2022العدد 189ملف إقليمي

التحركات الإسرائيلية تجاه أمريكا والإمارات وإيران لعرقلة الاتفاق النووي

اتخذت إسرائيل موقفًا ضد التوصل إلى اتفاق نووي بين القوى الكبرى وإيران منذ بداية المفاوضات بشأنه بين إيران وكل من (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين)، وقد تصاعدت حملات الرفض الإسرائيلية مع انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى المفاوضات، ولم يتغير الموقف الإسرائيلي الرافض سواء طوال المفاوضات التي استمرت لأكثر من عشر سنوات، أو بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى في 14يوليو2015. واعتبرت إسرائيل توقيع الاتفاق خطأً كبيرًا ويمثل أكبر كارثة تهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم كله كما يتصور رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذٍ “بنيامين نتنياهو”، الذي استمر في حملاته الشرسة ضد الاتفاق على كافة المستويات ومع جميع الدول الأوروبية الموقعة عليه والولايات المتحدة الأمريكية.. وغيرها، وفي الأمم المتحدة.

وقد استطاعت إسرائيل مع جماعات الضغط الأمريكية المعارضة للاتفاق النووي مع إيران_ أن تُقنع إدارة الرئيس الأمريكي “ترامب” بموقفها من الاتفاق وهو ما انتهى إلى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق في أبريل2018 أي بعد أقل من ثلاث سنوات من توقيعه، ووقَّعت واشنطن عقوبات مالية واقتصادية قصوى على إيران وتنسحب أيضًا على الدول والشركات التي تخالف هذه العقوبات، ولكن الدول الأخرى وإيران رأوا أهمية استمرار الاتفاق فهذا أفضل من عدمه.

 أما إيران فرأت أنه طالما أن الولايات المتحدة انسحبت بدون أسباب مقنعة، وفرضت عقوبات أحادية على إيران ألحقت أضرارًا كبيرة بها، كما أن الدول الأخرى أطراف الاتفاق لم تفِ بالتزاماتها وخضعت للعقوبات الأمريكية ولم تعوضها عن ما أصابها من أضرار، لذا فمن حق إيران عدم الالتزام بكل بنود الاتفاق النووي سواء بالنسبة لنسب تخصيب اليورانيوم وكمياته، أو تطوير أجهزة الطرد المركزي.. هذا إلى جانب استمرار إيران في تطوير وتحديث برنامجها للصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى، وقد أحدث ذلك كله قلقًا شديدًا لدى الأطراف الأوروبية في الاتفاق النووي، والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وحدث تغير في الموقف الأمريكي مع تولي الرئيس الديمقراطي “بايدن” في يناير2021؛ حيث تبنت إدارته من حيث المبدأ العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ولكن بعد إدخال تعديلات عليه أو التوصل لاتفاق إضافي يسد ما تراه من ثغرات في اتفاق 2015، وتم تعيين “روبرت مالي” مبعوثًا أمريكيًّا خاصًا لإيران ورئيسًا للوفد الأمريكي في المفاوضات غير المباشرة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران وعودة واشنطن إليه، واشتدت المعارضة الإسرائيلية والتحركات على كافة الجبهات مع رسائل تهديد متتالية موجهة إلى إيران.

وفيما يلي عرض موجز لتحركات إسرائيل أولًا تجاه إيران، ثانيًا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وثالثًا تجاه الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في منطقة الخليج.

أولًا إسرائيل وإيران: –

لقد اتسمت العلاقات بين إيران وإسرائيل بالعدائية منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979 وتحوُّل نظام الحكم في إيران من ملكي إلى حكم آيات الله، وقطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ووصف آية الله خوميني أمريكا بالشيطان الأكبر، وإسرائيل بالشيطان الأصغر، ولم تعترف الثورة الإيرانية بدولة إسرائيل، وسلَّمت سفارتها في طهران إلى منظمة التحرير الفلسطينية، واتخذت موقفًا عدائيًّا للغاية ضد الصهيونية، واعتبرت إسرائيل كيانًا صهيونيًّا مغتصبًا.

ولكن في أثناء الحرب الإيرانية-العراقية اشترت إيران أسلحة ومعدات وتجهيزات عسكرية من إسرائيل ما بين عامي (1981-1983)، بملايين الدولارات الأمريكية حيث كانت إسرائيل ترى في هذه الحرب فرصة لتدمير القوات المسلحة العراقية وإضعاف العراق الذي كانت ترى فيه خطرًا كبيرًا على إسرائيل ولم تطمئن من زوال هذا الخطر إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتدمير قوته الشاملة عسكريًّا واقتصاديًّا واجتماعيَّا، وقد أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارًا بوقف سداد ما عليها من ديون لإيران على أساس أنها صنفتها دولة معادية لإسرائيل ولجأت إيران إلى المحاكم الأوروبية التي حكمت لصالحها في عام 2015 بأن تسدد شركة أنابيب إيلات عسقلان الإسرائيلية مبلغ 1.1مليار دولار أمريكي لإيران، ولكن الحكومة الإسرائيلية رفضت تنفيذ هذا القرار.

وقد تبنَّت حكومة إسحق رابين موقفًا أكثر عدوانية ضد إيران، واشتد العداء وتصاعد من الجانبين وخاصة من جانب إيران طوال فترتي رئاسة محمود أحمدي نجاد لإيران- وهو من صقور اليمين المتشددين- ما بين (2005-2013)، وقد ساعد الرئيس الإيراني حزب الله اللبناني في أثناء الهجوم الإسرائيلي على جنوب لبنان عام 2006، واتهمت إسرائيل عناصر من الحرس الثوري الإيراني بأطلاق صواريخ عليها من جنوب لبنان.

ثمة حرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران على مدى ما يزيد على ثلاثة عقود، وتتهم إسرائيل إيران بأنها تريد تصفيتها، لذا تقوم بإمداد وكلائها بالسلاح والمعدات والأموال للعمل ضد إسرائيل، ابتداءً من حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في غزة، هذا إلى جانب ما تقوم به إيران من تموضع في سوريا في مناطق قريبة من إسرائيل. وتقوم إسرائيل بغارات جوية بصفةٍ مستمرة على مدى سنوات لتدمير مواقع وجود قوات أو أسلحة إيرانية في سوريا، وتتمسك بمطلب إخراج كل القوات والميلشيات الإيرانية، وحزب الله، من سوريا مع التسوية السياسية للأزمة السورية وتنسق في هذا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا.

وتعمل إسرائيل بكل ما لديها من إمكانات ضد البرنامج النووي الإيراني، وقد شمل ذلك قيام عملاء إسرائيل والموساد بعدة عمليات اغتيالات لعدد من العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي، أو برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. هذا إلى جانب الحرب السيبرانية بينهما والتي تسببت في أضرار جسيمة في بعض المحطات النووية الإيرانية، بل وبعض محطات البنزين التي وصل عددها إلى نحو 4300 محطة بنزين، هذا إلى جانب تعطيل وحدات الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.

وقد كشفت الصحف الإسرائيلية النقاب في 2/2/2022 عن إجراء سلاح الجو الإسرائيلي في النصف الثاني من يناير2022 تدريبات تحاكي هجومًا جويًّا على إيران بحضور ضابط أمريكي مراقبًا للتدريب، كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” استمرار إسرائيل في العمل ضد إيران في السر وفي العلن، وقد ركزت تدريبات الطيران على أهداف بعيدة المدى بما في ذلك إيران، وسيناريوهات إعادة التزود بالوقود في الجو والتعامل مع صواريخ أرض جو، واعتراض صواريخ بعيدة المدى، وقال رئيس الموساد “يوسي كوهين”: “إنه طالما ظل النظام الحالي في إيران قائمًا، سواء مع الاتفاق النووي، أو بدونه، فإن إيران ستظل تشكل التهديد الرئيسي لأمن إسرائيل”. كما قال رئيس وزراء إسرائيل:” إن العمل سيستمر ضد إيران بغض النظر عن نتائج مباحثات فينيا التي ترمي إلى إحياء الاتفاق النووي معها”، وأعرب عن أمله في إخفاق هذه المباحثات، وكان “روبرت مالي” رئيس الوفد الأمريكي في المفاوضات النووية غير المباشرة مع إيران قد زار إسرائيل قبيل توجهه إلى فينيا ولكنه لم يحظَ بلقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي واستقبل استقبالًا فاترًا وذلك اعتراضًا من إسرائيل على ما ترى أنه تساهل أمريكي مع إيران.

من ناحية أخرى انتقد قائد الجيش الإسرائيلي السابق “جاري ايزنكوت” في 29/1/2022 قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وأن ذلك كان خطأً إستراتيجيَّا، وأنه من وجهة نظره” كان أمرًا مفاجئًا لإسرائيل تمامًا”، ويرى أن هذا الانسحاب أزال بعض القيود عن إيران ومنحها الشرعية للدفع ببرنامجها النووي إلى الأمام في انتهاك للاتفاق، وأن المسؤولين الأمنيين في إسرائيل لم يعلموا بقرار الانسحاب إلا بعد أن قرره الرئيس الأمريكي “ترامب”، وكان “ايزنكوت” رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقت توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ويرى ايزنكوت أن العقوبات الأمريكية على إيران جزئية ولا تلتزم بها الصين وروسيا، ولا يضع الإيرانيون في حسابهم توقع هجوم عسكري أمريكي عليهم، وقال:” إن مسألة قيام إسرائيل بحرب ضد إيران أمر معقد للغاية”.

وثمة معارضون في إسرائيل للقيام بعمل عسكري ضد إيران داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ولا يعطون أهمية لتصريحات رئيس الوزراء “بينيت” ولا رئيس الأركان” كوخافي”، ويرون أنها تصريحات فارغة؛ لأن القوى الكبرى تدرك عدم قدرة إسرائيل على القيام بعمل عسكري وحدها ضد إيران مباشرة، وأن أي هجوم جوي يتطلب التموين بالوقود في الجو، وبالتالي إبطاء سرعة الطائرات مما يؤدي إلى كشف إيران لها وإحباط الهجوم.

ثانيًا إسرائيل والولايات المتحدة: –

لقد استثمرت إسرائيل علاقاتها الخاصة والارتباط الاستراتيجي بينها والولايات المتحدة الأمريكية بأقصى ما تستطيع في معارضتها للاتفاق النووي مع إيران، ومارست أقصى الضغوط المباشرة، وعن طريق جماعات الضغط اليهودية الأمريكية، وأعضاء الكونجرس المؤيدين تلقائيَّا لإسرائيل_ على إدارة الرئيس الديمقراطي “باراك أوباما” للحيلولة دون التوصل إلى اتفاق، ثم لعرقلة انضمام واشنطن إلى الاتفاق بعد مفاوضات طويلة ومكثفة، وحدث احتقان بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، والرئيس الأمريكي “أوباما”، وبالرغم من ذلك فإن إدارة أوباما كانت حريصة على أمرين، أولهما: إقناع إسرائيل بأنها لن تسمح بحصول إيران على أسلحة نووية، وأن هدف الاتفاق هو منعها من الوصول إلى ذلك. وثانيهما: أن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل بكل الوسائل (العسكرية والسياسية والاقتصادية)؛ لمواجهة أية مخاطر قد تمثلها إيران عليها.

وانضمت الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران مع (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) في2015، وقدمت إدارة أوباما تعهدًا بمنح إسرائيل نحو 30مليار دولار أمريكي على مدى عشر سنوات، وبدأت عملية تقوية القبة الحديدية والجيش الإسرائيلي بأحدث أنواع الأسلحة الأمريكية، وبالرغم من ذلك لم تتوقف إسرائيل عن رفض ومهاجمة الاتفاق النووي مع إيران واعتباره كارثيًّا وينطوي على تهديدات خطيرة لمنطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره كما ترى، وأنها لن تكف عن رفضه ومهاجمتة إلى أن يتم إلغاؤه ومواجهة البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني بكل الوسائل بما فيها استخدام القوة العسكرية، ولكن واشنطن رغم ترك الاختيار العسكري مطروحًا إلا أنها تؤكد دائمًا على الحلول الدبلوماسية والسياسية، وتؤكد لإسرائيل وحلفائها من دول الخليج العربية دعمها الكامل لأمنهم واستقرارهم والمشاركة في الدفاع عنهم ضد أية مخاطر محتملة من إيران، وتدرك واشنطن أن مخاطرة القيام بأي عمل عسكري ضد المفاعلات النووية الإيرانية سيؤدي إلى ردود أفعال قوية وشاملة من إيران وحلفائها في المنطقة ضد إسرائيل والمصالح الأمريكية.

وبتولي الرئيس الجمهوري “ترامب” الرئاسة الأمريكية في 20يناير2017، ركزت إسرائيل على إقناعه بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، خاصة وأنه كان ثمة توافق كبير بينه ورئيس وزراء إسرائيل “نتنياهو”.. هذا مع ما اتسمت به شخصية ترامب من العمل خارج المؤسسات الأمريكية، واتخاذه قرارات إما فردية أو في أطار محدود من مستشاريه من اليمين المتطرف، وهو ما أدى إلى انسحاب الولايات المتحدة من عدة منظمات واتفاقيات دولية وإقليمية، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في أبريل2018، أي بعد نحو 15 شهرًا من تولي ترامب، واتخذت إدارة ترامب عدة قرارات بتوقيع أقصى العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران، ودعوتها لمفاوضات مباشرة للتوصل إلى اتفاقٍ جديدٍ يعالج ما ترى إدارة ترامب أنه قصور في اتفاق2015، بحيث يتضمن الاتفاق الجديد مزيدًا من الضوابط والقيود على البرنامج النووي الإيراني، وقيود على برنامج إيران لتصنيع الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى، وضوابط على الوجود الإيراني في عدة دول في المنطقة ومنها (العراق وسوريا واليمن ولبنان)، ووقف دعم إيران للمنظمات الإرهابية سواء حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية، كما أصدر الكونجرس الأمريكي قرارًا بأن يعرض عليه أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران لمناقشته واتخاذ ما يراه بشأنه. وأكدت إدارة ترامب أنها ستطبق عقوبات على الدول والشركات التي لا تلتزم بتنفيذ والالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وهو ما أفسد معظم المزايا التي حصلت عليها إيران مقابل موافقتها على الاتفاق النووي لعام2015.

 ورفضت إيران القرارات الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات عليها على أساس أنها أحادية وفيها إخلال بالاتفاق وتهديد باستمراره إذ لم ترفض الدول الأخرى خاصة الأوروبية الموقعة على الاتفاق الالتزام بقرارات العقوبات الأحادية الأمريكية، وإزاء عدم قدرة كل من (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) الالتزام ببنود الاتفاق النووي مع إيران نتيجة العقوبات الأمريكية، أعلنت إيران وبدأت فعلًا بعدم الالتزام بدورها ببعض بنود الاتفاق النووي فيما يتعلق بالتوسع وتحديث أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية خاصة “مفاعل نطنز”، ونسبة التخصيب التي رفعتها من 20% إلى 60%، وكمية اليورانيوم المخصب الذي تخزنه لديها والذي يعتبر أول الطريق لصناعة أسلحة نووية، ورفضت إيران فكرة عقد اتفاق جديد، أو اتفاق مؤقت، كما رفضت تناول علاقاتها مع دول المنطقة وحلفائها واعتبرتها شؤونًا إيرانية لا يجب التدخل فيها، وأن برنامجها للصواريخ طويلة المدى هدفه الدفاع عن إيران وأمنها القومي ضد أي تهديد أو اعتداء عليها، وأنها لا تؤيد المنظمات الإرهابية بل اتهمت الولايات المتحدة بأنها من أسباب انتشار الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ورفضت إجراء مفاوضات مباشرة مع إدارة ترامب إلا بعد إلغاء العقوبات الأمريكية عليها والعودة إلى الاتفاق النووي والالتزام بتنفيذ كل بنوده مقابل التزام إيران بالمثل بكل بنود الاتفاق، واستمر التصعيد في الحالة العدائية والعقوبات سواء من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل طوال فترة إدارة ترامب التي انتهت في 20يناير2021.

وتولت إدارة بايدن عقب انتهاء مدة إدارة ترامب، واستمرت العقوبات القصوى على إيران، ولكن بتوجه جديد وهو التفاوض بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع الشروط السابقة التي طالبت بها إدارة ترامب ورفضتها إيران كما رفضت التفاوض المباشر مع إدارة بايدن باعتبار أن الولايات المتحدة ليست عضوًا في الاتفاق النووي وطالبت بتطبيق الالتزام المتبادل بأن تلغي واشنطن كل ما فرضته من عقوبات قصوى على إيران بعد انسحابها من الاتفاق وأن تعود إيران إلى الالتزام بكافة بنود الاتفاق، سواء أن يتم ذلك خطوة بخطوة أو يتم من الجانبين مرة واحدة، والتزام الولايات المتحدة بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي مرة أخرى وتطبيق كافة بنوده.

واتخذت فيينا مقرًّا للمفاوضات غير المباشرة في أبريل 2021 عن طريق الدول الخمسة روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مع إيران، وتُبلَّغ النتائج أولًا بأول إلى رئيس الوفد الأمريكي “روبرت مالي” الموجود بجوار الوفود الأخرى في جنيف، وقد استمر هذا الوضع طوال ثماني جولات من المفاوضات غير المباشرة، وأن صدرت إشارات من واشنطن تبدي فيها رغبتها في أن تكون المفاوضات مباشرة مع إيران التي أبدت تجاوبًا ولكن اشترطت تحقيق تقدمًا في المباحثات في فيينا يشجع على ذلك وترفض إيران ممارسة الضغط عليها بتجديد توقيتات معينة للتوصل لاتفاق والتهديد بأن الوقت ينفد، بينما تمارس هي ضغوطًا بالاستمرار في اتباع نسب التخصيب العالية لليورانيوم وتخزينه لديها وتطوير أجهزة الطرد المركزي للتخصيب ردًّا على استمرار العقوبات الأمريكية التي تحدث أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الإيراني رغم عدم تعاون كل من (روسيا والصين.. وغيرها ) في عدم الالتزام بتطبيق العقوبات الأمريكية.

وقد أوضحت الولايات المتحدة لإسرائيل أنها ليست مع البديل العسكري أو المشاركة فيه، إلا أنه مطروح لوسَّدت سبل التوصل لاتفاق مع إيران، وبيَّنت أن من مسؤولية إسرائيل الاستعداد لكل الاحتمالات دون التورط فيما قد يلحق أضرارًا بالغة بالمصالح الأمريكية في المنطقة وبإسرائيل وحلفاء أمريكا الآخرين، ولكن إسرائيل لم تتوقف عن تحركاتها الدؤوبة المعادية لإيران على مستوي استثمار عملية التطبيع مع دول الخليج العربية بناء على الاتفاقات الإبراهيمية التي تم التوصل إليها أواخر عام2020 في أثناء إدارة الرئيس ترامب.

ثالثًا:إسرائيل والإمارات العربية المتحدة  والبحرين:-

وقَّعت إسرائيل والإمارات العربية اتفاق إقامة علاقات بينهما في 13سبتمبر2020 في واشنطن تحت رعاية الرئيس ترامب، وهو ما عرف (بالاتفاق الإبراهيمي)، والذي تم أيضًا مع دول أخرى منها البحرين والمغرب، وبدرجات أقل مع عمان والسودان، وقد استثمرت إسرائيل التطبيع مع الإمارات العربية التي تجاوبت مع تنمية العلاقات بين البلدين بوتيرة متسارعة للغاية شملت كافة المجالات (الاقتصادية والتجارية والعلمية والتكنولوجية والسياحة) لدرجة إلغاء التأشيرات لمواطني البلدين، وتم خلال عام واحد توقيع نحو 60 اتفاقية رئيسة بين الجهات المعنية الحكومية والخاصة في البلدين، وبلغت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين خلال عام واحد نحو 700 مليون دولار أمريكي، ومن بين الاتفاقات الموقعة اتفاق ثلاثي موقع من (إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة)؛ لتشجيع استثمارات القطاع الخاص والتعاون الإقليمي باستثمارات تقدر بنحو 3 مليارات دولار أمريكي في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، وكذلك الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي على تسيير 28 رحلة طيران تجارية أسبوعيًّا بين البلدين.

كما تم تبادل زيارات كبار المسؤولين ورجال الأعمال بين البلدين، ومن أبرز هذه الزيارات، زيارة رئيس وزراء إسرائيل للإمارات 5 ديسمبر2021 في إطار دعم العلاقات بين البلدين، وزيارة رئيس إسرائيل “إسحق هيرتسوج” للإمارات في29 يناير2021، وأكد دعم إسرائيل للاحتياجات الأمنية للإمارات والوقوف معها ضد ما تعرضت له من اعتداءات من جماعة الحوثيين اليمنية بالصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة، وكانت إسرائيل قد عرضت على الإمارات في 18يناير2021 تقديم الدعم في مجال الأمن والاستخبارات في مواجهة هجمات بالطائرات المسيرة ضد أهداف حيوية في الإمارات، كما تسربت أنباء عن أن الإمارات العربية تبحث الاستعانة بالخبرات الإسرائيلية والأمريكية لعمل قبة حديدية لحمايتها من هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد أهداف حيوية في الإمارات على نمط القبة الحديدية الإسرائيلية.

وقد زار وفد برلماني إماراتي إسرائيل في7/2/2022، والتقى مع لجنة العلاقات الخارجية والأمنية في الكنيست وتم بحث أوجه التعاون في كافة المجالات بين البلدين وعملية السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وحل الدولتين، وقد أعرب رئيس لجنه العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي عن الشك في أن تكون إيران معنية فعلًا بالتوقيع على اتفاق مع القوى الكبرى يحدّ من مخططاتها العدوانية، ونوَّه بتعزيز العلاقات الأمنية والاستخباراتية مع الإمارات العربية لصالح السلام بين البلدين.

واتخذت إيران موقفًا مهاجمًا لاتفاق التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج العربية واعتبرت أن إسرائيل تسعى بكل الوسائل للحصول على مراكز لها قريبة من إيران في إطار سياستها العدائية ضدها وضد برنامجها النووي والصواريخ البالستية، وحذرت من أن إقدام إسرائيل على أي عمل عدائي متهور ضد إيران أو مصالحها الحيوية فإنه سيواجه بقوة وحزم يجعلها تندم على ما أقدمت عليه.

وإزاء توجس ومخاوف إيران من تقارب الإمارات العربية مع إسرائيل والتوسع في مجالات التعاون بينهما -خاصة الأمنية والاستخباراتية والتي قد تمتد لتشمل العسكرية أيضًا، فقد قام وزير خارجية الإمارات العربية في 3/2/2022، باتصال هاتفي مع نظيره الإيراني وزير الخارجية “حسين أمير عبد اللهيان”، حيث تبادلا وجهات النظر بشأن اعتداءات الحوثيين على الإمارات وضرورة وقف هذا التصعيد الخطير والالتزام بالحل السياسي وفقًا للمرجعيات ذات الصلة ولاشك أن الوزير الإماراتي طمأن نظيره الإيراني على قوة العلاقات الوثيقة بين البلدين في كافة المجالات، خاصة المجال التجاري حيث تبلغ قيمة التبادل التجاري في المتوسط العام سنويًّا ما بين 12 إلى 14 مليار دولار أمريكي.

وتهدف إسرائيل من التوسع والتنوع في علاقاتها مع كل من (الإمارات العربية والبحرين) إلى أن تتمركز في منطقة الخليج على مشارف الحدود الإيرانية مما يتيح لها مجالًا أوسع للأعمال الأمنية والاستخباراتية الموجهة ضد إيران ومفاعلاتها النووية ومنظومة تكنولوجيا الاتصالات وتشغيل العديد من المرافق الإيرانية، هذا إلى جانب الاستفادة القصوى من المخاوف والشكوك لدى دول الخليج العربية من نوايا إيران التوسعية وتدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وسعي إسرائيل إلى التوسع في التبادل التجاري مع الإمارات العربية لتكون منافسًا لإيران في هذا المجال، كما أن الإمارات ودول الخليج العربية لديها مخاوف كبيرة من البرنامج النووي الإيراني واتجاهه تدريجيًّا إلى الاقتراب من عتبة إنتاج أسلحة نووية رغم ما تؤكده إيران دائمًا سواء على لسان آية الله علي خامنئي من أن الأسلحة النووية حرام، وأن إيران ليس في نيتها إنتاج أسلحة نووية.

وقد زار وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” البحرين يومي 2و3 فبراير2022، والتقى ملك البحرين ووزير الدفاع البحريني وكبار القادة العسكريين ووقع معهم مذكرة دفاعية بين البلدين تشمل التعاون في مجالات الاستخبارات وشراء المعدات الأمنية والتدريب، وقال جانتس:” إن إسرائيل على استعداد لمد يد العون والتعاون لضمان الاستقرار في الدول الصديقة إزاء التهديدات البحرية والجوية المتزايدة، وإن هذا التعاون سيمكن من الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدفاع عن المصالح المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة والبحرين”. ويريد وزير الدفاع الاسرائيلي التنويه إلى أن إسرائيل شريك في الدفاع عن أمن واستقرار منطقة الخليج، كما قام رئيس وزراء إسرائيل بزيارة البحرين يومي 14 15 فبراير 2021، والتقى مع ملك ورئيس وزراء البحرين، وأكد تعاون إسرائيل مع البحرين في كافة المجالات وتدعيم العلاقات بين البلدين، وللبحرين أهمية خاصة لأنها أقرب دول الخليج العربية إلى الحدود المباشرة مع إيران.

هذا ويُلاحظ أن المساعي الإسرائيلية لعرقلة التوصل إلى اتفاق يعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران شملت (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا)، ورغم أن هذه الدول كانت تبدي تفهمًا لمخاوف إسرائيل إلا أنها أكدت دائمًا أن وجود الاتفاق النووي مع إيران وتفعيله أفضل كثيرًا من عدم وجوده أو إضعافه وإعطاء إيران مبررات لعدم الالتزام ببنوده.

ملاحظات عامة:

يُلاحظ أن من مصلحة إسرائيل عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الاتفاق النووي مع إيران وعدم عودة الولايات المتحدة إليه، لعدة اسباب من بينها ما يلي:-

  1. أنه في حال إعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران والتزامها بكافة بنوده خاصة فيما يتصل بتقييد تخصيب اليورانيوم، وهو ما يعني عدم السماح لها بصناعة أسلحة نووية، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها ودخولها في علاقات عادية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بما يؤدي إلى خروجها من أزمتها الاقتصادية وأزماتها الأخرى في المنطقة، وهو أمر لا يصب في مجموعة في المصلحة الإسرائيلية خاصة وأنها ستصبح الدولة النووية الوحيدة في المنطقة بما يزيد من الضغوط عليها لإخضاع برنامجها النووي للرقابة.
  2. أن إيران عضو في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وتخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أيًّا كانت بعض الشكاوي أو الصعوبات، بينما لم تنضم إسرائيل لاتفاقية منع الانتشار النووي، ولا يخضع برنامجها النووي لأي رقابة وهو ما يضعف مهاجمة إسرائيل لإيران.
  3. أن عودة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران وعودة الولايات المتحدة إليه يضعف كثيرًا من مبالغات إسرائيل في تصوير الخطر الإيراني عليها وعلى المنطقة ويزيد التركيز على إنكار إسرائيل حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وفقًا للمرجعيات الدولية ذات الصلة.
  4. لا شك أن التوصل إلى اتفاق بشأن إعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات عن إيران سيؤدي إلى أمرين أولهما: تحسين الأوضاع الاقتصادية في إيران مما يزيد من قوتها، وثانيهما: تحسن العلاقات الإيرانية مع المحيط الإقليمي والدولي وإتاحة مرونة وانفراجًا في الحل السياسي للأزمة اليمنية، والأزمة السورية، وحالة الاحتقان الخليجي مع لبنان، ونفوذ إيران في العراق، وهذا كله يدفع إلى اهتمام أكثر بالصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وأهمية إيجاد حلول سلمية ودائمة من أجل أن يسود الاستقرار والتنمية في المنطقة، وإسرائيل لا تريد أن يزول الصراع وتعيش في سلام وحدود مفتوحة مع جيرانها؛ لأنها دولة قائمة على القوة واستمرار الصراع للمحافظة على كيانها ومكوناتها السكانية القادمة من معظم دول العالم دون انتماء حقيقي ثقافيًّا واجتماعيًّا لمنطقة الشرق الأوسط لأعداد كبيرة منهم خاصة الفئات المسيطرة.

وفي كل الأحوال لن تستطيع إسرائيل عرقلة التوصل إلى اتفاق في مباحثات فيينا بين القوى الكبرى وإيران بشأن إعادة تفعيل الاتفاق النووي وعودة الولايات المتحدة إليه، رغم بعض الصعوبات التي تواجهها إدارة بايدن في الكونجرس الأمريكي، إلا أنها أوضحت لإسرائيل أنها على وشك العودة للاتفاق لضمان كبح جماح عمليات تخصيب وتخزين اليورانيوم في إيران واحتمالات توجهها إلى إنتاج أسلحة نووية، وأن الاتفاق النووي مع إيران لصالح إسرائيل والولايات المتحدة والمنطقة، ولن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. 

اظهر المزيد

رخا أحمد حسن

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى