2021العدد 188ملف عربي

السودان إلى أين ؟

شهدت دولة السودان الشقيقة منذ ديسمبر 2018 ثورة شعبية، تولى قيادتها قوى الحرية والتغيير، التي تضم قوى وأحزاب سياسية وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني، منها التقليدي ومنها المستحدث، من أبرزها تجمع المهنيين، وذلك في إطار حراك شعبي سلمي. تجسدت أهداف الثورة في ثلاثية ” الحرية والعدالة والسلام”، وفي إسقاط النظام السياسي الأوليجاركي الديكتاتوري القائم على نظام الحزب الواحد – حزب المؤتمر الوطني بقيادة عمر البشير – المنتمي إلى الحركة الإسلامية الإخوانية، وإقامة نظام حكم ديمقراطي – برلماني – مدني، تتعدد فيه الأحزاب والقوى السياسية. لقد تولى عمر البشير سدة الحكم عبر انقلاب عسكري عام 1989، وأمسك نظامه بمقاليد الدولة ومقدراتها بل وتوجهاتها السياسية، وسيطر عليها حتى قيام الثورة السودانية في ديسمبر2018. لم يشهد السودان نظامًا ديمقراطيًا مدنيًا منتخبًا منذ استقلاله إلا لسنوات قليلة، بينما شهد السودان على مدى تلك الفترة 35 انقلابًا نجح منها ستة انقلابات.

v   v   v

لقد عانى السودان طوال فترة حكم البشير من أوضاع داخلية وعلاقات خارجية كادت تدفع في مجملها السودان إلى أن يصبح دولة هشة أو فاشلة : ـ 

  1. على المستوى الداخلي: أوضاعًا سياسية متأزمة، واقتصادية متدهورة، وانتهاكات لحقوق الإنسان متنوعة طالت البشير باتهامه بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل وحديث عن اتهامات بإبادة جماعية في إطار حروب أهلية شهدت صراعات دامية وأعدادًا ضخمة من النازحين واللاجئين من ولايات سودانية متعددة ( دارفور ، جنوب كردفان ، النيل الأزرق )، وانفصال جزء من أرض الوطن بما يحمله من موارد بشرية وثروات طبيعية ( جنوب السودان ).
  2. وعلى المستوى الخارجي: انعزال عن المجتمع الدولي،  توتر في علاقاته مع بعض دول بالجوار (مصر وليبيا وجنوب السودان عقب الانفصال عن الدولة الأم )، والتراوح ما بين  التحسن من عدمه  في علاقاته بالدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، إدراج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب ، ، تضخم الديون الخارجية وتعذر إسقاطها ، عقوبات اقتصادية ، المطالبة بمحاكمة الرئيس البشير وعدد من رموز وقيادات نظام حكمه أمام المحكمة الجنائية الدولية  ، ملف متضخم لانتهاكات حقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة بجنيف .هذا فضلًا عن ارتباطات بدول ومنظمات ذات توجهات إسلامية إخوانية متشددة من بينها منظمات صنفت بأنها إرهابية .

v   v   v

نجحت الثورة الشعبية التي اعتصم مؤيدوها حول مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ، في إسقاط النظام- خاصة عندما انضمت القوات المسلحة إليها، وقامت بانقلاب عسكري أطاح بالرئيس البشير والعديد من رموز النظام؛ لتشكل مع قوى الحرية والتغيير طرفي المعادلة السياسية ( للثورة السودانية كشريكين) توافقًا على إقامة نظام حكم مدني عبر حوار “سوداني / سوداني” بينهما ، ودون تدخل خارجي . طرحت قوى الحرية والتغيير وثيقة دستورية لملء الفراغ الدستوري بعد وقف العمل بدستور 2005 ، تضم مكونين (أحدهما عسكري) هو المجلس العسكري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوى الحرية والتغيير (كمكون مدني). كان البرهان قد أطاح بالرئيس السابق للمجلس وزير الدفاع الفريق أول “بن عوف” لارتباطاته بالنظام السابق .

وتجدر الإشارة إلى رصد تولي الفريق أول “حمدان دقلو” الشهير بحميدتي منصب الرجل الثاني أي نائب رئيس المجلس العسكري سواء في مجلس بن عوف أو مجلس البرهان، وهو ليس عسكريًا محترفًا فلم يكن من الكوادر العسكرية ليتدرج في الرتب العسكرية، وقد أسبغ علية البشير بقرار جمهوري رتبة فريق أول؛ ليتولى قيادة قوات الدعم السريع التي تشكلت من عناصر ذات كفاءات خاصة وتسليح على مستوى متقدم، كان حميدتي قد اشتهر بكفاءته في حماية القوافل كما كان محل ثقة البشير، حيث ينتمي إلى قبيلة الرزيقات العربية -تشكلت منها أساسًا قوات الجنجويد-. وقد نجحت تلك القوات لحد كبير في دحر حركات التمرد في العديد من مناطق دارفور، وكان نجاحها بدرجة أقل في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، وهي أمور شكلت في مجملها وزنًا وثقلًا سياسيًّا وعسكريًّا لحميدتي على المسرح السياسي في السودان .

احتدم الخلاف – في مرحلة لاحقة – بين المكونين (المدني والعسكري) على تشكيل المجلس السيادي بأغلبية مدنية ورئاسة مدنية أو العكس بأغلبية ورئاسة عسكرية، وأضحى قرارًا قويًا (الحرية والتغيير) هو تواصل الاعتصام حتى تتحقق مطالب الشعب، والذي تحول بعد ذلك إلى عصيان مدني، وقد تم تجاوز الأزمة عبر وساطات إقليمية ودولية خاصة من جانب الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا، بجانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث توافق الطرفان على تشكيل المجلس السيادي بالتساوي ولكن بأغلبية مدنية بإضافة عضو للمكون المدني على أن يتولى المكون العسكري الرئاسة في الفترة الأولى ، كما اتفق الطرفان على : ـ

  1. اعتراف واضح من المجلس العسكري بتمثيل قوى الحرية والتغيير للشعب السوداني ، والتزام الأول بنظام حكم انتقالي مدني، مع نفية التام التطلع للسلطة .
  2. تشكيل مجلس تشريعي تحتفظ فيه قوى الحرية والتغيير بنسبة 67 % ، وحكومة مدنية انتقالية تشكلها قوى الحرية والتغيير ذات سلطات تماثل تلك التي في النظم البرلمانية .
  3. فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات.
  4. تشكيل مجلس سيادي مدني عسكري على النحو المشار إليه.

أضحت قوى الحرية والتغيير كمكون مدني  تتمتع بشرعية قانونية بحكم شرعيتها الثورية  وتمثيلها للشعب السوداني، حيث تحظى بشعبية كاسحة، وبتأييد إقليمي ودولي واسع، وتضم تحت قيادة تجمع المهنيين السودانيين، مجموعة نداء السودان وقوى الإجماع الوطني، ومنظمات مجتمع مدني، وجميع الحركات المسلحة باستثناء حركتين هما حركة تحرير السودان (مجموعة عبد الواحد نور)، والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال (مجموعة عبد العزيز الحلو) .

وأضحى المجلس العسكري الانتقالي بتمثيله للمكون العسكري شريكًا لقوى الحرية والتغيير مكتسبًا شرعيته بحكم الأمر الواقع عبر انقلاب عسكري انطلق من الحرص على المحافظة على أمن واستقرار البلاد وعلى وحدتها وسلامة أراضيها، ويحظى بدعم ظهير سياسي على الأرجح من صنعه، وهو الحراك القومي السوداني الذي ظهر مؤخرًا ومن عناصره بقايا من النظام السابق من غير حزب المؤتمر الوطني حزب البشير. كما اتجه حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري؛ لتعزيز هذا الظهير بـ(الإدارات الأهلية، والتجمعات النسائية)، وهي ذات بعد قبلي من ميراث النظام السابق بتوجهاته؛ ليحظى بتأييدها وتفويضها للمجلس العسكري، ويبدو أن المجلس يحظى بدعم من جانب روسيا والصين .

تبلورت رؤية الفترة الانتقالية في إقامة نظام حكم مدني عبر مجلس سيادي بأغلبية مدنية وعضوية متساوية من المدنيين والعسكريين (خمسة من كل جانب)، وعضو مدني للرئاسة يتم التوافق عليه من الجانبين، مع دورية رئاسة المجلس السيادي خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات قد تزيد بثلاثة أشهر (21 شهرًا رئاسة عسكرية، 18 شهرًا رئاسة مدنية)،  مجلس وزراء انتقالي من ” كفاءات وطنية ” تقوم بتشكيله قوى الحرية والتغيير(18 وزيرًا)، إرجاء تشكيل  المجلس التشريعي الانتقالي  لمرحلة لاحقة ( غضون ثلاثة أشهر)، لما بعد تشكيل مجلس السيادة والحكومة الانتقالية .

v   v   v

وهكذا جاءت الثورة السودانية بنظام حكم مدني ديمقراطي عبر مرحلة انتقالية مغاير تمامًا من حيث طبيعته وأسسه وأهدافه وتوجهاته الاستراتيجية، مرحلة تم فيها التزاوج بين مكون عسكري بشرعية الأمر الواقع، ومكون مدني بشرعية قانونية للثورة .

 حققت الحكومة كأحد هياكل السلطة الانتقالية وفي إطارها ” إنجازات غير مسبوقة”،  أبرزها: رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإسقاط الديون وإعادة هيكلة بعضها، ورفع العقوبات، والتوجه نحو الإصلاح الاقتصادي، واحترام حقوق الإنسان، إبرام اتفاق السلام مع الحركات المسلحة – اتفاق جوبا أكتوبر 2020 – باستثناء حركتين تم الإشارة إليهما من قبل. ونجحت في فرض الأمن والاستقرار في مواجهة محاولات فلول قوى النظام السابق، والتي قامت بانقلاب عسكري مرتين. كما نجحت في انتهاج سياسة خارجية متوازنة بأولوية التوجه عربيًّا وخاصة تجاه مصر ودول الخليج، وغربيًّا وخاصة  تجاه دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. أعادت للسودان وضعه الإقليمي والدولي، والتمسك بالحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وأمنه القومي بما في ذلك الأمن المائي .  

ومع ذلك فقد واجه السودان مجموعة من التحديات المستحدثة، ولدت من رحم العملية السياسية لإنفاذ المرحلة الانتقالية- تحديات ارتبطت بشعارات الثورة الثلاث حرية عدالة سلام- تحديات ذات طبيعة دستورية ارتباطًا بالوثيقة الدستورية التي تحكم أطر تلك العملية، وذات طبيعة أمنية ارتباطًا باتفاق جوبا للسلام بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح أكتوبر 2020، وذات طبيعة سياسية ارتباطًا بالوضع السياسي للقوى والأحزاب السياسية السودانية وبالوضع المستقبلي لمناطق بالأطراف السودانية وخاصة منطقة شرق السودان، والتي قد تهدد وحدة السودان وسلامة أراضيه.

 فيما يتعلق بالوثيقة الدستورية، أولًا:  لم تكتمل بعد هياكل السلطة الانتقالية، فقد تم تشكيل “المجلس السيادي” بمكونيه المدني والعسكري بأغلبية مدنية، وتم تشكيل الحكومة في إطار ثلاثي متوازن بين المجلس السيادي وقوى الحرية والتغيير ( الحاضنة السياسية) ، وحركات الكفاح المسلح، ولكن لم يتم بعد “تشكيل المجلس التشريعي”، كما لم يتم  “تشكيل الهياكل القضائية” وتعيين رؤسائها مثل المحكمة الدستورية، بل ولم يتم اتخاذ خطوات نحو وضع  “مشروع دستور دائم للبلاد “، وهي أمور تعد تقصيرًا أو عوارًا يتعين معالجته على الفور، وثانيًا: تم إجراء تعديل على الوثيقة الدستورية بإنشاء “مجلس الشركاء” بقرار من المجلس السيادي، وهو هيكل رابع تم استحداثه، يضم ممثلين عن المجلس السيادي والحكومة وقيادات من حركات الكفاح المسلح في إطار اتفاق سلام جوبا بين الحكومة وتلك الحركات، وهو أمر اعتبره البعض إجراءً غير شرعي تجاوز الوثيقة الدستورية، رجح من وزن المكون العسكري. وبالمقابل أثار الجانب المدني أن المكون العسكري كان يتعين عليه أن ” يعيد هيكلة القوات المسلحة ” على نحو يتم معه دمج كافة الوحدات التي تتمتع بنوع من الاستقلالية (قوات الدعم السريع وكذا وحدات حركات الكفاح المسلح ومجموعات أمنية) في تلك القوات كوحدة واحدة . وبالمقابل أيضًا أثار المكون العسكري أنه كان يتعين على المكون المدني أي ” قوى الحرية والتغيير التي تعاني من انقسامات حادة فيما بينها وانسحابات أحزاب وقوى من عضويتها على نحو أفقدها كمكون مدني ما كان يتمتع به من ثقل ووزن وتمثيلها لكافة أطياف وقوى الشعب السوداني في إطار الوثيقة الدستورية، على نحو يتطلب الأمر معه أن تنفتح لتضم قوى سياسية أخرى إليها وإجراء مصالحة مع القوى السياسية المنسحبة منها؛ لمعالجة وضعيتها كحاضنه سياسية.

أما بالنسبة للتحديات الأمنية الخاصة باتفاق جوبا للسلام، فقد تعذر إنفاذ الترتيبات الأمنية والتي تقضي بتشكيل القوات الأمنية المشتركة مناصفة بين وحدات من القوات المسلحة، وأخرى من قوات حركات الكفاح المسلح؛  للانتشار في دارفور لحفظ الأمن والنظام بدعوى عدم توافر التمويل اللازم. هذا في الوقت الذي لم تزل فيه مجموعتان من تلك الحركات خارج اتفاق جوبا إحداهما تتعثر المفاوضات معها وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان (مجموعة عبد العزيز الحلو)، والتي يتردد أن “رئيس إثيوبيا “آبى أحمد” وافق منذ أيام -على خطوة ذات مغزى عميق وأبعاد أمنية وسياسية على السودان بصفة خاصة – على أن” تفتح مكتبًا لها في أديس أبابا وآخر في مدينة أصاصا الحدودية مع السودان عاصمة منطقة بني شنقول حيث سد النهضة “.

 والثانية هي حركة تحرير السودان بدارفور (مجموعة عبد الواحد نور) الذي يعزف عن المشاركة في مباحثات السلام إلا بشروط يصعب الاستجابة لها.

أما من الناحية السياسية، فإن المكون المدني يعاني من انقسامات وانسحابات للعديد من القوى، ولم يتبق منه إلا مجموعة الأربعة، التي تسعى إلى احتكار السلطة لتفقد الحاضنة السياسية الشعبية التي أتت بها إلى السلطة كمكون مدني في وقت يتعين تشكيل المجلس التشريعي بشكلٍ شامل للقوى والأحزاب السياسية السودانية دون حزب المؤتمر الوطني. تحفظت قيادات بشرق السودان على مسار جوبا للسلام من منطلق دعاوى بعدم تمثيل القوى السياسية للشرق على النحو المنشود في هذا المسار، وبأن الشرق من الناحية السياسية تم تهميشه فيما يتعلق بالمشاركة في السلطة وفي اقتسام الثروة، بل وصل الأمر إلى مطالبة بعض القوى السياسية كرد فعل  احتجاجي على حكومة السلطة الانتقالية،” بحكم ذاتي والتلويح بطلب ممارسة حق تقرير المصير”. وقد لجأت بعض قيادات بالشرق المنتمية إلى قبائل البجا -أحد القبائل ذات الوزن والتأثير-بغلق الطرق والموانئ وأنابيب النفط والتلويح بالعصيان المدني … ما لم يتم الاستجابة لمطالبهم، وهي أمور بالغة التأثير السلبي على الأوضاع الأمنية والاقتصادية للسودان؛ نظرًا لأن ولايات الشرق الثلاثة ( كسلا والقضارف والبحر الأحمر ) لها أهمية استراتيجية حيوية  ربطًا بدول الجوار ومنطقة البحر الأحمر.

v   v   v

إزاء هذه التطورات أصدر البرهان مجموعة من القرارات بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، من منطلق وعلى خلفية مهددات أمنية واقتصادية داخلية وخارجية تعرض الثورة السودانية ومكتسباتها، وكذا وحدة السودان وسلامة أراضيه لمخاطر جسيمه. تضمنت القرارات – مع التمسك بالوثيقة الدستورية – إعلان حالة الطوارئ في إطار ما نصت عليه الوثيقة، الالتزام بالانتقال الديمقراطي، واعدًا بتشكيل حكومة كفاءات وطنية (وهو ما نصت عليه الوثيقة الدستورية وليس حكومة أحزاب )، حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية من خلال انتخابات عامة، وحل المجلس السيادي ومجلس الوزراء واعتقال قيادات المكون المدني. وقد انتفضت قوى وأحزاب سياسية بجانب قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة والمكون المدني – والتي خف وزنها وثقلها ببقاء أربع قوى سياسية فقط بها وانسحاب الآخرين منها – معتبرة أن قرارات البرهان بمثابة انقلاب على الوثيقة وهددوا بمقاومته عبر الاحتجاجات الشعبية السلمية، بينما اعتبرتها قوى سودانية أخرى  ودول وقوى إقليمية ودولية أنها لتصحيح مسار الثورة ؛ إذ ليس من المتصور أن ينقلب البرهان وهو في السلطة على نفسه، كما جاءت كثير من البيانات الصادرة عن دول ومنظمات إقليمية ودولية خالية أو شبه خالية من كلمة انقلاب .

شكلت هذه التطورات تحديات للتوافق القائم بين هياكل السلطة الانتقالية، وعلى مدى تماسك ووحدة وثقل المكون المدني بصفة خاصة، مع اقتراب موعد انتقال رئاسة المجلس السيادي إليه في وقت يتنامى فيه تبادل الاتهامات بين المكونين- تبلورت المواقف في  عمليات استقطاب بين أطراف وقوى متصارعة ، تجسدت في تغير في تحالفات القوى السياسية ومظاهرات واحتجاجات شعبية من جانب كل طرف قد تدفع السودان نحو زعزعة الأمن  والاستقرار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وصراعات داخلية قد تطال وحدة أراضي السودان وسلامته الإقليمية  .

v   v   v

في التقدير، أن ما اتخذه البرهان من قرارات وإجراءات هي أقرب من أن تكون تصحيحًا لمسار الثورة منها إلى الانقلاب، فقد تأسست على أسباب موضوعية تمس الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية، وقد تطال وحدة وسلامة الأراضي السودانية في مواجهة تحديات داخلية تم الإشارة إليها وأخرى خارجية تتعلق بالخلاف الحدودي مع إثيوبيا ووصوله إلى حد الصدام المسلح فضلًا عن تهديدات للأمن القومي المائي للسودان.  كما أكد البرهان على تمسكه بالوثيقة الدستورية وبالتحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات في موعدها مع تشكيل حكومة كفاءات، وإعادة تشكيل هياكل السلطة الانتقالية على أسس غير حزبية.

 وبغض النظر عما إذا كان ما حدث انقلابًا من عدمه، تستوجب هذه التطورات حوارًا موسعًا يضم القوى والأحزاب السياسية صريحًا وإيجابيًا وبَنَّاءً لبناء الثقة بين المكونين ، وحول ما يطرح من مبادرات سودانية للمعالجة في إطار هياكل السلطة الانتقالية، ومواجهة القضايا المثارة بحلول جذرية، واستكمال المرحلة الانتقالية طبقًا للوثيقة  الدستورية مع سرعة تشكيل المجلس التشريعي، ووضع دستور دائم واستكمال باقي الهياكل المؤسسية ربطًا بشعارات الثورة الثلاثة وفي إطار برنامج زمني يتم الالتزام به تنتقل خلاله السلطة إلى المكون المدني. وقد يكون من المناسب أن التحرك النشط والفاعل في هذا الاتجاه قاصرًا على أو بالدرجة الأولى من  دول جوار السودان وبالتحديد مصر وجنوب السودان ومن الجامعة العربية بتنسيق مع الاتحاد الإفريقي، آخذًا في الاعتبار تواجد بعثة للأمم المتحدة لدعم عملية التحول الديمقراطي تضطلع بدور في هذا الصدد، وينطلق هذا التحرك من قواسم مشتركة في مواقف أطراف المعادلة السودانية (الالتزام بالوثيقة الدستورية، الانتقال الديمقراطي للمكون المدني خلال فتره وجيزة، مشاركة كافة الأطراف والقوى السودانية في الحوار وفي تمثيلهم في هياكل السلطة الانتقالية على أسس مناطقية وليست حزبية ).

اظهر المزيد

د. صلاح حليمه

نائب رئيس المجلس المصرى للشؤون الإفريقية ومساعد وزير الخارجية الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى