2018العدد 173ملف فلسطين

قرار ترامب والموقف العربي بشأن الدفاع عن القدس

لم تكن إدارة الرئيس ترامب موفقة ولا مصيبة في قرارها الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، وإعلان اعتزامها نقل السفارة الأمريكية إليها، إذ إنها ووجهت بتمرّد دولي كبير، أو بنوع من عزلة دولية، لم تشهدهما من قبل، عدا عن أن هذا القرار لاقى رفضا دوليًا كبيرًا، وأدى إلى تداعيات سلبية خطيرة على عملية السلام، التي يفترض أن الولايات المتحدة راع نزيه لها، وضامن أمين لاستحقاقاتها.

هكذا فقد اضطرّت مندوبة الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض (“الفيتو”)، ضد مشروع قرار كانت قدمته مصر، في مجلس الأمن الدولي (19/12/2017)، يخالف قرار ترامب، ويدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى الامتناع عن نقل البعثات الدبلوماسية إلى القدس، إذ وجدت نفسها وحيدة مقابل 14 صوتًا، ضمنها صوتا بريطانيا وفرنسا وهي سابقة فريدة من نوعها في تاريخ هذا المجلس. وقد تكرّر ذات الأمر في التصويت على قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلستها الاستثنائية (21/12/2017)، أكدت فيه حق الفلسطينيين في القدس الشرقية، بما يتنافى مع القرار الأميركي، وذلك رغم تهديد الولايات المتحدة للدول الأخرى من مغبّة التصويت بما يخالف وجهة نظرها. ويمكن ملاحظة ذلك من وقوف سبع دول صغيرة فقط (مع إسرائيل طبعًا) لصالح الموقف الأمريكي، ضمنها دولتان في أمريكا اللاتينية (غواتيمالا وهندوراس)، ودولة واحدة في أفريقيا (توغو)، والباقي مجرد دول جزيرية صغيرة في المحيط، في حين عارضت الولايات المتحدة كل دول آسيا ومعظم الدول الأوروبية، وكل الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، وحتى دولاً مثل كندا والمكسيك وأستراليا الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة اكتفت بالامتناع عن التصويت.

وبالنتيجة فإن هذا التطور، أي القرار الأمريكي، وردة الفعل عليه، نتج عنهما تداعيات كثيرة، سياسية ودبلوماسية، شملت مواقف مختلف الأطراف الدوليين والإقليميين المعنية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، طبعا بالإضافة إلى الدول العربية.

أما بالنسبة للفلسطينيين فقد وجدوا في هذا التطور فرصتهم لتأكيد حقهم العادل والمشروع في القدس وتعزيز التضامن مع قضيتهم، وضمنها حقهم في إقامة دولة لهم في الأراضي المحتلة (1967)، في حين وجدت فيه إسرائيل فرصتها للانفكاك من عملية التسوية، المنهارة أصلاً، وكشف سياساتها الحقيقية الرامية إلى إخراج القدس من إطار التفاوض، مستندة في ذلك إلى الموقف الأمريكي الجديد. 

وربما يفيد التذكير هنا أن قرار الرئيس ترامب ليس فقط يتعارض مع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وإنما هو يتعارض مع جملة المواقف التي اتخذتها الإدارات الأمريكية السابقة، في هذا الخصوص، وحتى أنه يتعارض مع موقف الإدارة السابقة (إدارة أوباما) التي صوتت قبل عام (23/12/2016)، في مجلس الأمن ذاته، على قرار يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعدم شرعية إنشاء المستوطنات فيها وضمن ذلك في القدس الشرقية، واعتبار إنشاء المستوطنات انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل.

رمزية القدس في الصراع

احتلت القدس، منذ بداية المشروع الصهيوني، مطلع القرن الماضي، مكانة مركزية في كفاح شعب فلسطين، بالنظر إلى الأهمية السياسية والدينية والتاريخية والرمزية لهذه المدينة، وبالنظر للتركيز عليها في الخطابات السياسية والدينية والأيديولوجية للقادة الصهاينة، وبعدهم القادة الإسرائيليين، التي حاولوا من خلالها تبرير إقامة إسرائيل، وضمن ذلك اعتبار القدس عاصمة موحدة لها.

وقد يفيد التذكير هنا بأن الحركة الوطنية الفلسطينية عندما كانت تطرح برنامج التحرير لم يكن ثمة قضية خاصة للقدس، أو لأية قضية أخرى، إذ كان مفهوم التحرير يتضمن استعادة القدس (شرقية وغربية)، وعودة اللاجئين. والمعنى أن قضية القدس برزت بعد احتلال إسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية، في الضفة والقطاع (في حرب 1967)، وضمنها القدس الشرقية، إذ احتدم الصراع على هذه المدينة، بخاصة مع قيام إسرائيل بضمّها، بعد تلك الحرب مباشرة. لذا فبينما يصارع الفلسطينيون على حقهم في القدس، بخاصة الشرقية، لاعتبارات سياسية ودينية ورمزية وحقوقية وتاريخية، فإن الإسرائيليين، يصارعون عليها لذات الاعتبارات، وهم يعتبرون التخلّي عنها بمثابة ضربة لمشروعهم الأيديولوجي ـ الديني ولمبرر وجودهم، يستوي في ذلك المتدينون والعلمانيون، القوميون والليبراليون، اليساريون واليمينيون.

ما يؤكد أهمية القدس أن عديدًا من الثورات والانتفاضات الفلسطينية كانت اندلعت بسبب احتدام الصراع على هذه المدينة، كما حصل، مثلاً، في ثورة 1929، التي عرفت باسم ثورة البراق (أو “حائط المبكى” عند اليهود). بيد أن أعلى تجليات الكفاح الفلسطيني من أجل القدس تجلّت في الانتفاضة الثانية (2000-2004)، إثر انتهاك أريئيل شارون حرمة المسجد الأقصى (أواخر سبتمبر/ أيلول 2000)، إذ أضحت تلك المدينة، وقتها، بمثابة عاصمة فعلية للفلسطينيين، ومركزًا قياديًا لانتفاضتهم، سيما مع وجود القيادة الرسمية حينها في الخارج، ومع بروز شخصيات مقدسية ذات مصداقية، كان على رأسها المرحوم فيصل الحسيني. ففي تلك الانتفاضة برز مركزان لعبا دورًا كبيرًا فيها، أولهما، وهو المسجد الأقصى، إذ باتت صلاة الجمعة، التي كان يحتشد فيها مئات ألوف الفلسطينيين، بمثابة واحدة من أهم مظاهر الانتفاضة، وتعبير الفلسطينيين عن رفضهم للاحتلال، وكأداة للتحريض على المقاومة. وثانيهما، “بيت الشرق”، الذي كان بمثابة مركز توجيه للانتفاضة، وكمعبر عن الفلسطينيين في الأرض المحتلة، إذ بات مقرًا يزوره وزراء أجانب وسفراء وقناصل ومراسلو وسائل إعلامية.  في الغضون فقد شهدنا اندلاع “هبة النفق” (1996) بسبب قيام إسرائيل بإجراء حفريات تحت المسجد الأقصى، وذلك بعد قيام السلطة الفلسطينية، وهو ما تكرر في الهبة الشعبية المقدسية التي اندلعت ردًا على محاولات إسرائيل فرض إجراءات محددة لدخول الفلسطينيين إلى القدس (2017)، الأمر الذي اضطر إسرائيل التراجع عن تلك الإجراءات، وتأتي ضمن ذات السياق الهبة الشعبية التي اندلعت احتجاجًا على موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

حتى في إطار عملية التسوية فإن الصراع  التفاوضي على مصير هذه المدينة هو الذي أدى، أكثر من غيره من القضايا، إلى انهيار اتفاق أوسلو (1993)، في فترة مبكرة، بداية من هبة “النفق”، كما ذكرنا، إبان حكومة الليكود، في العهد الأول لبنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة (1996-1999)، ثم في عهد حكومة باراك (1999-2001)، مع انكشاف مواقف إسرائيل بخصوص قضايا الحل النهائي (القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والترتيبات الأمنية)، وذلك في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي جرت وقتها في منتجع كامب ديفيد (2000)، برعاية من الرئيس الأمريكي بل كلينتون.

مواقف إسرائيل

على الدوام لم تبد إسرائيل أي حلحلة بخصوص موقفها من القدس (كما قضية اللاجئين) بل بدا واضحا، في كل المراحل ، أنها ماضية في فرض واقع الاحتلال وترسيخه، بكل الوسائل، السياسية والعسكرية، كما بوسائل الاستيطان والتهويد والتغيير الديمغرافي، وعلاقات التبعية الاقتصادية والهيمنة الأمنية والسيطرة الإدارية، ويأتي ضمن ذلك إصرارها على مسألتين، أولاهما، الطلب من الفلسطينيين الاعتراف بها كدولة يهودية. وثانيتهما، إصرارها على اعتبار القدس عاصمة موحدة لها، ونفيها أي مطالب للفلسطينيين بها.

معلوم أن إسرائيل كانت استغلت اندلاع الانتفاضة الثانية للانقضاض على بعض مكاسب الفلسطينيين التي تم تحقيقها من اتفاق أوسلو (1993)، ولاسيما في القدس، في بداياته، إذ قامت بإغلاق العديد من المؤسسات الفلسطينية، ولاسيما “بيت الشرق”، كما قامت بمنع فلسطينيي القدس من المشاركة في الانتخابات الفلسطينية تحت طائلة التهديد بسحب بطاقات إقامتهم في المدينة، هذا إلى جانب دأبها على إغلاق القدس أمام الفلسطينيين، أو تحديد أعداد الداخلين إليها.

وفي الآونة الأخيرة (مطلع هذا العام) قام وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد آردان، بإغلاق حتى مؤسسات مدنية، مثل الغرفة التجارية، والمجلس الأعلى للسياحة، والمركز الفلسطيني للدراسات، ونادي الأسير الفلسطيني، ومكتب الدراسات الاجتماعية والإحصائية. علمًا أن ثمة قانونًا إسرائيليًا صدر عام 1994، يحظر على السلطة الفلسطينية فتح مكاتب تمثيل لها أو ممارسة نشاطات داخل مناطق إسرائيلية، ويعطي القانون لوزير الأمن الداخلي صلاحية إصدار قرارات تمنع هذه الأنشطة.

إضافة إلى كل ذلك فقد تعمّدت إسرائيل توسيع النطاق البلدي للقدس بضم المستوطنات المجاورة، وتعزيز الاستيطان فيها للحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة، كما أنشأت الجدار الفاصل، الذي حاولت عبره إخراج تجمعات فلسطينية من نطاق القدس، في إطار سعيها لتهويد المدينة بالرموز والأسماء والديمغرافيا والجغرافيا.

ومن الناحية السياسية فقد ظلت إسرائيل تعتبر القدس مدينة واحدة تحت سيادتها، ومقرا لحكومتها وبرلمانها ومحكمتها العليا (بحسب قانون أساس سنّته 1980)، انسجامًا مع رؤيتها لذاتها كدولة يهودية، وتساوقًا مع تبرير ذاتها بالأسطورة الدينية والتاريخية، ما يعني أن أي تنازل بالنسبة لها في هذا المجال يمكن أن يضعضع كل روايتها، ومبرر وجودها. وبعد توقيع اتفاقيّة أوسلو أضاف البرلمان الإسرائيليّ ثلاثة بنود لقانون الأساس هذا، لتحصينه، ولمنع أي تنازل في القدس: الأوّل يمنع نقل السيادة على القدس لأي جهة حكمٍ أو جهةٍ سياسيّة أجنبيّة. البند الثاني يُعرّف مساحة القدس على أنّها المساحة التي حُددت يوم 28 حزيران/ يونيو 1967 (أي شرقها وغربها)، والبند الثالث يُحصّن البندين السابقين ويمنع تغييرهما إلا بأكثر من 61 صوتًا في البرلمان (من أصل 120)، وهو إجراء شبه استثنائيّ في القانون الدستوريّ في إسرائيل. وقد تطور الأمر بعد ذلك، ففي العام 2014 أضيف قانون أساس جديد يزيد من تمسّك إسرائيل بالقدس، ويشترط لأي تنازل عن أي منطقةٍ تحت السيادة الإسرائيليّة إجراء استفتاء عام. كما قام البرلمان الإسرائيلي بتحصين هذا القانون أيضًا بالشرط الاستثنائيّ – أغلبيّة 61 صوتًا – لإلغائه. وفي تمّوز/ يوليو من العام 2017، صادق الكنيست بالقراءة الأولى على قانونٍ يزيد الأمر صعوبةً، إذ أن قرارًا مستقبليًا لـ”تقسيم القدس” سيحتاج أغلبيّة 80 من 120 نائبًا، أي ثلثي أعضاء الكنيست. وعموما فإن هذه القوانين تجعل من أي محاولة لتقسيم القدس أو التنازل عن أجزاء منها لصالح الدولة الفلسطينيّة شأنًا مستحيلاً، وتحوّل عمليّة المفاوضات، من جذورها، إلى فعاليّة دون أي معنى، بحيث إن قرار الرئيس الأمريكي، مع هذه القوانين، جاء ليخرج القدس نهائيًا من إطار التفاوض، من الناحية العملية، بل إنه رهن الأمر برمته لإسرائيل، أي للمدى الذي يمكن أن ترضى بالتنازل عنه من دون النظر إلى أي مرجعية قانونية أو دولية .

عدا عن كل ما تقدم قد يجدر التنويه هنا إلى أن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة و”فتح”، تتحمل بعض مسؤولية عن القرار الأمريكي، ليس لأنها تستطيع أن تفعل شيئًا ضد الولايات المتحدة، بل لأنها، عملت، من قبل، ما هو ليس ملائمًا لها، ولا لشعبها، أن تفعله. مثلا، فهي، أولاً، قبلت تأجيل البتّ بقضية القدس (مع قضايا اللاجئين والمستوطنات والحدود)، في اتفاق أوسلو (1993)، وهذا أفسح المجال أمام إسرائيل لفرض الأمر الواقع، بحكم قوتها، وبواقع سيطرتها على أراضي الفلسطينيين. ثانيًا، لأنها عندما أبرمت اتفاق أوسلو لم تستند إلى مرجعية القرارات الدولية، أي قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة والهيئات المتفرعة عن الأمم المتحدة، المتعلقة بالقضية الفلسطينية، إذ أنها قبلت بأقل من ذلك، علمًا أن هذه القرارات كان يمكن أن تغني، ولا زالت، عن عملية المفاوضات العقيمة، التي تخضع لتلاعبات إسرائيل، وتهرّباتها. ثالثًا، المشكلة، أيضًا، أن القيادة الفلسطينية عندما دخلت عملية التسوية لم تطرح السقف الأعلى المتمثّل بقرار التقسيم (181، لعام 1947)، مثلاً، الذي يتضمن إقامة دولتين، إسرائيل وفلسطين، مع فرض وصاية دولية عل القدس، ونوع من علاقات اقتصادية، بل إنها ذهبت إلى أقل من ذلك، بحيث أضحت أراضي الضفة (المحتلة عام 1967) موضع نزاع على الأراضي، بين الطرفين، وخاصة مع تجزئتها إلى مناطق أ و ب و ج.    

الموقف العربي

شكل قرار إدارة ترامب مفاجأة للحكومات العربية، لاسيما التي ترتبط بعلاقات صداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فقد بدا من تحركاتها أنها معنية بمواجهة تلك الإدارة، وتوضيح مكامن الخطر في قرارها، مثلما هي معنية بتفويت استهدافات هذا القرار، بمحاصرة آثاره والحد من تبعاته، واحتضان الموقف الفلسطيني الرافض له.

ويمكن القول في هذا الإطار إنه لم يظهر إجماع عربي كما ظهر، هذه المرة، في قضية القدس، ودعم الفلسطينيين، في مواجهة قرار الإدارة الأمريكية، مع التأكيد أن هذا الإجماع انعقد بفضل صمود الفلسطينيين، وتصميم قيادتهم على مواجهة القرار الأمريكي، وتحشيد الجهود لتفويت استهدافاته.

وكما شهدنا فمنذ البداية أعلنت القيادة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، رئيس المنظمة والسلطة، أن مدينة القدس ليست للبيع، وأنها متمسكة بقرارات المجتمع الدولي ومبادرة السلام العربية، ودعت إلى عقد جلسة للمجلس المركزي (مطلع هذا العام)، الإطار القيادي الفلسطيني، حيث تم اتخاذ قرارات قوية من ضمنها تجميد عملية المفاوضات، ورفض اعتبار الولايات المتحدة راعيا وحيدا لتلك العملية، وإعادة النظر في الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها، والعمل على فكّ علاقات الارتباط الاقتصادي بها، وتقديم طلب العضوية إلى عديد من المنظمات والهيئات الدولية. علمًا أن هذا الاجتماع جاء بعد جولة عربية ودولية قام بها الرئيس محمود عباس للتحشيد ضد القرار الأمريكي، ومحاصرة مفاعيله، وإيجاد وضع عربي ودولي حاضن للفلسطينيين.

هكذا وعلى خلفية هذا الموقف عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعًا لهم في إطار جامعة الدول العربية (كانون الثاني/يناير 2018)، لتدعيم الموقف الفلسطيني، وإبراز وحدة الموقف العربي، سيما مع تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن المساس بمستقبل القدس لن يقبله أي عربي، مسلم أو مسيحي، وأن العبث بهذا الملف لعب بالنار، موضحًا أن الموقف العربي المشترك حيال القدس صار واضحا للجميع.. وأن المساس بملف القدس هو بمثابة دعوة لانزلاق المنطقة إلى هوية الصراع الديني والعنف والإرهاب.

وفي ذات السياق كانت “لجنة السلام العربية” التابعة للجامعة العربية، عقدت اجتماعًا طارئا لها (مطلع شهر فبراير)، تحضيرا لبحث المقترح الفلسطيني، قبل تقديمه إلى وزراء الخارجية العرب. كما كانت اللجنة الوزارية العربية حول القدس، عقدت اجتماعا لها في عمان (مطلع يناير الماضي) أكدت فيه على العمل للحد من آثار قرار الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتأكيد حق الفلسطينيين في القدس. كما لابد من الإشارة إلى الاجتماعات واللقاءات الثنائية التي عقدت في ذات الاتجاه، ولاسيما بين وزيري خارجية مصر والسعودية، مثلا، لتعزيز الجهود العربية لنصرة قضية القدس.

مع كل ذلك فإن موقف الإدارة الأمريكية ازداد غطرسة، فبعد تهديد الولايات المتحدة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي اعترضت قرارها، قامت بتهديد المنظمة الدولية بتخفيض مساهمتها فيها، كما قامت بالإعلان عن تجميد دعمها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ووقف المساعدات المقدمة للسلطة، إلى أن يوافق الفلسطينيون على العودة إلى مائدة المفاوضات، علما أن الولايات المتحدة أكبر مانح للأونروا، بحوالي 400 مليون دولار سنويًا، وهي تدفع مثلها للسلطة، إضافة إلى مبالغ أخرى ضمن برامج أخرى، أي أن الدعم الأمريكي يناهز على مليار دولار سنويا للفلسطينيين، الأمر الذي يضع الفلسطينيين تحت ضغط كبير، لا بد من التعويض عنه، من مصادر مختلفة، كي تؤتي السياسة الفلسطينية، في تحدي الموقف الأمريكي، أغراضها.

لذا مما لا شك فيه أن صمود الفلسطينيين، وتدعيم الدول العربية لموقفهم، أسهم في تشجيع الدول الأوروبية، ودولا أخرى، على تقديم مساهمات مالية تغطي الفراغ الذي قد يحدثه وقف الدعم الأمريكي، وهو ما تم التداول فيه في مؤتمر للدول المانحة (أواخر يناير/2018)، عقد على مستوى وزراء الخارجية في مقر المفوضية الأوروبية في بروكسيل.

ملاحظات أو مقترحات

كما قدمنا فقد تحقق إجماع عربي ودولي كبير في مواجهة قرار ترامب، الذي اعتبر متسرعًا ومضرًا ويخالف الإجماعات المنصوص عنها في قرارات الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، لذا فإن استثمار هذا الإجماع يتطلب، تحقيق عدة مسائل: أولها، إيجاد حاضنة عربية داعمة لموقف القيادة الفلسطينية الرافض للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية بشأن القدس، وترجمة ذلك في خطوات عملية ملموسة، إن في الجامعة العربية أو في لجنة القدس، أو في اللجنة العربية للسلام، لأن صلابة الموقف السياسي للدول العربية هي التي تقوي الموقف الفلسطيني وتشد من عزم القيادة الفلسطينية. وثانيها، إيجاد شبكة أمان مالية للفلسطينيين، للمنظمة والسلطة ووكالة الغوث، بالتعاون بين الدول العربية والدول المانحة للفلسطينيين، للتقليل من تبعات وقف التمويل الأمريكي للسلطة ولوكالة الغوث، فمن دون إيجاد هذه التغطية ستكون المواقف السياسية من دون ترجمة عملية، ما سيضعف وضع الفلسطينيين. ثالثًا، إذا كانت الجامعة العربية عقدت اجتماعات لها على مستوى وزراء الخارجية، وعلى مستوى اللجان المختصة المنبثقة عنها، فإن الوضع يتطلب عقد قمة عربية خاصة، للتعبير عن وحدة وعن صلابة الموقف العربي، سيما أن القمة الإسلامية عقدت اجتماعا من هذا النوع في إسطنبول، لذا حري بالقادة العرب أن يخصصوا اجتماع قمة لهم لهذا الشأن، سواء قمة عادية أو استثنائية، علما أن موعد القمة العادية بات قريبا. رابعًا، أيضًا على صعيد عملية “السلام” من المفيد التأكيد على الموقف العربي الموحد بخصوص انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وضمنها القدس، وأن أي عملية يجب أن تتأسس على ذلك، وانطلاقا من قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يعني عدم التفريط بالقدس الشرقية، ويأتي ضمن ذلك عدم إبداء أي استعداد للتطبيع مع إسرائيل، من أي مستوى، من دون استجابتها للقرارات الدولية، وانسحابها من كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، سيما أن إسرائيل تلوح دومًا بأنها اخترقت هذه التوجهات وأن ثمة دولًا عربية باتت تقيم علاقات طبيعية معها. خامسًا، العمل على كافة الأصعدة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف عمليات تغيير طابع القدس، أو إجراء تغييرات ديمغرافية فيها، والضغط عليها لوقف عمليات الاستيطان في القدس الشرقية، وإتاحة المجال لمؤسسات السلطة الفلسطينية العمل في هذه المدينة.

اظهر المزيد

ماجد كيالي

بــاحــث فلسطيــني - سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى