مقدمة:
بحلول تاريخ ( 22 آذار/ مارس) الماضي، يكون قد مضى على إنشاء جامعة الدول العربية (75) عامًا، وتطلق بعض الدول على هذه الحقبة الزمنية تعبير “اليوبيل الماسي”، وهي مسيرة طويلة تتطلب من المتابعين والمهتمين وقفة للتأمل واستنباط الدروس والعبر.
وهنالك من يعتبر أن إنشاء جامعة الدول العربية قبل نظيراتها المنظمات الإقليمية الأخرى هو في حد ذاته مدعاة للفخر، وأنّ إنشاءها قبل منظمة الأمم المتحدة يضيف زخمًا آخرًا لهذا الشعور.
لقد كانت ظروف إنشاء الجامعة تنبع من حاجة حقيقية للتعاون بين شعوب تتحدث لغةً واحدةً ولها تاريخ وثقافة مشتركة وخريطة جغرافية متصلة، ودول استقلت حديثًا من هيمنة قوى استعمارية مختلفة.
إنّ موضوع إنشاء الجامعة، شهد مشاورات بين مسؤولين من بعض الدول العربية، وانتهى الأمر بتوقيع “بروتوكول الإسكندرية” من قبل رؤساء حكومات كل من: (مصر، شرق الأردن، سورية، العراق ولبنان)، ولاحقًا وقعت عليه كل من: ( السعودية واليمن) ؛ ولتبدأ بعد ذلك اللّجنة السياسية الفرعية -التي أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلها- في أعمالها وتنتهي بعد ستة عشر اجتماعًا؛ لتضع صيغة “ميثاق جامعة الدول العربية”، الذي جرى التوقيع عليه في( 22 آذار/ مارس 1945م)، وأصبح ساريًا في( 10 مايو/ أيّار 1945م) بعد توقيع اليمن عليه؛ ليكتمل عدد الدول السبع المؤسسة لهذه المنظمة.)[1](
وبالرغم من نجاح الجامعة بتعديل مواد مهمة في ميثاقها، كعقد القمم العربية بصفة دورية كل عام، وإنشاء برلمان عربي، والسماح لمشاركة المجتمع المدني في أعمال الدورات العادية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وطرح أفكار لم تر النور حتى الآن؛ لإقامة منطقة تجارة عربية حرة، واستحداث عدد من الأجهزة والمؤسسات في إطار الجامعة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنظمات والاتحادات العربية، والمجالس الوزارية المتخصصة، واللّجان الفنية الدائمة، إلاّ أنّ العمل الجماعي العربي لا يزال ينقصه الكثير من الإجراءات التي تتطلب إحداث تغييرات جوهرية في الميثاق، تنعكس بالمحصلة على فعالية العمل العربي المشترك، ونقدم في أدناه عرضًا مُركزًا لمسيرة تطوير وتحديث جامعة الدول العربية.
محاولات تطوير وإصلاح جامعة الدول العربية وتعديل ميثاقها عبر تاريخها:
شهدت جامعة الدول العربية العديد من مشاريع التطوير، البعض منها رفع السقف عاليًا في طموحاته وأفكاره ومقترحاته، فجاء منقطعًا عن الواقع العربي، فيما جاء بعضها الآخر في خضم لحظات اتسمت بمناخ أو طموح تغييري ضاغط وسقطت مع انتهاء تلك اللّحظة في غياهب النسيان أو بقيت أفكارًا ووجدت مكانها في أرشيف الجامعة الغني بهذا المجال، ذلك كله لا يعني أن جامعة الدول العربية لم تشهد تطويرًا لوظائفها أو بلورة لوظائف جديدة استقرت مع الزمن، كما هو الحال في العديد من المنظمات الدولية والإقليمية فيما يعرف” بثنائية تطوير المهام وخلق مهام”، لكن هذه الوظائف لم تكن أو لم تعد بمستوى التحديات والمهام الجديدة والمتجددة والمتزايدة والملقاة على عاتق بيت العرب والتي تستدعي تأسيس وظائف جديدة للجامعة ،أو تعزيز وتطوير وظائف قائمة في مختلف المجالات، فبعض هذه التحديات -وهذا طبيعي- لم تكن قائمة لحظة ولادة المنظمة العربية.([2])
لقد أشار ميثاق جامعة الدول العربية نفسه إلى جواز تطويرها، حيث جاء في مادته العشرين بأنّه يجوز بموافقة ثلثي دول الجامعة تعديل الميثاق،_ على وجه الخصوص _ ؛ لجعل الروابط بينها أمتن وأوثق، ومن أجل تتبع موضوع محاولات تطوير وإصلاح جامعة الدول العربية وتعديل ميثاقها بشكلٍ متسلسلٍ تاريخيًا، ونظرًا لطبيعة مقترحات التطوير، سنعمد إلى تقسيمه على النحو التالي:
أولًا: محاولات تطوير الجامعة منذ نشأتها في عام 1945 م، وحتى عام 2000 م:
بدأ حديث تطوير الجامعة بعد سنوات قلائل من نشأتها، فبعد أقل من ثلاث سنوات على هذه النشأة، طالبت “سوريا” بتعديل ميثاق الجامعة، وكان الطلب السوري يهدف إلى وضع ضوابط “قومية” على سلوك الدول الأعضاء بغية منعها من أن تجنح في اتجاهات تهدد التعاون في إطار الجامعة، وكان فحوى الاقتراح السوري في( 19 فبراير/ شباط 1948م) ينصب على ضرورة امتناع أعضاء الجامعة عن التفاوض أو التعاقد مع الدول الأجنبية، إلا بعد التفاهم على أسس هذا التعاقد، ومداه ضمن الجامعة، إلاّ أنّ هذا الاقتراح لم يحظ بالموافقة في حينه.([3])
وفي (13 أبريل/ نيسان 1950م) وافق مجلس جامعة الدول العربية على معاهدة الدفاع المشترك وملحقها العسكري، والتي كانت تُعد نقلة نوعية في جامعة الدول العربية، لما نصت عليه في مادتها السادسة، من أنّ ما يقرره مجلس الدفاع المشترك بأكثرية ثلثي الدول يكون ملزمًا لجميع الدول المتعاقدة، لكن الحكومتين (اليمنية والعراقية ) أبديتا من التحفظات -لأسبابٍ مختلفةٍ- ما يمنع انطباق النص عليهما([4])، وتم تثبيت هذه التحفظات في هامش الاتفاقية، ولم تشهد الممارسة اللاحقة لأكثر من نصف قرن، تطبيقًا واحدًا لهذا النص.([5])
وفي عام 1951 م، تقدّمت “سوريا ” بمشروع أكثر تطورًا لتعديل الميثاق، فدعت فيه اللّجنة السياسية إلى إنشاء اتحاد بين الدول العربية بشكلٍ تدريجيٍّ، واقترحت في تشكيل المجالس والهيئات المشرفة على الاتحاد، أن يُؤخذ في الاعتبار الوزن الديمغرافي للدول وليس المساواة القانونية بينها، بحيث يأتي القرار العربي أكثر تعبيرًا عن هيكل الإمكانات في النظام منه عن الهيكل القانوني، وتقدم العراق بمبادرة مشابهة في( يناير/ كانون الثاني 1954 م)، ولقى الاقتراحان مصير الاقتراح السوري السابق.
كما تقدمت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في( يوليو/ تموز 1955 م)، بثلاثة اقتراحات إلى الدول الأعضاء بغية تعديل الميثاق، وهي: إضافة هيئة جديدة إلى الجامعة، في شكل” جمعية شعبية”، والنص على: “أنّ تكون قرارات مجلس الجامعة التي تُتخذ بالأكثرية مُلزمة لجميع الدول الأعضاء، ودعم معاهدة الدفاع المشترك وتعزيزها” ، وكرّرت الأمانة العامة مبادرتها بالتعديل مع بعض الإضافات الجديدة في عام 1956 م، ولكن هذه الاقتراحات لم يتم التوافق حولها من الدول الأعضاء في حينه.([6])
وفي ستينيات القرن الماضي قرّر مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دور انعقاده الثاني بالإسكندرية من 5 إلى 11/9/1964، إنشاء “محكمة العدل العربية”، كجهاز قضائي لحل المنازعات العربية، والتي ألمح إليها ميثاق الجامعة في مادته العشرين([7])، غير أن هذا القرار دخل في مناقشات مطولة بين الخبراء الذين تمكنوا في عام 1974 من إنجاز مسودة أول مشروع لإنشائها، وكرّرت قمة “القاهرة” في عام 1996م القرار نفسه بعد حوالي ثلث قرن، إلاّ أنّ حالة عدم التحمُّس ؛ لإنشاء هذه المحكمة ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.([8])
وبالعودة إلى مسألة تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، فقد وافقت قمة “الرباط” في عام 1974م على تعديل الميثاق؛ ليستوعب المتغيرات الجديدة، وشكّلت لجنة لهذا الغرض على أن يُعرض الموضوع نفسه في القمة التالية([9])، لكن الظروف شاءت أن تختص تلك القمة التي انعقدت في عام 1976م بالحرب الأهلية اللّبنانية، ثم حدثت الظروف المصاحبة ؛ لتوقيع اتفاقية “كامب ديفيد” الذي شُغلت به قمة “بغداد” في عام 1978م ، ثم أعادت قمة “تونس” في عام 1979م طرح موضوع تعديل الميثاق وطالبت بالإسراع به، وتكرّرت المطالبة بالأمر نفسه في قمة “عمان ” عام 1980 م ([10])، ثم أشارت قمة “فاس” في عام 1982م إلى تأجيل عرض مشروع التعديل على القمة لمزيد من الدراسة، على أن تُرفع مشاريع التعديل إلى القمة التالية، ولم تلتفت القمم العربية التالية لموضوع تعديل الميثاق، وذلك في الأعوام (1985 م،1987 م،1988م)، إلى أن تم طرحه في قمة عام 1989م، التي قرّرت إعادة النظر في مشروع تعديل الميثاق حتى يأتي “مستشرفًا آفاق جديدة، ومرسخًا شمولية دور الجامعة في العمل العربي المشترك، ودفع مسيرته”.([11])
ولم تتم “إعادة النظر” هذه قبل انعقاد قمة “بغداد” في( مايو/ أيّار 1990 م)، حيث طالبت تلك القمة وزراء الخارجية العرب بإتمام الإجراءات المتعلقة بتعديل الميثاق، ورفع توصياتهم إلى مؤتمر القمة التالي بـ”القاهرة”، وقد عُقدت قمة ثانية بالفعل بعد أقل من ثلاثة شهور، ولكنها لم تنظر في تعديل الميثاق وإنّما شُغلت بموضوع غزو “العراق” “للكويت”، وكان لهذا الحدث أثرًا مباشرًا في تعذُّر انعقاد القمم العربية حتى عام 1996 م ، وفي ذلك العام عُقِدت قمة في “القاهرة” دون أن تشير إلى تعديل الميثاق مطلقًا، بل أشارت بالتحديد إلى “احترام ميثاق الجامعة العربية” ([12])، وانشغلت القمة التالية بـ”القاهرة “في عام 2000م بدعم انتفاضة الأقصى.
ثانياً: محاولات تطوير الجامعة منذ عام 2001 م وحتى عام 2010 م:
بدأ حديث “التطوير” بصفةٍ عامةٍ وليس تعديل الميثاق، يأخذ طريقه إلى قرارات قمة “عمّان” الدورية الأولى في (مارس/ آذار 2001 م)، والتي يُلاحظ بالإضافة إلى ذلك أنّها حرصت على تُسجيل تدارسها حال الأمة “استنادًا إلى ميثاق الجامعة العربية وأهدافه” ([13])، وهكذا اجتازت محاولات تعديل الميثاق رحلة طويلة على مدار أكثر من خمسين عامًا، لم تتمكن فيها القمم العربية من التوصل إلى التعديل المنشود لميثاق جامعة الدول العربية، وذلك لأسباب عديدة يطول شرحها.
وفي أعقاب احتلال” العراق”، في عام 2003 م، تقدّم عدد من الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بمبادرات؛ لتطوير الجامعة، تمثلت بسلسلة من المبادرات والمقترحات؛ لإصلاح منظومة جامعة الدول العربية، وقد قامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية قبل انعقاد القمة الدورية في “تونس” عام 2004 م، بمحاولة لتأطير هذه المبادرات والمقترحات، ففرقت بداية بين مبادرات تفضي إلى تغيير نظام الجامعة وتتمثل في المبادرتين الليبية واليمنية اللّتين وُضعتا بنصهما في تقرير الأمين العام، وأخرى يمكن إيجاد قواسم مشتركة بينها تتمثل في باقي المبادرات التي أمكن استخلاص عدد من مقترحات التطوير منها، وتتضمن إنشاء برلمان عربي ومجلس أمن عربي ومحكمة عدل عربية ومصرف عربي للاستثمار والتنمية وهيئة لمتابعة تنفيذ القرارات ومجلس أعلى للثقافة العربية، فضلًا عن مقترحات ؛ لتعزيز العمل الاقتصادي العربي المشترك وتطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتفعيل نظام اعتماد القرارات في جامعة الدول العربية.
وقد أثارت مقترحات الدول الأعضاء المذكورة، في بادئ الأمر عددًا من التساؤلات والملاحظات، أولًا : من ناحية كثرتها التي لابد وأنّها ستُثقل كاهل الجامعة تنظيميًا وماليًا، وثانيًا : عدم اتساق بعضها مع الواقع الفعلي في تلك الفترة، كما في الحديث عن إنشاء برلمان عربي في دول لا يزال بعضها لا يعرف سلطة تشريعية على المستوى الوطني في الأساس، أو في تصور إمكانية الموافقة على إنشاء هيئة؛ لمتابعة تنفيذ قرارات الجامعة تفرض عقوبات على الدول غير الملتزمة في مناخ لا يمكن أن يتم فيه التنازل عن شيء من القُطرية لصالح القومية، وثالثًا: ازدواجية بعض هذه المقترحات مع مؤسسات قائمة، كما في اقتراح إنشاء مجلس أعلى للثقافة العربية مع وجود منظمة عربية تختص بهذا الجانب تحديدًا، وهي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “أليكسو”، التي أُنشئت في (25 يوليو/ تموز1970 م).
وعلى هذا النحو تجمّعت مبادرات إصلاح جامعة الدول العربية وأفكار التطوير الداخلي لأعضائها لتكون محورًا أساسيًا من محاور اهتمام قمة “تونس” الدورية التي كان مقررًا لها أن تُعقد في (مارس/ آذار 2004 م)، فتأجلت بشكلٍ مفاجئٍ ؛ بسبب ما تردد في حينه حول فشل وزراء الخارجية العرب في الاتفاق على جدول أعمال القمة، خاصة‘ ما يتصل بموضوع التحديث والإصلاح في الدول العربية، وإعادة هيكلة جامعة الدول العربية؛ لتنعقد هذه القمة لاحقًا في (مايو/ أيّار) من نفس العام، وبقي الأمل قائمًا _حينذاك في أن توافق على أحد مقترحات التطوير على الأقل كبداية، وأن تُقر بعضها من حيث المبدأ، وأن تُحيل شريحة ثالثة منها لمزيد من الدراسة، لكن هذه القمة تفادت مناقشة الموضوع أصلًا، فأُحيل الملف برمته إلى قمة الجزائر2005 م.([14])
ويعتبر متخصصون أن القمة العربية في دورتها العادية السابعة عشر، التي استضافتها “الجزائر” في (مارس/ آذار عام 2005 م)_ علامة فارقة في موضوع تطوير وإصلاح جامعة الدول العربية وتطوير العمل العربي المشترك، حيث شهدت هذه القمة تعديلات مهمة في بعض مواد ميثاق جامعة الدول العربية، كتكليف وزراء الخارجية والأمانة العامة بموضوع تحديد المسائل الموضوعية والمسائل الإجرائية الخاصة بالالتزام بقرارات مجلس الجامعة، والموافقة على إنشاء البرلمان العربي، وتضمينه في المادة (19) من الميثاق، وإقرار نظامه الأساسي، وتعديل الفقرة (2) من المادة (6) من الميثاق حول تقرير مجلس الجامعة للتدابير اللازمة لدفع اعتداء دولة ما من دول الجامعة على دولة أخرى عضو فيها، فيما تضمن التعديل الثالث الموافقة على استبدال نص المادة (7) من الميثاق بنصٍ جديدٍ حول النصاب القانوني اللازم لصحة انعقاد الدورات العادية لاجتماعات مجلس الجامعة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي واجتماعات المجالس الوزارية المتخصصة، ومعالجة الحالات التي يتعذر فيها الوصول لتوافق الآراء في اتخاذ القرارات، والطلب من الأمين العام تشكيل لجان متخصصة من الدول الأعضاء بشأن مواصلة النظر بمشروعي محكمة العدل العربية ومجلس الأمن العربي، ودعوة الدول التي لم تصادق بعد على تعديل الفقرة (1) من المادة الثامنة من معاهدة “الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي” التي تم تعديلها في قمة “تونس” عام 2004 م، إلى سرعة استكمال إجراءات تصديقها عليها وإيداعها لدى الأمانة العامة، وتكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإعداد تقرير شامل يتضمن مقترحاته بشأن تطوير عمل المنظمات والمجالس الوزارية العربية المتخصصة.([15])
وفي سياق التطوير أيضًا، وافقت القمة العربية في دورتها العادية الثامنة عشر، المنعقدة في العاصمة السودانية “الخرطوم” بتاريخ (29 مارس/ آذار 2006 م)، على المسائل الموضوعية التي أعدها مجلس الجامعة على المستوى الوزاري بتكليف من القمة السابقة، وهي مسائل يتطلب إقراراها ثلثي أصوات الدول الحاضرة والمشاركة في التصويت، كقضايا حفظ السلام وسيادة الدول وأمنها ووحدتها وتدابير الأمن القومي، وتدابير دفع عدوان دولة عضو على دولة عضو أخرى، وتسوية النزاعات العربية، بالإضافة إلى الموضوعات المؤسساتية والهيكلية كتعديل الميثاق وإنشاء مؤسسات جديدة في إطار الجامعة وقبول أعضاء جُدد، وتعيين الأمين العام للجامعة، واعتماد تعيين الأمناء العاملين المساعدين، والموضوعات الخاصة بميزانية الجامعة، فيما تم تحديد المسائل الأخرى _عدا ما ذُكر باعتبارها مسائل إجرائية_، والتي يتطلب إقراراها توافر الأغلبية البسيطة للدول الحاضرة والمصوتة، وتم اعتبار هذا التعديل جزءًا من النظام الداخلي لمجلس الجامعة، كما تم في هذه القمة الموافقة على إنشاء مجلس السلم والأمن العربي وإقرار نظامه الأساسي، وإحلال أحكامه محل أحكام آلية جامعة الدول العربية ؛ للوقاية من النزاعات وإداراتها وتسويتها، ودعوة الدول العربية الأعضاء إلى سرعة استكمال إجراءات التصديق على النظام الأساسي للمجلس وفقًا لأنظمتها الدستورية، ورحبت القمة بانعقاد الدورة الأولى للبرلمان العربي، والتأكيد على أن تكون له موازنة مستقلة، وتخصيص موازنة تسيير عاجلة للبرلمان حتى نهاية عام 2006م.
وتضمنت نتائج القمة العربية في دورتها العادية التاسعة عشر في العاصمة السعودية “الرياض” بتاريخ (29/3/2007 م)، قرارًا يأتي في إطار تطوير وإصلاح منظومة العمل العربي المشترك، فقد أيدت القمة عقد قمة عربية تشاورية؛ لمعالجة قضية عربية هامة أو عاجلة تستدعي التشاور لاتخاذ مواقف متجانسة إزاءها، كما تم في هذه القمة الموافقة على عقد قمة عربية تُخصص فقط للشؤون الاقتصادية والتنموية والاجتماعية بهدف بلورة برامج وآليات عملية ؛ لتعزيز وتفعيل الاستراتيجيات التنموية الشاملة والمتفق عليها.
وأصدرت القمة العربية في دورتها العادية العشرين، المنعقدة في العاصمة السورية “دمشق”، بتاريخ (30/3/2008 م)، قرارات أكّدت فيها على أهمية تفعيل مجلس السلم والأمن كآلية من آليات العمل العربي المشترك وتوفير الإمكانات اللازمة للاضطلاع على المهام المنوطة به، وأخذ العلم بقرار المجلس الوزاري باعتماد النظام الأساسي لمجلس السلم والأمن العربي، ودعوة الدول إلى سرعة التصديق عليه، ودعوة مجموعة العمل مفتوحة العضوية على مستوى الخبراء لمواصلة عملها في أقرب فرصة وتقديم تقرير حول نتائج عملها وتوصياتها إلى مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في دورته القادمة، والطلب من الأمين العام تقديم تقرير حول نتائج مجموعة العمل، وأكدت القمة على ضرورة تسوية الخلافات العربية- العربية وتعزيز التضامن العربي، وذلك بعد إطلاع القمة على الورقة التي أعدها الأمين العام في ضوء مناقشات اجتماع وزراء الخارجية العرب بتاريخ (27/3/2008 م) حول الحالة الراهنة للعلاقات العربية- العربية.
وصدر عن الدورة العادية الحادية والعشرين للقمة العربية التي عقدت بالعاصمة القطرية “الدوحة” بتاريخ (30/3/2009 م)، وثيقة تعزيز المصالحة والتضامن العربي، تضمنت الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية باعتبار الجامعة مرجعية العمل العربي المشترك، والهادفة إلى تطويره، وتفعيل آلياته في كافة المجالات، وتفعيل آليات العمل العربي المشترك لفض المنازعات، بما في ذلك تلك التي نصّت عليها “وثيقة العهد والوفاق والتضامن” الصادرة عن قمة “تونس”، والطلب من الأمين العام تفعيل هذه الآليات بما يحقق المصالح العليا للعمل العربي المشترك، كما كلفت هذه القمة مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بدراسة مبادرة الجمهورية اليمنية؛ لتفعيل العمل العربي المشترك.
ودعت القمة العادية الثانية والعشرين المنعقدة في مدينة “سرت” اللّيبية بتاريخ (28/3/2010 م)، إلى تطوير منظومة العمل العربي المشترك ورحبت بتشكيل لجنة خماسية عليا من (ليبيا واليمن ومصر وقطر والعراق ) وبمشاركة الأمين العام للجامعة، للإشراف على وثيقة ؛ لتطوير منظومة العمل العربي المشترك، وتتشاور اللّجنة مع قادة الدول لبلورة مشروع هذه الوثيقة، وطلبت القمة من الدول سرعة تقديم ملاحظاتها بشأن المبادرة اليمنية، والطلب من الأمانة العامة تشكيل فريق من الخبراء القانونيين والمفكرين والسياسيين والبرلمان العربي لدراسة المبادرة وملاحظات الدول بشأنها، كما رحبت القمة بالأفكار المطروحة في المبادرة السورية الخاصة بوضع آلية لإدارة الخلافات العربية- العربية، وأكّدت المبادرة عدم اللّجوء إلى تقليص أو تجميد العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، والالتزام بإبقاء الخلافات داخل العائلة العربية، وتعزيز روح الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك وكذلك المواثيق والعهود المقرة عربيًا، واقترحت الآلية أن تطرح المبادرات قبل انعقاد القمة العربية بفترة زمنية كافية للدراسة والتشاور، وكلّفت القمة الأمين العام بإعداد ورقة عمل عن دول جوار المنطقة العربية في “آسيا” و”أفريقيا” وحوض البحر المتوسط وعلاقاتها مع الدول العربية، وعرض مذكرة بشأن المبادئ المقترحة لسياسة جوار عربية مع تلك الدول وسبل تطوير الروابط والتنسيق معها، بما في ذلك إمكانية تشكيل رابطة جوار عربية ؛ للمساهمة في تعظيم المصالح المشتركة.
كما وافقت قمة “سرت ” على قيام البرلمان العربي الدائم والتمديد للبرلمان الانتقالي لمدة سنتين لاستكمال الأطر القانونية والنظام الأساسي للبرلمان الدائم، وإحالة نظام البرلمان لمؤسسات الجامعة ووضعه في صيغته النهائية في ضوء ملاحظات الدول تمهيدًا لاعتماده من القمة العربية القادمة.
ثالثاً: محاولات تطوير الجامعة منذ عام 2011 م وحتى الآن:
لقد حالت الظروف التي شهدتها بعض الدول العربية دون عقد قمة في عام2011 م، لتنعقد القمة العربية العادية الثالثة والعشرون في العاصمة العراقية “بغداد” بتاريخ (29/3/2012 م) ، والتي تم خلالها تفويض الأمين العام الجديد السيد” نبيل العربي”، باتخاذ القرارات اللازمة ؛ لإعادة هيكلة الأمانة العامة، وتطوير أنظمتها بما يُمكِّنها من الارتقاء بأساليب عملها وتحسين أدائها ومواكبة المستجدات على الساحتين العربية والدولية؛ ليتم في ضوء ذلك تشكيل “اللجنة المستقلة لدراسة سبل إصلاح وتطوير جامعة الدول العربية” برئاسة “الأخضر الإبراهيمي”، الشخصية الدبلوماسية الجزائرية المعروفة، في (سبتمبر/ أيلول عام 2011 م)، وقد طلب الأمين العام من اللجنة تقديم تقرير يتضمن مقترحات وتوصيات محددة حول العديد من جوانب عمل جامعة الدول العربية، وتمخضت أعمال هذه اللّجنة ومداولاتها ولقاءاتها مع عدد من المسؤولين والمثقفين العرب، والتي امتدّت لمدة تزيد على العام _عن إصدار تقرير يقع في (55) صفحة، ويقوم على مبدأ أساسي، هو أن إصلاح العمل العربي المشترك لا يتم من خلال خطوة واحدة تعالج كافة مواطن الضعف، بل يجب أن يكون عملية متواصلة، تتسم بالواقعية والطموح في ذات الوقت.
عقب ذلك، شكّل مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في دور انعقاده العادي، بتاريخ( 6/3/2013 م) لجنة من الدول الأعضاء والأمانة العامة للنظر في المقترحات والتوصيات الواردة في تقرير اللّجنة المستقلة ووضعها موضع التنفيذ، وسُميت اللّجنة المُشكلة بـ” اللّجنة مفتوحة العضوية” ؛ لإصلاح وتطوير جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، وتسهيلًا لعمل هذه اللّجنة فقد تم إسناد الموضوعات الواردة في تقرير اللّجنة المستقلة إلى أربعة فرق عمل، كل فريق يختصّ بدراسة أحد الموضوعات الرئيسية الواردة في تقرير اللّجنة المستقلة، حيث اختصّ الفريق الأول بتعديل الميثاق، والفريق الثاني بأجهزة وآليات الجامعة العربية، والفريق الثالث بتطوير العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك، والفريق الرابع بالبعد الشعبي للعمل العربي المشترك، وتجتمع هذه الفرق منذ ذلك الحين وحتى الآن على أمل الوصول إلى صياغات نهائية بشأن الموضوعات التي تختص ببحثها، ولا تزال اجتماعات اللّجنة وفرق العمل المنبثقة عنها تنعقد بين الحين والآخر بغية التوصل إلى توافقات بشأن الموضوعات المطروحة للنقاش.
وفي إطار التطوير أيضًا، وافقت القمة العربية في دورتها العادية الرابعة والعشرين، المنعقدة في العاصمة القطرية “الدوحة”، بتاريخ (26/3/2013 م) على إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، ودعت الدول الأعضاء التي لم تصادق بعد على الميثاق العربـي لحقوق الإنسان إلى الإسراع في ذلك، وقد صدّقت على هذا الميثاق حتى تاريخه المملكة العربية السعودية، ووقعت عليه “مملكة البحرين” ، ويحتاج الأمر إلى تصديق سبع من الدول الأعضاء ، لدخول النظام الأساسي حيز التنفيذ وتصبح المحكمة قائمة، ويشار في هذا الصدد إلى أن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري المنعقد في ( مارس/ آذار 2014 م)، قد اعتمد النظام الأساسي لهذه المحكمة واختيرت “المنامة “عاصمة البحرين مقرًا لها، وتتألف من سبعة قضاة، حسب هذا النظام.
ولا يزال موضوع “نتائج أعمال اللّجنة مفتوحة العضوية على مستوى المندوبين الدائمين ؛ لإصلاح وتطوير جامعة الدول العربية وفرق العمل المنبثقة عنها ” _ يدرج بصفةٍ مستمرة_ على جدول أعمال مجلس الجامعة على المستوى الوزاري حتى لحظة كتابة هذه الورقة، وقد أُلحِق بموضوع التطوير أيضًا موضوع خاص بـ”بعثات ومكاتب جامعة الدول العربية في الخارج”، وذلك في ضوء رغبة بعض الدول الأعضاء بمراجعة جدوى استمرار بعثات ومكاتب ومراكز الجامعة في بعض الدول الأجنبية، ولا يزال الجدل بين الدول الأعضاء قائمًا من ناحية وضع آلية متوافق عليها ؛ لتقييم جدوى استمرار هذه البعثات والمكاتب والمراكز من عدمه، من واقع أهميتها في خدمة الصالح العربي ، وكثيرًا ما تدعو قرارات مجلس الجامعة على مستوى القمة الوزاري _اللّجنة مفتوحة العضوية والفرق الأربعة المنبثقة عنها_ إلى تكثيف اجتماعاتها للتوصل إلى توافق حول الموضوعات المختلف بشأنها.
([1]). وقائع مهمة في مسيرة الجامعة، موقع جامعة الدول العربية الالكتروني:
([2]) . ناصيف حتي، تطوير جامعة الدول العربية: التحديات والفرص، أكاديمي وكاتب ودبلوماسي سابق بجامعة الدول العربية، ووزير الخارجية والمغتربين السابق للجمهورية اللبنانية، 15/3/2016، موقع جريدة الشروق المصرية الالكتروني:
([3]). ناصيف حتى، “الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بمحاولات تعديل الميثاق”، في: جميل مطر (وآخرون)، جامعة الدول العربية: الخبرة التاريخية ومشروعات التطوير، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية؛ المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل، 1993، ص 263.
([4]). أنظر نص المادة السادسة والتحفظات اليمنية والعراقية عليها في الصادق شعبان (وآخرون)، العمل العربي المشترك: إنجازات وآفاق، كتاب شؤون عربية، سلسة تصدرها مجلة شؤون عربية، ط1، 1987، ص186، 190، 191.
([5]). على سبيل المثال وفي مرحلة المد القومي في ستينات القرن العشرين قررت قمة القاهرة (13-17/11/1964) تشكيل قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية -حسب التنظيم ووفق الصلاحيات التي صدق عليها مجلس الدفاع العربي المشترك في دورته الثالثة في يونيو 1961- ونص قرار القمة في هذا الصدد في فقرته الخامسة على أن: “تلتزم الدول بتسهيل مهمة القائد العام وتنفيذ كافة الوصايا والطلبات التي تصدر منه”. أنظر: مؤتمرات القمة العربية: قراراتها وبياناتها (1946-1985)، 1987، ص23-24، ومع ذلك فلم يقبل لبنان ولا الأردن مطالب الفريق علي عامر قائد القيادة العربية الموحدة، وعارضت الدولتان وجود قوات عربية على أراضيها في وقت السلم. أنظر: محمد نصر مهنا، مشكلة فلسطين أمام الرأي العام العالمي 1945-1967، القاهرة، دار المعارف، 1979، ص 506-507.
([6]). أنظر: ناصيف حتي، الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بمحاولات تعديل الميثاق، مرجع سابق، ص264-267.
([7]) . تنص المادة على انه “يجوز بموافقة ثلثي دول الجامعة تعديل هذا الميثاق، وعلى الخصوص لجعل الروابط بينها أمتن وأوثق ولإنشاء محكمة عدل عربية…إلخ”.
([8]). لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، أنظر جدول أعمال لجنة الشؤون السياسية، الدورة العادية 105 لمجلس جامعة الدول العربية، البند 10، الأمانة العامة، إدارة شؤون مجلس الجامعة.
([9]). مؤتمرات القمة العربية: قراراتها وبياناتها، مرجع سابق، ص69.
([10]). نفس المرجع السابق، ص123.
([11]). أنظر البيان الختامي للقمة العربية الطارئة في الدار البيضاء (23-26/5/1989)، منشور في عدد جريدة الأهرام، الصادر بتاريخ 27/5/1989.
([12]). أنظر البيان الختامي والقرارات الصادرة عن مؤتمر القمة العربي في القاهرة (21-23/6/1996)، منشور في عدد جريدة الأهرام، الصادر بتاريخ 24/6/1996.
([13]). أنظر البيان الختامي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الدورة العادية (13) في عمان/ الأردن (27-28/3/2001)، بند 5، ص3.
([14]). الأمانة العامة لجامعة الدول العربية- إدارة شؤون مجلس الجامعة، مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الدورة العادية (16)، تونس، الجمهورية التونسية، (22-23 مايو/ أيّار 2004)، ص18.
([15]). مجلد قرارات الدورة العادية (17) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الجزائر- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، 23 مارس/ آذار 2005، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، إدارة شؤون مجلس الجامعة.