لم تكن مسألة سد النهضة تقليديًا مطروحة على الصعيد العربي خلال معظم العقد الماضي؛ وذلك نظرًا لأمرين الأول قدرة إثيوبيا على تحييد دور السودان أو حتى ميله نحو إثيوبيا تحت مظلة نظام حكم الرئيس السابق “عمر البشير”، والثاني وجود تقدير مصري أن طرح حزمة من المزايا التنموية التعاونية الشاملة مع إثيوبيا من شأنه أن يحل الأزمة، ويفتح دول حوض النيل الأزرق على آفاق سياسية واقتصادية جديدة وطبقًا لهذا التقدير تم التوقيع على اتفاق المبادئ بين (مصر والسودان وإثيوبيا) في مارس ٢٠١٥.
في هذا السياق لم تبرز أدوارا عربية سواء على الصعيد المتعدد الأطراف تحت مظلة الجامعة العربية، أو في السياق الثنائي العربي/ العربي بين كل من مصر أو السودان وأية دولة عربية أخرى.
هذه الحالة من الغياب العربي انقلبت خلال العامين الماضيين إلى النقيض سواء علي المستوى العربي الجماعي تحت مظلة الجامعة العربية، أو في إطار العلاقات الثنائية بين طرفي الأزمة مصر والسودان وباقي الدول العربية.
ويمكن القول أن بروز الدور العربي في هذه الأزمة على الصعيد السياسي والدبلوماسي لم يكتف بالدور الإقليمي، ولكنه تمدد على الصعيد الدولي خصوصًا في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي، وذلك نظرًا للتحدي الكبير الذي تطرحه على صعيد الأمن المائي العربي، وأيضا على العلاقات العربية الإفريقية بشكل عام، ولكن
تبقى السيناريوهات متعددة بشأن مدى نجاح هذا الدور العربي في التأثير الإيجابي، والقدرة على نزع فتيل صراعات متوقعة .
أولًا : مسارات العلاقات العربية الإثيوبية و انعكساها على أزمة سد النهضة .
أ- أسباب التفاعل العربي الإثيوبي ومساراته :
لعبت عدد من العوامل دورًا في التقارب العربي الإثيوبي خصوصًا من الجانب الخليجي منذ تسعينات القرن الماضي، وذلك على مستويين: الأول المستوى الإستراتيجي، وهو المرتبط بالتمدد الإيراني في كل من البحر الأحمر ودول القرن الإفريقي، حيث بدأ نفوذ إيران يتمدد في هذه المنطقة منذ عام ١٩٩٤؛ انطلاقا من المنصة السودانية.
أما المستوى الثاني فله أبعادًا اقتصادية منها الاتجاه نحو توظيف عوائد البترول في استثمارات بدول القرن الإفريقي -خصوصًا في إثيوبيا- وكذلك حدة أزمة الأمن الغذائي الخليجي، ودورها في الاتجاه إلى الاستزراع في كل من إفريقيا ودول شرق أوربا، وكذلك الانتباه الخليجي لأهمية موانئ البحر الأحمر كانعكاس للمشروع الصيني الحزام، والطريق الذي يمر طريقه الرابع في البحر الأحمر وصولًا للبحر المتوسط.
في هذا السياق يمكن رصد أن إثيوبيا قد حازت في الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٧ فقط على استثمارات خليجية بقيمة ١٣ مليار دولار أمريكي غير متضمنة التمويل الديني أو المساعدات الإنسانية، ولا المشروعات ذات الطابع البحثي والفكري، وذلك في ٤٣٤ مشروعًا، كانت الاستثمارات السعودية في ٢٣٣ مشروعًا، تلتها الإمارات بـ ١٠٤ مشروعًا، بينما كان نصيب قطر ١٢ مشروعًا، والكويت ١٦ مشروعًا . وإذا تمت مقارنة هذا الحجم الاستثماري بحقيقة أنه لم يكن في دول القرن الإفريقي بالتسعينات إلا 35 مشروعًا فقط، فقد يتضح حجم القفزة الاستثمارية الخليجية في منطقة دول القرن الإفريقي.
ويمكن الإشارة إلى أن أهم مشروعات دولة الإمارات في إثيوبيا هو في قطاع تصنيع السكر بقيمة ٣ مليار دولار، وهو أكبر استثمار منفرد في هذه الفترة، وبشكل عام وفرت الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا ثلثمئة ألف وظيفة للإثيوبيين، مئة ألف منها وفرها رجل الأعمال السعودي العمودي ذو الأصول الإثيوبية من جهة الأم، وذلك في شركتي( Midroc Ethiopia وSudi Star Group)
وإلى جانب هذه الاستثمارات يمكن رصد أن حجم المساعدات العربية لدول القرن الإفريقي من الصناديق الإنمائية ٦،٦ مليار دولار، وذلك دون صندوق أبو ظبي الذي بدأ نشاطاته في إثيوبيا عام ٢٠١٢، وساهم في منح إثيوبيا ٣ مليار دولار عام ٢٠١٨، منها مليار دولار لدعم النظام المصرفي الإثيوبي، وقد حازت إِثيوبيا على نصيب الأسد سواء من كعكة الاستثمارات دولة الإمارات أو من حجم المساعدات، وهو ربما ما يفسر تغريدات “آبي أحمد” رئيس الوزراء الإِثيوبي في ديسمبر ٢٠١٩، والتي أعلن فيها عن بالغ شكره لكل من السعودية والإمارات لدعمهما إثيوبيا.
وقد تركزت الاستثمارات الخليجية في قطاعي الزراعة والتصنيع، حيث تزامن التركيز الخليجي في التوسع التعاوني مع إثيوبيا، حيث تعهد رئيس صندوق أبو ظبي للتنمية لإثيوبيا بالدعم في يناير ٢٠٢٠، بالتوسع في المساعدات التنموية لإثيوبيا، كما تم عقد مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي الإثيوبي كان في فبراير ٢٠٢٠، وهي الزيارة التي تم الاتفاق فيها علي استضافة منتديات اقتصادية ، وتأسيس منصة رقمية للتواصل بين البلدين، كما قدم صندوق خليفة ١٠٠ مليون دولار لوزارة المالية الإثيوبية؛ لدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وذلك في مارس ٢٠٢٠.
ب : انعكاسات التعاون الاقتصادي بين العرب وإثيوبيا علي أزمة سد النهضة .
لعب الانتباه الخليجي على المستوى الاقتصادي لدول القرن الإفريقي -خصوصًا إثيوبيا، والذي يقوده كبار رجال لأعمال والصناديق الاستثمارية – دورًا في زيادة الوزن الإثيوبي الإقليمي على حساب المصالح العربية مجتمعة ومنفردة وذلك في نطاقات متعددة بعضها حساس كأمن البحر الأحمر، وكذلك التأثير على الوزن الإقليمي المصري المتحالف عضويًا مع دول الخليج، وكذلك الإمكانات المفتوحة للتعاون الإثيوبي مع قوى إقليمية أخرى مناوئة للمصالح الشاملة النظام العربي .
في هذا السياق لابد من الإشارة أن تشرذم وحدات النظام العربي خلال العقدين الماضيين كنتيجة مباشرة لحروب الخليج، وما أسفر عنه ذلك من فراغ أسفر عن تغول كل من إيران وتركيا على المصالح العربية خصوصا الخليجية منها، حيث تمددت إيران في كل من (لبنان وسوريا واليمن)، مهددة المصالح الخليجية بشكل خاص، ومؤثرة على عافية اقتصادات كل من (الإمارات والسعودية)، كنتيجة مباشرة للحرب في اليمن، وقد تمددت تركيا أيضا في دول القرن الإفريقي والصومال خصوصًا، مهددة المصالح الخليجية والمصرية معًا -خصوصًا مع تحالف أنقرة مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين- وطبقًا لهذه الخبرة؛ فإن المساعدة في تغول إثيوبيا إقليميا على حساب المحيط العربي سيكون له تداعيات ربما أكثر فداحة على مجمل المصالح في المنطقة وذلك في ضوء المؤشرات الآتية :-
- توجه إثيوبيا لتكون قوة بحرية في البحر الأحمر، بما يعني إمكانية تحولها في أي مرحلة قادمة؛ لتكون قوة مناوئة وليست حليفة لدول الخليج خصوصًا مع تصاعد قدراتها الاقتصادية المرتبطة بموجود مؤشرات نفطية في منطقة الأوجادين.
- بروز اتصالات إثيوبية بتركيا في الفترة الأخيرة وفق منظور ضيق، هو محاولة الاستقواء على مصر متجاوزة دعم أنقرة للإخوان المسلمين، الذي هو خط أحمر لدولة الإمارات مثلًا.
- رفض إثيوبيا الانخراط في منظومات تعاونية إقليمية لدول حوض النيل الأزرق، وهي المنظومات المعروفة إفريقيًا وعالميًا في أكثر من ٢٢٠ اتفاقية لأحواض الأنهار منها حوض نهر السنغال.
- مخالفة إثيوبيا لقواعد القانون الدولي، وعدم الاعتراف بنهر النيل كنهر دولي مشترك، وإعلانه نهرا تحت السيادة الإثيوبية، والاتجاه نحو تحويله إلى بحيرة عن طريق إقامة المزيد من السدود
- عدم مصداقية إثيوبيا في التعامل مع مصالح حساسة لكل من (مصر والسودان وإرتيريا)، وممارسة مرواغات سياسية تهدد مصالح هذه الدول وهي الدول الثلاث المشاطئة للسواحل المقابلة للخليج في البحر الأحمر.
- إمكانية مفتوحة ومتوقعة لتغير الموقف الإثيوبي من دول الخليج على نحو سلبي، وزيادة الوزن الإثيوبي الإقليمي على حساب العرب عموما الخليج خصوصا، ذلك أن التحالف الغربي مع إثيوبيا، يمكن أن يناوئ المصالح الخليجية ويهددها أو يضغط عليها- خصوصًا مع طبيعة الإسناد الإسرائيلي التاريخي لإثيوبيا لعوامل بعضها ثقافية ودينية.
ثانيًا : الدور العربي الراهن في أزمة سد النهضة وفرص نجاحه.
ساهم التعنت الإثيوبي في إبرام اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب مصر والسودان، وكذلك الإصرار علي ملء بحيرة سد النهضة دون اتفاق في انتباه عربي لطبيعة المشروع الإثيوبي وتوجهاته من ناحية، وطبيعة الذهنية الإثيوبية على المستوى السياسي من ناحية أخرى من حيث عدم مرونتها، وبروز حالة من تضخم الذات مهددة بالضرورة للاستقرار الإقليمي .
وقد لعبت الأضرار المترتبة على الملء الأول للسد عام ٢٠٢٠ -خصوصًا في السودان- دورا في هذا الانتباه العربي لطبيعة السياسيات الإثيوبية بشكل عام، واتجاهات إداراتها لأزمة سد النهضة بشكل خاص -خصوصًا بعد خروج محطات الشرب السودانية ومحطات الكهرباء من الخدمة- بما شكل تهديدًا لحكومة الثورة السودانية الأولى، حيث برزت هذه الاتجاهات السلبية مع تصريحات “دينا مفتي” المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية سواء في الإعلان أن نهر النيل قد تحول إلى بحيرة إثيوبية، أو تصريحات مسؤولين أخرين بالاتجاه نحو تسعير وبيع المياه.
وقد ساهم تحول الموقف السوداني إزاء سد النهضة بعد ثورة ديسمبر عام ٢٠١٨، وإدراك السودان لطبيعة مصالحه الإستراتيجية، التي لم يتم دراستها تحت مظلة نظام البشير.
ويمكن التمييز بين مستويين من الأدوار العربية في أزمة سد النهضة: المستوى الأول هو المستوى الجماعي في إطار الجامعة العربية ، والمستوى الثاني هو مستوى الأداء السياسي المنفرد لكل دولة عربية علي حدة .
أ- دور الجامعة العربية :-
بدأ اهتمام الجامعة العربية بمشكلة سد النهضة في مارس ٢٠٢٠، وذلك بعد فشل مفاوضات واشنطن في الوصول إلى حل للأزمة، رغم الدور النشط الذي قامت به إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في هذه الأزمة اعتبارا من نوفمبر ٢٠١٩، وهو الدور الذي أسفر عن مسودة اتفاق انسحبت إثيوبيا من التوقيع عليه.
في هذا السياق تحركت الجامعة العربية دعمًا لمشروع قرار تقدمت به مصر؛ لدعم حقوق مصر والسودان في نهر النيل باعتبارهما دولتي مصب، ولكن السودان تحفظ على مشروع قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب يؤكد تضامن الجامعة العربية مع موقف مصر والسودان الخاص بسد النهضة، وأوضحت مصادر للوكالة أنه خلال اجتماع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، وذلك بعد أن تمت موافاة الجانب السوداني مسبقًا بمشروع القرار للتشاور حوله مع التأكيد على أن قرار كهذا يدعم موقف دولتي المصب (مصر والسودان)، ويعكس الدعم العربي لحقوق مصر والسودان المائية.
وعلى الرغم من بروز زخم وتأييد عربي موسع من مجمل الأطراف العربية لمشروع القرار، لم يبد الجانب السوداني أي تحمُّس له، بل وطلب عدم إدراج اسم السودان في القرار.
وقالت الوكالة إن الجانب السوداني قال” إن القرار ليس في مصلحته، ولا يجب إقحام الجامعة العربية في هذا الملف”، وأبدى تخوفه مما قد ينتج عنه هذا القرار من مواجهة عربية إثيوبية، وهو الأمر الذي أبرزت مداولات الوزراء العرب أن دعم مصر والسودان من جانب الدول العربية، لا يهدف إلى مواجهة أطراف أخرى، بل هو ملف يهدد الأمن القومي العربي في مجمله. وطبقا لذلك نجحت مصر في نهاية الجلسة في اعتماد مشروع القرار دون تعديل، مع تسجيل السودان تحفظه رسميًا، حيث قال الأمين العام للجامعة العربية “أحمد أبو الغيط” في مؤتمر صحفي عقده في ختام الدورة ١٥٣ لمجلس الجامعة العربية مع” يوسف بن علوي” الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بسلطنة عمان ،رئيس الدورة : ” إن القرار يرفض أي مساس بالحقوق التاريخية لمصر، ويرفض أي إجراءات أحادية تمضي فيها إثيوبيا”، ويؤكد على” ضرورة التزام إثيوبيا بمبادئ القانون الدولي، ويرحب باتفاق ملء سد النهضة الإثيوبي، الذي أعدته الإدارة الأمريكية، ويؤكد أن مشروع الاتفاق الذي طرحته الولايات المتحدة والبنك الدولي عادل ومتوازن ويحقق مصالح البلدان الثلاثة”.
أما التدخل الثاني للجامعة العربية فقد جاء في يونيو ٢٠٢١، وذلك على خلفية الرفض الإثيوبي لاتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب قبيل الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، حيث دعت جامعة الدول العربية مجلس الأمن لعقد اجتماع بشأن سد النهضة الإثيوبي، وأعرب وزراء الخارجية العرب عن قلقهم إزاء تعثر مفاوضات سد النهضة برعاية الاتحاد الأفريقي.
في هذا السياق تبلور المجهود العربي في دعوة جامعة الدول العربية مجلس الأمن لعقد اجتماع بشأن سد النهضة الإثيوبي، حيث أعرب وزراء الخارجية العرب عن قلقهم إزاء تعثر مفاوضات سد النهضة برعاية الاتحاد الأفريقي.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط،” :” إن هناك توافقا عربيا على اعتبار أن الأمن المائي لمصر والسودان جزء من الأمن القومي العربي”، حيث أصدر مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته غير العادية، بالدوحة، عدة قرارات منها:
التأكيد على أن الأمن المائي لكل من جمهورية السودان وجمهورية مصر العربية هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ورفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوقهما في مياه النيل، وذلك مع إبداء التقدير المناسب لدور الاتحاد الإفريقي في محاولة حل الأزمة -خصوصا دولتي جنوب إفريقيا والكونغو اللتين تولتا رئاسة الاتحاد الإفريقي منذ تدخل الأخير في أزمة سد النهضة – أيضا أكد بيان الجامعة العربية على “أهمية التفاوض بحسن نية من أجل التوصل بشكل عاجل لاتفاق عادل ومتوازن و ملزم قانونًا حول سد النهضة يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاثة ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان – خصوصا بعد فشل الاجتماع الذي عقد في كينشاسا بجمهورية الكونجو الديمقراطية يومي 4 و 5 أبريل ٢٠٢١”.
وقد أعرب بيان الجامعة العربية عن القلق الشديد إزاء ما أعلنته إثيوبيا عن نيتها الاستمرار في ملء خزان سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل في صيف عام 2021 الجاري، وهو الإجراء الأحادي الذي يخالف قواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، لاسيما اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاثة في الخرطوم بتاريخ 23 مارس، والذي يتسبب في إلحاق الضرر بالمصالح المائية لمصر والسودان، ولاسيما المنشآت المائية في السودان وأهمها سد الروصيرص.
وعلى المستوى الإجرائي قام مجلس الجامعة بدعوة مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته في هذا الصدد من خلال عقد جلسة عاجلة للتشاور حول هذا الموضوع واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق عملية تفاوضية فعالة تضمن التوصل، في إطار زمني محدد، كما دعى مجلس العضو العربي في مجلس الأمن (تونس) وكذلك اللجنة المشكلة بموجب القرار الصادر عن الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية، التي عُقدت بتاريخ 23 يونيو2020 ، والمكلفة بمتابعة تطورات الملف والتنسيق مع مجلس الأمن في هذا الشأن، والتي تضم (الأردن- السعودية- المغرب- العراق والأمانة العامة) إلى تكثيف جهودها والاستمرار في التنسيق الوثيق مع جمهورية الكسودان وجمهورية مصر العربية حول الخطوات المستقبلية في هذا الملف.
ب: المواقف المنفردة للدول العربية .
١- المملكة العربية السعودية :
في أعقاب اجتماع الجامعة العربية، أعلنت المملكة العربية السعودية دعمها لحقوق المياه لكل من مصر والسودان، ودعمت الوصول لحل لأزمة سد النهضة الإثيوبي يشارك فيه كل من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، جاء هذا البيان بعد يوم واحد من بدء إثيوبيا الملء الثاني لخزان السد، حيث اتخذت عدة قرارات للضغط على إثيوبيا منها عودة بعض العمالة الإثيوبية إلى بلادها.
وبطبيعة الحال يعود الموقف السعودي في تقديرنا لأمرين: الأول، رؤية السعودية لأهمية دورها في الحفاظ على مصالح النظام العربي خصوصا بعد تآكل الأخير لصالح كل من (تركيا وإيران)، وهو أمر جعل مصالح العرب جميعا على المحك، كما أن بروز دور سعودي في أزمة سد النهضة من شأنه أن يعزز الأدوار الإقليمية السعودية خصوصًا في ملف أمن البحر الأحمر، والذي تعتبره الرياض يملك قيمة إستراتيجية كبيرة ، ولم تعد تقبل فيه وكلاء حتى ولو كانوا من العرب.
٢- دولة الإمارات:-
تمتلك دولة الإمارات العربية نفوذًا في منطقة القرن الإفريقي مؤسس علي رؤيتها الإستراتيجية للبحر الأحمر بالنسبة لها باعتباره مكون من مكونات الأمن القومي الخليجي، وفي هذا السياق كثفت دولة الإمارات وجودها في هذه المنطقة بكافة الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية، وكذلك مفردات القوة الناعمة كمراكز الأبحاث وتدشين شبكات العلاقات بالنخب الإعلامية.
في هذا السياق نشطت دولة الإمارات في معظم المعادلات الداخلية لدول القرن الإفريقي -خصوصا في السودان- وربما هذا الموقع أهلها لطرح مبادرات متعلقة بتسوية أزمة الحدود بين كل من السودان وإثيوبيا في يناير ٢٠٢١، وكذلك بلورة موقف شبه محايد بين دولتي المصب مصر والسودان وإثيوبيا، حيث أكدت في بيان صادر بشأن أزمة سد النهضة اهتمامها البالغ وحرصها الشديد على استمرار الحوار الدبلوماسي والمفاوضات المثمرة؛ لتجاوز أية خلافات حول سد النهضة بين الدول الثلاث( مصر وإثيوبيا والسودان)، وأهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المرعية للوصول إلى حل يقبله الجميع ويؤمن حقوق الدول الثلاث وأمنها المائي ،حيث يمكن قراءة موقف أبو ظبي أنه أقرب للحياد منه لدعم مصر والسودان وذلك بالدعوة إلى “حوار بناء” بين الدول الثلاثة، وذلك بالمقارنة بإعلان الدعم الصريح( للقاهرة والخرطوم من قبل السعودية والبحرين وعُمان..)
٣- المبادرة الجزائرية:
طرحت الجزائر مبادرة للحوار بين الأطراف المعنية بسد النهضة حيث زار “رمضان العمامرة” وزير الخارجية الجزائري كلًا من (أديس أبابا والخرطوم والقاهرة)، لكن من الواضح أن الجهود الجزائرية لم تسفر عن شيء بدليل قيام تونس بدعم من الجامعة العربية باستكمال دورها في مجلس الأمن الدولي بشأن مشروع القرار، الذي تم تقديمه لاجتماع مجلس الأمن الذي انعقد في ٨ يوليو ٢٠٢١، والذي دعى إلى وقف الملء الثاني لبحيرة سد النهضة والانخراط في مفاوضات جادة بهذا الشأن.
ثالثًا: مستقبل الدور العربي وفرص نجاحه :-
تؤكد الخبرة المتراكمة خلال العقدين المنصرمين أن انهيار أو إضعاف لأية وحدة من وحدات النظام العربي هو خصم من مجمل المصالح العربية وليس إضافة لها، من هنا يبدو أن التطلع لدور خليجي في الضغط علي إثيوبيا في مسألة سد النهضة هو أمر مطلوب وبإلحاح في هذه المرحلة دعما لاسترجاع عناصر قوة النظام العربي قبل أن تذروه الرياح نهائيًا، وتتفاقم حالة تراجع القدرات العربية في حماية أمن النظام العربي في محتواه الشامل، ومحتواه الجزئي في مشرقه.
في هذا السياق فإن السيناريوهات المطروحة بشأن الدور العربي في أزمة سد النهضة ترتبط أساسًا بتنسيق موقف عربي شامل متنوع الأدوات؛ للوصول لحل سلمي لسد النهضة لابد وأن يستصحب دفعًا من المجتمع الدولي ممثلًا في الأمم المتحدة و أدورًا لكل من الصين وروسيا، وهو أمر يستلزم :-
أولًا: طبيعة الأداء العربي خلال العام الماضي -خصوصا في سياق جلسة مجلس الأمن الأخيرة.
ثانيًا : استحداث قناة حوار عربي إفريقي موازية للمجهودات العربية في الحوار مع الاتحاد الإفريقي ومحاولة التفاعل مع الدول القائدة فيه حتى يمكن موازنة النفوذ الإثيوبي في الاتحاد الإفريقي باعتبارها دولة المقر.
ثالثًا : بحث ودراسة خيار التلويح بتهديد المصالح الصينية في البحر الأحمر بهدف رفع تكلفة الدعم الصيني المطلق لإثيوبيا، وتوجيه رسالة لبكين أن مصالح الشعوب العربية وأمنها الإنساني قضايا لابد وأن تتم الانتباه لها وصيانتها من جانب بكين.