بادئ ذي بدء فإن هذا الوعد الذي تعارف عليه بأنه “تصريح”. كان وعدًا من وزير الخارجية البريطاني اللورد “آرثر بلفور” إلى زعيم اليهود الإنجليزي اللورد “جيمس روتشيلد”. وكان وعدًا بسيطًا واضحًا قاطعًا ومؤرخًا في 2 نوفمبر 1917.
(عزيزي اللورد روتشيلد
إنه من دواعي سروري الكبير أن أنقل لكم باسم حكومة صاحب الجلالة الإعلان التالي عن التعاطف مع الأماني اليهودية والصهيونية الذي تم عرضه وإقراره بواسطة مجلس الوزراء ونصه كما يلي:
إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بالعطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وسوف تبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف. ومن المفهوم أن هذا الإعلان لا يمثل تحيزًا ضد الحقوق المدنية والدينية لطوائف غير يهودية موجودة في فلسطين. كما أنه لا يؤثر على الأوضاع القانونية أو السياسية التي يتمتع بها اليهود في البلاد الأخرى. وسأكون شاكرًا لكم إذا تفضلتم وأبلغتم هذا الإعلان لعلم الاتحاد الصهيوني.)
إذًا هذا هو الوعد أو التصريح الذي يظن الكثيرون أنه كان اللبنة أو الخطوة الأولى في سلب فلسطين من أمتها العربية والإسلامية، وتسليمها إلى شتات يهود العالم ليستوطنوا بها.
هذا ويعتبر اليهود هذا التصريح، إحدى المراحل المهمة في مسعاهم، للسيطرة على فلسطين، وبالمقابل يصفه الفلسطينيون بـ “الوعد المشؤوم” ويعتبرونه اللبنة الأولى التي أسست لنكبتهم عام 1948. ويرون أن هذا التصريح دليل على تآمر بريطانيا ضد الفلسطينيين.
وإذا كان وعد بلفور كان الصدمة الأولى للعرب في عام 1917 فإن العرب قد تلقوا الصدمة الثانية سريعًا، ففي إبريل 1920 عقد مؤتمر “سان ريمون” والذي تقرر فيه وضع القطاع العربي الشمالي الممتد من البحر الأبيض المتوسط، إلى فارس، تحت الانتداب، فأعطيت بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين وشرقي الأردن، وأعطيت فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان. وهكذا دخل الشرق العربي في مرحلة الاستعمار الأوروبي (بدلاً عن الاستعمار العثماني) وتجزئة المنطقة العربية إلى وحدات وكيانات سياسية صغيرة.
إلا أن البحث المدقق لهذه المأساة الفلسطينية العربية الإسلامية، يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أنها تعود إلى تواريخ أبعد بكثير عن عام 1917، كما أنها ليست خاصة بمشاكل اليهود للعثور لهم على وطن قومي يجمعهم من أصقاع الأرض، أو خاصةً بمسألة دينية يهودية، أو خاصة بوعد إلهي لهم. فالمسألة بعيدةً عن كل ذلك.
فالبحث تجد أن عالمًا موسوعيًا متخصصًا في المسألة اليهودية مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري، يرى أنه مشروع استعماري (أي إسرائيل) ويوصفها على كونها دولة وظيفيةً، لا علاقة لها في المقام الأول لا باليهود ولا باليهودية، ولكن هذا المشروع الاستعماري استغل اليهود ليكونوا أداته لهذا المشروع الاستعماري، فجاؤوا باليهود من بلدان العالم المختلفة إلى فلسطين تحت شعار أرض الميعاد، وأرض الحب.
وبالبحث نجد أيضًا أنه حين انقلب “كرومويل” على النظام الملكي البريطاني في عام 1653، فكر في نقل اليهود من أوروبا إلى الشرق الأوسط، لتكون مغفرًا أماميًا لحماية القوافل والمصالح القادمة من أوروبا إلى الشرق، فطلب من هولندا باعتبارها تملك أكبر أسطول بحري آنذاك في العالم، طلب منها نقل اليهود إلى الشرق، ولكن لم ينجح هذا المشروع.
ونجد أيضًا عندما فشل نابليون بونابرت في اقتحام أسوار عكا في عام 1799 ولم يستطع أن ينتصر عليها قال: “لابد من إقامة دولة يهودية في فلسطين”، وأيضًا قد فشل هذا المشروع.
وهنا لابد أن نتوقف وننظر جليًا عند بدايات القرن التاسع عشر، وبالتحديد قرب ثلاثينيات هذا القرن، حين بدأت معركة الهجوم الأوروبي على دولة الخلافة العثمانية، والتي بدأت بهجمات متواصلة على الممتلكات الأوروبية لدولة الخلافة، فظهر مطلب تحرير المسيحيين من أسر الخليفة العثماني المسلم، وفجأة دخلت الورقة اليهودية، فرغم أن اليهود كانوا يعيشون في سلام تحت حكم السلطان العثماني، يعيشون متفرقين في ممتلكات تلك الدولة العثمانية ومنذ خروجهم سويًا مع المسلمين من الأندلس، إلا أنهم، أي الغرب، روجوا إلى فكرة إنشاء وطن قومي لليهود، وأخذت هذه الفكرة في التوسع والازدياد يومًا بعد يوم، حتى وصلنا إلى نهاية عام 1838، حين كتب قائد الجيوش البريطانية اللورد “ولنجتون” تقريرًا إلى “بالمرستون” لخص فيه أحوال الشرق الأدنى – الأوسط – جاء فيه:
– نشبت أزمة خطيرة بين مصر (محمد علي) وتركيا.
– استطاع محمد علي تكوين أسطول وجيش يفوقان كل ما يحتاجه للضرورات الشرعية لحكومته وليس لذلك ما يبرره، فقد جند مائة ألف رجل حشدهم ضد الخليفة العثماني، وإنه، أي محمد علي، قد رمى قناع الولاء للخليفة الذي يتظاهر به، وأعلن لقناصل الدول الغربية أنه يريد استقلال مصر، بل ويطالب بضم سوريا.
– تقدم محمد علي بجيوشه على الحدود التركية السورية (احتل سوريا)، واستطاع أسطوله من هزيمة الأسطول التركي، بل وضم الأسطول التركي المنهزم إلى أسطوله، وبه عشرون ألفًا من البحارة. (انتهى ملخص رسالة ولنجتون إلى بالمرستون).
هنا كان على الحكومة البريطانية التدخل السريع لوضع حد لهذه الأوضاع التي يمكن أن تقلب الأطماع البريطانية والأوروبية في وراثة الخلافة العثمانية (الرجل المريض) رأسًا على عقب، إذًا فلابد لبريطانيا من التدخل السريع لإخضاع محمد علي، ودخوله مرة ثانية في طاعة السلطان العثماني، على أن تكون نقطة البدء في هذه الخطة هي انسحاب محمد علي من سوريا، والعمل على ألا يفكر ثانيةً في التقدم شمالاً نحوها، وتكون الخطوة الثانية هي إقناع السلطان العثماني وحاشيته، بأن الحكومة الإنجليزية ترى أن الوقت أصبح مناسبًا لفتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية إليها، حيث إن الوجود اليهودي بها سيشكل عازلاً أمام أطماع محمد علي في التقدم إلى سوريا مرة أخرى، وبالتالي لا يستطيع التقدم إلى تركيا.
إذًا كانت الخطة البريطانية بوجود هذا العازل (إسرائيل) يضمن لها أن تبقى كل من مصر(محمد علي) وتركيا كل منهما في مكانه وأيضًا يمنع أيهما من أن يصبح أقوى مما ينبغي.
واستمرت المحاولات تباعًا، فتكررت مع تشرتشل الجد في عام 1940، وفي عام 1850 حاول القنصل الأمريكي في القدس “وورد كرايسون” حين قال لمجموعة من اليهود كانت حول حائط القدس القديمة “ما رأيكم في أن أعطيكم مستوطنات هنا حول الحائط” إلا أنهم رفضوا قائلين “نحن جئنا للتعبد فقط”. فلجأت الحكومة الأمريكية إلى مسيحيين أمريكيين لإقامة مستوطنات لهم حول الحائط بالقدس القديمة، إلا أنهم رفضوا أيضًا الحياة في فلسطين وعادوا إلى بلادهم.
ولم تنقطع المحاولات حتى أن “جيمس ويلسون” مندوب بريطانيا في أستراليا كتب إلى وزير الخارجية البريطانية، كتابًا يطلب فيه جلب اليهود لإقامة دولة يهودية لهم في فلسطين وبالتحديد بالقدس، ولم تنجح هذه المحاولة أيضًا.
وهنا تجدر الإشارة إلى شخص شديد الأهمية في هذا الصدد وهو “ثيودور هرتزل” الذي كان يدعو اليهود للاندماج في المجتمعات الأوروبية، حتى حدثت واقعة شهيرة لضابط فرنسي في عام 1893 وانقسم المجتمع الفرنسي حول هذه الحادثة إلى قسمين، وهنا تنبه “تيودور هرتزل” إلى أنه لابد من البحث عن وطن لليهود، وكتب أهم وأخطر كتاب في هذا الصدد وهو (دولة اليهود)، وكان يعتبر هذا تغيرًا هامًا وجوهريًا، فبعد أن كان الأوروبيون هم من يبحثون عن مفرزة أمامية متقدمة لهم في الشرق، يدفعون إليها اليهود، ليكونوا هم خط دفاعهم الأول عن المصالح الأوروبية، أصبح اليهود من خلال أفكار “هرتزل” من يبحثون عن وطن لهم.
وبدأت الخطة من خلال الكتاب ومن خلال أفكار “هرتزل” تتبلور وترتكز على مرتكزين أساسيين، الأول يتعلق بالبحث عن الأراضي لشرائها، والثاني وهو خاص بصندوق يختص بالتسفير لنقل اليهود إلى الأرض التي ستكون وطنًا قوميًا لهم.
فزار “هرتزل” فلسطين، وتفتق ذهنه إلى أنه لابد من وجود أرض بلا شعب، وبالتالي تصلح لأن تكون لشعب بلا أرض، وهم اليهود، ورغم أنه عندما زار فلسطين رأى الشعب الفلسطيني رأى العين، إلا أنه، توصل إلى ضرورة محو الفلسطينيين، حتى تصبح فلسطين أرضًا بلا شعب، لتصلح لشعب بلا أرض وهم اليهود، ومن هنا بدأ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897.
ولكن لكي نصل إلى مرحلة تحقيق هذا الحلم الأوروبي الصهيوني، والذي يمكن أن نقول إنه تحقق فعلاً ما بين عامي 1947 و1948 لابد من الرجوع إلى خمس مقدمات أو أحداث هامة، يوجد بينهم ربط وثيق الصلة وبين وجود دولة الكيان الصهيوني، سواء فيما بينهم، أو بينهم وبين تحقيق الحلم على أرض الواقع، وهذه المقدمات الخمس هي: الأول مؤتمر لندن أو مؤتمر (كامبل)، والثاني الرسائل المتبادلة بين الشريف حسين والسير مكماهون، والثالث هو معاهدة بطرسبرج، والرابع اتفاقية سايكسِ/بيكو، والخامس الثورة العربية بقيادة الحسين بن علّى، وذلك الترتيب هو ترتيب زمنى.
مؤتمر لندن (كامبل)
والذي بدأ سرًا في عام 1905 وحتى عام 1907، وكامبل هو رئيس الوزراء البريطاني آنذاك.
وكان قد دعا إلى هذا المؤتمر حزب المحافظين البريطاني، وهو يهدف إلى إعداد إستراتيجية أوروبية، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري لأطول مدة ممكنة.
وضم هذا المؤتمر أهم الدول الاستعمارية وهي بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، أسبانيا، إيطاليا، وذلك لدراسة طرق المواصلات بينهم وبين مستعمراتهم الحالية والمستقبلية، ومن تلك الدراسة توصلوا إلى أن البحر الأبيض المتوسط، هو الشريان الحيوي الذي يربط بينهم كدول استعمارية، وبين مستعمراتهم الحالية والمستقبلية، وهي ما قد يجد من مستعمرات، في خططهم، فهو، أي البحر الأبيض، بالنسبة لهم هو الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، وهو الممر الطبيعي إلى القارتين الهامتين وهما آسيا وأفريقيا، وفي ذات الوقت هو ملتقى طرق العالم.
إلا أن الإشكالية الرئيسية في هذا الشريان أو الجسر أو الممر – البحر الأبيض – أنه مهد الأديان والحضارات، وأن الإشكالية الحقيقية أن من يعيشون على هذا الشريان الحيوي وشواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد، تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللسان – أي العرب -.
وبعد هذه المناقشات والتي استمرت لمدة عامين شارك فيها سياسيون ومفكرون وباحثون وفلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافيا والاقتصاد ويضاف إلى ذلك خبراء في شئون النفط والزراعة والاستعمار. توصل كل هؤلاء إلى مجموعة من التوصيات، كان من أهمها:
1- ضرورة إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة، جاهلة، متأخرة، وهذه التوصية قد توصلوا إليها بعد أن استطاعوا التوصل إلى تقسيم دول العالم، إلى ثلاث فئات.
الأولى: وهى دول الحضارة الغربية المسيحية، وهم دول أوروبا، أمريكا الشمالية، أستراليا (وهى في الحقيقة الدول المستعمرة لمعظم بقية دول العالم) والواجب تجاه دول الفئة الأولى هو الدعم المادي، والعلمي، والتقني حتى تصل إلى مستوى دول المؤتمر.
الثانية: دول لا تقع ضمن دول الحضارة الغربية المسيحية، ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها، ولا تشكل تهديدًا على دول الفئة الأولى – الاستعمارية – وهذه الدول هي دول أمريكا الجنوبية، اليابان، كوريا، وغيرهم، وما توصل إليه المؤتمرون، هو احتواء هذه الدول، ودعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدًا عليها وعلى تفوقها.
الثالثة: دول لا تقع ضمن دول الحضارة الغربية المسيحية، ويوجد تصادم حضاري معها، وتشكل تهديدًا في حال تفوقها، وهي الدول العربية بشكل خاص، الإسلامية بشكل عام، والواجب تجاه دول هذه الفئة الثالثة، هو حرمانها من الدعم، وحرمانها من اكتساب العلوم والمعارف التقنية، وعدم دعمها في هذا المجال، ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية والحديثة.
2- محاربة أي توجه وحدوي في هذه الدول التي تقع في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط (الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام). وتوصل المؤتمرون إلى أنه لتحقيق هذه التوصية يتوجب ضرورة (إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ، يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن الجانب الآسيوي). وبالتالي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب، وهى دولة – إسرائيل -.
نص توصية المؤتمر لإنشاء دولة إسرائيل (إن إقامة حاجز بشري قوي، غريب، على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم، ويربطهما معًا بالبحر الأبيض المتوسط، بحيث يشكل في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس، قوة عدوة لشعوب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها، هو التنفيذ العلمي العاجل للوسائل والسبل المقترحة).
ويضاف في هذه التوصية اعتبار قناة السويس، قوة صديقة للمؤتمرين، ويمكن اعتبارها قوة صديقة للتدخل الأجنبي، وأداة معادية لسكان المنطقة. الأمر الذي يؤدي إلى فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا، فصلاً ماديًا عبر دولة إسرائيل المزمع إنشاؤها.
وكان المؤتمرون قد شكلوا مجموعة من اللجان، منها لجنة المتابعة، والتي سميت بلجنة الاستعمار، والتي كان من أهم وأبرز توصياتها، إقامة دولة إسرائيل. إذًا فإن إقامة دولة إسرائيل، كانت أهم توصية من توصيات مؤتمر لندن أو مؤتمر كامبل، وهي التوصية التي توصلت إليها لجنة الاستعمار.
الرسائل المتبادلة بين الشريف حسين ومكماهون والتي امتدت بين 14 يوليو 1915 وحتى 10 مارس 1916
لقيت التطلعات العربية في التحرر من نير استعمار الخلافة العثمانية لبلادهم، تشجيعًا وتأييدًا من قبل بريطانيا، خاصة بعد نشوب الحرب ودخول تركيا فيه، إلى جانب ألمانيا، بالرغم من نصيحة الشريف حسين للسلطان العثماني محمد رشاد بعدم دخول الحرب. ولم يكن ذلك التأييد من إيمانها بحق العرب بالاستقلال والتحرر والوحدة، ولكنه كان نابعًا من رغبتها في إلحاق الهزيمة بتركيا وحليفتها ألمانيا من خلال إبطال مفعول دعوى الجهاد المقدس، التي كان من المتوقع إعلانها من قبل الخليفة العثماني، بتحريض من ألمانيا، وذلك لكسب ولاء رعاياها ورعايا حلفائه الفرنسيين والروس من المسلمين، في الهند وأفريقيا ووسط آسيا.
وكان الشريف حسين بن علي، الشخص المؤهل لإبطال دعوى الجهاد المقدس في نظر بريطانيا نظرًا لمنصبه الديني كحامٍٍ لمكة والمدينة، ونسبه للرسول.
هذه الرسائل دارت وتبادلت في الفترة التي سبقت قيام الثورة العربية، في حين كانت عناصر جديدة في العالم العربي، في ميادين القتال في الحجاز وفي مواقع عديدة في الشام والعراق، تتأهب لهذه الثورة، وكانت بعيدة إلى حد كبير عن هذه الرسائل المتبادلة، ولا تعرف عنها أي شيء.
والشريف حسين هو حسين بن علي الهاشمي، مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية، وأول من نادى باستقلال العرب من حكم الدولة العثمانية، ولد في إسطنبول عام (1854) حينما كان والده منفيًا في تركيا، وعاد إلى مكة وعمره ثلاث سنوات، بعد أن عين جده أميرًا على الحجاز، وتلقى تعليمه ودراسته هناك، وحصل على إجازة في المذهب الحنفي، كما كان مجيدًا للغة التركية.
ظل الشريف حسين مخلصًا للدولة العثمانية، وخصوصًا للسلطانين عبد الحميد الثاني ومحمد الخامس، حتى تم إفساد علاقتهم بواسطة جمعية الاتحاد والترقي.
أما مكماهون فهو السير هنري مكماهون، فحينما كانت القاهرة هي أحد أهم ثلاثة مراكز لإدارة الإمبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الأولى، كونها أي القاهرة كانت مقر السياسة البريطانية في كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وبالتالي كانت تتمتع بسلطات واسعة، كان السير هنري مكماهون، على قمة هذا المركز في القاهرة (المعتمد البريطاني في القاهرة).
وحين بدأت مطالبة الشريف حسين باستقلال العرب عن الدولة العثمانية، وكانت بريطانيا تخوض غمار الحرب العالمية الأولى، وكانت الدولة العثمانية في الجانب الآخر مع ألمانيا، وجد الشريف حسين أن الفرصة مواتية لكي يقف إلى جانب بريطانيا في الحرب، خاصة وأن ذلك كان طلب الإنجليز، ليكون شرطه لذلك وهو مساعدة بريطانيا له، لنول الاستقلال من الدولة العثمانية (تركيا).
فبدأت مراسلات الشريف حسين إلى السير هنري مكماهون، حيث كان يعتبره (وكان ذلك حقيقيًا) نائب ملك بريطانيا في مصر. وكانت الرسائل عبارة عن عشر رسائل متبادلة بينهما، خمسة لكل منهم، بدأت برسالة الشريف حسين إلى مكماهون، والتي كانت مؤرخة في 14 يوليو سنة 1915، وكانت الرسالة العاشرة والأخيرة من مكماهون إلى الشريف حسين في 10 مارس سنة 1916.
ويمكن تلخيص فحوى الرسائل العشرة كالآتي:
رسائل الشريف حسين:
كانت عبارة عن إخطار وطلبات ورجاءات من الحكومة البريطانية في صورة مكماهون: إخطاره أو إعلامه أن الشعب العربي بأجمعه يقف خلف بريطانيا في حربها ضد الألمان والأتراك، بحكم المصالح المشتركة، بين العرب وبينهم – ضرورة إفساح المجال للحكومة المصرية، لترسل هداياها المعروفة والمعتاد عليها إلى مكة والمدينة، والتي تم إيقافها – أن جميع العرب دون استثناء، قرروا، أن يفوزوا بحريتهم، وأن يتسلموا مقاليد الحكم، نظريًا وعمليًا بأيديهم، وأنهم متأكدون أن ذلك يصب في صالح بريطانيا، لذا فهم ينتظرون مساعدتكم في الوصول إلى أمانيهم المشروعة، وأن العرب يفضلون مساعدة الحكومة البريطانية، عن أية حكومة أخرى، نظرًا لمركز العرب الجغرافي، والمصالح الاقتصادية، وموقف العرب الثابت من حكومة بريطانيا.
لذا يطلب الشريف حسين – إذا كان الوقت مناسبًا – أن تصادق الحكومة البريطانية على مجموعة من المقترحات الأساسية كاتفاقية أو معاهدة وهى كالآتي:
1– أن تعترف بريطانيا باستقلال البلاد العربية على أن تكون حدودها من أضنة حتى الخليج الفارسي شمالاً، ومن بلاد فارس حتى خليج البصرة شرقًا، ومن المحيط الهندي للجزيرة جنوبًا، ويستثنى من ذلك عدن التي تبقى كما هي، ومن البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط غربًا.
2– موافقة بريطانيا على إعلان خليفة عربي على المسلمين.
3– تعترف حكومة الشريف حسين العربية بأفضلية بريطانيا في كل مشروع اقتصادي في البلاد العربية، إذا كانت شروط تلك المشاريع متساوية.
4– تتعاون الحكومتان البريطانية والعربية في مجابهة كل قوة تهاجم أحد الفريقين، وذلك حفظًا لاستقلال البلاد العربية، وتأمينًا لأفضلية بريطانيا فيها، على أن يكون هذا التعاون في كل شيء، في القوة العسكرية، والبحرية، والجوية.
5– إذا تعدى أحد الفريقين على بلد ما ونشب بينه وبينها عراك وقتال، فعلى الفريق الآخر أن يلزم الحياد، على أن هذا الفريق المعتدي، إذا رغب في اشتراك الفريق الآخر معه ففي وسع الفريقين أن يجتمعا معًا وأن يتفقا على الشروط.
6– بعد انتهاء الحرب سنطلب منكم ما هو المطلوب تركه لفرنسا في بيروت وسواحلها.
7– المطالبة بالأسلحة والذخائر عند الحاجة.
8– إن ولايتي حلب وبيروت وسواحلها، هي ولايات عربية محضة، ولا فرق بين العربي المسيحي والمسلم.
9– إن الولايات العراقية هي من أجزاء المملكة العربية المحضة.
10– مدة الاتفاق في المادتين 4 و 5 من هذه المعاهدة خمس عشرة سنة، وإذا شاء أحد الفريقين تجديدها عليه أن يطلع الفريق الآخر على رغبته قبل انتهاء مدة الاتفاقية بسنة.
وذيل الشريف حسين هذه الاتفاقية أو المعاهدة (يجب على الحكومة البريطانية، أن تجيبنا سلبًا أو إيجابًا في خلال ثلاثين يومًا من وصولها إليكم، وإذا انقضت هذه المدة، ولم نتلقَ ردًا، فإننا نحتفظ لنفسنا بحرية العمل كما نشاء).
أما رسائل مكماهون:
وهى كانت ردود على رسائل الشريف حسين، فكانت عبارة عن الموافقة غالبًا على طلبات بسيطة، كالموافقة على إرسال الهدايا المصرية التي كانت قد وافقت الحكومة المصرية عليها، وإعلامه بأن الحكومة البريطانية ترى بالفعل أنه من الضروري استرداد الخلافة، لتكون بيد عربي صميم، من فروع تلك الدوحة النبوية المباركة (الأشراف)، والاعتراف بذلك عند الإعلان وكذلك اتفاق حكومته على استقلال بلاد العرب، ولكن فيما يختص بمسألة الحدود والتخوم، فالمفاوضة فيها، سابقة لأوانها، وتعتبر تضييعًا للوقت، خاصة وأن في حالة الحرب الدائرة، كما أن الأتراك لا يزالون محتلين لأغلب تلك الجهات، احتلالاً فعليًا، وكذلك إعرابه عن حزن الحكومة البريطانية من إقدام بعض العرب على مساعدة الألماني السلاب النهاب الجديد، والتركي الظالم العسوف، بدلاً من استغلال الفرصة لمساعدة بريطانيا.
ويمكن هنا أن نوجز أهم ما وعد به مكماهون بعد أن وافقت الحكومة البريطانية فيما يلي:
1– إن ولايتي أضنة والإسكندرونة وأجزاء من الشام الواقعة في الجهة الغربية لولايات دمشق الشام وحمص وحماة، لا يمكن أن يقال إنها عربية محضة.
2– حكومة بريطانيا العظمى، مطلقة التصرف، دون أن تمس مصالح حليفتها فرنسا.
3– مع مراعاة التعديلات السابقة، فإن بريطانيا العظمى مستعدة بأن تعترف باستقلال العرب وتؤيد ذلك في جميع الأقاليم الداخلة في الحدود التي يطلبها شريف مكة.
4– إن بريطانيا العظمى تضمن الأماكن المقدسة من أي اعتداء خارجي، وتعترف بوجوب منع التعدي عليها.
5– عندما تسمح الظروف تمد بريطانيا العظمى العرب بنصائحها وتساعدهم على إيجاد هيئات حاكمة ملائمة لتلك الأقاليم المختلفة.
6– الموظفون والمستشارون الذين سيقدمون النصح والإرشادات ويتشكل منهم الهيئات الإدارية، سيكونون من الإنجليز فقط.
7– ولايتا بغداد والبصرة، فإن العرب تعترف أن مركز ومصالح بريطانيا العظمى المطردة هناك تستلزم تدابير إدارية مخصوصة لوقاية هذه الأقاليم من الاعتداء الأجنبي، وزيادة خير سكانها، وحماية مصالحنا الاقتصادية المتبادلة.
ويرى مكماهون أن في حال التزام العرب بهذه المطالب، فإن النتائج المستعجلة ستكون هي طرد الأتراك من بلاد العرب، وتحرير الشعوب العربية من نير الأتراك الذي أثقل كاهلهم السنين الطويلة.
في النهاية يمكن القول وبمنتهى الدقة، إن هذه الرسائل العشرة المتبادلة، لم يذكر فيها أية كلمة أو إشارة أو إيماءة عن فلسطين، إنما ما تم ذكره فقط هي الدولة العربية، كما كان يطالب بها الشريف حسين، أو كما تراها بريطانيا العظمى على لسان السير هنري مكماهون.
معاهدة بطرسبرج (مارس 1916)
عقدت هذه المعاهدة بين كل من بريطانيا، وفرنسا، وروسيا القيصرية، والتي تم فيها تقسيم أملاك الإمبراطورية العثمانية التركية، وكان أهم مبادئ هذه المعاهدة:
1– تُمنَح روسيا القيصرية الولايات التركية الشمالية والشرقية.
2– تُمنَح بريطانيا وفرنسا، الولايات العربية في الإمبراطورية التركية (موضوع معاهدة حسين/مكماهون – السابق ذكرها).
3– تدويل الأماكن المقدسة في فلسطين، وتأمين حرية الحج إليها وتسهيل سائر السبل اللازمة للوصول إليها، وحماية الحجاج من كل اعتداء.
اتفاقية سايكس/بيكو (أبريل/مايو سنة 1916)
عزل السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1908، بينما كان نشاط الصهيونية، يتزايد في فلسطين، وازداد الفساد في الدولة العثمانية، وتفشت الرشوة والمحسوبية فيها، وفي نفس الوقت كانت الدوائر الاستعمارية، ترسم الخطط السرية فيما بينها، لاقتسام أملاك (الرجل المريض) الدولة العثمانية، التي كانت مظاهر التدهور والانهيار، بادية للعيان، وكانت نيران الحرب العالمية الأولى مستعرِّة بين بريطانيا وفرنسا وحلفائهما من جهة، وبين الدولة العثمانية وألمانيا وحلفائهما من جهة أخرى.
هنا توصلت كل من بريطانيا وفرنسا في 16 مايو من عام 1916 إلى ضرورة اقتسام المشرق العربي بينهما، وذلك في مباحثات سرية، أدارها وزيرا خارجيتهما سايكس البريطاني، وبيكو الفرنسي، والذين عرضا نتائج مباحثاتهما على روسيا القيصرية، التي وافقت عليها مقابل اتفاق تعترف فيه بريطانيا وفرنسا بحقها، أي روسيا، في ضم مناطق معينة من آسيا الصغرى بعد الحرب (كانت روسيا القيصرية قد انسحبت من الحرب، ولم يتبقَ إلا تركيا وألمانيا وبعض حلفائهما).
وكانت الاتفاقية (سايكس/بيكو) تنص على تقسيم الشام الكبير إلى ثلاث مناطق طبقًا للخريطة التي رسموها.
المنطقة (أ) وهي العراق زرقاء اللون وتخضع للإدارة البريطانية.
المنطقة (ب) وهي سوريا حمراء اللون وتخضع للسيادة الفرنسية.
المنطقة (ج) وهي فلسطين سمراء اللون وتخضع لإدارة دولية، (وكان ذلك مقدمة لتسليم فلسطين لليهود).
تستحوذ بريطانيا على مينائي حيفا وعكا، وكذا تكون الإسكندرونة ميناءً حرًا لتجارة الإمبراطورية البريطانية .. إلخ.
ظلت معادة سايكس/بيكو سرًا، لا يدري عنها العرب أي شيء، إلى أن نشرتها الحكومة السوفيتية في روسيا، بعد انتصار الثورة البلشفية فيها عام 1917.
هذا وقد احتج الزعماء الصهيونيون بمجرد نشر الاتفاقية، لدى الحكومة البريطانية، على أساس أن تدويل فلسطين يتنافي وفكرة الوطن القومي اليهودي، إلا أن الحكومة البريطانية، أكدت لهم أن التدويل هو مجرد خطوة تكتيكية أملتها ظروف وموقف كل من فرنسا وروسيا، اللتين كانت لهما أطماع عديدة في فلسطين، وأن بريطانيا ستعمل جاهدة على إلغاء فكرة التدويل (كان هذا التعهد مقدمة لصدور وعد أو تصريح بلفور فيما بعد).
الثورة العربية الكبرى بقيادة الحسين بن علي (يونيو 1916)
هي ثورة انطلقت من أراضي الحجاز والشام للتحرر من الحكم العثماني التركي، كما أن هذه الثورة قد اقترنت بشريف مكة الحسين بن علي، الذي أشعلها وقادها، في 10 يونيو سنة 1916، فبعد الانقلاب العسكري الذي تم على السلطان عبد الحميد الثاني في يوليو سنة 1908، وبالتالي سيطر القوميون الأتراك (دولة الاتحاد والترقي)، بقيادة مصطفي كمال أتاتورك على الحكم في الدولة العثمانية. والتي كان من أهم مبادئه سياسة (التتريك)، وبالتالي لا نظر للشعوب الأخرى والتي كانت تحت ولاية الخلفاء العثمانيين.
نقول اشتعلت الثورة، التي قامت بها الجيوش العربية، في بلاد الحجاز والشام، والتي استمرت حتى تمكنت من تحقيق هدفها في قمع شوكة الدولة العثمانية، والقضاء على كل مظاهرها في الحجاز، ومن ثم امتدت إلى بلاد الشام، لطرد ما تبقى من الجيوش العثمانية هناك، وبالتالي تمكنت الثورة من تحرير سوريا والعراق وكافة مناطق الحكم العثماني، وكان الهدف الأساسي للثورة هو قيام دولة عربية، باتحاد بلدانها التي تضم كلًا من الجزيرة العربية ومنطقة سوريا الكبرى (بلاد الشام)، باستثناء منطقة أضنة (موجودة بتركيا الآن)، وكذلك المناطق العراقية الواقعة ما بين بغداد وساحل الخليج، وذلك احترامًا للمصالح البريطانية هناك (طبقًا لتعهدات الشريف حسين للسير هنري مكماهون في خطاباتهما المتبادلة).
أسباب قيام الثورة العربية:
1– منع العرب عن التحدث باللغة العربية، وإجبارهم على التحدث باللغة التركية.
2– تراجع الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر بين العرب، بينما حكام وأعيان الأتراك يستغلون خيرات البلاد العربية ويتمتعون بها.
3– شل النهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي تسببت في خلق فجوة كبيرة في التطور العلمي والفكري والاقتصادي، ما بين الدول العربية وبين الدول الأوروبية.
4– فرض الدولة التركية قوانين التجنيد الإجباري على العرب خلال الحرب العالمية الأولى.
5– مجاعة عام 1915 والتي حدثت نتيجة لاستغلال الأتراك للأراضي الزراعية ومحاصيلها وكافة موارد الدول لتمويل الجيش التركي، مما تسبب في موت عشرات الآلاف من سكان مناطق سوريا الكبرى، بسبب الجوع.
نتائج الثورة العربية:
1– طرد العثمانيين من بلاد الجزيرة العربية، وبلاد الشام، والبدء في تأسيس دولة عربية كبرى، في تلك المناطق، والذي لاقى معارضة كبيرة وعنيفة من جانب الحكومة البريطانية.
2– عملت الحكومة البريطانية على تقسيم المناطق العربية إلى ثلاث مناطق، خاضعة للحكم العسكري، وهي المنطقة الجنوبية تحت الحكم البريطاني، والمنطقة الشمالية تحت حكم الفيصل (ابن الشريف حسين)، والمنطقة الغربية تحت الحكم الفرنسي.
3– الغزو الفرنسي للمناطق السورية، وإنهاء الحكم العربي فيها، مع بدء الانتداب الفرنسي على هذه المناطق.
4– بدء انتداب بريطانيا على كل من فلسطين والعراق والمناطق الشرقية من الأردن.
5– إعلان عبد الله (ابن الشريف حسين)، بقيام إمارة بشرق الأردن لتكون تحت حكمه وقيادته، وذلك بعد طرد الفرنسيين له من سوريا.
6– حدوث الكثير من المنازعات والخلافات، بين الشريف حسين وبين ابن سعود حاكم شبه الجزيرة العربية آنذاك، أدت إلى سقوط الشريف حسين.
والخلاصة التي يمكن استنتاجها من الخطابات المتبادلة بين الشريف حسين وبين مكماهون، والثورة العربية، والحكومة البريطانية والتي تتكشف دون عناء هي أن الحكومة البريطانية، لم يكن في نواياها ولا في خططها، ما يشير إلى أنها تريد أن تفي بكل التعهدات التي قطعتها على نفسها أثناء الحرب العالمية الأولى، سواء التي اتفقت عليها مع فرنسا، بمقتضى اتفاقية سايكس/ بيكو، أو التي أعطتها لقيادة الثورة العربية (الشريف حسين) وأبنائه، أو غيرهم مثل المصري عزيز المصري أو حتى رشيد رضا.
لذا فإنه كانت خطتها تتلخص فيما يلى طبقًا لمجلس الحرب البريطاني:
1– إن بريطانيا يجب أن تحتفظ بسيطرة فاعلة على الساحل السوري بدءًا من فلسطين وحتى الإسكندرونة على الحدود التركية، وذلك ضروري لتكملة سيطرتها على الساحل المصري في شمال أفريقيا، ويمكن أن تترك لفرنسا جزءًا من ساحل سوريا الشمالي، تحت اشتراطات معينة.
2– إن الأماكن المقدسة لكل الأديان في الشرق، يجب أن تكون تحت الحماية البريطانية، فأماكن المسلمين المقدسة (مكة والمدينة) تكون تحت الحماية البريطانية بطريق غير مباشر، تجنبًا للتعصب الإسلامي، وكذلك الأماكن المقدسة للمسلمين الشيعة (النجف وكربلاء)، ونفس المنطق على كنيسة القيامة، وقبة الصخرة، وحائط المبكى في القدس.
3– يمكن لبريطانيا أن تفكر جديًا في التمهيد لإقامة خلافة إسلامية عربية، شرط أن تجد البيت الإسلامي الذي تعطيه تأييدها، مقابل ضمان ولائه لها، على أن يكون محصورًا في الداخل الصحراوي من العالم العربي، لأن هذه المنطقة شديدة الأهمية لضروريات الدفاع عن الإمبراطورية.
4– إن بريطانيا لابد وأن تضمن سيطرتها على ما بين النهرين (العراق)، لمنع الروس من الوصول إلى المحيط الهندي، ولضمان إنشاء شبكة للسكة الحديد، لربط شبكة مواصلات الإمبراطورية.
5– بهذه المنطقة من يمكن شراؤه بالمال، بدلاً من الجهد والوقت في عمليات عسكرية قد لا تكون ضرورية، وكذا يمكن التفرقة بين العناصر التقليدية في هذه المنطقة (السلطانات والقبائل والمشايخ)، وبين العناصر الجديدة في المنطقة (الضباط والتجار والأعيان والمفكرون).
وفي النهاية لكي نستطيع أن نقول بصدق “عودًا على بدء” فإذا كان قد مضى على هذا الوعد أو التصريح، مائة عام بالتمام والكمال، وإذا كانت تريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا الدولة، صاحبة ومطلقة هذا الوعد، تحتفل في سنة 2017، بذكرى هذا الوعد، مفتخرةً به، وبما أنجزه، وما ترتب عليه من قيام دولة إسرائيل، كدولة ديمقراطية، قوية (من وجهة نظر تريزا ماي).
فإنه يمكن أن نقول إن هذا الكيان الصهيوني استطاع بالفعل، أن يكون بمثابة “حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ، يفصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية، عن القسم الآسيوي”، كما أوصى مؤتمر لندن أو مؤتمر كامبل (1905-1907)، وبالتالي استطاع أن يحول دون تحقيق وحدة الشعوب العربية.