2020العدد 181ملف عربي

الحالة العربية في مواجهة أطماع دول الجوار الإقليمي في المنطقة

استغلت دول الجوار العربي، أحداث الربيع العربي وسوء إدارة السياسات العربية في مواجهته، لتعظيم نفوذها في المنطقة، عبر التدخل في شؤون دولها تحت ذرائع واهية، تبدأ من إدراج هذه الدول تدخلاتها في إطار المساعدة والواجب تجاه الشعوب الشقيقة والصديقة، ولا تنتهي بضرورة الحفاظ على أمنها من الفوضى الحاصلة في هذه الدول.

وقد ساعدت عوامل متعدّدة، على تعميق هذه الأطراف اختراقاتها للمحيط العربي، فحالة الانقسام التي ضربت النظام العربي وشلت مؤسساته، نتيجة الخلاف حول الربيع العربي، وكذلك ضعف مؤسسة الدولة، في البلدان التي استهدفتها تلك الاختراقات، وتحطم مناعة المجتمعات العربية وانقسامها المرير، كل تلك العوامل ضاعفت من حدة الاختراق وساهمت في تعقيد الواقع العربي، الذي افتقد لقيادة مركزية، نتيجة انشغال مراكزه الكبرى في مواجهة الأخطار الناشبة عن التفاعلات الإقليمية والدولية المتضاربة في المنطقة العربية، والتي وصلت إلى حد تهديد شطب دولها من الوجود في لحظة، اختلطت فيها الأجندات، وتنوع الفاعلون، وبات المستقبل العربي أمام مصائر يقررها في الغالب لاعبون خارجيون.

من هي دول الجوار؟.

يشمل مصطلح دول الجوار العربي، جميع الدول التي لها حدود برية وبحرية مع الدول العربية، وبالنظر للمساحة الشاسعة للوطن العربي، فإنه يتجاور مع دول تتبع ثلاث قارات، أسيا وأوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقع داخل إطار الجغرافية العربية.

وبالإضافة إلى تركيا وإيران، اللتين تحدان المشرق العربي، سورية والعراق ودول الخليج العربي، فإن دول شمال أفريقيا، مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، تتشاطأ مع القارة الأوروبية على البحر الأبيض المتوسط، وتتلاقى حدودها البحرية مع قبرص واليونان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وإن كانت هذه الدول لم تدخل في مصطلح الجوار العربي سابقا، إلا أن ظهور الثروات في البحر المتوسط وقيام الدول بترسيم الحدود البحرية بينها، جعل هذه الدول ضمن دائرة الجوار العربي.

 وتقع دول غرب أفريقيا، السنغال، وجنوب الصحراء، تشاد ومالي والنيجر، ودول وسط إفريقيا، دولة جنوب السودان، وشرق إفريقيا، أثيوبيا وكينيا، ضمن دائرة الجوار العربي، وقد ارتبطت هذه الدول بعلاقات حسنة مع الدول العربية، باستثناء أثيوبيا التي باتت تختلف مع السودان ومصر بعد بناء سد النهضة على نهر النيل وانعكاسات هذا الأمر على الأمن المائي لمصر بدرجة كبيرة.

المشكلة مع دول الجوار.

تنحصر مشاكل الدول العربية مع دول الجوار، مع ثلاث دول، هي إيران وتركيا وإسرائيل، نتيجة محاولاتها صوغ التفاعلات الإقليمية بما يخدم مصالحها،  والتدخل في الشؤون الداخلية العربية، دون مراعاة قواعد القانون الدولي الناظمة للعلاقات بين الدول، في سعي علني وواضح لتعزيز نفوذها وتعظيم أدوارها الإقليمية على حساب الدور العربي.

وتنطلق هذه الأطراف من فرضية أن المرحلة الراهنة، هي مرحلة تغيرات في المنطقة، تشبه إلى حد بعيد، ما حصل في أوروبا الشرقية والبلقان، وأن هذه المنطقة ذاهبة إلى صياغة جغرافية وسياسية جديدة، وبالتالي فهي، دول الجوار، أمام فرصة إستراتيجية للمشاركة في هذه الصياغة بحيث يكون لها الدور الأساس في تحديد هذه الصياغة وأبعادها وحدودها، والتحكم بمخرجاتها بما يتناسب والمصالح الاقتصادية والسياسية، ومن جهة ثانية، يجب على الأطراف الدولية المنخرطة في اللعبة، مراعاة أن الدول الإقليمية هي أطراف صاعدة في اللعبة الدولية، ولها احتياجاتها وحقوقها، بما يعنيه ذلك من حقها في توسيع دائرة نفوذها الجغرافية، وحاجتها إلى مساحات نفوذ لتصريف فائض قوتها وإنتاجها.

ومن الخطأ، حصر زاوية النظر إلى مطامح هذه الدول، بالأزمات التي يعايشها الوطن العربي منذ سنة 2011، ذلك أن النشاط التدخلي والتوسعي لهذه الأطراف سبق هذا التاريخ، وإن كان بعد 2011 أخذ طابعا فجا وصريحا، فإيران كانت متغلغلة في العراق وسورية بذريعة تحرير الأولى من الاحتلال الأميركي، ودعم الثانية في مقاومة إسرائيل، مع أن نخبة الحكم العراقي، الصديقة لإيران، هي من استدعت القوات الأمريكية، ومع أن النظام السوري كان قد أغلق جبهات الصراع مع إسرائيل منذ عقود طويلة، كما أن تركيا، ومنذ بداية العقد الأول من القرن، مدّت أذرعها في كل من سورية والعراق ضمن سياسة أطلقت عليها” تصفير المشاكل ” مع دول الجوار، واستعاضت عن ذلك بعقد اتفاقيات اقتصادية جائرة، كان من نتيجتها إغراق الأسواق السورية بالبضائع التركية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق الآلاف من الورش ومصانع الألبسة والأثاث المنزلي، وكان ذلك أحد محركات الثورة السورية، وخاصة في ريف دمشق وحلب، وفي العراق أدى نهب الثروة النفطية، من قبل إيران وتركيا، بطرق غير شرعية في الغالب، إلى ظهور طبقة فاسدة تلاعبت بثروات العراق، وكانت أحد أهم الأسباب التي أوصلت العراق إلى أزمته الحالية.

أما إسرائيل، فمن المعلوم أنها أول من بدأ هذا النهج، القائم على الادعاء بحقها في تأمين مساحة أمان تحميها من قاطني الغابة العربية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حينما صرح رئيس وزرائها السابق، إسحاق شامير، في مؤتمر مدريد للسلام، أن مساحة العالم العربي تزيد عن 14 مليون كيلو متر مربع، في حين لا تتجاوز مساحة إسرائيل آلاف الكيلو مترات العربية، وكأنه أراد القول إن  إسرائيل التي تتفوق قوتها على قوّة العالم العربي مجتمعة تستحق أن يكون لها سيطرة على أراض أكبر، وبالتالي لا يحق للعرب المطالبة بأراضيهم المحتلة.

رسم صور وهمية.

اتبعت دول الجوار لتحقيق مطامعها في البلاد العربية، إستراتيجية رسم صور وهمية عن أهدافها، إذ دائما ما عملت على تغليف أهدافها بدعايات وشعارات غير حقيقية، واستفادت بدرجة كبيرة من المعطيات التي وفرتها الأزمات الأخيرة التي مر بها العرب، بل في كثير من الأحيان، عملت هذه الدول على تصميم وهندسة المعطيات التي تساعدها على زيادة تغلغلها في النسيج العربي.

كانت محاربة الإرهاب هي الصورة الوهمية الأكثر شيوعا في إستراتيجيات دول الجوار المذكورة، وخاصة دحر تنظيم” داعش”، الذي تؤكد المعطيات أن دول الجوار ساهمت بدرجة كبيرة في صناعته وتطوره، وفي ظل هذه الصورة الوهمية، اكتسحت إيران مجتمعات العراق وسورية، وأعادت هندسة هذه المجتمعات والتركيبة السكانية، وأجرت عمليات تغيير ديمغرافي واسعة، وسيطرت على اقتصادات هذه الدول، وبنفس الوقت برّرت تركيا لنفسها اجتياح مناطق واسعة في شمال شرق سورية تحت ذريعة محاربة داعش أولاً، وحزب العمال الكردستاني في مرحلة لاحقة، ورغم زوال خطر داعش، وتحت ذريعة الإرهاب نفسها أقدمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاعتراف بهضبة الجولان أرضا إسرائيلية، على اعتبار أنها تشكل حاجزا ومساحة أمان لإسرائيل في حال تعرضت لهجوم إرهابي من الشمال.

تمثلت الصورة الوهمية الثانية بالدفاع عن إخوة الدين، وهو الشعار الذي طبقته إيران وتركيا في سياساتهما تجاه البلدان العربية، وكان من نتيجته تحويل النزاعات السياسية في سورية العراق واليمن، إلى صراعات مذهبية وحروب أهلية، وضمان حصول إيران وتركيا على تأثير دائم في سياسات هذه البلدان، بل ذهبت ادعاءات هاتين الدولتين إلى ما هو أبعد من الإخوة الدينية، إلى الإخوّة العرقية، إذ تدّعي إيران أن البحرين إقليم فارسي وأن سكانه إخوة العرق، كما أن السياسة التركية ترفع علنا شعار الدفاع عن الإخوة” التركمان” في العراق وسورية، ومؤخرا ليبيا، وهذا يبيح لها الحق في التدخل بسياسات الدول التي يوجد فيها أقليات تركمانية، مثلما تدعي إيران حقها في حماية ” أضرحة آل البيت” الموجودة في البلاد العربية.

وقد ساعد في صياغة هذه السياسات، صعود تيارات قومية متطرفة في هذه البلاد، تدعو إلى تعزيز المصالح القومية لبلادها، وتؤمن هذه التيارات بوجود مؤامرات دولية ضدها، ومشاريع تستهدف إعادة تشكيل خارطة المنطقة، وبالتالي تحرض صناع السياسة، الذين هم في الغالب مؤمنون بأفكار هذه التيارات، على القيام بتحركات استباقية للعمل على تنفيذ مشاريعها الإقليمية من خلال استخدام القوّة العسكرية إلى حد التهور، لإقناع اللاعبين الدوليين بأحقيتهم في الحصول على حصص وازنة في التشكيل الجديد، ولإضعاف الواقع العربي إلى أبعد الحدود وتكريس الهيمنة عليه.

المناطق والثروات المستهدفة من قبل دول الجوار.

أولاً: تركيا

تتوزع خريطة المناطق التي تستهدفها الأطماع التركية على مساحة واسعة من الجغرافية العربية، ويمكن حصرها كالتالي:

  • مناطق غرب العراق: الموصل وكركوك، إذ طالما ادعت تركيا أن هذه المناطق هي امتداد لهضبة الأناضول، وأن سكانها من الأكراد والتركمان من أصول تركية، وتدّعي أن لها حقوقا في نفط هذه المناطق.
  • مناطق شمال سورية: حلب إلى القامشلي، حيث تعتبر تركيا حلب جزءا منها، وبقية الشمال السوري عمقا إستراتيجيا وحيويا للدولة التركية، وتتذرع بحماية التركمان في هذه المناطق.
  • ليبيا: تتذرع تركيا بحجة الوقوف مع الحكومة المعترف بها دوليا” حكومة الوفاق”، وحماية الليبيين من أصول تركمانية الموجودين في مصراتة ومدن أخرى” مليون نسمة حسب الادعاءات التركية”.
  • السودان والقرن الأفريقي: حيث سعت تركيا في السنوات الأخيرة إلى بناء قواعد عسكرية في السودان، وتمدّدت في جيبوتي، وتحاول شركاتها التنقيب عن النفط في الصومال، وقد استثمرت تركيا حاجة هذه البلدان إلى المساعدات الاقتصادية، وتهميشها من قبل المحيط العربي.

ولعل الملاحظ في التحركات التركية، تركيزها على ثلاث قضايا أساسية في العالم العربي:

  • النفط ومصادر الطاقة، سواء لجهة الاستثمار أو عبور أنابيب النفط إلى تركيا، وترغب تركيا في تأمين الطاقة التي تحتاج لها بشدة كونها بلدا غير منتج، ويحتاج اقتصادها النامي إلى استهلاك كميات كبيرة من النفط والغاز، ويشكل كل من العراق وليبيا مصادر مهمة للنفط والغاز بالنسبة لتركيا، فيما تمثل سورية نقطة محورية في أي مشاريع مستقبلية لتدشين خطوط نقل الطاقة من المنطقة إلى شمال المتوسط.
  • طرق التجارة الدولية، سواء البرية، عبر سورية والعراق، اللتين تعتبران معابر مهمة إلى الخليج العربي، أو المعابر البحرية في منطقة القرن الإفريقي، وذلك لأهمية التجارة للاقتصاد التركي.
  • الأسواق والاستثمارات: حيث تعتبر البلدان العربية أسواقا مهمة للبضائع التركية، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا 12 مليار دولار، كما تطمح تركيا بالحصول على حصص في إعمار البلدان التي دمرتها الحروب” سورية والعراق وليبيا” وخاصة وأنها تملك أكبر الشركات العالمية في مجال البناء، وبحسب تقارير اقتصادية دولية، فإن تركيا، وقبل سقوط القذافي كانت تملك مشاريع إعمار بـ” 28 مليار دولار”.

ثانيا: إيران.

تعتمد إيران على استراتيجية شاملة لحيازة المكانة والنفوذ الإقليميين، قائمة على تعزيز عناصر القوة وملء فراغاتها الناشئة عن التغيرات الحادثة في اختلالات التوازن المستمرة التي تشهدها المنطقة باطراد.

يتركز النشاط الإيراني على مناطق العراق والخليج العربية وسورية ولبنان:

العراق : تستهدف إيران السيطرة على العراق بالصورة التي لا تسمح بقيام عراق مهدد لإيران مجددًا كما كان في السابق، وكذلك تذليل العراق كسوق خلفية لإيران.

ولتحقيق هذه الأهداف عملت  إيران على السيطرة على المشهد العسكري بالكامل عن طريق المليشيات المختلفة المتدربة والممولة من فيلق القدس، لتمنع قيام أي قوة عسكرية أخرى خارج نطاق نفوذ إيران.

الخليج العربي: الذي تعتبره إيران ساحة خلفية لنفوذها، بدءا من البحرين التي تعتبرها جزءا من جغرافيتها، إلى بقية دول الخليج واليمن.

سورية: تأتي سوريا علي رأس أولويات مشروع إيران الإقليمي، فمن طريقه يمكنها ربط سلسلة جغرافية متصلة من النفوذ الإقليمي تبدأ من غرب إيران مرورًا بالعراق وصولًا إلى سوريا التي تنظم سلسلة النفوذ الإيراني وصولًا إلى لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث تعد العلاقات الإيرانية السورية أكثر ثباتًا وديمومة من أي علاقة أخرى في المنطقة العربية تقريبًا.

تسعى  إيران إلى نزع الهوية العربية عن المجتمعات العربية وتحويلهم إلى هويات طائفية، وتستخدم لتحقيق هذا الهدف سياسات خشنة وناعمة في ذات الوقت، حيث تتبع سياسات التطهير الديمغرافي، كما في سورية والعراق واليمن ولبنان، بشكل علني ومكشوف، فقد دمّرت المجتمعات المحلية” السنية” في سورية والعراق بذريعة محاربة الإرهاب.

كما تستخدم التشييع لتغيير هوية هذه المجتمعات، عبر استغلال المجتمعات التي حطمتها الحروب وأفقرتها.

وتتركز الأطماع الإيرانية حول:

–  تحويل العراق وسورية الى سوق لمنتجاتها الرديئة والغير قادرة على المنافسة في ظروف طبيعية، وتعد إيران المسيطر الأول على الاقتصاد في العراق، وأحد أكبر الشركاء التجاريين للحكومة العراقية، حيث بلغت إجمالي تقديرات حجم التجارة بين البلدين 12 مليار دولار .

وتخطط إيران إلى جعل العراق وسورية أسواقا رئيسية لمنتجاتها المختلفة في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية وقطاعات الاستثمار والسياحة الدينية والقطاعات التجارية.

وقد أجبرت إيران الحكومات العراقية والنظام السوري على الدخول في شراكات استراتيجية اقتصادية ولوجستية معها من خلال مشاريع البنى التحتية ومشاريع الطاقة، واحتكارات تجارية لسلع استراتيجية، حيث بلغت تقديرات استحواذ إيران على منتجات الألبان والأغذية والسيراميك والأسمنت بالعراق إلى نسبة تقارب 80%، وفقًا لبعض تقديرات الباحثين في الشأن الإيراني، وفي سورية تحاول احتكار عمليات إعادة إعمار البنى التحتية، بعد أن كبلت نظام الأسد بالديون التي تسعى إلى استردادها عبر السيطرة على الأصول الإستراتيجية في سورية.

–  السيطرة على المعابر البحرية ذات القيمة الإستراتيجية في التجارة الدولية، وخاصة مضيق هرمز وباب المندب، ولتحقيق ذلك تحاول إضعاف دول الخليج العربي وتطويقها، بما يجعلها ضعيفة تفاوضيا واستراتيجيا في مواجهة إيران.

ثالثا: إسرائيل.

تتركز الأطماع الإسرائيلية في البلاد العربية حول عدة عناصر:

  • الأرض: ويتجسد ذلك من خلال محاولاتها الدؤوبة في السيطرة على القدس وجزء كبير من الضفة الغربية، بالإضافة إلى منطقة غور الأردن، التي أعلن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عزمه على ضمها إلى دولة إسرائيل، وكذلك هضبة الجولان السورية التي تسعى إلى الحصول على اعتراف دول العالم بالجولان كجزء من إسرائيل.
  • المياه: إذ لا تخفي إسرائيل طمعها بالمياه العربية، في لبنان وسورية وفلسطين، وتعتبر الجولان السورية مصدرا مهما للمياه، لذلك تسعى إلى التشبث بها، من خلال استغلال الأزمة في سورية.
  • النفط والغاز: من خلال محاولات إسرائيل السيطرة على منابع النفط والغاز المكتشفة في لبنان وغزة، والادعاء بأنها تقع في مياهها الإقليمية.

البحران المتوسط والأحمر في عين استهداف دول الجوار.

تتقاطع أطماع دول الجوار العربي، عند نقطة محاولات السيطرة على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وقد شهدت السنوات الأخيرة توجها ملحوظا من قبل هذه الدول للسيطرة على هذين البحرين، وذلك لما يمتلكانه من ثروات ولأهميتهما في التجارة العالمية.

سارعت تركيا إلى عقد اتفاق مع حكومة الوفاق الليبية، يمنحها فرصة للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الليبية، وتعمل إيران بشتى السبل لوضع قدم لها في الموانئ السورية واللبنانية، كما تسعى إسرائيل إلى السيطرة على مقاطع كبيرة من المياه الإقليمية في لبنان وغزة.

وفي البحر الأحمر، تنشط دول الجوار المذكورة في إقامة قواعد ومراكز لها، وخاصة في السودان واليمن وجيبوتي والصومال، وذلك للأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر وإشرافه على مضيق باب المندب وتحكّمه بقناة السويس، حيث لهذين المعبرين وزن إستراتيجي مهم في التجارة الدولية.

كيف يمكن مواجهة هذا التحدي عربياً؟.

تتمثل الإشكالية الأساسية التي يواجهها العالم العربي في مواجهة أطماع دول الجوار وتدخلاتها، غياب مشروع عربي حقيقي لمواجهة هذه الأطماع، وإذا كان الكثير منا يعتقد أن الكلام عن ضرورة وجود مشروع عربي، ليس سوى تنظير ثقافوي ليس له مردود حقيقي على الأرض، إلا أن التطورات كشفت بدرجة كبيرة، أن دول الجوار استطاعت من خلال تبنيها لمشاريع معينة، اختراق الواقع العربي واستقطاب الرأي العام العربي صوب تلك المشاريع، وخلق حالة من الانفصال بين الإنسان العربي وأنظمته الحاكمة التي بات ينظر لها على أنها لا تمثله.

استطاعت إيران وتركيا، التغلغل في الوجدان العربي، قبل تغلغلها في المصالح والسياسات العربية، عبر تبنيها لمشاريع، اعتقد الكثير من الساسة العرب أنها باتت من ذكريات الماضي، مثل مشروع المقاومة الذي تدّعيه إيران، ومشروع حماية السنّة الذي تزعمه تركيا، وبعيدا عن كون أن إيران وتركيا يستخدمان تلك المشاريع كغطاء على أهداف بعيدة كل البعد، ويأتي على رأسها السيطرة على ثروات العرب، وأن أكثر من أضر بالمقاومة وبالسنة في المنطقة هما إيران وتركيا، إلا أن الواقع يقول إنهما أوجدا حواضن عربية لمشاريعهما، بل إن أدوات تنفيذ مشاريعهما باتت عربية بدرجة كبيرة.

من الصعب في ظل هذا الواقع، وبعد أن تمردت أغلب الشعوب العربية على نمط سياسات أنظمتها، أن يعاد حكمها بدون مشروع واضح تتبناه الأنظمة السياسية العربية، إذ لا يكفي القمع وحده كبديل عن المشروع، هذه مجرد وصفة لحالة عدم استقرار دائمة، وعلينا أن ننتظر موجات جديدة من العنف كلما سمحت الظروف.

من جهة ثانية، يستلزم بناء تكتل عربي، تحت أي مسمى، تحالفا أو اتحادا أو خلافه، يهدف حماية الثروات العربية، التي باتت بحاجة، وبدرجة كبيرة، إلى وعي بأهميتها، والتي من المفترض أن التكالب الإقليمي والدولي على نيلها، يكون قد نبهنا إلى أهمية هذه الثروات المتنوعة.

هذا التحالف المقصود، يشبه التكتل الذي نشأ بين الدول العربية لحماية البحر الأحمر، وهذا أضعف أشكال التحالفات، لكنه بات مطلوبا اليوم كبداية، ولا بأس أن تقود التحالف العربي المنتظر  الدول العربية الكبرى والمؤثرة، مصر والسعودية والمغرب، وأي دولة أخرى مؤثرة، وفي إطار الجامعة العربية، وأن يتم ترتيب الأولويات، بحيث تكون أولى الأولويات التوافق على سد الثغرات التي يأتي منها التدخل الخارجي، وصياغة إستراتيجية مناسبة للتعامل مع هذه القضايا، فقد آن الأوان لأن تتحول ثرواتنا وموقعنا الإستراتيجي إلى أوراق قوّة بأيدينا وليست أوراقا ضدنا.

ولن يحصل هذا الأمر صدفة، بل يحتاج إلى تخطيط وصبر وتنازلات تقدمها الأنظمة والنخب، في وقت أصبحت مصائر الجميع بخطر.

اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى