يُعد الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) هو الثورة التكنولوجية الأبرز التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، حيث أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي تفرض نفسها بقوة في مختلف المجالات (الاقتصادية، السياسية، الإعلامية، الاجتماعية، الطبية، والعسكرية،… وغيرها)، ومن المتوقع أن يُغِّير الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتقنياته من شكل العالم الذي نعرفه الآن، حيث إن التطور في تكنولوجيات وتقنيات الذكاء الاصطناعي تتعاظم بصورة كبيرة، وتأخذ مساحات جديدة يومًا بعد الآخر، ويتوقع الخبراء أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستساهم في إحداث تأثير جذري على النظام العالمي خلال العقد المقبل، ويقدر الخبراء أنه بحلول عام 2030، يمكن أن يبلغ حجم مساهمة الذكاء الاصطناعي في النظام الاقتصادي العالمي بنحو 16 تريليون دولار.
مفهوم الذكاء الاصطناعي:
يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها، ويعرف الذكاء الاصطناعي بأنه أحد فروع علوم الحاسب الذي يهدف إلى إنشاء آلات ذكية، ويبحث في كيفية جعل أجهزة الحاسب الآلي تقوم بالأشياء والمهام التي يؤديها الإنسان بشكل أفضل من حيث الوقت والدقة، فهو علم جديد لجعل الحواسيب تفكر بحيث تصبح آلات بها عقول (Machines with minds) بشكل كامل وحرفي، ويمكن من أتمتة الأنشطة التي تربط الذكاء البشري بالفعل مثل صناعة القرارات (Decision-Making) وحل المشكلات (Problem Solving)والتعلم .(Learning)
والذكاء الاصطناعي يهدف إلى إنشاء تقنية ذكية قادرة على تكرار التعلم البشري ومهارات حل المشكلات، حيث يعتبر كل من تعلم الآلة (ML) (Machine Learning) ، والتعلم العميق (DL) (Deep Learning) بمثابة تقنيات في مجال الذكاء الاصطناعي الأوسع، فتوفر تقنية تعلم الآلة (ML) لأنظمة الحاسب الآلي القدرة على التعلم من البيانات دون أن تكون مبرمجة، ويعتبر التعلم العميق (DL) تطوير إضافي لتعلم الآلة (ML)؛ لتمكين أنظمة الحاسب الآلي من تقليد عمل الدماغ البشري في حل المشكلات، ومن المتوقع أن تصل القيمة السوقية العالمية للذكاء الاصطناعي (AI market value) ما يزيد عن 267 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، وبحلول علم 2025 من المتوقع أن يؤدي انتشار الذكاء الاصطناعي إلى اختفاء 85 مليون وظيفة وظهور 97 مليون وظيفة جديدة تمامًا.
الدول العربية والثورة الصناعية الرابعة:
عانى العالم العربي خلال القرن الماضي من الاستعمار الغربي الأوروبي والتبعية الغربية، وذلك حينما تأخر عن مواكبة الثورات الصناعية المتتالية التي شهدتها البشرية، سواء الثورة الصناعية الأولى القائمة على الفحم، أو الثانية القائمة على الكهرباء، أو حتى الثالثة القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث لم تمتلك الدول العربية الريادة في أحد هذه الثورات، الأمر الذي أدى لتبعيتها (اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وعسكريًّا) للقوى الصناعية الكبرى التي قادت هذه الثورات الصناعية. إلا أن الثورة الصناعية الرابعة تمثل فرصة كبيرة في مسار العالم العربي من الممكن أن تجعله في مكانة متميزة عالمية، وذلك من خلال تطوير صناعات تكنولوجية متقدمة وابتكار تقنيات ذكية تشكل عصب الثورة الصناعية الرابعة.
وبشكلٍ عام بدأ استخدام مصطلح الثورة الصناعية الرابعة منذ عام 2016، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس- سويسرا، في عام 2016، حيث تم القول بأن الثورة الصناعية الرابعة هي حالة من تلاشي الخطوط الفاصلة بين التطورات الحادثة في المجالات (المادية، والرقمية، والبيولوجية)، فهي ليست كمثل الثورات الصناعية السابقة من حيث التأثير على الإنتاج الإنساني وجودته، بل تتعدى ذلك لتؤثر على مختلف نواحي الحياة، أي أنها تعيد تشكيل العالم لمفهوم جديد.
ويشير مصطلح الثورة الصناعية إلى تحول الاقتصاد العالمي من الاعتماد على الزراعة إلى الاعتماد على الصناعة، حيث الإنتاج القائم في أغلبه على الآلات مما أدى إلى تطور وزيادة سرعة عجلة الإنتاج، كما أدى إلى انخفاض الأسعار نتيجة زيادة المعروض وانخفاض تكاليف الإنتاج. وجاءت الثورة الصناعية الأولى في ستينيات القرن الثامن عشر بالنفع على القطاع الزراعي؛ بسبب استخدام الآلة البخارية الأمر الذي أدى إلى رفع معدل الإنتاج، وبالتالي رفع مستوى معيشة البشر، ومن بعدها جاءت الثورة الصناعية الثانية امتدادًا للثورة الصناعية الأولى بنهاية القرن التاسع عشر متمثلة في ظهور الكهرباء والمحركات القابلة للاحتراق، واستغلال هذه الاختراعات في تدوير الموارد الطبيعية والصناعية والطاقات المتجددة، وبذلك ظهر ما يعرف اصطلاحًا بـ(المصنع الآلي)، ولأتمتة إنتاج هذا المصنع ظهرت تقنيات جديدة تتم باستخدام الحاسوب بدأت في عام 1969 أي بنهاية القرن الماضي فيما عُرف بالثورة الصناعية الثالثة، والتي تميزت بإدخال الحواسيب في كافة مجالات الحياة من الاتصالات والتعليم والتي لم يقتصر استخدامها على الإنتاج والتصنيع فقط. أما بالنسبة للثورة الصناعية الرابعة، فنتيجة للتوافر الواسع للتقنيات الرقمية التي أوجدتها الثورة الصناعية الثالثة، حدث توالٍ وتتابع في الابتكارات التكنولوجية والرقمية بشكلٍ فيه مزيج من التداخلات التقنية التي تتفاعل مع بعضها البعض من خلال الخوارزميات المبتكرة؛ لتنتج بذلك تقنيات الثورة الصناعية الرابعة التي من أهمها: الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والبيانات الضخمة، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمية، والمركبات ذاتية القيادة، والأمن السيبراني،… وغيرها.
وبالنظر إلى واقع التعامل العربي مع الثورة الصناعية الرابعة نجد أنه منقسم لقسمين: الأول دُولٌ لديها بنية تحتية اتصالية وتكنولوجية قوية، تعمل على وضع الرؤى والإستراتيجيات لتأهيل منشآتها ومؤسساتها بصورة تكنولوجية قائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، واستخدام الروبوتات، وإنترنت الأشياء، والاستثمار في الأصول الرقمية الافتراضية والتعامل مع الاستثمار في عالم الميتافيرس، وهو القسم الذي يقوده كل من (الإمارات، والسعودية، وقطر)، ويظل القسم الثاني من الدول العربية يعاني من أجل الوصول إلى رؤية واضحة حول آليات التعامل مع الثورة الصناعية الرابعة، حيث أن آليات التعامل مع الثورة الصناعية الرابعة تتطلب وجود بنية تحتية لها مواصفات ومتطلبات وقدرات محددة حتى تستطيع التعامل مع مفرزات الثورة الصناعية الرابعة، حيث تتجاوز هذه البنية التحتية الخدمات والمرافق التقليدية إلى القدرة على استخدام تقنيات متطورة باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذكية، الأمر الذي لاتزال العديد من الدول العربية تتعلم كيفية تطبيقه وتعمل على وضع إستراتيجيات ورؤى للتعامل مع هذه التطورات الحديثة.
وتمثل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أبرز آليات الثورة الصناعية الرابعة وقام عاملان أساسيان بدور كبير في انطلاقة الذكاء الاصطناعي، لم يكونا متوفرين قبل عقد من الزمن: العامل الأول، هو البيانات الضخمة التي أصبحت متوفرة على الشبكات العالمية في المجالات كافة، وبحيث تستطيع أجهزة الحاسوب المتطورة البحث ضمنها، ومقارنتها واستخلاص النتائج منها بسرعة فائقة. العامل الثاني، هو التطور الكبير الحاصل في مجال “التعلم العميق” أي الأبحاث والبرمجيات المرتبطة بتطوير قدرات الآلات على التعلم الذاتي، وهو الهدف الرئيس للذكاء الاصطناعي، ويتوقع العديد من العلماء والمفكرين أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في معظم الأعمال التي يقوم بها الإنسان في غضون عقدين من الزمن على الأكثر، وسوف يتمكن من تطوير نفسه بنفسه بشكلٍ متواصل ودون حاجة لتدخل بشري، وسوف يكون التطور على شكل دورات متتالية، بحيث ينشأ عن كل دورة جيل جديد أكثر تطورًا مما سبقه، وأكثر سرعة في تطوير ذاته، وسيؤدي ذلك سريعًا إلى نشوء ذكاء خارق يفوق بكثير كل الذكاء البشري مجتمعًا، تعرف هذه الظاهرة باسم “التفرد التكنولوجي” أو التفرد (Singularity) الأمر الذي من شأنه أن يخلق تهديدات للجنس البشري في كثير من الجوانب .
تجارب عربية رائدة:
أدت الوفرة المالية بالعديد من الدول العربية، إضافة إلى وجود رؤية سياسية نهضوية طويلة الأمد لظهور مجموعة من الإستراتيجيات التكنولوجية -خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي- بعدد من الدول العربية لتقدم تجارب متميزة ليس فقط على مستوى العالم العربي ولكن على مستوى العالم أجمع، بما يمهد لدخول الدول العربية (التي تمتلك تلك الإستراتيجيات والرؤى) كفاعل رئيس في الثورة الصناعية الرابعة، وتتمثل أبرز ثلاث تجارب عربية في دول( الإمارات، السعودية، وقطر).
1- الإمارات العربية المتحدة :
جعلت الإمارات من الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية إستراتيجية، حيث تم الإعلان في عام 2017 عن خريطة طريق واضحة لمستقبل مدعوم بالذكاء الاصطناعي من خلال إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، وفي ضوئها تم تعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم، وتهدف هذه الإستراتيجية لتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، وهي الأولى من نوعها في المنطقة العربية والعالم، ومن المتوقع أن توفر حكومة دولة الإمارات مع الذكاء الاصطناعي 50% من التكاليف السنوية في مختلف القطاعات، فبحسب التقارير الرسمية، يبلغ عدد المعاملات الورقية في الحكومة الاتحادية 250 مليون معاملة سنويًّا، الأمر الذي استدعى الجهات المعنية إلى ابتكار فكرة إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي؛ لخلق جيل جديد من الحكومات الذكية، التي تتفوق على أكثر الدول تقدمًا في العالم لتصبح الدولة أكثر ذكاءً وفاعلية من أي وقت سبق، حيث سيتم تغيير آلية عمل الحكومة بشكل جذري لتعتمد على التعاملات السريعة والذكية في مختلف القطاعات، وقد تم تخصيص 15.7 تريليون دولار كقيمة لقطاع الذكاء الاصطناعي في الإمارات بحلول عام 2030، والهدف من ذلك زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 35%، وخفض تكاليف الحكومة بنسبة 50%، كما وستصل نسبة الجاهزية للمخاطر الاقتصادية المفاجئة إلى 90%. كما أن الإمارات أسست أول جامعة للدراسات العليا المتخصصة ببحوث الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وهي “جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، وهي الجامعة التي تقدم نموذجًا أكاديميًّا وبحثيًّا جديدًا في مجال الذكاء الاصطناعي، وستوفر للطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي وأكثرها تطورًا في العالم؛ لتسخير إمكاناتها للتنمية الاقتصادية والمجتمعي، وتهدف إستراتيجية الذكاء الاصطناعي في الإمارات إلى التالي:
- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كافة الخدمات بمعدل 100% بحلول عام 2031.
- تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071 وتعجيل تنفيذ المشاريع والخطط التنموية لبلوغ المستقبل.
- الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع إنجاز المعاملات وخلق بيئات عمل مبتكرة وغير مسبوقة.
- خلق سوق جديدة إقليمية واعدة ذات قيمة اقتصادية عالية.
- دعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية بشكل عام.
- استغلال أحدث تقنيات التكنولوجيا وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في كافة ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى.
2- المملكة العربية السعودية:
أنشأت المملكة العربية السعودية، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) في عام 2019، وتعمل (سدايا) على إستراتيجية تهدف بحلول عام 2025 إلى “بناء الأسس لميزة تنافسية عن طريق التخصص في مجالات محددة”، وبحلول 2030 تبدأ “التنافس على المستوى الدولي والانضمام إلى الاقتصادات الرائدة التي تستفيد من البيانات والذكاء الاصطناعي”، وتعد الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي هي الجهة المختصة في المملكة بالبيانات والذكاء الاصطناعي وتشمل: البيانات الضخمة، وهي المرجع الوطني في كل ما يتعلق بهما من تنظيم وتطوير وتعامل، وهي صاحبة الاختصاص الأصيل في كل ما يتعلق بالتشغيل والأبحاث والابتكار في قطاع البيانات والذكاء الاصطناعي، كما تعمل المملكة العربية السعودية على جذب استثمارات في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي بحلول 2030 بقيمة تصل إلى 75 مليار ريال (20 مليار دولار)، وتهدف إستراتيجية المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي للتالي:
- حوكمة البيانات والذكاء الاصطناعي.
- توفير الإمكانات المتعلقة بالبيانات والقدرات الاستشرافية وتعزيزها بالابتكار المتواصل في مجال الذكاء الاصطناعي.
- ضمان الارتقاء بالمملكة إلى الريادة ضمن الاقتصادات القائمة على البيانات والذكاء الاصطناعي.
- زيادة الوعي العام بشأن إنجازات المملكة العربية السعودية في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي.
- زيادة مساهمة البيانات والذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف رؤية 2030.
- زيادة استفادة الجهات الحكــومــيــة كافة مــن أجـنــدة البيانات والذكاء الاصطناعي.
- دعم تحقيق الأهداف الإستراتيجية في الجهات التابعة للهيئة فيما يتعلق بالتشريعات والتشغيل والابتكار.
- تعزيز صورة المملكة العربية السعودية باعتبارها دولة رائدة عالميًّا في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي.
3- دولة قطر:
أطلقت دولة قطر إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، أصدرتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالاشتراك مع جامعة حمد بن خليفة ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، تستخدم مفهوم الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى التعلم الآلي القابل للتفسير، وهو الذي يسعى إلى دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على النحو الأمثل في جميع جوانب الاقتصاد، وكانت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد أطلقت برنامج “قطر الذكية” (تسمو)، المصمم لتطوير الاقتصاد الرقمي، في إطار رؤية قطر الوطنية 2030.
وتهدف إستراتيجية قطر الوطنية للذكاء الاصطناعي إلى التوسع في إنشاء الشركات الناشئة والشركات الشريكة للشركات متعددة الجنسيات، وكانت شركة جوجل قد أنشأت مركزًا إقليميًّا للخدمات السحابية بمنطقة الخليج في دولة قطر خلال شهر مايو 2022، وتعكف إستراتيجية قطر الوطنية على إنشاء شبكة من الشراكات تضم الأطراف المعنية الرئيسة مثل: واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، ومنصة استثمر قطر، وشركة أريد، وشركة ميتا، وشركة مايكروسوفت وهيئة المناطق الحرة. وتُعد جامعة حمد بن خليفة شريكًا إستراتيجيًّا آخر، إلى جانب مختبر الابتكار، وحاضنة الأعمال الرقمية، ومسرعة تسمو، ووادي تسمو الرقمي، ويتميز وادي “تسمو” الرقمي بأنه عبارة عن مجموعة للابتكارات، وقد حدد 15 مجالًا من مجالات الأولوية لتحقيق النمو المحتمل المرتفع، بما في ذلك إنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة، والأمن السيبراني، وتكامل الأنظمة.
وقد تجاوزت استثمارات بنك قطر للتنمية في الشركات التكنولوجية الصغيرة والمتوسطة حاجز 100 مليون ريال قطري لأول مرة في عام 2021 وهو المبلغ الذي زاد بصورة كبيرة في2023، واشتملت أبرز ثلاثة قطاعات استثمر فيها البنك على قطاع التكنولوجيا الرياضية، ومشاريع إنترنت الأشياء، والتكنولوجيا المالية. وفي شهر مارس من عام 2022، أطلق البنك منتَجًا استثماريًّا مشتركًا للشركات الناشئة، يتضمن استثمارًا بقيمة مليون دولار لكل صفقة يمولها البنك، واستثمارات من الصناديق المحلية والعالمية، كما أعلن مصرف قطر المركزي عن إستراتيجية قطر للتكنولوجيا المالية 2023؛ لتعزيز التكنولوجيا المالية المبتكرة، وحددت قطر في إستراتيجيتها الوطنية بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي، أنها تسعى إلى “نشر الذكاء الاصطناعي في جميع نواحي الحياة والأعمال والحوكمة في البلاد، حتى يتطلع الجميع إليها باعتبارها نموذجًا يُحتذى به للانتقال بسلاسة إلى مستقبل قائم على الذكاء الاصطناعي”. وتعمل الدوحة على التحول إلى مركز عالمي لجذب مواهب الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الأعمال التجارية المحلية على تبني حلول جديدة قائمة على هذه التقنية، والاستثمار في الأشخاص وفي أفكارهم عن مستقبل قطر على التدريب والتجارب وصناديق المشاريع الناشئة، بحسب الإستراتيجية الوطنية لقطر المنشورة على الموقع الرسمي للحكومة.
إن واقع التكنولوجيا في البلدان العربية أصبح يعاني فجوة ليس بين دول العالم ودول المنطقة العربية، لكن أصبح يعاني من فجوة كبيرة بين الدول العربية بعضها البعض، حيث أصبحت هناك مجموعة من الدول تقفز بخطوات سريعة نحو المستقبل التكنولوجي الرقمي، وتوجد لها مكانة حقيقية في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم حاليًا، بينما لاتزال هناك مجموعة من الدول العربية (وهي الغالبية العظمى) لاتزال تبحث عن كيفية تضمين التكنولوجيا والتحول الرقمي وآليات الذكاء الاصطناعي في مسيرة تقدمها، الأمر الذي يتطلب وجود رؤى وإستراتيجيات تتبناها الأنظمة بتلك الدول بصورة حقيقية وسريعة؛ لأن من لن يستخدم التكنولوجيا الرقمية في الوقت الحالي، لن يجد له مكانًا في المستقبل القريب.