في خطوةٍ جادة نحو إنهاء الأزمة الخليجية وتحقيق المصالحة وَقَّع – قادة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر، والمشاركون في القمة الخليجية (41) التي عُقدت بتاريخ (5 يناير 2021 م) بمدينة (العُلا) شمال غرب السعودية – على البيان الختامي للقمة، وكانت كل من (السعودية والإمارات والبحرين) بالإضافة إلى مصر قد أعلنت في (يونيو عام 2017 م) قطع العلاقات مع قطر، وإغلاق مجالاتها الجوية وحدودها البحرية والبرية استنادًا إلى اتهامها (للدوحة) بزعزعة استقرار المنطقة، وهو الأمر الذي نفته الدوحة جملةً وتفصيلًا. وفي (أواخر عام 2020 م)، لاحت بوادر انفراج الأزمة الخليجية في ضوء إعلان (السعودية وقطر) عن بدء الحوار بينهما، وذلك بجهود أمريكية ووساطة كويتية.
وقد اختارت (الرياض) المُضي قُدمًا باتجاه المصالحة مع )الدوحة(، استنادًا إلى قناعتها الكاملة بأنَّ استمرار الأزمة لا يصب في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي ولا يخدم شعوب المنطقة، بل إنَّه يفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الإقليمية والدولية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على أمن واستقرار منطقة الخليج، كما ارتأت القيادة السياسية السعودية بحكمتها وحسن إدارتها للأزمة أهمية التعجيل برأب الصدع الذي طال – البيت الخليجي و التأسيس لمرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك – في مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بالمنطقة وعلى رأسها التهديدات الإيرانية.
ولا مِراء أنَّ المصالحة الخليجية سوف تَسهم في التخفيف من حدة التوترات في منطقة الخليج، الأمر الذي سوف ينعكس بشكلٍ إيجابي على أمنها واستقرارها، إلَّا أنَّ استمراريتها مرهونة بالإرادة السياسية للأطراف المعنية ومدى إصرارها على مواصلة إجراءات إعادة بناء الثقة وتسوية القضايا العالقة على مستوى العلاقات الثنائية.
- خلفيَّة عن الأزمة الخليجية:
في (يونيو عام 2017 م)، كانت كل من (السعودية والإمارات والبحرين) بالإضافة إلى (مصر) قد أعلنت قطع العلاقات مع قطر، وإغلاق مجالاتها الجوية وحدودها البرية والبحرية ووقْف المعاملات التجارية مع (الدوحة)، وقد قامت الدول الأربعة باتخاذ هذه الإجراءات استنادًا إلى اتهامها (لـلدوحة) بزعزعة استقرار المنطقة، والتقرب من إيران ودعم تيارات الإسلام السياسي، وتبني خطابًا تحريضيًّا عبر شبكات (قناة الجزيرة)، وهو الأمر الذي نفته (الدوحة) جملةً وتفصيلًا. وقد أفضت الأزمة الخليجية إلى إحداث حالة من الاضطراب داخل قطر، والتي تعتمد على الواردات؛ لتلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها، كما اضطر الطيران القطري إلى التحليق فوق إيران ودفع رسوم باهظة لـ(طهران) بلغت أكثر من (مئة مليون دولار) سنويًّا، وذلك وفقًا لما أوردته (صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية)، وعليه فإنَّ الأزمة الخليجية قد دفعت (الدوحة) إلى التقارب بشكلٍ أكبر مع إيران ومكَّنتها من تعزيز قدرات الاكتفاء الذاتي على الصعيد الاقتصادي، كما أسفرت الأزمة أيضًا عن موقع قدمٍ جديدٍ لـتركيا في الخليج مع إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر.
ومن جانبها طالبت دول المقاطعة الأربعة (الدوحة) بتلبية (13) شرطًا؛ لإعادة العلاقات معها من بينها (إزالة القاعدة العسكرية التركية، وتقليص العلاقات مع إيران، وإغلاق قناة الجزيرة… وغيرها من الشروط الأخرى)، والتي رفضتها (الدوحة) مشيرةً إلى أنَّها تمس سيادتها واستقلال قرارها الوطني، مؤكدةً استعدادها للحوار على أساس الندّية واحترام السيادة.
- بوادر انفراج الأزمة:
في (أواخر عام 2020 م)، لاحت بوادر انفراج الأزمة الخليجية في ضوء إعلان (السعودية وقطر) عن بدء الحوار بينهما، وجدير بالذكر أنَّ السعودية قد أخذت على عاتقها ملف المصالحة بالنيابة، حيث استقرت الدول الثلاثة الأخرى على – اعتبار المملكة مُمثلًا عنها- في الحوار مع قطر، ومن جانبها ارتأت (الرياض) وجود ضرورة مُلِحة للتعجيل برأب الصدع الذي طال البيت الخليجي، وأهمية الانتقال لمرحلةٍ جديدةٍ من العمل الخليجي المشترك في ضوء التحديات والمخاطر المحدقة باستقرار وأمن منطقة (الخليج العربي) وعلى رأسها التهديدات الإيرانية، وعليه فقد اختارت (الرياض) المُضي باتجاه المصالحة مع قطر، حيث جرت (في أواخر عام 2020 م) مباحثات مثمرة بين الجانبين عبر قنوات الوسيطين (الكويتي والأمريكي)، بهدف إيجاد أرضية للمصالحة الخليجية.
ويرى محللون سياسيون وفق ما ورد في صحيفة (فايننشال تايمز البريطانية) أنَّ السعودية قد اتجهت إلى المصالحة مع اقتراب وصول (جو بايدن) إلى (البيت الأبيض) ومخاوفها من تصريحات سابقة أكدَّ فيها (بايدن) إعادة تقييم العلاقات بين (واشنطن والرياض) واتخاذ الإدارة الأمريكية موقفًا أكثر تشددًا مع السعودية، وتشير الصحيفة في هذا الصدد إلى أنَّ الرغبة السعودية لإنهاء الحصار المفروض على قطر تأتي في إطار مساعيها لكسب تأييد الرئيس الأمريكي الجديد.
- جهود أمريكية ووساطة كويتية:
تُشير تصريحات المسؤولين الخليجيين إلى دورٍ أمريكي فاعل؛ للتقريب بين وجهات النظر بين طرفي الخلاف والتحضير لأرضية مشتركة تكون الأساس لإعادة ترميم العلاقات بين البلدين الشقيقين، وقاد الجهود الأمريكية (جاريد كوشنر) كبير مستشاري الرئيس الأمريكي الأسبق (دونالد ترامب)، حيث قام خلال الأسبوع الأول من (ديسمبر 2020 م) بزيارة لكل من (السعودية وقطر) في محاولة حثيثة لكسر الجمود في المحادثات، الذي حال دون التوصل إلى اتفاق لسنوات وإنهاء الأزمة الخليجية.
وفي هذا الإطار أشارت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية إلى أنَّ مساعي الإدارة الأمريكية لدفع (الرياض) للتوصل إلى اتفاق مصالحة مع (الدوحة) يُخفي وراءه الهدف الرئيسِ – ألا وهو توجيه ضربة للاقتصاد الإيراني، وتشديد الخناق على (طهران) وعزلها عن محيطها الإقليمي والدولي بحكم العلاقات التي تربطها مع (الدوحة)، وتجفيف الموارد المالية التي توفرها لها هذه العلاقات من خلال حرمانها من الرسوم السنوية التي كانت (الدوحة) تدفعها نظير عبور الطائرات القطرية.
وجدير بالذكر أنَّ تلك الأموال كانت تُغذي الاقتصاد الإيراني المُنهك وتسمح لـ(طهران) بسهولة تمويل برامجها العسكرية، تلك البرامج التي تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط من وجهة نظر الإدارة الأمريكية.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى الدور الهام الذي اضطلعت به الكويت من خلال ما بذلته من جهود الوساطة؛ لتقريب وجهات النظر منذ بداية الأزمة وحرصها على تحقيق تقدم ملموس في اتجاه طي صفحة الأزمة وتحقيق المصالحة الخليجية، ويُعد البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الكويتية في هذا الشأن خطوة هامة على طريق انفراج الأزمة الخليجية، والذي أشار إلى: “أنَّ محادثات مثمرة قد جرت خلال الفترة الماضية؛ لحل الأزمة الخليجية بين قطر من جهة وعدد من (الدول الخليجية ومصر) من جهة أخرى، أكدَّت فيها كافة الأطراف حرصها على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي، وعلى الوصول إلى اتفاق نهائي يحقق ما تصبوا إليه من تضامنٍ دائمٍ بين دولهم، وتحقيق ما فيه خير لشعوبهم”.
القمة (41) لمجلس التعاون الخليجي:
وسط أجواء يشوبها التفاؤل الحذر، عَقدت قمة مجلس التعاون الخليجي التاريخية دورتها(41) بتاريخ (5 يناير 2021 م) بمدينة (العُلا) شمال غرب السعودية، وقد جاء عقد القمة الخليجية في توقيت له دلالاته من حيث الهدف المتمثل في تطلّع شعوب دول مجلس التعاون الخليجي إلى رأب الصدع الذي أصاب البيت الخليجي، الأمر الذي ألقى على القمة المنعقدة مسؤولية غير عادية – ناهيك عن الظروف الاستثنائية التي عُقدت في ظلّها أعمال القمة والمتمثلة في حالة عدم الاستقرار، التي أضحت تَعُم النظام الدولي الراهن؛ بسبب تداعيات جائحة فيروس (كورونا) على كافة الأصعدة.
وقد عُقدت القمة برئاسة ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع (محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود)، وبحضور أمير قطر (تميم بن حمد آل ثاني)، وشاركت الكويت بحضور أمير البلاد الشيخ (نواف الأحمد الجابر الصباح)، كما شاركت البحرين ممثلةً في ولي عهد المملكة (سلمان بن حمد آل خليفة)، وقد ترأس وفد الإمارات المشارك الشيخ (محمد بن راشد) رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم إمارة دبي.
كما شاركت سلطنة عُمان في القمة، يترأس وفدها ( فهد بن محمود آل سعيد) نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، وبالنسبة لمصر فقد شاركت في القمة من خلال حضور وزير خارجيتها (سامح شكري)، وقد شارك في أعمال القمة أيضًا (جاريد كوشنر) مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق (دونالد ترامب).
وقد سادت أجواء إيجابية قُبيل انعقاد القمة عزَّزتها (الرياض) من خلال إعلانها عن فتح الأجواء السعودية أمام الطيران القطري، كما جاء الخطاب السياسي والإعلامي السعودي قبل وأثناء القمة متناغمًا مع ما هو مُقبل عليه على صعيد تغليب المصالحة وإجراءات إعادة بناء الثقة.
وفي خطوةٍ جادة نحو إنهاء الأزمة الخليجية وتحقيق المصالحة، وقَّع المشاركون في القمة على البيان الختامي المشترك فيما سُمي بـ (بيان العُلا)، والذي عكس في مجمله اعتزام الدول الأطراف بدء صفحة جديدة في سبيل تحقيق أمن واستقرار المنطقة وشعوبها وتغليب مصالحها العليا بما يرسخ مبادئ حُسن الجوار والاحترام المتبادل، وقد عكست البنود الواردة في (بيان العُلا) هذا التوجه حيث نصَّت على: “تحقيق التعاون والترابط والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات وصولًا إلى وحدتها، وتعزيز دورها الإقليمي والدولي والعمل كمجموعة اقتصادية وسياسية واحدة للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء في المنطقة”.
وفي إطار إعادة وحدة الصف الخليجي وتماسكه وتعزيز منظومة مجلس التعاون في مواجهة التهديدات الإيرانية، أكَّد البيان الختامي على: “تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون؛ لمواجهة التحديات المستجدة”.
وفي إشارةٍ إلى المصالحة الخليجية دون التطرق إليها بشكلٍ مباشر، أوضح البيان الختامي أنَّ: ” مواطني دول المنطقة يعقدون الأمل بأن يُعيد (بيان العُلا) العمل المشترك إلى مساره الطبيعي، وتعزيز أواصر الود والتآخي بين شعوب المنطقة”، وحرصًا من جانب القادة الخليجيين على تعزيز العمل الخليجي المشترك في مواجهة التحديات الاقتصادية – لعل أبرزها تداعيات جائحة فيروس (كورونا) على اقتصاديات دول الخليج وتراجع أسعار النفط – تضمَّن (بيان العُلا): “تأسيس المركز الخليجي؛ للوقاية من الأمراض ومكافحتها وتفعيله بشكلٍ سريع؛ لتنسيق العمل الخليجي المشترك لمواجهة جائحة (كورونا) …وغيرها من الأوبئة”. كما دعا البيان أيضًا إلى: “استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية ومتطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة”.
وقد تضمن (بيان العُلا) أيضًا بنودًا خاصة بعدد من الآليات، التي تساعد على تعزيز العمل الخليجي المشترك مثل:
- تعزيز أدوات الحوكمة والشفافية والمساءلة والنزاهة ومكافحة الفساد من خلال العمل الخليجي المشترك وفي كافة أجهزة مجلس التعاون ومكاتبه ومنظماته المتخصصة.
- تنمية القدرات التقنية في الأجهزة الحكومية بما في ذلك الذكاء الصناعي، وتطوير المناهج التعليمية والرعاية الصحية والتجارة الرقمية.
- الاستفادة مما تم تطويره من أدوات متقدمة للتعاون في إطار (مجموعة العشرين) خلال فترة رئاسة المملكة العربية السعودية في جميع المجالات بما في ذلك تحفيز الاقتصاد، وإشراك قطاع الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني، وتمكين المرأة والشباب بشكلٍ أكبر في التنمية الاقتصادية، وتشجيع المبادرات المتعلقة بالاقتصاد الرقمي.
وتجدر الإشارة إلى عدم تطرق (بيان العُلا) لعودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، إلَّا أنَّ وزير الخارجية السعودي (فيصل بن فرحان)، قد أوضح في تصريحات لوسائل الإعلام أنَّ: “مخرجات القمة قد أكَّدت طيًّا كاملًا لنقاط الخلاف مع قطر، ومن ثَمَّ عودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) من جهة و(قطر) من جهة أخرى”.
ويرى العديد من المحللين السياسيين أنَّ البيان الختامي للقمة لم ترد فيه أي إشارة إلى آليات تنفيذ المصالحة، ولم يتطرق إلى حل الملفات الخلافية بين (قطر والدول الأربعة). كما لم يتناول البيان أيضًا ما تم الاتفاق عليه مع قطر فيما يتعلق بمجالات التعاون بينها من جهة والدول الأربعة من جهة أخرى، وفي هذا الإطار كان وزير الخارجية القطري (محمد بن عبد الرحمن آل ثاني)، قد صرح لصحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية بأنَّ “بلاده قد وافقت على التعاون في مكافحة الإرهاب، وترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعليق القضايا القانونية المتعلقة بالمقاطعة”.
- (قمة العُلا).. ترحيب واسع على الصعيدين الإقليمي والدولي:
توالت ردود الأفعال الإيجابية المرحبة بنتائج (قمة العُلا) على الصعيدين الإقليمي والدولي، فمن ناحيته أكدَّ رئيس الحكومة اللبنانية المكلف (سعد الحريري) أنَّ: “(قمة العُلا) تؤسس لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، في مواجهة التحديات”.
كما أشاد (الأردن) عبر بيان لوزارة الخارجية بأنَّ “القمة تُعد إنجازًا كبيرًا وعودة العلاقات الأخوية إلى مجراها الطبيعي لرأب الصدع وإنهاء الأزمة الخليجية”.
ورحب (العراق) أيضًا بمخرجات القمة مؤكدًا أنَّ “التوقيع على (بيان العُلا) يُعزز مسيرة مجلس التعاون ووحدة الصف الخليجي والعربي بشكلٍ عام”.
ومن جانبها أعربت (الخارجية المغربية) عن ارتياح المملكة للتطور الإيجابي الذي تشهده المملكة العربية السعودية ودولة قطر والتوقيع على (إعلان العُلا)، منوهةً عن أملها أن تُشكل هذه الخطوات بداية لم الشمل وبناء الثقة المتبادلة وتجاوز الأزمة.
وفي (ليبيـا) هنأ رئيس حكومة الوفاق الليبية (فايز السراج) قادة الدول الخليجية بهذا الإنجاز المهم والكبير مشددًا على “بناء هذا الاتفاق من أجل ترسيخ الالتزام الكامل بمبادئ الاحترام المتبادل وسيادة الدول ووحدتها الوطنية، وضمان الأمن والحفاظ على الاستقرار”.
وفي بيان أصدرته وزارة الخارجية، أشادت (تونس) بما تمخَّض عن القمة الخليجية من إرادة مشتركة تدعم وحدة صف البيت الخليجي، بما يستجيب لتطلعات شعوب المنطقة نحو مستقبل أفضل.
ومن جانبها رحبت (الجزائر) بالمحادثات المثمرة؛ لإنهاء الأزمة الخليجية والتوصل إلى اتفاق نهائي يحقق التضامن الدائم ويعزز الاستقرار بالمنطقة.
كما رحب الأمينالعاملجامعةالدولالعربية (أحمدأبوالغيط) بمخرجات القمة مشيرًا إلى أنَّ: “أي تحرك فعال يؤدي إلى تصفية الأجواء العربية، ويَصب في صالح النظام العربي الجماعي محل ترحيب، ويُعزز من قوة الجامعة العربية وتأثيرها”، لافتًا إلى أنَّ “التحديات الضخمة التي تواجه العالم العربي تستدعي رأب الصدع في أسرع وقت “.
وفي بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية رحبت (أنقـرة) بقرار إعادة فتح الحدود القطرية – السعودية معتبرةً ذلك خطوة هامة نحو إيجاد حل للنزاع، كما أعربت عن أملها في إيجاد حل كامل ودائم للنزاع على أُسس الاحترام المتبادل لسيادة البلدين، ورفع عقوبات أخرى مفروضة على الشعب القطري بأسرع وقت ممكن.
وقد علقت (إيران) على إعلان المصالحة الخليجية، حيث أشار وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) إلى أنَّ “التوصل لاتفاق المصالحة بين قطر ودول المقاطعة الأربعة يمثل نجاحًا (للدوحة) ضد الابتزاز والضغوط”.
كما أكَّدت (الخارجية الإيرانية) على أنَّ: “الأولوية في السياسة الخارجية لإيران، هي تعزيز التعاون مع دول المنطقة ودول الجوار، ومن جهة أخرى اتهمت إيران بعض دول المنطقة بمواصلة نشر ما وصفته (بالإيرانوفوبيا) – أي الخوف من إيران – منوهةً بأنَّ التمسك بهذا المسار يتسبب في خسارة معظم ثروات دول الجوار، وأدى إلى تحول المنطقة إلى مستودع أسلحة للشركات الغربية”.
وعلى الصعيد الدولي، رحب الأمينالعاملمنظمةالأممالمتحدة (أنطونيوغوتيريس) بـ(بيان العُلا)، مشيرًا إلى أنَّه: “يقر بأهمية الوحدة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، ويهدف إلى تعزيز الأمن والسلام والاستقرار والازدهار في المنطقة، كما رحب الأمين العام أيضًا بفتح المجال الجوي والحدود البرية والبحرية بين الدول الأربعة من جهة وقطرمن جهة أخرى، معربًا عن ثقته في أنَّ جميع الدول المعنية ستواصل العمل بروح إيجابية؛ لتعزيز العلاقات بينها.
وبالنسبة (للاتحادالأوروبي)، فقد أصدر بيانًا رحَّب فيه بالمصالحة الخليجية وتوقيع (بيان العُلا)، مؤكدًا على أنَّ تلك الخطوة تُعزز الاستقرار الإقليمي وتستعيد وحدة مجلس التعاون الخليجي بالكامل، كما أشاد الاتحاد بدور الوساطة (الأمريكية والكويتية).
- خطوات عملية نحو تنفيذ مخرجات (قمة العُلا):
وجدير بالذكر أنَّه في أعقاب انتهاء أعمال (قمة العُلا)، شرعت الدول الأربعة (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) في تنفيذ الالتزامات المتبادلة الواردة في (بيان العُلا)، حيث أعلنت عن إعادة فتح حدودها ومنافذها (البرية والبحرية والجوية) مع قطر، ومن ثَمَّ رفع الحظر الجوي الذي كان مفروضًا على الرحلات القطرية.
ومن جانبها تبادلت (جمهورية مصر العربية ودولة قطر) مذكرتين رسميتين وذلك بتاريخ (20 يناير 2021 م)، حيث اتفقت الدولتان بموجبهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، كما سعت مصر إلى تحديد موعد عقد اللجان الثنائية بالتنسيق مع قطر؛ لبحث القضايا العالقة بين البلدين على المستوى الثنائي، هذا بالإضافة إلى قيامها برصد كل مايُذاع على القنوات الإعلامية القطرية.
كما حرصت وسائل الإعلام القطرية على التخفيف من حدة نبرتها التصعيدية والاتجاه نحو التهدئة، فعلى صعيد الإعلام الإلكتروني تراجعت تغريدات تبادل الهجوم منذ إعلان المصالحة، فعلى سبيل المثال: أضحى موقع التواصل الاجتماعي تويتر( Twitter) هادئًا للغاية فيما يتعلق بالهجوم شبه اليومي بين مغردي أطراف الأزمة، كما تراجع بشكلٍ كبيرٍ استخدام (الهاشتاغات)، التي كانت تستخدم في الحرب الإعلامية بين أطراف الأزمة.
وتنفيذًا للبيان الختامي المشترك الصادر عن القمة الخليجية وجَّهت (وزارة الخارجية البحرينية) الدعوة إلى نظيرتها (القطرية)؛ لإرسال وفد رسمي إلى البحرين في أقرب وقتٍ ممكن؛ لبدء المباحثات الثنائية حيال القضايا المعلقة بين البلدين.
ومن جانبها أفرجت السلطات في قطر بتاريخ (14 يناير 2021 م) عن ثلاثة مواطنين بحرانيّين، كانت قوات أمن السواحل والحدود القطرية قد ألقت القبض عليهم أثناء قيامهم برحلة صيد، وبينما ذكرت (الدوحة) أنَّهم قد دخلوا مياهها الإقليمية، نفت (المنامة) صحة ذلك، كما قدمت قطر بعد أسبوع من المصالحة الخليجية عرضًا غير مسبوق إلى كل من (السعودية وتركيا). فمن جانبه أعلن المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري – لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات – (مطلق القحطاني) عن: “استعداد بلاده للوساطة بين تركيا والسعودية لحل التوتر القائم في علاقتهما”.
ماذا بعد المصالحة الخليجية؟ (رؤية مستقبلية):
لا مِراء أنَّ عقد القمة الخليجية وما تمخَّض عنها من مصالحة يفرض عددًا من التساؤلات لعل أبرزها:
- هل ستسهم المصالحة الخليجية في تعزيز مسارات العمل الخليجي المشترك في مواجهة التهديدات الإيرانية الراهنة؟
- هل سيتمكن مجلس التعاون الخليجي من استعادة دوره على الصعيدين الإقليمي والدولي؟
- هل يُعد إنهاء الحصار القطري وقيام الدول الأربعة (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) بفتح حدودها (الجوية والبحرية والبرية) مع دولة قطر كافيًا لإنهاء الأزمة الخليجية، أم أنَّ تنفيذ المصالحة على أرض الواقع قد يواجه عدة عراقيل – خاصةً في ظل عدم تطرق (قمة العُلا) لملفات سياسية هامة مثل حركات الإسلام السياسي والعلاقات مع كل من تركيا وإيران؟
وفي هذا الإطار يرى المراقبون السياسيون أنَّنا خلال الفترة المقبلة سنكون بصدد سيناريوهين مستقبليين، وبالنسبة للسيناريو المستقبلي الأول: فيشير إلى أنَّنا بصدد التأسيس لمرحلة جديدة على مستوى العلاقات الخليجية ترتكز على انطلاق الدول الخليجية نحو تعزيز حضورها على الصعيدين الإقليمي والدولي استنادًا إلى قاعدة المصالح المشتركة.
وعليه فمن المرجح أن يسعى مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية خلال الفترة المقبلة إلى استعادة دوره الإقليمي والدولي وأن يشهد دفعة قوية من المبادرات في كافة المجالات (السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية)، وذلك على نحو يفوق وتيرة إيقاعه السابق، بهدف مواجهة التحديات (الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية) الأكثر تعقيدًا.
ويبدي بعض المراقبين السياسيين تفاؤلهم في هذا الشأن فيما يتعلق باحتمالات أن تؤدي المصالحة الخليجية إلى مزيد من المصالحات والانفتاحات على الصعيد الإقليمي مثل التقارب السعودي مع بعض القوى الإقليمية في المنطقة وعلى رأسها تركيا، الأمر الذي سوف يسهم في مجمله في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الخليج.
وفيما يتعلق بالسيناريو المستقبلي الثاني: فيشير إلى أنَّ المصالحة الخليجية قد تواجه خلال المرحلة القادمة عدة عراقيل من بينها تضارب الأولويات الجيواستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتباين سياساتها في التعاطي مع ملفات عدة في المنطقة مثل (الملف اليمني والسوري والليبي)، وفي هذا السياق يشير المراقبون السياسيون أيضًا إلى تزايد احتمالات تعثر تنفيذ مخرجات (قمة العُلا)، وذلك في ضوء افتقارها إلى معالجة عدة ملفات لعل أبرزها الإسلام السياسي والعلاقات مع (تركيا وإيران)، هذا بالإضافة إلى إصرار قطر على التمسك بعلاقاتها مع هاتين القوتين الإقليميتين.
والواقع أنَّ المصالحة الخليجية لا تزال في مراحلها الأولى، ومن السابق لأوانه التنبؤ بآفاق هذه المصالحة، فالأمر يتطلب مزيدًا من الوقت ومواصلة كافة الأطراف المعنية بإجراءات إعادة بناء الثقة والعمل على تسوية المسائل العالقة من خلال اللجان الفنية الثنائية، ومما لا شك فيه أنَّ المصالحة الخليجية سوف تسهم في تخفيف حدة التوترات في منطقة الخليج، إلَّا أنَّ ثباتها واستمراريتها مرهون بالإرادة السياسية للدول الأطراف، كما يتطلب الأمر أيضًا مزيدًا من الخطوات الإيجابية التي تعزز التوجه نحو ترجمة مخرجات القمة إلى أفعال وإجراءت عملية لتحقيق المصالحة الدائمة.