2023العدد 194ملف إعلامي

ممارسة اللاعبين المعتزلين لمهنة الإعلام الرياضي العربي إيجابياتها وسلبياتها

زاد في السنوات الماضية عدد لاعبي الكرة العرب الذين أصبحوا بعد اعتزالهم نجومًا على شاشات التليفزيون للتقديم أو التعليق أو التحليل، وهو ما رآه كثيرون أمرًا مزعجًا وظاهرة استثنائية تخالف قواعد المنطق والمجال الإعلامي، وبدأ هؤلاء التعامل مع نجوم الكرة على شاشات التليفزيون باعتبارهم غرباء جاؤوا من بعيد ليأخذوا استنادًا إلى شهرتهم ما هو ليس من حقهم، وأنهم يمارسون على شاشة التليفزيون أدوارًا كان غيرهم هم الأحق بها، وما بين بقاء وزيادة عدد نجوم الكرة المعتزلين على شاشات التليفزيون، ودوام انتقاد هؤلاء النجوم واتهامهم المستمر بالإساءة للإعلام ولكرة القدم نفسها، اختلطت حقائق بأكاذيب وانتثرت اتهامات لم تكن كلها صحيحة ومشروعة ولم تكن كلها أيضًا في المقابل اتهامات زائفة لا تستند إلى دلائل وإثبات، فكانوا على حق هؤلاء الذين أشادوا برؤية نجوم ولاعبي الكرة على مختلف شاشات التليفزيون واعتبروا وجودهم إضافة حقيقية ومهمة وجميلة للإعلام التليفزيوني الكروي العربي، وكانوا على حق أيضًا هؤلاء الذين انتقدوا كل ذلك وتوقفوا أمام أخطاء وخطايا وأزمات صنعها هؤلاء النجوم واللاعبون عبر شاشات التليفزيون، وهكذا أصبحنا أمام حكاية عربية، كروية وتليفزيونية، بالغة التعقيد تثير الجدل وتتحول أحيانًا إلى صراع حاد بين نجوم الكرة من ناحية، وإعلاميين وصحفيين من ناحية أخرى، وقد بات من الضروري جدًا إعادة ترتيب وقائع وأوراق هذه الحكاية .

والورقة الأولى التي لابد من إطالة التوقف أمامها، والتي غالبًا لم يقرأها كثيرون، سواء من يدافعون عن الوجود التليفزيوني لنجوم الكرة أو من يرفضون ويحاربون ذلك، هي ورقة التاريخ التي تثبت أن نجوم الكرة ليسوا غرباء أو ضيوفًا اقتحموا فجأة مجال الإعلام الرياضي بكافة أشكاله ومجالاته، وعلى سبيل المثال يمكن اعتبار إبراهيم علام الإعلامي الكروي الأول على الساحة العربية، فهو أول من اهتم وكتب عن كرة القدم وهو أيضًا الذي أسس في جريدة الأهرام 1922 أول باب رياضي في الصحافة العربية، إلى جانب أنه هو الذي أدخل كرة القدم في نادي الزمالك، وأسهم في تأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم، وبدأت حكاية إبراهيم علام مع الرياضة كلاعب كرة في الإسكندرية قبل أن ينتقل إلى القاهرة ويبدأ مشواره مع الإعلام. وإذا كان إبراهيم علام هو الإعلامي الكروي الأول، فنجيب المستكاوي يبقى هو الإعلامي الأشهر الذي غيَّر شكل ومنهج الإعلام الكروي العربي، وأضاف إليه ما كان ينقصه من عمق وبلاغة وتحليل وأناقة، وكان نجيب المستكاوي أيضًا لاعبَ كرة، مارسها أولًا في المدرسة في طنطا إلى جانب ألعاب القوى، وحين انتقل المستكاوي إلى القاهرة بقى عاشقًا للرياضة وفاز ببطولة مصر للجري، وأصبح لاعب كرة في نادي الترسانة وظل يلعب له أربع سنوات قبل أن يعتزل اللعب ليبدأ حكايته مع الصحافة وكرة القدم. ومثل نجيب المستكاوي كان أيضًا عبد المجيد نعمان لاعب كرة في النادي الأهلي قبل أن يصبح عملاق الصحافة الرياضية في مؤسسة أخبار اليوم، وتكرر الأمر مع كثيرين من أوائل وكبار الصحفيين العرب الذين كانوا في بداياتهم لاعبي كرة وأحبوا اللعبة ومارسوها في ملاعبهم لكنهم لم يبتعدوا عنها بعد اعتزالهم وبدلًا من لعبها أصبحوا يكتفون ويحبون الكتابة عنها.

ومثلما جرى مع صحافة الورق التي كانت أول منبر إعلامي كروي، سواء في المجتمعات العربية أو العالم كله، بدأت الإذاعة الكروية العربية أيضًا بمن كانوا لاعبي كرة، وكان محمود بدر الدين هو أول صوت كروي عربي وأول معلق كروي أيضًا، وبدأ محمود بدر الدين مشواره كلاعب كرة وبالتحديد حارس مرمى قبل أن يعتزل مبكرًا ويترك الملعب ليصبح الإذاعي الكروي الأول، وبعدها أسس بطولة دوري كرة القدم في مصر. وحين جاء أوان الرافد الثالث للإعلام الكروي أو التليفزيون، كان الأول والقائد هو محمد لطيف، الذي كان أصلًا لاعب كرة قدم، وبعد مشوار طويل لمحمد لطيف مع كرة القدم في نادي الزمالك ومنتخب مصر، الذي لعب له في كأس العالم 1934، وأيضًا دورة برلين الأوليمبية 1936_ بدأ يؤسس الإعلام الكروي التليفزيوني سواء في مصر أو البلدان العربية، ويشرح قواعد اللعبة وقانونها وأسرارها للناس ويعلمهم كيف يتابعون مبارياتها، والأهم كيف يحبونها أيضًا؟

وهكذا كان نجوم الكرة حاضرين ومشاركين وأساسيين حين بدأ الإعلام الكروي سواء على الورق أو خلف الميكروفون أو أمام الكاميرا، وكان هؤلاء اللاعبون بمثابة رواد أو مغامرون أوائل افتتحوا الطريق ليمشي فيه كثيرون غيرهم، وباستثناء محمد لطيف، غاب اللاعبون حين بدأ التليفزيون العربي 1960 في سوريا، 1961 في (لبنان، والكويت)، 1962 في (المغرب، والجزائر، والسودان)، 1964 في اليمن، 1965 في السعودية، 1966 في تونس، 1968 في الأردن، 1969 في أبو ظبي، 1973 في البحرين، 1974 في سلطنة عمان، وكلها تواريخ المؤسسات التليفزيونية الوطنية التي سبقتها في بعض البلدان محطات تليفزيونية ليست عربية، وكان التليفزيون الأول هو الذي بدأ في مصر 1960، وبعد سنين طويلة اكتفى خلالها التليفزيون المصري بنقل مباريات الكرة والتعليق عليها، بدأ زمن البرامج الكروية مع فايز الزمر وبرنامجه بعنوان “الكرة في أسبوع”، وكان بعده (محسن نوح، وهشام رشاد، وإلهام فراج، ومهرة راشد)، وما جرى في التليفزيون المصري كان الذي تكرر عبر مختلف الشاشات العربية وبرامجها الكروية التي اعتمدت على إعلاميين وليس لاعبي كرة يتحولون إلى إعلاميين، أو إعلاميين يستندون إلى خبراتهم التليفزيونية السابقة وليس إلى شهرة جاءتهم بها كرة القدم، وبدا الأمر في النهاية كأنه اتفاق على اقتسام الأمر بين الإعلاميين واللاعبين؛ فالإعلاميون هم المقدمون واللاعبون هم الضيوف، الإعلاميون هم أصحاب البرامج بينما أصبح اللاعبون هم موضوعاتها بحكاياتهم وقضاياهم وأخبارهم، فلم يعد الإعلام الكروي التليفزيوني العربي في السبعينيات والثمانينيات مجرد مباريات وأخبار فقط بعد أن انتبه مسئولو التليفزيونات العربية إلى حجم الاهتمام الجماعي والشعبي في مختلف البلدان العربية بكرة القدم، وبالتالي زادت المساحات الزمنية المخصصة لكرة القدم عبر الشاشات، وهكذا زاد الحديث عن لاعبي كرة القدم ليبدأ عصر تحويل لاعبي الكرة إلى نجوم العصر التليفزيوني، فلم يعد الناس يتابعون ما قدموه أو لا يزالون يقدمونه في الملاعب، إنما أصبح الناس يعرفون ويتابعون الحياة الشخصية لهؤلاء اللاعبين وقصص حياتهم بعيدًا عن الملاعب، وكان الاستثناء هو التعليق على مباريات كرة القدم الذي ظلت أبوابه مفتوحة عن آخرها لمن كانوا في الأصل لاعبي كرة قدم.

وأصبح كل ذلك مجرد مقدمة للثورة الكروية التليفزيونية الأولى والثانية؛ حيث كانت الثورة الأولى هي إطلاق القنوات العربية الفضائية، وكانت الثورة الثانية هي القنوات العربية الفضائية الرياضية، وحين بدأ إرسال القناة الفضائية المصرية في 1990 كأول قناة فضائية عربية، وإرسال “إم بي سي” في 1991 كأول قناة فضائية عربية غير حكومية، ورغم أنها قناة عامة إلا أن اهتمام “إم بي سي” بالرياضة كان لافتًا منذ انطلاقها، وفتحت القناة الجديدة أبوابًا كثيرة أمام نجوم ولاعبي الكرة سواء سعوديين أو عرب، وتوالت بعد ذلك القنوات الفضائية العربية سواء حكومية أو خاصة، ثم بدأ بعد ذلك إطلاق القنوات الفضائية الرياضية العربية (الحكومية، والخاصة)، وفي 1993 أطلق السعودي الشيخ “صالح كامل” شبكة “إيه أر تي” من روما، التي ضمت قناة رياضية، كانت هي التي غيرت شكل الإعلام الكروي في كل العالم العربي، فمعها ظهر الأستوديو التحليلي الذي أعاد لاعبي كرة القدم إلى شاشات التليفزيون مرة أخرى ليس كضيوف إنما كخبراء ومحللين، فمع “إيه أر تي” بدأ العرب يعرفون كرة القدم المشفرة التي ليست مجانية ولكن بمقابل مادي، ولكي يقتنع المشاهد بضرورة الاشتراك، كان لابد من الإبهار في الشكل والمضمون، فتغير شكل البرامج الكروية التليفزيونية، وبات من الضروري الاستعانة بنجوم كرة قدامى يحبهم الناس ويحبون رؤيتهم والإصغاء إليهم يتحدثون عن كرة القدم ومبارياتها، وأصبح النظام الكروي الذي بدأته “إيه أر تي” هو القانون التليفزيوني الذي التزم به الجميع دون استثناء، وأصبحت شاشة “إيه أر تي” هي أول بوابة عبرها نجوم ولاعبون عرب كثيرون جدًا إلى شاشات التليفزيون، سواء مع “إيه أر تي” نفسها أو مختلف القنوات والشاشات التي جاءت بعدها سواء كانت أيضًا مشفرة أو مفتوحة فظهر على شاشة “إيه أر تي” النجوم واللاعبون الكبار: محمود الجوهري، وطه إسماعيل، وطاهر أبو زيد من مصر، وماجد عبدالله ومدني رحيمي من السعودية، وعدنان حمد من العراق، وبدر بلال من قطر، ومحي الدين خالف من الجزائر، وطارق دياب ونبيل معلول من تونس، وكثيرون جدًا غيرهم، كلهم كانوا نجومًا ولاعبي كرة قدم تحولوا لوجوه تليفزيونية أحبها الناس واعتادوا عليها وتعلقوا بها إلى جانب ما قدمته “إيه أر تي” أيضًا من إعلاميين ونقاد معلقين.

وبدا الأمر كما لو أن “إيه أر تي” قررت أن تعود بالإعلام الكروي العربي لبدايته الأولى؛ حيث كان نجوم ولاعبو الكرة هم الذين قطعوا الخطوة الأولى في هذا المشوار الطويل، وأصبح بعدها حقًا مشروعًا لكل نجم ولاعب كرة أن يبقى على شاشة التليفزيون بمختلف الأدوار والصفات، وبات من حق أي شاشة أيضًا الاستعانة بهؤلاء اللاعبين والنجوم لجذب مزيد من المشاهدين، وعلى سبيل المثال حين بدأت قناة النيل الرياضية في مصر في 1998، ومع الإعلاميين المحترفين الذين بدأوا إرسال هذه القناة بقيادة حسام الدين فرحات، تمت الاستعانة بالنجم الكبير محمود الخطيب لتحليل المباريات، وبعد فترة ومنعًا للحساسية الدائمة بين الأهلي والزمالك، تمت الاستعانة أيضًا بالنجم الكبير حمادة إمام في برنامج “الأهداف مع الثعلب”، وبعد قليل بدأ سباق تأسيس القنوات الفضائية المصرية الخاصة ومعها برامج رياضية جديدة، فكانت بداية أحمد شوبير في دريم ومصطفى عبده في المحور لتتوالى بعد ذلك أسماء كثيرة، محللون على خطى محمود الخطيب وحمادة إمام، ومقدمو برامج على خطى شوبير ومصطفى عبده. ومثل قناة النيل في مصر كانت مختلف القنوات الرياضية في مختلف البلدان العربية، وقدمت كل قناة في بلدها نجومًا للكرة كمحللين وخبراء ومقدمي برامج أيضًا، وحين باع الشيخ صالح كامل الحقوق الرياضية لقناة الجزيرة في 2009، حافظت الجزيرة على ميراث “إيه أر تي”، ودامت وتزايدت الاستعانة بنجوم ولاعبي الكرة، ومع قناة الجزيرة ثم فيما بعد شبكة “بي إن”، لم يعد الأمر يقتصر فقط على نجوم ولاعبين عرب كان كثيرون منهم من النجوم الكبار المعتزلين حديثًا، وبدأوا بسرعة مشوارهم التليفزيوني كمحللين على شاشة “بي إن”، إنما جاء إليهم ومعهم أيضًا نجوم ولاعبون سواء من (أوروبا، أو أمريكا اللاتينية)، وكان التنافس مع “بي إن”- بما تملكه من إمكانات مالية هائلة- سببًا في مزيد من تطوير الشاشات الرياضية العربية وتطوير شكل الاستعانة بالنجوم واللاعبين، سواء في أستوديوهات التحليل أو مختلف البرامج الكروية، فتطورت الرياضة التليفزيونية بقناة أبو ظبي الرياضية، وكذلك قنوات رياضية سعودية، وأيضًا في (مصر، وتونس،… وغيرها من البلدان العربية).

وقبل الحديث عن إيجابيات وسلبيات الاستعانة بنجوم ولاعبي الكرة، لابد من التوقف أولًا أمام مجال عمل جديد أصبح متاحًا لهؤلاء اللاعبين بعد اعتزالهم، فقبل ذلك كان المعتزلون أمامهم خيارات محدودة، إما التدريب أو الإدارة أو الابتعاد تمامًا عن مجال  كرة القدم، وإلى جانب ذلك، أتاح العمل الإعلامي لهؤلاء النجوم المعتزلين مكاسب مالية لائقة خاصة لمن اعتزلوا قبل الاحتراف الكروي بشكله الحالي؛ فكانت أجورهم التليفزيونية في عام واحد قد تفوق كل ما تقاضوه من أموال طيلة سنين ممارستهم لعب كرة القدم. وكان للظهور التليفزيوني لكل هؤلاء النجوم واللاعبين إيجابيات كثيرة، فمن المؤكد أن حديث أي لاعب عن كرة القدم سيختلف عن حديث أي إعلامي أو صحفي عنها؛ فاللاعب بعد سنين كثيرة أو قليلة في الملاعب وعاش فيها النجاح والإخفاق باتت لديه خبرات عملية وتجارب ورؤى قد لا يملكها من أحب كرة القدم أو درسها لكنه لم يلعبها. ويملك هؤلاء النجوم واللاعبون أيضًا القدرة على فهم ما يحدث في الملاعب ومبارياتها ومفاجآتها وفي غرف الملابس وحكاياتها وأسرارها، وامتلاك رؤى مختلفة للعلاقة بين اللاعبين ومدربهم، وأيضًا إدراك مشاعر من لا يزالون يلعبون وما يتعرضون له من ضغوط سواء من إدارتهم أو جماهيرهم .

وفي مقابل كل هذه الإيجابيات الكثيرة، هناك سلبيات كثيرة أيضًا، منها على سبيل المثال: أن كثيرين من هؤلاء النجوم واللاعبين اكتفوا بتجاربهم الكروية ولم يبذلوا أي جهد لتطوير أنفسهم، وكثيرون منهم أيضًا تمردوا على أي قواعد للعمل الإعلامي وأخلاقياته وحدوده؛ فكان هناك من لم يشأ أو لم يستطع تجاوز انتماءه الكروي فلم يعد يتحدث إلا بلسان جماهير ناديه الذي يناصره ظالمًا أو مظلومًا ومخطئًا أو مصيبًا، ولا يبالي إن كان بذلك يشعل المزيد من نيران الفتنة والتعصب، وهناك أيضًا من يبحث عن الاستمرار والنجاح بأي ثمن وأي وسيلة حتى لو كانت ضد كل مواثيق الشرف الإعلامي، ويفتش هؤلاء طول الوقت عن غرائب الآراء والاتهامات لمجرد جذب انتباه الفضاء الإلكتروني والسوشيال ميديا ليبقى وسط الضوء ويضمن الرواج والبقاء ودوام الشهرة والمال، وهناك أيضًا من لا يكتفون بتعصب محلي إنما يخرجون عن النص أحيانًا لإثارة واختلاق أزمات على المستوى القومي أيضًا، وهي سلبيات نجحت بلدان عربية في القضاء عليها والتخلص منها بقوانين رادعة ومراجعة حازمة ودائمة ومعاقبة من يستحقون اللوم والمساءلة والعقاب، لكن لا تزال بلدان أخرى في المقابل تعاني وتحاصرها تهديدات كثيرة قد تنتهي بأزمات وجرائم لا يتمناها أي أحد، وآخر السلبيات هو شبه احتكار النجوم واللاعبين على الإعلام التليفزيوني الكروي واستبعاد متزايد سواء لإعلاميين أو صحفيين حتى لو من باب التوازن الإعلامي، واحتكار النجوم واللاعبين الحاليين للمشهد التليفزيوني الكروي وإغلاق معظم الأبواب حتى لا تظهر وجوه جديدة، حتى لو كان أصحابها أيضًا من النجوم ولاعبي الكرة أو حتى شباب عاديين لكنهم تعاملوا مع كرة القدم باعتبارها أصبحت علمًا حقيقيًّا سواء ممارستها أو إدارتها أو حتى الحديث عنها إعلاميًّا.

ومثلما يخرج مارد من قمقم وتصعب إعادته مرة أخرى، فلن يعود نجوم ولاعبو الكرة ويكتفون من جديد بأدوار الضيوف أو أن يصبح مشوارهم محورًا للبرامج وحكايتها، وهو في النهاية أمر طبيعي جدًا وأحيانًا ضروريًّا أيضًا، وهو أمر ليس عربيًّا فقط إنما في العالم كله تبقى حصة كروية إعلامية كبيرة لمن كانوا نجومًا في ملاعبهم، لكنهم في العالم يضعون ضوابط صارمة لكل نجم كروي تليفزيوني تمنعه من لعب أدوار أخرى غير دوره المحدد للحديث عن كرة القدم بحياد وعدالة وموضوعية، وقد كان النجم الإنجليزي الكبير “جارى لينيكر” هو آخر من اصطدموا بهذه الضوابط الإعلامية الصارمة؛ ففي مارس الماضي، وفي أحد حلقات برنامجه عن الدوري الإنجليزي ومبارياته على شاشة “بي بي سي”، تحدث لينيكر بشكلٍ مفاجئ وغاضب عن سياسة الحكومة البريطانية الخاصة بالهجرة، وإعلان وزيرة الداخلية “سويلا بريفرمان” أنها لن تمنح أي مهاجر غير شرعي حق اللجوء وستعيده إما إلى بلده الأصلي أو بلد آخر يأمن فيها على حياته، وقال لينيكر في تلك الحلقة أن بلاده أصبحت الأكثر عنفًا وقسوة في أوروبا مع المهاجرين، وأن الحكومة البريطانية الحالية باتت أشبه بحكومة ألمانيا النازية في زمن هتلر، وأعربت الحكومة البريطانية عن غضبها واستيائها، وأعلنت أن ما قاله النجم الكروي الكبير غير مقبول، وكانت المفاجأة هي قرار هيئة “بي بي سي” وقف لينيكر عن تقديم برنامجه الخاص بمباريات الدوري الإنجليزي الذي يقدمه على شاشتها منذ 20 عامًا، وأصبح أهم إعلامي كروي لديها والأعلى أجرًا أيضًا، وكانت أزمة لم تدم طويلًا، عاد لينيكر بعدها لممارسة عمله التليفزيوني بعد أن استوعب هذا الدرس الضروري، فلم تكن الأزمة هي انتقاد النجم الكبير لسياسة حكومته، فهذا متاح طول الوقت لأي أحد سواء نجم كرة أو مواطن عادي، إنما كانت الأزمة هي أن لينيكر تحدث عن أزمات المهاجرين في برنامج يخص الدوري الإنجليزي فقط لا مجال فيه لأي حديث آخر حتى لو كان مهمًا أو ضروريًّا، ففي أوروبا لا يمتلك النجوم على الشاشة برامجهم كما يحدث في برامج عربية كثيرة يتخيل مقدموها أنهم أصحاب هذه البرامج ولهم مطلق الحرية في الحديث عن أي شيء وكل شيء، وستختفي وتنتهي كثير من أزمات الإعلام التليفزيوني الكروي العربي حين يهبط نجوم الكرة ببرامجهم التليفزيونية إلى الأرض ويتوقفون عن التحليق في فضاءات مفتوحة دون ضوابط وقيود، وأنه ليس من حقهم استغلال برامجهم ومساحاتهم التليفزيونية وتخصيصها لمصلحة نادٍ دون باقي الأندية أو لمصالح شخصية خاصة لا علاقة لها بعدالة كرة القدم وجمالها ونزاهتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى