في حلقة نقاشية لمجموعة من المؤرخين المصريين وعلى رأسهم الاستاذ الدكتور محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ في جامعة القاهرة كان علي ان اجيب على سؤال محدد عما اذا كانت العروبة مفهوم ثقافي ام نظام اقليمي ؟ وبعد بحث ومراجعة فكرية وتاريخية وجدت ان افضل طريقة للإجابة على هذا السؤال هي طرح مجموعة من الاسئلة التوضيحية التي ربما تؤدي اجاباتها الى الحل المنشود .
وغني عن البيان إن مفهوم العروبة سبق ان طرح للنقاش، تماما كما طرح مفهوم القومية العربية، وخضعا لكثير من الاجتهادات والتقديرات، وما زلنا نطرح عند ذكرهما العديد من الاسئلة الاستيضاحية التي تستوجب بدورها اجابات متفاوتة في اهميتها، ومرد ذلك الى أن الاشكالية المطروحة لا تتعلق بمكنونات مفهومي العروبة والقومية العربية اللغوية فحسب، وانما بمدلولاتهما الفكرية، وما اذا كان المفهومان يحملان مشاغل واهداف سياسية محددة . لذلك سيكون اول اسئلتنا الاستجوابية متعلقاً بفك الارتباط ما بين المفهومين وطرح الاستيضاح التالي :
هل يمكن القول بان العروبة مفهوم ثقافي بينما القومية العربية مفهوم سياسي؟
يستدعي هذا السؤال بدوره عدة تقديرات استضاحية ومنها : هل يمكن الادعاء بأن العروبة كانتماء تطلق على كل الناطقين باللغة العربية والساكنين على الارض العربية والشاعرين بالمصير المشترك، بينما تشترط القومية العربية شرطا اضافيا هو وحدة العنصر الاثني إنطلاقاً من انها توحي بتعزيز انتماء قومي يجسد في جانب قانوني منه حق الدم وليس حق الارض؟ ويكاد الفرق يين المفهومين يجعلنا نتساءل من جديد عما اذا كنا على صواب عندما نعتقد بأن القومية العربية فضلاً عما سبق تحمل مهمات حركة ايديولوجية تعبوية لها برنامج و هدف سياسي يسعى لقيام الوحدة القومية.
تلك اسئلة نرى بانها سبق وان طرحت للنقاش وربما تكون في نظر البعض قد تقادمت ولكننا نعتقد بأنها لم تفقد حيويتها بعد بدليل انها ما زالت محور جدل. ومع ذلك يبدو لي ان السؤال المركزي الذي بات شاغلنا الاساس اليوم لا يتعلق بمفاهيم العروبة والقومية والنظام الاقليمي بل هو يتمحور حول قدرتنا على تجديد فكرنا العروبي ليلائم مقتضيات العصر ويحقق طموحاتنا، سواء توفقنا في تطوير هذا المفهوم ثقافيا او نجحنا في تبنيه سياسياً، والمفاضلة التي يقيمها البعض بين نجاح العروبة ثقافياً وفشلها سياسياً تكشف لنا العلة الحقيقية، وهي اننا كعرب نتحرك بالفعل على قاعدة ثقافية مشتركة ومرجعية واحدة بينما تتخالف اراداتنا في شؤوننا السياسية وتتنافر بفعلنا وربما بفعل الغير ايضاً !
تدلنا الدراسات التاريخية عن مفاهيم العروبة والقومية والامة ومن بينها كتابات ساطع الحصري وكذلك كتابات عبد العزيز الدوري وبخاصة “التكوين التاريخي للأمة العربية” و”الجذور التاريخية للقومية العربية” وقسطنطين رزق على حقيقتين:
الحقيقة الاولى ان ادبيات فلاسفة ومفكري العرب ومؤرخيهم من ابو عثمان الجاحظ (776 م-868 م) إلى عبد الرحمن ابن خلدون (1332 – 1406م) كانوا قد بنوا مفهوم العروبة على الثقافة واللغة، وبعضهم أضاف إليه الجغرافيا مثل ابو الحسن المسعودي (896 – 957 م ) ولم يبنوه على العرق. وكان الانتماء العروبي هو الجامع لكل أعراق وطوائف الجماعة العربية.. فالقومية العربية ثقافية لا تستند الى العنصر او النسب لأن مفهوم الامة العربية تكون حول اللغة والتعريب والتراث الثقافي والدور التاريخي للعرب.
والحقيقة الثانية انه لا مجال لتنزيه العروبة من البعد السياسي واعتبارها مفهوم ثقافي فقط، فالدراسات التاريخية تدلنا على ان هناك عروبة سياسية وانها ولدت في القرن التاسع عشر في ثياب عصر النهضة .. وتجسدت في فكرنا باعتبارها هويّة ثقافية وانتماء حضاري وليس اثني، وكانت اللغة العربية هي المقوم الأساس للعروبة كواقع ثقافي أفرز ارادة سياسية ترنو لتكامل الدول العربية وتوحيدها، وسمات هذا الواقع انه متجدد متطور يقتضي العصرنة واعادة البناء على أسس أكثر انفتاحا وإنسانية ..
ومن هذا الباب ندخل لنثير من جديد السؤال الذي حاول البعض الايحاء به وطرحه ولو على حذر وهو : هل يمكن لمفهوم العروبة التحول الى نظام اقليمي باعتبار ان ابو الحسن المسعودي كان قد اضاف لهذا المفهوم الثقافي بعداً جغرافياً ؟
وجد البعض أن بامكان فكرة العروبة ان تلعب دوراً اقليمياً جامعاً يسمح لها باحتواء الانظمة السياسية العربية والعمل على توحيدها سواء كان ذلك بالقوة او بالتكامل على غرار ما حدث في عملية توحيد ايطاليا التي قادها جوزيه غاريبالدي عام 1860 وتوحيد المانيا التي قادها بسمارك عام 1871. ومن فراش هذه القناعة ومن غيرها ولدت فكرة الوحدة العربية القسرية والفورية ايضاً . ولكن هذا البعض تناسى ان التجربتين (الايطالية والالمانية) قد استخدمتا القوة الى جانب المصالح المشتركة في عالم كان يتسم بضعف التأثيرات الخارجية الدولية السلبية في الحالتين، على مسارهما التوحيدي .
واذا ما تركنا جانباً تلك التجارب التاريخية وعدنا الى سنوات قريبة فسوف نشهد تحول فكرة اخرى مماثلة لفكرة العروبة وهي الفكرة الاوروبية ، تحولها لفضاء توحيدي شامخ وهو الاتحاد الاوروبي . وهو الامر الذي يسمح لنا بطرح سؤال جديد مفاده :
هل بامكان المصالح المشتركة توحيد الجهود القومية لتفعيل النظام الاقليمي العربي والعمل على تكامله الاقتصادي والسياسي على غرار ما فعله الاتحاد الاوروبي؟
والحقيقة ان جامعة الدول العربية كاطار للعمل العربي المشترك قامت على اساس توفر مقومات الهوية القومية العربية كشرط لعضويتها في حين ان الفكرة الاوروبية وان استندت على المعايير المشتركة التي ابتدعها عصر التنوير ولكنها بنيت على اسس اقتصادية، فالاتحاد الاوروبي بدأ عام 1951 بتأسيس الجمعية الأوروبية للفحم الحجري والصلب، ومن ثم جرى تأسيس الجماعة الاقتصادية الأوروبية وفقاً لمعاهدة روما عام 1957.
ومن الشروط التي يفرضها الاتحاد الاوروبي لنيل عضوية الدول الاوروبية فيه توفر امران: توازن اقتصادي وانفتاح ديمقراطي ، ولقد تعرقلت جهود الانضمام الكامل لليونان بسبب عدم التوازن الاقتصادي وكثرة الديون، وجمد انضمام تركيا بسبب عدم الانفتاح الديمقراطي وغيره.
وعلى ما يبدو ليس من الحكمة مقارنة مسيرة الدول العربية التوحيدية بالمسيرة الاوروبية لاسباب عدة أبرزها اختلاف المنطلقات واختلاف الارادات السياسية واختلاف جوهري في البنى السياسية والقانونية لهاتين المجموعتين من الدول، وهو ما يدفعنا لتبديل وجهة المقارنة وتحويلها الى سؤال اخر هو :
هل تصح مقارنة المسيرة التوحيدية العربية بمثيلتها لدى الدول الافريقية؟ فإذا صح ذلك نضيف:
هل يمكن مماثلة الهوية الثقافية للعروبة بالهوية الثقافية للافريقية او الزنوجة ؟
مبرر هذا السؤال هو ان الفكرتين العروبية والزنوجة ظهرتا كرد فعل على اضطهاد الاستعمارين العثماني والأوروبي في العالمين العربي والافريقي، وانهما اي “العروبة” و”الزنوجة” أصبحتا تشكلان واقع ثقافي متجسد بمجموعة من القيم الاقتصادية والسياسية والفكرية والمعنوية والفنية والاجتماعية لدى الشعوب العربية والإفريقية وحتى لدى الأقليات السوداء في أميركا.
إن تسمية أدب الزنوجة La négritude قد اطلقت على تيار أدبي وإيديولوجي، وقد حدد الكاتب الحسن ولد المختار في مقالة لامعة”أدب الزنوجة يخترق جدار السوط” وهي مقالة تحمل معنى ادب الزنوجة بامتياز باعتباره الادب الافريقي الذي يخترق جدار السوْط تعبيراً عن حجم الغضب من فداحة العبودية التي الحقها الغرب بالافارقة.
وربما يكون المبرر الاكثر جدارة الذي يربط ما بين الفكرتين العروبة والزنوجة هو – فضلا عما سبق- ذلك التداخل والتمازج ما بين الشعبين العربي والافريقي، فعلى حد قول المختار نفسه فان ثلثا العرب أفارقة، وثلث الأفارقة عرب، وثلثاهم – تقريباً- مسلمون ..
وكما تولى عبد الرحمن الكواكبي وساطع الحصري تأصيل فكرة العروبة النهضوية في مواجهة العثمنة والتتريك والاستبداد ، فقد تولى شاعر الزنوجة الرئيس السنغالي سيدار سنغور (1906 – 2001) ومعه الاب الروحي للزنوجة المارتينيكي ايميه سيزار(1913-2008) رفع راية الزنوجة النهضوية ايضاً ضد الاستعمار الاوروبي للعمل على تشييد البناء الثقافي والسياسي الافريقي. لقد اصدرا معاً عام 1934 صحيفة “الطالب الاسود” فظهر فيها للمرة الأولى مصطلح الزنجية (négritude) الذي اصبح تعبيرا عن حركة ادبية تحررية.
وكمثال على شدة التعلق بالزنوجة ادبا ووطناً نذكر مثال إيميه سيزار الذي توفى في 17 ابريل 2008 واراد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان يكرمه بدفنه في مقبرة العظماء بباريس، هذه المقبرة التي لم يدفن فيها شارل ديغول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، لكن سيزار كان قد رفض في وصيته وهو المغرم بثقافته ان يدفن إلا في بلده (المارتينيك) اعتزازا بجذوره وبشعبه. وتكريماً له فان شعره ومسرحياته ودراساته النقدية ومقالاته السياسية ادخلها الفرنسيون ضمن المنهج الدراسي في فرنسا بداية من التعليم الأساسي وصولا إلى الجامعة حتى لا تفنى فكرة الزنوجية طالما قد كتبت باللغة الفرنسية.
والجدير بالذكر إن فكرتي العروبة والزنوجة جرى ربطهما بافكار سياسية وثقافية وحقوقية اخرى، فتارة ربطتا بالحرية، واخرى ربطتا بالاستقلال، لذلك غلب على نشاطات الفكرتين الدعوات لكتابة أدب قومي متحرر من الوصاية الأجنبية، الامر الذي ترك أثرًا كبيرًا على الوعي القومي العربي والافريقي. بيد ان اعلام الفكر العروبي والزنوجة ذهبوا الى ابعد من السياسة عندما ربطوا الفكر القومي بالتعليم بنحو خاص، وطالبوا بأن يكون التعليم الزامياً، فلا تحرر دون تعليم وتلك لعمري مهمات تربوية حضارية .
وقد ساعد على انتشار الفكرتين اقتران الكتابات القومية بالدعوات الاستقلالية والسيادية والوطنية وبالتعليم وبقضايا الحقوق والحريات والنزعات الثورية وبالاخلاق لكونهما في نظر البعض بالاساس فكرتين اخلاقيتين أيضاً بنفس قدر كونهما أفكار مكتسبة وبالتالي فهما افكار تقع في صلب العملية التربوية.
إن أهمية الفكرتين “العروبية” و”الزنوجية ” جعلت منهما معطيين ثقافيين وسياسيين أصيلين في صراعات التدافع الحضاري. وقد بات لهاتين الفكرتين نتاجات وانشطة انسانية وطموحات سياسية لم تنجح حتى يومنا هذا في توحيد الناطقين باسميهما وتكاملهما في كيان اتحادي جغرافي اقليمي واحد لاسباب كثيرة لا يتسع المجال للخوض فيها.
وعلى الرغم مما سبق فقد تمكنت فكرة العروبة من صياغة مؤسسة اقليمية عربية هي جامعة الدول العربية التي ولدت عام 1945 وتضم اليوم 22 دولة ، وبالمقابل فإن الزنوجة هي الاخرى قد نجحت في دعم قيام الاتحاد الافريقي عام 2002 خلفاً عن منظمة الوحدة الافريقية. يضم الاتحاد اليوم 55 دولة ويهدف الى تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة الافريقية. اما الفكرة الاوروبية فقد تمكنت من بناء الاتحاد الاوروبي على مبدأ المصالح المشتركة وليس على اساس ثقافي، فالدول الـ 27 الاوروبية تتحدث لغات مختلفة وتنتمي الى ثقافات متعددة وتتفارق مذهبياً ودينياً وقد مرت بحروب طاحنة اخطرها الحربين العالميتين .
وفي نظرة عابرة يمكننا تسجيل أبرز الفروق بين المنظمات الدولية الثلاث:
أولاً: الجامعة العربية اقدم من الاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي بل هي اقدم المنظمات الاقليمية والدولية بما فيها منظمة الامم المتحدة.
ثانياً: لغات العمل المعمول بها في الجامعة العربية هي لغة واحدة وهي العربية، ولغات العمل في الاتحاد الافريقي هي: العربية، الأنجليزية، الفرنسية، والبرتغالية، وكذلك اللغات الأفريقية، اما الاتحاد الاوروبي فيستخدم 24 لغة وهي مجموع لغات كل الدول الاعضاء.. ابرز اللغات المستخدمة هي: الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية والايطالية.
ثالثاُ: بنيت الجامعة العربية على فكرة العروبة باعتبارها الهوية الثقافية العربية المشتركة، كما بني الاتحاد الافريقي على الزنوجة باعتبارها الهوية الثقافية الافريقية، بينما بني الاتحاد الاوروبي كما اسلفنا على اسس اقتصادية ومصلحية .
رابعاً: لم يجر تمكين الجامعة العربية ليكون لها سيادة عابرة لسيادات الدول القطرية الاعضاء كما لم تمنح قدرة حل الصراعات الداخلية والاقليمية، بينما بني الاتحاد الافريقي على الفكرة الافريقية المتجاوزة للسيادات القطرية والمدعومة من دول الاتحاد الاوروبي بهدف أفرقة الصراعات وحلها في اطار الاتحادين الافريقي والاوروبي. اما الاتحاد الاوروبي فقد حقق تكاملاً اقتصادياً وعملة موحدة وتعريفة جمركية واحدة وسياسة زراعية وصناعية وتجارية موحدة مكنته من صياغة سياسة عليا للاتحاد وسيادة تتفوق قانونيا على السيادات القطرية وتخضعها لها.
خامساً: ليس في احكام ميثاق الجامعة العربية ما يلزم الدول الاعضاء باللجوء الى الجامعة لحل نزاعاتها، وقد اعتمدت الجامعة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاعضاء. ولم يعد لها كسابق العهد (منتصف سبعينات القرن الماضي) ذراع عسكرية تمثلت بقوات الردع العربية التي كانت قوة دولية لحفظ السلام أنشأتها جامعة الدول العربية في القمة العربية عام 1976 وارسلتها الى لبنان للفصل ما بين الفصائل المتحاربة.
في القانون التاسيسي للاتحاد الافريقي تعطي المادة 4 ح، والمادة 4 لمجلس السلام والأمن الحق للاتحاد بالتدخل في أي دولة من الدول الأعضاء في حالات جرائم الحرب والإبادة الجماعية وجميع الجرائم التي يجدها الاتحاد ضد الإنسانية. وعلى هذه الاسس ارسل الاتحاد قوات عسكرية قوامها 7000 جندي لحماية السكان في دارفور بالسودان . كما نشر الاتحاد الأفريقي قوة حفظ سلام مكونة من حوالي 8000 فرد في مقديشيو، لدعم الحكومة الصومالية الجديدة في مارس 2007 . واخيراً أعلن مفوض السلم والأمن بالاتحاد الافريقي إسماعيل شرقي، عن اعتزام الاتحاد نشر بعثة مراقبة عسكرية في ليبيا. وعلى ما يبدو يسعى الاتحاد الافريقي الى الاستئثار ببعض الدول العربية مثل السودان وليبيا وابعادها عن الجامعة العربية.
اما الاتحاد الاوروبي فقد عجز على حل المنازعات في القارة الاوروبية، وكان وما يزال يحتمي بالمظلة العسكرية الامريكية، لذلك اوكل وقف الابادات بحق مسلمي البوسنة والهرسك في البلقان الى حلف شمال الاطلسي، كما انه وقف مكتوف الايدي في قضية الحرب الاهلية ما بين الجيش الجمهوري الايرلندي وبريطانيا وهكذا فعل في مسألة كتالونيا باسبانيا.
سادساً: تبلغ ميزانية جامعة الدول العربية السنوية 60 مليون دولار تشترك في دفعها الدول العربية الاعضاء بنسب من ناتجها القومي الاجمالي، وتقدر نسبة سداد حصص الدول حاليا بقرابة النصف (51 بالمائة عام 2019)، بينما تبلغ ميزانية الاتحاد الافريقي 681 مليون دولار وهي بتزايد مستمر، بنسب سداد كاملة تقريباً، وسبب ذلك ما تقرره اللوائح الداخلية للميثاق الافريقي والذي ينص على ان الدول التي لا تسدد حصتها تفقد حقها بالتصويت ، اما الاتحاد الاوروبي فتبلغ ميزانيته السنوية 122 مليار يورو!!
سابعاً: يلاحظ صندوق النقد العربي ضحالة التجارة البينية بين الدول العربية وضعف توجهاتها نحو التكامل، فالتبادلات العربية لا تتجاوز 13% من إجمالي التجارة الخارجية، فيما قدرت الاستثمارات العربية البينية بنحو 18% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشرة المتدفقة إلى الدول العربية عام 2017. وبالمقابل فإنّ التجارة البينية بين دول الاتحاد الأفريقي تبلغ 16 % وهناك توجهات لرفع هذه التجارة الى نسبة 60 % عام 2022 على اثر توقيع اتفاق التجارة الحرة في قمة نيامي … اما التجارة البينية بين دول الاتحاد الاوروبي فقد وصلت لاكثر من 65% من مجمل التجارة الخارجية للاتحاد ..
مما سبق يتضح لنا التالي :
- ان فكرة العروبة وما وصلت اليه في التجربة الميدانية هي اضعف من مثيلاتها الافريقية والاوروبية
- إن عجز العروبة عن التحول الى نظام اقليمي عربي منشود لم يكن نابعاً من ضعف الانتماء القومي للجماعة العربية وانما لضعف في توجهات الدول العربية لتجاوز الكيانات القطرية والسعي لبناء كيان قومي عربي موحد.
- ساهم في اضعاف الدور الامني للجامعة العربية امران : الاول انفرادية القرار الامني الذي يسمح لبعض الدول الاعضاء بعقد اتفاقات امنية ثنائية دون اشراك الجامعة أو بما يتعارض في بعض الاحيان مع مواثيقها، فالمادة 17 من الميثاق تنص على “تودع الدول المشتركة في الجامعة الامانة العامة نسخاً من جميع المعاهدات والاتفاقات التي عقدتها او تعقدها مع اية دولة اخرى من دول اخرى من دول الجامعة او غيرها” وهو امر في الغالب لم يتحقق. والامر الثاني تغليب بعض الدول العربية الاعضاء الانتماء الافريقي على الانتماء والهوية العربية، الامر الذي سمح بتنازع يدعو للامتعاض بين سلطات الاتحاد الافريقي وسلطات الجامعة العربية، بل ان الاتحاد الافريقي تجاوز في بعض الاحيان حدوده ونظم اجتماعات تخص دول عربية دون دعوة الجامعة. وينبغي لنا ان نقرر مسؤولية من هذه التجاوزات فنقول بكل اسف مسؤولية الدول الاعضاء المعنية .
- ابرز حقائق عالمنا المعاصر هي إن الدول ما عادت تتوحد استنادا الى الفكرة القومية/ الاثنية او الهوية الثقافية وانما توحدت وتكاملت سابقاً على اسس دينية كالامبراطورية الهاسبورجية والبيزنطية والسلطنة العثمانية، وعلى الغزو والاحتلال كالمغولية، وعلى الحروب الاستعمارية كالامبراطورية البريطانية . ولم تنشأ الدول القومية الحديثة الا بعد توقيع اتفاقية وستفاليا في أوروبا عام 1648 . وتتوحد الامم اليوم وتتكامل على اسس اقتصادية ومصالح مشتركة.
لاريب ان الاماني القومية التي كانت وما زالت حلم عدد كبير من العرب لا تبدو حلم قريب الحدوث في ظل الاوضاع الراهنة، ولسنا الامة الوحيدة التي لم تقم دولتها القومية.. ان اغلب الامم من حولنا وبعيد عنا عانت المشكلة ذاتها ولم تصل الى مبتغاها، فالامة التركية التي كانت تحلم طيلة قرون بقيام امتها القومية الطورانية الممتدة من آسيا الوسطى وحتى هنغاريا اكتفت بدولة غير قومية وطنية تضم الترك والمغول والاكراد والعرب.. والامة الايرانية لم تتشكل من الفرس فقط وانما من شعوب وعروق عدة من بينها الفرس والبلوش والتركمان والاكراد والعرب، وعلى غرار ذلك لم تتشكل الامة الفرنسية من عنصر قومي واحد وانما تشكلت من قوميات عدة ضمت: الغاليين والرومان والبرتون والجرمن والعرب ايضاً. وتكونت الإمة البريطانية ( اي أقاليم: إنجلترا وأيرلندا الشمالية واسكتلندا وويلز) من الجماعات العرقية المختلفة التي استقرت هناك قبل القرن الحادي عشر مثل: الكلت والرومان والأنجلو ساكسون، نورس والنورمان والويلزية التي قيل بانها من أقدم الجماعات العرقية في المملكة المتحدة ، ناهيك عن الهنود والباكستانيين وبعض العرب حالياً.
كل هذه امم غير قومية بالمعنى العرقي أي انها لا تنتمي الى السلالة الدموية نفسها، فلا توجد دولة من دول العالم اجمع اليوم قائمة على عرق واحد، ولكن توجد امم متنوعة القوميات والاديان والطوائف توحدها الجغرافية السياسية والمصالح والعيش المشترك.