تحتفل جامعة الدول العربية هذا العام بيوبيلها الماسي بعد مرور (75) عاماً من تأسيسها، كأقدم منظمة إقليمية في العالم تنشأ بعد الحرب العالمية الأولى، حيث شكّلت على مدار هذه السنوات الماضية الجامعة بيتًا للدول العربية والمُدافعة عن قضاياها، وأسهمت بشكلٍ كبير في مُساعدة عديد الدول التي لم تكن قد استقلت بعد على نيل استقلالها وعملت على تعزيز أواصر التعاون والتنسيق؛ لتحقيق الأهداف المشتركة لأعضائها، والسعي نحو تذليل كافة العقبات ومواجهة التحديات وتحقيق التكامل والوحدة العربية بما يُلبي طموحات وتطلعات الأمّة العربية.
خمسة وسبعون عامًا هي عمر الجامعة، حيث شهدت تحولات كبرى، وعصفت بها مصاعب وتحديات كثيرة، إلاّ أنّ القضية الفلسطينية كانت على الدوام في مُقدمة أولويات العمل العربي المُشترك. فقد حظيت بالاهتمام الأكبر منذ إنشائها، حيث تبناها مؤسسو المنظمة في بروتوكول الإسكندرية الذي اعتبر أنّ “فلسطين” ركن من أركان البلاد العربية، وأنّ حقوق العرب لا يمكن المساس بها، وأنّ استقلال “فلسطين” هو من الحقوق الثابتة؛ ليتضمن ميثاقها ملحقًا خاصًا بفلسطين.
ومنذ ذلك الوقت، بقيت قضية “فلسطين” حاضرة دومًا على جدول أعمال القمم العربية، ابتداءً من قمة “انشاص” 1946 م ، التي أكدت عروبة فلسطين، بوصفها القلب في المجموعة العربية، وأن مصيرها مرتبط بمصير دول الجامعة العربية كافةً، معتبرةً أنّ الوقوف أمام خطر الصهيونية واجب على الدول العربية والشعوب الإسلامية جميعها، مرورًا بمؤتمرات القمة العربية المتوالية التي أكدت “مركزية” هذه القضية، بوصفها “قضية العرب جميعًا، ولا يفوتنا هنا ذكر القمة التاريخية الشهيرة التي عقدت بالخرطوم عام 1969 م، والتي رفعت شعارها “اللاءات الثلاثة”.. (لا سلام، لا تفاوض، لا اعتراف)، وصولًا إلى آخر قمة استثنائية منعقدة بمكة المكرمة سنة 2019 م ، هذه القمم التي حملت في قراراتها دعمًا وظهيرًا عربيًا أساسيًا؛ لتكريس الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة بما فيها حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وإقامة دولته وعاصمتها “القدس” الشرقية على الحدود 1967 م، في الوقت الذي تشهد فيه القضية الفلسطينية في ظل صعوبة الوضع الإقليمي والدولي الراهن وتعقيداته محاولات؛ لتصفيتها من طرف الإدارة الأمريكية الحالية التي لم تتوان في توفير المظلّة والدعم لحكومة الاحتلال ؛ وصولًا إلى حد التحالف للاستمرار في جرائمها وانتهاكاتها المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، مقترنة ذلك بإصدارها لقراراتٍ تضرب عمق القضية الفلسطينية بدايةً بالاعتراف الباطل ب”القدس” عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ومرورًا بإغلاق مكتب مُنظمة التحرير الفلسطينية في “واشنطن” وقطع المُساعدات لوكالة “غوث” وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المُتحدة، والاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان العربي السوري المُحتل وصولًا إلى طرح خطة السلام الأمريكية الإسرائيلية بما تسمّى “صفقة القرن” والتي تُدمر السلام ولا تحميه وتُنكر الحقوق الفلسطينية.
أولًا: دور جامعة الدول العربية في تعزيز التمثيل الفلسطيني:
منذ نشأة جامعة الدول العربية، تقرر أن يكون ل”فلسطين” مندوب يمثلها على الرغم من كون “فلسطين” تحت الانتداب البريطاني آنذاك، وقد ظلّت “فلسطين” ممثلة في جامعة الدول العربية حتى بعد نكبة 1948 م، حيث تعاقب على تمثيلها في الجامعة “موسى العلمي” و”أحمد حلمي عبد الباقي” و”أحمد الشقيري”.
وردًا على ادعاء الحركة الصهيونية بأنّ “فلسطين”(أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، لعبت الجامعة العربية دورًا مهمًا في إنشاء كيان فلسطيني ممثلًا عن الشعب الفلسطيني، حيث اتخذ مؤتمر القمة العربية الأول في القاهرة، عام 1964 م،_ الذي انعقد استجابة لدعوة الرئيس “جمال عبد الناصر”_ قرارًا يقضى بإنشاء كيان فلسطيني يعبر عن إرادة شعب “فلسطين” ويقيم هيئة تطالب بحقوقه ؛ لتمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره، وكلّف المؤتمر” أحمد الشقيري” ممثل “فلسطين” في جامعة الدول العربية الاتصال بأبناء “فلسطين” لهذه الغاية، وإبلاغ مؤتمر القمة بالنتيجة؛ ليرحب مؤتمر القمة العربي الثاني الذي انعقد في الإسكندرية في عام 1964 م، بقيام منظمة التحرير الفلسطينية واعتمادها ممثلة الشعب الفلسطيني في تحمل مسؤولية العمل والنضال والدفاع عن القضية الفلسطينية والنهوض بواجبها على الصعيدين (العربي والدولي)، كما أيد الملوك والرؤساء في مؤتمرهم قرار المنظمة بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، واعتبر المجلس رئيس المنظمة ممثلًا ل”فلسطين” لدى الجامعة تلاها بعد ذلك انعقاد مؤتمر الدار البيضاء بعد حرب 1973 م المجيدة الذي اعترف اثناءه الملوك والرؤساء العرب بمنظمة التحرير الفلسطينية “أنّه ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني ليس فقط في الجامعة العربية وإنّما في الأمم المتحدة “، وعلى الصعيد الدولي وبعد قرار مجلس الجامعة لوزراء خارجية العرب الذي انعقد بالقاهرة في (9 سبتمبر 1976 م)، بناءً على اقتراح مصر، تم قبول منظمة التحرير الفلسطينية عضوًا كامل العضوية في جامعة الدول العربية، لها ما لكل الأعضاء من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات، وأصبح بذلك من حق المنظمة أن تقوم بتعيين ممثل ل”فلسطين” في مجلس الجامعة، وأصبح من حق هذا العضو أن يشارك في التصويت على كل القضايا التي يناقشها المجلس؛ لتعلن فيما بعد منظمة التحرير الفلسطينية في( 15 نوفمبر عام 1988 م) “استقلال فلسطين” خلال المؤتمر الـ19 للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر، وتعترف بذلك جميع الدول العربية.
ثانيًا: “فلسطين” في هيكلة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية:
ألقى اهتمام الجامعة العربية بالقضية الفلسطينية بظلالها على هيكلة أمانتها العامة وأجهزتها، حيث أنشأت عدة لجان وإدارات، تعنى بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية منها:
- اتخذ مجلس الجامعة في شهر سبتمبر 1952 م، قرارًا بإنشاء إدارة فلسطين، يديرها أمين عام مساعد والتي تحولت مع مرور الوقت وتشعب القضية الفلسطينية إلى قطاع “فلسطين” والأراضي العربية المحتلة يتضمن ثلاثة إدارات وهي: (إدارة شئون فلسطين، إدارة الشئون الإسرائيلية، إدارة الأراضي العربية المحتلة)، وذلك لمتابعة شؤون الشعب الفلسطيني في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ومتابعة قضايا الإعمار والتنمية في الأراضي الفلسطينية، ومتابعة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين والخدمات والمساعدات التي تقدمها لهم الأونروا وغيرها من الجهات الحكومية وغير الحكومية العربية والأجنبية، بالإضافة إلى متابعة شؤون قضية “القدس” والانتهاكات الإسرائيلية وإجراءات التهويد والعدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية وخاصة ًالمسجد الأقصى والأسرى ، وكذا متابعة تطورات القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
- كما أصدر مجلس الجامعة في (7 سبتمبر1959 م) قراراً رقم 1594، دعا الحكومات العربية إلى إنشاء أجهزة في كل منها تكون مختصة في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والنشاطات الصهيونية وإسرائيل، حيث اتخذ رؤساء الأجهزة المنعقدة التابعة لجامعة الدول العربية، في الدورة السابعة في (31 مارس 1964 م) قرار رقم (1946) بتسهيل إجراءات السفر والإقامة للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية ، وأوصى بعقد مؤتمر دوري في شهر مايو من كل عام يضم المشرفين على شؤون الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة للاجئين لبحث مشاكلهم.
- و في( 2 ديسمبر 1945 م)، اتخذ مجلس الجامعة قرارًا يدعو إلى منع دخول المنتجات والصناعات الإسرائيلية إلى الدول العربية، وفي مايو 1958 م ، صدر قرارًا بإنشاء جهاز يتولى تنسيق عمليات المقاطعة العربية ضد “إسرائيل” يرأسه مفوض عام يعينه الأمين العام للجامعة، ويتكون الجهاز من المكتب الرئيسي للمقاطعة والمكاتب الإقليمية ومؤتمرات المقاطعة.
ولقد عرفت هذه الأجهزة تطورًا من حيث النوع والعدد تتكيف مع متطلبات كل مرحلة ؛ لتغطي جميع الاحتياجات الفلسطينية، ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر مع تبني جامعة الدول العربية لمبادرة السلام العربية التي أطلقها جلالة الملك” عبد الله بن عبد العزيز” ملك المملكة العربية السعودية السابق، والتي تقضي بالتزام “إسرائيل”(القوة القائمة بالاحتلال) بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك “الجولان السوري” وحتى الخط الرابع من يونيو 1967 م، والأراضي التي لازالت محتلة في جنوب لبنان، والتوصل إلى حلٍ عادلٍ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم( 194)، بتاريخ ( 11 ديسمبر 1948 م)، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 م في “الضفة الغربية وقطاع غزة” وتكون عاصمتها “”القدس” الشرقية”، مقابل إلزام الدول العربية باعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيًا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين “إسرائيل”(القوة القائمة للاحتلال) مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع “إسرائيل” في إطار هذا السلام الشامل، تشكّلت لجنة خاصة لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات، وتحريك عملية السلام.
ووفقًا لقرار القمة العربية (14) رقم( 221) بتاريخ (28 مارس 2002 م) تشكّلت لجنة مبادرة السلام العربية والتي تضم حاليًا في عضويتها كل من: ( المملكة الأردنية الهاشمية، مملكة البحرين، الجمهورية التونسية، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، المملكة العربية السعودية، جمهورية السودان، جمهورية العراق، دولة فلسطين، دولة قطر، الجمهورية اللبنانية، جمهورية مصر العربية، المملكة المغربية، الجمهورية اليمنية، الأمين العام لجامعة الدول العربية، (سورية مجمدة عضويتها تنفيذًا لقرار مجلس الجامعة رقم 7438 بتاريخ 12 نوفمبر 2011 م)).
كما تشكّلت لجان وزارية فرعية منها دائمة وأخرى مؤقتة، اهتمت بمواضيع هامة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، كاللجنة الوزارية المعنية بإنهاء الاحتلال التي لعبت دورًا في استصدار قرار مجلس الأمن( 2334) الخاص بإدانة الاستيطان، واللجنة الوزارية الخاصة بالتصدي لترشيح “إسرائيل” في مجلس الأمن لعامي( 2019-2020 م) والتي نجحت في تحقيق هدفها، واللجنة الوزارية الخاصة بمواجهة المخططات الإسرائيلية في القارة الافريقية والتي لاتزال تواصل عملها.
ثالثا: دور الجامعة في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني:
إنّ تعزيز صمود الشعب الفلسطيني يعد التزاما عربيًا لدعم الإرادة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، فلم يقتصر دور الجامعة وجهدها على الشق السياسي فقط بل شمل كذلك الدعم المادي والمالي لقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر بما يرقى إلى مستوى الشراكة الحقيقية في استكمال النضال والصمود الفلسطيني؛ لمواجهة الاحتلال وسياساته وممارسته انطلاقًا من الواجب والمسؤولية العربية تجاه القضية الفلسطينية والملقاة على عائق الأمة دولًا وشعوبًا.
وعليه، تساهم الدول العربية في الدعم المالي لموازنة دولة “فلسطين” وشبكة الأمان المالية، بما يمكنها من مواجهة الضغوط والصعوبات الاقتصادية والمالية التي تتعرض لها، وبما يسهم في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وذلك بموجب قرار مجلس الجامعة على مستوى القمة (قمة بيروت 2002) رقم 224/أ ،الذي نص على دعوة الدول العربية إلى دعم موازنة دولة “فلسطين” لمدة ستة أشهر ابتداءً من( أول أبريل/ نيسان 2002 م) قابلة للتجديد التلقائي طالما استمر العدوان الإسرائيلي، واحتياج السلطة الفلسطينية لهذا الدعم، وذلك بمبلغ قدره( 330 مليون دولارًا أمريكيًا) تسدده الدول العربية حسب نسبة أنصبتها في ميزانية الأمانة العامة. فيما أقرت قمة بغداد بتاريخ (29/3/2012 م) بموجب القرار رقم (551) د.ع (23) توفير شبكة أمان مالية بقيمة (100 مليون دولار أمريكي) شهريًا للسلطة الوطنية الفلسطينية ؛ لمواجهة الأزمات المالية التي تتعرض لها جراء قيام “إسرائيل”(القوة القائمة بالاحتلال) بحجز أموال الضرائب الفلسطينية المستحقة وحجب بعض الأطراف الدولية للمساعدة المالية للضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، فقد أقر مجلس الجامعة على مستوى القمة في دورته غير العادية التي عقدت في القاهرة خلال الفترة (21-22/10/2000 م) ضمن قراره رقم (199) بإنشاء صندوقين الأول باسم “انتفاضة “القدس”” بموارد تبلغ 200( مليون دولار أمريكي)، والثاني باسم “الأقصى” بموارد تبلغ( 800 مليون دولار أمريكي) مخصصين لدعم صمود المقدسيين وتنفيذ المشاريع الضرورية، ناهيك عن مساهمات الدول العربية أيضًا في دعم وكالة “غوث” وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا“، من أجل تأمين الموارد المالية اللازمة لميزانيتها وأنشطتها بهدف تمكينها من مواصلة تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين.
رابعًا: دعم الجامعة للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي:
اهتمت جامعة الدول العربية بالدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، واعتبارها من القضايا الرئيسية التي تدافع عنها في المؤتمرات الدولية، من خلال تنسيق الجهود العربية وتوحيد الرؤى، ودفع المواقف الدولية نحو التأييد والدعم للتحركات الدبلوماسية الفلسطينية، خاصةً في الأمم المُتحدة ووكالاتها المُتخصصة، فكانت ثمار هذه الجهود والاتصالات والتأثير في مواقف الدول المُختلفة قد تجسّدت من خلال حصول دولة “فلسطين” على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المُتحدة للتربية والعلوم والثقافة عام 2011 م بأغلبية (107) دولة صوتت لصالح قرار الانضمام في المؤتمر العام لليونسكو – أعلى سلطة في المنظمة الأممية-، تلاها إصدار الجمعية العامة للأمم المُتحدة عام 2012 م قرارها التاريخي بترقية مركز “فلسطين” إلى دولة غير عضو لها بصفة المراقب في الأمم المُتحدة بأغلبية (138 ) دولة صوّتت لصالح القرار، وقد صدر القرار في يومٍ يحملُ خصوصية كبيرة بالنسبة للشعب الفلسطيني وهو 29 من نوفمبر الذي يوافق ذكرى إصدار الجمعية العامة للأمم المُتحدة قرارها الجائر بتقسيم “فلسطين” رقم( 181) لسنة 1947 م، كما يوافق اليوم الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المُتحدة عام 1977 م ؛ ليكونَ يومًا دوليًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني يتم إحياؤه سنويًا في الأمم المُتحدة وجامعة الدول العربية وكافة دول العالم تأكيدًا على التضامن مع الشعب الفلسطيني، ودعم كافة حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرّف ، والتأكيد على الوقوف مع الشعب الفلسطيني في نضاله وكفاحه من أجل الحرية والاستقلال، وانهاء الاحتلال، وتهتم جامعة الدول العربية بأمانتِها العامة وبعثاتها في الخارج بإحيائه في فعالية مركزية سنويًا تأكيدًا على الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، وقد كان قرار ترقية مركز “فلسطين” في الأمم المُتحدة بمثابة إنجاز تاريخي يُجسّد الحق الفلسطيني، ويؤكد وقوف الغالبية الساحقة من دول العالم مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل إقامة دولته المُستقلة وعاصمتها “”القدس””.
وقد كان من ثمار هذا القرار تمكّن دولة “فلسطين” من استصدار قرار آخر برفع أعلام الدول المُراقبة في الأمم المُتحدة على مقراتها ومُنشآتها ومن بينها رفع علم دولة “فلسطين” لما لهذه الخطوة من أهمية رمزية تثبّت هذا الحق الفلسطيني في أن تكون “فلسطين” عضوًا مهمًّا وفعّالًا في المنظومة الدولية وعلى الساحة الدولية.
كما مثّل قرار ترقية مركز “فلسطين” إلى دولة لها صفة المُراقب في الأمم المُتحدة خطوة مهمة في طريق تكريس الحق الفلسطيني الثابت في أرضه ووطنه ومنح “فلسطين” الشخصية القانونية الكاملة كدولة بموجب القانون الدولي وسمح لها أن تكون طرفًا في غالبية المُعاهدات الدولية، حيث انضمّت دولة “فلسطين” بموجب هذا القرار التاريخي إلى العديد من الاتفاقيات والمواثيق والمُعاهدات الدولية “كاتفاقيات جنيف” لعام 1949 م، و”اتفاقية فيينا” للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية لعام (1961 م و 1963 م) واتفاقية “حقوق الطفل” 1989 م ،وغيرها العديد من الاتفاقيات والمُعاهدات، كما انضمّت دولة “فلسطين” إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2015 م، حيث يمكّنها هذا الانضمام من رفع قضايا أمام المحكمة الدولية ضد “إسرائيل”(القوة القائمة بالاحتلال) على انتهاكاتها لكافة قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية خاصةً فيما يخص الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المُحتلة منذ الخامس من (حزيران يونيو عام 1967 م ) والذي يمثّل جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي ونص المادة رقم( 8 ) من نظام “روما ” الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ، والذي وقّعت عليه دولة “فلسطين” للانضمام إلى عضوية المحكمة، والمادة رقم (49 ) من “اتفاقية جنيف” الرابعة لسنة 1949م.
إضافة إلى تلك الإنجازات التي حققتها الدبلوماسية الفلسطينية المنسقة والمتكاملة مع الدبلوماسية والجهود العربية الكاملة، فقد نجحت دولة “فلسطين” بالانضمام إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) خلال شهر سبتمبر 2017 م ، كما حققت إنجازًا دبلوماسيًا نوعيًا جديدًا ، يترأسها مجموعة الـ77 (للدول النامية والصين)، خلال عام 2019 م، حيث منحتها الجمعية العامة للأمم المُـتحدة بتاريخ (16/10/2018 م) صلاحيات إضافية ؛ لتتمكن من تحقيق رئاسة ناجحة للمجموعة.
وكانت للجامعة العربية ودولها الأعضاء جهودٌ حثيثة في إطار مجلس الأمن؛ لتثبيت الحق الفلسطيني وتوفير المرجعيات القانونية الدولية اللازمة للحفاظ على الحقوق الفلسطينية خاصةً في إطار الجهاز الأُممي المعني بحفظ الأمن والسلام الدوليين ، والذي أصبحت قراراته تُمثّل المرجعية الرئيسية لعملية السلام، كقرار رقم (242 ) لسنة 1967 م و(338) لسنة 1973 م اللذان يؤكدان على انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المُحتلة منذ عام 1967 م بما فيها “القدس” الشرقية، وصولًا إلى القرار التاريخي رقم(2334) بتاريخ (23/12/2016 م) باعتبار كافة المستوطنات الإسرائيلية المُقامة على الأراضي الفلسطينية والعربية المُحتلة منذ عام 1967 م غير قانونية وغير شرعية وفقًا للقانون الدولي، بالإضافة إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المُتحدة كالإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وتأكيد السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المُحتلة بما فيها “القدس” الشرقية، وقرارات دعم اللاجئين الفلسطينيين ووكالة الأمم المُتحدة ؛ لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وتقارير الانتهاكات الإسرائيلية واللجان الأممية المعنية بمتابعتها ورصدها كلجنة الأمم المُتحدة الخاصة بالتحقيق في المُمارسات الإسرائيلية تجاه حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المُحتلة.. وغيرها العديد من القرارات التي تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني وتُدين الاحتلال الإسرائيلي على مُمارساته وانتهاكاته، والتي تصدر سنويًا تجديدًا لوقوف المُجتمع الدولي بجانب الحقوق العربية.
كما كانت اليونسكو ساحةً مهمة من ساحات النضال الدبلوماسي الفلسطيني والعربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، الذي تكلل جهودًا فلسطينية عربية أوروبية بإصدار “اليونسكو” للعديد من القرارات من بينها اعتبار مدينة “”القدس”” مُحتلة، وقرار التأكيد على أن “الحرم القدسي الشريف” هو تراث إسلامي خالص خاص بعبادة المُسلمين فقط دون غيرهم مما يدحض الادّعاءات الإسرائيلية وينفي أي صلة لليهود ب”الحرم القدسي الشريف”، وقرار إدراج البلدة القديمة في مدينة الخليل على لائحة التراث الإنساني العالمي المُهدد بالخطر.
كما شهدت نهاية عام 2017م بداية معارك سياسية وقانونية عديدة ؛ للتصدي لقرار الإدارة الأمريكية للاعتراف ب”القدس” “عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث خاضت الدبلوماسية الفلسطينية العربية مواجه واسعة النطاق جوهرها رفض الموقف الأمريكي والإصرار على التصدي له في كل المحافل الدولية سياسيًا ودبلوماسيًا وقانونيًا، وهي الجهود الدبلوماسية التي حققت نجاحات مهمة في( التنظيم الدولي، مجلس الأمن والجمعية العامة) بتنسيق عربي مع عضو مجلس الأمن العربي سواءً كان “مصر” ثم “الكويت” وحاليًا” تونس”، في عزل السياسة والمواقف الأمريكية الإسرائيلية من جهة، وفي إعادة تأكيد الالتفاف العربي والدولي حول الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة بما فيها حقه في الاستقلال وإقامة دولته وعاصمتها “القدس” الشرقية على حدود 1967 ، وفي دعم الموقف الفلسطيني الرافض للانفراد الأمريكي برعاية “عملية السلام ” والرافض للسياسات والمواقف والقرارات الأمريكية الأحادية والمنحازة، والنجاح في استصدار قرار من الجمعية العامة وفق قرار “مُتحدون من أجل السلام” في تأكيد الموقف الدولي باعتبار “القدس” أرضًا مُحتلة وأنّها من قضايا الوضع النهائي التي يتم حلّها من خلال المفاوضات وبعيدًا عن الخطوات الأُحادية التي تُدمّر “عملية السلام”.
كما نجحت الجهود العربية في التصدي لمحاولات الاحتلال الإسرائيلي التغلغل في “أفريقيا” وعقد قمة أفريقية إسرائيلية التي كان مُزمع عقدها في شهر أكتوبر 2017 م من خلال التدخل لدى الاتحاد الأفريقي والتعاون مع الدول الأفريقية المناصرة للقضية الفلسطينية وفي مقدمتها جنوب أفريقيا وعمل لجنة وزارية عربية؛ لمتابعة هذا الموضوع، كما نجحت الجهود الدبلوماسية الفلسطينية والعربية في إفشال مساعي “إسرائيل”(القوة القائمة بالاحتلال) ، والحصول على عضوية مجلس الأمن غير الدائمة لعاميّ (2019-2020 م) عبر بذل كافة الجهود المُمكنة من أجل التصدّي لهذا الترشيح ما حملها على الانسحاب.
في الختام، يمكن القول :”أنّه ربما تواجه جامعة الدول العربية وعملها انتقاداتٍ؛ لعدم نجاحها بشكلٍ كامل في تحقيق آمال وتطلعات الشعوب العربية بسبب عدد من العوامل، إلاّ أنّه ومما لا شك فيه أنّ للجامعة دورًا جوهريًا في إبقاء القضية الفلسطينية حية طوال السنين الماضية، والعمل بشكلٍ مُستمر ومتواصل على حشد الدعم والتأييد الدوليين لكفاح ونضال الشعب الفلسطيني واكتساب أرضيات جديدة لهذا الدعم حول العالم وتوسيع رقعة الدعم والإسناد من أغلب دول العالم بهدف تحقيق العدالة المفقودة ومُحاولة الضغط؛ لإنقاذ القانون الدولي وتطبيق القرارات الدولية التي لم تجد مكانها للتطبيق جراء صلف وتعنّت سلطات الاحتلال وضربها عرض الحائط بكافة المواثيق والقرارات الدولية وما تجده من تشجيع من قبل الإدارات الأمريكية المُـتعاقبة .
ومهما كانت ظروف الواقع الدولي ومستوى التحديات التي تجابه الأمة، فإن القضية الفلسطينية ستبقى قضية الأمة المركزية حيث يقول معالي الأمين العام للجامعة “أحمد أبو الغيط”: وأهم من يظن أن وضعية “القدس” ومكانتها يمكن أن تتغير بقرارٍ أو إجراء .. مخطئٌ من يعتقد أن انتزاع “القدس” من وعى المسلمين والعرب هو أمر ممكن.. إنّ قضية “القدس” لن تموت ما بقيت حية في الوعي والوجدان .. “
وهذه ذكرى اليوبيل الماسي لجامعة الدول العربية هي مناسبة مهمة وفرصة؛ لإعادة ترتيب البيت العربي بما يطور من أدائه ويفعل آلياته، للانتقال من مرحلة ترسيخ الحقوق الوطنية الفلسطينية إلى مرحلة قيام دولة “فلسطين” على حدود 67 وعاصمتها “القدس” الشرقية .