون بمعزل عن دور وسائل الإعلام بوصفه دورًا داعمًا لا معوقًا ملتزمًا بمواثيق الشرف الإعلامية، ويهدف لنشر الوعي لدى الشباب وإفراز النتائج الإيجابية المشرقة ومواجهة التحديات المجتمعية، وفي هذه الجزئية طرحت الكاتبة عدة توصيات منها :-
- إنشاء منصات مخصصة للشباب العربي تتيح لهم التعبير عن أولوياتهم، وأفكارهم الخاصة بالقضاء على الفساد، ودعم مشاركتهم في صناعة السياسات والقرارات التي تؤثر على مصالحهم الاقتصادية .
- الروابط الشبابية العالمية : استثمر الشباب الثورة المعلوماتية واستطاعوا التواصل بثقافات مختلفة تتجاهل الحدود، فاتجهوا إلى تأسيس روابط قائمة على قيم وحقوق إنسانية مشتركة يمكن أن تكون محورًا ارتكازيًّا للتواصل مع الشباب ونشر الفكر السليم وقيم المشاركة البنَّاءة .
- دعم العمل التطوعي للشباب، بالشراكة مع المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص .
- التواصل والإفادة من الشباب العربي المهاجر، وخاصة الذين ولدوا خارج الوطن العربي، من غياب التواصل مع الأوطان العربية الأم، فهم بين معضلة الاندماج بمجتمعاتهم الجديدة والحفاظ على الهوية العربية، لذا كان هناك ضرورة لاهتمام المنطقة العربية بهذه القوة الضاربة واعتبارها كمخزون إستراتيجي يمكن الاعتماد عليه وقت الحاجة، لذا وجب التواصل معه لإعادة بناء جسور التعاون ومدهم بكافة الطرق الممكنة لتحصين هويتهم العربية .
وتنهي الكاتبة دراستها بالحديث عن طرق التصدي للإرهاب والتطرف بين الشباب العربي حيث تشير هنا إلى برنامج منظمة اليونسكو لدعم الشباب لبناء السلام عبر الإنترنت ( المجتمع الافتراضي )؛ حيث يستهدف دعم مشاركة الشباب في الحياة المدنية، والمشاركة في بناء السلام وتعزيز التنوع الثقافي في حوار الأديان، من خلال تمكين منظمات الشباب والتجمعات الشبابية على الإنترنت والشبكات الافتراضية وحشدها، فضلًا عن غيرها من الجهات المعنية ( صانعي السياسة، الباحثين، وسائل الاعلام، المهنييـــــــن، والأخصائيين الاجتماعيين )، فالهدف الأساسي هو تبادل القيم والمعرفة والقدرات والمهارات، وبناء جسور التعاون والتواصل عبر الإنترنت بوصف الشبكة ساحة للنقاش العام وتفنيد الأفكار الخطأ، عن طريق دعم التفكير النقدي ودحض الظواهر السلبية المدمرة كالإرهاب والعنف .
وعلى كلٍ ينبغي الحذر من المواقع التي تبث الفتنة والفرقة ونشر الإشاعات والعنف وتجنيد الشباب، وهذا لن يتأتى إلا برفع الوعي لدى الشباب العربي فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين .
وفي النهاية: نرى أن تمكين الشباب العربي لم يعد حديثًا مجردًا ( نظريًّا أو فكريًّا) ولكن واقع وحقيقة إذا لم نعيها فإنها ستولد كوارث وأزمات المجتمع بمنأى عنها كما أن (التمكين) ضرورة ملحة للتنمية والإفادة من هذا المورد البشري المهم فيجب أن يكون رأس مال اجتماعي مثمرًا ومنتجًا وليس معولًا للهدم .
كذلك الوقوف على أبرز التحديات التي تواجه الشباب العربي كزيادة أعداد الشباب العربي وافتقاده للمقومات المطلوبة، وعدم ثقة الأجيال الأكبر في تحملهم للمسؤولية، إضافة إلى العقبات المتعلقة بالسياق (السياسي، والاقتصادي، والقانوني) فحتى الآن لا يوجد بالوطن العربي قنوات لتصعيد الشباب ومشاركتهم في الحياة السياسية .
بالإضافة إلى موجة الإرهاب التي تجتاح الوطن العربي وتستهدف الشباب العربي في ظل مستقبل غير واضح المعالم، وتتسم هذه التحديات بالتشابك والسلبية والتقاطع، فكل منها سبب ونتيجة للآخر، مما يزيد الوضع خطورة وحدة ويفرض سرعة التدخل .
هذا وقد استطاعت الدراسة إلى الوصول لإستراتيجية متكاملة للشروط والفرص لتمكين الشباب العربي، تدور حول أربعة محاور رئيسة، الأول يتعلق بالقيادة السياسية وإدراكها لأهمية التمكين وضرورته، والثاني يتعلق بالدمج وإشراك أصحاب المصلحة عن طريق المشاركة المدنية وإشراك مختلف الفاعلين المعنيين من حكومة وقطاع خاص ومؤسسات مجتمع مدني ووسائل إعلام لتهيئة السبل اللازمة للتمكين، بالإضافة إلى التأهيل وضخ القدرات على الصعيد (الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والتعليمي، والصحي)، إلا أن هذه الإستراتيجية لتكون أكثر فاعلية لا يمكن تطبيق جزءًا منها دون آخر، فهي شاملة ومتكاملة .
ومن ثم يتضح أن الفرص المتاحة لتمكين الشباب تحتاج إلى نهضة مجتمعية شاملة بأوطاننا العربية مدعومة بإرادة القادة لتلبي احتياجًا مجتمعيًّا وضرورة تاريخية فرضتها المرحلة الراهنة التي تمر بها .