نظرت بعض الدول العربية باهتمام كبير لجهود جديدة ومتجددة لتطوير القواعد الوطنية التكنولوجية والصناعات العسكرية،([1]) حيث شهدت السنوات الخمس الماضية تغيرات هائلة في مجال توطين الصناعات العسكرية في بعض الدول العربية، ففي الوقت الذي نقلت فيه مصر مصانعها وأعادت تنظيمها، أعادت السعودية والإمارات توجيه طموحاتهما للصناعات العسكرية، وتنطوي هذه التغييرات على علاقات جديدة مع موردي الدفاع، حيث انتقلت الدول العربية التي كانت في السابق بمثابة عملاء إلى مصنّعين للأسلحة في حد ذاتها، لتشكّل أيضًا تغييرًا استراتيجيًا متحركًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.([2])
وإلى جانب ذلك، هناك أيضًا محاولات من قبل بعض دول المنطقة العربية، ما تزال تتلمس طريقها للانطلاق في هذا المسار، حيث تسعى أيضًا كل من المغرب والجزائر إلى تطوير صناعة عسكرية محلية من خلال تأسيس قاعدة صناعية دفاعية، بهدف تقليص اللجوء إلى الخارج لاقتناء الأسلحة، وهناك دعم سعودي قويّ للمغرب في مجال تصنيع أسلحة عسكرية محلية، من خلال اقتناء براءات تصنيع دفاعية، وتوفير يد خبيرة بالمجال، لأجل وضع حجر الأساس لصناعة عسكرية مغربية في عام 2019.
أولاً: واقع الصناعات العسكرية في المنطقة العربية
تاريخيًا بدأ التعاون في مجال الصناعات العسكرية العربية قبل أكثر من ثلاثة عقود في مشاريع مشتركة للإنتاج العسكري، تجلت بداياتها في الهيئة العربية للتصنيع الحربي في مصر التي اتخذت من مصر مقرًا لها، برأسمال 1,25 مليار دولار لتمويل الإنتاج المشترك،([3]) حيث تم إنشاء تسع شركات ولكل شركة مصنع خاص بها، وبعد ذلك شكلت كل من السعودية والعراق والكويت وقطر والإمارات مؤسسة عربية أخرى للإنتاج العسكري، اتخذت من الإمارات مقرًا لها برأس مال قدره 8 مليارات دولار،([4]) إلا أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح، واتجهت الدول العربية بعد ذلك كل على حدة، لتطوير قدراتها الذاتية.([5])
وإذا ما تطرقنا إلى أحدث تلك التجارب في الصناعات العسكرية في الوقت الراهن، نجد أن أبرزها في الدول التالية:
الإمارات:
البداية الحقيقية للصناعات العسكرية في الإمارات كانت في فبراير 2011، حين أعلنت خطة استراتيجية لبناء قاعدة صناعات عسكرية، بفتح المجال للشركات الوطنية للإنتاج العسكري، والاستفادة من تنظيم معرض أيديكس (العالمي) للصناعات الدفاعية على أرضها،([6]) وبرز ذلك في إنتاجها صاروخ “الطارق”، وهو أول صاروخ جو – أرض إماراتي، بشراكة مع جنوب إفريقيا،([7]) كما اقتحمت أبو ظبي صناعة الطائرات بدون طيار، منذ عام 2008، وأنتجت طائرات “يبهون يونايتد 40″، “يبهون سمارت آي 1″، “يبهون آر 2″، “يبهون آر”، “يبهون آر إكس”، “يبهون إتش”، و”يبهون سمارت آي”،([8]) كما أنتجت الإمارات عربة “جيس” العسكرية ذات الدفع الرباعي، والمدرعة “نمر”، وكذلك أنتجت مؤسسة الإمارات لتكنولوجيا الدفاع مدرعتها الجديدة “إنيجما”، كما تصنع الآلية N35 وهي آلية مصفحة متعددة الاستخدامات، وكذلك الآلية “SOV” وهي آلية المهام الخاصة من فئة “عجبان” ذات الدفع الرباعي.([9])
وهناك أيضًا شركة أبو ظبي لبناء السفن التي أُسست في عام 1996 كشركة مساهمة عامة إماراتية تعمل في بناء وإصلاح وترميم وصيانة وتطوير السفن الحربية التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي، وتشكل صناعة السفن الحربية ما نسبته 80% من إجمالي أعمال الشركة، إذ تتولى سنويًا إنجاز أكثر من 200 عملية إصلاح وصيانة للسفن الحربية المعقدة بطول يتجاوز 80 مترًا وعرض يفوق 20 مترًا، ويتركز معظمها في الأحواض الجافة، كما أنتجت الشركة السفينة الحربية المتعددة الأغراض “أبو ظبي كلاس”، والزورق الحربي “أبو ظبي مار”، والقوارب من طراز “إم آر تي بي 16” عالية السرعة، وكذلك بناء الزوارق الحربية من فئة RHIB بطول 10 أمتار، والسفن الحربية من طراز Corvettes بطول 72 مترا، ومن أهم صناعاتها “بينونة” إحدى أكبر الفرقاطات الحربية المزودة بمنظومة تسليح متقدمة ومتعددة المهام لإطلاق الصواريخ، وكذلك زوارق الإنزال البحري بطول 16 مترًا المصممة للإنزال البحري السريع للقوات والإمدادات، وقوارب القتال السريعة، وزوارق الاعتراض بطول 16 مترًا وتستخدم لحماية المنشآت والمرافق الحيوية، وسفن إنزال بطول 42 مترًا لنقل القوات والمركبات وتنفيذ عمليات الإنزال على الشواطئ حيث تستطيع نقل 136 جنديًا بكامل عتادهم، ويبلغ عرضها 10 أمتار ومداها 120 ميلاً بحريًا.([10])
وعلى الرغم من أن مصر كانت قد بدأت في ستينيات القرن الماضي محاولة اجتياز عتبة تكنولوجيا الفضاء بتصنيع صواريخ كان من الممكن تطويرها لتحمل أقمارًا صناعية إلى المدار، وذلك بدعم من بعض الخبراء الألمان الذين عملوا في هذا المجال، ولكن تلك التجربة تمَّ إجهاضها بالكامل،([11]) وفي ظل سعي الإمارات لتعزيز قدراتها في مجال الفضاء، تم توقيع اتفاقية بين القوات الجوية الإماراتية مع شركة ألينيا سبايس التابعة لشركة تاليس Thales Alenia Space الفرنسية في أغسطس 2014، لتطوير الحمولة البصرية ذات الدقة العالية جدًا لبرنامج “فالكون آي Falcon Eye” والذي سيطبق ضمن نطاق عمل ائتلاف تقوده شركة إيرباص للدفاع والفضاء Airbus Defense and Space وتتضمن الاتفاقية بناء قمرين اصطناعيين يوفران قدرات بصرية عالية الدقة بشكل كبير، ونظام أرضي لرصد الصور واستقبالها ومعالجتها، فضلاً عن برنامج تدريبي للمهندسين الإماراتيين الذين سيعملون ويتحكمون بالأقمار الاصطناعية عند دخولها المدار.([12])
وفي مجال أسلحة المشاة، أنتجت الإمارات بندقية “كاراكال”، بأشكالها المختلفة، وأنواع متعددة من المسدسات، وتصدّر منها إلى 15 دولة، وفي الوقت الحالي وصل عدد الشركات الإماراتية المحلية العاملة تحت مظلة مجلس الشركات الصناعية الدفاعية الوطنية بنهاية عام 2017 إلى 42 شركة تعمل في مختلف القطاعات الصناعية المتخصصة في الصناعات الدقيقة والدفاعية، فضلاً عن الشركات الصغيرة والمتوسطة وممثلي القطاع الخاص المحلي،([13]) كما تسعى الإمارات للحصول على التقنيات العالية التي توفرها روسيا لصناعة المدفع الآلي الذاتي الحركة “أي أو 220 ام” من عيار 57 ملليمتر، والقادر على تدمير الأهداف الجوية والبحرية بغية تركيبه على مدرعتها الجديدة “إنيجما”.
والأهم من كل ذلك، تنظر الإمارات إلى صناعات التسلّح بأنها أدوات لتحقيق اكتفاء ذاتي أكبر في المدى الطويل بدلاً من الاعتماد على مصدّري الأسلحة مثل الولايات المتحدة للحصول على المعدات العسكرية، هذا إلى جانب أن العائد الاقتصادي المادي يُعد غاية استراتيجية حرصت دول الخليج على الاستفادة منها، فكانت المعارض الخليجية العسكرية أحد البوابات المهمة للتعريف بالمنتج الخليجي، فشهد إقبالاً عالميًا، حيث عقدت العديد من الصفقات التجارية والشراكات الاستثمارية في مجال التصنيع العسكري، لبناء سفن صواريخ وتطوير وتحديث ناقلات للجنود وتحويلها إلى زوارق قتالية وزوارق مدفعية، مثلما حدث مع شركة أبو ظبي لبناء السفن في عام 2009.([14])
الجزائر:
تعمل الجزائر منذ فترة على إنتاج معدات عسكرية وقتالية محلية الصنع، في إطار سياسة بدأت منذ أعوام، من أجل تحقيق اكتفاء ذاتي وتقليص النفقات الدفاعية من جهة، والتحول إلى بلد مصدر للسلاح من جهة أخرى، حيث تخصص الجزائر بعض نفقاتها العسكرية لبناء وتطوير مشاريع صناعية عسكرية، غير أن الصناعة العسكرية للجزائر، التي تتكون من سبعة شركات عمومية تابعة للدولة، تبقى عمومًا متواضعة من حيث الحجم، وأغلبها تتخصص في صناعة الذخائر الحربية، والأسلحة الصغيرة، والقنابل اليدوية، والسفن الدورية، والطائرات المروحية الخفيفة، والمركبات المدرعة، والمركبات الثقيلة الخاصة بتقديم الخدمات اللوجستية، هذا بالإضافة إلى كون الصناعة المحلية تتمتع أيضًا بقدرات إصلاح وصيانة بعض المنشآت العسكرية البرية والبحرية.([15])
وقد بدأت الجزائر أولى خطواتها الفعلية في هذا الاتجاه، بإعلان وزارة الدفاع الجزائرية عام 2012، عن مشاريع مشتركة بين الجزائر وألمانيا تسمح بحصولها على تكنولوجيا تتعلق بالكشف بالرادار والاتصالات التكتيكية ومعدات المراقبة الليلية، ومشروع آخر بدأ في أواخر عام 2013، بإنشاء مصنع مشترك بين الجزائر وألمانيا لصناعة الأجهزة الإلكترونية، كما كشفت وزارة الدفاع الجزائرية في نفس العام عن مشاريع لإنتاج السيارات الثقيلة رباعية الدفع لتغطية احتياجات الجيش، وكذلك إقامة قاعدة للمنظومات الإلكترونية للدفاع، ومن بين هذه المشاريع الشراكة بين وزارة الدفاع الجزائرية وشركة “توازن” الإماراتية، بخطوط إنتاج في مصنع بمحافظة “خنشلة” في ديسمبر 2014 لإنتاج السيارات العسكرية ذات الدفع الرباعي “نمر”، والذي أنتج نحو 40 ألفًا من هذا النوع حتى يناير 2018، مع توجيه 25% من الإنتاج إلى التصدير لدول إفريقية، كما صدرت الجزائر سيارات ذات دفع رباعي مصنوعة محليًا من طراز “سوناكوم كي 120” للإمارات.([16])
وفي أغسطس 2016 وقّعت وزارة الدفاع الجزائرية على اتفاق شراكة صناعية مع مجموعة “ليوناردو – فين ميكانيكا” الإيطالية يتضمن إنتاج طائرات مروحية من طراز “أوغوستا واسلاند” بمحافظة سطيف شرق العاصمة الجزائرية، حيث نص الاتفاق على إنتاج الطائرات المروحية الخفيفة والمتوسطة متعددة الاستخدامات، منها الموجّهة لنقل الأفراد والشحن والإخلاء الصحي والكشف والمراقبة، يضاف إلى هذا مصنع مشترك جزائري – جنوب إفريقي لإنتاج وتطوير طائرات بدون طيار بدأ عام 2016 في إنتاج نوعين من هذه الطائرات المقذوفة يدويًا والمتوسطة المدى.([17])
السعودية:
رغم أن السعودية تعتبر من أكبر خمس دول إنفاقًا على الأمن والدفاع على مستوى العالم، إلا أن الإنفاق الداخلي لا يتعدى اليوم نسبة 2% من ذلك الإنفاق، علمًا أن تقريرًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) قدر موازنة الإنفاق العسكري للمملكة في عام 2016 بنحو 63,7 مليار دولار، هذا في حين أن دولًا كإيران وإسرائيل وتركيا تنفق أقل بكثير وتقع في مراحل متقدمة، وهو ما استدعى السعودية للتوجه إلى توطين الصناعات العسكرية، بالاتفاق مع شركات عالمية على إنشاء خطوط إنتاج لها في السعودية، بحيث يكون ما تستهلكه السعودية من أسلحة مصنّعًا محليًا بنسبة 50% في عام 2030،([18]) كذلك اعتمدت السعودية استراتيجية استغلال عقود مشترياتها من السلاح بوضع شروط لاستثمار (25 – 35%) من قيمة هذه الاتفاقيات لنقل التقنية، والتأسيس لصناعات عسكرية وإلكترونية متقدمة محليًا، ومن خلال عدة شراكات محلية ودولية تم تأسيس شركة للإلكترونيات المتقدمة، وشركة للطائرات، ومصنع لأنظمة الأهداف المتحركة، وشركة لصيانة وتشغيل وتحديث المعدات العسكرية والمدنية، والتأسيس لصناعات الفضاء وتصنيع الأقمار بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.([19])
أما لجهة التأثير الاقتصادي، فيُشكل انعدام الضريبة في السعودية وامتلاكها القدرة البشرية والمواد الأولية التي تدخل في الصناعة العسكرية، كالمواد البتروكيماوية والمعدنية مثل الحديد والألومنيوم والمطاط والبنية التحتية، عوامل تغري الشركات الأجنبية للاستثمار والشراكة مع الحكومة السعودية في فتح المصانع الحربية،([20]) ورغم ذلك، فإن التجربة السعودية لا تزال في طور التكوين ولم تحقق شيئًا كبيرًا على الأرض، رغم بعض النتائج كإنتاج الطائرة بدون طيار “لونا”، المقلدة من الطائرة الألمانية التي تحمل الاسم نفسه، كما وقعت السعودية اتفاقيات عسكرية مع الولايات المتحدة، بلغت قيمتها نحو 350 مليار دولار، من ضمنها مذكرات تفاهم مع وزارة الدفاع والطيران السعودية، وشركة “بوينج “Boeing، و”جنرال داينامكس للأنظمة الأرضية General Dynamics Land Systems”، و”أي تي تي ITT”، و”لوكهيد مارتن “Lockheed Martin، و”نورثروب جرومان Northrop Grumman”، أما بالنسبة إلى شركة “راثيون Raytheon”، فهي تسعى لإنشاء مركز في السعودية بغرض إنتاج أنظمة الدفاع الجوي، والقنابل الذكية، والذخائر الموجهة، وأنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والكمبيوتر C4، وشركة “تاليس Thales”، بالإضافة إلى القوات الجوية والبرية والبحرية الأمريكية.([21])
مصر:
في الوقت الراهن تمتلك مصر نحو (26) مصنعًا للصناعات العسكرية، منها (9) تتبع الهيئة العربية للتصنيع، والباقي مملوك لوزارة الإنتاج الحربي، وتتبع الوزارة مجموعة من المعاهد والمراكز البحثية، ويبلغ عدد العاملين في تلك المصانع نحو 40 ألف عامل، وتتم عمليات تطوير الأسلحة المصرية بالتعاون مع عدد من الدول المتقدمة في هذا المجال، كالولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، والصين، وجنوب أفريقيا، وفرنسا، هذا في حين تركز الصناعات العسكرية المصرية على الإيفاء باحتياجات القوات المسلحة المصرية من الذخائر والمعدات العسكرية،([22]) وقد تم استثمار نحو 4,8 مليار جنيه مصري في أعمال البنية الأساسية لمصانع الإنتاج الحربي وإعادة تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في المصانع الحربية بين عامي 2006 – 2011.([23])
واستطاعت هذه المصانع إنتاج أنواع عديدة من الطائرات العسكرية، كالطائرة الهجومية الخفيفة “ألفا جيت”، وطائرة التدريب K8-E، وطائرة التدريب توكانو، بالإضافة إلى المروحية الهجومية الخفيفة إيروسباسيال غازيل، والطائرة الهدفية سهم1، وطائرة التدريب الابتدائي (جمهورية)، وفي عام 2013، أعلنت الهيئة العربية للتصنيع بدء إنتاج الطائرة الموجهة بدون طيار UAV، بالتعاون مع الصين، وأنتجت مصر 59% من مكوناتها،([24]) كما وقعت مصر في عام 2015 مع وزارة الدفاع الأمريكية عقدًا للتعاون بين شركة “بي آي إي سيستمز” BAE Systems وإحدى المصانع العسكرية المصرية لبناء أجهزة رادار لطائرات الشحن العسكرية، بالتعاون مع شركاء تنسيقيين في الإنتاج من أستراليا وكندا والنرويج وبولندا وكوريا الجنوبية.([25])
وفي مجال المدرعات والمدفعية، تتميز مصر بقدراتها على الصناعة المحلية للمركبات المدرعة، حيث باتت من الدول العربية الرائدة في صناعة المدرعات مصرية المنشأ، حيث تنتج مصر نحو 90% من الدبابة الأمريكية الأصل أبرامز M1A1 بدعم مادي من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر،([26]) كما بدأت مصر بتحويل دبابات M1A1 إلى النسخة الأحدث M1A2 ودبابات النجدة M88a2 هرقل في عام 2015،([27]) كما تنتج هذه المصانع أيضًا أنواعًا مختلفة من المدفعية والأجهزة اللازمة لتشغيلها، بالإضافة إلى ناقلة الجنود المدرعة “فهد 240″، والمدرعة القتالية “فهد 240/30″، والمدرعة “قادر”، والعربة المصفحة مرسيدس G 320، وسيارة القتال الخفيفة تايجر، والمركبة العسكرية جيب TJL، والمركبة العسكرية جيب J8، والمدرعة تمساح النسخة الأولية، المدرعة تمساح (1) المُطورة، المدرعة تمساح (2) المُطورة، المدرعة بانثيرا Panthera T6، المركبة Panthera T6.([28])
ومن جهة أخرى، تقوم شركة المعادي بإنتاج الأسلحة الخفيفة مثل النسخة المصرية من بندقية AK-47، وتتولى شركة حلوان للآلات الميكانيكية والصناعات العسكرية المتخصصة إنتاج مدافع الهاون الخاصة بالجيش وقاذفات الصواريخ، وتقوم شركة هليوبوليس المتخصصة بإنتاج الرؤوس الحربية للصواريخ، كما تنتج شركة بنها أجهزة الاتصالات العسكرية، وهناك جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة ويتبعه مصنع البصريات وترسانة الإسكندرية.([29])
ولجهة التأثير الاقتصادي، نجحت مصر في الحصول على تكنولوجيا أجنبية عبر شراكاتها مع شركات الدفاع الأجنبية، وإنتاجاتها المشتركة إلى توليد عقود تصدير ذات شأن تتضمّن فوائض، وأنظمة تُعدّل أهدافها لصالح دول أخرى، كذلك ازدادت بشكل ملموس خلال عام 2014 طلبات نقل التكنولوجيا التي طوعتها مصر لإنتاج أسلحة حديثة، مما عكس رؤية مصرية لجهة توسيع صادرات الأسلحة التي تحتوي على تكنولوجيا متقدمة، بما في ذلك بيع دبابات مطورة من طراز M1A1 للعراق، وذخائر للسعودية، ودعم تقني لترسانة تركيا من صواريخ “هوك”،([30]) مما أعطى ميزة تنافسية ضاعفت مصر من خلالها جهودها لإبرام اتفاقات إنتاج مشترك مع شركات دفاع أجنبية، الأمر الذي لم يعنِ فقط توفير فرص أفضل لصادرات مستقبلية، بل أيضًا الحصول على مداخل إلى تكنولوجيات جديدة ومواقع تجارية محتملة في صناعات عسكرية ضخمة، فعلى سبيل المثال، قدمت شركة جنوب أفريقية وشركات أوروبية عروضًا للهيئة العربية للتصنيع لإنتاج مركبة مدرعة سداسية الدفع (6×6) كتطوير أعلى للمدرعة “فهد” ذات قدرات مُحسّنة منها القدرة البرمائية، واشترطت الهيئة العربية للتصنيع على الشركات تقديم نماذج من منتجاتها في مصر ليتم تجربتها وعرض قدراتها، وفي حال حازت القبول سيتم توقيع اتفاقية التصنيع المشترك، الأمر الذي يُعدّ هدفًا للجانب المصري حيث تجري الدراسات الحالية في إدارة البحوث للهيئة العربية للتصنيع.([31])
وفي 11 فبراير 2011 أعادت البحرية المصرية التفاوض حول عقد بقيمة 13 مليون دولار مع شركة “سويفتشيب Swiftship” سبق أن وُقِّع في العام 2008، ونص العقد المعدَّل، الذي زادت كلفته بنحو 20 مليون دولار لسفن الدورية الأربع نفسها التي وردت في العقد الأصلي، على أن يشارك حوض مصري لبناء السفن في تجميع هذه السفن وإنتاجها، وتضمّن أيضًا نقل التكنولوجيا، وبناء منشآت جديدة، واستيراد معدات جديدة، وعقودًا طويلة الأمد لقطع الغيار والتصليحات، وتدريبًا جديدًا للعنصر البشري، وفي سبتمبر 2011، وقّعت الشركة التركية Yonca Onuk JV اتفاقًا مع مصر لصنع ستّ سفن مسلّحة للتدخّل السريع من طراز .MRTP-20 في الحوض البحري التابع للقوات المسلحة المصرية في الإسكندرية،([32]) وبذلك تزايدت في نهاية المطاف جاذبية الصناعات العسكرية المصرية كشريك لشركات الدفاع الأجنبية.
وبذلك تتلخص أهم الصناعات العسكرية المصرية، في: إنتاج خزانات الأسلحة الخفيفة، الذخيرة الثقيلة، مدافع الهاون، الألغام، القنابل اليدوية، الصواريخ المضادة للدبابات، محركات الصواريخ، المسدسات ومن ضمنها ترخيص بصناعة مسدس Beretta، طائرات التدريب النفاثة ALPHA JET ومحركاتها، طائرة التدريب المروحية التوربينية TUCANO، طائرات التدريب الصينية الأصل K8E، وكذلك ناقلات الجند المدرعة، معدات الاتصالات الأرضية والجوية، مروحيات Gazelle ومحركاتها، راجمات الصواريخ، الطائرة المقاتلة القاهرة 300، صواريخ RPG نسخة الفاتح 1 والفاتح 2، مقطورة نقل المعدات العسكرية العملاقة اوشكوش، المدفع المقطور عيار 155 ملم، المدفع الثنائي الفوهة المضاد للطائرات عيار 23 ميليمتر، مدفع الميدان 130 ملليمترًا، مركبة نقل الجند القتالية المصرية SIFV و EIFV، مدافع الهاوتزر 122 ملليمترًا دي 30، وماسورة الدبابة تي 55 وتي 62.([33])
المغرب:
لجأ المغرب إلى استيراد كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة من دول أخرى لتزويد قواته المسلحة بمختلف وحداتها، بعد أن كان وإلى عهد قريب يعتمد على نفسه في تصنيع السلاح العسكري والذخيرة الحربية، بل وكان يصدر بعض هذه الأسلحة إلى بلدان القارة الأفريقية، واليوم يعتبر المغرب ثاني أكبر مستورد للسلاح في القارة الأفريقية، حيث تبلغ نسبة مشترياته وحدها ما يربو على 15% من الترسانة العسكرية التي تشتريها جلّ دول القارة مجتمعة، ومؤخرًا بدأ المغرب العمل على الدفع بالاستثمارات في مجال صناعة الأسلحة خلال السنوات القادمة،([34]) وتخصص المغرب ما بين 3% إلى 4% من الناتج الوطني الإجمالي لنفقاته العسكرية أي ما يعادل 11% إلى 13% من حجم النفقات الحكومية العامة، وفي السنوات الخمس الأخيرة أخذ الإنفاق العسكري في المغرب يتطور بوتيرة متسارعة ومرتفعة حتى وصل في عام 2014 إلى أكثر من 4 مليارات دولار،([35]) وتسعى الإدارة الاقتصادية داخل المغرب إلى رفع حصة الصناعة إلى 24% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغبة منه في خفض تكاليف اقتناء الأسلحة من الخارج، وقّع المغرب في عام 2012 اتفاقًا مع الشركة البلجيكية “ميكار” المتخصصة في تصنيع السلاح والذخيرة، تتعهد بموجبه هذه الأخيرة بتقديم الخبرة التقنية والمساعدة الفنية اللازمة ونقل التكنولوجيا الخاصة بتصنيع الذخائر ومختلف أصناف الأعيرة النارية المعترف بها من طرف الجيش البلجيكي ومنظمة حلف الناتو، ومن أجل تسهيل النشاط الصناعي الذي ستقوم به شركة ميكار في المغرب، تم تأسيس شركة MCR Technology Maroc S.A لتنفيذ برامج التصنيع العسكري تحت إشراف شركة ميكار ومجموعة شيمرينج البريطانية، ويُعد هذا الاتفاق الأول من نوعه الذي وقعه المغرب مع هذه الشركة البلجيكية، كما أجرى المغرب اتصالات أخرى وقام بإرسال وفود عسكرية إلى عدة دول مصنعة للأسلحة كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا بالإضافة إلى الإمارات والسعودية، في إطار سعيه نحو الشروع في برامج التصنيع الحربي وبناء معامل لصناعة الذخائر والأسلحة الخفيفة.([36])
كما وقع المغرب في مايو 2016، اتفاقية مع الصين بشأن التعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والصناعات الدفاعية، وكذلك أبرم اتفاقية تهدف إلى التعاون العسكري والتقني مع الإمارات للمساهمة في نقل التكنولوجيا والخبرة في مجالات التصنيع العسكري والفني، بالإضافة إلى تبادل الخبرات العسكرية في مجالات أخرى بين البلدين،([37]) وبالرغم من العقبات والصعوبات التي تعترض سعي المغرب نحو النهوض بالتصنيع العسكري، فإن المغرب أخذ يتطلع بجدية نحو بناء وإرساء صناعة عسكرية محلية بخبرة تقنية غربية ومساعدة مالية خليجية، ويرتبط بكبريات الدول والشركات المنتجة والمصنعة للأسلحة في العالم، الأوروبية منها والأمريكية، ولعل من مقومات نجاح هذا المشروع الصناعي العسكري الناشئ وجود كفاءات وخبرات علمية وتقنية عالية وبنيات إنتاجية وصناعية هامة قادرة على احتضان وحدات إنتاج عسكرية واعدة في البلاد.
وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن لدى الأردن والسودان وقطر وعمان برامج ولكنها ليست في مستوى النماذج المذكورة سابقًا، وتتركز أغلبها على صناعة الذخائر والأسلحة الخفيفة والصواريخ المحمولة على الكتف، والعربات المدرعة، حيث إن قطر والأردن بدا أن لديها الرغبة في خوض تلك التجربة، ووقعت عددًا من الاتفاقيات مع شركات عالمية للتشارك في برامج تصنيع محدودة، فعلى سبيل المثال، أعلنت الأردن في أواخر أكتوبر 2003 نجاحها في تجميع طائرة استطلاع طراز (سيبرد سيكر) بمساعدة أستراليا، بحيث أصبحت الأردن أول دولة عربية تدخل هذا المجال، وقامت الطائرة في الفترة المذكورة بأول رحلة لها فوق العاصمة عمان لمدة 20 دقيقة.
ثانياً: المردود السياسي والاقتصادي للصناعات العسكرية
أضحت العديد من دول الشرق الأوسط تُعيد بناء قدراتها الدفاعية تلبية لاحتياجاتها للتخلص من التبعية الخارجية فضلاً عن استقلال قرارها الداخلي، ما تجلى في زيادة الصناعات الدفاعية وتناميها في كثير من دول الإقليم، مع العلم أنها لم تكن وليدة اللحظة لكنها نتاج تراكم الخبرات والتفاعلات الدولية في سياق المتغيرات الإقليمية والدولية التي دفعت إلى انتهاج هذه السياسة، ويمكن إجمال المردود السياسي والاقتصادي لهذه الصناعات فيما يلي:([38])
- استقلالية القرار السياسي: اقترنت قدرة الدولة في الدفاع عن نفسها والتصدي للتهديدات الأمنية بكفاءة وفعالية، بقدراتها على الحفاظ على استقلال قرارها السياسي بمنأى عن التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، فضلًا عن قدراتها في لعب دور أكثر فعالية في إدارة ملفاتها الخارجية بما يعزز مصالحها الوطنية، وهو ما تجلى في النموذج الإيراني الذي استطاع من خلال تنامي صناعاته الدفاعية إجبار الدول الغربية على التفاوض معه حول برنامجه النووي بما يحقق توافقًا للمصالح بين الطرفين.
- توسع السياسة الخارجية: أصبحت الدول تتنافس على نشر نفوذها في محيطها الإقليمي والدولي من خلال إبرام الصفقات في مجال العسكري والدفاعي، علاوة على إنشاء قواعد عسكرية تدعم تمددها الخارجي، كما أنها تفرض نفسها كمورد للأسلحة، وتجسد ذلك في النموذج التركي الذي انتهج سياسة خارجية نشطة تعتمد على القوة الذكية التي تجمع بين القوة الناعمة والقوة الصلبة كأساس فعال لتنامي الدور التركي في الكثير من الملفات الإقليمية.
- تعزيز المكانة الإقليمية والدولية: أدركت العديد من الدول في الشرق الأوسط ضرورة الاعتماد على نفسها في تلبية احتياجاتها الدفاعية والاقتصادية التي تتجسد في الاكتفاء الذاتي على المستوى الاقتصادي والعسكري فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية التي تساهم في تعزيز مكانتها على المستوى الإقليمي والدولي.
- التخلص من الضغوط الخارجية: تحاول الدول سد احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة والمعدات والذخائر والمركبات القتالية لتقليل الاعتماد على الخارج كما لا تستخدمه أحد الدول كورقة ضغط ضدها، وتجلى ذلك في امتناع فرنسا عام 1967، عن إمداد إسرائيل بقطع غيار المقاتلات من طراز “ميراج” ما دفع إسرائيل إلى الاعتماد على ذاتها في توفير هذه المقاتلات وقامت ببناء المصانع الخاصة بتصنيعها تحت اسم المقاتلة “كفتر” فضلاً عن تصديرها لعدد من الدول الآسيوية مثل إندونيسيا.
- نمط التحالفات في الإقليم: شهد إقليم الشرق الأوسط تراجعًا كبيرًا للدول العربية القيادية في مقابل تقدم الكثير من الدول غير العربية ومحاولتها المضنية في ريادة الإقليم من خلال تدخلها بشكل مباشر في أزمات الشرق الأوسط التي أضحت أكثر تعقيدًا مبررةً ذلك في حماية أمنها القومي من الفوضى وعدم الاستقرار الناتج من الجوار الإقليمي الأمر الذي انعكس على طبيعة التحالفات التي امتزجت بالبعد الديني والطائفي والبراجماتي، علاوة على دعم الفاعلين من غير الدول، والذي تمثل في تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والتوافق الإيراني التركي حول إدارة الأزمة السورية.
ومن جهة أخرى، فلا يقتصر تأثير الصناعات العسكرية على تلبية الاحتياجات الدفاعية التي تحتاج إليها الدول ودعم استقلالية القرارات الوطنية السياسية، بل إنها إضافة إلى ذلك تلعب دورًا محوريًا في التنمية والنشاط الاقتصادي، وتزداد أهميتها إذا أضيفت لها الصناعات الفضائية التي طورها بعض الدول حقيقة لضمان التفوق العسكري أو اللحاق بالدول المتقدمة عسكريًا، بشرط اعتمادها على أسس مدروسة تساهم في تطوير هيكل الاقتصاد القومي وتعززه، ويترتب على توطين الصناعات العسكرية في الوطن العربي، وأيضًا لغرض استخدامها كأداة للتنويع الصناعي وخلق القيمة المضافة للاقتصاد القومي، العديد من الآثار الاقتصادية، لعل أهمها:([39])
- آلية لإيجاد فرص عمل أكبر عن طريق تخصيص موارد الدولة في بناء بنية تحتية أساسية لاستيعاب وتشغيل أعداد كبيرة من القوى العاملة بمؤهلات تعليمية منخفضة، بدلاً من الاعتماد على الاستيراد.
- الاستفادة من الخامات المحلية المتوفرة بكثرة وخاصةً التي لا تحتاج إلى صناعات وسيطة.
- المرونة في الانتشار بمختلف المناطق خاصة التي يتوفر بها خدمات أولية بما يؤدي إلى تحقيق التنمية المتوازنة بين الداخل والخارج، ويؤدي إلى نمو مجتمعات إنتاجية جديدة محلية.
- المرونة في الإنتاج والقدرة على تقديم منتجات وفق احتياجات وطلب المستهلك، لأن المنتج المحلي أكثر خبرة من المنتج الأجنبي باحتياجات أفراد مجتمعه.
- ضرورة تسخير الموارد الوطنية في إقامة عدد كبير من الصناعات بحجة جعل الاقتصاد الوطني متوازنًا ووقايته من حالة الكساد التي قد تحدث في الصناعة الواحدة أو الصناعات القليلة التي تتخصص فيها الدول.
- كما تستطيع هذه الصناعات أن تلعب دورًا في الأمن الوطني من خلال التخصص في الصناعة عند نشوب حرب ما تفرض على البلدان الاحتفاظ ببعض القدرات الإنتاجية لتلك المنتجات التي تسمح لها في حالة وقوع نزاع مع الخارج بنوع من الاكتفاء الذاتي حتى تستطيع حماية استقلالها.
وفي الواقع أنه لكي تنشأ صناعة إنتاج عسكري عربي (على الصعيد القومي) فلابد من بناء خاص بها، أو نظام خاص تقوم على أساسه، وهذا النظام ليس التشغيل أو ما يطلق عليه الإنتاج، وإنما يجب أن تكون هناك مراحل متعددة متدرجة من أجل الوصول إلى إنتاج عسكري عربي، وهذه المراحل هي:([40])
- المرحلة الأولى: هي مرحلة تجميع الأسلحة والمعدات والأجزاء المستوردة.
- المرحلة الثانية: هي مرحلة تجميع بين الاستيراد والتجميع الجزئي، وتعني تدرج التصنيع وتعميق نسبة التصنيع المحلي تدريجيًا، ويتم ذلك باستيراد بعض المكوّنات والتصنيع المحلي لأجزاء أخرى، ثم يتم التجميع النهائي والتفتيش والاختبار.
- المرحلة الثالثة: وهي المرحلة التي تصل فيها الصناعة العسكرية إلى القدرة على إنتاج أنظمة كاملة للسلاح، وقد يستمر خلال هذه الفترة أو المرحلة، استيراد بعض المستلزمات والمكونات من الخارج، إلاّ أن ذلك يعني استمرار الاعتماد على الدولة المصدرة.
- المرحلة الرابعة: وهي المرحلة التي ترتبط بزيادة الإمكانات للوصول إلى التعديل والتقويم والإضافة. وقد يتم في هذه المرحلة إعادة تخطيط التكنولوجيا بعد إضافة تعديلات تصميمية وتكنولوجية مناسبة.
- المرحلة الخامسة: وهي المرحلة التي يتم فيها التصنيع ذاتيًا (البحث والتصميم ثم الإنتاج)، ومن الطبيعي أن يكون ذلك أكثر يُسرًا في الأسلحة والمعدات العسكرية التي لا تحتاج إلى تكنولوجيا متعددة، ومن المعتاد في هذه المرحلة الاعتماد على إمكانات التصنيع المحلية في الإنتاج.
ثالثاً: التحديات والمعوقات التي تواجه الصناعات العسكرية في المنطقة العربية
خلال سنوات الحرب الباردة، أُعيقت جهود جادة لإنتاج الأسلحة، لكن منذ حرب الخليج عام 1991، التي تميزت بشكل خاص بفعالية الذخائر الموجهة (PGMs)، جعلت الدول العربية تُعيد النظر في دوافعها لتصبح منتجة للأسلحة، جنبًا إلى جنب مع عولمة سلاسل التوريد، والفوائد الدفاعية والتكنولوجية، والقاعدة الصناعية الناشئة والتكاليف، حيث رفعت مصر إنتاجها من دبابات القتال الأمريكية الرئيسية (MBTs)، وبدأت السعودية في إنتاج مكونات الطيران، كما حصلت الإمارات العربية المتحدة على أنظمة جوية غير مأهولة من جنوب إفريقيا لبدء نقل التكنولوجيا، وفي العام 2015 كشفت السعودية عن أول طائرة مشتركة ذات إنتاج كبير، علاوة على ذلك قامت الإمارات العربية المتحدة بتصدير الطائرات بدون طيار إلى روسيا.([41])
وبرغم نجاح عدد لا بأس به من الصناعات العسكرية العربية بسد الاحتياجات الذاتية لقواتها المسلحة ونقل التكنولوجيا الغربية في أحيان أخرى إلى تلك البلدان عبر مشاريع “توازن” الإماراتية أو ما يعرف بـ “الأوفست” السعودية، واستيعاب عدد كاف من الأيدي العاملة التي انخرطت في تلك الورش والصناعات، وإقامة مراكز الأبحاث المتخصصة بتطوير ما لديها من أسلحة، وتقديم الحلول المطلوبة لمواجهة التحديات.
إلا أنه يوجد حد بين طموحات الصناعات العسكرية العربية في الانتشار والازدهار والتصدير وبين الواقع الممكن، إذ لا تتوفر لها الإمكانات المادية الضخمة التي تتوفر لمنافستها الغربية أو الشرقية أو الأسيوية، ولا الخبرة الفنية اللازمة والأسواق، بالإضافة إلى حداثة تجربتها وتطلعها للعمل مع شركات عالمية، وعدم تبادل الخبرات مع نظيرتها العربية إذ تقتصر العلاقة في أكثر الأحيان على أسس تنافسية أكثر منها تعاونية.
وهناك تحديات كثيرة تقف في سبيل الصناعات العسكرية في الأقطار العربية، وهي تحديات يُمكن تجاوزها إذا ما اشتركت تلك الأقطار كلها أو بعضها في السعي إلى تجاوزها، وذلك بتخصيص كل قطر عربي بقدرة محددة يستطيع تقديمها أو توفيرها في إطار جهد جماعي منظم، ومن هذه التحديات التي تبدو في مجملها “قطرية”، ما يلي:([42])
- ضيق القاعدة العلمية، وتدنّي الوعي الثقافي والعلمي، ومحدودية التقانات العسكرية: تحتاج صناعات الأسلحة إلى طاقات بشرية هائلة متنوعة في التخصصات، تشمل خبراء الرياضيات التطبيقية، والإلكترونات، وهندسة الطيران، والكهرباء، والميكانيكا، والفيزياء النووية، والكيمياء، وغير ذلك من الفروع المتعلقة بمجال صناعة الأسلحة، وهو الأمر الذي تفتقده بلدان المنطقة العربية نتيجة واقع التعليم والتدريب المنخفض، بالإضافة إلى هزالة البحث العلمي في الوطن العربي كمًّا وكيفًا.
- العجز عن توفير المال اللازم (تسهيلات ائتمانية، أو قروض، إلخ)، لاستيراد الآلات والمعدات اللازمة للتصنيع الحربي، فمصنع المدفعية مثلاً يحتاج في مرحلة التأسيس إلى مليار دولار، ومصنع الدبابات إلى مليارين، أما مصنع الطائرات فحاجته أكبر من ذلك، وترتفع هذه الأرقام كثيرًا بشأن مصانع التقنيات الرفيعة.
- تنافس المنتجات الحربية نظرًا إلى تماثلها في بعض الدول العربية، وذلك عائد إلى قطرية التصنيع الحربي، وما تمثله الهوة الواسعة التي تفرق بين البلدان العظمى، وبلدان العالم الثالث، على مستوى التقنية العسكرية، من مصدر إحباط لكافة المشاريع البدائية في إنتاج الأسلحة، حيث يصبح محكومًا عليها بالفشل مسبقًا، الأمر الذي أدى إلى تفضيل البلدان العربية الاعتماد على استيراد الأسلحة الحديثة، بدل المخاطرة بالانخراط في مشاريع محكوم عليها سلفًا بمحدودية النجاح، أمام الأسلحة المتطورة التي تعرضها شركات الأسلحة العالمية.
- مقاومة الدول والشركات الكبرى المصنِّعة للأسلحة والأعتدة الحربية لكل مشروع عربي للتصنيع الحربي، إذ تسعى هذه الدول المتقدمة علميًا وتقنيًا وصناعيًا وشركاتها الكبرى أن تظل محتكرة السوق العربية لاستيراد الأسلحة والمعدات.
الخاتمة
بعد أن استعرضنا الواقع الحالي للصناعات العسكرية في بعض الدول العربية، والآثار المترتبة على توطين الصناعات العسكرية، وكذلك المعوقات التي تقف أمام تطورها، وإمكانية بذل الجهود واتباع الطريق الصحيح لتطوير الصناعات العسكرية العربية، وفائدة قيام تعاون علمي تكنولوجي للنهوض بالصناعات العربية المشتركة.
بقي أن نشير إلى أن تلك النجاحات التي حققتها وستحققها مستقبلاً باقي الدول العربية في مجال التصنيع العسكري، جعلت الاتحاد الأوروبي يقوم برصدها في دراسة قام بها معهد الدراسات الأمنية في باريس بعنوان “الصناعات الدفاعية في الدول العربية: لاعبون واستراتيجيات” في عام 2017، حيث أشار معدو هذه الدراسة بالقول “بين الدوافع الاستراتيجية والاقتصادية الرمزية لتصبح منتجي الأسلحة، تهتم الدول العربية باستخدام الصناعة المحلية لتكون قادرة على تفعيل قدرة الأسلحة التي تستوردها، ولا يُنظر إلى هذا فقط كوسيلة لتنويع اقتصاداتها، بل أيضًا كطريقة لتصبح أكثر استقلالاً عن البلدان التي تستورد منها الأسلحة عادةً، حيث تحاول تعزيز قدرتها على الاكتفاء الذاتي من خلال الدخول في شراكات طويلة الأجل، لكن من المستحيل تقريبًا أن تحقق الدول العربية أهدافها المعلنة لتحقيق الاستقلال في إنتاج الأسلحة، لكنها بدأت في إعادة ضبط وتحقيق أهداف أكثر واقعية لتعزيز قدراتها العسكرية، وربما تبذل دول كمصر ومجلس التعاون الخليجي لجهة تعزيز التعاون الإقليمي”.([43])
كما تنظر الدراسة إلى أن “حالات كمصر والسعودية والإمارات متميزة عن بعضها البعض، ففي حين أن مصر مدفوعة بالمصالح الاقتصادية، فإن انتشار الأسلحة المصرية هو نتيجة إستراتيجية مقصودة ومن المحتمل أن تستمر، خاصة إذا كانت بدايات العلاقات الصناعية الصينية – المصرية تتصاعد، وبالنسبة للسعودية فإن وجود طموحات مفرطة في الحماسة من قبل القدرات لتحقيقها هي مشكلة مزمنة، مشكلة تسببت بالفعل في الوصول إلى موردين غير غربيين لتنويع وارداتها العسكرية، ومن ناحية أخرى فلدى الإمارات طموحات مشابهة للسعودية، وعلى الرغم من حجمها الأصغر، فإن فرصها أكبر بكثير لتحقيقها، حيث إن الاستحواذ الإماراتي على الشركات الأجنبية والبصمة الإقليمية للمنصات الإماراتية تثبت أن الإمارات قد خطت خطوات متقدمة نحو تحقيق أهدافها”.
ووفق ذلك، بات لزامًا علينا أن نتطلع إلى إقامة تعاون أكثر من/مع الدول
العربية مما هو عليه الحال في المرحلة الراهنة، فإذا لم يكن هناك تعاون وتفهم في
الدوائر السياسية للدول العربية بضرورة إنتاج عسكري (قومي عربي) لخدمة الجيوش
العربية، فإن الموقف الحالي (القطري) الذي تُخطط فيه كل دولة عربية على حدة، وتنتج
على حدة، سوف يحدث ازدواجًا يؤدي إلى عدم وضوح الرؤية وعدم وجود السوق، ولذا فمن
المهم أن تحاول الدول العربية تفهم مدى مصلحتها في قيام إنتاج عسكري عربي، يتضمن
قدرًا كبيرًا من التعاون والتنسيق والتكامل، بحيث لا يكون هناك من يأخذ حق الثاني
في هذا المجال، وبدون ذلك ستظل الدول العربية كما هي، تستورد السلاح بأثمان باهظة
من الدول الصناعية الكبرى التي تحاول أن تفرض إرادتها على الدول المستوردة، مما
يوثر سلبًا على الأمن القومي العربي، والقدرة الدفاعية للأمة العربية.
([1])Florence Gaub and Zoe Stanley-Lockman, Defence Industries in Arab states: players and strategies, European Union Institute for Security Studies, Chaillot Paper No. 141, March 2017, p. 7.
([2]) Ibid., p. 7.
([3]) يزيد الصايغ، الصناعات العسكرية العربية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1996، ص22–25.
([4]) مازن فهيم، حرب الخليج وانعكاساتها السياسية والعقائد العسكرية المصرية، د.م.، مركز البحوث والدراسات السياسية، 1994، ص588–591.
([5]) عبد الجليل زيد المرهون، برامج التسلح في الخليج والجوار، بيروت، الدار العربية للعلوم، 2012، ص19.
([6]) زوي ستانلي لوكمان، آفاق الصناعة الدفاعية في الإمارات، مركز كارنيجي، 2 مايو 2017:
([7]) سارة الجابر، الصناعات العسكرية الإماراتية محط أنظار العديد من الدول، موقع الأمن الوطني العربي، 24 آذار/مارس 2017: http://nsaforum.com/activities/5110-2017-03-24-17-59-57
([8]) الصناعات العسكرية في الإمارات.. مؤشرات وأبعاد استراتيجية، مجلة درع الوطن، العدد 493، أبو ظبي، فبراير 2013، ص78.
([9]) أحدث الآليات في صفوف القوات المسلحة الإماراتية من إنتاج شركة نمر، موقع الأمن والدفاع العربي، 7 ديسمبر 2016: http://sdarabia.com/?p=41787
([10]) الصناعات العسكرية في الإمارات، مصدر سابق، ص80–81. انظر أيضًا: محمد نجيب، واقع وإمكانيات ومستقبل التصنيع العسكري العربي، موقع الأمن والدفاع العربي، 14 مارس 2011:
([11]) أحمد عبد العليم، مسبار الأمل: واقع ومستقبل علوم الفضاء في دولة الإمارات، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 7 مارس 2016:
([12]) توفر Thales Alenia Space إمكانيات الحمولة البصرية لبرنامج فالكون آي الإماراتي، موقع الأمن والدفاع العربي، 24 ديسمبر 2014: http://sdarabia.com/?p=20811
([13]) حاتم فاروق، 42 شركة في الصناعات الدفاعية الوطنية ونعمل على التنويع بعيدًا عن النفط، جريدة الاتحاد الإماراتية، 19 ديسمبر 2017.
([14]) للمزيد حول صناعة معارض ومؤتمرات الدفاع العربية، انظر: صناعة معارض ومؤتمرات الدفاع العربية تحت الضوء، موقع منتدى الأمن والدفاع العربي، 2 مارس 2012: http://sdarabia.com/?p=10114
([15]) التصنيع الحربي في شمال أفريقيا: هل يتوفر المغرب على صناعة عسكرية، موقع الأمن والدفاع العربي، 27 أكتوبر 2016: http://sdarabia.com/?p=39655
([16]) هل تنجح الجزائر في تثبيت أقدامها بقطاع الصناعات العسكرية، موقع هربي 21، 16 مارس 2017. http://arabi21.com/story/991767 وانظر أيضًا: أحمد عزيز، الجزائر تقتحم الصناعات العسكرية.. عين على النفقات وأخرى على التصدير، وكالة الأناضول، 16 مارس 2017:
([17]) هل تنجح الجزائر في تثبيت أقدامها بقطاع الصناعات العسكرية، مصدر سابق.
([18]) نايف الراجحي، نحو تعزيز القدرات الدفاعية السعودية وتوطين 50 في المائة من الإنفاق العسكري، جريدة الحياة، 17 أكتوبر 2017.
([19]) د. عبد الحفيظ عبد الرحيم، إصلاحات هيكلية كبرى تؤطرها رؤية سعودية شاملة على مستوى تطلعات العرب، مجلة آراء حول الخليج، العدد 116، جدة، فبراير 2017، ص58. انظر أيضًا: موقع وزارة الدفاع السعودية الإلكتروني. http://www.moda.gov.sa/pages/mindustry.aspx
([20]) عبد الجليل زيد المرهون، مصدر سابق، ص19.
([21]) محمد نجيب، مصدر سابق. انظر أيضًا: د. عبد الحفيظ عبد الرحيم، مصدر سابق، ص58. انظر أيضًا: موقع وزارة الدفاع السعودية الإلكتروني، مصدر سابق.
([22]) أحمد عبد الخالق، مساهمة فعالة للإنتاج الحربي في الخطط التنموية للدولة، جريدة الأهرام المسائي، 25 سبتمبر 2014.
([23]) محمد نجيب، مصدر سابق.
([24]) محمد حسين الشيخ، منها طائرات ودبابات: أبرز التجارب العربية في إنتاج الأسلحة، موقع رصيف 22، 17 يونيو 2017:
([25]) كل العقود هي من قاعدة بيانات وزارة الدفاع الأمريكية. www.defense.gov/contracts
([26]) محمد نجيب، مصدر سابق.
([27]) مصر تستأنف مراحل التشغيل لمصنع 200 الحربى لإنتاج وإصلاح المدرعات، موقع الأمن والدفاع العربي، 26 أكتوبر 2015. http://sdarabia.com/?p=25601
([28]) مصر أنتجت أكثر من 1900 مركبة قتال مدرعة “فهد” محليًا حتى اليوم، موقع الأمن والدفاع العربي، 13 ديسمبر 2017: http://sdarabia.com/?p=54911 وانظر أيضًا: تصنيع المركبات المدرعة في مصر: أبرز المشاريع، موقع الأمن والدفاع العربي، 31 يناير 2018: http://sdarabia.com/?p=56208
([29]) محمد نجيب، مصدر سابق.
([30]) شانا مارشال، القوات المسلحة المصرية وتجديد الإمبراطورية الاقتصادية، واشنطون، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، إبريل 2015، ص13.
([31]) شركات جنوب أفريقية وأوروبية تعرض على مصر الإنتاج المشترك لمركبة مدرعة، موقع الأمن والدفاع العربي، 11 يناير 2017: http://sdarabia.com/?p=43297
([32])Ipek Yezdani, Egypt Eyes to Buy Turkish Unmanned Aerial Vehicles, Hurriyet Daily News, 19 September 2011.
([33]) محمد نجيب، مصدر سابق.
([34]) المغرب والجزائر يتنافسان على أكبر ترسانة عسكرية في أفريقيا، موقع الأمن والدفاع العربي، 27 فبراير 2017: http://sdarabia.com/?p=45396
([35]) التصنيع الحربي في شمال أفريقيا، مصدر سابق.
([36]) نفس المصدر.
([37]) نفس المصدر.
([38]) أحمد جمال الدين عبد الفتاح، الصناعات العسكرية كمحرك للتنمية في العالم الثالث بين الطموحات والواقع، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، العدد 7، القاهرة، أبريل 1990، ص147–151.
([39]) ماهر أحمد وآية عبد العزيز، سباق التسلح .. تنامي الصناعات العسكرية والاقتصادية في الشرق الأوسط، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، 10 ديسمبر 2017.
([40]) أحمد جمال الدين عبد الفتاح، مصدر سابق، ص116–117.
([41]) Florence Gaub and Zoe Stanley-Lockman, op. cit., p. 7.
([42]) عبد الرزاق الدردري، التعاون العسكري العربي .. لماذا ؟ وكيف ؟، مجلة شؤون عربية، العدد 25، القاهرة، مارس 1983، ص 157–159.
([43]) Florence Gaub and Zoe Stanley-Lockman, op. cit., p. 7.