2023العدد 195ملف ثقافي

دور الدولة في إحياء المسرح العربي من جديد

المسرح من أهم الوسائط الثقافية التي تهتم الدول بتطويرها وتوظيفها لخدمة أهدافها، ونلمس ذلك في الدور الذي لعبه المسرح عبر فترات تاريخه المختلفة في تطوير المجتمعات، وفي ارتباطه بتنمية المجتمع على عدة محاور سواء الاقتصادي منها والسياسي أو الاجتماعي. إن أي تنمية يجب أن ترتبط بحركة المجتمع وثقافته وبالأفكار التي تطرحها عناصر هذا المجتمع على مستوى النخبة المثقفة، والتي نالت أكبر قدر من التعليم، والتي تعتبر مؤثرة فيمن حولها، والتي تسعى لتطوير مجتمعها من خلال التخلص من أفكار وسلوكيات سلبية وبالية، والتمهيد لبث أفكار وأنماط سلوك إيجابية جديده بهدف تحقيق تنمية شاملة.

لقد لعب المسرح دورًا كبيرًا في أوروبا في فترة عصر النهضة؛ حيث تم ترسيخ أفكار مثل: دور العلم، وعلاقة الحاكم والمحكوم، والتأصيل لشبكة علاقات اجتماعية جديدة، والاهتمام بعلم النفس والمتغيرات السيكولوجية وتأثيرها على الإنسان بشكلٍ عام في علاقته بأسرته ومحيطه الاجتماعي وتفاعله معها سلبًا وإيجابًا، رفضًا أو قبولًا. وامتلأت مدن أوروبا بالمسارح والعروض المسرحية بأنواعها وأشكالها المختلفة التي تقدم لكافة طبقات المجتمع، وظهرت أجيال من المؤلفين والممثلين والمطربين ومصممي المناظر، وأسهمت التطورات التكنولوجية في تطوير فن المسرح وانعكس ذلك على حركة المجتمع وتطوره. لقد وعت الحكومات في أوروبا إلى أهمية المسرح وضرورة دعمه وتوجيهه لخدمة أهدافها التنموية، فأنشأت المسارح وموَّلت العروض وأنشأت الأكاديميات والمعاهد لتعليم الفنون المسرحية لتفريخ أجيال من الفنانين المتخصصين في كافة المجالات وحصل بعض منهم على أرفع الأوسمة والألقاب تكريمًا لفنهم وإبداعهم.

وفي عالمنا العربي كان الوعي بدور المسرح كبيرًا، فتم إنشاء دار الأوبرا المصرية في حديقة الأزبكية في عهد الخديوي إسماعيل، وسرعان ما ظهرت بعض المسارح والفرق الخاصة التي تهتم في الأساس بالدور الترفيهي للمسرح. ومع ثورة يوليو ١٩٥٢، وعت الدولة المصرية إلى دور المسرح في خدمة أهدافها، فأنشأت المسارح والفرق المسرحية؛ لتتحول من مجرد فرق تتبع التليفزيون إلى فرق مستقلة تسعى لإيجاد طابع مميز لها كالمسرح القومي؛ أسوة بالمسارح الوطنية في دول العالم المتحضر، وفرقة المسرح الحديث، والمسرح الطليعي، والمسرح القومي للطفل،… وغير ذلك من المسارح. وقد قامت هذه الفرق بتقديم عروضها الواعية إلى جانب عروض بعض الفرق الخاصة التجارية الترفيهية، والتي كانت تقوم بجولات عديده في معظم الدول العربية.

اهتمت الدولة المصرية أيضًا -منذ الخمسينيات- بإرسال بعثات تعليمية لدراسة الفنون في أوروبا، وبتطوير معهد التمثيل العربي الذي كان قد أنشئ في الثلاثينيات من القرن الماضي؛ ليصبح المعهد العالي للفنون المسرحية ثم لتتسع الدائرة لتصبح أكاديمية فنون كاملة على مستوى عالمي تضم فنون (المسرح، والسينما، والموسيقى الشرقية والغربية، والباليه)، وسرعان ما انتقلت فكرة إنشاء معهد الفنون المسرحية إلى (الكويت، والجزائر، وتونس، وسوريا، والمغرب) إلى جانب تدريس مواد المسرح والدراما في كليات الآداب بالجامعات العربية المختلفة.

إن التجربة المصرية في الاهتمام بفنون المسرح قد امتدت على مستويات مختلفة يجدر الإشارة إليها والاستفادة منها فيما يتعلق بإنشاء المسرح المدرسي، والاهتمام بنشاط المسرح داخل الجامعة، وإقامة مسابقات تنافسيه بين الكليات والجامعات المختلفة. كذلك نقل الثقافة المسرحية للأقاليم والمناطق النائية من خلال هيئة الثقافة الجماهيرية، والتي سُميت فيما بعد بهيئة قصور الثقافة والتي شملت إقامة عدد كبير من المسارح التي تقدم عروضها الفنية بشكلٍ دوري. إن دور المسرح وقوة تأثيره يكمن في أنه وسيلة غير مباشرة للتوعية، ونشر الأفكار المستحدثة، وتوجيه الجمهور، وطرح الأفكار في شكل وإطار محبب ممتع من خلال توظيف عناصر: التمثيل، و الغناء والموسيقى، والعناصر البصرية التشكيلية كـ(الديكور، والأزياء، والإضاءة… إلخ)، وكل هذه العناصر تحقق نوعًا من المتعة البصرية والسمعية التي تؤثر في المشاعر وتخاطب العقل أيضًا. وقد أسهمت التطورات التكنولوجية في مجالات (الفنون البصرية والسمعية، والخدع والمؤثرات) في تطوير فن المسرح وتحقيق حالة من الإبهار للمشاهد، مما يزيد القدرة على التأثير في المُشاهد، ويمكننا هنا أن نلخص مجموعة من العناصر التي يمكن للدولة أن تدعم بها فنون المسرح سعيًا لتحقيق أهدافها:

  1. المعمار المسرحي: فتهتم الدولة بإنشاء المسارح التي تتناسب مع طبيعتها وتخدم أهدافها تجاوبًا مع البيئة المحلية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة. وهناك أشكال متعددة للمسارح التقليدية منها: كمسرح العلبة الإيطالي، أو المسرح المكشوف، أو يتغير شكل خشبة المسرح وأماكن جلوس المشاهدين هل يحيط الجمهور بمكان التمثيل أم يجلس المشاهدون في ثلاث جهات أو جهة واحدة؟ وكذلك العروض التي تقدَّم في أماكن تاريخية أو أماكن طبيعية مفتوحة. إن كل مدينة وقرية في العالم العربي تطمح أن يكون بها مسرحًا مجهَّزًا على الأقل، هذا المسرح سيكون مكانًا للندوات والمحاضرات والاحتفالات والعروض الفنية وبقدر النجاح ستزداد المسارح بأشكالها المختلفة.
  2.  الاهتمام بمسرح الطفل والمسرح المدرسي والجامعي: إنَّ تذوق الطفل للفنون يسهم في تكوينه النفسي والعقلي بشكلٍ سليم، ويأتي ذلك من خلال مشاهدة العروض أو المشاركة فيها، فهو ينمِّي قدرته على الاستيعاب والتفكير ويجعله قادرًا على تقديم نفسه والتعبير عنها وعن أفكاره وطرحها للآخرين من خلال النقاش. هناك تجارب عديدة في مجال مسرحة المناهج التعليمية؛ فالمواد الدراسية غالبًا ما تكون جافة ومباشرة مما يجعل هناك صعوبة في الاستيعاب من بعض الطلبة، وقد لاقت تجارب مسرحة المناهج نجاحًا كبيرًا واستحسانًا من رجال التعليم والطلبة على السواء، حيث يتم إعداد المادة التعليمية من قبل متخصصين لتقدم للطالب في شكل مبسط وممتع وفي إطار اللعب أو الفرجة الممتعة. إن مواد مثل: التاريخ، والجغرافيا، وحتى الكيمياء علاوة على الأدب والنصوص الأدبية قد حققت نجاحًا كبيرًا، وهي ثمرة تعاون وجهد بين رجال التربية والتعليم ورجال المسرح. وهنا يجدر الإشارة إلى الحاجة لمجموعة مدربة من المدرسين يقومون بعملية المسرحة والإعداد الداماتورجي، كما نحتاج إلى إدارة تربوية واعية مؤمنة بدور الفن كوسيلة يمكن توظيفها لخدمة أهداف تعليمية. إن انتقال الطالب من المدرسة للجامعة يصاحبه مجموعة من المتغيرات النفسية والعقلية والفسيولوچية أيضًا، فهي مرحلة يتشكل فيها وجدان الطالب وتوجهاته الفكرية التي تنعكس على سلوكه، إن مشاركة الطالب في أنشطة المسرح الجامعي ومسابقاتها سيساعده على اكتشاف ذاته وقدراته وتوجهاته، وأثبتت التجارب أن مشاركة بعض أعضاء هيئة التدريس مع الطلاب في النشاط المسرحي كان له تأثير كبير على تحصيل المواد العلمية وعلى أسلوب التفاهم في قاعات المحاضرات، كما أن مشاهدة العروض التي يقدمها الزملاء في الجامعة تجعله مشاركًا ومُلمًّا بقضايا المجتمع واحتياجاته إلى جانب الترفيه. وهنا يجدر الإشارة إلى أهمية تدريب كوادر من المشرفين والأساتذة والمدرسين من خلال دورات تدريبيه للإلمام بدور المسرح وأدواته وعناصر التأثير فيه، كما أن إقامة مسابقات تنافسية للمسرح ترعاها الدولة داخل الجامعة الواحدة أو بين الجامعات المختلفة أمر مهم للغاية تحرص عليه الدول المتقدمة.
  3. إنشاء أكاديميات ومعاهد فنية متخصصة في فنون المسرح: إن تخريج فنانين وطنيين يحملون هموم وطنهم ويحملون المسؤولية الفكرية ومهمة التطوير في إطار المبادئ والأخلاق التي تحكم المجتمع هو أمر مهم؛ فالمشروع الوطني يحمله أبناء الوطن. إن الاستعانة بأكاديميات أوروبية قد يفيد في نقل التكنولوجيا، ولكنه في مجال المسرح لا يمكنه تخطي حاجز اللغة أو طبيعة المبادئ أو أسلوب التفكير؛ فالعربي له مبادِئُه ومشاعره الخاصة ولغته المنفردة.
  4. توفير الاعتمادات المالية والتمويل: هناك أكثر من أسلوب لدعم المسرح: الأول، هو دعم المؤسسات الرسمية التابعة للدولة والتي تنتج أعمالًا مسرحية. الثاني، تقديم دعم مالي ولوجستي للأفراد والمجموعات التي تقدم مشروعات محددة توافق عليها الإدارات المختصة. الثالث، إقامة مجموعة من الورش التدريبية للهواة أو المتخصصين لتطوير مستواهم في كافة التخصصات (التأليف، التمثيل، الإخراج، الديكور، الأزياء، الموسيقى، الإضاءة)، بحيث يكون المتدربون نواة لتقديم مشاريع صغيرة يتم تقييمها وتطوير المتميز منها.
  5. المهرجانات المتخصصة والاحتكاك الخارجي: إن دعم الدولة لمثل تلك المهرجانات -إلى جانب تحقيقه جانبًا دعائيًّا- يعتبر انفتاحًا على أفكار الآخرين وما توصل إليه العالم من إبداعات بشرط توافقها مع ثقافتنا وطبيعة مجتمعاتنا، وتُعقد على هامش المهرجانات ندواتٌ وحلقات دراسية وورش العمل التي تسوِّق لتوجهات الدولة وأهدافها وفنانيها.
  6. الربط بين المسرح ووسائل الاعلام: فالمسرح ظاهرة متميزة تقدم لعدد محدود من الأفراد، ومن خلال ربطها بوسائل الإعلام المرئي والسوشيال ميديا يتم تعظيم نسب المشاهدة، بالإضافة للتسويق للمنتج المسرحي والفنانين الشبان الذين يحتاجون للتشجيع والرعاية.
  7. تشجيع الحركة النقدية والمتابعة والتقويم المستمر: بحيث تضع الدولة ومؤسساتها المعنية بالثقافة عينها على ما يُقدَّم ومستواه الفني، ومدى تحقيق الأهداف والتطوير. إن الحركة النقدية التي تقوم على أسس علمية ستؤدي إلى نتائج هامة على مستوى أهداف الدولة وتطوير الأعمال الفنية.
  8. الإنتاج المسرحي العربي المشترك: حيث يتم ترشيح مجموعه من المسرحيين من كافة البلدان العربية لتقديم مجموعة من العروض التي يتم الاتفاق عليها وتخدم الأهداف العربية، وتجمع بين عناصر الجذب المختلفة بحيث تلقى قبولًا من مختلف مستويات الجمهور، وتُقدَّم باللغة العربية الفصحى. إن عناصر جذب الجمهور تتمثل في (الموضع الذي يمس اهتمامات الناس، النجوم المحببين للجمهور، عناصر الموسيقى والغناء والمتعة السمعية، عناصر المتعة البصرية من ديكور وأزياء وإضاءة، فنون الاستعراض الفولكلوري منها أو التعبيري). ويجب أن نضع في حسباننا أن تعامل الجمهور العربي سيتم على عدة مراحل أولها جذب الانتباه والمشاهدة وقد أثبتت الدراسات المسرحية أن الشكل الكوميدي هو المحبَّب للجمهور العربي؛ حيث يحصل نجوم الكوميديا على نصيب الأسد من اهتمام الجمهور يليه نجوم الغناء ثم النجوم الذين نشاهدهم عبر شاشة السينما. هناك تجربة فريدة لا يمكن إغفالها وهي تجربة إنشاء الهيئة العربية للمسرح، والتي سعت إلى تجميع المسرحيين العرب، ودعم العروض المشتركة، وأنتجت بالفعل بعض العروض تجمع فنانين من كافة الدول العربية، وهذه التجربة المثالية اعترضت طريقها الكثير من العقبات مثل: اختلاف وجهات النظر، وأن المسرح يحتاج إلي فترات طويلة من العمل والبروفات مما يتطلب تفرغ الفنانين بما فيهم النجوم، بالإضافة إلى الميزانيات الضخمة التي تحتاجها هذه الأعمال. وتقوم الهيئة العربية للمسرح حاليًّا بإقامة مهرجان سنوي باسمها يُقام كل عام في عاصمة عربية مختلفة، ويمنح الفائزين جوائزَ تشجيعية، كما تقوم الهيئة من آنٍ لآخر بدعم بعض العروض والمهرجانات والمطبوعات المصاحبة لها.
  9. تشجيع القطاع الخاص: لعب القطاع الخاص دورًا كبيرًا في بدايات المسرح العربي؛ حيث أسهمت الفرق المسرحية في الشام ومصر بتعريف الجمهور العربي بهذا الفن، وفي الفترات الصعبة من تاريخ الوطن كان المسرح الخاص يقوم بدوره في التخفيف من حدة الأزمات واتخذ شكلًا ترفيهيًّا كوميديًّا يتراوح ما بين الضحك كهدف في حد ذاته وبين النقد الاجتماعي اللاذع.

والتاريخ العربي يحفَل بأسماء عظيمة منذ نجيب الريحاني، وعلي الكسار وانتهاءً بعادل إمام، ودريد لحام، وسمير غانم، ومحمد صبحي،… وغيرهم من النجوم العرب الذين قدموا العشرات من العروض المسرحية الكوميدية، والتي مازالت تقدم في القنوات التليفزيونية حتى الآن. لقد تعرض مسرح القطاع الخاص لأزمة عنيفة تحتاج إلى دعم الدولة، وترجع أسباب تلك الأزمة إلى المنافسة الشديدة مع السينما والقنوات الفضائية والسوشيال ميديا، والتي يصل بعضها إلى الجمهور في مكانه من خلال شاشة تليفزيون أو موبايل، كذلك ارتفاع تكلفة الإنتاج مما جعل سعر تذكرة مسرحية القطاع الخاص تتجاوز إمكانات الأسرة المتوسطة، تقادم مسارح القطاع الخاص كمباني وكتجهيزات فنيه فهي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لإعادة تجهيزها بالتكنولوجيا الحديثة، الأهم من ذلك كسبب في تراجع دور مسرح القطاع الخاص هو قلة عدد نجوم هذا القطاع وعدم ظهور نجوم جدد بأعداد كافية، كما أن هذا المسرح يحتاج إلى موضوعات وأشكال فنية جديدة إلى جانب الكوميديا وهو الأمر الذي عرفه مسرح القطاع الخاص في برودواي على سبيل المثال وعالجه من خلال تقديم عروض يقوم ببطولتها أكثر من نجم والاتجاه إلى الدراما الموسيقية التي تجمع بين عناصر (التمثيل، والغناء، والاستعراض). وهنا يجب أن نشير إلى الإضافة التي قدمتها هيئة الترفيه بالمملكة العربية السعودية، حيث أسهمت بدور كبير في إعادة مسرح القطاع الخاص ليقوم بدوره مرة أخرى، حيث قامت الهيئة باستضافة وإنتاج العشرات من العروض المسرحية من كافة البلدان العربية مما كان له أثر كبير على الحركة المسرحية العربية. وإذا كان هناك من يختلف مع مستوى بعض هذه العروض إلا أن هذا المستوى يتطور تدريجيًّا وبوعي، ويجدر بنا أيضًا أن نشير إلى أن هناك عروضًا أخرى تنتجها وزارة الثقافة بالمملكة مثل: عروض أم كلثوم، عبد الحليم،… وغير ذلك من العروض التي تتكامل مع العروض الأخرى وهذه العروض أحيت مسرح القطاع الخاص مرة أخرى.

  1. العروض المسرحية السياحية: اتجه المسرحيون على مستوى العالم لإقامة مثل هذه العروض، والتي تتكلف مبالغَ ماليةٍ ضخمة لتحقيق أكثر من هدف، فهي تحقق عائدًا ماديًّا كبيرًا؛ إذ يسعى الجمهور لمشاهدتها من كافة أنحاء العالم ويتم حجز تذاكر بعضها قبل العرض بعام كامل وفي نفس الوقت تسعى الدول لاستغلال مثل هذه العروض للدعاية لمشروعاتها وثقافتها والسياحة بها. وهناك أكثر من نوع من هذه العروض: أولها، العروض التي تقدم في أماكن تاريخية وسياحية شهيرة مثلما حدث في أوبرا عايدة تحت سفح الهرم أو في الأقصر، حيث يتم استغلال طبيعة المكان وسحره لجذب الجمهور، وقد يرتبط موضوع العرض بالمكان أو يصبح المكان مجرد خلفية جمالية لموضوع عرض مختلف. النوع الثاني من العروض السياحية هو تلك العروض الجماهيرية التي تعتمد على الإبهار من خلال الخدع والمؤثرات ومئات الفنانين من ممثلين ومطربين وراقصين وفنيين لتغيير الديكور وهذا الإنتاج الضخم يتم الإعداد له لسنوات ويستمر عرضه لسنوات أيضًا، وتضعه الدول وشركات السياحة على خريطتها السياحية، ويحرص الجمهور على مشاهدتها وحجز تذاكرها باهظةَ الثمن في إطار رحلة سياحية قد تكون لمشاهدة المسرحية فقط والعودة بعدها مباشرة. إن عروض مثل: كاتر، شبح الأوبرا، نوتردام دي باري… وغيرها من العروض كعروض (سيرك الشمس)، هي عروض فنية تصلح للتقديم في أي مكان في العالم، ويتم استضافتها لتقدم في أعرق المسارح علاوة على مسارحها الأصلية الثابتة. إن وجود عرض مسرحي عربي ضخم بشكلٍ سياحي هو أحد الأحلام التي تراود المسرحيين العرب.
  2. توظيف التراث العربي مسرحيًّا: يمتلك العرب تراثًا ثقافيًّا عظيمًا لم يستغل حتى الآن في أشكال فنية كما تفعل دول العالم، ويتنوع هذا التراث ما بين المأثور، والشعر، والأشكال الفلكلورية الحركية والغنائية، وكذلك الحرف والصناعات التي تم توثيقها بشكلٍ كبير. لقد كانت هناك محاولات حثيثة في بلدان عدة لتوظيف التراث العربي- خاصة فيما يتعلق بالسير والملاحم التي تعطي نموذجًا للقدوة يمنح للشباب والأجيال الجديدة، يربطهم بأصولهم وتاريخهم وينظم الاندفاع نحو الثقافة الغربية؛ بحيث نستفيد مما هو مفيد ونطور أساليبنا دون التخلي عن الجذور والمبادئ الأصيلة لهذه الأمة. والمسرح بما يملكه من قدره على التواصل المباشر بين الفنان والجمهور(المرسل والمتلقي) يمكن أن يلعب دورًا هامًا وتوعويًّا لدى الجمهور؛ لذا اقترح تكوين لجنة من المتخصصين في مجال (المسرح، والفولكلور، وكتاب الدراما) للبحث عما يمكن توظيفه في التراث العربي وتقديمه بشكلٍ درامي على المسرح، والأماكن الطبيعية التي يمكن تقديم العروض فيها حفاظًا على الهُوية العربية. إن مصادر الثقافة العربية متنوعة بتنوع التضاريس والجغرافيا مما يجعلها قادرة على التكامل لتقديم منتج مسرحي يعبر عنها ويقدمها للعالم بشكل راقٍ يحافظ على الخصوصية والهوية بقدر ما يتفاعل مع العالم ويسهم في الحضارة الإنسانية.

إن الطفرة التكنولوجية التي حدثت في العقد الأخير وظهور عدد كبير من المنصات العالمية التي تخترق خصوصيتنا وتسعى لعدم السيطرة عليها، والتي لا تراعي طبيعة ثقافتنا أو مبادئ وأهداف مجتمعاتنا_ تحتم علينا الاهتمام بأدوات الإنتاج الفني لتقديم عروض مسرحيه قادرة على المنافسة وجذب المشاهد العربي.

اظهر المزيد

د.ايمن الشيوي

مدير المسرح القومي المصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى