لقد اتضح للولايات المتحدة الأمريكية أن رؤية بعض السياسيين الأمريكيين بالتركيز على منطقة الشرق الأقصى والمحيط الهادي ؛ لمواجهة تحديات صعود الصين المتسارع _القوة العالمية الفاعلة_ وتخفيف الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط؛ لقلة اعتمادها على بترولها بعد اكتشافات البترول الصخري في “أمريكا” وحقول غنية بالغاز الطبيعي، تحتاج إلي مراجعة سواء على ضوء المصالح الأمريكية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وهى أمن واستقرار إسرائيل، والمصالح والاستثمارات الأمريكية في البترول والغاز والتحكم في أسعار البترول العالمية بالتنسيق مع الدول الحليفة، والارتباط الأمني مع حلفاء أمريكا في المنطقة، إلى جانب الموقع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط وما فيها من ممرات طرق بحرية وجوية إلي جانب امتدادات مشروع الحزام والطريق الصيني، والعودة القوية لروسيا إلي مراكز مهمة في الشرق الأوسط.
وأدى ذلك إلى عملية مراجعة، ولكنها اتسمت بالبطء أحيانًا، والتردد أحيانًا أخرى، ويرجع ذلك إلى حالة من تباين الآراء على عدة مستويات داخل الإدارة الأمريكية من ناحية، وبين الإدارة والكونجرس من ناحية أخرى، في ظل رئاسة “دونالد ترامب” الذي عانت إدارته على مدى نحو أربع سنوات من كثرة التغييرات في الوزراء والمستشارين في عدة مجالات حيوية وكبار المسئولين، إلى جانب أسلوب إدارته الذي هو أقرب لأسلوب رئيس مجلس إدارة شركة أكثر منه رئيس أقوى دولة والأكثر تأثيرًا في العالم.
ويمكن من خلال متابعة الموقف الأمريكي من تطورات أزمتي (“ليبيا” وشرق البحر المتوسط) أن نلمس بوضوح ما يتسم به هذا الموقف من تقدم وتراجع، وعدم وضوح أحيانًا، بل والتغير من اتجاه إلى آخر بدرجاتٍ متفاوتةٍ متأثرًا بقوة دفع الأحداث وتوجهاتها أو بمدى اقتراب الخصوم من تحقيق مزايا أو مكاسب كبيرة، أو حفاظًا على بعض المصالح الحيوية مع الحلفاء وعدم التخلي عنهم.
أولًا: الموقف الأمريكي من تطورات الأزمة الليبية:
اضطلعت الولايات المتحدة بالدور الرئيسي مع شركائها في حلف “الناتو”، خاصةً “”تركيا” وفرنسا” في المساعدة على إسقاط نظام الرئيس القذافي في “ليبيا” عام 2011م. ولم يكن لديها وحلفائها خطة بشأن الأوضاع في “ليبيا” بعد انهيار نظام القذافي، وتفكك مؤسسات الدولة وعودتها إلى القبلية والعشائرية، وحلول الميليشيات المسلحة محل الجيش الليبي.
واتخذ الموقف الأمريكي حالة من السكون رغم المساهمة في الجهود الدولية ؛ للتوصل إلي حل سياسي للأزمة الليبية، وقد تراجع الموقف الأمريكي في “ليبيا” بوضوح بعد حادث اغتيال السفير الأمريكي في “ليبيا” “كريستوفر ستيفنز”، وثلاثة أمريكيين في مدينة بنغازي عام 2012م، وذلك باستثناء عمليات مكافحة الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا، ولم تهتم كثيرًا بعدم انتظام ضخ النفط الليبي وما لذلك من تأثير على أسعار النفط العالمية، ولم تهتم بعمليات خرق قرار مجلس الأمن بحظر توريد السلاح إلى الأطراف المتحاربة في ليبيا. وابتعدت” واشنطون” كثيرًا عن الشؤون الليبية وقال الرئيس الأمريكي “ترامب” في عام 2017م : “أنّه لا يري أي دور للولايات المتحدة في ليبيا.
واعترفت “واشنطون” باتفاق السلام الليبي، المعروف باتفاق الصخيرات الذي وقع وأودع في الأمم المتحدة عام 2015م ، وتشكلت بناء عليه حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة “فايز السراج”، والمجلس الأعلى للدولة برئاسة “خالد المشري” ، ولم تحصل هذه الحكومة على ثقة البرلمان الليبي المنتخب بسبب الخلافات حول تشكيلها، ورغم اعتراف 104 دولة بهذه الحكومة إلاّ أنّها ظلت مفتقدة ثقة البرلمان حتى الآن.
وعندما اشتد الخلاف بين المشير “خليفة حفتر”، قائد الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق ، توقع الكثيرون أن يحظى “حفتر” بالتأييد من الرئيس الأمريكي” ترامب”، لدوره في مكافحة الإرهاب وتأثير مستشار الأمن القومي الأمريكي” بولتون” على “ترامب ” ؛لدعم “حفتر”، ولكن تغلب الرأي الآخر وهو الاستمرار في تقديم الدعم الأمريكي لحكومة الوفاق الوطني، وقام رئيسها “فايز السراج” بزيارة لـ”ـواشنطون ” والتقى مع الرئيس الأمريكي “ترامب” في( ديسمبر2017م)، كما التقى “السراج” في بروكسل مع وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” في( ديسمبر 2018م) مؤكدًا “بومبيو” دعم واشنطن القوي لحكومة الوفاق في مكافحة الإرهاب بدعم من فريق قوات “أفريكوم ” الأمريكية في ليبيا.
وقد أعقب هذه التطورات البطيئة في الموقف الأمريكي تعيين سفير أمريكي جديد لدى حكومة الوفاق الوطني في( أغسطس 2019م) ، وهو السفير “ريتشارد نورلاند” ، بعد نحو سبع سنوات من اغتيال السفير الأمريكي في “بنغازي”، وهذا مؤشر على أن تطورات الأحداث في “ليبيا” وما حملته في ثناياها من تداعيات خاصة الحملة العسكرية التي بدأها المشير” خليفة حفتر” في (إبريل 2019 م) بالاتجاه غربًا نحو “طرابلس” للسيطرة عليها، وإخراج التنظيمات والعناصر الإرهابية منها واستكمال سيطرة الجيش الوطني الليبي على كل الأراضي الليبية، وحماية سيادتها واستقلالها ومصالح الشعب الليبي وفقًا لما قاله “حفتر”.
وأدت هذه التطورات إلى تخفيض “الولايات المتحدة” عدد قواتها الموجودة في “ليبيا” بشكل مؤقت تجنبًا لأي صدام بالخطأ وسط حالة المواجهة العسكرية بين الجيش الوطني الليبي وقوات الميليشيات لحكومة الوفاق الوطني.
جهود لوقف إطلاق النّار:
وقد سارت جهود العمل على وقف إطلاق النّار بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق إلى جانب ما كان يقوم به المبعوث الأممي إلي “ليبيا” “غسان سلامه”، في مسارين:
الأول: دعت روسيا كل من المشير “خليفة حفتر” و”فايز السراج” إلى موسكو من أجل الاتفاق على وقف إطلاق النّار في (12 يناير 2020م) أي قبل قمة “برلين” بشأن “ليبيا” بنحو أسبوع. وقد وافق فايز السراج على وقف إطلاق النّار. وطلب المشير “حفتر” مهلة لبحث الأمر، وأيدت “واشنطن” وعدة دول اقتراح روسيا بوقف إطلاق النّار.
الثاني: قمة برلين في (19 يناير 2020 م) بشأن الأزمة الليبية. وقد أحالت هذه القمة إلى مرجعيات قرارات الأمم المتحدة، واتفاق السلام الليبي (اتفاق الصخيرات) واقترحت وقف إطلاق النّار بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق، والعودة إلى المفاوضات عن طريق اللّجان الثلاث: (اللّجنة العسكرية (5+5)، واللّجنة الاقتصادية، واللّجنة السياسية)، من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية؛ لأنه لا حل عسكري لها. وأعلن “السراج” قبوله وقف إطلاق النّار، بينما التزم المشير “خليفة حفتر” الصمت إزاء هذا المطلب رغم بدء مفاوضات اللّجنة العسكرية.
هذا وقد شارك وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” في قمة” برلين” وأعلن تأييد “واشنطن” لوقف إطلاق النّار، والعودة إلى المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي.
التدخل التركي واستقالة المبعوث الأممي:
- التدخل التركي في ليبيا:
بدأت “تركيا” الإعداد للتدخل القوي في “ليبيا” بعقد مذكرتي تفاهم بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الليبية في (نوفمبر 2019 م)، المذكرة الأولى: بشأن ما سمّتاه ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والثانية: هي الأهم؛ للتعاون الأمني والعسكري بينهما . وسارعت “تركيا” بموافقة برلمانها على المذكرتين المرفوضتين شكلًا وموضوعًا من جانب البرلمان الليبي المنتخب برئاسة المستشار “عقيلة صالح”، ودعا الرئيس التركي إلى قمة “برلين” بشأن “ليبيا”، وبدأت “تركيا” في نقل المقاتلين من التنظيمات الإرهابية في “سوريا” ومن السوريين اللاجئين إلى “تركيا” وجنسيات أخرى، وإمداد حكومة الوفاق بالأسلحة والمعدات العسكرية واللوجستية، ودعم قوات حكومة الوفاق بالقوات البحرية التركية.
وقد ساعد هذا الدعم القوي على استعادة حكومة الوفاق معظم المدن وقاعدة الوطية العسكرية (عقبة بن نافع سابقًا) التي سبق أن سيطرت عليها قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير “خليفة حفتر”، الأمر الذي دفع “حفتر” إلى سحب قواته إلى مدينتي (سرت والجفرة)؛ لتقصير خطوط إمداداته من ناحية، والمحافظة على قواته للدفاع عن( سرت والجفرة ) من ناحية أخرى .
ويلاحظ أن الولايات المتحدة لم تبد اعتراضًا على التدخل العسكري التركي في “ليبيا” رغم مخالفته لقرارات الأمم المتحدة، وكأنّها أعطت ضوءًا أخضر لهذا التدخل لعدة اعتبارات منها:
- زيادة الوجود الروسي في “ليبيا” الداعم للجيش الوطني الليبي، ورغبة “موسكو” في استعادة بعض العقود الكبيرة التي كانت قد أبرمتها مع القذافي، والحصول على قواعد أو تسهيلات في الموانئ والقواعد العسكرية الليبية، وحصة من عملية إعادة إعمار البنية الأساسية وبعض المصانع في “ليبيا” بعد التوصل إلى تسوية سياسية. هذا إلى جانب مشاركة مقاتلين من مجموعة “فاجنر” الروسية الخاصة مع قوات المشير “خليفة حفتر”، رغم أن الحكومة الروسية تدعى عدم علمها بذلك.
- تطلّع واشنطن إلى حاضر ومستقبل الطاقة في “ليبيا” سواء الطاقة الشمسية أو البترول والغاز الطبيعي أمام شواطئها وفي أراضيها الشاسعة، ودور الشركات الأمريكية في هذا القطاع المهم استراتيجيًا وماله من تأثير على أسواق البترول والغاز العالمية.
- عدم تخلي “واشنطون” عن حكومة الوفاق الليبية والمجلس الأعلى للدولة لارتباطها باتفاقية السلام الليبية (الصخيرات) وإن ظلت محتفظة بعلاقات مع المشير “خليفة حفتر” قائد الجيش الوطني باعتباره الطرف الثاني هو ورئيس مجلس النواب، في المعادلة الليبية الصعبة، وأن أي حل سياسي للأزمة لابد أن يمر عبر مفاوضات بين هذين الطرفين الرئيسيين في الصراع الليبي، حتى وإن كان من أجل اجتياز المرحلة الانتقالية وإصدار دستور جديد أو تعديل الدستور القائم وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
لذا يلاحظ أنه بتراجع قوات الجيش الوطني الليبي إلى مدينتي (سرت والجفرة)، ووصول قوات حكومة الوفاق الوطني إلى “مصراته” مدعومة من “تركيا” والميليشيات التي جلبتها “تركيا” من “سوريا”، حتى قال السفير الأمريكي في “ليبيا”، “ريتشارد نورلاند”: “أنّه قد تحقق التوازن، وآن الأوان للعودة إلى المفاوضات للاتفاق على وقف إطلاق النّار، واستئناف المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية.
وبدأت الولايات المتحدة اتصالات مكثفة سواء مع الجيش الوطني الليبي أو حكومة الوفاق الليبية ، ومع( القاهرة والجزائر وتونس وموسكو وأنقرة ) وعدة عواصم أوروبية بهدف أساسي وهو وقف التصعيد العسكري ومنع الاشتباك في حرب على (سرت والجفرة) خاصةً بعد أن اعتبرت مصر أنّ تجاوز القوات المدعومة من “تركيا” سرت والجفرة خطًا أحمر يحق بتجاوزه للقوات المسلحة المصرية التدخل بناء على دعوة من البرلمان الليبي وعدد كبير من زعماء القبائل الليبية، وإعلان “تركيا” أنّها ستستمر في دعم حكومة الوفاق للسيطرة على (سرت والجفرة)، ولكن “تركيا” من جانب آخر أعلنت أنّها لا تريد محاربة مصر ولا فرنسا.
وقد طرحت عدة أفكار أمريكية ؛لوضع (سرت والجفرة) منها: أن يتم سحب كل القوات منها وتوضع تحت رقابة دولية، ومن ناحيته طلب المشير” حفتر” سحب جميع القوات التركية والميليشيات التي جلبتها من الأراضي الليبية.
وركزت الولايات المتحدة في اتصالاتها المشار إليها على عدة بنود أهمها:
- العمل على سرعة التوصل إلى اتفاق لوقف شامل لإطلاق النّار.
- استئناف ضخ البترول وإخراج مناطق إنتاجه وتصديره من دائرة الصراع، وإيداع العائدات إما في البنك المركزي الليبي تحت إشراف دولي ؛ لضمان عدالة توزيع هذه العائدات على الأقاليم الليبية الثلاثة (طبرق وفزان وطرابلس) وعدم صرفها في أغراض التسليح وتجنيد الميليشيات. ويعاني الاقتصاد الليبي من أزمة حادة منذ وقف تصدير نحو (75% ) من النفط الليبي، إلى جانب آثار وباء كورونا، والحرب الأهلية الليبية.
- استئناف مفاوضات الحل السياسي للأزمة الليبية، خاصةً وأن كل الأطراف الليبية والإقليمية والدولية تجمع على أنّه لا حل عسكري للأزمة الليبية. والأخذ في الاعتبار كل المبادرات المطروحة والتي تجعل مرجعتيها مؤتمر “برلين” الذي يجعل مرجعية اتفاق السلام الليبي ( الصخيرات) مع النظر في إجراء بعض التعديلات إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
- تعيين مبعوث أممي إلى ليبيا:
منذ أن أعلن غسان سلامة استقالته في (مارس 2020م) من مهمته_ مبعوثًا أمميًا للأزمة الليبية ورئيسًا للّجنة الدائمة للأمم المتحدة في “ليبيا” _ لم يعين بديلًا له وتولت نائبته السفيرة الأمريكية “ستيفاني وليامز” رئاسة بعثة الأمم المتحدة بالإنابة، واعترضت الولايات المتحدة على اختيار الأمين العام للأمم المتحدة وزير خارجية الجزائر الأسبق “رمطان العمامرة “رغم موافقة الأربعة عشر عضوًا في مجلس الأمن على ترشيحه. كما لم ترحب” واشنطن” بترشيح آخر وهو وزيرة خارجية “غانا” السابقة “حنا تيته”، وبدأت تروج لفكرة أن يكون منصب المبعوث الأممي للأزمة الليبية مستقلًا عن رئاسة بعثة الأمم المتحدة الدائمة في “ليبيا”، ورشحت رئيسة وزراء “الدنمرك ” السابقة “هيلى ثورنينج شميت”، مبعوثًا خاصًا، ولكنها اعتذرت، كما أن بعض أعضاء مجلس الأمن لم يوافقوا على تقسيم المنصب، وطالب المندوب الألماني “واشنطن” بأن لا تمنع الأمين العام للأمم المتحدة من تعيين مبعوث جديد في “ليبيا”.
واضح أن تعطيل الولايات المتحدة تعيين مبعوث أممي خاص إلى “ليبيا” مرتبط بأنّ بعثة الأمم المتحدة في “ليبيا” ترأسها سفيرة أمريكية بالإنابة منذ استقالة “غسان سلامة” مع تزايد فعالية الدور الأمريكي في “ليبيا” بعد تراجعه لفترة طويلة، وتعيين سفير منذ (أغسطس2019 م) والدور الذي تقوم به قوات “افريكوم ” الأمريكية في” ليبيا”، ونشاط “واشنطون” المكثف ؛ لوقف القتال ومنع حرب غير مباشرة بين حلفائها على الأراضي الليبية، مدفوع بالعمل على الحد من الوجود الروسي في “ليبيا” من ناحية، والمحافظة على مكانة الولايات المتحدة في “ليبيا” ودول شمال أفريقيا ، وأن يكون للشركات الأمريكية حصة في البترول والغاز الليبي وعملية إعادة الإعمار وما فيها من استثمار ومكاسب كبيرة.
ثانيًا: الموقف الأمريكي من أزمة شرق البحر المتوسط:
إن أزمة شرق البحر المتوسط ذات شقين، أولهما: الأزمات والمواقف السياسية في دول المنطقة، وثانيهما : المنازعات والخلافات بين دول المنطقة حول مصادر الطاقة-خاصة ًالغاز الطبيعي والموقف الأمريكي منهما.
الأزمات السياسية:
- الأزمة السورية وتعقيداتها وسعي الولايات المتحدة وحلفائها منذ( مارس 2011 م) إلى الآن ؛ لإسقاط النظام السوري، واعتمادها بصورة أساسية على الحلفاء سواء دول الخليج العربية في عدة مراحل أو “تركيا” طول الوقت، وتحول الأزمة السورية إلى حرب بالوكالة فيها( إيران وروسيا ) مع النظام السوري من ناحية، والمعارضة والتنظيمات المسلحة السورية، والقوات المنشقة عن الجيش العربي السوري، والتنظيمات الإرهابية، والمدعومين من قوى إقليمية و”تركيا” والولايات المتحدة من ناحية أخرى . وقد أخفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في إيجاد بديل يعتد به ويعتمد عليه نظام الحكم السوري. وأصبحت روسيا وايران لهما اليد العليا في الأزمة السورية منذ تدخل روسيا عسكريًا في آخر( سبتمبر 2015 م) ودعمت وجود قواعدها العسكرية، البحرية في “طرطوس”، والطيران في “حميميم”، وزاد اعتماد “واشنطن” على “تركيا” التي احتلت قواتها جزءًا من الأراضي السورية بدعوى الدفاع عن أمنها ضد الأكراد ومخاطر تواصل الأكراد السوريين مع الأكراد الأتراك-خاصةً حزب العمال الكردي التركي.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات الأمريكية الموجودة في سوريا _ وتقدر بنحو ألفي جندي وضابط_ تولت تدريب القوات السورية الديمقراطية (قسد) وهي كردية وبلغت نحو( 32 ألف ) فرد، وتؤيد حق أكراد سوريا في حكم ذاتي موسع، وهذه نقطة خلاف رئيسية بين “واشنطن وأنقرة ” لما فيها من مخاطر بالنسبة لوضع الأكراد في” تركيا”.
وإزاء قوة الدور الروسي في سوريا، وعدم إمكانية إخراج (إيران من سوريا ) بالتعاون بين (أمريكا وإسرائيل)، لجأت “واشنطن ” وحلفاؤها إلى القيام بدور المعرقل ؛ للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وتركها معلقة حتى الآن واستغلال رغبة واعتقاد النظام السوري في استكمال الحل العسكري رغم عدم اتفاق” روسيا” من حيث المبدأ مع هذا الاتجاه ورغبتها في الإسراع بالحل السياسي ؛ لأن الحل العسكري غير ممكن.
- الخلافات بين( واشنطن وأنقرة)، سواء بسبب تسليح “تركيا” التي كانت قد طلبت صفقه صواريخ “باتريوت ” الأمريكية ؛ لتدعم به دفاعاتها، ورفضها إدارة الرئيس الأمريكي “أوباما” فاتجهت “تركيا” إلى عقد صفقة صواريخ S400 مع روسيا ولم تستجب لمطالب إدارة الرئيس “ترامب” ؛ لإلغائها، فأوقفت الإدارة الأمريكية تسليم “تركيا” بقية صفقة الطائرات المقاتلة F35، والتعاون المشترك في إنتاجها، وبدأ “الكونجرس الأمريكي” يبحث توقيع عقوبات اقتصادية على “تركيا” واعتبارها تتبع سياسات تهدد أمن حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولم تعبأ “تركيا” بهذه التهديدات، ولا بالانتقادات الأمريكية ضدها لانتهاك حقوق الإنسان والحريات العامة، وزادت من علاقاتها وتقاربها مع روسيا اقتصاديًا وتجاريًا واستثماريًا، بل أنّه رغم وقوف “تركيا” و”روسيا” على طرفي نقيض متحاربين في سوريا، إلاّ أنّ ثمة تنسيق ثنائي (تركى_ روسي) في منطقة شمال “سوريا” وعلى الحدود السورية التركية، وتنسيق ثلاثي (تركي، روسي، إيراني) ؛ لخفض إطلاق النّار، والتمهيد لمفاوضات الحل السياسي للأزمة السورية.
وثمة خلافات أخري بين (أنقرة و واشنطون) بشأن محاولة الانقلاب الفاشلة ضد النظام التركي في( 15يوليو2016 م) واقتناع “تركيا” بأمرين أولهما: أنّ “واشنطن” كانت على علم مسبق بمحاولة الانقلاب عن طريق الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة “انجرليك” لحلف “الناتو” في” تركيا”، كما أنّ رد الفعل الأمريكي على محاولة الانقلاب في بدايته كانت سلبية إلى أن ثبت فشله. وثانيهما: اتهام “أنقرة” لزعيم “حركة خدمة” الإسلامية التركية المعتدلة “فتح الله جولن”، والمقيم في الولايات المتحدة، هو وأنصاره بالضلوع والتدبير؛ لمحاولة الانقلاب وطلب تسليمه لمحاكمته في” تركيا”، لكن الإدارة الأمريكية تمسكت باتباع الإجراءات القانونية وتقديم قرائن مادية وقانونية تثبت إدانته. وبقي الموضوع معلقًا على غير رغبة وغير رضى “أنقره”.
- لبنان وحزب الله، حيث صنّفت الإدارة الأمريكية حزب الله (منظمة إرهابية)، وتستمر في المطالبة بإقصائه عن الحياة السياسية اللبنانية، ولم تأخذ بما أوضحته الحكومة اللبنانية من أنّ حزب الله من القوى السياسية اللبنانية وله أعضاء منتخبون في البرلمان، ووزراء في الحكومة اللبنانية، كما أنّ ميليشيا الحزب تضطلع بدور مهم ضمن منظومة الدفاع عن منطقة جنوب لبنان، ومن ثم يتعذر بل يكاد يكون مستحيلًا في ظل ظروف لبنان الحالية الاستجابة للمطلب الأمريكي، وهو نفس مطلب قوى إقليمية وأوروبية أخرى. وتحاول “واشنطون” وعدة قوى أوروبية وإقليمية استغلال فرصة التفجير المروع الذى دمر ميناء “بيروت “ونحو نصف منازل العاصمة “بيروت” والعديد من المنشآت والمؤسسات ؛ لإعادة صياغة الأوضاع السياسية اللبنانية على أسس غير طائفية وبهدف أساسي وهو تحجيم حزب الله إلى أقصى درجة إذا لم يمكن استبعاده من التشكيل الوزاري. وهذه عملية بالغة الصعوبة ؛ لأنها مرتبطة بالتربية السكانية والعقائدية اللبنانية.
وتدفع لبنان ثمنًا غاليًا لهذا الوضع بما يتعرض له من عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية وسياحية، إلى جانب تداعيات وباء كورونا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يجعل لبنان في حالة أزمات مستمرة دون تراجع في الموقف الأمريكي.
- أزمة في العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحماس والولايات المتحدة، أدت إلي وقف كافة المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في “واشنطون” ،ومن ثم قطع قناة مهمة للاتصال الفلسطيني مع الإدارة الأمريكية والرأي العام الأمريكي. وسحب أمريكا كل مساهماتها في “الأنروا” ( وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين ) وممارسة كل الضغوط؛ لإلغاء الوكالة وتحويلها إلى إدارة في المفوضية الدولية للاجئين، وتعمل “واشنطون” بكل جهد على تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وفقًا لصفقة القرن دون ربط هذا التطبيع بما يحدث من تقدم على مسار حل القضية الفلسطينية .
وقد نتجت كل هذه التداعيات عن اعتراف إدارة الرئيس “ترامب” بالقدس عاصمة رسمية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من( تل أبيب إلى القدس)، ثم إطلاق الرئيس “ترامب” ما سماه خطة السلام الأمريكية التي اشتهرت بصفقة القرن، وهى في حقيقه الأمر خطة ؛ لتصفية القضية الفلسطينية، وتمثل تطابقًا في المواقف بين إدارة الرئيس الأمريكي “ترامب” والحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة” بنيامن نتنياهو”، وقد لقيت هذه الخطة رفضًا قاطعًا من الفلسطينين، وعدم قبول من الدول العربية، والأوروبية، والآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية. ويتمسك الجميع بحل الدولتين على أساس إقامة دولة فلسطينية على حدود (4يونيو1967 م) على أراضِ (الضفة الغربية وقطاع غزة ) وعاصمتها “القدس الشرقية” ، جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، وتسوية القضايا الأساسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالمفاوضات.
أزمة اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط:
بدأت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط منذ عام 2000 م وأخذت في النمو والتزايد حتى الآن أمام سواحل قبرص حقل” أفروديت” ويقدر احتواؤه على نحو( 8 تريليون قدم مكعب) من الغاز. وحقل” تامار وليفياتان” أمام شواطئ إسرائيل ويقدر احتواؤهما على التوالي (11و22 تريليون قدم مكعب)، وحقل ظهر أمام الساحل المصري وهو الأكبر في المنطقة حيث يقدر احتواؤه على نحو (30 تريليون قدم مكعب) من الغاز الطبيعي.
وقدرت الأبحاث والدراسات الأمريكية في عام 2010 م أنّ منطقة شرق البحر المتوسط يقدر احتواؤها على كميات من الغاز الطبيعي المكتشف بنحو (122 تريليون قدم مكعب) واحتواء منطقة دلتا النيل على نحو (223 تريليون قدم مكعب) من الغاز الطبيعي. وتعمل الشركات الإيطالية والأمريكية والبريطانية في المنطقة متوزعة بين دولها، وهناك مناطق أخري للغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط أمام سواحل سوريا، ولبنان، وغزة لم تدخل بعد في مجال إنتاج الغاز الطبيعي لأسباب سياسية مثل: الأزمة السورية، وعدم توصل “لبنان” إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن تحديد الحدود البحرية بينهما في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ولم تحقق المساعي الأمريكية بينهما نتائج ملموسة حتى الآن. أما المناطق أمام سواحل غزة فإنّها مرتبطة بالتوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية.
وفي عام 2019 م أقامت كل من( مصر، واليونان، والأردن، وقبرص، وفلسطين (السلطة الفلسطينية) وإيطاليا ) منتدى شرق البحر المتوسط للغاز، وذلك بهدف تكوين سوق إقليمي للغاز، ومركز تصدير إلى أوروبا يكون موازيًا، بل في مرحلة قادمة منافسًا لإمدادات الغاز الروسي لأوروبا وتعتبر روسيا أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم. ومن أهداف المنتدى إنشاء خط أنابيب تحت مياه البحر؛ لحمل الغاز من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا. ويوجد خط من إسرائيل وقبرص إلى اليونان ومنها إلى الدول الأوروبية.
تركيا خارج المنتدي:
لم تنضم “تركيا” إلى منتدى شرق البحر المتوسط للغاز، أولًا: لأنّها لم تنضم إلى الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي بدأ سريانها منذ( نوفمبر 1983 م) وما تتضمنه من تنظيم للمناطق الاقتصادية البحرية الخالصة أمام سواحل كل دولة، وتتمسك “تركيا” بالقواعد القديمة التي لم يعد يعمل بها الآن في كل مناطق العالم، وتدرك “تركيا” حتى وإن أنكرت ذلك-أنّه وفقًا لاتفاقية قانون البحار فإنّ “تركيا” ليس لها حق في منطقة اقتصادية بحرية خالصة غرب جزيرة “كريت”. وثانيًا: لأن “تركيا” استنادًا إلى موقفها المشار إليه من تحديد الحدود البحرية بينها والدول المجاورة دخلت في اشتباكات ومناوشات مع كل من (قبرص واليونان) بدعوى أن شمال قبرص التركية والتي تسيطر عليها القوات التركية منذ تقسيم جزيرة قبرص عام1974 م، لها الحق في كل حقول الغاز الطبيعي في كل المناطق الاقتصادية البحرية المحيطة بالجزيرة وأنّ “تركيا” باتفاق مع حكومة شمال قبرص تتولى حماية حقوقها والدفاع عنها والقيام بمهام التنقيب عن الغاز الطبيعي أمام شواطئ قبرص، وتعتبر قبرص اليونانية أنّها تمثل كل جزيرة قبرص ومن حقها الاتفاق مع الدول المجاورة على تحديد المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة الخاصة بالجزيرة.
ولجأت “تركيا” إلى استخدام سُفنها الحربية للتدخل في عمليات التنقيب واستغلال حقول الغاز في عام2018 م بمحاصرة سفينة متعاقدة مع شركة “إينى” الإيطالية، ومنعها من التنقيب أمام شواطئ قبرص، وأرسلت سفينة تنقيب تركية إلى المنطقة تحديًا لتعاقدات بين قبرص اليونانية وكل من شركة “إينى “الإيطالية و”توتال” الفرنسية.
وقد أعربت الولايات المتحدة عن قلقها العميق إزاء عمليات التنقيب التركية عن الغاز أمام شواطئ قبرص، وحثت “تركيا” على وقف هذه العمليات.
كما استغلت “تركيا” مذكرة التفاهم التي وقعتها مع حكومة الوفاق الوطني الليبية بشأن ما سمته (تحديد الحدود البحرية بين “تركيا” وليبيا)، وأرسلت “تركيا” سفينة تنقيب عن الغاز جنوب جزيرة “كريت”، وهو ما اعتبرته اليونان تعديًا على المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها _خاصةً وإنّها لم تتوصل إلى تحديد للحدود البحرية بين اليونان وليبيا، وهددت باتخاذ إجراءات عملية إذا لم تنسحب السفينة التركية من المنطقة. وتدخلت ألمانيا باتصال مع “تركيا” موضحة أنّه إذا حدث أي توتر فإنّ ألمانيا ستقف إلى جانب اليونان، وقد حذر وزير خارجية اليونان من أنّ ما تقوم به “تركيا” من أعمال غير قانونية يهدد استقرار حلف “الناتو”، وقد خضعت “تركيا” لكل هذه الضغوط وسحبت سفينة التنقيب عن الغاز التركية من المنطقة، ولكن ذلك لم ينه التوتر ولم يثن “تركيا” عن القيام بمحاولات أخرى _خاصةً بعد توقيع اتفاقية؛ لتحديد الحدود البحرية بين (اليونان ومصر ) حيث عادت من جديد وأرسلت سفينة استكشاف للغاز ترافقها سفن حربية تركية إلى مناطق بحرية تدخل في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان وهو الأمر الذى دعا إلى تدخل أمريكي وفرنسي وإيطالي داعم لليونان ويدعو إلى الدخول في مفاوضات؛ لتسوية الخلافات بين البلدين حفاظًا على وحدة أعضاء دول “الناتو” وعدم المخاطرة بوقوع اشتباكات عسكرية؛ لوقوع أي خطأ، والجهود مستمرة لاحتواء الموقف .
وتعتبر “ليبيا” من الدول الغنية بالبترول والغاز سواء في إقليمها البري أو البحري، والمنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة أمام سواحلها، وهذا ما يجعلها موضع اهتمام كبير يصل أحيانًا إلى حد التدافع من جانب عدة دول في مقدمتها الآن( تركيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا)، وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود قوي أكثر استقرارًا في منطقة غرب البحر المتوسط وتنسق مع حلفائها (أسبانيا وإيطاليا والمملكة المغربية)، وترى أن روسيا تنافسها بدرجة أكبر في منطقة شرق البحر المتوسط وتسعى إلى الامتداد إلى ليبيا، ومع ذلك يلاحظ أن كلًا من( قبرص واليونان) لم تستجب للضغوط الأمريكية ؛ لمنع روسيا من الحصول على تسهيلات بحرية في موانيهما، ولهما علاقات تعاون مع روسيا على أساس المصالح المشتركة.
من ناحيةٍ أخرى لا تنظر “تركيا” بارتياح إلى تفعيل الولايات المتحدة للاتفاقية العسكرية بينها وبين اليونان، وترى في ذلك عملًا غير ودي تجاهها من جانب عضوين شريكين معها في حلف “الناتو”.
وقد أبدت روسيا استعدادها لمساعدة “تركيا” في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، وهذا يدخلها في منافسة مع الشركات الأمريكية في هذا المجال، ومدى تقبل الولايات المتحدة أن ينشأ تحالف في مجال الغاز بين روسيا و”تركيا” ليس فقط عبر خطوط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا مرورًا بالأراضي التركية ، وإنّما عن طريق التنقيب وإنتاج الغاز الطبيعي لـ”تركيا” في شرق البحر المتوسط.
وترى الولايات المتحدة أنّ التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط وتصديره إلى أوروبا قد يمثل منافسًا لها، وربما على المدى الطويل، للغاز الطبيعي الروسي، وإن كان خط أنابيب نقل الغاز الذي سيقام تحت مياه شرق البحر المتوسط سيجعل التكلفة عالية، وهو ما يؤدى إلى تحميلها على أسعار الغاز وتقدر بأن تكون في المراحل الأولى أكثر من ضعف أسعار الغاز الطبيعي الروسي. كما أنّ الولايات المتحدة إذا كانت ترى في الغاز الروسي منافسًا لإنتاجها من الغاز و _الذي تسعى لتصديره إلى بعض الدول الأوروبية_، فلا شك أنّ غاز شرق البحر المتوسط منافس آخر لها.
ستبقى صراعات “تركيا” مع دول شرق البحر المتوسط بشأن تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة والتنقيب عن الغاز الطبيعي طالما لم تعترف “تركيا” بالاتفاقية الدولية لقانون البحار و التي تعد المرجع الأساسي في هذا المجال في كل العالم الآن.
ثالثًا: ملاحظات عامة:
يلاحظ بصفة عامة ما يلي :
- الاهتمام الأمريكي بالحد من انتشار الوجود الروسي في شرق وجنوب البحر المتوسط، وإذا كانت روسيا قد استطاعت أن تدعم وجودها في “سوريا”، وتنمى علاقاتها في عدة مجالات مع “تركيا”، وأصبح على “واشنطن ” تقبل الأمر الواقع في “سوريا”؛ لأنّه قد وصل إلى مرحلة تمكن روسي كبير يصعب تداركه على المدى القصير والمتوسط، ولكن الوضع يختلف بالنسبة لـ”ليبيا”، وأنّه مع الإقرار بأنّه سيكون لـ”روسيا” حصة معينة من المصالح في “ليبيا” بعد اجتياز أزمتها ، إلاّ أنّها لا ينبغي أن تصل أو حتى تقترب مما هي عليه في سوريا خاصة من الناحية العسكرية والتمركز في ليبيا.
- ومن ثم فقد نشطت الولايات المتحدة مع حلفائها بالقيام بدور أكثر فعالية في احتواء حالة التوتر العسكري الشديد في “ليبيا” ،وإقناع الأطراف الليبية المتحاربة بالاتجاه نحو الاتفاق على وقف إطلاق النّار وبدء مفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية سلمية.
- رغم كل الخلافات والمناوشات بين” واشنطن وأنقرة”، تظل “تركيا” عضوًا مهمًا في “الناتو” تستعين به الولايات المتحدة في القيام بأعمال مهمة تخدم المصالح الأمريكية و باقي دول “الناتو”، ومنها ما تقوم به “تركيا” في ليبيا، فقد لا توافق” واشنطن” على كل ما تسعى إليه “تركيا” من استحواذ على الجزء الأكبر من المشاركة مع “ليبيا” سواء اقتصاديًا أو عسكريًا أو بالنسبة لموارد “ليبيا” من البترول والغاز، إلاّ أنّ التدخل العسكري التركي في “ليبيا” قد حقق لـ”واشنطن” التصدي للتمدد الروسي في منطقة جنوب المتوسط من ناحية، وتحقيق التوازن العسكري بين الطرفين المتحاربين في “ليبيا” من ناحيةٍ أخرى، وإعطاء المجال للولايات المتحدة ؛ لممارسة دور أكثر فعالية؛ لوقف إطلاق النّار وبدء مفاوضات التسوية السياسية للأزمة الليبية.
- يلاحظ أنّ إدارة الرئيس الأمريكي “ترامب” في اتباعها للمبدأ المعروف وهو سياسة العصا والجزرة، قد أفرطت في اللجوء إلى العصا حتى مع بعض حلفاء أمريكا، فعند حدوث خلاف بين” واشنطن” وأحد حلفائها أو أصدقائها أو الدول المتعاونة معها سرعان ما ترفع عصا العقوبات الاقتصادية والعسكرية والسياسية وفقًا لكل حالة. أما روسيا فإنّها تراوح سياستها مع دول المنطقة ما بين تنشيطها أو تهدئتها دون أن تخسر موقعها حتى وإن تراجع دورها فيه نسبيًا، وتظل تترقب الفرصة لتنشيطه من جديد حتى مع حلفاء أمريكا في منطقة البحر المتوسط مثل( اليونان وقبرص إلى اسرائيل وتركيا).
- من المتوقع مزيد من النشاط في الدور الأمريكي عقب الانتخابات الأمريكية في ( 3نوفمبر2020 م) سواء في معالجة الأزمة الليبية بكل أبعادها العسكرية والسياسية والاقتصادية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، أو بالنسبة لأزمات شرق البحر المتوسط بشقيها السياسي متمثلًا في الأزمة السورية، والقضية الفلسطينية وحالة الاحتقان مع “لبنان”؛ بسبب حزب الله وإن كان بدرجة أقل ، أو شق التنقيب عن الغاز الطبيعي ومشكلات تحديد الحدود البحرية بين دول المنطقة وما تثيره “تركيا” من أزمات نابعة بالدرجة الأولي من عدم التزامها بقواعد القانون الدولي للبحار، ودور الشركات الأمريكية في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي مباشرة أو من خلال آخرين
- احتفاظ “واشنطون” بدرجات متفاوتة من التعاون مع أصدقائها وحلفائها من الدول العربية والإقليمية في المنطقة ، بما يخدم المصالح الأمريكية ، ويكبح جماح التمدد الروسي في المنطقة قدر الإمكان.