كان لظهور الإعلام الرقمي في أواخر القرن العشرين أثر كبير في تطوير إستراتيجية إسرائيل لاختراق الشعوب العربية والإسلامية؛ حيث عملت دوائر صنع في إسرائيل القرار على توظيف مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير على وعي الجمهور العربي المستهدف، وتغيير قناعاتهم العدائية ضد إسرائيل وشرعنة وجودها في المنطقة.
وقد عملت الدبلوماسية العامة الإسرائيلية -بعد اندلاع الثورات العربية عام 2011- على وضع إستراتيجية إعلامية جديدة تعتمد فيها على توظيف علم الهندسة الاجتماعية للتأثير في الجمهور المستهدف من العرب نتيجة للدور المهم الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في اندلاع الثورات العربية. وأيضًا في ضوء جذب رواد مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد العربية سعت إسرائيل عبر أذرعها الإعلامية المتعددة إلى توظيف الشبكات الاجتماعية في استقطاب الجمهور العربي -خاصة من فئة الشباب -مستغلة جهل البعض منهم بطبيعة الصراع الإسرائيلي العربي لمتابعة المواقع الاجتماعية الإسرائيلية التي تنطلق في دعايتها الضخمة من عدة مقولات تحاول إثباتها والتأكيد عليها من خلال إستراتيجيات إقناعية تقوم على الجمع بين الاستمالات العاطفية والعقلانية معًا؛ لتغيير قناعتهم من العداء العربي لإسرائيل .
أما الكتاب فهو مكون من ثلاثة فصول الفصل الأول منه يتحدث عن نشأة الإعلام الرقمي في إسرائيل؛ حيث إن إسرائيل تدرك أهمية الإعلام في التسويق للدولة اليهودية، فكانت تحتل الصحافة مركز الصدارة بين وسائل الإعلام والدعاية في إسرائيل، حيث أدرك مؤسسو الحركة الصهيونية وعلى رأسهم “تيودور هرتسل” أهمية الصحافة في أن تكون درعًا لليهود وسلاحًا ضد الأعداء، ويتضح ذلك في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية “دي فيلت”، التي صدرت بالألمانية عقب المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، وفي ضوء ذلك إدراك مؤسسي الحركة الصهيونية الأوائل لدور الصحافة، فعملوا على إقناع أصحاب الصحف التي تصدرها الجاليات اليهودية سواء في فلسطين أو جميع أنحاء العالم بالعمل لخدمة أهداف المشروع الصهيوني، وحتى بعد إقامة الدولة، جندت الصحف نفسها لخدمة المخططات الصهيونية، ولذلك اعتمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ إقامة الدولة في صياغتها وبلورتها لخطابها على تطبيع الإعلام بشكل يتلاءم مع المستجدات والمتغيرات السياسية.
وقد أدرك المستوطنون الأوائل -الذين توافدوا إلى فلسطين- أهمية الصحافة ودورها التعبوي في احتلال الأرض، وقد انبثقت في تلك الفترة صحف ودوريات عديدة بلغات مختلفة تعبيرًا عن توجهات عقائدية بذاتها، إلا أن الرقابة العسكرية تلعب دورًا مهمًّا في الحيلولة دون حرية الصحافة في إسرائيل؛ حيث يخول لها صلاحية شطب جزء من المعلومات الحساسة التي يعتزم أي صاحفي نشرها عن الشؤون الأمنية حتى لو وصل الأمر شطب التقرير كاملًا.
وتعرف أيضًا الصحافة الصادرة بلغات أجنبية في إسرائيل بـ”صحافة المهاجرين”؛ حيث لعبت دورًا حيويًّا في عملية الترابط الاجتماعي لليهود القادمين إلى إسرائيل.
فوصل مثلًا إلى إسرائيل الآلاف من المهاجرين الروس بلغ عددهم قرابة مليون ومئتي ألف. عملت الصحافة الأجنبية في إسرائيل في العقود الأخيرة على التواصل الثقافي مع دول منشئهم بشكل جيد، ونظرًا لاستخدام الأغلبية الساحقة من المهاجرين الروس إلى إسرائيل اللغة الروسية، فقد كان لذلك بالغ الأثر في أن تقوم الصحف الإسرائيلية التي تصدر باللغة الروسية للعب دور كبير في رسم توجهات هذا القطاع ودفع المهاجرين الجدد للتوجه لتأييد اليمين الإسرائيلي؛ حيث يبدو واضحًا أن الصحافة الصادرة باللغة الروسية تخضع للتأثير من نخب بحثية متطرفة .
هذا وقد بدأت الصحافة الإلكترونية في التوسع في الانتشار في إسرائيل في منتصف التسعينيات، وبالتوازي مع دخول الصحافة الإسرائيلية عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فقد طورت وسائل تساعد على استخدام قاعدة البيانات الجديدة، وتحولت شبكة الإنترنت في منتصف التسعينيات لساحة رئيسة فعالة للصحف الإلكترونية؛ حيث انضم إليها أكثر من 1,800 صحيفة، وآلاف الدوريات من أنحاء العالم .
وهناك نقطة هامة أشارت إليها الكاتبة في هذا الفصل وهي نقطة ” التناص” أي تشابه النصوص الدينية لديهم مع بعض الأحداث الحالية؛ حيث تعطي لنا مثلًا في تشكيل مضمون الخطاب الصحفي الإسرائيلي الذي يواكب آخر المستجدات، حيث تستعين بالعديد من النصوص الصحفية الإسرائيلية لتدعيم حجج الرسائل الإعلامية المراد توصيلها إلى الجمهور المستهدف من الإسرائيليين، وفي هذا الصدد تذكر ما أورده الموقع الإلكتروني الإسرائيلي و” القناة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلي والمعروفة بتوجهها إلى اليميني” مقالًا تحت عنوان ” الدم وداعش : ضربات مصر الجديدة ” سلط الضوء فيه على أحداث حدثت في مصر، المقالة نشرت عام 2015، ويقال في المقالة: إن ما يحدث في مصر مثلًا، يمكن بسهولة التعرف عليه من خلال علامات الضربات العشرة الجديدة التي تتعرض لها مصر منذ الثورة عام 2011؛ حيث أسقطت الرئيس/ حسني مبارك، وعاشت مصر فترة من الزعزعة وانعدام الاستقرار ومواجهة الضربات، مثل: الإرهاب، والانقسام السياسي، والاقتصاد، وحرب داعش، وأزمة حقوق الإنسان، وأيضًا أزمة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتهديدات إيران، وضربة السياحة، والقضية الفلسطينية، حيث يذكر الإعلام أنه بالنظر إلى المحتوى الفني، يجد التشابه النصي الذي لعب دورًا مهمًّا في الاستشهاد السابق، ففي العنوان ذكر كاتب المقال “إن الدم وداعش هما من ضربات مصر الجديدة” نصًا عن اليهود وحسب ما ورد في ” مفر الخروج ” من عقوبات فرضت على المصريين؛ بسبب رفض فرعون الاستجابة للنبي موسى بتحرير بني إسرائيل من مصر.
أما الفصل الثاني من الكتاب فهو بعنوان ” سمات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي وإستراتيجيته الإقناعية “.
تقول الكاتبة إن دراسة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي تكتسب أهمية قصوى في مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المدعوم عربيًّا، سواء لفهم خصائصه والأساليب التي يتبعها، أو ما يتم صياغته من خطاب مضاد للعرب لا يكتفي بالإدانة أو الفضح بل يتجاوز ذلك إلى التحليل والتفسير، وهما أساسيان لأي مواجهة حادة للمخطط الصهيوني الاحتلالي الذي يدخل في نطـــاق “حروب الوعي” .
ويتطلب تحليل الخطاب الإسرائيلي استرجاع الظروف التي أدت إلى إنتاج النصوص الإعلامية، وذلك في محاولة للتعرف على الرسائل التي يود النص إرسالها ويضعها في سياقها التاريخي والاجتماعي؛ حيث يوجد لديه مرجعيات أو مصادر يشتق فيها مواقفه وتوجهاته، فكل اتجاه صهيوني لوسيلة إعلامية يتبنى أسلوبًا معينًا ليصل إلى أهداف معينة، وعلى سبيل المثال: فالصهيونية الدينية تستمد خطابها من التوراة، ولذلك يتبنى الخطاب الصهيوني عامة والإعلامي خاصة رفض إقامة الدولة الفلسطينية، واعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ويعتبر الاستيطان هو أحد الضمانات لبقاء الدولة. وخلافًا للاستيعاب الفكري لتلك المعتقدات الصهيونية، فقد باتت من الركائز التي يعتمد عليها الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، بهدف صياغة الشخصية الثقافية لليهود في فلسطين، وحثهم على الاحتفاظ بتلك المضامين.
وفي ضوء ذلك يستمد الخطاب الإسرائيلي محتوى رسالته من فكر الأيديولوجية الصهيونية الذي بدوره يعد وليد أكبر جريمة احتلالية تبلورت خيوطها في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا واكتملت ملامحها بعملية الغزو الاحتلالي لأرض فلسطين حتى إعلان قيام الدولة عام 1949.
ثم تتطرق الكاتبة إلى موضوع سمات الخطاب الدعائي الإسرائيلي وارتباطه بالدبلوماسية العامة الإسرائيلية، حيث تستعرض عدد من أبرز سمات الخطاب الدعائي للدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية منها:
إظهار الوجه المسالم لإسرائيل؛ حيث يحاول الخطاب الإعلامي للدبلوماسية العامة الإسرائيلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي إظهار الوجه المسالم لإسرائيل ويعمل على خداع المتلقين، ومحو تلك الصورة الذهنية والنمطية لدى العرب عن إسرائيل وممارسات جيشها ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فهناك مجهود متدرج ضمن ما يُعرف بعمليات التأثير الإعلامي لتكريس صورة ذهنية معينة؛ لتغيير قناعات أو محاولة تغيير قناعات الجمهور العربي المستهدف .
توجيه اللوم للضحية وتجاهل العنف الإسرائيلي، فتركزت هذه السمة الرئيسة في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في تعامله بالأخص مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ حيث يسلط الضوء على التحريض الفلسطيني على الاحتلال بدلًا من إظهار العنف الإسرائيلي .
على جانب آخر، يُحمل خطاب الدبلوماسية العامة الإسرائيلية القيادة الفلسطينية دومًا المسؤولية عن أي أحداث تجري، وفشل أية مفاوضات سلام مع إسرائيل وكأنها من ساهمت مع الاحتلال في وقوع مزيد من الضحايا، وبذلك وظفت إسرائيل هذا الأسلوب في حالات الاستخدام المفرط للقوة التي يستخدمها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني .
العمل على إبراز الضحايا من اليهود لكسب استعطاف العالم؛ حيث يسعى خطاب الدبلوماسية العامة الإسرائيلية بين الحين والآخر إلى توظيف اللمسات الإنسانية من خلال إبراز الضحايا، خاصة من الأطفال وكبار السن، جراء صواريخ المقاومة التي تطلق في بعض الأحيان على البلدات الإسرائيلية كرد فعل على هجمات جيش الاحتلال، وذلك في محاولة لكسب تعاطف المجتمع الدولي من ناحية وإضفاء الطابع الوحشي على المقاومة الفلسطينية بوصفها إرهابًا تواجهه إسرائيل كل يوم .
ازدواجية المعايير في تقسيم الدوائر الجغرافية .
حيث يتسم الخطاب الإعلامي الإسرائيلي بالازدواجية في المعايير بحسب توجهه إلى دوائر جغرافية معينة خطابها له محددات بعينها تقوم على أساس الدراسة الشاملة العلمية، لذلك يعتمد خطاب الدبلوماسية العامة الإسرائيلية على التلون فهو حين يتوجه للأوروبيين يؤكد أن إسرائيل جزء من الغرب وأن الإسرائيليين أوروبيون، وعندما يتوجه لدول آسيا يشدد أن إسرائيل بلد يقع في قارة آسيا، وعندما يتوجه إلى الدول العربية يؤكد على عمق العلاقات الوطيدة مع دول الجوار.
هذا ناهينا عن ثورة الاتصالات التي بدورها ساهمت في تغيير أساليب الحرب العادية، فمن خلال الإعلام استطاعت إسرائيل أن توظف التواصل الاجتماعي لكسر الحاجز النفسي مع العرب وإجبارهم على التطبيع الإعلامي الذي عجزت الدبلوماسية التقليدية على النجاح في تحقيقه مع شعوب العالم العربي والإسلامي، وهنا يقع رواد الشبكات الاجتماعية من العرب فريسة لحرب التكنولوجيا الإعلامية التي تدخل في نطاق حرب الوعي التي تهدف في المقام الأول ليس فحسب لتحسين صورة إسرائيل، بل أيضًا لتزييف الوقائع وقلب الحقائق بالتشويه وتعمد تكرارها حتى تصبح من المسلمات التي لا تقبل التشكيك بمرور الزمن.
وقد خصصت الكاتبة الفصل الثالث من الكتاب للحديث عن إستراتيجيات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في الحروب النفسية، وقد اتخذت الدراسة خطاب الصفحات الرسمية الإسرائيلية نحو مصر نموذجًا في ضوء تحليل المحددات الإستراتيجية الشكلية لخطاب الصفحات الرسمية الإسرائيلية (عينة الدراسة) للتوصل إلى عدد من النتائج الإحصائية خلال فترة معينة من عام 2019، حيث بلغت عينة المواد المنشورة التي تم حصرها عن مصر في الصفحات الرسمية الإسرائيلية عدد 106 تغريدة، فاتجاهات الصفحات الرسمية الإسرائيلية نحو مصر تنوعت حيث استحوذت الاتجاهات الإيجابية على النصيب الأكبر، وذلك في ضوء محاولة تلك الصفحات التأكد على فكرة التعايش السلمى بين إسرائيل ومصر، والتزام الجانب الإسرائيلي بالحفاظ على اتفاقية السلام والتعاون الاقتصادي والأمني الحاصل بين البلدين، وذلك بهدف دفع المصريين لتحويل سلام الحكومات إلى تطبيع شعبي مع إسرائيل، أما عن الاتجاهات السلبية فتركزت في مجملها على محاولة التشكيك في انتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، إلى جانب انتقاد محاولات رفض التطبيع الرياضي مع إسرائيل وتوجيه الانتقاد لبعض وسائل الإعلام العربية بدعوى تشويه صورة إسرائيل.
وقد خصصت الكاتبة الفصل الرابع للحديث عن سبل المواجهة المقترحة للخطاب الإعلامي الإسرائيلي .
وتشير هنا إلى لجوء الصفحات الرسمية الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى توظيف إستراتيجيات إقناعية في خطابها الإعلامي تقوم على النهج العاطفي والعقلاني، والترغيب تارة أخرى؛ لدفع الأجيال الصاعدة من الشباب العربي بقبول فكرة التطبيع مع إسرائيل ونسيان الحروب الماضية، وبالأخص حرب أكتوبر، وتشكيكهم في انتصار الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي واعتبار أن السلام مصلحة مشتركة بين إسرائيل والبلاد العربية قد تجلب عليهم نفعًا اقتصاديًّا في المستقبل.
وتأسيسًا لذلك عمدت الكاتبة إلى وضع تصور لآليات وأدوات محددة لمواجهة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في المجمل سواء الموجه منه للعرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو الموجه بلغات أخرى كـ(العبرية، والإنجليزية) وتتناقله بعض المصادر الصحفية العربية أو الأجنبية، وكذلك إعلام جماعة الإخوان لتدعيم حروبهم النفسية الموجهة لمصر بصفة خاصة وللعرب بصفة عامة، ويمثل الهدف الرئيس من الإستراتيجية المقترحة في إحباط إستراتيجية الحرب النفسية الإسرائيلية ضد العرب، وعدم ترك الساحة للإعلام الإسرائيلي للاستحواذ على ثقة الجمهور العربي يومًا بعد يوم لعدم وجود منصات إعلامية رقمية مقابلة تقدم محتوى إعلامي مؤثر وهادف يزيد من وعي الشباب وتوعيتهم بشكل متواصل على ما يروجه الإعلام الإسرائيلي من مغالطات لتشويه الصورة العربية ومن ضمنها الجيوش؛ وذلك لتجنب حدوث تحولات جديدة في تفاعلية الاتصال بين الشباب العربي وتلك الصفحات والعمل على تطوير أساليب دعائية من شأنها خلق واقعًا مختلفًا قد لا يكون ملائمًا مع الإستراتيجية المقترحة .
وفي إطار هذه المحددات تقترح الكاتبة عبر دراستها بوضع إستراتيجية إعلامية لمواجهة خطر الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل ضد العرب عبر منصاتها الإعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك وضع مقترحات لمواجهة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي بلغات أخرى كـ(العبرية، والإنجليزية)، ووضع سبل وآليات لاختراق المجتمع الإسرائيلي والتأثير عليه .