شهدت السنوات الماضية العديد من الأزمات والصراعات كان لمنطقتنا العربية النصيب الأوفر منها، حيث أضحت العديد من بلداننا العربية مسرحًا للنزاعات المسلحة والحروب الأهلية والفتن الطائفية والتدخلات الخارجية، وقد تواكب ذلك مع تفشي ظاهرة الإرهاب وأخيرًا اجتياح وباء فيروس كورونا مجتمعاتنا العربية وما ترتب عليه من تداعيات اقتصادية واجتماعية. إذ يُعدّ هذا الوباء بكل المقاييس أسوأ أزمة عالمية شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
والواقع أنَّ الأزمات العربية على الرغم من تباينها من حيث طبيعتها وظروفها والأسباب التي أدت إلى نشأتها وتطورها، إلاَّ أنَّه من الملاحظ أنَّ معظمها هو نتاج لظاهرة الفراغ الإستراتيجي الذي نَجَم عمَّا أُطلق عليه (بثورات الربيع العربي) والتي اندلعت في عام 2011 م وما تلاها. فقد أسفرت هذه الثورات عن عدد من المتغيرات أبرزها إسقاط حكومات وكيانات سياسية ومنظومات أمنية ، ومن ثم بزوغ فراغ إستراتيجي أفضى إلى اندلاع الصراعات المسلحة والحروب الأهلية كما هو الحال في كل من (سوريا واليمن وليبيا).
ومن اللافت للنظر أنَّ جميع الأزمات العربية قد تدخّلت فيها أطراف إقليمية وأخرى دولية، بالإضافة إلى تفاقم البُعد المذهبي والاعتبارات القبلية والعشائرية في الصراعات المسلحة، ناهيك عن تنامي دور التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة المتطرفة، مما أدى إلى تفاقم هذه الأزمات وزيادة تعقدها وتعثر المساعي الإقليمية والدولية؛ لإيجاد تسويات سياسية لهذه الأزمات. هذا فضلًا عن التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها تلك الأزمات على دولها وانعكست في مجملها سلبًا على الأمن القومي العربي.
وقد شهد النظام الدولي في العقد الأخير حالة من عدم الاستقرار والتخبط الإستراتيجي وقد تجلت هذه الحالة من خلال عدد من المعطيات، لعل أبرزها تراجع الولايات المتحدة عن التدخل في مشكلات المنطقة العربية وعزوفها عن الانخراط فيها، وتتمثل أبرز التطورات أيضًا في سعي العديد من الفاعلين الإقليميين وبصفةٍ خاصة كل من: تركيا وإيران وإسرائيل ( دول الجوار الجغرافي للنظام الإقليمي العربي ) إلى ملء الفراغ الناتج عن تراجع السياسات التدخلية لواشنطن في أزمات المنطقة وسعي هذه القوى الإقليمية إلى توسيع دائرة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط مستغلة في ذلك ما تمر به المنطقة من أزمات للمشاركة في صياغة التفاعلات الإقليمية بما يحقق مصالحها.
ولا مراء أنَّ تَراجع موقف الاتحاد الأوروبي إزاء أزمات المنطقة العربية قد أضاف مزيدًا من التعقيد لتلك الأزمات، وانعكس سلبًا على مسارات التسوية السياسية الخاصة بها، وذلك في ضوء عجز المؤسسة الاتحادية في بروكسل عن إيجاد مواقف متناغمة بين دولها تجاه أزمات المنطقة العربية وقضاياها.
وجدير بالذكر أنَّه على الرغم من انتشار جائحة فيروس كورونا وتزايد معدلات الإصابة بهذا الفيروس الخطير، فقد واصلت الأطراف المتنازعة في كل من سوريا واليمن وليبيا صراعاتها المسلحة غير عابئة بالدَّعاوي الإقليمية والدولية بالتخلي عن الحروب وتكريس الجهود لمواجهة الأخطار والآثار المدمرة لهذا الفيروس الخطير، وعليه فقد جاءت جائحة فيروس كورونا؛ لتضيف مزيدًا من التعقيد للأزمات العربية؛ ولتضع مزيدًا من العراقيل أمام مسارات التسوية السياسية لهذه الأزمات، حيث استغلتها العديد من الأطراف المتنازعة؛ لتحقيق مكاسب عسكرية ميدانية.
الأزمات العربية وتعثر مسارات التسوية السياسية:
على الرغم من الجهود والمساعي المبذولة على الصعيدين الإقليمي والدولي للتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات العربية الراهنة في كل من: سوريا واليمن وليبيا ، إلاَّ أنَّ هذه الجهود قد تَعثَّرت في ضوء بلوغ تلك الأزمات درجات غير مسبوقة من التعقيد؛ فقد طرحت خلال السنوات الماضية العديد من صياغات التسوية السياسية دون جدوى. الأمر الذي دفع العديد من المراقبين والمحللين السياسيين إلى طرح صيغة إدارة تلك الصراعات والأزمات، بدلًا من تسويتها طالما أنَّ ذلك غير مواتٍ، وذلك من خلال الاكتفاء في المرحلة الأولى بالتوقف عن المواجهات العسكرية من قِبَل أطراف الأزمة والعمل على وقف إطلاق النار.
- في سوريـا:
تحركت العديد من الأطراف العربية والدولية لإيجاد حلول سياسية للأزمة الراهنة، إلاَّ أنَّ الجهود العربية لم تُكلَّل بالنجاح. كما عجزت الأمم المتحدة عن التَّوصُّلِ إلى صيغة سياسية مناسبة تقبلها جميع الأطراف، حيث لم تصل جهود مبعوثيها إلى نتائج ملموسة سوى ما سُمي بـ (إعلان جنيف) فعقب اجتماع لدول مجموعة العمل الدولي حول سوريا صدر بيان جنيف في( 30 يونيو 2012 م) ،والذي أَوْضح أنَّ أيّ تسوية سياسية للأزمة السورية يجب أن تتضمن مرحلة انتقالية، وقد حدَّد البيان الخطوات الرئيسية في المرحلة الانتقالية والتي تتمثل في: تأسيس هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة، ومشاركة جميع عناصر وأطياف المجتمع السوري في الحوار الوطني، وتمكين إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر تضررًا وإطلاق سراح المعتقلين.
وجدير بالذكر أنَّه في أعقاب التدخل العسكري الروسي في سوريا طورت روسيا آلية (اجتماعات أستانة) للمسار السياسي وقد ضمَّت هذه الاجتماعات الأطراف المعنية بالأزمة السورية إلى جانب كل من الأتراك والإيرانيين، ولم تسفر هذه الاجتماعات سوى عمَّا عُرِف بـ (اتفاقات خفض التصعيد) في عدد من المناطق السورية.
وفي إطار الجهود المبذولة لتمهيد الطريق أمام التوصل إلى تسوية سياسية ملائمة عقد ممثلو الحكومة السورية والمعارضة اجتماعات في جنيف في شهر أغسطس عام 2020 م، وذلك تحت مظلَّة الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى نقاط مشتركة حول الدستور السوري. إلاَّ أنَّ هذه الاجتماعات لم تسفر عن أي تقدم ملموس؛ لوجود خلافات قوية بين الجانبين.
- في اليمـن:
في إطار المساعي المبذولة لاحتواء الأزمة اليمنية طرحت مبادرة خليجية تم التوقيع عليها من قبل كافة الأطراف في العاصمة السعودية (الرياض) في ( 23 نوفمبر 2011 م). وقد تَعثَّرت هذه المبادرة الخليجية في التحرك نحو بناء الدولة المدنية وتحريك العملية الديمقراطية في اليمن، إلاَّ أنَّها تضمَّنت خطوات أولية هامة سعت إلى تنفيذها لعل أبرزها انتخاب رئيس جمهورية جديد هو عبد ربه منصور هادي، وانعقاد مؤتمر الحوار الوطني خلال شهر مارس 2013 م في العاصمة صنعاء والذي تطرق للعديد من القضايا الهامة مثل: استرداد الأموال والأراضي المنهوبة، أُسس بناء الجيش والأمن، شَكل الدولة ونظام الحكم والانتخابات، المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. وجدير بالذكر أنَّ تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني قد واجهت العديد من العراقيل، وذلك في ضوء استمرار المواجهات المسلحة وتنامي القوة العسكرية لجماعة الحوثي عبر منظمة (أنصار الله) المسلحة وما تلقَّاه من دعم إيراني خارجي، هذا إلى جانب ضعف المنظومة الحكومية وتنامي دعوات الانفصال الجهوية خاصة الجنوبية منها.
وفي إطار الجهود الأممية المبذولة لتسوية الأزمة اليمنية عقد في (13 ديسمبر 2018 م) اجتماع في (ستوكهولم) ضم وفدًا عن كل من الحكومة اليمنية والحوثيين وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة، وقد تمخَّضت المحادثات بين الجانبين عن توقيع (اتفاق الحُديدة) 2018 م، وبموجب الاتفاق تم وقف كامل لإطلاق النار وانسحاب عسكري لكافة الأطراف من محافظة الحديدة. كما تضمن الاتفاق أيضًا إشراف قوى محلية على النظام في المدينة؛ لتبقى (الحُديدة) ممرًا آمنًا للمساعدات الإنسانية. ويقضي الاتفاق أيضًا بانسحاب ميليشيات الحوثي من المدينة والميناء خلال (14) يومًا وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، هذا إلى جانب تشكيل لجنة بإشراف الأمم المتحدة تتولى إعادة انتشار القوات اليمنية في الحُديدة. وقد تم خرق هذا الاتفاق في ضوء تجدد الاشتباكات في المدينة بين الحوثيين والقوات اليمنية المشتركة التابعة للحكومة الشرعية والتي يدعهما التحالف العربي، وقيام ميليشيات الحوثي بعرقلة وصول مساعدات الإغاثة الإنسانية.
من ناحية أخرى، وفي ظل سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن ومحافظتي (لحج والضالع) تمكَّنت السعودية من جمع طرفي الصراع وهما الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في( 5 نوفمبر 2019 م) حيث تم التوصل إلى اتفاق عُرِف بـ (اتفاق الرياض)، والذي حقق للمجلس الانتقالي اعترافًا حكوميًا وإقليميًا باعتباره طرفًا ومنحه السلطة، إلاَّ أنَّه جرده من تشكيلاته العسكرية والأمنية. وفي ضوء استمرار التصعيد العسكري بين الجانبين، فقد تَعثَّرت المفاوضات المباشرة التي دعت إليها السعودية بمدينة عدن بين ممثلين عسكريين عن الحكومة وعن المجلس الانتقالي.
- في ليبيـا:
سعت منظمة الأمم المتحدة إلى احتواء الأزمة الليبية من خلال إرسال مبعوثها (برناردينو ليون) مندوبًا عنها، والذي سعى إلى صياغة اتفاق بين الفصائل الليبية المتنازعة، إلاَّ أنَّه أُتُّهِم بانحيازه لفريق حفتر ثمَّ خلفه مارتن كوبلر وتم صياغة (اتفاق الصخيرات) في المغرب بتاريخ (17 ديسمبر عام 2015 م) تحت مظلّة الأمم المتحدة. وقد نص الاتفاق على: “تكوين حكومة وفاق وطني تدير المرحلة الانتقالية لمدة ثمانية عشر شهرًا، وتشكيل المجلس الرئاسي ومنح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني من بينها قيادة الجيش والقوات المسلحة، وتشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد”. وقد تمثَّلت أبرز نتائج توقيع “اتفاق الصخيرات” في تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
وفي سبتمبر عام 2017 م أطلق المبعوث الأممي إلى ليبيا “غسان سلامة” ما يُسمى بـ (خطة العمل الجديدة من أجل ليبيا) بهدف التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة بنهاية عام 2018 م. وقد تضمَّنت الخطة عددًا من البنود أبرزها: عقد مؤتمر وطني للمصالحة الوطنية الشاملة، تنظيم استفتاء على دستور جديد لليبيا، إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعد أقصاه سبتمبر 2018 م، إلاَّ أنَّ هذه الخطة تعثَّرت ولم ينفذ أي بند من بنودها.
واستكمالًا للجهود الأممية المبذولة للتوصل إلي حل سلمي للأزمة الليبية واستنادًا إلي عملية التشاور من قبل الحكومة الألمانية والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة بشأن الأوضاع في ليبيا عقد بتاريخ( 19 يناير 2020 م) (مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا ) والذي شاركت فيه حكومات كل من : (الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا وجمهورية الكونغو والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وممثلون عن الأمم المتحدة بما في ذلك الأمين العام وممثله الخاص في ليبيا والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية). ولقد تمثلت أبرز مخرجات مؤتمر برلين الدولي في : “دعوة جميع الأطراف المعنية إلي مضاعفة جهودها المبذولة من أجل وقف الأعمال العدائية وإنهاء كل التحركات العسكرية وذلك اعتبارًا من بداية عملية وقف إطلاق النار، والتأكيد علي ضرورة محاربة الإرهاب في ليبيا بكل الطرق الممكنة والدعوة إلي عملية شاملة؛ لتسريح الجماعات المسلحة والميلشيات ونزع الأسلحة منها وإعادة ادماجها في مؤسسات الدولة، والالتزام الكامل باحترام وتنفيذ حظر الأسلحة بموجب قرار مجلس الأمن1970 م الصادر عام 2011 م، وحث جميع الأطراف الليبية علي استئناف العملية السياسية الشاملة تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وتمهيد الطريق؛ لإنهاء الفترة الانتقالية عبر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة، والتأكيد علي أهمية صون سلامة كافة المؤسسات اللّيبية بمافي ذلك المؤسسة الوطنية للنفط ، ودعم تأسيس آلية إعادة إعمار ليبيا من أجل دعم التنمية وإعادة الإعمار في كافة المناطق .
وفي إطار الجهود الإقليمية المبذولة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية طرحت جمهورية مصر العربية بتاريخ (6 يونيو 2020 م) مبادرة جديدة فيما سُمي بـ (إعلان القاهرة) والذي تمثلت بنوده في: التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار، وارتكاز المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين الذي نتج عنه حل سياسي شامل يتضمن مسارات سياسية وأمنية واقتصادية، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها، وإعادة سيطرة الدولة الليبية على مؤسساتها الوطنية بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية مع تحمل الجيش الوطني مسؤولياته في مكافحة الإرهاب، وقيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي والذي يقوم باتخاذ قراراته بالأغلبية. ويُعدُّ (إعلان القاهرة) بمثابة خارطة طريق لحل الأزمة اللّيبية ووقف نزيف الحرب وتجنيب الحل العسكري وإعلاء المصلحة الوطنية اللّيبية، إلاَّ أنَّه لم يتم تنفيذ أيّ بند من بنوده.
وفيما يتعلق بالحوار السياسي اللّيبي انطلقت بتاريخ (7 سبتمبر2020 م) في بوزنيقة قرب العاصمة المغربية الرباط المحادثات اللّيبية ـــ اللّيبية، وذلك بمشاركة وفدين من المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس ومجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقرًا له. وقد أكدَّ المشاركون في المحادثات اللّيبية أنَّها لا تُشكّل مبادرة موازية للجهود الأممية وإنَّما تمثل تكميلًا لدورها في حلحلة الأزمة ومحاولة من جانب طرفيها لإحداث اختراق في الجمود السياسي اللّيبي عبر التوصل إلى حل توافقي سياسي وسلمي، وقد تطرَّقت لجنة الحوار السياسي إلى العديد من القضايا والإجراءات من بينها تشكيل حكومة انتقالية جديدة ورسم الطريق إلى الانتخابات وتوزيع المناصب السيادية السبعة في البلاد بالإضافة إلى الترتيبات الدستورية، وقد بدا لافتًا وجود مؤشرات لدى الفرقاء الليبيين للانتقال من المنطق العسكري إلى المنطق السياسي، حيث نجح الجانبان في تجاوز العديد من الأمور والإشكاليات العالقة حول طريقة وآليات توزيع وتولي المناصب السيادية ومعايير وشروط الاختيار.
وقد أسفر منتدى الحوار السياسي الليبي ـــ الليبي عن الإعلان عن تفاهمات نهائية حول معايير المناصب القيادية بالوظائف السيادية، حيث تم الاتفاق على أنَّ يتمتع كل مرشح لأيّ منصب من المناصب السيادية بالجنسية اللّيبية فقط بالإضافة إلى عنصر الكفاءة. كما توافق طرفا الحوار الليبي علي فتح عملية الترشح للمناصب لجميع الليبيين. وفي هذا الإطار تم تسجيل تفاهم مبدئي بين المشاركين في الحوار بخصوص توزيع مناصب السلطة التنفيذية الجديدة بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، حيث تنازل إقليم طرابلس (غرب ليبيا) عن منصب رئاسة المجلس الرئاسي للمنطقة الشرقية (برقة) شريطة حصوله على منصب رئاسة الحكومة، بينما سيكون إقليم الجنوب ممثلًا في السلطتين على مستوي النواب، وبالإضافة إلى ذلك فقد توصل الجانبان إلى خارطة طريق مبدئية لإنهاء الفترة الانتقالية وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في (24 ديسمبر عام 2021 م). وقد مهّدت مخرجات الحوار الليبي – الليبي لانفراجة في مسار الأزمة الليبية، كما مثَّلت خطوة هامة على طريق توحيد مؤسسات البلاد.
وعلى الصعيد العسكري بحثت اللَّجنة الليبية العسكرية المشتركة (5+5) بين وفدي الجيش اللّيبي وحكومة الوفاق العديد من البنود من بينها وقف إطلاق النار، وحل المليشيات وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وإعادة تأهيل ودمج المسلحين في المؤسسات الأمنية، وتأمين حقول النفط والمنشآت النفطية. وقد توافقت الأطراف الليبية خلال محادثات اللَّجنة العسكرية المنعقدة في جنيف بتاريخ (23 أكتوبر 2020 م) على إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في كافة الأراضي الليبية. وقد لاقت هذه الخطوة استحسانًا من قبل العديد من المسئولين بالمنظمات الدولية والإقليمية وبصفة خاصة كل من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والتي اعتبرتها بمثابة خطوة عملية ملموسة نحو إحلال السلام في البلاد.
والواقع أن استعصاء أو تَعثُّر التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات العربية يرجع بشكلٍ عام إلى العديد من العوامل أبرزها:
- عُمق الخلافات بين الأطراف السياسية الداخلية في الدولة الواحدة، إذ تَعود الخلافات إلى بداية تكوين هذه الدول بعد حصولها على الاستقلال.
- تبعات مرحلة ما بعد الاستقلال وافتقاد هذه الدول إلى نموذج الدولة الوطنية التي ترتكز على قيم المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص.
- ارتكاز العملية السياسية في تلك الدول على الاعتبارات القبلية وما يرتبط بذلك من ولاءات وانتماءات للقبيلة أو العشيرة.
- تَأَصُل النزاعات القائمة على أسباب مذهبية وبصفة خاصة مذهبي السُنة والشيعة.
- التدخل الخارجي من جانب القوى الإقليمية والدولية في مجريات الأحداث والتطورات.
- غياب وجود إستراتيجيات عربية مشتركة للتحرك والتعاطي مع الأزمات بما في ذلك تقديم أطروحات لحلحلتها والتوصل إلى تسويات سياسية لها.
الأزمات العربية في ظل التفاعلات الدولية والإقليمية:
شهد النظام الدولي في العقد الأخير حالة من عدم الاستقرار والتخبط الإستراتيجي وقد تَجلَّت هذه الحالة بوضوح من خلال عدد من المعطيات والمستجدات لعل أبرزها تراجع الدور الأمريكي فيما يتعلق بالسياسات التدخلية النشطة للولايات المتحدة في أزمات منطقة الشرق الأوسط ـــ خصوصًا تلك التي تنطوي على شبهة التورط العسكري، وتكشف التحركات الروسية والصينية المتزايدة عن أنَّ ثمة تغيرات كبرى يشهدها النظام الدولي والمتمثلة في أنَّ القوة لم تعد حكرًا على طرف أو فاعل واحد، بل أصبحت موزعة على عدد من الفاعلين الرئيسيين، وأنَّ موازين القوى العالمية لم تعد كما كانت سابقًا. الأمر الذي يؤدي إلى إعادة ترتيب الأوضاع الجيوسياسية العالمية بما يتوافق مع هذه المستجدات، وتتمثل أبرز المستجدات التي شهدها النظام الدولي أيضًا في أنَّ القوة أو القدرة العسكرية لم تعد وحدها العنصر الوحيد في مفهوم القوة، فقد ظهر بالتوازي مع ذلك مفهوم “القوة الناعمة” والتي ترتكز على البعد الثقافي والقيم السياسية وجاذبيتهما في تحقيق أهداف الدولة والوصول إلى ما تريده دون استخدام القوة العسكرية. غير أنَّ أحدث تطورات مفهوم القوة يتمثل فيما يسمى (بالقوة الإلكترونية)، حيث أدى التطور الإلكتروني وانتشار الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وتوسع استخدامها إلى إعادة تشكيل مفهوم القوة بشكلٍ جديد، حيث أصبحت القوة الإلكترونية من أبرز العناصر المؤثرة في النظام الدولي من خلال إسهامها في تغيير معايير القوة، مما أدى إلى إحداث تغيرات في بنية النظام الدولي وترتيب الفاعلين في إطاره.
وتتمثل أبرز التطورات التي شهدها النظام الدولي أيضًا في سعي العديد من الفاعلين الإقليميين وبصفة خاصة كل من تركيا وإيران وإسرائيل – دول الجوار الجغرافي للنظام الإقليمي العربي- إلى ملء الفراغ الناتج عن تراجع السياسات التدخلية لواشنطن في أزمات المنطقة، وسعي هذه القوى الإقليمية إلى توسيع دائرة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط مستغلة في ذلك ما تمر به المنطقة من أزمات للمشاركة في صياغة التفاعلات الإقليمية بما يحقق مصالحها. فعلى سبيل المثال أدت تطلعات تركيا التوسعية -ابتداءً من سوريا ومرورًا بالعراق وانتهاءً بليبيا- إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. وتُظهر أنقرة مزيدًا من الإصرار؛ لتحقيق (مشروعها العثماني) طامحة إلى فرض زعامتها على كل من شرق المتوسط والعالم الإسلامي. هذا بالإضافة إلى سعيها إلى البحث عن موارد جديدة لدعم اقتصادها، الأمر الذي يفسر لنا الاندفاعات التركية تجاه ليبيا، وذلك انطلاقًا من حرص تركيا على السيطرة على الثروات -وبصفةٍ خاصة النفط والغاز الطبيعي- في شرق المتوسط.
وانطلاقًا من كون المنطقة العربية تتجه نحو صياغة جغرافية وسياسية جديدة فقد استغلت إيران أيضًا كقوة إقليمية متنامية ما تمر به المنطقة من أزمات للمشاركة في إعادة صياغة التفاعلات الإقليمية بما يخدم مصالحها. وقد سعت طهران إلى التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من البلدان العربية، خاصة تلك التي تشهد أزمات وصراعات مسلحة، معتمدة في ذلك على ملء الفراغات الناشئة عن اختلالات التوازن في تلك المناطق، ويرتكز مشروع إيران الإقليمي على التحرك بنشاط في مناطق العراق ودول الخليج العربي وسوريا ولبنان؛ لإصباغ الطابع الطائفي على مجتمعات تلك الدول فيما يسمى بسياسات (تشييع المنطقة).
وبالنسبة لإسرائيل نجد أنَّه انطلاقًا من كون إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي تضع أمن إسرائيل في المرتبة نفسها مع أمن الولايات المتحدة، مما أدى إلى اعتماد إسرائيل بشكلٍ أساسي على الدعم السياسي والمساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة. كما أدى أيضًا إلى تشجيع إسرائيل على عدم احترام مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ودفعها إلى ممارسة نهج غطرسة القوة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على أساس أنَّها تخدم المصالح الأمريكية وتحميها في تلك المنطقة. وفي هذا الإطار جاء إعلان المسؤولين الإسرائيليين عن نيتهم لضم الضفة الغربية، هذا إلى جانب مواصلة إسرائيل هجماتها الصاروخية على الأراضي السورية وبصفة خاصة جنوب العاصمة دمشق. ومما لا شك فيه أن ما طرحته الإدارة الأمريكية بما يسمى بـ (صفقة القرن) يضيف صفحة جديدة إلى سجل المواقف الأمريكية السابقة المنحازة لإسرائيل، الأمر الذي يقوض الجهود المبذولة لإقامة سلام عادل وشامل في المنطقة. وتستهدف هذه الصفقة بالأساس تغييب الحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية والإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية وإنهاء أي مظاهر للسلطة الفلسطينية، وذلك بهدف صياغة ملامح (شرق أوسط جديد)، الأمر الذي يمثل خطرًا على المنطقة العربية بأسرها وينعكس سلبًا على منظومة الأمن القومي العربي.
وجدير بالذكر أنَّ نهج الإدارة الأمريكية في ظل الرئيس “دونالد ترامب” في التعاطي مع الأزمات العربية من خلال تراجعها عن التدخل المباشر وقيامها بوضع العراقيل والعقبات أمام التسويات السياسية لهذه الأزمات قد أسهم في زيادة تعقدها وإطالة أمدها. ففيما يتعلق بالأزمة السورية لوحظ أنَّه كلما وصلت الأزمة إلى نقطة حاسمة تبشر ببداية حل سياسي لها، سارعت واشنطن إلى وضع عقبة أمام هذا الاحتمال وإعادة الأزمة إلى المربع الأول، وقد ظهر ذلك جليًا في تعاطيها مع معضلة (أدلب). ويأتي في هذا الإطار أيضًا التغاضي الأمريكي عما تقوم به أنقرة في المنطقة العربية، حيث يرتكز اندفاع الرئيس التركي أردوغان فيها على مباركة أمريكية وعلى أنَّ إدارة ترامب قد منحته الضوء الأخضر دون أدنى اعتراض على تحركاته التوسعية، وبالنسبة لملف الأزمة الليبية فعلى الرغم مما يتسم به موقف واشنطن من عدم الوضوح إذ حرصت على عدم الإلقاء بثقلها في هذا الملف، إلاَّ أنَّها قد سارعت بالاعتراف بـ(اتفاق الصخيرات) الذي وقع في عام 2015 م وتشكلت بناءً عليه حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج. كما استمرت واشنطن في تقديم الدعم لحكومة السراج في مجال مكافحة الإرهاب بدعم من فريق قوات (أفريكوم) الأمريكية في ليبيا، وفي الوقت الذي لم تبدْ فيه واشنطن أدنى اعتراض على التدخل العسكري التركي في ليبيا رغم مخالفته لقرارات الأمم المتحدة، نجدها قد بادرت بتخفيض عدد قواتها الموجودة في ليبيا بشكلٍ مؤقت في ظل تصاعد المواجهات العسكرية بين كل من الجيش الوطني الليبي وقوات ميليشيات حكومة الوفاق الوطني.
ولا مراء أنَّ تَراجع موقف الاتحاد الأوروبي إزاء أزمات المنطقة العربية قد أضاف مزيدًا من التعقيد لهذه الأزمات وانعكس سلبًا على مسارات التسوية السياسية لتلك الأزمات، فمن خلال متابعة النشاط الخارجي للاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة لوحظ عجز هذه المنظمة الإقليمية عن بلورة موقف رسمي مشترك فيما يتعلق بمواقفها وسياساتها المرتبطة بالمنطقة العربية وقضاياها، وقد ساعد هذا العجز وشجَّع الدول الأوروبية على فتح قنوات تواصل وتفاوض بشكلٍ منفرد على حدة، بل ومتناقض في الكثير من الأحيان.
الأزمات العربية… إلــى أيــن؟
لا مراء أنَّ النظام الإقليمي العربي أضحى يعيش عصر (الأزمة المفتوحة) حيث صارت كافة الأزمات والصراعات في الوطن العربي تبحث وتناقش خارجه وفي حضور أطراف غير عربية خاصة في ظل غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر للتعاطي مع الأزمات الراهنة، وفي هذا السياق لُوحِظ غياب دور جامعة الدول العربية عن معالجة الأزمات الحالية وعجزها عن أن تفرض نفسها كلاعب عربي وإقليمي على غرار المنظمات المماثلة لها من خلال إعداد سيناريوهات لحلحلة تلك الأزمات، ويرجع ذلك بالأساس إلى أنَّه بالرغم من توافر قدر من التوافق بين الدول العربية على تحديد التهديدات المشتركة، إلاَّ أنَّه لا توجد إستراتيجية عربية موحدة لمواجهة التهديدات والمخاطر وللتعاطي مع الأزمات بما يُسهم في التوصل إلى حلول وتسويات سياسية لها. ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال إغفال أنَّ هناك قرارات عربية سيادية إمَّا صادرة عن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري ، أو على مستوى القمة تُحدد الموقف العربي الجماعي من الأزمات، إلاَّ أنَّه لا توجد إستراتيجية متكاملة وشاملة للفعل والتحرك والتعاطي مع تلك الأزمات بمافي ذلك تقديم أطروحات لحلحلتها والتوصل إلى تسويات سياسية لهاــ ناهيك عن أنَّ قضايا الأمن القومي العربي مازال يتم التعامل معها بمقاربة التجزئة إلى ملفات، في الوقت الذي ينبغي فيه التعاطي معها من خلال مقاربة التكامل والترابط، وذلك بما يُسهم في التعامل الناجع والفعال مع الملفات الخطيرة التي تمثل تهديدًا رئيسيًا لمنظومة الأمن القومي العربي.
وفي هذا السياق يرى كثير من المحللين السياسيين أنَّ الأزمات العربية قد استفحلت وتعقدت ووصلت إلى مفترق الطرق، الأمر الذي يستعصي معه التوصل إلى تسويات سياسية لهذه الأزمات، وذلك في ضوء طرح العديد من صيغ التسوية في السنوات الماضية دون جدوى. وعليه فإنَّ غاية الممكن هو إدارة الأزمات وليس حلها والاكتفاء بوضع ترتيبات وقف إطلاق النار، والإشراف عليه ومساعدة الأطراف المتنازعة على تقديم المساعدات الإنسانية بما في ذلك الطبية لمواجهة جائحة فيروس كورونا المتفشية.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية للأزمات العربية بما في ذلك سيناريو الحل السياسي والخروج من الأزمة، فقد طرحت العديد من مراكز البحوث الإستراتيجية تصوراتها في هذا الشأن، وذلك على النحو التالي:
- فيما يتعلق بالأزمة السورية:
تحكم مستقبل الأزمة في سوريا أربعة سيناريوهات رئيسية تراوح ما بين الحسم العسكري، والحل السياسي الشامل أو الجزئي، واستمرار حالة المواجهات المسلحة والاستنزاف القائمة، أو تحول الوضع الميداني المؤقت إلى وضعٍ دائمٍ عبر سيناريو التقسيم الفيدرالي، أو عبر كيانات الحكم الذاتي وصولًا إلى الفيدرالية.
وفي ضوء تعقد الأزمة السورية وتدويلها فإنَّ المدخل لحلها يكمن في توافق الفاعلين الدوليين والإقليميين المنخرطين في الأزمة على فرض وقف إطلاق النار الشامل والدفع بالمسار السياسي تمهيدًا للمصالحة الوطنية في سوريا؛ ولإعادة بناء النظام السياسي من قبل السوريين. وتتمثل أبرز الخطوات الإجرائية لإستراتيجية الخروج من الأزمة:
إعلان وقف إطلاق النار الشامل بين أطراف الصراع بتوافقات إقليمية ودولية، على أن يشمل كل سوريا وبدء المصالحة الوطنية.
- إعادة بناء نظام سياسي ديمقراطي تعددي يُرسّخ مفاهيم حرية العمل الحزبي وتداول السلطة ودولة المواطنة.
- الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب كافة القوات الأجنبية من البلاد.
- توفير ضمانات كافية لطمأنة اللاجئين بالعودة إلى أوطانهم وذلك برعاية إقليمية ودولية.
- تحقيق العدالة الانتقالية بمفهومها الشامل بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين وإجراء المصالحات المجتمعية وتقديم التعويضات للضحايا والمتضررين.
- الشروع في إعادة إعمار البلاد وتوفير البنى التحتية (الصحة والتعليم والنقل) من خلال آليات دولية وإقليمية.
- وبالنسبة للأزمة اليمنيـة:
في ضوء تعقد الأزمة اليمنية يطرح الخبراء الإستراتيجيون تصورات للسيناريوهات المحتملة لهذه الأزمة والمتمثلة في سيناريوهين أساسيين: الأول استمرار سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة واحتدام المواجهة المسلحة، ومن ثمَّ انهيار مؤسسات الدولة وسيطرة حالة من الفوضى، بما في ذلك زيادة نفوذ القوى الإرهابية والمتطرفة مثل (أنصار الله والقاعدة). الأمر الذي قد يفضي إلى الانفصال والتقسيم على أُسس جهوية أو طائفية لبعض مناطق اليمن وخاصة الشمال في صعدة والجنوب في عدن. أما السيناريو الثاني فيتمثل في التوصل إلى تسوية سياسية والعودة إلى المسار الديمقراطي وتنفيذ برنامج المرحلة الانتقالية، الأمر الذي يُعيد الاستقرار إلى اليمن.
وانطلاقًا من رؤية إستراتيجية تحترم المصالح العليا للأمة اليمنية يطرح الخبراء عددًا من الخطوات الإجرائية للخروج من الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار الصعوبات التي قد تكتنف تنفيذ هذه الخطوات والمتمثلة فيما يلي:
- إجراء حوار حقيقي بين الفرقاء اليمنيين برعاية إقليمية ودولية.
- انسحاب كافة المليشيات المسلحة من العاصمة والمحافظات وإعادة سيطرة جهاز الأمن على الأوضاع.
- إجراء الاستفتاء على مسودة الدستور لتُجرى بعدها انتخابات رئاسية وبرلمانية.
- إعادة تأهيل وبناء وتدريب وتوحيد الجيش وقوى الأمن.
- استعادة أجهزة الدولة سيطرتها على كافة مؤسسات الدولة.
- فيما يتعلق بالأزمة الليبية:
يطرح الخبراء الإستراتيجيون أربعة سيناريوهات متوقعة للأزمة الليبية :
أولها: وقف الأعمال القتالية واللجوء إلى الحل السياسي ارتكازًا على اتفاق الصخيرات وقبول حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عنه.
وثانيها: عسكرة الدولة وحسم القتال في ليبيا عسكريًا لصالح اللواء حفتر وسيطرة قواته على مؤسسات الدولة، ومن ثمَّ انهيار (اتفاق الصخيرات) وحكومة الوفاق المنبثقة عنه.
وثالثها: تقسيم الدولة إلى كيانين منفصلين أو أكثر ارتكازًا على اعتبارات سياسية وجغرافية وقبلية.
أما السيناريو الرابع : فيتمثل في جمود الوضع القائم واستمرار حالة الاقتتال والفوضى وعدم الاستقرار.
ولا مراء أنَّ استمرار الوضع القائم ينطوي على مخاطر جسيمة على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، بينما ينطوي الحل السياسي على نتائج إيجابية كبيرة، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود الليبية والإقليمية والدولية من أجل إنجازه وتذليل العقبات التي قد تعترض طريقه.
والواقع أنَّ ما أبدته الأطراف الليبية من مرونة في الحوار وتذليل العقبات في المفاوضات الأخيرة التي عقدت بتاريخ (7سبتمبر 2020 م) في بوزنيقة بالمملكة المغربية تعكس بالفعل مدى جدّية الفرقاء الليبيين للتوصل إلى حل سياسي وإنهاء الأزمة القائمة. إلاَّ أنَّه من الأهمية أن تضطلع منظمة الأمم المتحدة بدور أكثر حضورًا وفاعلية في تعاطيها مع الأزمة الليبية من خلال بذل المساعي لنزع سلاح الميلشيات المسلحة خلال إطار زمني محدد وفرض عقوبات صارمة على الأطراف الخارجية التي تنتهك قرار حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وبجميع الأحوال فإنَّ مستقبل تسوية الأزمة الليبية مرهون بالإرادة السياسية للفرقاء الليبيين ومدى جديتهم في تحقيق المصالحة الشاملة وإبداء المرونة في التعاطي مع الملفات الشائكة وتجاوز العقبات التي قد تعرقل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة، وفي هذا الإطار تتمثل أبرز الخطوات الإجرائية من أجل إنجاز الحل السياسي فيما يلي:
- الالتزام بالوقف الفوري لإطلاق النار ولكافة الأعمال القتالية ووقف استنزاف مقدرات الدولة.
- حرص الأطراف الليبية على الحفاظ على وحدة البلاد والحيلولة دون تقسيمها على أسس سياسية أو جغرافية أو قبلية.
- توقف دول الجوار والأطراف الإقليمية عن دعم الأطراف المتنازعة بالسلاح والدفع باتجاه إنجاح الجهود السياسية.
- تذليل العقبات التي قد تعترض المسار السياسي والتزام الأطراف الدولية بمخرجات الاتفاق السياسي الذي يتم التوصل إليه.