2021العدد 188ملف عربي

الانتخابات في العراق: محاولة رسم مسار ديمقراطي يناسب ظروفه ويستوعب تناقضاته

اتجه العراق في أكتوبر 2021 إلى إجراء انتخابات نيابية عامة قبل وقتها بقليل، رغبةً بتخطي مرحلة غير مستقرة بدأت بتصاعد حركة احتجاجية شعبية منذ أكتوبر 2018، اعترض فيها بعض المواطنين على العملية السياسية والواقع المعاشي والخدمي والمستقبل المجهول الذي مر على البلد.

إن العراق عانى من تبعات ثقيلة لعدم تناسب العمل السياسي منذ العام 2003 مع الواقع الموجود، إذ ركز على قبول الديمقراطية للتعامل مع موضوع الشرعية، وأغفل احتياجات ومتطلبات الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية، وقد ظهرت نتائج الإخلال بالوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية نتيجة التماهي بين البعدين (الداخلي والخارجي).

ورغم أن نتائج انتخابات 2021 قد أبعدت بعض الأشخاص المستأثرين تقليديًا بالمناصب لأسباب: (العنف أو المال أو المظلة المذهبية أو التأثير الإقليمي…) – إلا أن البلد بقى غير مستقر خصوصًا في دوائر: (ضعف دولة القانون، وكثرة التناقضات الداخلية…)، وهو ما يطرح موضوع كيفية التغلب على تناقضات ما تم إيقاع البلد به منذ العام 2003.

أولًا:التغيير السياسي وملائمة اعتماد الديمقراطية بعد العام 2003.

لم يتأسس على أرض العراق منذ سقوط الحضارة العربية الإسلامية عام 1258م أي حضارة ذات بعد سياسي-إنساني له معنى، ورغم أن بريطانيا اتجهت في مؤتمر القاهرة في مارس 1921 إلى تأسيس كيان لدولة من بين بعض أراضي الولايات الرئيسة التي كانت قائمة أواخر الحكم العثماني، إلا أنه تأسيس لم يحقق نتيجة إيجابية للبلاد قياسًا إلى عمق الحضارات التي تشكلت على أرضه، إنما أسست لتناقضات في كون النظام لا يمثل البنية المجتمعية المشوهة التي جمعت في بناء سياسي واحد، وهو ما ظهر في سقوط البلد بالثقافة السياسية الشمولية في العام 1958، ثم أُعيد طرح موضوع إعادة تأسيس كيان دولة عام 2003 على يد الولايات المتحدة بالاعتماد على الديمقراطية، وتسبب هذا التوجه ببروز تناقضات مضاعفة في الواقع العراقي، ومستوى منخفض على صعيد تحقيق الأهداف، كونه تم قصر التغيير على فرض الديمقراطية وليس التعامل مع احتياجات البلد والشعب.

العراق بلد يتميز بتعددية كبيرة، أُدير بعقلية أزمة السلطة قبل 2003، وبعقلية الصراع الصفري المجتمعي فيما بعد، وأُدمج التنوع فيه في أطر صراع سياسي ذي أبعاد محلية وإقليمية، نجحت البيئة الخارجية عبر أدواتها المحلية في جعل الديمقراطية كعملية تعبئة وليس آلية لإدارة السلطة سلميًّا، وصار هناك التزامات تتعارض مع الأفكار الرئيسة في الديمقراطية: (الحريات وتداول السلطة وحكم القانون…)

أن أبرز إشكاليات تطبيق الديمقراطية، أنها تعرضت لعملية تصحيح؛ لتصحيح شكلية لنتائج الانتخابات عبر اعتماد التوافقية، ثم معالجة التوافقية بالمحاصصة للمناصب رغبة بإشراك جميع القوى التي ادعت تمثيلها للمجتمع والمكونات بامتيازات السلطة؛ اعتقادًا أنه يحقق الاستقرار، وكنوع من التغطية على ارتفاع مستوى الإقصاء والاضطهاد والفساد الممنهج الذي اتسع بعد الاحتلال.

إن أبرز احتياجات العراق بعد العام 2003 كان:

  1. توسيع نطاق الشرعية باستخدام الديمقراطية منعًا لاستهداف النظام السياسي، إلا أن العملية السياسية تشوهت في أثناء تطبيق المادة (7) من الدستور الاتحادي الدائم لسنة 2005، فلم تحظر أغلب الكيانات أو النهج الذي يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له بحسب الفهم الدقيق لتلك المصطلحات، بل وتغاضت العملية السياسية عن تطبيق قانون الأحزاب ذي الرقم 36 لسنة 2015، الذي يحظر الأحزاب التي تتبنى العنف وتتحصن بالسلاح، في إشارة إلى أن من يمتلك أدوات العنف هو من يمارس السلطة فعليًّا، وكان الاستثناء منحصرًا بالتكوين العربي السني الممنوع من تكوين مجموعات مسلحة قادرة على موازنة قوة الجماعات التي تدعي تمثيلها لمكونات أخرى.
  2. الاستقرار والسلم الأهلي وحكم القانون (النظام العام)، وهي من أهم تناقضات الواقع العراقي، فمؤسسات الدولة غير محايدة، بل ويتم إدغامها وتوظيفها في أحيان من المجموعات التي تمارس العنف.
  3. الحاجة إلى العدالة الاجتماعية، فمجموعات عديدة تعرضت للضرر قبل 2003 وبعده، طالما أنها لا تتوافق مع رؤى وطروحات القابضين على السلطة.
  4. الحاجة إلى التنمية، استغلت أغلب موارد الريع لتغذية السلطة والعنف وأنشطة أطراف إقليمية، وكان الفساد والهدر في الموارد ممنهج تحت الإدارة الأمريكية العامة، والقابضين على السلطة، مما جعل عائد التنمية منخفضًا، وكان يتم إسكات القاعدة الجماهيرية الداعمة للأحزاب الرئيسة في الحكم بخطاب يفيد أن الاولوية هو استمرار الحكم لغاية أكتوبر 2018، عندما حصلت انتفاضة في أغلب مدن وسط وجنوب العراق على الأحزاب المهيمنة في السلطة، طلبًا للخدمات والتوظيف.
  5. هدف بناء دولة قوية إقليميًّا، هو خارج اهتمامات القوى السياسية القابضة على السلطة، فأقصى هدف لها كان هو تفكيك بنية الدولة وإعادة دمجها بمواردها لتكون جزءًا من مشروع تفكيكي إقليمي، ولم يعاد تصحيح لهذا الاتجاه نسبيًّا إلا في زمن حيدر العبادي (2014- 2018) وفشل المشروع، وحاول العراق في زمن الكاظمي (2020- 2021) جعل العراق جسر لربط المشاريع الإقليمية المتقاطعة، إلا أن الإرادة الأمريكية ما زالت تنظر للعراق كمشروع تفكيكي للمنطقة وليس مشروع ربط وبناء، ويظهر دلالة ذلك في التسهيلات الممنوحة لإيران في المنطقة المدعومة من موارد عراقية.

لم تستطع الانتخابات أو حتى عموم الديمقراطية أن تحقق نتائج مهمة للمجتمع أو تلبي احتياجاته، بل ازدادت تناقضاته الأساسية، وأصبح المواطن لا يرى أمامه مؤسسات دولة محايدة إنما كيانات أقل ما تستهدفه سياساتها هو تحقيق مهام الدولة من حيث احترام كرامة المواطن، وتمثيل المواطنين والسيادة والرفاهية والمحافظة على النظام العام، ودعم تحقيق حضور ومشاركة في الحضارات الإنسانية حتى أصبح أهم أولويات بعض القوى هو: استمرار النظام السياسي الذي تؤثر عليه البيئة الإقليمية، وليس حماية المواطن أو بناء دولة قوية.

ثانيًا:معطيات ومؤشرات انتخابات العام 2021 النيابية والمواقف منها.

كانت نتائج أحداث 2012 المتمثلة بتظاهرات المحافظات الغربية والوسطى والشمالية على السلطات الحكومية والعملية السياسية- كارثية؛ إذ تورَّط بعض الأطراف في السلطة بالسماح بتمدد ووصول تداعيات أحداث سوريا للعراق في يونيو 2014، والتي تسببت بمأساة لبعض مدن العراق ونزوح نحو 6.075 مليون إنسان، إلى جانب هجرة ما يزيد عن مليون إنسان، ناهيك عن مقتل ما بين (120- 150) ألف مواطن من كل الأطراف العراقية منهم نحو 40 ألف مدنيًّا بالموصل أثناء معارك استعادتها بين (يونيو-يوليو) 2016، والاختفاء القسري لنحو مليون شخص متورط بها جماعات عنفية داخل السلطة، ناهيك عن تدمير أو إتلاف نحو 80% من البنية التحتية والخدمات والممتلكات الشخصية في تلك المدن، بإرادة أطراف حكومية-إقليمية-أمريكية.

بعد أن كان المجتمع الشيعي غير معني بمناقشة الأحوال السياسية والإنسانية والاقتصادية وأحوال الدولة، اتجه بعد العام 2014 على إظهار بوادر لمناقشة أسباب استمرار الأحوال العامة، وأخذ يتشكل وعي في جنوب العراق، انتهى إلى إطلاق انتفاضة أكتوبر 2018 تواجهت مع القوى التي لا تؤمن بالدولة المحتكرة للسلطة والعنف، وأسهمت بإسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وصعدت حكومة مصطفى الكاظمي، التي وضعت لنفسها هدف إدارة البلد في هذه المرحلة الحرجة، والتهيئة لانتخابات مبكرة.

جرت في أكتوبر 2021 انتخابات نيابية، وشارك بها نحو 9.6 مليون من مجموع 24.9 مليون شخص، وقد اعتمد نظام الدوائر المتعددة (83 دائرة انتخابية)، للتصويت لانتخاب 329 مقعد (منها كوتا: 9 للأقليات، و 83 مقعد للنساء)، وفقًا للمعطيات في الجدول المرفق:

الجدول (1): مؤشرات عامة في انتخابات أكتوبر 2021

المؤشرالعدد/مليونالنسبة%
عدد المواطنين40.22
عدد المؤهلين للانتخاب24.961.94
تحديث البطاقة الانتخابية/لعدد الناخبين14.357.42
استلام البطاقة الانتخابية/لعدد الناخبين12.248.99
التصويت الكلي/لعدد الناخبين9.638.55
التصويت العام ليوم 10 اكتوبر/لعدد الناخبين8.634.53
التصويت الخاص/القوى الأمنية/لعدد الناخبين المشمولين من القوى الأمنية (1.2 مليون)0.8268.44
التصويت الخاص/النازحين/لعدد الناخبين المشمولين من النازحين (3 مليون)0.120.04
التصويت الخاص/المعتقلين والمحكومين/لعدد الناخبين المشمولين من المعتقلين والمحكومين (130 الف)(671 شخص)0.0051
تصويت المهاجرين واللاجئين/ (6 مليون)
البطاقات التالفة/إلى البطاقات الانتخابية0.720.075

إن نتائج الانتخاب لم تحدث تحولًا كبيرًا في الخيارات العامة، جرَّاء حجم الاستثناء الكبير لشرائح من المواطنين، ولارتفاع نسب العزوف بين عموم المواطنين بفعل ارتفاع تأثير: (المال والعنف والمرجعيات المذهبية).

 وإيران، وكانت النتائج الأولية تظهر عدم وجود أغلبية، كما موضح بالجدول المرفق:

جدول (2): النتائج الأولية لانتخابات أكتوبر 2021

الكتلة/الائتلافالعناوين العامة للتحالفاتالمقاعدنسبتها من 329 مقعد%
الكتلة الصدرية/7322.18
قائمة ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكيالإطار التنسيقي الشيعي3510.63
قائمة تحالف الفتح (تمثل الحشد الشعبي والتيارات المقربة من إيران)185.47
تحالف قوى الدولة الوطنية برئاسة كل من حيدر العبادي، وعمار الحكيم51.51
مرشحون مستقلون/3911.85
قائمة تقدم الوطني لمحمد الحلبوسيإمكانية للتحالف3711.24
قائمة عزم التي يقودها خميس الخنجر113.34
قائمة الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزانيإمكانية للتحالف القومي3310.03
قائمة تحالف كوردستان بزعامة الاتحاد الوطني الكردستاني164.86
قوى حراك أكتوبر 2018كتلة حركة امتداد92.73
إشراقة كانون61.82
حركة الجيل الجديد (تحالف قوى كردية)82.43
المقاعد الأخرى تتوزع على عدة قوى سياسية

 بعبارة أخرى أنه لا توجد أغلبية مطلقة، والترشح لمنصب رئاسة الحكومة يحتاج إلى وجود كتلة عددها 166 مقعدًا أو أكثر.

ثالثًا: سقف طموح الانتخابات النيابية إلى أولويات واحتياجات العراق.

من بين الموضوعات التي طُرحت في انتخابات العام 2021 هي:

  • مشاركة قوى لديها أذرع مسلحة بشكلٍ صريح ومتهمة بالعنف، وهو ما يتناقض مع الدستور الاتحادي (المادة 9/أولا)، وقانون الأحزاب السياسية رقم 36 لسنة 2015.
  • لم يشمل الانتخاب أغلب (العرب السُّنَّة)، كون أغلبهم مصنف ضمن: عراقيي الخارج، أو النازحين، أو المسجونين والموقوفين في السجون والمعتقلات بحجة وجود صعوبات عدة.
  • اعترض على نتائج الانتخابات مجموعة قوى، كان أهمها ما عرف بالإطار التنسيقي الشيعي، الذي تشكل سريعًا بعد الانتخابات، وأهم قواه تحالف الفتح وقوى أخرى ترتبط بعلاقات مع إيران وتملك أذرعًا مسلحة إلى جانب تحالف قوى الدولة (حيدر العبادي وعمار الحكيم)…  وكان الخطاب السياسي لأغلب قوى الإطار تدور حول: دعوة جمهوره إلى قطع الطرق، ووجوب إعادة النظر بنتائج الانتخابات، وقسم منها هدد باللجوء إلى القوة والعنف بشكلٍ صريح، وأنه لن يتهاون في حماية أصوات ناخبيه وقاعدته الجماهيرية وأنه لن يتنازل عن مركزه في السلطة والنظام السياسي.
  • أعلن زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” في بيان له قبول النتائج المعلن عنها، ولكنه أكد على وجوب تعزيز قوة الدولة.
  • تعرضت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبعثة الأمم المتحدة في العراق إلى التهديد من بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعي.

إن النتائج المتحققة، والانقسام الظاهري بين القوى السياسية الشيعية، جعل خيارات تشكيل الحكومة مفتوحة بين:

  1. تشكيل الحكومة من التيار الصدري، وينضم إليها جزء من التيار السني والكردي ومستقلون، بما يكفي للحصول على أغلبية مناسبة، ويدفع قوى الإطار التنسيقي إلى المعارضة مرغمة.
  2. أن يلجأ التيار الصدري إلى ترك رئاسة الحكومة إلى ائتلاف يمثل الإطار التنسيقي على أن يحصل على أغلب مناصب الحكومة.
  3. أن تتكون الحكومة من التيار الصدري ويضم داخلها كل القوى الأخرى الراغبة بالانخراط في الحكومة على غرار ما حدث في الحكومات السابقة (المعارضة غير واضحة).

لم تُنهِ الانتخابات التناقضات العراقية، فالعمل السياسي محمي بأبعاد تظهر تناقضات العمل السياسي، ومنها:

  1. أن كل المناصب تحتاج إلى توافقات رئيسة: إقليمية-دولية، وثانوية: مرجعية النجف الشيعية، ثم ظاهريًّا توافقات العمل السياسي الداخلي، وتبدو الانتخابات السمة الوحيدة في التجربة الديمقراطية.
  2. السلاح ومركز القرار الأمني، فمن من يملك السلاح له إرادة أقوى من كيان الدولة، ولا يتم تجريمه عن كل أفعاله التي يندرج قسم منها تحت جرائم الإبادة العنصرية أو جرائم الإبادة الإنسانية، يقابله ضعف ولاء قيادات المؤسسات العسكرية والأمنية الحكومية، رغم أن أفراد الجيش والقوى الأمنية بلغ أكثر من 1.2 مليون عنصر، فأغلب مراكز القرار العسكرية والأمنية جاء بترشح من قبل القوى والمجاميع المسلحة القريبة من إيران، فلا تستطيع التعامل مع أي جريمة أو استهانة بهيبة الدولة، أو قدرتها على بسط النظام العام، ولا غرابة أن جماعات العنف المسلح هم أبرز الداعمين لاستمرار النظام السياسي، وتقف خلفهم إيران.
  3. أن كل القوى الموجودة في البرلمان هي نفسها تشكل الحكومة، أي أن الحكومة والمعارضة متحدة مع بعضها البعض استنادًا للتوافقية والمحاصصة، وعليه أظهر البرلمان ممارسات ومؤشرات تجعله يبدو أقرب إلى الحكومة منه إلى الشعب، كما ظهر أثناء الاحتجاجات التي اندلعت بعد العام 2018.
  4. المال السياسي المستخدم من قبل القوى التي تقوض الدولة، يتم الحصول عليه بشكلٍ مستمر من الموارد العراقية العامة، وجرى توظيف إمكانات الدولة لخلق اقتصاد موازي يمول أعمال جماعات العنف.
  5. فتاوى مذهبية راغبة بتغيير صورة العراق ضمن وصف محدد، وهي محمية بأبعاد إقليمية ودولية سياسية وإعلامية
  6. الدم الرخيص الذي تم تنشِئَته على التعبئة والطاعة والتضحية لشعارات تعبوية وشمولية
  7. والإرادة السياسية الغربية التي تريد الاستمرار بهذه الفوضى ضمن إطار قابل للتحكم به.
  8. وعليه، لا يمكن للانتخابات أن تحدث نتائج مهمة في الواقع السياسي.

رابعًا:ما العمل؟

لم تستطع الحكومات بعد 2003 أن تحقق وظائف الدولة الرئيسة، ولم تحقق الديمقراطية التي هي الغاية من وجودها، والاستمرار بفرض تطبيق الديمقراطية، والاعتماد على أمل أن يتحقق تغيير عبر الانتخابات يطرح موضوعات للنقاش، ومنها: أن احتياجات وأولويات البلد (الشرعية أم الاستقرار والتنمية أم العدالة الاجتماعية) تتعارض مع استمرار اعتماد الديمقراطية كنظام ونهج في الحكم، ومن ثم: هل العراقيون ملزمون بأن يكيفوا أوضاعهم مع الديمقراطية، حتى مع هامش إجراء تعديلات وتكييفات عليها؟ أم أنه حان الوقت للبحث عن نماذج حكم وسياسة تناسب واقع المجتمع العراقي بغض النظر عن موقف الغرب منها؟

لم تحقق الديمقراطية نتائج مهمة للبلد والمجتمع والأفراد، لكن هناك ضغطًا دوليًا غربيًا لاعتمادها ومصادرة الخصوصية الوطنية عن إنتاج نظام حكم وسياسة وطني، فكيف يتم تجاوز السلبيات المرافقة لظروف العراق وتناقضاته، وهو ما يقود إلى مناقشة موضوعات عدة، ومنها:

فيما يتعلق بمناقشة الواقع غير الديمقراطي الذي يمكن للبلد الانفتاح عليه، فإن البلد سيكون أمام عدة مشاريع:

  • اللجوء إلى الإسلام بوصفه بديل متكامل للحياة، إلا أن المأزق الكبير الذي سيقع به العراق هو أن الولايات المتحدة منحت أدوات العنف والمال والسلطة لمجموعات قريبة من إيران منذ العام 2003؛ رغبة منها بأن تحصل على واقع ملائم لبقائها، ويناسب التغيير الثقافي الذي تطمح إليه في المنطقة العربية. والبديل الإسلامي الأكثر حظًّا هو بديل النسخة الإيرانية الموجود منذ العام 2003 القائم على عمليات منظمة متدرجة من (التهجير وتغيير التركيبة الديموغرافية وتغيير مركز مالكي الثروة الوطنية، وإقصاء أغلب شركاء الوطن…).
  • قد يكون هناك توزان في المنطقة بين إيران والمنطقة العربية يفرض عليها صياغة توازن وصياغة نظام له خصوصية في العراق يمثل توازنًا بين التأثيرين (العربي والإيراني)، وهذا الاحتمال ضعيف؛ لأن المتصدين للسياسة العربية الرسمية أبعدُ ما يكونوا خلال هذه المرحلة عن الخيار الإسلامي وأقرب ما يكونوا من استعطاف الرضا الغربي واتباع الأجندات البراغماتية.
  • أو قد يتجه البلد إلى الفوضى، وهو احتمال موجود، وأسسه حجم أدوات العنف (السلاح والأموال وتنظيمات مذهبية والتنشئة على التعبئة والمذهبية المتصارعة) التي تمتلكها قوى متعشقة بأجندات عابرة للحدود إقليميًّا، والتي استوعبت الدولة واحتكرتها بفعل المظلة الأمريكية.

أما البديل الآخر فهو اعتماد الديمقراطية، ورغم أنه يتقاطع مع الإسلام كون من يتولى أمرًا ما ليس ملزمًا أن يصيغ التشريعات وفقًا لنصوص إسلامية، وأن الأمر لا يترك إلى الشرع والعلماء إنما يترك إلى المواطنين مهما كان مستوى وعيهم بمصالحهم أو مستوى أهوائهم لتقرير مصير الأمة، إلا أن القائلين به يرون أن ظروف البلد أنه (متعدد، منقسم، غير منسجم في نظرته إلى المبادئ العامة في الإسلام)، يقابله ضعف مؤسسات الدولة وحكم القانون، والحل في وجوب تعزيز مسار التحول الديمقراطي، وجعله قادرًا على تصويب تناقضات البلد، والتناسب مع ظروفه.

أن التأكيد على الديمقراطية، يستلزم أولًا إتمام عملية التحول، مع مراعاة أن التحول يتطلب مراعاة إحداث تعديل على الديمقراطية، بما يتناسب مع الواقع واحتياجات استقرار المجتمع.

عمومًا، إن أهم ما يحتاجه العراق هو الآتي:

  1. تحييد موضوع شخصنة السلطة، وجعل السلطة مجرد تكليف لا يحظى برمزية أخرى غيرها.
  2. تجريم الولاء لغير العراق، أو التعدي على سيادة الدولة، وتأكيد أن الدولة بناء يستوعب جميع التنوعات، ويجب تغيير لغة المقدس في الخطاب السياسي الحكومي، أو التأثر بآراء مجموعة محددة مهما كانت قوتها أو رمزيتها، فالدولة مؤسسات محايدة تحمي النظام العام، وأبرزها مسؤوليتها تجاه حماية التنوع الاجتماعي، بعيدًا عن تدخلات السياسة.
  3. إدخال العراق في نطاق قرار استثنائي يصدر من قبل مجلس الأمن يعتمد: نهج مسؤولية الدولة عن حماية واجباتها التقليدية، مسؤولية السلطة عن تحقيق النظام العام في المجتمع ومؤسسات الدولة، وعدم الانحياز في البيئة الخارجية.
  4. ضم العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفتح ملفات الجرائم العنصرية والانتهاكات والاضطهاد المدمر للنسيج الاجتماعي الذي تم ممارسته منذ عام 2003.
  5. تأكيد قوة القانون، من خلال تعزيز قوة المؤسسة القضائية، واحتكار الدولة للعنف، وأن يتشكل قوة أمنية مستقلة ترتبط بالمؤسسة القضائية، وتمنح سلطة إنفاذ القانون، بحكم أن بعض قيادات المؤسسات العسكرية والأمنية لا ترغب بالصدام مع القوى العنفية، بل إن الأخيرة توظف في الغالب موارد الدولة لإدامة وجودها وأنشطتها بما يتعارض مع القانون ويضر بالسلم الأهلي والنظام العام.
  6. أن يستمر تولي إدارة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من قبل قضاة، وأن تُدمج بمجلس القضاء الأعلى.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى