في الحرب التي اندلعت بين “حماس” وإسرائيل، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الكثير من الدروس والعبر، كما أن أفكارًا (إستراتيجية، وثقافية، وحضارية) طُرحت على هامش تلك الحرب، وأُعيد بسببها طرح أسئلة قديمة ما زالت في حاجة إلى إجابات.
أحد أهم تلك الأسئلة يتصل بمحاولة التعرف إلى الأسباب التي تقود الغرب- الذي يُقدم نفسه على أنه “حضاري، وقيمي، وديمقراطي، ومتقدم، وحارس لحقوق الإنسان”- إلى اتخاذ مواقف أقل ما يمكن أن توصف به أنها “منحازة” للجانب الإسرائيلي، فضلًا بالطبع عن اتهامات أكثر حدة توجه له، مفادها أنه “راعٍ رئيس للعدوان الإسرائيلي، وضامن لاستمراره، ونفاذ مفاعيله”.
لقد كان طرح هذا السؤال القديم المتجدد ضرورة بكل تأكيد؛ إذ ظهر الانزعاج والرفض بوضوح من قبل جماعات ونخب وأفراد في مناطق العالم المختلفة، ومنها الغرب أيضًا، حيال المواقف السياسية المعوجَّة التي اعتمدتها معظم الحكومات والأحزاب الغربية من جانب، والتي انعكست- للأسف الشديد- في ممارسات إعلامية غربية غير مهنية وغارقة في الانحياز، من جانب آخر.
لم يكن هناك اختلاف بين قطاعات واسعة من الباحثين والمحللين وأفراد الجمهور أيضًا على أن التغطية الإعلامية الغربية للعمليات العسكرية في غزة- خصوصًا في الأسبوع الأول من اندلاعها- كانت حافلة بالكثير من الأخطاء والانحيازات التي شخصتها الأكاديميات وأدلة الممارسات الرشيدة في مجال الإعلام المؤسسي المهني.
ولم يكن من الصعب أبدًا إثبات تلك الانحيازات، خصوصًا ما يتعلق منها بتغييب السياق Lack Of Context ، عبر تقديم النزاع كما لو أنه بدأ يوم 7 أكتوبر، من خلال شن “حماس الإرهابية هجمات إرهابية ضد المدنيين الإسرائيليين”، وما نجم عن ذلك من “قتل 1400، وأسر 240، أو احتجازهم كرهائن”.
كان من السهل جدًا سبك تلك السردية التي تبدو سهلة وواضحة وقاطعة في الإيحاء؛ إذ يشن “فصيل إرهابي” هجومًا على “مدنيين يحضرون حفلًا موسيقيًّا”، بموازاة أخبار أُشيعت آنذاك من دون أي قدر من التدقيق، عن “ذبح أطفال، واغتصاب نساء، واستباحة المساكن الآمنة”.
شاعت تلك السردية المنحرفة بكل سهولة بين أوساط الإعلام الغربي، وتناقلها الوسطان (التقليدي، والجديد)، بمصاحبة صور وفيديوهات، بعضها مختلق ومفبرك، وهو الأمر الذي أسس لممارسة معوجة ومنحازة، انطلقت إسرائيل تحت غطائها في عملية وُصفت بأنها “إبادة جماعية”، تعتمد القتل والتشريد الممنهجين لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
استغرق الأمر أسابيع، حتى انتبه العالم للسياق المُغيب، خصوصًا عندما تحدث الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيرتش” عن أن هذه الحرب “لم تأتِ من فراغ”، وأنها أعقبت عقودًا من طرد الفلسطينيين من أراضيهم، وحبسهم في أكبر سجن مفتوح في العالم، وتجويعهم، وحصارهم، وإخضاعهم لسياسات المُحتل الإسرائيلي.
وفي ظل تلك السردية جاء الانحياز الإعلامي الغربي، الذي دعمته حكومات وأحزاب سياسية، أظهرت في بداية الأحداث ميلًا قاطعًا لتبني الرواية الإسرائيلية، وموافقة واضحة على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وراح يتفنن في ممارسة أنماط مختلفة لدعم الرواية السائدة.
وشملت أنماط الانحياز السائدة، كما رصدتها بعض وحدات البحث والتدقيق الإعلامي: تغييب السياق، والتنميط الخاطئ، وتجاهل الخلفية، والحذف الانتقائي، وتقديم الرأي على أنه حقيقة، واختلاق الوقائع والصور والفيديوهات، بالشكل الذي أدى إلى تورط قادة كبار مثل الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، في تبني رواية “قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين”، التي لم تثبت أبدًا حقيقتها.
وراحت مقالات الكتاب الغربيين تتوالى في كبريات الصحف ووسائل الإعلام، واجتهد مقدمو البرامج، ومعهم كتائب من الضيوف المنحازين، في تعميمها عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، بمساندة واضحة من بعض مراكز التفكير والأبحاث المتخصصة.
كيف نفهم حرب غزة؟
لقد قيل الكثير عن الحرب على مر العصور، واختلف القادة والفلاسفة في توصيفها وتعيين سماتها المحددة، لكن ثمة حقيقة لم تكن قابلة للدحض أبدًا، وهي الحقيقة التي تفيد أنه لا توجد دولة أو جماعة بشرية منظمة استطاعت أن تمضي في الزمن من دون أن تخوض الحرب، وهو أمر يمكن إثباته عبر التاريخ.
فحرب غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، جزء من تاريخ طويل من الحروب التي شهدها التاريخ الإنساني، لكنها حرب ذات سمات خاصة، اكتسبتها من طبيعة القضية الفلسطينية نفسها، ومن الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي نجم عن آخر احتلال استيطاني تشهده البشرية.
لا يعني وجود الحرب كحقيقة في تاريخ المجموعات البشرية والدول تمجيدها أو تحبيذ تبنيها كخيار، كما أنه لا يسوغها أو يغري باللجوء إليها، لكنه يدفع إلى ضرورة تقصي أسبابها وفحص ماهيتها.
ومن بين أبرز المحاولات التي سعت إلى تحليل بيئة الحرب واستخلاص سماتها ودوافعها واستشراف مستقبلها، تلك المحاولة التي أقدم عليها عالم الحرب البروفسير “بريان فيرجسون”، الذي خلص بعد بحوث جرت على مدى ثلاثة عقود عن الحرب، وشملت فحص مجتمعات بدائية وأخرى قديمة وحروب حديثة ومعاصرة، إلى عدد من الأفكار المهمة، وهي أفكار يمكن أن تساعدنا على فهم أسباب اندلاع تلك الحرب، وما نجم عنها من انحياز غربي سافر على صعيدي (السياسة، والإعلام).
أولًا: الدوافع الأيديولوجية لشن الحرب ثانوية
على عكس ما يعتقد كثيرون، فيبدو أن المصالح تأثيرها أكبر من الأيديولوجيا في تطور النزاعات المسلحة، سواء كان هذا الأمر يخص الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو يتعلق بالحرب الدائرة في سوريا والسودان راهنًا، أو حتى النزاع المحتدم بين “حماس” وإسرائيل.
يعطينا تاريخ الحروب الكثير من الإثباتات لهذا الطرح- خصوصًا عندما يجري الحديث عن التآلف والسلام والتحالف بين دولتين سبق أن انخرطتا في حرب ضروس، علمًا بأن هذا التحالف اللاحق للعداء لا يأتي عادة بمواكبة توافق أيديولوجي، بل يتحقق عبر تنحية الخلاف لإفساح المجال لحديث المصالح.
وفي هذا الصدد، يتراجع التأصيل الثقافي والحضاري والركائز الأيديولوجية ذات الأبعاد الدينية التي تجتهد لشرح واقع الصراع الدائر حاليًّا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم وجاهة تلك الأطروحات، وصمودها لعقود طويلة باعتبارها مفتاحًا لفهم حقائق الصراع.
وكان المفكر المصري الراحل الدكتور “عبد الوهاب المسيري”، عبر مسيرة طويلة من الكتب والدراسات، قد اجتهد لتبيان ذلك البعد عندما خفف من أثر الأبعاد الدينية والأيديولوجية للصراع العربي- الإسرائيلي لصالح ما قال إنه “حسابات عملية ومصالح حيوية”.
لا يمكن نفي أن ثمة اتجاهًا فكريًّا رائجًا يؤكد على أن ثمة جذورًا دينية واضحة لهذا الصراع، وهو أمر تعززه تصريحات واضحة لعدد من القادة الغربيين الذين سعوا- انطلاقًا من معتقدات دينية- إلى التأكيد على “خلفية توراتية يؤمن بها المسيحيون الغربيون على اختلاف مذاهبهم تجعلهم يتعاطفون مع اليهودية العالمية”، فضلًا عن الحديث عن تبني “خطة إلهية للخلاص المسيحي”، لا تكتمل عناصرها من دون إنشاء دولة إسرائيل على أرض “الحق التاريخي المستند إلى الوعد الإلهي”، وهو أمر تعززه نبوءات وتفسيرات تجد رواجًا في الغرب.
لكن هذا الاتجاه يشهد اختلافًا حتى بين اليهود أنفسهم، وقد تعرض لمراجعات عدة، وصولًا إلى تقليل أثره كمفتاح لفهم حقائق الصراع، خصوصًا في ظل وجود قادة صهاينة مؤثرين من العلمانيين، واختلاف التفسيرات التوراتية والإنجيلية بخصوص إنشاء الدولة العبرية في الأراضي الفلسطينية بين من يراه ضرورة ومن يراه خطأً دينيًّا لا يجوز ارتكابه.
من هنا يتراجع هذا التفسير، وَفق حقائق ووقائع عديدة، لصالح التفسير المستند إلى الاعتبارات العملية والمصالح المادية.
ثانيًا: الحرب تستخدم القيم الثقافية السائدة وليس العكس
من النتائج التي خلصت إليها بحوث الحرب أن التباينات في أعمال القتال الفعلية- فترات الحرب وفترات السلام، ومن يشن الهجوم ومن يتعرض له – يمكن تفهمها كنتيجة لفكرة أن من يتخذون قرارات الحرب يفعلون ذلك سعيًا وراء تحقيق مصالح عملية. ويعكس هذا الأسلوب في التعامل مع الحرب توجهًا سلوكيًّا يُعنى بتحليل ما يفعله الناس في أثناء الحروب، وليس ما يقولونه.
ففي أثناء المناقشات الطويلة التي عادة ما تسبق الحرب، يعمد أنصار أي مسار عمل معين إلى طرح تصورهم لما يحقق المصلحة العامة في صورة أخلاقية وقيمية، وهنا تظهر أفكار الواجب الديني أو قيم الشجاعة والجبن أو ضرورة الثأر أو الوعود الإلهية والحق الديني، ويجري استغلال القيم المشتركة المترسخة في الجماعة للتبرير وإقناع الآخرين، وبذلك يجري تحويل الحاجات والرغبات إلى أمور صائبة، وأخرى مرفوضة أخلاقيًّا.
ما يقوله فيرجسون هنا يتفق إلى حد ما مع ما يراه المسيري، الذي يرى أن الغرب عمومًا، والولايات المتحدة على رأسه، هو راعٍ إمبريالي قوي لدولة إسرائيل “الوظيفية”، التي ستزرع في الشرق الأوسط؛ لتعمل لحساب الحضارة والمصالح الغربية، باعتبارها ظاهرة استعمارية غربية إحلالية استيطانية، يرعاها الغرب ويمولها ويسلحها، ويضمن أمنها واستدامتها؛ لتحقيق مصالحه.
ثالثًا: الحرب ليست قرار المتحاربين وحدهم
لا يمكن النظر إلى الحرب بين جماعتين أو دولتين على اعتبار أنها معركة محدودة ومنقطعة الصلة عن سياقها الإقليمي والدولي.
في العصور القديمة، كانت الدول الكبرى محاطة بمناطق قبلية لا تخضع لسيطرة دولة بعينها، ومع سعي الدول لوجود كيانات سياسية حاكمة واضحة يمكنها التعامل معها، ظهرت وحدات قبلية أكثر تناغمًا.
وبدءًا من القرن الـ16، حمل الأوروبيون معهم إلى مناطق أخرى من العالم أمراضًا جديدة وتقنيات وسلعًا أحدثت تغييرات راديكالية في المجتمعات المحلية، ومضت أوروبا في تطبيق سياسات الدول الأقدم الساعية لتشجيع الحرب، مثل “فرق تسد”، إلا أنها شجعت على الحرب كذلك بصورة جديدة؛ إذ إن طرحها سلعًا جديدة، مثل: الحديد الصلب والأسلحة، خلق حوافز جديدة للقتال بين مجموعات محلية.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، ظهر ما أُطلق عليه “الحروب بالوكالة”، وهي حروب محلية مدعومة من جانب طرف أو أكثر من المتورطين في “الحرب الباردة”، بيد أنه في واقع الأمر كانت هذه الحروب تجد ذرائع داخلية أيضًا لشنها، وبحيث يمكن القول إن الدوافع الخارجية للحرب لم تكن أقل أبدًا من الدوافع الداخلية والبينية المحركة لها.
يوضح ذلك ما يفعله الغرب إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي، من زاوية توكيل الغرب للدولة العبرية للقيام بأدوار مطلوبة، وهو الأمر الذي يجب أن يحظى بالإسناد والدعم، والإعلام -الذي يتفوق فيه الغرب ويتقنه ويهيمن من خلاله على الرأي العالمي- سيكون رأس حربة في هذا الصدد.
رابعًا: الصراع يرسم صورة العدو
في الحرب، ثمة ضرورة لوجود خط فاصل واضح بين “نحن” و”هم”؛ تفترض الكثير من النظريات البيولوجية أن الحرب تشكل في أحد أوجهها تعبيرًا عن الميل الفطري داخل الإنسان للتعلق بأفراد مجموعته وكراهية المجموعات الأخرى المغايرة، وتفترض كذلك أن الحروب تندلع بين مجموعتين متمايزتين سلفًا، وبينهما فقط.
الحقيقة أن الصراع نفسه هو من يتولى رسم ملامح المجموعات وتحديدها، وتتباين فترات الصراع ومعها تتباين صورة العدو، ذلك أن الحلفاء من الممكن أن يتحولوا سريعًا إلى أعداء، والعكس صحيح.
لذلك، فإن الغرب يرسم صورة إسرائيل باعتبارها امتدادًا لقيمه وحضارته، وصورته التي يرضى عنها ويحرص عليها في الشرق الأوسط، الذي يراه الغرب مساحة واسعة من الاستبداد والتخلف عن القيم العالمية التي يحمل لواءها ويسعى إلى إقناع العالم بأنه مناصرها وراعيها الأول.
لذلك، فإن الغرب يستخدم أدواته (الإعلامية، والفكرية، والثقافية) المختلفة لكي يرسم صورة العرب باعتبارهم “متخلفين، واستبداديين، ومعادين للديمقراطية وحقوق الإنسان”، كما يجتهد أيضًا لرسم صورة الفلسطيني الفرد باعتباره “إرهابيًّا”، وبالطبع فإنه من السهل أن تُرسم صورة المقاومة الفلسطينية على النحو نفسه، باعتبارها حركات إرهابية تستخدم العنف ضد دولة ديمقراطية تتبنى القيم الغربية ويعيش سكانها في أمان لا يعكره سوى هؤلاء “الإرهابيون”.
آليات الانحياز الغربي:
ولكي يُفعّل الغرب انحيازاته الدائمة لإسرائيل في هذا الصراع، فإنه يستخدم عددًا من الآليات: أولها، هو التأييد السياسي، الذي ينعكس في أكثر صوره وضوحًا في نحو 44 قرار فيتو (حق نقض) استخدمته الولايات المتحدة؛ لمساندة إسرائيل في مجلس الأمن، ومنع صدور قرارات بإدانة أي من قراراتها وسياساتها مهما انطوت على عدوانية أو خرق للقوانين والمعايير والاتفاقات الدولية.
وفي حرب غزة الأخيرة، ظهر هذا الانحياز واضحًا في المجال السياسي حين منحت دول الغرب إسرائيل الحق في “الدفاع عن النفس”، بكل ما انطوى عليه من جرائم لم يعد ضمير العالم الجمعي قادرًا على تحملها، في ظل قتل المدنيين بصورة منهجية، وارتفاع أعدادهم يومًا بعد يوم، تحت الحصار الخانق والتهجير القسري.
وتتضح الآلية الثانية في الحماية العسكرية، وتلك لم تتوافر فقط من خلال الدعم العسكري الوفير، ولكن أيضًا من خلال إرسال دول غربية كبرى (أسلحة، وعتادًا) إلى المنطقة لدعم إسرائيل، وردع أي طرف إقليمي عن محاولة التدخل لوقف الجرائم العدوانية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
وتبرز الآلية الثالثة في الدعم الاقتصادي، الذي لم يتوقف منذ إعلان دولة إسرائيل، لتضحى أكثر دول العالم تمتعًا بالدعم الاقتصادي الغربي، وتستأثر خصوصًا بأكبر قيمة دعم تقدمها الولايات المتحدة سنويًّا لحلفائها حول العالم.
لكن الآلية الرابعة لم تكن سوى آلية الانحياز الإعلامي، التي سعت إلى غسل سمعة إسرائيل، وتخطئة أعمال المقاومة وإدانتها، وتقديم صورة الصراع للعالم باعتباره نشأ يوم 7 أكتوبر، وبأنه كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”: “صراع بين الظلام والنور”، بوصف إسرائيل هي الخير والحق والنور، و”حماس”، ومن ورائها الفلسطينيون، هي الشر والباطل والظلام.
الخلاصة:
حرب غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، حلقة في سلسلة حروب عديدة بين العرب وإسرائيل، وفي تلك الحروب كلها أظهر الغرب دعمًا وانحيازًا واضحًا وصلبًا لصالح الدولة العبرية، ومن بين آليات هذا الدعم والانحياز ظهر الانحياز الإعلامي، الذي توزع على الوسطين الإعلاميين (التقليدي، والجديد).
استغل الغرب في انحيازه الإعلامي لإسرائيل تفوقه الكبير وهيمنته الواسعة على معظم صناعة الإعلام العالمية، ومن خلال وكالات الأنباء الكبرى، والصحف والتليفزيونات المؤثرة، وشركات التكنولوجيا العملاقة التي تهيمن على وسائط “التواصل الاجتماعي”_ رسم الغرب صورة للصراع تشيطن “حماس” و”المقاومة الفلسطينية” والفلسطينيين عمومًا، وتبرز إسرائيل في صورة الدولة الديمقراطية التي تتبنى قيمًا حضارية وتتعرض لهجوم إرهابي.
ورغم وجود تباينات في الإعلام الغربي نفسه، وفي الرأي العام المؤثر فيه، ورغم بعض المراجعات والتغيرات في المواقف تحت وطأة القصف العدواني الإجرامي للمدنيين الفلسطينيين، فإن تلك التغيرات لا تكفي لتصحيح المسار وتقديم صورة منصفة عن الصراع وأبعاده.
ورغم أن هناك دعاوى حضارية وثقافية، واعتبارات أيديولوجية ودينية قد تكون ذات أثر في بناء هذا الموقف الإعلامي الغربي، فإن تلك الدعاوى والاعتبارات تبدو أقل تأثيرًا من الاعتبارات العملية والمصالح المادية التي تصوغ الموقف الإعلامي الغربي وتحدد مسارات عمله.
وبسبب نفوذ للوبيات اليهودية في عواصم القرار الأوروبية، وهيمنة جماعات مصالح بعينها على عدد من المنافذ الإعلامية المؤثرة، واعتبار إسرائيل مصلحة عملية وضرورة حيوية للإستراتيجية الغربية في المنطقة، فإن هذا الانحياز موجود، وفاعل، حتى لو اهتزت بعض أركانه تحت وطأة الجرائم العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.