2018العدد 175دراسات

الأهداف الإستراتيجية للدول الأجنبية من إنشاء قواعد عسكرية لها بالمنطقة العربية

المقدمة

اتفاقًا مع مقولة شهيرة في الدراسات الإستراتيجية “إذا لم تهتم بالشرق الأوسط، فهو جدير بالاهتمام بك” فدائمًا لم تخلُ المنطقة من حالة عدم الاستقرار، فبنظرة سريعة إلى خريطة النزاعات وبؤر التوتر يلاحظ أن المنطقة أقرب إلى ساحة حرب واسعة تتعدد فيها ميادين القتال، وأنماط الحروب مع وجود فوضى مجتمعية واضطرابات داخلية وتواصل  جغرافي وقومي وديني، وانخراط دول الجوار المباشر (إسرائيل وتركيا وإيران، وإثيوبيا) في شؤونها الداخلية مع أطماع القوى الكبرى (أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، اليابان) في المنطقة، وتتبنى أنظمة الحكم فيها العمل المسلح كوسيلة رئيسية لمواجهة الاضطرابات الخاصة التي وقعت بعد عام 2011.

فمنذ عام 2011 وما قبلها من الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 والغزو العراقي للكويت، وخريطة المنطقة تغيرت عما كانت عليه من قبل، وهذا واضح بقوة في دول الانتفاضات العربية، مع انتشار التنظيمات الإرهابية المسلحة العابرة للقوميات في المنطقة، وتطور أهدافها، بالإضافة إلى السعي الدائم للدول الكبرى والجوار الإقليمي  إلى تقسيم المنطقة مثل خريطة تقسيم برنارد لويس لتقسيم العالم العربي والإسلامي.

 فمن ضمن مساعي الدول الأجنبية لتأمين أهدافها الإستراتيجية من المنطقة العربية  إنشاء القواعد العسكرية التي اتخذت أبعادًا أكثر من صور التعاون العسكري.

أولاً- مفهوم الأهمية الاستراتيجية

تأتي الأهمية الاستراتيجية لمنطقة ما وفقًا لمتطلبات القوى الدولية (دول، شركات، منظمات حكومية، منظمات عابرة للقوميات) ومجالات التنافس والصراع فيما بينهم، وعلى درجة التقدم التكنولوجي، وطرق التجارة الدولية، ومن عوامل الأهمية الاستراتيجية، عامل الجغرافية السياسية والاقتصادية والنظام السياسي والاجتماعي لهذه المنطقة.

فأهمية “الجغرافية السياسية”  تتغير بناء على قرار سياسي أو السيطرة على مضايق بحرية مهمة، بل تختلف تسمية المنطقة نفسها وفقًا لاختلاف منظور الجغرافية السياسية لها (افتتاح قناة السويس زاد من أهمية المنطقة وقرار التأميم ربط ما بين القرار السياسي والموقع الجغرافي).

أما “الجغرافية الاقتصادية” فهي ارتباط العلاقة بين الموقع والموارد الطبيعية والطاقة الإنتاجية، وتوزيع الثروات في مناطق العالم، والقوة الاقتصادية والمالية، وتتغير هذه الأهمية من مرحلة لأخرى، فانتقلت تلك الأهمية من مناطق إنتاج الغذاء، إلى مناجم الذهب والفحم، إلى آبار البترول والغاز الطبيعي.

وترجع أهمية منطقة أيضًا لسمات النظم الاجتماعية، والتقاليد السياسية السائدة بها، والتي تجعلها إما ساحة للسلم الاجتماعي، أو مصدرًا للصراعات المسلحة والعنف المنظم، الذي من الممكن أن تنتقل آثاره إلى الدول الأخرى، فتصبح المنطقة جاذبة للاهتمام العالمي لمنع انتشار الآثار السلبية منها، أو تمددها إلى مناطق أخرى، خصوصًا إذا كانت هذه المنطقة قريبة، أو على التماس مع مناطق حيوية في النظام الدولي كحالة الشرق الأوسط في علاقته بأوروبا.

فهذه الحسابات جميعًا ليست بمعزل عن بعضها البعض، بل متداخلة ومترابطة، ويؤثر كل منها في الآخر، ويتأثر به.([1])

ثانياً- الأهمية الاستراتيجية لمناطق القواعد العسكرية

1– منطقة البحر الأحمر:

ترجع أهمية منطقة البحر الأحمر إلى موقعها في قلب دائرة جغرافية رابطة، تجمع بين حوض نهر النيل والقرن الإفريقي غربًا، ومنطقة الخليج العربي بما تمتلكه من منابع للنفط شرقًا، والمحيط الهندي وشرق إفريقيا جنوبًا، والبحر المتوسط شمالاً.([2])

وتتزايد أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية، ليس فقط لنقل البترول وتنقلات التجارة الدولية من شرق آسيا والصين إلى أوروبا وأمريكا، بل أيضًا لكونه الممر الرئيسي والأسرع لنشر ودعم القوة العسكرية الأمريكية والأوروبية إلى مناطق اهتماماتها الاستراتيجية، الأمر الذي ربط بين أمن البحر الأحمر والأمن القومي الأمريكي والأوروبي.

علاوة على ذلك، تتميز المنطقة باحتوائها على عدد من المضايق الاستراتيجية المهمة، وهي: مضيق باب المندب ومضيق تيران، ومضيق جوبال، وخليج العقبة والسويس.([3])

2– منطقة الخليج العربي:

لا تزال منطقة الخليج العربي أكثر المناطق أهمية للدول الكبرى بسبب امتلاكها لأكثر من 50% من بترول العالم واحتياطيات الغاز، كما يعتمد حلفاء أمريكا من أسيا والمحيط الهادي على نفط الخليج العربي.

 بالإضافة إلى إشرافها على أهم ثلاثة ممرات مائية عالمية وهي البحر الأحمر والبحر المتوسط والخليج العربي وتتصل هذه المياه من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.

 وبسبب عمق الخليج الذي لا يتجاوز 100 متر، فهي تمثل سلاحًا ذا حدين للخليج نفسه تجعل من المستحيل على السفن ذات الحمولات الضخمة الاقتراب من سواحلها بالإضافة إلى مجموعة من البحيرات تصلح لإيواء القواعد العسكرية لحماية الأساطيل من أي هجوم.([4])

ثالثاً- مفهوم القواعد العسكرية

تأتي القواعد العسكرية ضمن إطار التعاون العسكري بين الدول بعضها البعض أو بينها وبين منظمات أو أحلاف دولية حكومية، حيث تعددت مفاهيم التعاون العسكري من حيث مستواه والمضمون الذي تهدف إليه، وبخاصة إذا تم في إطار تجمع إقليمي معين لتحقيق غاية عليا أو أهداف قومية مشتركة قد تكون سياسية أو عسكرية أو اقتصادية لدرء خطر خارجي.

فالدول التي يهددها خطر مباشر أو غير مباشر يمس أمنها القومي تبادر إلى اتخاذ إحدى الخيارات لدعم أمنها وصيانة مصالحها العليا وذلك عن طريق:

(أ)  إضعاف قوة الخصم بحرمانه من بعض حلفائه عن طريق تحييدهم أو كسبهم أو إضعاف قدراتهم الذاتية.

(ب) مضاعفة قوتها الاقتصادية والعسكرية بصورة تتفوق بها على مصدر دول التهديد.

(ج)  إضافة قوى أخرى حليفة إلى قوتها الحالية عن طريق التعاون العسكري.

فأشكال التعاون العسكري تأتي في هيئة:

  • أحلاف وقواعد عسكرية.
  • تسهيلات عسكرية.
  • اتفاقية للتعاون الاستراتيجي.
  • مذكرات تفاهم.
  • اتفاقيات الدفاع المشترك.
  • التدريبات العسكرية المشتركة.

تقام وتنشأ القواعد العسكرية بمقتضى معاهدات أو أحلاف عسكرية في المقام الأول نظير مقابل مادي أو معونة عسكرية أو أي نوع آخر من المعونات تنص عليها المعاهدة العسكرية وتحدد مدة استخدام القاعدة طبقًا لنوعية الحلف (دائم – مؤقت). وتعتبر الدولة صاحبة الامتياز لاستخدام القاعدة أن لها السيادة المطلقة على قاعدتها وكأنها قطعة من أراضيها، ويحق لها وضع القوات والأسلحة فيها، وكذلك استخدام هذه الأسلحة والقوات في أي غرض يخدم مصالحها وإن كان لا يتطابق مع مصالح الدولة المقامة على أرضها القاعدة، تتواجد بها قوات الدولة المستفيدة بصورة مستمرة، مدة استخدام القاعدة مرتبطة بزمن الاتفاقية/المعاهدة.

فمن حيث استخدام القواعد فهي إما دفاعية وعادة تكون قريبة من الدولة المعادية وتعتبر ضمن سلسلة حزام الحصار أو الضغط عليها، أو هجومية وعادة لا تكون قريبة من الدولة المعادية وتمتلك وسائل تدميرية بعيدة المدى.

أما من حيث أنواعها فهي قواعد برية، بحرية أو جوية.([5])

رابعاً- دوافع وأهداف الدول الكبرى من القواعد العسكرية

أثار التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة العربية نتائج خطيرة يصعب حصرها على جميع الأصعدة، حيث أسفر عن خلافات وانقسامات بين الدول العربية وشعوبها وداخل الشعب الواحد أيضًا، فأصبحت مصدرًا من مصادر التهديد المباشر للأمن القومي لبعض الدول العربية، ويؤثر هذا بالسلب على مبدأ الأمن القومي العربي.

زاد هذا التواجد من اختلال التوازن العسكري للمنطقة العربية الذي صار يصب في صالح القدرات العسكرية الإسرائيلية، مع استمرار زيادة حجم مبيعات التسليح من القوى الكبرى، مع إحكام القبضة الأجنبية على منابع النفط، وخاصة مع استمرار التهديد باستخدام القوة العسكرية بما يتفق مع أهداف القوة الأجنبية، مما وضع هذا التواجد في صورة  من صور الاستعمار الحديث.

وللأسف أصبحت منطقة البحر الأحمر من أكبر المناطق التي تحتضن قواعد عسكرية أجنبية في العالم، فلم يكن مستغربًا أن تكون المنطقة جزءًا من “طريق التوابل الجديد” الذي يرتبط بالوجود العسكري الأمريكي في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، كما أنها تشكل في الاستراتيجية الصينية بمخطط “حزام واحد – طريق واحد” جزءًا من شبكة المنشآت العسكرية والتجارية التي تمتد من البر الصيني إلى بورسودان.([6])

فلم يكن غريبًا أن تشهد المنطقة العربية صعودًا لتواجد عسكري لقوى دولية بديلة عن الولايات المتحدة، خاصة في ظل حالة الحرب على الإرهاب الدولي، فظهرت روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا مع تداخل لدول الجوار الإقليمي مثل إيران وتركيا([7]) مما أصبحت المنطقة متداخلة القواعد حتى في الدولة الواحدة.

جدول القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة العربية ([8])*

م الدول العربية الدول الأجنبية
أمريكا روسيا بريطانيا فرنسا الصين تركيا اليابان إيران
1 البحرين لديها   لديها          
2 السعودية لديها              
3 الإمارات لديها   لديها لديها        
4 جيبوتي لديها     لديها لديها   لديها  
5 قطر لديها         لديها    
6 الصومال لديها         لديها    
7 عُمان لديها              
8 العراق لديها   لديها          
9 الكويت لديها   لديها          
10 سوريا لديها لديها       لديها   لديها*
11 اليمن               لديها*

1– أهداف القوى الكبرى:

(أ)  الأهداف الأمريكية:

في عام 2004 كتب تشالمرز جونسون، المستشار السابق لوكالة المخابرات المركزية “إن الشعب الأمريكي لا يريد أن يدرك أن الولايات المُتحدة تُهيمن على العالم من خلال قوتها العسكرية، لا من خلال الدبلوماسية، وأن القواعد العسكرية الأمريكيّة تُطوّق كوكب الأرض بكامله”.

أُثيرت التساؤلات داخل الرأي العام الأمريكي عن كثرة القواعد وجدواها، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة حيث التكلفة السنوية ما يُقارب 156 مليار دولار سنويًا وتسكينًا للتساؤلات بدأت الولايات المُتحدة بالزج باسم القاعدة ومُكافحة الإرهاب وداعش لمُبرراتها من القواعد، مما أعاد شبح الاستعمار بشكله التقليدي وإعادة تقسيم المنطقة وتحويلها إلى منطقة متعددة الكيانات والعرقيات تابعًا أمريكيًا.

تعد منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي على رأس قائمة المواقع الاستراتيجية الأمريكية فهما قلب حركة التجارة الدولية (تدفق واردات الطاقة)، والمناورات العسكرية للقوات من المسرح الأوروبي إلى الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا والعكس.([9])

وتهدف الولايات المتحدة من قواعدها إلى تقديم دعم مقيد ومتغير ومشروط لبعض حلفائها الإقليميين (عدا إسرائيل) لضمان توازنية القوى الإقليمية لحلفائها فقط وردع أي قوة إقليمية غير حليفة لها.([10])

تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية جديدة في المنطقة بتعظيم دور القوى الإقليمية غير العربية برفع قدراتها العسكرية مثل تركيا بوصفها أحد أعضاء حلف الناتو، مع الحفاظ على التفوق العسكري المطلق لإسرائيل وخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني (5 + 1) الغير راضية عنه في وقتنا الحاضر.

لدى الولايات المتحدة الأمريكية ثوابت تجاه المنطقة بغض النظر عن كون الإدارة  ديمقراطية أو جمهورية وهو الحفاظ على أمن وتفوق إسرائيل العسكري واستقرار إمدادات النفط، ومنع انتشار لأسلحة الدمار الشامل في المنطقة باستثناء إسرائيل، وعلى جانب آخر تهدف الولايات المتحدة إلى إضعاف القدرات العسكرية للدول العربية بحيث لا تمتلك هذه الدول لقدرات عسكرية قتالية عالية أو متطورة بالتقليل في تصدير هذه النوعية من الأسلحة للدول العربية لاستمرار الحفاظ على الأمن والتفوق العسكري الإسرائيلي.([11])

(ب) الأهداف الروسية:

أرسلت الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011 وخاصة الأزمة السورية، رسائل عديدة ليست فقط إلى الولايات المتحدة فحسب بل إلى المجتمع الدولي ككل بأنه لا يمكن استبعاد أو تجاهل التواجد الروسي الجديد في المنطقة أو تخطيه بالقوة أو القفز من  فوقه.([12])

لذلك تسعى روسيا إلى كسب شراكات دول الجوار السوري البعيدة والقريبة، من منظور تشاركي وليس صراعي، لإيمانها بأن أي مواجهة مباشرة أو غير مباشرة سيكون لها عواقب وخيمة  تزيد من استنزاف القدرات الروسية، لأنها تستهدف تحقيق مصالحها بأقصر وقت ممكن وبأقل التكلفة، ومن المهم أيضًا أن روسيا ترفض مبدأ الاستقواء بالقوى الكبرى التي تدفع المنطقة إلى هوة ساحقة لا ناجي منها.([13])

تهدف روسيا من قواعدها في المنطقة ضمان عدم العبث بخطوط أنابيب تصدير النفط والغاز الروسي إلى أوروبا، التي ستخلق تنافس على سوق الطاقة الأوروبية، على عكس الولايات المتحدة الأمريكية والصين المستوردين للطاقة، بالإضافة لكون المنطقة  مستهلكًا جيدًا للسلاح الروسي.([14])

(ج) الأهداف الفرنسية:

تسعى فرنسا للحفاظ على سياستها ومصالحها التاريخية تجاه إفريقيا والمنطقة العربية، والتي تعتبرها الفضاء التاريخي لمستعمراتها ومجال نفوذها العالمي وثقلها على مستوى القوة الكبرى، فهي تعتمد على ذراعين؛ ذراع القوة الصلبة متمثلة في القواعد العسكرية في مناطق مصادر الطاقة والموارد الأساسية من مستعمراتها السابقة، والذراع الأخرى القوة الناعمة من منظمة دول الفرانكفونية.([15])

(د) الأهداف الصينية:

تماشيًا مع الاستراتيجية الجديدة للصين نحو التأثير في المحيط الدولي، وإحياء لدورها الغائب منذ عقود طويلة، ها هي تدخل سباق التنافس للتواجد العسكري خارج حدودها، فاتجهت إلى منطقة الشرق الأوسط لتأمين مصادر الطاقة الرئيسية لها، ومن جانب آخر تتشارك مع روسيا في رفضها الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وتؤمن بنظام متعدد الأقطاب.([16])

ومن منطلق حماية السلام العالمي ومسئولياتها الدولية قررت الصين انطلاق عملياتها العسكرية خارج البلاد، لعمل توازن القوة في ظل كثرة القواعد العسكرية وخاصة في القرن الإفريقي، ولتصبح نقطـة لوجيستية للقـوات التي تنفـذ مهام حربيـة أو حفظ السلام ([17])، والأهم هو تقديم صورة  للأمن الدولي بالصبغة الصينية.([18])

2– الأهداف الاستراتيجية لدول الجوار الإقليمي:

(أ) الأهداف الإيرانية:

تكشف إيران باستمرار بتطلعاتها التوسعية للسيطرة على محيطها الإقليمي بصورة مباشرة وعن أهدافها الإقليمية والدولية عبر ميليشياتها المشاركة في أزمات المنطقة العربية لتثبت عن تصاعد دورها في المنطقة وصعوبة التعامل معها من خلال الأدوات العسكرية، حتى أمام التهديدات الأمريكية والدولية للحد من طموحاتها الإقليمية.([19])

وتشير خريطة التحركات الإيرانية إلى أن الدول التي تستهدف إيران التحالف معها تشترك معها في أيديولوجيتها الشيعية، أو في التضامن مع القضية الفلسطينية، باستخدام قاعدة جماهيرية ومراكز ضغط وحكومة شيعية أو توجه عاطفي تجاه آل بيت النبوة.

ويعمل الإيرانيون على تصدير مناهج الثورة الإيرانية عام 1979 من خلال تثبيت ثقافة المقاومة من التدخل الأجنبي في المنطقة، أو من ظلم الأنظمة الحاكمة بها، بما يخلق بؤر توتر في جميع دول المنطقة، فهم يعتقدون أنه واجب مذهبي وثوري، ولهذا تم إنشاء المجمع العالمي لآل البيت في طهران لربط القوى الشيعية بعضها ببعض.

وعلى غرار المنهج الإسرائيلي “العدو البديل” استطاعت إيران أن تجعل من الحرب على الإرهاب “داعش”، مشروعية لسياستها الإقليمية، والحاجة إلى التعاون الدولي معها  لمواجه هذا الخطر.([20])

وضعت إيران منطقة البحر الأحمر من أولوياتها منذ زمن، لإدراكها أن معظم صادراتها من البترول والغاز تمر من خلاله إلى الأسواق الدولية (أوروبا، إفريقيا) ولاستخدامه كأداة  للضغط على المجتمع الدولي.

وسوف يظل البرنامج النووي الإيراني خطرًا يهدد استقرار المنطقة على الرغم من الاتفاق النووي الإيراني (5+1) 2015 وذلك لقدرة الصواريخ الإيرانية على الوصول إلى كل الأهداف في المنطقة مما يؤثر سلبًا على توازن القوة العسكرية، مما يرجح كفة احتمال العدوان الإيراني على دول المنطقة.

ولم تكن طموحات إيران التوسعية حديثة العهد أو مرتبطة بنظام الملالي، بل بدأت قديمًا في عهد الشاه منذ احتلالها للجزر الإماراتية الثلاثة، والتهديد بتبعية مملكة البحرين لها، والأهم هو التهديد المستمر بإغلاق مضيق هرمز وخاصة أن الحرس الثوري قام بمناورات تدريبية عددية للسيطرة على الملاحة البحرية في الخليج العربي، والسعي الدائم إلى تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، وتستهدف من هذا إلى عدم الموافقة على أي صيغة أخرى لأمن الخليج العربي دون وجودها.([21]) بل أكثر من ذلك على مستوى المنطقة العربية صرح الرئيس روحاني “لا يمكن اتخاذ قرار حاسم في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن إلى منطقة الخليج العربي والقرن الإفريقي من دون إيران ورأيها”.

(ب) الأهداف الإسرائيلية:

تعد إسرائيل أهم مصدر للتهديد “المباشر والدائم” للمنطقة العربية بالكامل حيث تسعى دائمًا للعب دور شرطي المنطقة، والتهرب من أي حل للقضية الفلسطينية.

حيث تدرك إسرائيل أن القضية الفلسطينية صراع شامل لا يرتبط بدول المواجهة  فقط بل بكل الأقطار العربية، ولهذا تسعى دائمًا إلى زيادة الترسانة العسكرية لها مع توفير عمق إستراتيجي (بري – بحري – جوى) حتى تكون المنطقة بالكامل في مدى أسلحتها.([22])

ولهذا تسعى إسرائيل دائمًا للهيمنة على مناطق ذات أبعاد استراتيجية لها، وعلى  رأس هذه المناطق القرن الإفريقي (منطقة البحر الأحمر) فتأخذ من بوابة إثيوبيا واريتريا التي بها ثلاث قواعد عسكرية (أسمرة، وتكاليا، شهين) مع ضخ عشرات المليارات  استثمارات حتى تضمن ولاء القرار السياسي والعسكري بهما، مع توظيف يهود الفلاشا “مور” بالاستفادة بالتوجه العالمي للسود، ولعزل العرب عن إفريقيا، حتى لا يصبح البحر الأحمر بحرًا عربيًا خالصًا.([23])

ولهذا أضافت إسرائيل إلى البحر الأحمر الصبغة الدينية على أنها جزء من مملكة النبي سليمان عليه السلام، وأكد على هذا بن جوريون “إن سيطرة إسرائيل على مراكز في البحر الأحمر ذات أهمية قصوى، لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الفكاك من أي محاولات لمحاصرتها أو تطويقها، كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكري لمهاجمة أعدائها في عقر دارهم، قبل أن يبادروا إلى مهاجمتها”.([24])

وبسبب ما شهدته المنطقة من انفراط عقد النظام العربي، وتصاعد الخطر الإيراني والحرب على الإرهاب، طرحت إسرائيل خيار “العدو البديل” يهدف إلى تحالف إسرائيلي– عربي (سني) ضد إيران، هذا الخيار ارتكز على مجموعة من الأزمات أبرزها:

  • توتر العلاقة بين الدول العربية بعضها البعض وداخل الدولة الواحدة.
  • تورط فصائل فلسطينية في الأزمات العربية-العربية وفي الاضطرابات الداخلية للدول العربية.
  • تفاقم الصراع الفلسطيني–الفلسطيني وعدم الاستجابة لأي مبادرات سلام تقدمها الدول العربية.
  • استمرار تهديدات قوى إقليمية غير عربية (إيران بالنسبة لبعض العرب وتركيا بالنسبة للبعض الآخر، والخطر الأثيوبي لمصر والسودان).
  • تراجع أولوية القضية الفلسطينية وخطر إسرائيل على بعض الدول العربية.

من هذه الأزمات أخذت بعض الدول تنظر إلى إسرائيل كحليف محتمل ضد إيران باعتبار الخطر الإيراني خطرًا مشتركًا لهذه الدول وإسرائيل، وضد الإرهاب باعتبار أن هذا الإرهاب خطر إقليمي ودولي.

ولهذا تنتهج إسرائيل مقولة “عدو عدوي .. صديقي، وصديق عدوي .. عدوي” لتأسيس تحالف يضم إسرائيل والدول العربية السنية المعتدلة ضد إيران الشيعية وللدول العربية التي تحارب الإرهاب من ناحية أخرى.([25])

(ج) الأهداف التركية:

أصبحت تركيا تشكل أهم مصادر التهديد المباشر على المنطقة وخاصة، بمواقفها العدائية المعلنة لمصر بعد ثورة يونيه 2013 ودعمها الصريح لجماعة الإخوان الإرهابية والتنظيمات الإرهابية في جميع دول أزمات المنطقة العربية ومساندتها لقطر أمام دول التحالف ضد الإرهاب (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين).

تستهدف تركيا إلى إحياء الخلافة العثمانية بثوبها الجديد، وهذا واضح بتدخلها المباشر في الأزمة السورية بدعمها للجماعات الإرهابية والمعارضة السورية، مع التهديد  المستمر باحتلال أجزاء من العراق خصوصًا الموصل وكركوك الغنية بالنفط بدعمها حركات الانفصاليين في العراق، حتى لا يتم المطالبة بإقليم إسكندرونة السوري أو استقلال الأكراد.

لم تغفل تركيا من تواجدها في القرن الإفريقي (الصومال) بفتح الأسواق الإفريقية لصناعتها العسكرية، أما الهدف الرئيسي هو تهديد العمق الاستراتيجي للأمن القومي العربي من الجهة الجنوبية والمصرية على الخصوص وللحد من تنامي القوى الإقليمية الأخرى، مع تقديم الدولة التركية كبديل كفء لتحقيق مصالح القوى الكبرى وخاصة أنها عضو في حلف الناتو.([26])

خاتمة

اجتمعت في المنطقة العربية جميع معالم الأهمية الاستراتيجية لأي منطقة استراتيجية في العالم، مما جعلها هدفًا لجميع القوى الكبرى والإقليمية.

فهذه القوى تسعى دائمًا إلى إقامة قواعد عسكرية لتأمين وتعزيز أهدافها وإحكام السيطرة على المنطقة، إلى أن وصلت هذه القواعد لصورة من صور استعراض القوة لإظهار القدرة العسكرية ضد بعضهم البعض، مما أثرت بالسلب على توازن القوى في المنطقة وخاصة بعد تداخل القوى الإقليمية المجاورة في هذا الاستعراض.

وبسبب كثرة بؤر التوتر في المنطقة العربية الناتجة مؤخرًا عن اضطرابات عام 2011 وما بعده، مع استمرار عدم حل القضية الفلسطينية، والحرب على الإرهاب، زاد عدد القواعد العسكرية حتى أصبحت المنطقة الواحدة بل والدولة الواحدة تقام عليها أكثر من قاعدة عسكرية.

فهذه الكثافة العددية من القواعد العسكرية، أصبحت محور تهديد مباشر للأمن القومي لدول عربية بحد ذاتها وللأمن القومي العربي عمومًا.

ومن هذا كله أنشئت تحالفات ما بين القوى الكبرى والجوار الإقليمي، فتحالفت الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل وتركيا، وتحالفت روسيا مع إيران وإسرائيل، وتحالفت دول الجوار الإقليمي مع بعضها البعض فتحالفت تركيا مع إسرائيل وتحالفت تركيا مع إيران للاستفادة المتبادلة من المواقع العسكرية لكل دولة ولتنظيم التعاون العسكري فيما بينهم في حربهم ضد الإرهاب والدفاع عن مصالحهم.

فمن هذا كله أصبحت هذه القواعد عائقًا حقيقيًا أمام تحقيق تعاون عسكري عربي مستقبلي مشترك.


([1]) د. علي الدين هلال، تجدد الأهمية في فقد أطروحة تراجع الشرق الأوسط، مجلة السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، الأهرام، عدد يناير 2003، عام 2016، ص7، 8.

([2]) د. دلال محمود السيد، رؤية لإدارة أمن البحر الأحمر، السياسة الدولية، الأهرام، القاهرة، العدد 209، يوليو 2017، ص98.

([3]) أمن البحر الأحمر كمحطة مركزية للأمن القومي العربي، التقرير الاستراتيجي العربي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عام 2017، ص193.

([4]) جلال  خشيب، أمال وشنان، أثر انتقال القوة نحو الشرق على الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، مجلة السياسة الدولية، الأهرام، القاهرة، أكتوبر 2015، ص19.

([5]) عقيد بحري أ.ح. رضا أحمد إسماعيل، التعاون البحري الإسرائيلي التركي وتأثيره على الأمن القومي العربي بمسرح البحر المتوسط، بحث أجازة زمالة كلية الحرب العليا، أكاديمية ناصر العسكرية العليا، 2007، ص2.

([6]) د. حمدي عبد الرحمن، سباق القواعد العسكرية في القرن الإفريقي: الفرص والمخاطر الأمنية بالنسبة لمصر، السياسة الدولية، الأهرام، القاهرة، عدد يناير 2018، ص2.

([7]) النشرة العسكرية الإستراتيجية، مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية، القاهرة، العدد (78/13)، ديسمبر عام 2015، ص16.

([8]) تجميع الباحث من موقع:www.raseef22.com.  كل ما تود معرفته عن القواعد العسكرية الأجنبية في العالم العربي، أ.د. عبد المنعم المشاط، المصالحة المصرية وتحولات المشهد الجيوستراتيجي في شرق أفريقيا، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 2017، القاهرة، ص13.

([9]) أمن البحر الأحمر كمحطة مركزية للأمن القومي العربي، التقرير الاستراتيجي العربي، مركز الأهرام، الدراسات الإستراتيجية، عام 2016، ص200.

([10]) المتغيرات الإقليمية والعالمية المؤثرة على الأمن القومي المصري، أكاديمية ناصر العسكرية العليا، 2017، ص17.

([11]) أحمد سيد أحمد، سباق الانتخابات الأمريكية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 205، 2016، ص61.

([12]) أماني زهران، استيقاظ الدب الروسي بعد سبات عميق، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2014، ص34.

([13]) د. نورهان الشيخ، الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط .. حدود وملامح التغيير، السياسة الدولية، الأهرام، القاهرة، العدد 209، يوليو 2017، ص94.

([14]) هدير عبد المقصود، أمريكا وروسيا والصين في الشرق الأوسط، التحالف والنزاعات، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، عدد 203، يناير 2016، ص204.

([15]) مقابلة الباحث مع الخبراء الاستراتيجيين بمركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة المصرية، 2017.

([16]) أكاديمية ناصر العسكرية العليا، مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية، النشرة السياسية الإستراتيجية، العدد (75/12).

([17]) مقابلة الباحث، مرجع سابق.

([18]) الملحقية العسكرية الصينية بدمشق، الجيش الصيني دائمًا هو القوة الحازمة لحماية السلام العالمي، مجلة جيش الشعب، دمشق، 2017، ص16، 18.

([19]) شروق صابر، ميلشيات طهران: من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان .. إيران توجه رسائل سياسية، مختارات إيرانية، الأهرام، القاهرة، العدد 200، ديسمبر 2017، ص64.

([20]) د. محمد السعيد عبد المؤمن، إيران ومحاولات استعادة الحلم الإمبراطوري، مجلة السياسة الدولية، الأهرام، القاهرة، عدد 201، يوليو 2015، ص93.

([21]) قاسم العلي، إيران الشيعة، مركز الخليج للدراسات والأبحاث، الرياض، 2015، ص26.

([22]) عبد الله المطيري، مخاطر وتهديدات الوطن العربي، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 2015، ص36.

([23]) مقابلة الباحث مع الخبراء العسكريين بمركز الدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة المصرية، 2017.

([24]) د. دلال محمود السيد، مرجع سابق، ص100.

([25]) اتجاهات التفاعل بين خطوات النظامين العربي والشرق أوسطي، التقرير الإستراتيجي السنوي، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، القاهرة ، 2016، ص226، 227.

([26]) مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية، التعامل مع الواقع الأمني العسكري الراهن كأحد الأبعاد المؤثرة على الأمن القومي المصري، 2017.

اظهر المزيد

د.حازم محمد خليل

دكتوراة في العلوم السياسية - مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى