ويرجع اتصال العرب الأوائل بساحل شرق إفريقيا إلى عدة قرون قبل الميلاد وكانت هجرتهم لغرض التجارة وليس الاستيطان واختلطوا بالأفارقة عن طريق الزواج ، وكان العرب أقدم الأمم اتصالا بالجماعات البشرية المقيمة على سواحلها قبل غيرهم من الأمم الأخرى ، وإن كان هذا الانفصال مقصورا على التبادل التجاري وتصريف منتجات سكان إفريقيا الشرقية في شتى الأسواق وربط المنطقة بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى وفي بلاد البحر الأبيض المتوسط أي أن النشاط التجاري كان أساس العلاقات التي كانت بين العرب وشرق إفريقيا .
وبالنسبة للرئيس جمال عبد الناصر فقد وضح في كتابه ( فلسفة الثورة ) أن السياسة الخارجية المصرية لها ثلاث دوائر الدائرة العربية والإفريقية والإسلامية ، وكان ذلك محرك سياسته الخارجية ، فقد كانت فترة ذروة ازدهار العلاقات المصرية الإفريقية كانت زمن عبد الناصر حيث أدرك عبد الناصر أنه لا يمكن تجاهل القارة الإفريقية لأن القدر شاء أن تكون مصر فيها ، ولا يمكن لمصر أن تظل بمعزل عن النيل وهو شريان الحياة والذي ينبع من قلب القارة الإفريقية ، ويربط مصر بالعديد من دول الجوار خاصة السودان .
وقد نجح عبد الناصر في المساهمة في حركة التحرر الإفريقي وإن كانت عدد الدول المحررة قبل الثورة أربع دول فإنه بفضل الجهود المصرية تحررت ثلاثون دولة في عام 1963، وكانت نواة لمنظمة الوحدة الإفريقية التي اتخذت من أديس أبابا مقرا لها .
أما عن الكتاب فهو مكون من بابين الباب الأول فيه يحتوي على فصلين يتناولان بداية الدور العماني في نشر الإسلام في شرق إفريقيا ، وكان من آثار ما حققه الإسلام من تقدم كبير قبل وصول القوى الاستعمارية أن حل التقويم الإسلامي في أجزاء كبيرة من إفريقيا ، ودخلت كلمات عربية كثيرة في عدد من اللغات الإفريقية وتأثر الأفارقة بالثقافة الإسلامية والهندسة المعمارية الإسلامية والألقاب الإسلامية والموسيقى العربية ، ونشأت الثقافة السواحلية التي هي امتزاج بين ثقافة البانتو والثقافة الإسلامية وكذلك اللغة السواحلية التي هي اللسان المشترك بين أنحاء شرق إفريقيا وكان للشعب السواحلي المسلم دور في نشر الإسلام وكتبوا اللغة السواحلية بحروف عربيــة ، ومن الآثار الأخرى في شرق إفريقيا التي هي شاهدة على الوجود العربي والإسلامي تسميات المدن مثل ( دار السلام ) عاصمة تنزانيا وهي مدينة عربية إسلامية أقامها البوسعيديون وغيرها من المدن .
أما زنجبار فهو اسم يطلق على مجموعة جزر تابعة لتنزانيا شرق إفريقيا ولكنها تتمتع بسلطة ذاتية واسعة ، وتتكون من جزيرتين كبيرتين هما زنجبار وبمبا ( الجزيرة الخضراء ) إضافة إلى عدد من الجزر الصغيرة وتعرف باسم زنجبار الإنجليزية .
أما شرق إفريقيا فالمقصود به أيضا مجموعة دول تنزانيا وكينيا وأوغندا وبوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتتمثل أهمية شرق إفريقيا واستراتيجيتها من كونهما منطقة بالنسبة للقارات الثلاث القديمة حلقة اتصال بين القارات عن طريق التجارة الدولية وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب ، وقد حكم العمانيون شرق إفريقيا أكثر من ثلاثة قرون ابتداء من أسرة اليعاربة وحتى أسرة البوسعيد حتى المؤامرة الدولية على الحكم العربي عام 1964م ، وترك العمانيون حضارة زاهرة ما زالت تؤتي ثمارها حتى الآن هي الحضارة العمانية فهي مزيج من الحضارة العربية والإسلامية اصطبغت بأخلاق وسلوك الشخص العماني الذي يتحلى بأخلاق الإسلام في التواضع واحترامه الآخر وحسن الخلق ، ولقد كانت تأثيرات هذه الحضارة في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في منطقة شرق إفريقيا وكانت مركزها جزيرة زنجبار ثم انتقلت الساحل الشرقي لإفريقيا وتنزانيا ووسط إفريقيا حتى البحيرات العظمى ، وكذلك في القرن الإفريقي الصومال وجيبوتي ، كان المجتمع الزنجباري مثل الوجود البريطاني منصهرا في بوتقة واحدة يعيش في ظل الإسلام وتحت القيادة العربية على الرغم من تعدد طوائفه ( عرب – أفارقة – هنود ) ولكن مع الوجود البريطاني بدأت تزرع روح الطائفية التي وصلت مع نهاية الاحتلال البريطاني إلى صراع مسلح أدى إلى القضاء على العرب والسلطنة العربية .
وبالنسبة للباب الثاني من الكتاب فيتحدث الكاتب بداية عن الجذور التاريخية لعلاقات شبه الجزيرة العربية بإفريقيا ، حيث إنها علاقات قديمة ومن أهم خصائصها ومميزاتها أنها تتسم بطابع التأثير والتأثر من جراء الامتزاج العرقي والتعايش السلمى بين العرب والأفارقة عبر التاريخ القديم والحديث ،ظلت هناك الاتصالات برا وبحرا تربط شبه الجزيرة العربية بإفريقيا نتج عنها نزوح عدد كبير من القبائل العربية إلى إفريقيا وهجرة أفراد من إفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية ، واستقراراهم فيها ، ثم جاء الإسلام الذي يدعو البشرية إلى الإخاء والتعارف والتعاون على البر والتقوى بصرف النظر عن اللون والجنس واللغة وكان طبيعيا أن تتجاوب إفريقيا إلى هذا الدين فجاءت أول هجرة أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) توجهها إلى إفريقيا حيث استقبل النجاشي ملك الحبشة المسلمين الفارين بدينهم وحياتهم من بطش مشركي قريش .
هذا وبعد قرون من الزمن رسم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية في دعم حركات التحرير في إفريقيا بشكل عام وشرق إفريقيا بشكل خاص فقد وجه الملك عبد العزيز توجيهاته إلى مندوب المملكة في الأمم المتحدة بتأييد استقلال الحبشة وإريتريا من الاستعمار البريطاني ، وقال إن استقلال إريتريا لا يقل أهمية عن استقلال ليبيا الذي كان مطروحا أمام مجلس الأمن آنذاك ، وفي سنة 1953 م تقدمت المملكة العربية السعودية بمذكرة رسمية إلى مجلس جامعة الدول العربية طلبت فيها أن تتبنى الجامعة قضية استقلال إفريقيا وتحرير شعوبها من الاستعمار بجميع أشكاله ومن ذلك التاريخ اتخذت الجامعة العربية موقفا ثابتا وقويا في المحافل الدولية بتأييد الشعب الإفريقي في كفاحه ضد الاستعمار ، وكان لذلك الموقف أثر كبير في تحريك قضية استقلال إفريقيا في المحافل الدولية وحمل الاستعمار تبعات عدم الموافقة على منح الشعوب الإفريقية حريتها واستقلالها .
ومن المواقف العربية الأخرى تجاه إفريقيا ، فمثلا حرب تحرير كينيا المعروفة بماوماو1953 فكينيا ليست قطرا عربيا كما أنها ليست بلدا إسلاميا خالصا فنسبة المسلمين فيها لا تزيد عن الثلث ومع ذلك فقد حظيت قضيتها اهتمام العرب ، فتقدمت حكومة المملكة العربية السعودية بمذكرة إلى جامعة الدول العربية تقترح إثارة موضوع الأحداث التي كانت تجري في كينيا وتتبنى قضية الشعب الكيني في الأمم المتحدة والمحافل الدولية وقد أصدر مجلس جامعة الدول العربية قرارا بهذا المعنى تضمن تأييد الجامعة العربية لقضية الشعب الكيني وتوجيه الدول العربية الأعضاء في الأمم المتحدة لإثارة القضية وتأكيد حق كينيا في الاستقلال.
أما بالنسبة لإريتريا ، فتقع إريتريا في منطقة القرن الإفريقي بشمال إفريقيا وفى منطقة المثلث العفري ( السلطان العفري عبارة عن ممالك ظهرت في الساحل الجنوبي من البحر الأحمر تشمل أجزاء من إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي ) التي تعد من أهم المناطق المرتبطة بالأمن القومي العربي قديما وحديثا ، حيث ارتبط العفر بالأمة العربية ثقافيا ودينيا وحضاريا ، كما أن عفر إثيوبيا وجيبوتي يشكلون بحق عمقا استراتيجيا للشعب الإريتري الذي تربطه به علاقات الدم والنسب والجوار والمصالح المشتركة أكثر من غيرهم من القوميات الأخرى في هذه المنطقة وترجع أهمية المثلث العفري في القرن الإفريقي منذ العصور القديمة والحديثة من حيث موقعه الجغرافي والاستراتيجي على البحر الأحمر ، شريان المواصلات بين الشرق والغرب ، خصوصا بعد فتح قناة السويس في عام 1869م ، من خلال تأثره بالإسلام وبالحضارة والثقافة العربية الإسلامية وتأثره أيضا بالحضارات والثقافات التي سادت منطقة القرن الإفريقي في تلك العصور .
هذا وقد وقفت السعودية أيضا ضد مشروع التقسيم في إريتريا الذي تبنته بريطانيا ، وساندت الشعب الإريتري والعفر في إثيوبيا وهو الذي أدى إلى انتصار المجاهدين في هذه البلاد وحصولهم على الاستقلال الوطني وذلك من خلال كفاح الإريتريين ضد الاحتلال البريطاني من1941 حتى 1952 ثم كفاحها مع إثيوبيا حتى نيل استقلالها حتى الوحدة معها في 1991.
أما عن دعم الصومال لنيل استقلالها فقد سبق أن دعمت المملكة العربية السعودية الصومال من خلال جامعة الدول العربية ، ودعم المجاهد الصومالي السيد محمد بن حسن أبرز المجاهدين الصوماليين من خلال لقاءات مؤتمر الحج السنوي في مكة المكرمة مما كان له بالغ الأثر على الحركة الوطنية في الصومال حتى حققت الاستقلال عام 1960 ، وكذلك جيبوتي عام 1977 وانضمت لجامعة الدول العربية في نفس السنة.
ومما سبق يتضح أن العلاقة بين شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا قديمة وقوية منذ فجر التاريخ بسبب العوامل الطبيعية حيث لا يفصلهما سوى البحر الأحمر والبشرية والاقتصادية التجارية عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي ، ولم تتوقف الهجرات العربية من شبه الجزيرة العربية إلى شرق إفريقيا متأثرة بالأوضاع السياسية التي كانت تمر بها الدول الإسلامية ، وزاد الإسلام العلاقة بين العرب وشرق إفريقيا وبدأ في الانتشار في شرق إفريقيا في السنوات الأولى من هجرة المسلمين من الحبشة وقام العثمانيون بنشر الإسلام في شرق إفريقيا وساعد المسلمون في ازدهار التجارة وإنشاء الأسواق في شرق إفريقيا .
وقد تكالبت القوى الاستعمارية على منطقة شرق إفريقيا ( إيطاليا – بريطانيا -فرنسا – ألمانيا ) لأهمية هذه المنطقة لتقسيمها فيما بينهم ، وتأثر الوجود العربي الإسلامي بالوجود الاستعماري وسياساته التي هدفت إلى إضعاف الوجود العربي والإسلامي في إفريقيا عموما وشرق إفريقيا على وجه الخصوص من خلال الحركات التنصيرية ونشر لغة المستعمر وكتابة اللغات المحلية بحروف لاتينية بعد أن كانت تكتب بحروف عربية مثل اللغة السواحلية .
هذا وقد دعمت السعودية أيضا المسلمين في شرق إفريقيا ضد التشييع الإيراني ، حيث اهتمت إيران بالتواجد في هذا الشريان المهم ( البحر الأحمر ) فطورت علاقاتها بإريتريا والسودان والحوثيين في اليمن ، من أجل التواجد في البحر الأحمر بجوار التواجد الأمريكي والإسرائيلي تحسبا لضرب المفاعل النووي الإيراني ، وقامت إيران ببناء قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري ، والذي يحتل موقعا استراتيجيا في مدخل البحر الأحمر ، وقد أشار تقدير الكونجرس الأمريكي أن إريتريا تدعم الحوثيين في اليمن وحركة الشباب الصومالي الذين يحاربون الحكومة الصومالية في مقديشيو وتهدف إيران إلى خلق تحالفات جديدة في إطار عدائها للدول العربية السنية وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية .
وقد سعت دول إفريقية مؤخرا بالاستعانة بالسعودية لمساعدتها في الحد من المد الإيراني تحت غطاء المذهب الشيعي ، الذي استهدف خلال الأعوام الماضية التمدد فيها ، وهو ما ظهر جليا في مواقف تلك الدول وزياراتها الأخيرة للعاصمة الرياض وكرست السعودية جهودها الدبلوماسية للوقوف إلى جوار دول القرن الإفريقي بصفة خاصة لمقاومة مخاطر المد الشيعي ، وتستغل إيران الفقر الذي يعيشه سكان معظم الدول الإفريقية في نشر التشيع ، بالإضافة إلى استغلال حب الشعب للدين وآل البيت ، وهو ما مهد لها الطريق في دول القارة ، كما أنها عبر استخدام عدد من التجار الذين ينتشرون في غرب إفريقيا استطاعت تجنيد أتباع لها في البلاد ، ويعمل التجار الإيرانيون وبعض اللبنانيين المنغمسين في المخطط الفارسي على نشر التشيع في الدول الإفريقية ، فيما ينشط دور الحرس الثوري الإيراني المتمثل في تقديم مساعدات إنسانية للدول التي تمر بأزمات ، كذلك دعم بعض الجماعات المسلحة وإثارة القلائل في البلاد الإفريقية ، وبعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، استقبلت الرياض بحفاوة كبيرة زعماء دول إثيوبيا وجيبوتي إضافة للزعيم الإريتري ، للإعلان عن تحالف جديد يهدف للحد من انتشار التشييع الإيراني في القارة السمراء .
وساهمت الحركات السعودية في القرن الإفريقي إلى تعزيز الأمن الإقليمي والبحري في باب المندب والحد من عمليات القرصنة وتقليص دور المجموعات المسلحة في البحار ، فضلا عن التربص لكل محاولات تهريب السلاح إلى اليمن .
وعلى كل فعلينا أن نعود نحن العرب إلى بناء علاقات إفريقية قوية مع سائر الدول العربية ، مما يعود بالنفع على العرب والأفارقة فرغم استنزاف الاستعمار للقارة الإفريقية إلا أنها لا زالت القارة الغنية بمواردها الاقتصادية وعلينا أن نستغل رصيدنا من العلاقات التاريخية في بناء علاقات جديدة تتسم بالقوة أو نبدأ بالاستثمار في إفريقيا مثل دول أوروبا والولايات المتحدة والصين وتركيـــــــــا وغيرها .