الأكراد قبائل مسلمة لها لغتها الخاصة وهي الكيرمانجى، أغلبهم يتبعون المذهب السني، عدا مجموعة شيعية تسكن شمال العراق على الحدود التركية، ويطلق على مكان تواجدهم إقليم كردستان. تعد لغتهم خليطا من اللهجات الهندية والأوروبية القريبة إلى الفارسية، لم يتفق على أصلهم، إذ يعتقد أنهم منتمون إلى الجنس الآري، ويرى آخرون أنهم منتمون للجنس الهندي الأوروبي وأقرب للعنصر الفارسي منه عن العنصر التركي والعربي، وقد سكنت تلك القبائل المناطق الجبلية منذ أربعة آلاف سنة، ويمتهنون حرف الزراعة والرعي)[1](.
توزيع الأكراد
لا توجد فكرة حاسمة عن أصل الشعب الكردي ومنشئه وكل ما يعتمد عليه من آثار قديمة خاصة بكردستان لا تعطي فكرة دقيقة عن نشأتهم. فظهرت أبحاث علمية غير دقيقة في تحديد هذا الموضوع، حاولت إلغاء الكردي وإنكار أصله وتشويهه([2]) .
يبلغ عدد الأكراد جميعا نحو 30 مليون نسمة، يسكنون الأماكن الجبلية الممتدة بين شمال العراق وشمال شرقي سوريا، وفي جنوب تركيا، وشمال غرب إيران، وفي دول أخرى مختلفة .
أولاً: توزيع الأكراد في العراق
يرتكز الأكراد في الجزء الشمالي من البلاد أربيل، وكركوك، ودهوك، والسلمانية، ويشكلون إقليم كردستان مع غيرهم من الأكراد في تركيا، وسوريا، وإيران، وأجزاء من أرمينيا، الذي تبلغ مساحته نحو 500000 ك.م2، بينما يشغل أكراد العراق منه نحو 400000ك.م2([3]). وتقدر نسبة الأكراد في العراق بنحو 15,2% من مجموع سكان العراق، والتي تساوي 5,4 مليون نسمة([4]) .
ثانيا : توزيع الأكراد في تركيا
يرتكز أكراد تركيا في 11 مقاطعة في جنوب شرق البلاد ويستحوذ أكراد تركيا على مساحة 194 ألف ك.م2 من مساحة إقليم كردستان([5])، يشكلون ثاني أكبر مجموعة قومية بعد الأتراك، إذ يقدر عددهم ما بين 16 و 18 مليون نسمة، بذلك يشكل أكراد تركيا أكبر تعداد سكاني كردي بين مناطق تواجدهم([6]) .
ثالثا: توزيع الأكراد في سوريا
تشكل الأقلية الكردية 12% من مجمل سكان سوريا، حيث يقدر عددها بمليوني نسمة، يعيش معظمهم في شمال شرق البلاد وخاصة في مدينة الحسكة والقامشلي وديريك، بالإضافة إلى وجودهم بأعداد أقل في مناطق أخرى من سوريا، مثل مناطق عفرين وعين العرب بمحافظة حلب، وتعتبر أكبر أقلية من مكونات الأقليات العديدة في سوريا ولقد كانت الأزمة السورية سببا أساسيا للتعرف إلى هذه ” الأقلية المنسية ” أو ” الأقلية المكتشفة حديثا ” وفق بعض التصنيفات)[7](.
فلسفة الدور الكردي المؤثر في الأمن القومي الإقليمي .
يندر أن تخلو دولة من دول العالم من أقليات عرقية أو طوائف وأديان مختلفة، وقد بدأ التفاعل التاريخي بين الأقليات في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية، ونتيجة للتدخل الاستعماري، ونشوء الدولة القطرية، وسيطرة حكومات صارمة، تفاقمت مشكلات الأكراد([8])، يبدو إذا أن ثمة علاقة قوية بين وجود الأقليات والاستقرار السياسي في مناطق تواجدها([9]).
أهداف السياسة الخارجية الكردية([10])
عقب استقلال العراق وسوريا في منتصف القرن العشرين، طرح الأكراد مطالب تتعلق بالنظام السياسي والمجتمع الخارجي تهدف إلى المشاركة وتأكيد هويتهم، ونظرا لاستبداد نظم الحكم القائمة في تلك الدول، تزايدت نوعية المطالب الخاصة بالحفاظ على اللغة والدين والعادات والتقاليد، مقارنة مع مطالب الانفصال. ويمكن تصنيف المطالب على النحو الآتي :
1- مطالب سياسية واقتصادية، وتضم الآتي:
- مطلب الانفصال : لإقامة كيان سياسي جديد مستقل عن كيان الدولة العراقية، وهو ما رفضته الدولة العراقية إبان صدام حسين، واكتفت بمنح الأكراد بعض المزايا المتعلقة بالحقوق الثقافية .
- طلب الاستقلال الإداري: اتسمت أغلب مطالب الأكراد في سوريا والعراق خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، بالاعتراف بخصوصية هذه الجماعة في الدولتين، كأن تحصل على استقلال إداري، أو حكم فيدرالي ذاتي، أو إدراجها ضمن الأقاليم الخاصة في الدولة لأجل الحصول على مخصصات مالية واقتصادية، أو الاعتراف بقيمة الجماعة، وتميزها في المجتمع. ولا تزال هذه المطالب هي الحد المتفق عليه بين الجماعات الكردية في الدولتين .
- مطلب المناصب العامة : طالب الأكراد بتخصيص عدد من الوظائف والمواقع القيادية في المؤسسات الحكومية الرسمية من أجل السيطرة على جهاز الخدمة المدنية، والوظائف الرئيسة في الدولة .
2- مطالب ثقافية واجتماعية: نادت بالحفاظ على هويتها الثقافية والاجتماعية في العراق وسوريا ضد محاولات طمس هويتها المستقلة فطالبت بوضع رسمي للغة الكردية، واحترام عاداتها وتقاليدها. وتطورت هذه المطالب إلى حد إنشاء ميليشيا عسكرية خاصة، وحيازتها للأسلحة، وهيمنتها على إدارة الموارد الاقتصادية الخاصة بها، ما رفضه الرئيس العراقي صدام حسين، وعدها مقدمة لتمرد الأكراد، وانفصالهم عن الأراضي العراقية، واستخدم القوة ضدهم .
الدور الكردي المؤثر في الأمن القومي الإقليمي .
طبيعة الدور الكردي
أسباب خطورة الأقليات تتلخص في ثلاثة محاور رئيسة هي: دور النظم السياسية، والتطور التكنولوجي، ومطالب الأقليات. وتعد مطالب الأقليات أخطرهم والتي تنقسم إلى: المطالب ذاتها، والأهداف المستخدمة لتحقيقها([11]).
حسب تقرير صادر عن معهد السلام، فإن نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن المنصرم تعد سنوات التوتر العرقية إذ أنها تشكل بداية لحقبة النزاعات العرقية، التي بدأت في الاتحاد السوفيتي وانتقلت إلى جمهورية يوغسلافيا ومنهما إلى بقية مناطق العالم .
تواجد الأكراد بين دول العراق، وسوريا، وتركيا، أثر بشكل كبير على مجرى العلاقات بينهم، فنجد أن العلاقات التركية –العراقية مثلاً، بدأت تخالطها الأزمات بظهور بنمو الدور الكردي، والعلاقات التركية – السورية زاد الأكراد فيها الخلافات اشتعالاً وذلك على النحو الآتي([12]):
1-العلاقات العراقية –التركية : سريعا ما ظهرت الأزمات بين البلدين على إثر بيان مارس العراقي 1970م، بإصدار حكم قضائي يمنح الأكراد حكما ذاتيا، في الوقت الذي ظلت سياسات تركيا تجاه الأكراد على حالها. كما شكلت فترة الثمانينات فترة توتر حاد بين البلدين، وبداية للتدخل المسلح التركي تجاه العراق على إثر اتفاقية 17 أكتوبر 1984م.
2-العلاقات السورية –التركية : الخلافات بين تركيا وسوريا هي السمة الأبرز للعلاقات بينهم، قديما كان الخلاف الحدودي حول مدينة الأسكندرونة، واشتد هذا الخلاف في منتصف السبعينات، حول مياه نهر الفرات، فعقدت اتفاقيات بين البلدين شهدت وجود العراق كطرف في بعض من تلك الاتفاقيات، وساعدت تلك الاتفاقيات في تهدئة حدة الخلافات، أما عن الأكراد في سوريا وتركيا، فقد استخدموا كورقة ضغط بين البلدين، فمثلاً تقربت سوريا من حزب العمال الكردستاني للضغط على تركيا .
واحتدت الخلافات بعد الانقلاب الثالث في تركيا، والمتهم فيه سوريا بعد تقاربها من التنظيم الكردي التركي، واستمرت تركيا في توجيه الاتهامات لسوريا بدعمها العمل المسلح للأكراد في تركيا رغم عقد بروتوكول أمني بينهما في 1986م. وتفاقمت الخلافات أكثر بعد أي محاولة لربط مشكلة المياه بحل مشكلة الأقليات.
محركات الدور الكردي ([13])
- ضعف الشرعية السياسية للنظم العربية: وظفت الأقلية الكردية – لصالحها –عاملي فشل النظم السياسية العربية في حفظ شرعيتها، وغياب الشرعية السياسية عن معظمها، مما أدى في الأخير إلى زعزعة الاستقرار السياسي للدولة الوطنية العربية، إذ أصبحت تلك النظم مخيرة بين بديلين، أولهما : سلوك تسلطي ضد التنوع العرقي أو المذهبي أو الديني أو العشائري، يخلق نوعا من العنف والصراع، والآخر : سلوك ديمقراطي يخدم هذا التنوع على حساب الأغلبية، ويضع النظام السياسي في مواجهة ضد بقية الشعب.
- العلاقة التعاقدية الباهتة : عدم وضوح العلاقة التعاقدية بين الدولة والأقليات المختلفة، إما من خلال معاهدات أو دستور أو حتى آليات فعالة تلزم كل طرف بتطبيق بنود هذه العلاقة التعاقدية، وقد تكون العلاقة التعاقدية واضحة ببنودها والتزاماتها إلا أن بعض المستجدات تحول دون الالتزام بها. فرغم وجود علاقة تعاقدية بين النظام العراقي والكيان الكردي تمثل في حكم ذاتي، إلا أن التداعيات التي أوجدتها حرب الخليج الثانية حالت دون الالتزام بها .
- النخبة السياسية والثقافية: لعبت نخب الأقليات دورا أساسيا في صياغة الرؤى السياسية والثقافية والدينية لدى تلك الأقليات وأعاقت أحيانا عمليات الاندماج السياسي والاجتماعي ضمن الدولة العربية، الأمر الذي مهد للصراعات في بعض المجتمعات العربية .
- اضطراب الأمن الإقليمي والصراعات العربية – العربية : حالة الخلاف بين تركيا وإيران حول أكراد العراق .
- إرضاء مصلحة الأطراف الخارجية : بإزاحة وتصعيد نظم سياسية معينة. مثل : توظيف الأقلية الكردية لخدمة المصلحة الأمريكية أثناء غزو العراق في 2003.
تطور الدور الكردي
بدأ الدور الكردي من العراق بنهاية حرب الخليج الثانية ،وبالغزو الأمريكي للعراق 2003 م، الذي قلب الموازين داخل العراق وبدل مكانة أكرادها، وكذا أكراد المنطقة، خاصة في تركيا التي أصبح أمنها الداخلي مرتبطا بالتطور شمال العراق، فقد كان خوف تركيا نابعا من ربطها ضرب العراق بالمسألة الكردية، ما دفعها للتراجع عن المشاركة في ضرب العراق([14]).
أولاً : أكراد العراق
المحطة الأولى: فترة الاحتلال الأمريكي لدولة العراق 2003 -2011
انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية سياستين تجاه الأكراد([15]): أولهما بناء معارضة في الداخل لدعمها في أي مواجهة ضد النظام العراقي، حيث مثلث منطقة كردستان العراق هي منطقة التقدم والاختراق للقوات الأمريكية، وثانيهما إنشاء معارضة مسلحة من الأكراد تساهم من خلال المشاركة في العمليات العسكرية ضد النظام العراقي، فمنذ الغزو الأمريكي للعراق، تحولت قوات البيشمركة إلى جيش كبير، استخدم 600 مقاتل منهم لحماية رئيسي الجمهورية والبرلمان([16]) .
ويعد الاحتلال الأمريكي للعراق بداية التقسيم الفعلي لدولة العراق، بتعيين ” بول بريمر “حاكما مدنيا أمريكيا في العراق([17])، وتحقق للأكراد مكاسب عديدة، بتمكنهم من إضافة المادة([18]) من قانون إدارة الدولة، وسيطرتهم مع الشيعة على النسبة الأكبر من أعضاء لجنة صياغة الدستور، كما طالب الأكراد بنظام حكم برلماني، كما طالبوا باتحاد فيدرالي ديمقراطي تعددي، وتقسيم السلطة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، وغيرها من المطالب التي عبر عنها البرنامج الانتخابي للتحالف الكردستاني المشارك في الانتخابات العراقية([19]) .
المحطة الثانية: وضع الأكراد بعد عام 2011
أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده ستمضي في سحب قواتها من العراق بنهاية اليوم الأخير من 2011، على إثر الاتفاقية الأمنية الأمريكية – العراقية الموقعة في ديسمبر 2008 م([20]) .
أدى الانسحاب الأمريكي من العراق إلى إضعاف السلطة المركزية في العراق، وعليه فقد لجأت الأحزاب الكردية إلى تصعيد الموقف إلى حد المواجهة أو التهديد بالانفصال، إضافة إلى التغييرات السياسية الجذرية التي تشهدها المنطقة([21]). كما شهدت فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، نوعا من التحالف بين الأكراد والشيعة، وعلى الرغم من الاختلاف المذهبي إلا أن الطابع العلماني للقادة وتوافق المصالح، كان سببا في التحالف بينهم([22]). لكن سرعان ما تحول التحالف الكردي الشيعي إلى عداء، تزامنا مع قيام الاحتجاجات الشعبية في المناطق السنية أواخر 2012م ومطلع 2013م ضد سياسات رئيس الوزراء العراقي “نور المالكي”، وفشل “المالكي” في السيطرة عليها. إذا يرجع الخلاف بين المالكي والأكراد إلى تنامي قوة البيشمركة، بما هدد وحدة العراق وإمكانية استقلال أقاليم كردستان، وأيضا لسيطرة الأكراد على النفط في الشمال وتصديره إلى تركيا، فعلى الرغم من لجوء حكومة بغداد لإغلاق الأنابيب الرئيسية لتصدير النفط لتركيا، إلا أنها لجأت لتصديره عن طريق الشاحنات([23]).
وجدير بالذكر أن “المالكي” قد لجأ إلي التقارب مع السنة ليظهر نفسه مدافعا عن الحقوق العربية، ومعارضا لانفصال الأكراد عن العراق، في حين سعى ” البرزاني ” للحشد الداخلي لمقاومة هيمنة “المالكي”([24]). وبعد تخلي إيران عن “المالكي” وكذلك الولايات المتحدة التي لم تعد تهتم بالشأن العراقي، وتفضل النظر إليه وكأنه شيء من الماضي([25]). لاقت الحكومة العراقية الجديدة بقيادة “العبادي”، ترحابا ممزوجا بحذر من قبل الأكراد، فالأكراد يعلقون آمالهم على الحكومة الحالية لإخراج البلاد من الأزمات التي تلاحق الدولة منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، إضافة تطلعهم إلى احترام المطالب الكردية في الدستور العراقي، وأيضا العمل على تصحيح أخطاء ” نور المالكي ” عن طريق القطع مع سياسات بغداد السابقة تجاه أربيل([26]). وفي إبريل 2017م، قامت محافظة كركوك برفع علم إقليم كردستان على المؤسسات الحكومية في المحافظة، وهو ما استنكره “العبادي”، ونادى بضرورة المحافظة على وحدة كركوك واحترام الدستور، وعدم اتخاذ قرارات فردية([27]). بين كل هذه الظروف والمعطيات، تبقى لقيادة إقليم كردستان اليد العليا في العراق، لكن هناك بعض المحددات الداخلية والخارجية التي تعوق حرية تصرف السلطة المركزية. وعلي الرغم من تهديد القيادات الكردية بالانفصال على أسس حق تقرير المصير، إلا أن الدول الإقليمية المجاورة ترفضه خشية من أن تنتقل تلك التجربة إلى أكرادهم.
ثانياً : أكراد تركيا
المرحلة الأولى : الأكراد في عهد حزب العدالة والتنمية :
شكل عام 2002م بداية مرحلة جديدة في تاريخ تركيا الحديث، لصعود تيار سياسي جديد على الساحة التركية، حيث تمكن حزب العدالة والتنمية بقيادة ” رجب طيب أردوغان” من السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد حتى الآن، وكانت الرؤية التي تبناها الحزب تجاه القضية الكردية مخالفة لما سبقها من رؤى، وهي سياسة الحوار([28]). وقد انتهج الحزب في بداية حكمه سياسة التأني في طرح أي مبادرة سياسية خاصة بالقضية الكردية، إذ ركز اهتماماته في سنواته الأولى على تحقيق تنمية اقتصادية، واستقرار سياسي في البلاد([29]). وقد ارتكزت سياسة حزب “العدالة والتنمية” تجاه القضية الكردية على العديد من المبادئ منها([30]):
- أن نهضة تركيا وتقدمها مرهونان بحل القضية الكردية، التي تستنزف ثروتها البشرية وتفتح عليها أبواب التدخل الخارجي.
- الاعتراف بالمظلومية التاريخية للأكراد في تركيا .
- اعتبار المسألة الكردية شأنا داخليا وليست قضية إقليمية، ولذلك تفضل الحكومة استخدام مصطلح الحل أو التسوية وليس السلام .
- حل القضية الكردية سياسيا ضمن استراتيجية متكاملة وليس من خلال رؤية أمنية عسكرية.
- على حزب العمال الكردستاني أن يبادر بإلقاء السلاح وترك العمل العسكري .
- على الدولة أن تعمل على الاعتراف بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية للأكراد.
ومن ناحية أخرى، تمكن الأكراد من تحقيق نجاحات كبيرة في الانتخابات التشريعية التي خاضتها تركيا في عام 2007م، وحصلوا على 88 مقعدا عن طريق قائمة حزب العدالة والتنمية، وعلى 74 مقعدا في الترشيح الفردي المستقل، كما قام ” أردوغان ” بإدماجهم ضمن العملية السياسية وسمح ببث بعض القنوات التليفزيونية والإذاعية باللغة الكردية، مع رفض فكرة أي حكم ذاتي أو جعل اللغة الكردية لغة ثانية، مبررا ذلك بأن ” الحضارة التركية لا مجال فيها للعرقية”([31]).
المرحلة الثانية : المسألة الكردية في تركيا بعد عام 2011
شهدت العلاقة بين الأكراد وتركيا عقب 2011م اضطرابا وعدم استقرار المقاتلين مع تعثر النظام السوري حيث أصبح التخوف التركي الأبرز هو التعزيز المحتمل لقدرات المقاتلين الأكراد في حزب العمال الكردستاني، وفي هذا السياق ينبعث قلق تركيا من إمكانية قيام النظام السوري بدعم حزب العمال الكردستاني، كشكل من أشكال الانتقام من تركيا وذلك بإعادة فتح قواعد له في سوريا وشن هجمات منها على تركيا([32]) .
تم عقد مفاوضات أوسلو بين الطرفين للتعرف على مطالب كل طرف، قبل قطع حزب العمال الكردستاني الهدنة مع الدولة وشن هجوم على أهداف عسكرية تركية، وبالمثل ردت الدولة بمجموعة عمليات عسكرية، وبهذا العنف المتبادل انتهت – فشلت مفاوضات أوسلو. وفي وقت لاحق وافقت الدولة التركية على التفاوض لأسباب عدة منها :
- أسباب داخلية: ([33])
- مشروع 2023 حيث يهدف إلى إحداث نهضة اقتصادية في تركيا ويتطلب ذلك حل المسألة الكردية.
- رغبة أردوغان في تغيير نظام الحكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، وهذا يتطلب تأييد حزب السلام والديمقراطية الكردي، الذي يمثله 77 نائبا في البرلمان.
- أسباب خارجية: ([34])
- تداعيات مشهد التغيير في العالم العربي فيما يسمى “بثورات الربيع العربي”، وبالتالي إعادة تفكير حزب العمال الكردستاني فيما يتعلق باعتماده الكفاح المسلح نهجا للضغط على الدولة التركية.
- تداعيات الانتفاضة السورية : حيث انسحب الجيش السوري النظامي 2012م من المناطق التي تقطنها الأغلبية الكردية في المنطقة الشمالية من سوريا المحاذية لتركيا، وخوف تركيا من قيام إقليم كردي على حدودها مع سوريا .
- التنافس مع إيران بشأن سوريا حيث قطعت تركيا علاقتها مع النظام السوري ودعمت المعارضة السورية، بالمقابل وقفت إيران إلى جانب النظام السوري وقدمت له الدعم المادي واللوجستي.
- التحالف مع مسعود بارزاني لمواجهة المالكي : إذ تنظر تركيا للحكومة العراقية على أنها حكومة تابعة لإيران، ومعادية لها .
وفي سبتمبر 2013 م، أعلنت الحكومة التركية عن قيامها بعدة إجراءات منها : السماح بالتعليم باللغات غير التركية، التي من بينها اللغة الكردية، وضمان حق الدعاية الحزبية باللغات غير التركية لتمكين الأحزاب السياسية من الوصول إلى الناخبين، كما أعلن ” أردوغان ” زيادة العقوبات فيما يتعلق بجرائم الكراهية والتمييز من سنة إلى ثلاث سنوات.
وبعد مفاوضات السلام الداخلي وإعلان الرئيس التركي أنه لا يوجد في تركيا ما يسمى بالمشكلة الكردية حيث أعلن حزب العمال الكردستاني في يوليو 2015، إنهاء الهدنة وعاد إلى تصعيد عمليات استهدفت الجيش وقوات الأمن التركية([35]) .
ثالثاً : أكراد سوريا
تعد المسألة الكردية في سوريا من أبرز أشكال التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه الدولة والمجتمع السوري، باعتبارها مشكلة تتشابك فيها العوامل التاريخية والديموجرافية، إضافة إلى التفاعلات الدولية والإقليمية المحيطة، حيث تحمل هذه المسألة في طياتها أبعادا عديدة، تتمثل في قوى سياسية أو حزبية تستغل واقع الانتفاضة السورية ومسارها، مبلورة رؤى تقسيمية، تتجاهل حالة الاندماج الوطني والثقافي([36]) .
وضع أكراد سوريا خلال عام 2011
في أكتوبر 2011م، جرى اغتيال القائد الكردي “تمو ” على يد مجموعة من الملثمين، يعتقد أنهم منتمون لأحد أجهزة النظام، وأثناء تشييع جنازته، قامت قوات الأمن بإطلاق النار على المشيعين وقتلت خمسة أنفار منهم، دفعت هذه الحادثة بعض الأكراد للمشاركة في الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري. وبعد اندلاع الانتفاضة في سوريا، انقسم الأكراد بين مؤيد لها أو غير متعاطف معها، خوفا من رد فعل النظام، في حين بادر الرئيس ” بشار الأسد ” بفتح الحوار معهم. وعقب اشتعال الانتفاضة السورية وتحديدا في السابع من أبريل 2011، أصدر ” بشار الأسد ” مرسوما يقضي بمنح الجنسية السورية للأجانب، وهو ما فسره بعض المحللين بأنه محاولة لتحييد الأكراد عن المشاركة في الانتفاضة السورية، فرد رئيس الكتلة الكردية في المجلس الوطني السوري ” عبد الباسط سردا ” قائلاً : ” إن الموقف الكردي كان منذ البداية مع الانتفاضة السورية، لأنهم تضرروا كثيرا من هذا النظام وعانوا من اضطهاد مزدوج في سوريا، كما حرموا من الحقوق وتعرضوا لمختلف المشاريع التمييزية “.
ويواجه الأكراد في سوريا عدة تحديات داخلية وأخرى خارجية، تتمثل في الخلافات القائمة بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية الكردية، ورفض تركيا إقامة كيان كردي مستقل في شمال سوريا([37]).
إذا لابد من الإشارة لدور تركيا كطرف أساسي في الصراع الجاري في سوريا، وموقفها العدائي من النظام، ودعمها للمعارضة حيث تراقب تركيا الأحداث في محافظة الحسكة، وعلى طول الحدود التحركات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وسعيه لتشكيل حكومة محلية، فأقامت وحدات عسكرية في المناطق التركية المقابلة للقامشلي وعامودا وعرن عرب.
الاستفتاء الكردي في العراق عام 2017 وأثره على الأمن الإقليمي
توجه أكراد العراق إلى صناديق الاقتراع للاختيار بين إعلان الاستقلال والبقاء ضمن العراق في إطار استفتاء غير رسمي جرى في يناير 2005. وفي حين لم يسفر التصويت بالإجماع تقريبا عن أي خطوات انفصالية فعلية، إلا أنه منح المفاوضين الأكراد يدا قوية في بغداد لتأمين حقوق وصلاحيات أصبحت محفوظة لهم في الدستور العراقي.
وبعد فوز حزب “مسعود البارزاني” رئيس إقليم كردستان بالانتخابات البرلمانية أعلن عن إجراء استفتاء حول الانفصال عن دولة العراق وذلك خلال عام 2017. وقد واجه إجراء استفتاء الانفصال معارضة شديدة في الداخل الكردي، حيث تعرض الإجماع الحزبي في كردستان بشأن الاستفتاء إلى ضربة كبيرة، مع دعوة البارزاني إلى اجتماع لتحديد موعده وذلك عندما قاطعته الحركة العالمنية التي تتمتع بشعبية كبيرة في الإقليم، وأخرى إسلامية، تعد من مراكز النفوذ السياسي التقليدية في الأوساط الكردية، حيث أعلنت حركة التغيير والجماعة الإسلامية مقاطعتهما له. ويملك هذان الحزبان 30 مقعدا في برلمان الإقليم المكون من 111 مقعدا، في حين يملكان 10 مقاعد في البرلمان الاتحادي المكون من 325 نائبا.
وبوصفها القوة البرلمانية الثانية في البرلمان الكردي، بعد كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، حصلت حركة التغيير على منصب رئيس برلمان الإقليم، لكن الخلافات مع البارزاني عطلت البرلمان وأدت إلى منع رئيسه من الوصول إلى مقر انعقاد جلساته في أربيل، العاصمة السياسية للإقليم.
ولم تثن مقاطعة التغيير والجماعة الإسلامية، البارزاني عن عقد اجتماع مع الأحزاب الكردية لبحث موعد الاستفتاء. واتفق المجتمعون على الخامس والعشرين من سبتمبر من عام 2017 موعدا له، ولكنهم اتفقوا أيضا على إجراء الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية في السادس من نوفمبر المقبل، واتفق المجتمعون على ضرورة العمل على تفعيل البرلمان وحل الخلافات السياسية. لكن حركة التغيير رأت أن الاستفتاء الذي يخطط البارزاني لإجرائه هو ” مشروع حزبي وغير قانوني “.
وجاءت الانتقادات الأشد لحزب “البارزاني” بشأن الاستفتاء من شريكه الأكبر في الإقليم ، وهو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس العراق السابق جلال الطالباني، وذلك من خلال انتقاد الطالباني اتصال البارزاني برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعيد الإعلان عن موعد الاستفتاء بكردستان، ” ليؤكد له على وحدة العراق “، كما صرحت النائبة آلاء الطالباني، رئيسة كتلة الاتحاد الوطني في البرلمان الاتحادي، أن البارزاني ” يمارس سياسة التمويه والاستغفال للشعب الكردي في مسألة الاستفتاء بالإقليم “.
كما عارض الاستفتاء كل من ائتلاف متحدون بزعامة أسامة النجيفي والجبهة التركمانية بزعامة حسن توران اللذين يتشاركان في رفضهما ربط مصير مدينة كركوك التي يسكنها خليط متنوع من الأعراق والغنية بالنفط بمصير إقليم كردستان، وكذلك الأحزاب السنية الأخرى التي يصطلح على تسمية أعضائها ب ” سنة المالكي “، بسبب علاقتهم الوثيقة بزعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فأعلنت رفضا صريحا لاستفتاء الاستقلال، معتبرة إياه مقدمة لتقسيم العراق.
الجدل الإقليمي والدولي حول الاستفتاء
أثار الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق العديد من ردود الأفعال المتباينة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
- على الصعيد الإقليمي
بالنسبة للجانب الإيراني: تعد طهران هي المعارض الرئيسي للانفصال، اعتقادا أن قيام دولة كردية مستقلة على حدودها قد يضعف العراق بقيادة الشيعة، ويزيد من وضع المعارضة الكردية في إيران، ويصبح فرصة للأنشطة الأمريكية والإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية، غير أنه على غرار بغداد، قد تكون طهران أكثر تقبلاً لإجراء استفتاء يستثني الأراضي المتنازع عليها، ومن شأن هذا الاستثناء أن يقلل من أعذار الميليشيات الشيعية لاتخاذ إجراءات ضد حكومة إقليم كردستان.
ولذلك فمع إجراء الاستفتاء الكردي اتخذت إيران عدة قرارات أبرزها، في يوم الاثنين الموافق 2 أكتوبر /تشرين الأول 2017، تم نقل 12 دبابة إيرانية إلى نقطة بارفيز خان الحدودية بين إيران وإقليم كردستان العراق. وزعمت طهران أن عرض القوة هو جزء من التدريبات العسكرية المشتركة التي تجري بين القوات العسكرية الإيرانية والعراقية، إلا أنه في واقع الأمر كان بمثابة تحذير مفتوح لحكومة إقليم كردستان بعد أن أجرت استفتاء يوم 25 سبتمبر للمطالبة بالاستقلال عن العراق، كما اتخذت أيضا في 30 سبتمبر / أيلول قرارا بوقف الرحلات الجوية من إيران إلى المطارين الرئيسيين في كردستان العراق، كما التقى المسؤولون الإيرانيون نظراءهم الأتراك والعراقيين على ما يقال باتخاذ بعض التدابير المشتركة مثل العقوبات التجارية وزيادة التعاون العسكري ضد الكردية في شمال العراق([38]).
بالنسبة للجانب التركي تصاعدت مؤخرا حدة الخطابات التركية الرافضة للطموحات القومية الكردية، ومن خلل هذه المعارضة أدرك الأكراد أن الرئيس رجب طيب أردوغان وغيره من القادة الأتراك اتخذوا هذا الموقف عموما من أجل كسب الأصوات المناهضة للقومية الكردية خلال استفتائهم الدستوري، وتتمتع أنقرة وحكومة إقليم كردستان بعلاقات وطيدة في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن تجعل حصول الأكراد على الحكم الذاتي أقل تهديدا.
إلا أنه مع إعلان الاستفتاء الكردي أعربت تركيا عن إدانتها بصوت عال وواضح، حيث من المتوقع أيضا أن يكون هذا الاستفتاء نقطة انطلاق لمحاولة أكثر طموحا لإنشاء دولة كردية أكبر بالانضمام إلى الأكراد من تركيا وإيران وسوريا، وهو ما أظهر المخاوف التركية خوفا من أن يحرض هذا الاستفتاء على الانفصالية الكردية داخل حدودها. وقد كلف البرلمان التركي بنشر قوات على طول الحدود العراقية حيث يشكل الاستفتاء الكردي العراقي تهديدا مباشرا لمصالح تركيا الأمنية الوطنية([39]) .
- على الصعيد الدولي
بالنسبة للجانب الأمريكي : جدد وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون موقف بلاده بعدم تأييد الاستفتاء في إقليم كردستان حول الانفصال، وذلك في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ذلك في الوقت الذي أصر فيه رئيس الإقليم الكردي في العراق مسعود بارزاني على إجراء الاستفتاء، وذلك من خلال إعلانه أنه لن يعترف ولا يؤيد أي تحرك إلى تقسيم العراق .
أما الدول الغربية ضمن الاتحاد الأوروبي فقد أبدت نوعا من التخوف من هذا الاستفتاء ، إلا أنها لم تتخذ موقفا حازما أسوة بكل من إيران وتركيا اللذين أعلنا رفضهما خطوة الاستفتاء، بل اعتبرتاه نوعا من التصعيد الكردي الذي سيواجه بقوة .
وبالنسبة للجانب الروسي : قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو تأمل في أن تأخذ أربيل في الحسبان كل العواقب المحتملة لنتائج استفتاء الاستقلال لدى ترجمته إلى أرض الواقع.
وأكد على أنه تعبير عن تطلعات الشعب الكردي، وأنه يحظى بدعم أغلب سكان الإقليم، وتابع نأمل أن يؤخذ في الحساب عند اتخاذ القرارات النهائية ما يترتب على هذه الخطوة من نتائج سياسية، وجيوسياسية، وديموغرافية واقتصادية، من مبدأ أن المسألة الكردية تتجاوز حدود العراق الحالية، وتؤثر في أوضاع عدد من الدول الجوار، وللمسألة الكردية دور كبير ومكانة بارزة في إطار عملية تسوية الأزمات القائمة في المنطقة حاليا.
ويبدو جليا أن أغلب المواقف ومن ضمنها مواقف الدول الكبرى، هي مواقف مترددة بين الحين والآخر، وحتى إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما كانت مترددة في الموضوع الكردي كما هو الوضع الآن مع إدارة الرئيس ترامب، فنرى أن للأمريكان علاقات جيدة مع الكرد ويحاولون خلق تحالفات مع المجموعات الكردية ويقومون بدعمها في مرحلة معينة، وعندما ضغط الموقف التركي بالرفض للاستفتاء أوضح الجانب الأمريكي أنه سوف يسحب الأسلحة من الأكراد، ثم يدعي الجانب الأمريكي مرة أخرى أن الاستفتاء الكردي لا يستند على أسس دستورية إلا إذا كان هناك توافق مع الحكومة العراقية. ومن ثم يتضح بأن الاستفتاء لن يؤدي إلى الاستقلال، على الرغم من حملة اللوبي الأمريكي والأوروبي، حيث أخفقت حكومة إقليم كردستان في كسب الدعم الرسمي للاستفتاء أو للانفصال الكردي من جانب الفرقاء المحليين والإقليميين والدوليين الأساسيين، قد تؤكد الحكومات والمؤسسات حق الأكراد في تقرير المصير، شأنهم في ذلك شأن جميع شعوب العالم، ولا تنكر بالمساهمات المهمة التي قدمتها البشمركة الكردية في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها تبقى متمسكة بوحدة الأراضي العراقية وسيادة الدولة، حتى يستمر الدعم المقدم من واشنطن للقوات البيشمركية كما جاء في قرارات الكونجرس الأمريكي.
رؤية مستقبلية
لا مراء أن وجود الأقليات غير العربية في بلدان الوطن العربي ومن بينها الأقلية الكردية كانت محركا رئيسيا للعديد من الصراعات في تلك البلدان، كونها حقيقة اجتماعية تتصل بظواهر سياسية عديدة منها، الأمن والاستقرار السياسي .
الأقلية الكردية منذ تبنيها فكرة حق كل شعب في تقرير مصيره أواخر التاسع عشر، كانت حريصة على إدماج تلك الفكرة في أطر تعاملاتها مع العالم الخارجي أو بالأحرى مع النظم العربية القائمة، مما جعل عملية انخراطها في الواقع العربي عملية عسيرة، خاصة بعد أن أصبح المحور الأمني محورا رئيسيا في العلاقة بينهم. وتحددت قوة ارتباطها بتلك الفكرة وفق مجموعة عوامل ذاتية تتعلق بطبيعة النظام السياسي القائم، وأخرى موضوعية تنصرف إلى التطورات الإقليمية والعالمية الحادثة .
ومع اندلاع الانتفاضات والثورات الشعبية في العديد من البلدان العربية، تعززت فرص الأكراد في تبني وتحقيق الفكرة على أرض الواقع أكثر من أي وقت مضى، فبدا للأكراد في الآونة الأخيرة دور مؤثر في الأمن القومي والاستقرار السياسي العربي، على نحو الصراع الميداني ضد تنظيم الدولة الإسلامية فيما يسمى “بتنظيم داعش” في الداخل السوري والعراقي، أو التحالف مع قوى دولية وإقليمية طامعة، أو حتى بالصراع الداخلي على الزعامة الكردية، وما قد ينبني على كل ذلك من ارتفاع في مستويات ومساحات الصراع في المنطقة، ويحفظ في الأخير فرص الصراع قائمة.
وعليه فإنه من غير المرجح أن يؤدي استفتاء أحادي يفتقر إلى الدعم الداخلي العراقي، إلى تغيير الوضع القائم في العراق، حتى لو حصلت حكومة إقليم كردستان على تصويت بنعم على الاستفتاء في الأراضي المتنازع عليها، ستبقى السلطة مفروضة بحكم الأمر الواقع من دون اعتراف رسمي أو دعم مالي متزايد من بغداد نفسها. كما أن غياب التسوية عن طريق التفاوض بين حكومة إقليم كردستان وبغداد، بموافقة من البرلمان العراقي، سيجعل مطالب حكومة إقليم كردستان في ما يتعلق بالسيطرة على الصادرات والإيرادات النفطية معرضا للقيود القانونية هذا فضلاً عن أن الاستفتاء لا يغير الجغرافيا السياسية، فسيبقى إقليم كردستان محاصرا بالأراضي من دون منفذ إلى البحر، وسوف يظل رهن النوايا التركية في الجزء الأكبر من صادراته النفطية، ومن ثم سيتضح بأنه ليس من المجدي دعم استفتاء كردي في هذه المرحلة، بل ينبغي الإبقاء على تقديم الدعم لحكومة إقليم كردستان باشتراط أن تكون جزءا لا يتجزأ من الدولة العراقية وتمرير الدعم إليها عن طريق بغداد.
وعلى الجانب الآخر، فإن قضايا الأقليات كانت ولا زالت نقطة حساسة في غير
صالح النظم العربية، إذ توظفها القوى الخارجية والإقليمية لتحقيق أهدافها في إضعاف
تلك النظم، كاستغلال إيران لأكراد العراق لإضعاف النظام العراقي، واستغلال
الولايات المتحدة الأمريكية لأكراد العراق لتمكين الغزو الأمريكي للعراق 2003. واليوم
باتت الخيارات العربية في أضيق الحدود، لا تسمح بتغافل القضية أو مواجهتها بالقوة
كما كان سابقا، لذا ضروري بالنسبة للنظم العربية أن تبحث عن حلول واقعية بعيدة عن
صراع الأيديولوجيات خصوصا في الوقت الراهن .
([1]) هوكر طاهر توفيق، مرجع سابق ذكره، ص 19
([2]) أحمد تاج الدين، الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن، (القاهرة: الدار الثقافية للنشر ،2001م)،ص11.
([3]) محمد خالد سرحان، ” الأوضاع السياسية لأكراد العراق في ضوء الاحتلال الأمريكي 2003-2011م”، رسالة ماجستير منشورة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الأزهر، غزة، 2013م، ص 2
([4]) راجي يوسف محمود، “أثر الاحتلال الأمريكي للعراق في إشكاليات العنصر البشري المشترك بين العراق وتركيا “، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2015م ،ص243.
([5]) عقيل محفوظ، ” دراسة بحثية: تركيا والأكراد: كيف تتعامل تركيا مع المسألة الكردية ؟ “، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2012 م، ص9.
([6]) راجي يوسف محمود، مرجع سابق ذكره، ص223.
([7]) محمد عبدو علي، الوجود الكردي في شمال سوريا: منطقة جبل الأكراد (عفرين )، المركز الكردي للدراسات ،2016م، تاريخ النشر 25 /11/2016م، تاريخ الدخول 20/2/2017م، على الرابط: http://nlka.net/index.php/2014-07-10-22-08-10/445-2016-11-25-11-41-22
([8]) مصلح خضر، ” الدور السياسي للأقليات في الشرق الأوسط “، ( الأردن: الأكاديميون للنشر، 2014، ط1)، ص5.
([9]) السيد عبد المنعم، ” حرب الخليج الثانية والتكامل الوطني في العراق: الأكراد دراسة حالة 1988-1996 ” رسالة ماجستير منشورة، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 2001 )، ص18.
([10]) رضا هلال، ” الأكراد بين الفيدرالية والانفصال “، موقع السياسة الدولية، القاهرة، بدون تاريخ نشر، تاريخ الدخول: 26/2/2017م، للمزيد :
([11]) فايز عبد الله عساف، مرجع سابق ذكره، ص68.
([12]) ويفى خيرة، مرجع سابق ذكره، ص147:135.
([13]) سامى الخزندار، ” أسباب ومحركات الصراعات الداخلية العربية “، موقع الجزيرة، 3/10/2004م، تاريخ الدخول: 20/11/2016م، للمزيد :
([14]) ويفى خيرة، المرجع السابق، ص 165.
([15]) محمد خالد سرحان، ” الأوضاع السياسية لأكراد العراق في ضوء الاحتلال الأمريكي ( 2003-2011)، (“رسالة ماجستير منشورة “، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الأزهر، غزة، 2013، ص 61، 60
([16]) ” لماذا يستهدف نظام المالكي الأكراد، ” الجزيرة نت”، برنامج حواري: الاتجاه المعاكس، بتاريخ 17/12/2012، تاريخ الدخول: 5/2/2017، للمزيد: http://www.aljazeera.net/programs/opposite-direction/2012/12/17/
([17]) ….. وقرارات بريمر هي: حل جهازي الشرطة والجيش، وجميع أجهزة الدولة الأمنية السابقة. تأسيس مجلس حكم انتقالي يضم 75 عضوا من مختلف شرائح الشعب العراقي، وكان للأكراد ثقل كبير في ذلك المجلس لما أظهروه من ولاء للولايات المتحدة الأمريكية . إصدار قانون لإدارة شؤون العراق، سمي بقانون إدارة الدولة وأجبر أعضاء المجلس الانتقالي بالتوقيع عليه.
([18]) أنور بيرقدار، ” المادة 140 من الدستور العراقي حلقة خطيرة ضمن مخطط تقسيم العراق، “عراقيون “، بدون تاريخ نشر، تاريخ الدخول: 2/2/20177 م، للمزيد:
http ://www.Iraqiyoon.com/SiirEdeb/makale/Bayraktar_madde140.html
([19]) محمد خالد سرحان، مرجع سابق، ص76-74.
([20]) ” أوباما يعلن انسحاب القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية العام، “بي بي سي، بتاريخ :15/10/2016، تاريخ /الدخول: 3/2/2017م، للمزيد:
([21]) سعد ناجي جواد ،” مكانة ودور أكراد العراق بعد الانسحاب الأمريكي، ” مركز الجزيرة للدراسات، بتاريخ: 17/12/2011، تاريخ الدخول: 15/11/2017، للمزيد:
([22]) أحمد عبد الحافظ فواز ،” التحدي الكردي للهياكل الإقليمية بعد الربيع العربي ،” السياسة الدولية، بدون تاريخ نشر، تاريخ الدخول: 11/11/2017م، للمزيد :http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/3209.aspx
([23]) الإيكونيميست ( ترجمة عوض خيري )، ” أكراد العراق يتجهون إلى الاستقلال التام، ” الإمارات اليوم، بتاريخ: 2/5/2013، تاريخ الدخول: 1/12/2017، للمزيد :
([24]) أحمد عبد الحافظ، مرجع سبق ذكره .
([25]) حارث حسن، حكومة العبادي: ” ترميم البيت الداخلي وتوسيع الشراكة الخارجية، ” عراق 2020 ” بدون تاريخ الدخول: 1/12/2017م، للمزيد:
http:/ iraq2020.org/print_top.php?id_top=197&p=topics&parm=id_top
([26]) ناظم الكاكئي، ” الأكراد والعبادي … تأييد وحذر وشروط “، الجزيرة نت، بتاريخ 16/8/2014، تاريخ الدخول: 2/12/2017، للمزيد:
http: //www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2014/8/15/
([27]) ” العبادي يطالب كركوك بالتراجع عن رفع علم كردستان، ” الجزيرة نت، بتاريخ: 5/4/2017، تاريخ الدخول: 7/4/2017 م، للمزيد: http://www.aljazeera.net/news/arabic/5/4/2017
([28]) إيتيان محجوببيان، ” ما الحل المناسب للقضية الكردية في تركيا ؟، ” تركيا بوست، بتاريخ: 30/1/2016، تاريخ الدخول: 12/12/2017، للمزيد: http://www.turkey-post.net./p-105680/
([29]) سعيد الحاج، ” عملية السلام مع أكراد تركيا أمام مفترق طرق “، تركيا برس، بتاريخ: 19/1/2016، تاريخ الدخول: 30/11/2017، للمزيد: http://www.turkpress.co/node/17611
([30]) سعيد الحاج، مرجع سابق .
([31]) زينب ماهر السيد، ” العلاقات التركية –العراقية: دراسة لحالة الأكراد، دراسة بحثية منشورة، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، بدون تاريخ نشر، تاريخ الدخول: 1/12/2017، للمزيد: http://democraticac.de/?p=1802
([32]) زينب ماهر السيد، مرجع سابق .
([33]) معمر فيصل خولي، ” المسألة الكردية في تركيا: من الإنكار إلى الاعتراف، ” مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بتاريخ: 20/7/2014، تاريخ الدخول (2/12/2017):
http://rawabetcenter .com/archives/106:
([34]) كرم سعيد، ” أردوغان و الأكراد … أسباب ومعوقات التسوية، ” المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، بتاريخ: 18 /3/2015، تاريخ الدخول: 6/12/2017 للمزيد:
([35]) سعيد عبد الرزاق، ” الأكراد … مشكلة تركيا المستعصية “، جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ: 3/9/2016م، تاريخ الدخول: 2/12/2017م، للمزيد: http://aawsat.com/home/article/729506
([36]) فريق باحثين، ” مسألة أكراد سوريا –التاريخ –الأسطورة، ” المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2013 م .
([37]) مروان سليمان، ” التحديات التي يواجهها الكرد في سوريا، ” المركز الإعلامي لحزب يكتى الكردي في سوريا، يكتى مرديا، بتاريخ: 6/2/2015، تاريخ الدخول: 11/12/2017 للمزيد: http://ara.yekiti-media.org
([38]) المرجع السابق ذكره .
([39]) المرجع السابق ذكره .