في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم، وفي الوقت الذي كان فيه محمد عبدالوهاب يمر بمرحلة ركود نسبي، وكان الشيخ زكريا أحمد قد توقف عن التلحين لأم كلثوم لخلاف بينهما، وكان فريد الأطرش سائرًا في أسلوب أغانيه السينمائية الشعبية الخفيفة، وكان محمد القصبجي قد توقف نهائيًّا عن التلحين بعد تحفتيه: ” رق الحبيب” و “ما دام تحب”، واتجه إلى تلحين أغنيات الأفلام الخفيفة، كان الجو العام للموسيقى العربية يوحي بالقلق: أين المواهب الكبيرة ؟ أين الملحنون الجدد؟
وفي خضم هذه التساؤلات القلقة ظهرت موهبتان كبريان كان لظهورهما الأثر الكبير في ضح الدماء الجديدة الشابة في عروق الموسيقى العربية: (محمد الموجي، وكمال الطويل)، وقد ظهرا مع عبد الحليم حافظ، الذي حمل صوته ألحانهما ونشرها من المحيط إلى الخليج. وكانت سعادة محبي الموسيقى العربية لا توصف بظهور هاتين الموهبتين الكبيرتين اللتين بشرتا، وبشكلٍ واضح جدًا بفترة جديدة وقيمة من الموسيقى.
وقبل أن تفتر هذه السعادة لمع نجم جديد في سماء الموسيقى العربية : ثالث أضلاع المثلث الذهبي للموجي والطويل إنه “بليغ حمدي”، فجاء آخر الكبار بعد أن رسخ الموجي والطويل أقدامها في ميدان الموسيقى أمام ملحنين عمالقة كانوا وما زالوا يعطون بغزارة، ونذكر منهم: (محمد عبدالوهاب، ورياض السنباطي، وفريد الأطرش، ومحمود الشريف، وأحمد صدقي،… وغيرهم).
كان ظهور بليغ حمدي بأغنية عاطفية للمطربة فايدة كامل” ليه فاتني ليه” وانتشرت الأغنية كالنار في الهشيم، وكان لهذا الانتشار سببان: الأول، ظهور ملحن جديد بلحن جميل جدًا، والثاني: وهو الأهم ظهور المطربة المعروفة فايدة كامل بلون جديد لم يكن معروفًا لديها، فكل من يعي هذه الفترة -فترة منتصف الخمسينيات يذكر ارتباط صوت فايدة كامل بالأناشيد العظيمة التي واكبت العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، والفترة التي تلته: “حضرب لآخر نقطة في دمي” تلحين الدكتور يوسف شوقي، و “دع سمائي” تلحين علي إسماعيل، ثم أُهزوجة “عاد السلام يا نيل” تلحين محمود الشريف- التي انتشرت بعد نهاية العدوان.
وكان صوت فايدة كامل في هذه الأناشيد يرن كالمدفع في وجدان المستمع العربي الذي عاش ووعى هذه الفترة، وإذا ببليغ حمدي يلحن لها أغنية عاطفية يُظهر فيها العناصر الرقيقة والحنونة والدافئة والأنثوية في صوتها، ولهذه الأسباب انتشرت أغنية “ليه تهجر ليه” بسرعة، وانتشرت شهرة ملحنها بنفس السرعة. وظلت شهرة بليغ تنمو إلى أن لحَّن لعبد الحليم حافظ في فيلم “الوسادة الخالية” أغنيته الرائعة “تخونوه”، فكانت ضربة المعلم التي وضعت بليغ من ناحية الشهرة والانتشار الجماهيري على مستوى العملاقين (الموجي، والطويل).
وبدأت رحلة بليغ مع الشهرة فغنت له الكبيرة فايزة أحمد “ماتحبنيش بالشكل ده”، وأدت له صاحبة الأداء الوهابي العظيم نجاة الصغيرة تحفته ” كل شيء راح وانقضى”، التي كادت أن تقف من ناحية الانتشار على قدم المساواة مع أغنية نجاة الأخرى في نفس الفيلم (الشموع السوداء) لحن محمد عبدالوهاب “لا تكذبي”، كما غنت له نجاة رائعته العاطفية “أنا بستناك”، وكانت الطرافة في الفكرة الموسيقية، والابتكار، والاقتضاب في الجملة اللحنية، والإيقاع المتوثب الشاب الجديد يؤمن لأغاني بليغ انتشارًا سريعًا وعريضًا جدًا.
لكن شهرته لم تبلغ ذروتها إلا سنة 1959، عندما غنت له أم كلثوم لحنه الأول طقطوقة “حب إيه “، وكلنا نعرف ماذا كان يعني أول خميس من كل شهر لكل الشعب العربي، لقد كان هذا اليوم يوم اللقاء الشهري مع سيدة الغناء . وهكذا وجد بليغ نفسه، وهو في بداية حياته الفنية، يلحن لأم كلثوم في الوقت الذي لم يكن فيه عملاق الموسيقى العربية محمد عبدالوهاب قد وصل إليها بعد، فوصل بلحنه هذا للملايين العربية.
ما هي أسباب شهرة “حب إيه” ؟ هل كانت أقوى من أغنيات رياض السنباطي لأم كلثوم التي كانت تغنيها في نفس البرنامج مع ” حب إيه”؟
لا، فألحان السنباطي لأم كلثوم كانت تتسم بالقوة والدسامة بشكل يفوق “حب إيه”. إذن ما هو سبب شعبيته ؟هذه الأغنية؟ إنها بالذات لأن “حب إيه” لم تكن تتسم بالقوة والدسامة، فبليغ لم يكن باستطاعته مضاهاة السنباطي في عقر داره، ولقد لحن طقطوقة وأعادنا إلى أغنيات أم كلثوم الخفيفة. إن إعادة صوت أم كلثوم إلى الطقطوقة الخفيفة كانت السبب الذي أمن لأغنيته “حب إيه” هذا الانطلاق الكبير الذي جعلها أكثر شعبية من أغنيات أخرى لبليغ تفوقها من ناحية البناء الموسيقي والمادة اللحنية والعمق، ونذكر منها: ” سيرة الحب” و”بعيد عنك “… وغيرها.
لكن طبيعة موهبة بليغ لا تظهر بكل وضوحها إلا في الأغنيات ذات الطابع الشعبي، لنذكر ألحانه للمطربين الشعبيين (محمد العزبي، ومحمد رشدي) ولنذكر “قولوا لعين الشمس” غناء شادية، وأخيرًا لنذكر سلسلة الأغاني الشعبية التي لحنها لعبدالحليم حافظ: (على حسب وداد قلبي، سواح، ما رمانا الهوي، وأنا كل ما أقول التوبة)، ولابد من ذكر تحفة الشعبية مع الجملة اللحنية القصيرة المقتضبة والمبتكرة أهم صفات الأغنية الشعبية التي امتاز بها بليغ حمدي. هذه الميزة اقتضاب الجملة اللحنية التي جعلت من نشيد “سقط النقاب” ( حرب 1967) واحدًا من أهم الأناشيد العربية على الإطلاق .
وقد لحن بليغ حمدي بغزارة تذكِّر بسيد درويش عربيًّا، وبموتسارت عالميًّا فقد لحن بليغ أكثر من ألف لحن وذلك حسب جمعية المؤلفين والملحنين في باريس، واعتمدنا هذه اللائحة التي وردت في كتاب” موال الشجن” سيرة وأوراق وألحان بليغ حمدي للكاتب أيمن الحكيم، الذي قد يكون المرجع الوحيد في جمع سيرة وألحان بليغ حمدي، وقد وردت في آخر هذا الكتاب القيم لائحة باسم 746 لحن لبليغ مع وجود نسبة أغنيتين لبليغ وهما من ألحان محمد عبدالوهاب وهما( أنا لك على طول، ولولا الملامة)، ووجود تكرار في بعض الأغنيات (يا راجل يا طيب لصباح، وسقط النقاب لأم كلثوم، … وغيرها)، لكنها هفوات صغيرة لا تقلل من قيمة الكتاب العالية وحاجة المكتبة العربية له.
غنوا له:
وقد وزع بليغ حمدي هذا العدد الضخم من الأغاني على أكثر من 35 صوتًا عربيًّا، كانت السبب في إطلاق شهرة الكثير منهم وزيادة شهرة البعض الآخر. وأبدأ بذكر أهم المطربين الذين غنوا له على أن آخذ بالتفصيل أغنيات كل واحد منهم.
عفاف راضي: 53 أغنية، وردة:70 أغنية، أم كلثوم:13 أغنية، فايزة أحمد:9 أغنيات، عبدالحليم حافظ:29 أغنية، محمد رشدي:47 أغنية، نجاة: 34 أغنية، الشيخ النقشبندي :16 توشيح، صباح:16 أغنية، شادية:52 أغنية، محمد العزبي: أغنيتين، وديع الصافي :أغنيتين، محمد عبدالمطلب: أربع أغنيات، ياسمين الخيام، سمير صبري، ميادة:8 أغنيات،على الحجا، شهر زاد، سوزان عطية، مهما صبري، شريفة فاضل، نجاة علي، فاتن فريد، محرم فؤاد، هاني شاكر، فاطمة عيد، سميرة سعيد، لطيفة، ماهر العطار، أحمد عدويه، شكوكو، عبدالغني السيد، عبدالهادي بلخياط.
ويتضح لنا من هذه الأسماء أولًا: غرازة إنتاج هذا الملحن، وثانيًا: تهافت كبار المطربين على ألحانه بالرغم من شهرتهم. وأبدأ بتفضيل الأغنيات حسب لائحة المطربين والمطربات التي وردت أعلاه:
- عفاف راضي
وقد وجد بليغ حمدي في صوتها: الصوت الجديد الصوت المثقف والدارس، وجد فيه الحامل لأفكاره الموسيقية الجديدة ومن أجمل ما لحن لها: (الموافي، تساهيل، جرحتني عيونه السودة)، وزبدة هذه الأغنيات (ردوا السلام، قضينا الليالي)، الذي جمع فيها الروح الشعبية مع إيقاع الفالس المتهادي على مقام الحجاز في المطلع – المذهب ومقام النهاوند العاطفي في المقاطع الغنائية.
ويلفت السمع جملة تسليم المقاطع النهاوند لمذهب الحجاز تحفته لعفاف راضي: الأغنية الرومانسية “لمين يا قمر” وأذكر أخيرًا “هوا يا هوا”.
- وردة
الصوت الذي ارتبط به في حياته وفنِّه ومن السبعين أغنية التي غنتها له أذكر: (العيون السود، وحشتوني، أحبك فوق ما تتصور، بلاش تفارق)، وتبرز من أغانيها لحنه الطريف للأطفال “أنا عندي بغبغان”، ولحنه الرومانسي الرائع “حكايتي مع الزمان”، ومن أغنيات أكتوبر “حلوة بلادي”.
- أم كلثوم
وقد لحن لها فقط 13 عملًا، وهذا دليل على إحساس الملحن بالمسؤولية الكبيرة أمام هذا الصوت التاريخي، فلم يلحن له أكثر من أغنية واحدة في السنة ليعطي نفسه الوقت لإتقان لحنه لها؛ احترامًا لقيمة صوتها التاريخي. وقد جاءت الأغنيات العاطفية في الأسلوب التقليدي المتطور وشذّ هذا الأسلوب النشيد العبقري “سقط النقاب”، وبدأ هذه المجموعة بأغنية “حب إيه” وأنهاها “بحكم علينا الهوى”، التي غنتها وسجلتها في الأستوديو ولم تقدمها على المسرح، كان القدر أسرع منها.
- فايزة أحمد
لحن لها تسعة ألحان امتاز منها: (تسلم لي عينيك الحلوة، حبيبي يا متغرب، حسادك علموك، رجعني لقلبك، ما تحبنيش بالشكل ده)، وتمتاز هذه الأغنيات إلى جانب جمالها اللحني بمقدرة فايزة أحمد على إبراز المناطق الجمالية لهذه الألحان.
- عبدالحليم حافظ
الحامل الأساسي لألحان بليغ حمدي ولأسلوبه التلحيني الذي تشعّب في هذه الألحان ال39 إلى أساليب مختلفة: (الرومانسي، الوصفي، الوطني، الدرامي، وأخيرًا الشعبي المتطور). ومن اللافت للنظر والسمع أن بليغ حمدي بدأ في التلحين لعبد الحليم حافظ بأغنية “تخونوه” الرومانسية، فيلم الوسادة الخالية، وقد أبدع بالأسلوب الدرامي بأغنية “المسيح”، وبالوصف الوطني في أغنية “عدى النهار”، لكن تميز أسلوب بليغ التلحيني، ظهر بوضوح في الأسلوب الشعبي في أغنيات مثل: (سواح، التوبة، وعلى حسب وداد قلبي،… وغيرها)، وأبدع في الأسلوب الوطني الوصفي في : (المسيح، سكت الكلام، عدّى النهار،… وغيرها)، وكان سيد الأغنية الوطنية في فترة حرب أكتوبر وأبرز عمل في هذه الفترة “عاش اللي قال” ، ولابد من ذكر أغنيتين تُشكلا أسلوبه الرومانسي الخفيف: ( خسارة خسارة، وخايف مرة أحب).
- نجاة الصغيرة
غنت له 34 أغنية، وقد استطاع هذا العبقري استغلال قماشة هذا الصوت الرائع خاصة في المناطق العالية كما في أغنيتي: (كل شيء راح وانقضى، وأنا بستناك) الرائعتين التي أظهر فيهما الملحن الطاقة الرومانسية الكبيرة في صوت المطربة.
- الشيخ النقشبندي
صوت تخصص في التواشيح الدينية والروحانية والصوفية، التقى بألحان ملحن عاطفي، هذا اللقاء أدى إلى ظاهرة في تاريخ الغناء العربي: ملحن كبير بأسلوب صوفي روحاني لصوت تاريخي، النتيجة مجموعة من أجمل الأعمال الصوفية وعلى رأسها توشيح “مولاي أني ببابك”.
- صباح
استطاع الملحن بحسة المرهف التقاط العنصر الأساسي في صوت صباح، وهو الأنوثة الطاغية فكانت ألحانه لها مليئة بهذا الطابع التي استغلته صباح أبعد الاستغلال. ومن بين 16 أغنية غنتها من ألحانه أذكر : (أنا دايبة دوب، حب الدنيا، زي العسل، عاشقة وغلبانة، وقابلت كتير)، كلها معجونة بعنصر الأنوثة في صوتها.
- شادية
لحن لها أكبر مجموعة أغاني بعد مجموعة منير مراد لها، وبلغ عددهم 52 أغنية وأذكر منها: (أبو عيون عسلية، أم الصابرين، أنا عندي مشُكلة، آه يا أسمراني اللون، خدني معاك، قولوا لعين الشمس الرائعة، مكسوفة، ولا قدك مية، أغاني مسرحية ريا وسكينة)، وتبرز من كل هذا أغنية “يا حبيبتي يا مصر”، التي لا تزال تحتفظ بعطرها لغاية الآن ولا يخلو برنامج لأية فرقة موسيقية عربية في ربوع مصر منها إطلاقًا، أغنية أخرى تشمخ بين أخواتها وهي وإن لم تلاقِ الانتشار الشعبي الذي تستحقه إلا أنها من أعظم ألحان بليغ الدرامية بصوت شادية وهي أغنيته “فوق يا قلبي” فيلم (التلميذة)، وهي قصة ابنة خادمة تكبر وتبدأ تستوعب الفوارق الاجتماعية تنعكس على حياتها وتدمرها وهي تقاوم هذه الأحاسيس لغاية ما تستسلم لقوانين المجتمع القاسية فتذهب لتعمل مغنية في كباريه. وعلى هذه الخلفية الدرامية تأتي أغنية فوق يا قلبي لتصور هذا الحدث بلحن راقص درامي يضاهي أغنيات “اشهدوا يا ناس” لرجاء عبده من فيلم (ممنوع الحب) ألحان محمد عبدالوهاب، وأغنية “الحبيب” لليلى مراد ألحان رياض السنباطي من فيلم (ليلى غادة الكاميليا) اللتين تصورا نفس الحالة الدرامية في الفيلم : فتاة تستسلم لقسوة المجتمع لتأتي أغنيتها تعبيرًا عن حالتها النفسية والدرامية واستلامها لقوانين المجتمع التي تعتبرها جائرة وقاسية.
- وديع الصافي
نصل إلى هذا الصوت الأسطورة الذي غنى من ألحان بليغ حمدي أغنيتين فقط لكنهما من أعظم ما غنى في حياته : (على رمش عيونها، ودار يا دار)، في الأغنية الأولى يستغل الملحن مقدرة النفس الهائلة عند المطرب فتأتي الجملة الغنائية مربوطة ببعضها بشكل لا تدع فرصة للمطرب لأخذ نفسه لكن لا شيء يعصى على هذا الصوت العملاق، فنرى وديع الصافي بقدره محيّرة يخطف نفسه بين هذه الجمل، وكـأنه مزود بمنفاخ هواء. الأغنية الثانية أظهر الملحن الأعماق الدرامية والمؤثرة التي يملكها هذا المطرب العظيم فجاءت الأغنية بعمق درامي رائع ومؤثر.
- محمد عبدالمطلب
هذا الصوت الغارق في التقليدية تعامل معه الملحن الغارق في أسلوبه المتطور الذي لا يعرف أية قواعد صارمة، أقول تعامل معه بشكلٍ مبهر يدل على أنه لا يوجد حدود أمام الملحن المبدع الكبير، كان هذا التلاقي بين هذا الصوت التقليدي بل الغارق في التقليدية وهذا الملحن الطائر في سماء التطوير في الأغنية المبهرة والغريبة في تركيبتها “يا أبو قلب دهب”، حيث غنى محمد عبدالمطلب (المغني في الكورس في أدوار محمد عبدالوهاب في الربع الأول من القرن العشرين ) أغنية بليغ حمدي على إيقاع الجرك السريع والمتوثب، فجاءت الأغنية بنوع فريد من الأداء والتلحين.
- سمير صبري
هذا الفنان المتعدد المواهب غنى مع شادية في فيلم نصف ساعة جواز أغنية خفيفة راقصة تعتبر إحدى جواهر هذا النوع من الأغنيات” سكر حلوه الدنيا سكر”.
- ميادة الحناوي
غنت له ثماني أغنيات تبرز منها بشكل مبهر أغنية “أنا بعشقك” الرائعة التي تشكل عودة للأسلوب الكلاسيكي في التلحين، الذي كان سائدًا في الثلاثينيات من القرن المنصرم ، والتي تظهر تمكن بليغ حمدي من هذا الأسلوب في التلحين ومعرفته العميقة لهذه الحقبة التاريخية للموسيقى العربية عندما كان محمد عبدالوهاب يلحن على منوال الشيخ أبي العلا محمد فجاءت هذه الأغنية (أنا بعشقك) عودة إلى مدرسة القرن التاسع عشر وبعمودها الفقري إيقاع الواحدة الكبيرة، الإيقاع الوحيد في هذه المرحلة التاريخية.
- محمد رشدي
من الأصوات الشعبية التي تعامل معها بليغ حمدي بسخاء كان صوت محمد رشدي، الذي لحن له كمية كبيرة منها، وبرزت منها بشكل مبهر “طاير يا هوا” التي مازالت “تطير” في برامج الفرق الغنائية في دار الأوبرا.
- محمد العزبي
كان بليغ حمدي ميال إلى صوت محمد رشدي أكثر من العزبي وقد يكون السبب هو الطابع الشعبي الصافي في صوت محمد رشدي البعيد عن الدراما في الأغنية الشعبية. أغنيتان من أحلى الأغاني الشعبية المطورة (عملنا أيه، وبهية)، التي أبرز بها الملحن أجمل المناطق الجمالية في صوت المطرب الكبير.
- علي الحجار
يعتبر من أهم الأصوات المخضرمة التي جاءت بعد عبدالحليم حافظ، لحن له بليغ حمدي عدة أغاني ظهرت معظمها في مسلسل بوابة الحلواني حيث يمثل الحجار دور عبده الحامولي. ولكن أغنيته التي طبقت الآفاق كانت “على قد ما حبينا” خارج المسلسل لحنها بليغ حمدي بأسلوب هادئ على إيقاع الفالس المتهادي البطيء وهي من ألحان بليغ الرائعة للجيل الجديد من المغنين.
رحل بليغ يوم 12 سبتمبر/أيلول سنة 1993 في مستشفى في باريس، حيث كان يعالج ويقال أن سبب وفاته كانت بسبب خطأ طبي. إن رحيل بليغ حمدي- دون شك – ترك فراغًا كبيرًا بل فراغًا كونيًّا في موسيقانا العربية لا يسده إلا ظهور مواهب كبيرة، وها نحن ننتظر لغاية الآن، وأرجو ألاّ يطول انتظارنا أكثر من ذلك.