- بالرغم مما تعانيه المنطقة من حروب وتوترات وانقسامات وتدخلات في ملفاتها الحساسة، وقضاياها المتفجرة، إلا أن المشكلة السورية ومتفرعاتها تبقى، في التقدير العام، أهم هذه القضايا وأكثرها تعقيداً وتأثيراً على المنطقة بصفة عامة، وعلى أمن واستقرار دولها بصورة خاصة. ويرجع ذلك إلى الطابع الدولي والميليشياوي المعمم الذى أصبح يصبغ طبيعية وشكل الصراع في سوريا، وذلك من واقع تعدد وتنوع الأطراف المتداخلة فيه، وتباين قوة وتأثير أدوارها على الساحتين الدولية والإقليمية، وتضارب أو تداخل مصالحها، واختلاف انتماءات التنظيمات «غير الدولاتية» اللاعبه على ساحتها، فضلاً عما تمثله سوريا كبوتقة للنفوذ الإيراني، وكمركز انطلاق للدور التركي في المنطقة، مع ما يؤدى إليه ذلك كله من احتمالات حدوث مواجهات عسكرية في أراضيها، نتيجة انفلات الأحداث أو وقوع أي من الأطراف في سوء التقدير أو خطأ الحسابات. هذا إضافة إلى أن مثل هذا التطور يمكن أن يفيض بتأثيراته على مجريات القضايا المتفجرة على الساحة العربية بمجملها.
v v v
وإذا كانت التحركات الروسية النشطة على الساحة السورية – في مقابل الغياب الأمريكي المتعمد عن الانخراط في تطوراتها – قد مكن الرئيس بوتين من اختراق المنطقة، ومنحة الفرصة لفرض نفسه لاعبا أساسياً في توجيه الأحداث في سوريا، وحَكما بين القوى الإقليمية المتنافسة، أو المتصادمة، على ساحتها (إيران، إسرائيل، تركيا)، وهو ما دفعه للدخول في معادلات صعبة، وصيغ ملتبسة لتسكين الأوضاع وتخفيف حده الاصطدامات بين هذه القوى، مستندا في ذلك إلى الإبقاء على علاقات طيبة معها، والنأي بدولته، في نفس الوقت، عن التورط في تداعيات الأزمات بينها، إلا أن الواضح أن إتباع هذا النهج وضع بوتين في مأزق عدم القدرة علي تنفيذ تصوره سواء بالنأي بالنفس نهائياً عن الصراع بين إسرائيل وإيران، أو السيطرة على مقدرات سوريا والتحكم المنفرد في أوضاعها. ويتضح ذلك بصورة خاصة فيما يلى:
أولا: حادثة إسقاط الطائرة الروسية في سوريا التي أثبتت صعوبة الإبقاء إلى مالا نهاية علي الصفقة الملتبسة التي يريد بها بوتين تجنب الثأر بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي عبر معادلة ترضيهما معا، من حيث ضمانها حرية إيران في نقل الأسلحة والصواريخ إلى حزب الله ولبنان في مقابل حرية الطيران والصواريخ الإسرائيلية في قصف شحنات الأسلحة الإيرانية. وهى معادلة تناور طهران من خلالها بنسبة من الخطأ الاستخباراتي الإسرائيلي، مع التضحية ببعض شحنات أسلحتها المرسلة إلى لبنان، مقابل اطمئنان إسرائيل على قدرتها في ضرب تلك الأسلحة ومنع وصولها إلى أهدافها بأبخس الأتْمان. لذلك، فقد جاء إسقاط الطائرة الروسية ليطيح بالمعادلة من أساسها، وليدفع بوتين لاتخاذ إجراءات عسكرية بتصعيد التسليح العسكرى الجوي لسوريا بما يُقيد من حرية إسرائيل في ضرب الأهداف الإيرانية داخل الأراضي السورية. وهى إجراءات «آمنه» لا تستحق تصعيداً بين الطرفين. خاصة بعد قيام روسيا بالضغط على إيران لسحب قواتها بعيداً عن الجولان بمسافة 40 كيلومتر، مما يعطى أماناً كافيا لإسرائيل، لاسيما وأن الحدود التي يتحرك فيها الطيران الإسرائيلي المتطور -إذا رغب- قد توسعت بانفتاح الأجواء اللبنانية أمامه.
ثانياً: المبالغة في تقدير قدرة موسكو على لجم إيران في سوريا خارج إطار توافق الدولتين، إذ بالرغم من مآخذ روسيا على إيران، والتي تتحالف مع الأسد، للحد من نجاح روسيا في إنهاء الحرب في جانبها العسكري، وفي عرقلة صوغ أي حل يتضمن الإشارة إلى مرحلة انتقالية، واحباط محاولاتها في اجتذاب الحكومات الغربية لتمويل إعادة الإعمار، باعتبار ان إيران تربط أي إعمار في سوريا، واستطرادا في العراق واليمن ولبنان بضمان نفوذها ومصالحها الإقليمية. إلا ان واقع الأمور في سوريا يشير إلى أن السيطرة الإيرانية على الأراضي السورية وبعض مراكز القرار فيها يوازى السيطرة الروسية على الاجواء وقسم آخر من مراكز القرار. هذا فضلاً عن المصالح الضخمة التي يمكن أن تجنيها روسيا نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الطلب بالتبعية علي الإنتاج النفطي الروسي، في ضوء تقلص صادرات إيران منه بعد فرض العقوبات الأمريكية الجديدة عليها، إضافة إلى أهمية «الوجود الأرضي» للقوات الإيرانية على الأراضي السورية للخطط الروسية التي تتجنب توريط جنودها في معارك أرضية علي الساحة السورية. وكلها عوامل تضعها روسيا في أولويات خططها في سوريا، وتطمح من خلالها إلى ضبط الجميع تحت برنامجها للمرحلة المقبلة. وذلك رغم علمها بأن إرضاء الشعب السوري يرتبط إلى حد كبير بابتعاد موسكو عن طهران، التي يعتبر السوريون وجودها في بلادهم غزوا مذهبيا وتدخلا ايديولوجيا في حياة السكان. وهم لا يخفون قبولهم للحضور الروسي أكثر من الإيراني الذى يتدخل في أنماط حياتهم، بل واكثر من الحضور التركي، حيث يُصدَّر لهم أردوغان صورة العثماني الذى يستحضر ماضيا مُشينا يتوقون إلى نسيانه، ويتحوطون لمحاولات تكراره.
ثالثاً: إن الموقف الدولي الملتبس من تسوية المشكلة السورية، والتي يتضاعف آثارها في ظل فشل الرئيس بوتين في فرض مسار سياسي بديل عن جنيف مقبول من الدول الغربية، أو استغلال ملف إعادة اللاجئين للمقايضة على انفتاح غربي على التسوية التي يريدها. وقد تجسد في مؤتمر إسطنبول الذي عُقد بمشاركة روسيا-ألمانيا-فرنسا-تركيا بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة لتسوية الأزمة، حيث جاء عاكسا لتضارب الأولويات والأهداف، بحيث بدت أعمال المؤتمر وكأنها حصيلة الجمع بين متناقضات الأزمة في حدها الأدنى. وبغياب الولايات المتحدة وإيران عن جلسات المؤتمر، رغم أنهما يُعتبران لاعبان رئيسيان على الأرضية السورية، فقد توافرت كافة الشروط التي أعجزت المؤتمر عن طرح أي جديد لتسوية المشكلة.
وهكذا تتضح ابعاد المفارقة التي تشهدها الاحداث في سوريا، إذا كلما تطورت الاوضاع وتزايدت التحديات وتصاعدت الاشتباكات على ساحتها، استطاعت الأطراف المشارِكة في الصراع، دولية كانت أم إقليمية، تخطى الأزمة بترتيبات جديدة من شأنها تخفيف التوتر وتسكين الأوضاع، الأمر الذى أدى-بتكراره- إلى استبعاد إمكانية وقوع صدام بين هذه الأطراف بما يقوى من منطق من يرون أن سوريا قد تجاوزت مرحلة التحول إلي حرب كبري.
ولعل ما يؤكد هذا التقدير هو قدرة الأطراف المعنية على تجاوز حدثان هامان كاد أن يتسببا في انفجار الأوضاع داخل البلاد في حرب مدمرة وهما:
أولاً: تطورات مشكلة إدلب وما أسفرت عنه من حشود عسكرية متقابلة بين تركيا وروسيا، وما تبعها من حشود غربية على شواطئ البحر المتوسط، وذلك في جو عام معبأ بالتهديدات حول اجتياح إدلب وما يمكن ان يسفر عنه هذا الحدث من خطورة على الأمنين الإقليمي والعالمي.
ثانيًا: إسقاط الطائرة الروسية من قِبل المضادات الأرضية السورية على وجه الخطأ، إثر غارة للطيران الإسرائيلي على مواقع النظام في اللاذقية، خاصة في ضوء حساسية الروس تجاه مثل هذا التطور لما ينطوي عليه من كشف ضعف الفعالية العسكرية الروسية، ومن خيبه أمل في التصرفات الإسرائيلية التي يعتبرونها من قبيل «خيانة الثقة» للعلاقات التي شهدت تقاربا وتعاونا كبيراً بين الطرفين في الفترة الأخيرة.
إلا أن واقع الأمور في كل حادثة، كان يدفع في اتجاه إعادة التوازن عبر إجراءات وتفاهمات، بعضها في الخفاء والبعض الأخر في العلن. وهى إجراءات كانت تعزز من ظروف التساكن والتعايش المستقبلي في سوريا بين الخصوم المختلفين. حيث كان يتم الاتفاق عقب كل حادث على حدود التماس والخطوط الحمراء، في نفس الوقت الذى تٌثبَّت فيه الأطراف مواقعها خلف خطوط التماس، باعتبارها حقوقا لا خلاف عليها، ولعل أكثر الأمثلة دلالة على هذ الاتجاه هو أنه في الوقت الذى كانت تصر فيه الولايات المتحدة وإسرائيل على إخراج إيران من جنوب سوريا، لم يهتم أي منهما بتعزيزاتها داخل البلاد، ولا بنشاطها التشييعي في بعض مناطقها، فضلاً عن عدم إبداء أيهما استعدادا لتأمين الموارد أو المواد اللازمة لشن عملية عسكرية ضد إيران.
v v v
وإذا كان الموقف الأمريكي من المشكلة السورية تنحصر اهتماماته في الحفاظ على أمن إسرائيل من جهة، ومنع حصول إيران على قدرة نووية، وتحجيم نفوذها على ساحة المنطقة من جهة أخرى. فأن الشاهد أن الأمريكيين لا يقلقهم كثيرا تعرض أمن إسرائيل لأية مخاطر في هذا الشأن وذلك من واقع تمكينها من تملك ترسانة عسكرية كاسحة ومتطورة يصعب استفزازها أو تحديها في المنطقة، فضلاً عن ثقة الأمريكيين في قوة الالتزام الروسي المستقر والمستمر تجاه الأمن الإسرائيلي، وهو ما تَمثل اخيرا في ممارسة الضغوط الروسية على إيران لإبعاد قواتها المتمركزة في سوريا عن هضبة الجولان، إضافة إلى استمرار الاتصالات الروسية بالجانب الإسرائيلي لوضع قواعد جديدة -ربما تكون أكثر صرامة- للتنسيق بين قواتهما على الأراضي السورية بما يمنع تكرار مثل هذه الحوادث. خاصة في ضوء ما يتردد حول حاجة الروس للعلاقة مع إسرائيل لإقامة «توازن» مع الوجود الإيراني تحسبا لانهيار التحالف غير المريح بين الجانبين الروسي والايراني. ولعل كل هذه المعطيات تفسر الموقف الهادئ الذى أتخذه الأمريكيون من أزمة العلاقات بين اسرائيل وروسيا واكتفائهم بإدانة إعلامية تقليدية للموقف الروسي.
أما بالنسبة للعلاقات الأمريكية مع إيران، فرغم اتجاهها الواضح إلى التصعيد في المدى القريب، استنادا إلى حملة الوعيد التي أطلقها ترامب ورجال إدارته، وأعقبها دخول الدفعة الثانية من العقوبات الأمريكية علي إيران مرحلة التنفيذ، والتي تشى بأن واشنطن ما زال في جعبتها الكثير من العقوبات التي تتنظر طهران ما لم تذعن لمطالبها. إلا أن المعتقد أن انسداد الحوار بين الطرفين لا يتوقع أن يؤدى إلى مواجهة عسكرية، حيث أن ما يدور من استعدادات وتهديدات يعتبر جزءا من الضغوط المتبادلة، أو رفع سقف التحديات بينهما. فمن الواضح أن الطرفين يريدان تجنب الوصول إلى مرحلة الصدام العسكري، إذ في الوقت الذى تمارس فيه طهران-رغم التصريحات الصادرة من بعض مسئوليها- لعبه الصبر، استنادا إلى أملها في أن تؤدي سياسات ترامب المندفعة إلي زيادة الانقسام المجتمعي الأمريكي الداخلي، وتراجع الأغلبية التي يتمتع بها حزبه في الكونجرس بمجلسيه، وانحسار سيطرته علي مقاليد الحكم في البلاد. فإن ترامب -من جهته- يستعجل رضوخ طهران لمطالبه، خاصة فيما يتعلق بعقد اتفاق نووي جديد معها، إرضاء لقاعدته الانتخابية، وللبقاء أميناً على الشعارات التي رفعها في حملته الانتخابية. وذلك رغم تمسك الدول الأوربية الحليفة بالاتفاق القائم، بل وسعيها لإنشاء آلية مالية للالتفاف حول العقوبات الأمريكية.
ولذلك فقد جاءت نتائج الانتخابات الأمريكية النصفية التي عكست استعادة الديمقراطيين لأغلبيتهم في مجلس النواب، في مقابل احتفاظ الجمهوريين بأغلبيتهم في مجلس الشيوخ، محققة لآمال الإيرانيين من حيث إضعاف هيبة ونفوذ ترامب الداخلي، والحد من سلطاته المنفلتة بحكم حرمانه من سيطرة حزبه علي مجلس النواب الذي لن يدخر وسعا لتعطيل خططه، وتقييد اندفاعاته، ومراقبة أدائه. وهو الأمر الذي تأمل معه إيران في إعادة التوازن إلي السياسة الأمريكية تجاهها، وتقليل حدة ضغوط عقوباتها عليها. خاصة وأنها لم تكن لتقبل أساسا بشروط ترامب التي طرحها في مناخ سياسي مُلبد بأجواء التهديد والضغط والتحدي. فضلاّ عن رفضها المبدئي للتقدير الأمريكي باعتبار البرنامج النووي الإيراني يمثل جزءا من استراتيجية ترامب لتغيير سلوك إيران في المنطقة، وهو ما تعده طهران سعيا إلى تغيير النظام، وذلك في ضوء تقديرها بأن نظامها وسلوكها متلازمان.
ولعل ما يزيد من شكوك إيران في هذا الشأن، هو تزامن هذا التطور مع تصريحات أمريكية رسمية بالربط المباشر بين إبقاء القوات الأمريكية في سوريا، وبين استمرار وجود القوات الإيرانية على أراضيها، وهو ما يفسره الإيرانيون على أنه تغيراً في طبيعة التدخل الأمريكي في سوريا، الذي كان ينحصر تبريره في مكافحة الإرهاب. إذ لم تعد الحرب في هذه الحالة ضد تنظيم داعش، و إنما أصبحت حرباً غير مباشرة ضد طهران.
v v v
وبالرغم من البعد الاستراتيجي للأزمة السورية باعتبارها من الأزمات الكاشفة عن صعود الدور الروسي وتحول النظام الدولي بعيداً عن النظام أُحادي القطبية، والبعد الدولي الذى يتمثل في نموذج العلاقة المركبة والمختلطة -تنافسا وتعاونا- بين الدولتين الكبرتين في هذه الأزمة، إلا أن الواضح أن البُعد الإقليمي هو الذى يجسد مدي تعقدها وتشابك عناصرها، ويعكس حجم الصعوبات والتحديات التي تعترض تسويتها، وذلك كما توضحه المعطيات التالية:
أولاً: تكريس مناطق نفوذ محددة لكل طرف من أطراف النزاع على الأراضي السورية، بما فيه من جوانب عسكرية تتعلق ببناء منشئات، وتموضع أصول وعتاد، وإنشاء قواعد عسكرية وبحرية وجوية قد تكون لها صفة الاستمرار أو التواجد الطويل الأمد، وهو أمر من شأنه أن يضيف صعوبات لاحتمالات التسوية، ويزيد من عراقيل التوصل إلى إعادة إعمار البلاد.
ثانيًا: ما يؤدي إليه هذ التطور -إذا ما استمر تعميقه أو التأخر في تسويته- إلى التهديد باحتمال الدخول في تقسيم البلاد بصفة نهائية، وهو ما يشير إليه الاتفاق بين روسيا وتركيا، تأسيسا على قاعدة احتفاظ كل طرف بمناطق سيطرته، وهو الأمر الذى يكشف حقيقة ان تفكيك العُقد التي تحاول الأطراف حلها لتجنب الدخول في نزاعات كبرى بينها حول سوريا ،قد أنتجت واقعاً تقسيميا للبلاد يصعب تجنبه في المستقبل القريب.
ثالثا: أن خطاب التقسيم والوحدة في سوريا يعتريه كثير من الالتباس والتناقض، إذ بالرغم من وجود حالة تقسيم فعليه على الأرض في البلاد من واقع التشابك بين المصالح الدولية والإقليمية على الساحة السورية ،وضعف الوعي لدى القوات السورية وأنصارهم ونخبهم بأهمية الدولة السورية الجامعة والموحدة، إلا أن المفارقة في هذا الشأن أن الدول الكبرى هي التي تدعم وحدة سوريا لأسباب استراتيجية منها أن تفكك الوطن السوري يؤثر على الوضع الأمني الإقليمي في المنطقة بصفة عامة، و علي الدول العربية المجاورة بصورة خاصة وهو الأمر الذي قد يخلق أوضاعا قلقة ومهدده لمصالح القوي الكبرى، كما أنه يؤثر سلبا علي إسرائيل استنادا إلى التقدير بأن سوريا «الموحدة» وليست المفككة إلى دويلات هشه، يمكن أن تكون أكثر ضمانا لأمن إسرائيل واستقرار حدودها، إضافة إلى أن وحدة سوريا تعتبر سندا لوحدة العراق بقدر ما يمنحها من قدرة علي ممارسة حرية القرار وامتصاص التأثير الإيراني. ومن هنا، يمكن القول بأن وحدة سوريا هي مطلب دولي اكثر منها تطلع سوري. ولكن يبقى السؤال مطروحا حول أولوية هذا المطلب على مقتضيات تنافس المصالح الراسخة والمتعارضة بين القوي المختلفة على الساحة السورية، خاصة في ضوء الترابط السياسي القائم بين هذه الأزمة وبين القضايا الأوربية المعلقة مع روسيا.
v v v
ولا يبق بعد ذلك إلا الإشارة إلي أن الغياب العربي عن الساحة السورية المفروض بحكم الانقسامات العربية، وتضارب الأهداف، وتنافس السياسات وتجاذب التحالفات، والمدفوع بالرغبة الدولية في تغييب الدور العربي، وتصعيد أداور الدول الإقليمية غير العربية في قضايا المنطقة الساخنة، قد أصبح يمثل سمة رئيسية في تطورات المشكلة السورية ومحاولات تسويتها. إلا ان الشاهد، من ناحية أخرى، أن التوصل الفعلي لمثل هذه التسويات يصعب تحقيقه دون مساهمة عربية فاعلة في مداولاتها، وذلك لتأكيد مباركة دول الجوار لها واستثمار ثقلها في ضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بشأنها. فضلا عن أهمية الثقل العربي -إذا لمس جدية وعدالة هذه التسوية- في عمليات إعادة إعمار البلاد. وبذلك يمكن القول أن الدول العربية إذا كانت لا تملك أدوات القوة والتأثير في حالات النزاع في سوريا، فهي تملك قدرات الدعم، وأدوات التفعيل في محاولات التسوية. ¢