مقدمة:
حظيت المضايق والممرات البحرية على مر التاريخ بأهمية استراتيجية كبيرة كونها تعد قنوات أساسية للربط بين قارات العالم وتسهيل الملاحة والتجارة بين أقطاره المختلفة، ويقع في المنطقة العربية عدد من أهم المضايق والممرات المائية الدولية والتي تربط بين شرق العالم وغربه، وهذه المضايق هي: مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس، ومضيق جبل طارق.
ووعيًا بأهمية المضايق والممرات البحرية، فقد أكد القانون الدولي على ضمان أمنها وحمايتها، وفي هذا الإطار نصت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على حق المرور العابر وحرية الملاحة للسفن في المضايق، وحدد النظام القانوني للمياه التي تُشكّل مضايق مستخدمة للملاحة الدولية؛ بما يضمن حرية الملاحة والتحليق والمرور العابر للسفن والطائرات عبر هذه المضايق والممرات، وفق أحكام تراعي حقوق والتزامات الدول المتشاطئة والدول الأخرى، بما في ذلك حق الدول المتشاطئة في ممارسة سيادتها وولايتها على المضايق ذات الصلة مع مراعاة قواعد القانون الدولي الأخرى([1]).
وقد ازدادت أهمية المضايق والممرات البحرية اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ بسبب التهديدات المتصاعدة للملاحة عبرها، على خلفية حالة الاحتقان والتأزم في العلاقات بين دول الإقليم من جهة وبين بعض القوى الإقليمية والقوى العظمى من جهة ثانية؛ وتتعاظم تلك الأهمية بالنظر إلى الثروات الهائلة من البترول والغاز الطبيعي التي تزخر بها المنطقة العربية، ولأهمية إمدادات الطاقة للاقتصاد العالمي، ولعل ذلك ما يفسر اهتمام القوى العظمى والقوى الإقليمية على حدٍ سواء بأمن الممرات البحرية، وسعيها لإطلاق مبادرات وإنشاء تحالفات لتأمينها.
فما هي أبرز التهديدات المحدقة بأمن المضايق والممرات البحرية في الخليج والبحر الأحمر؟ وإلى أي حد سوف تسهم الجهود الدولية والإقليمية في تأمينها وحمايتها؟ وما انعكاسات ذلك على المصالح العربية؟
أولًا: التهديدات لأمن المضايق والممرات البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر:
تعد المضايق والممرات البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر الأخطر من حيث التهديدات الأمنية، والانعكاسات السلبية لذلك على الأمن القومي العربي برمته، وعلى الاقتصاد العالمي، ويصنف مضيق “هرمز” ثاني أهم المضايق في العالم وأكثرها ازدحامًا إذ يمر عبره حوالي 40% من الصادرات النفطية، أما مضيق” باب المندب” فهو ثالث أهم مضيق للشحن في العالم، إذ تنقل عبره حوالي 4 ملايين برميل نفط يوميًّا، كما تمر به نحو (20) ألف سفينة سنويًّا تمثل 10% من التجارة العالمية.
وتتعدد التهديدات الأمنية لهذه المضايق والممرات البحرية، ونذكر من بينها ما يلي:
- اختلال ميزان القوى الإقليمي لصالح القوى الإقليمية غير العربية (إيران وتركيا وإسرائيل)، ما شجع تلك القوى على السعي إلى مد نفوذها ومحاولة التحكم في المضايق والممرات البحرية في الخليج العربي وجنوب البحر الأحمر، وذلك إما بشكلٍ مباشر كما في التهديد الإيراني المتكرر بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة الدولية، أو من خلال وكلائها كما هو الحال في دعم أنشطة ميليشيا الحوثيين في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
- التأزم في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة على خلفية انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 ، وفرضها سياسة “الضغوط القصوى” على إيران، وخاصةً تصفير صادرات إيران النفطية، ما دفع الأخيرة ردًا على ذلك إلى التهديد باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، حيث توعدت أنه في حال تم منع إيران من تصدير نفطها، فلن يتمكن الآخرون في المنطقة من تصدير نفطهم، وكنتيجة لهذا التوتر تم استهداف ناقلات نفط سعودية وإماراتية في بحر عُمان قبالة سواحل إمارة الفجيرة، كما تم احتجاز ناقلة بريطانية في الخليج ردًا على احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق.
- استمرار الأزمات الأمنية والسياسية دون حل في دول مطلة على الممرات البحرية في المنطقة، ونشير هنا بصفةٍ خاصة إلى كل من اليمن والصومال، ففي اليمن تستمر الحرب الدائرة هناك منذ انقلاب ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران على السلطة الشرعية في صنعاء في سبتمبر (2014)،وتعد سيطرتهم على مدينة الحُديدة على ساحل البحر الأحمر تهديدًا خطيرًا لأمن الملاحة، سواءً من خلال استهداف عدد من السفن التابعة للمملكة العربية السعودية ودول أخرى أو احتجازها، والأخطر من ذلك هو أن إيران وجدت، من خلال حليفها الحوثي، موطئ قدم لها في البحر الأحمر وبالقرب من مضيق باب المندب، ومن جهة أخرى فإن استمرار الأزمة السياسية وظاهرة الدولة الفاشلة في الصومال منذ 1990 يظل يُشكل تهديدًا مستمرًا للملاحة الدولية في خليج عدن، وينذر بعودة نشاط القراصنة والجماعات الإرهابية في تلك المنطقة.
- استمرار التهديدات الإرهابية لأمن دول المنطقة، خاصةً في ظل نشاط جماعات داعش والقاعدة في اليمن والصومال وغيرها، ما يُشكّل تهديدًا مستمرًا لأمن الملاحة البحرية.
- النزاعات الحدودية بين دول القرن الأفريقي من شأن استمرارها أو اندلاعها مجددًا يمثل عامل تهديد آخر لأمن الممر الملاحي في البحر الأحمر_ لاسيما وأن هذه الدول تمتلك جزرًا تطل مباشرة على الممر الملاحي.
- القرصنة، ورغم انحسارها في السنوات الأخيرة، إلا أنها تظل أحد التهديدات المحدقة بأمن الملاحة_ لاسيما في خليج عدن، في ظل غياب دور الدولة في الصومال، وضعف إمكانيات دول أخرى مطلة على الممرات المائية في البحر الأحمر.
- أن تهديد أمن المضايق والممرات البحرية في المنطقة يشكل خطرًا مباشرًا على أمن الطاقة العالمي لما له من تأثير سلبي على صادرات النفط، فأي إغلاق مثلًا لمضيق هرمز أو استهداف لناقلات النفط عبر البحر الأحمر يهدد باضطراب كبير لأسعار النفط العالمية. ([2])
ثانياً: تنافس القوى الدولية والإقليمية حول المضايق والممرات البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر:
تتنافس القوى العظمى والقوى الإقليمية على مد نفوذها نحو المضايق والممرات البحرية، وذلك من خلال إطلاق مبادرات أو إبرام اتفاقيات مع الدول المطلة على تلك الممرات، بما يمكنها من التواجد في المنطقة والمشاركة في أي ترتيبات أمنية تتم صياغتها في هذا الشأن، وسوف نوجز ذلك في النقاط التالية:
- “التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية”: ويعرف أيضًا باسم “التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية” “The International Maritime Security Construct “IMSC”، وقد بدأ عمله فعليًّا في (نوفمبر 2019)، ومقره البحرين، ويهدف إلى حماية الملاحة الدولية وضمان التدفق الحر للتجارة ومحاربة الإرهاب والرد على التهديدات التي تواجه الملاحة البحرية في المنطقة الممتدة من الخليج العربي وحتى البحر الأحمر مرورًا بمضيق هرمز وبحر عُمان ومضيق باب المندب، ويضم هذا الحلف في عضويته كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا والسعودية والإمارات والبحرين وألمانيا، ووفقًا لما ذكرته تقارير إعلامية فإن واشنطن ستتولى الإسهام في هذا التحالف بطائرات استطلاع وسفن حربية ودعم استخباراتي ومهام غير قتالية.
- أوروبا: قررت من جهتها إنشاء تحالف أوروبي بحري لمراقبة التحركات في مياه منطقة الخليج، يعمل بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ويكون مقر قيادة هذا التحالف في أبوظبي، وذلك وفقًا للاتفاق الموقع في هذا الشأن بين وزيرة الجيوش الفرنسية ووزير الدولة لشؤون الدفاع في دولة الإمارات بتاريخ (25/11/2019)، وقد أشارت الوزيرة الفرنسية في هذا الصدد إلى أن نحو 15 دولة أوروبية وغير أوروبية ستشارك في هذه المبادرة، كما أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية، بتاريخ (20/1/2020)، بيانًا سياسيًّا مشتركًا من قبل ثماني دول أوروبية تدعم إنشاء بعثة تحت قيادة أوروبية للمراقبة البحرية في مضيق هرمز (EMASOH) European-led maritime surveillance mission in the Strait of Hormuz ، وهذه الدول هي: فرنسا والدنمارك واليونان وهولندا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال، وذلك بهدف ضمان أمن الملاحة وتخفيف حدة التوتر في المنطقة ([3]).
- روسيا: طرحت موسكو مقترحًا في (يوليو/ 2019) حول إنشاء نظام للأمن الجماعي الإقليمي في منطقة الخليج يكون هدفه على الأمد البعيد إنشاء منظمة للأمن والتعاون بالخليج (على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي) وتشمل الدول الإقليمية المعنية بالإضافة إلى روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند … وغيرها من الأطراف الدولية المعنية، وذلك إما بصفة أعضاء مراقبين أو منتسبين.
كما تخطط روسيا لإنشاء قاعدة لوجستية بحرية في مدينة” بورتسودان” السودانية على ساحل البحر الأحمر، وستكون هذه المنشأة بمثابة أول قاعدة روسية في إفريقيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، وستضم ما يصل إلى (300)فرد، وستتسع لأربع سفن مرة واحدة بينها سفن نووية، ويهدف هذا المركز اللوجستي كما أطلق عليه إلى خدمة السفن الروسية في البحر الأحمر، وسوف يتم إنشاؤه بموجب اتفاق بين روسيا والسودان يمتد لمدة 25 عامًا قابلة للتمديد، ويرى مراقبون في ذلك بداية لحضور روسي دائم في البحر الأحمر، ويفتح الباب لنشاط واسع للبحرية الروسية في المنطقة، والتي سيكون من مهامها – وفقًا للجانب الروسي- مكافحة القرصنة وحراسة السفن التجارية، ويعكس هذا التطور الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن بالنسبة لروسيا([4]).
- الصين: تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى استراتيجية عقد اللؤلؤ التي انتهجتها الصين في منطقة جنوب آسيا، والتي تهدف من خلال إبرام اتفاقيات مع الدول المطلة على المضايق والممرات البحرية، إلى بناء موانئ لحماية تجارتها البحرية ووارداتها من مصادر الطاقة، وقد شهد الدور الصيني زخمًا متزايدًا مع إعلان الصين عن مبادرتها ذائعة الصيت “الحزام والطريق” منذ عام (2013)، حيث يعد بحر عُمان وخليج عدن والبحر الأحمر ممرًا محوريًّا لطريق الحرير البحري وللتجارة الصينية نحو أوروبا عبر قناة السويس، بالإضافة إلى ضمان تدفق وارداتها من النفط العربي والأفريقي_ وفي هذا الإطار أبرمت الصين اتفاقية عام 2017 مع جيبوتي لبناء قاعدة لها في هذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجي في جنوب البحر الأحمر والمطلة على مضيق باب المندب.
كما أعلنت بكين بتاريخ 16/1/2021 عن إرسال الأسطول الـ37 للبحرية الصينية إلى خليج عدن والمياه المقابلة للصومال في مهمة مرافقة لسفن مدنية، وعلى متنها 700 ضابط وجندي، ويضم هذا الأسطول مدمرة الصواريخ الموجهة “تشانغشا”، وتجدر الإشارة إلى أن أول مهمة مرافقة للبحرية الصينية في هذه المنطقة كانت قد بدأت في ديسمبر 2008.([5])
- اليابان: بدأت وحدة طائرات دورية تابعة لقوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية بتاريخ 22/1/2020 مهمة لجمع المعلومات الاستخباراتية في الشرق الأوسط وسط تصاعد حدة التوترات في المنطقة، وتضم الوحدة طائرتين من طراز P-3C حلقتا من جيبوتي إلى خليج عدن، وقد أضيفت مهمة جمع المعلومات الاستخباراتية إلى مهام الوحدة بعد حصولها على موافقة من مجلس الوزراء الياباني لضمان الإبحار الآمن للسفن التجارية المرتبطة باليابان في الشرق الأوسط. وتعد هذه أول مهمة طويلة الأمد لجمع المعلومات الاستخباراتية خارج اليابان لقوات الدفاع الذاتي ([6])، وقد أعربت إيران عن رفضها للقرار الياباني ([7]). ومن جهة أخرى أعلن بتاريخ 3/2/2020 عن إرسال طوكيو المدمرة اليابانية «تاكانامي» إلى خليج عمان؛ لحماية الملاحة وحراسة ناقلات النفط، وتحمل على متنها طاقمًا من 200 بحار وستعمل مع طائرتي دوريات بحرية ([8]).
- كوريا الجنوببة: قررت سيول بتاريخ 21/1/2020 توسيع نشاط وحدة “تشيونغهيه” البحرية الكورية الجنوبية التي تشارك حاليًا في حملة مكافحة القرصنة البحرية في خليج عدن؛ لتعمل في مضيق هرمز وحوله للقيام بعملية عسكرية بصورة منفردة، ووفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء الكورية فقد لقي هذا القرار ترحيبًا من قبل الولايات المتحدة([9]). وتتمركز وحدة “تشيونغ هيه” في خليج عدن منذ عام 2009 للمساعدة في التصدي للقرصنة وذلك بالشراكة مع دول أفريقية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووفقًا لتقرير حكومي بكوريا الجنوبية صدر في عام 2018 فإن الوحدة مؤلفة من نحو 300 فرد وتضم مدمرة وطائرة هليكوبتر مضادة للغواصات وثلاثة زوارق سريعة ([10]).
وعلى إثر احتجاز الحرس الثوري الإيراني لناقلة النفط الكورية “هانكوك كيمي” في مضيق هرمز بدعوى تلويثها للبيئة البحرية، أعلنت سيول عن إرسال المدمرة “تشوي يونغ” التابعة لوحدة “تشونغ هيه” العسكرية الكورية الجنوبية إلى المياه القريبة من مضيق هرمز بتاريخ 5/1/2021. ([11])، وجاء ذلك بالتزامن مع مطالبة إيران لجمهورية كوريا بالإفراج عن أرصدتها المجمدة لديها بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، والتي تقدر بنحو 7 مليارات دولار.
- إيران: أعلنت في سبتمبر 2019 عن مبادرتها المسماة بـ “مبادرة هرمز للسلام” والتي تهدف –بحسب طهران- إلى تحقيق السلام والاستقرار والتقدم والرخاء لكل شعوب منطقة مضيق هرمز والتشجيع على التفاهم والعلاقات السلمية والتعاون فيما بينها، والعمل الجماعي لتحقيق أمن الطاقة وحرية الملاحة والتدفق الحر للنفط وغيره من الموارد من وإلى دول منطقة مضيق هرمز وخارجها، كما أعلنت إيران أنها بصدد التنسيق مع الدول المعنية بهذه المبادرة وهي دول مجلس التعاون الخليجي الستة بالإضافة إلى العراق. وعلى صعيد آخر تُجري إيران بين الفينة والأخرى مناورات في الخليج وبحر عمان، ومن بينها على سبيل المثال مناورات بحرية كبرى مشتركة شمال المحيط الهندي وبحر عمان بين إيران وكل من روسيا والصين خلال الفترة 27-29 ديسمبر 2019، تحت مسمى “حزام الأمن البحري”([12]).
وفيما يتعلق بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وعلاوةً على دعمها لمليشيات الحوثي في اليمن، فقد سعت إيران إلى توثيق علاقاتها مع جيبوتي من خلال توقيع اتفاقية تعاون مشتركة بين البلدين تتضمن: الإعفاء من تأشيرة الدخول لمواطني البلدين، بناء مراكز تدريب، منح قروض للبنك المركزي الجيبوتي، إنشاء لجنة مشتركة للإسهام في عملية التنمية في جيبوتي، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية لطلاب جيبوتي_ كما عملت إيران على تعزيز علاقاتها مع إريتريا من خلال الاتفاق معها على إنشاء قاعدة عسكرية على الساحل الإريتري وكذلك إنشاء مركز لتموين السفن الإيرانية في البحر الأحمر.
- تركيا: سعت بدورها إلى تعزيز علاقاتها مع عدد من الدول المطلة على الخليج والبحر الأحمر، ففي الصومال على خليج عدن أنشئت أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد وذلك في عام 2017، كما سعت أنقرة إلى تأجير جزيرة سواكن من السودان على البحر الأحمر، هذا بالإضافة إلى دعمها لمبادرة هرمز للسلام المطروحة من إيران.
- إسرائيل: أقامت علاقات قوية مع إريتريا وعقدت معها اتفاقًا عسكريًّا وأمنيًّا يتيح لوحداتها البحرية استخدام الموانئ والجزر الأريتيرية، كما أنشأت قاعدة جوية وقاعدتين عسكريتين في الجزر الأريتيرية القريبة من باب المندب.
ومع التسليم بأهمية دور القوى العظمى في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك أمن وسلامة الممرات البحرية، إلا أنه يمكن القول أن تعدد الأدوار الإقليمية والدولية من شأنه أن يعمق التنافس الدولي والإقليمي وهو ما قد يأتي بنتائج عكسية، وعوضًا عن ضمان أمن وسلامة هذه الممرات قد ينذر ذلك بمخاطر اندلاع صدامات، لاسيما في ظل تواجد قواعد عسكرية لدولٍ عديدة في المنطقة تختلف توجهاتها الأيديولوجية وأهدافها السياسية والاستراتيجية، فعلى سبيل المثال تستضيف جيبوتي تسع قواعد عسكرية أجنبية، تابعة لكل من فرنسا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والصين واليابان .([13])
ثالثًا: في الجهود العربية لمواجهة التهديدات المحدقة بأمن المضايق والممرات البحرية:
تحاول الدول العربية التصدي لمحاولات القوى الإقليمية بسط نفوذها على المضايق والممرات البحرية في المنطقة، إنطلاقًا من أن أي تهديد لتلك المضايق والممرات يعد تهديدًا لأمنها واستقرارها وازدهارها، وتقوم بالتنسيق في ذلك مع الدول المعنية في المنطقة ومع الدول العظمى بالإضافة إلى محيطها العربي والإسلامي.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى إعلان المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2018 عن تأسيس تكتل يضم الدول العربية المطلة على حوض البحر الأحمر وأريتيريا، وقد أعلن عن الميثاق التأسيسي لهذا المجلس بتاريخ 7/1/2020 في الرياض ([14]). من جهة أخرى، استضافت المملكة في مكة المكرمة قمتين طارئتين (عربية وإسلامية)، أكدتا على التضامن العربي والإسلامي مع الرياض عقب استهداف المرافق النفطية داخل المملكة وتخريب ناقلات نفط في بحر عُمان.
وتعمل كل من (السعودية والإمارات) على تعزيز علاقتها الأمنية والاستراتيجية مع الدول المطلة على البحر الأحمر، وخاصةً أريتيريا والصومال وجيبوتي، وقد بذلت المملكة جهودًا ملحوظة على صعيد نزع فتيل النزاع الحدودي بين جيبوتي وإريتيريا، كما أبدت دول الخليج اهتمامها بتأسيس آلية لمواجهة تهديدات الأمن البحري في إطار ما يعرف بمجموعة الأمن البحري 81 ، التي تستهدف الحفاظ على أمن الممرات البحرية الحيوية، ومن ذلك تولي سلاح البحرية الملكي البحريني قيادة قوة الواجب المشتركة 101 المعنية بمكافحة القرصنة البحرية في خليج عدن تحت مظلة الأمم المتحدة في نوفمبر 2017.
وأعلنت مصر عن إرسال قطع بحرية لتأمين الملاحة في باب المندب عقب انقلاب ميليشيا الحوثي على الشرعية في اليمن عام 2014، كما قامت بتاريخ 15/1/2020 بتدشين أكبر قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، وهي قاعدة “برنيس”، التي تهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر، وتأمين حركة الملاحة العالمية من البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها ([15]).
وعلى صعيد العمل العربي المشترك، تجدر الإشارة إلى أن موضوع أمن الملاحة وإمدادات الطاقة في منطقة الخليج العربي، أصبح أحد البنود المطروحة على جدول أعمال مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، وقد صدر قرار من المجلس في هذا الشأن في دورته العادية (152) بتاريخ 10/9/2019 نص على “إدانة جميع الأعمال التي تستهدف أمن وسلامة الملاحة والمنشآت النفطية في الخليج العربي والممرات المائية الأخرى، وذلك بوصفها أعمالًا تهدد أمن الدول العربية وتقوض الأمن القومي العربي، وتضر بالأمن والسلم الدوليين”، وتضمن القرار كذلك “دعوة مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته لضمان حرية الملاحة البحرية وأمنها وسلامتها، وضمان أمن المنطقة واستقرارها، واتخاذ موقف حازم للتصدي للأنشطة أو المحاولات الأمنية إلى تهديد حرية الملاحة أو الإضرار بإمدادات الطاقة في المنطقة”.
خاتمة:
مما تقدم يجب التأكيد على أن أمن الخليج العربي وأمن البحر الأحمر مترابطان وضروريان معًا للأمن القومي العربي، وأي تهديد لأمن الملاحة في تلك الممرات هو تهديد لأمن واستقرار الدول العربية في المقام الأول، كما يعد تهديدًا أيضًا للسلم والأمن الدوليين، وذلك بحكم المركز الجيوسياسي والاقتصادي الهام للدول العربية. ومن هنا يتعين العمل على إقامة نظام فعال للأمن الجماعي العربي، من أجل حماية الأمن القومي العربي من عناصر التهديد المختلفة، بما في ذلك التهديدات التي تستهدف المضايق والممرات البحرية، والتصدي بكل الوسائل الممكنة لنفوذ القوى الإقليمية وأطماعها للسيطرة عليها، والتأكيد على احترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة، فضلًا عن ضرورة إيجاد حلول سياسية للأزمات المستحكمة في عدد من الدول العربية؛ نظرًا للتأثيرات السلبية لاستمرار تلك الأزمات على أمن المضايق والممرات البحرية في المنطقة.
(*) وزير مفوض بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية
([1]) المادة 34 وما بعدها من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
( [2])Stanley Reed “How Tanker Attacks in the Strait of Hormuz could affect oil prices” , the New York Times: 13/6/2019.
([3]) www.diplomatie.gouv.fr European Maritime Awareness in the SoH (EMASOH)
([4]) جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 18/11/2020.
([5]) وكالة أنباء شينخوا http://arabic.news.cn/2021-01/16/c_139672971.htm
([6]) https://www3.nhk.or.jp/nhkworld/ar/news/212960/
([7]) علقت السفارة الإيرانية في طوكيو على قرار الحكومة اليابانية إرسال قوة عسكرية إلى خليج عمان وبحر العرب، واعتبرت تواجد القوات الأجنبية في المنطقة بأنه لا يخدم الأمن والسلام والاستقرار فيها. https://ar.irna.ir/news/83610223/
([8]) جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 3/2/2020https://aawsat.com/home/article/2112521 /
([9]) تجدر الاشارة إلى أن عدد أفراد الجالية الكورية في الشرق الأوسط يبلغ حوالي 25 ألف نسمة، ويعتبر مضيق هرمز منطقة استراتيجية مهمة يتم عبرها نقل أكثر من 70% من النفط الخام إلى كوريا الجنوبية. وقالت الوزارة :”إن عدد مرور السفن الكورية بمضيق هرمز سنويًّا يبلغ حوالي 900 مرة، مما يتطلب ردًا سريعًا من الجيش عند الحاجة. وفقًا لوكالة الأنباء الكورية “يونهاب” https://ar.yna.co.kr/view/AAR20200121001600885
([10])أجلت الوحدة أيضًا عددًا من مواطني كوريا الجنوبية من ليبيا واليمن ورافقت نحو 18750 سفينة كورية جنوبية ودولية حتى نوفمبر تشرين الثاني 2018. https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN1ZK09F
([11]) وكالة يونهاب الكورية https://ar.yna.co.kr/view/AAR20210105000400885?section=international/index
([12]) وصف وزير الخارجية الايراني “محمد جواد ظريف “هذه المناورات بقوله:” إن مناوراتنا العسكرية المشتركة في بحر عمان والمحيط الهندي مع شركائنا الروس والصينيين تثبت التزامنا الأوسع للحفاظ على أمن الممرات المائية المهمة.” https://ar.irna.ir/news/83610252/
([13]) تشير بعض التقارير إلى أن 16 دولة تمتلك قواعد عسكرية في منطقة القرن الإفريقي، وتكمن أهمية هذه المنطقة في أنها تطل على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، ويمكن لمن يسيطر عليها أن يتحكم في مضيق باب المندب، الذي يعد واحدًا من أهم الممرات المائية في العالم، تجاريًّا وعسكريًّا،. https://arabic.sputniknews.com/military/201910291043276837
([14]) جريدة الشرق الأوسط https://aawsat.com/home/article/2070156
([15]) جريد الشرق الأوسط بتاريخ 16/1/2020.