2020العدد 183العيد الماسي لجامعة الدول العربية

جامعة الدول العربية والتعاون الدولي

يمكن القول أنّ التعاون الدولي هو أحد تجليات التنظيم الدولي، أي أنّه يرتكز على الظاهرة الإيجابية للسياسة الدولية_ لاسيما إذا ما قلنا أنّ العلاقات الدولية تهتم بشكل أو بآخر بظاهرة الحرب والسلام. بالتالي يمكن القول: “أنّ التعاون الدولي يتمحور حول الجهود المبذولة من قبل الوحدات المكونة للنظام الدولي، من دول ومنظمات …إلخ، بهدف تعزيز القواسم المشتركة بينها؛ لتحقيق المصالح المتبادلة ” ، ومع تعدد مستويات الفاعلين على المستوى الدولي، وفي إطار تعدد مستويات تحليل الظاهرة السياسية، يمكن القول: “أنّ المنظمات الإقليمية أو الدولية أو غير ذلك، أصبحت من الفاعلين في تشكيل السياسة الدولية، بجانب الدول بالمقام الأول.

وجامعة الدول العربية هي إحدى المنظمات الإقليمية التي أوجدت رابطة مؤسساتية بين الدول الأعضاء فيها ؛ لتعزيز وتنسيق السياسات بين هذه الدول، مع الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء واستقلالها، وكان للمكوّن الجغرافي والثقافي والتاريخي أساسًا في تشكيل هوية هذه المنظمة، بجانب الاعتبارات السياسية بطبيعة الحال، وفي الشق السياسي من عملها_ وخاصةً على الصعيد الدولي_ سعت جامعة الدول العربية إلى الالتحام مع الفضاء الإقليمي المحيط، بل وتجاوز ذلك ؛ لنسج علاقات تعاون مع المنظمات المناظرة الدولية، وكذلك القوى الفاعلة على الساحة الدولية؛ لحشد الدعم للقضايا العربية وتحقيق المصالح العليا للأمة العربية.

وقد بدأت عملية تعزيز علاقات التعاون الجماعية العربية مع الأطراف الأجنبية بشكل أوضح ومتزايد مطلع الألفية، وذلك في ظل التحولات التي شهدها النظام الدولي بعد نهاية الحرب الباردة وتبلور نمط جديد من العلاقات الدولية قائم على تداخل المصالح وتقارب المسافات بين الدول والشعوب، ولم يقتصر تعزيز التعاون هنا على الجانب السياسي بل شمل خلق آليات وأطر في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنّه لم يكن هناك تواصل بين المنظمة والأطراف الأجنبية سوى خلال العقدين الأخيرين، لكن عجلة وآليات هذا التعاون تبلورت بشكلٍ واضحٍ في هذه الفترة_ خاصةً في ظل تزايد قوى العولمة والاعتماد المتبادل بين الدول.

وسوف يكون التركيز في هذه المقالة على أطر التعاون الدولي التي من خلالها سعت جامعة الدول العربية إلى تعزيز مصالح الدول العربية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز بشكلٍ أكبر على الشق السياسي تماشيًا مع مبدأ تقسيم العمل، ووفقًا للنطاق الجغرافي، تسهيلًا لوصول المعلومة للقارئ الكريم.

آليات التعاون القائمة مع الأطراف الأجنبية

تنقسم آليات التعاون التي أقامتها جامعة الدول العربية مع الأطراف الأجنبية من دول وتكتلات ومنظمات إلى التصنيفات التالية:

  • اتفاقيات (التفاهم، التعاون) بين الأمانة العامة ووزارات الخارجية والجهات المناظرة في المنظمات الإقليمية والدولية، والتي تتضمن إقامة مشاورات سياسية دورية بين كبار المسؤولين في الأمانة العامة ونظرائهم في وزرات الخارجية في هذه الدول، من أجل تبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز أطر التعاون المشترك، وهناك عشرات الاتفاقيات التي وضعت إطارًا للتعاون بين الأمانة العامة وهذه الأطراف، نذكر منها_ على سبيل المثال وليس الحصر_ الاتفاقيات التي تم توقيعها مع: ( أستراليا، نيوزيلندا، كوريا الجنوبية، إندونيسيا، باكستان، المجر، البرتغال، بلغاريا، رومانيا، كرواتيا، قبرص، أسبانيا، إيطاليا، أوكرانيا، الاتحاد من أجل المتوسط، تشيلي، كوبا، الأكوادور، فنزويلا، الأرجنتين، بيرو، الولايات المتحدة الأمريكية، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، منظمة شنغهاي للتعاون، الأمم المتحدة،…إلخ).
  • منتديات التعاون العربي والحوارات الإستراتيجية: وهي عبارة عن أليات للتعاون الجماعي بين الدول العربية مع بعض الدول الأجنبية والتي بموجبها تعقد اجتماعات على مستوى كبار المسؤولين وعلى مستوى وزراء الخارجية بشكلٍ دوري بالتناوب بين الدول العربية وهذا الطرف الأجنبي أو ذاك، وسيتم التحدث عنها في الصفحات التالية.
  • آليات التعاون على مستوى القمة، والتي بموجبها يعقد اجتماع دوري بين القادة العرب ونظرائهم من الدول الأجنبية وفق دورات انعقاد يتم الاتفاق عليها بين الجانبين، مثل: (القمة العربية الأفريقية، القمة العربية مع دول أمريكا الجنوبية، القمة العربية الأوروبية)، وأخيرًا تم الموافقة على عقد قمة عربية-صينية.

أولًا: التعاون العربي-الأسيوي:

في ضوء تزايد ثقل القوى الأسيوية على الساحة الدولية سعت الأمانة العامة ؛ لتعزيز العلاقات الجماعية العربية مع الدول الآسيوية، بالتالي واكبت الانفتاح العالمي على القوى النافذة في شرق آسيا _على وجه الخصوص _فأنشأت العديد من منتديات التعاون وآليات التعاون المختلفة مع هذه الدول، وهي كالتالي.

  1. منتدى التعاون العربي الصيني:

تم التوقيع على إعلان منتدى التعاون العربي الصيني في مقر الأمانة العامة عام 2004 م، بهدف خلق مظلة للتعاون الجماعي بين الدول العربية و”الصين ” في ظل تزايد تأثير ودور “الصين” على الساحة الدولية، وفي إطار العلاقات التاريخية والمصلحية التي تربط الجانبين العربي والصيني. وترتكز آلية المنتدى على عقد اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية من الجانبين كل سنتين، بالإضافة إلى عقد اجتماع على مستوى كبار المسؤولين كل سنة، تعقد بالتناوب بين الجانب العربي والصيني، وقد حقق المنتدى العديد من الانجازات حيث تم خلق أكثر من 15 آلية للتعاون في مختلف المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومجال الفضاء والعلوم وغيرها)، تعقد اجتماعاتها الدورية كل سنتين، وخلال الدورة التاسعة للمنتدى التي عقدت في شهر (تموز/يوليو 2020 م) تم الموافقة على عقد قمة عربية صينية على أن يتم تحديد موعد انعقادها بالتوافق بين الجانبين. ويمكن القول: “أنّ الجانبين العربي والصيني نجحا في خلق شراكة استراتيجية شاملة أصبحت منارة للتعاون العربي مع الأطراف الأجنبية الأخرى.

وقد عقد المنتدى حتى هذه اللحظة تسع دورات وزارية وست عشرة دورة على مستوى كبار المسؤولين، وغني عن القول أن حجم التبادل العربي الصيني تجاوز( 261 مليار دولار) عام 2019 م، وتتبادل “الصين” والدول العربية الدعم لقضايا الطرف الآخر في المحافل الدولية والإقليمية، وأوجد المنتدى آلية للحوار الدوري حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك بهدف تحقيق التوافق في المواقف بين الجانبين حيالها وبما يحشد الدعم للقضايا العربية، مثل (القضية الفلسطينية، والأزمات العربية القائمة، ومسائل الإرهاب ونزع السلاح… إلخ).

كما قامت القيادة الصينية بطرح مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013  م؛ لخلق مزيد من الترابط بين الدول الواقعة في النطاق الجغرافي للمبادرة، وبما يعزز البنية التحتية لذلك ويخلق فضاءً رحبًا للتعاون بين هذه الدول، وقد وقعت نحو تسع عشرة دولة عربية على اتفاقيات تعاون مع الجانب الصيني في هذا الإطار، ونحن على يقين بأنّ التعاون العربي الصيني سيشهد المزيد من التعاون والتطور_ خاصة في ظل الموافقة على عقد القمة العربية الصينية، وفي ظل الفرص المتاحة لدى الجانبين، ووجود الإرادة المشتركة لديهما.

  • منتدى التعاون العربي الهندي

تأسس المنتدى عام 2008 م من خلال التوقيع على مذكرة تعاون لتأسيس المنتدى، بحيث تتشكل لجنة رفيعة المستوى تجتمع سنويًا على مستويات مختلفة تضم” ترويكا” (القمة العربية والأمانة العامة ووزارة الخارجية الهندية)، وعقدت اجتماعاتها على مستوى كبار المسؤولين، وقد تم عام 2013 م تطوير مذكرة التعاون التي بموجبها تمت الموافقة على تأسيس المنتدى لإعطائها مزيد من الزخم، بحيث أصبحت آلية انعقاد المنتدى تتم على مستوى وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية الهندي كل سنتين، بالإضافة إلى عقد اجتماع سنوي على مستوى كبار المسؤولين من “الدول العربية” و”الهند”. وقد عقد المنتدى دوراتٍ على مستوى كبار المسؤولين، ودورة واحدة على المستوى الوزاري في مملكة البحرين عام 2016م، ويتم التنسيق حاليًا لعقد الدورة الوزارية الثانية للمنتدى في الهند في موعد يناسب الجانبين.

وغني عن البيان أن الهند من القوى الآسيوية الصاعدة، وتربطها بالعالم العربي روابط تاريخية وثقافية ومصلحية، ترتكز على القواسم المشتركة وتوافق الرؤى حيال قضايا الدول النامية وأهمية دعمها في عالم مضطرب. كما أنّ العلاقات الاقتصادية بين الجانبي العربي والهندي في تنامٍ مستمرٍ في ظل اعتماد الهند على النفط المستورد من المنقطة العربية، ووجود الملايين من اليد العاملة الهندية في الدول العربية_ وخاصة ًدول الخليج العربية_.

  • منتدى التعاون العربي الياباني:

تأسس المنتدى الاقتصادي العربي الياباني عام 2009 م ، بهدف تعزيز التعاون في مجال التجارة والاستثمار والطاقة والتنمية المستدامة والتكنولوجيا وغيرها من المجالات الحيوية. وقد عقد المنتدى( 4 ) دورات على المستوى الوزاري حتى الآن، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين الدول العربية واليابان (111 مليار دولار) عام 2018م). كما تم عام 2013 م إبرام مذكرة تعاون بين جامعة الدول العربية وحكومة اليابان تم بموجبها إنشاء آلية للتعاون في المجال السياسي والثقافي والتعليمي، بحيث يعقد اجتماع وزاري للحوار بين الجانبين على مستوى وزراء الخارجية كل عامين بالتناوب، وقد عقد الاجتماع الوزاري الأول في مقر الأمانة العامة في (أيلول/سبتمبر 2017 م)، ويجري التنسيق لعقد الدورة الوزارية الثانية للحوار السياسي خلال الفترة القريبة القادمة.

  • منتدى التعاون بين الدول العربية ومجموعة دول جزر الباسيفيك:

سعت جامعة الدول العربية في إطار حرصها على حشد الدعم للقضايا العربية على الصعيدين الإقليمي والدولي إلى نسج علاقات متشعبة في مختلف التكتلات الجغرافية كما سبق ذكره، وكان من بين تلك المجموعات “مجموعة دول جزر الباسيفيك” التي تعتبر كتلة تصويتية مهمة في الأمم المتحدة، وكانت دولة الأمارات العربية المتحدة سباقة في طرح مبادرة تعزيز العلاقات مع هذه الجزر، والتي تبنتها جامعة الدول العربية، حيث تم عقد اجتماع وزاري رفيع المستوى بين الدول العربية وهذه المجموعة في “أبوظبي” بالإمارات العربية المتحدة في (حزيران/يونيو 2010 م) تم خلاله التوافق على إقامة منتدى للتعاون، إلاّ أنّ التقدم المحرز على هذا الصعيد لا يزال محدودًا نظرًا للخلافات السائدة بين هذه الجزر لجهة مواقفها من القضايا العربية والانقسام الحاصل بينها، دون نسيان ما قد تقع تحته من تأثير من الدول المجاورة أو الدولية التي تريد تحييد مواقف هذه الدول أو كسب أصواتها بجانبها، ولا يزال موضوع التعاون مع هذه المجموعة مطروحًا على أجندة مجلس الجامعة، ولا يزال العمل جاريًا على دراسة سبل تفعيل التعاون معها.

ثانيًا: التعاون مع الدول الأورو-آسيوية:

  1. منتدى التعاون العربي الروسي:

 كان لروسيا الاتحادية (الاتحاد الروسي سابقًا) على الدوام تأثيرًا كبيرًا على الساحة الدولية_ وخاصةً في المنطقة العربية، وترتبط” روسيا” مع العالم العربي بروابط تاريخية تعود إلى الحقبة السوفيتية، واستمرت العلاقات الوثيقة مع “روسيا ” من قبل عددًا من الدول العربية، وتنامت هذه العلاقات بعد نهاية الحرب البادرة لتشمل دول عربية أخرى. وتتبنى “روسيا” مواقف داعمة للقضايا العربية_ وخاصةً القضية الفلسطينية منذ عقود، ولا تزال “روسيا” بصفتها أحد القوى الدولية الفاعلة والعضو الدائم في مجلس الأمن تتبنى سياسة تأخذ في الحسبان تطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط.

وقد أقامت جامعة الدول العربية منتدى للتعاون مع “روسيا” عام 2009 م، حيث عقد المنتدى الذي يجتمع على مستوى وزراء الخارجية خمس دورات حتى الآن، كان آخرها في( نيسان/أبريل 2019 م) في” موسكو”، وتتعدد المواضيع التي يتضمنها المنتدى لتشمل بجانب القضايا السياسية، التعاون الاقتصادي والثقافي بوجهٍ أخص. وفي ظل الإرادة الواضحة والعلاقات الوثيقة والإرادة المشتركة، والدور الروسي في المنطقة، فإنّ المنتدى يسير وفق خطوات  واضحة ؛ ليعكس المواقف الجماعية والتوافقات التي يتوصل إليها الجانبان( العربي والروسي) حيال الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

  • منتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان:

 تعتبر دول آسيا الوسطى من الدول المهمة وذات الفرص الواعدة كدول حديثة الاستقلال، وتمتلك المقومات الاقتصادية والموقع الجغرافي_ ناهيك عن الصلات التاريخية والثقافية الكبيرة بالمنطقة العربية والإسلامية_، وقد حرصت جامعة الدول العربية، إلى تعزيز أطر التعاون مع هذه الدول الوليدة، من خلال خلق إطار مؤسسي تحت مظلة جامعة الدول العربية أُسوةً ببقية الأطراف الأجنبية، وقد أتت المبادرة ؛ لخلق هذا الإطار المؤسسي للتعاون مع هذه الدول بمبادرة من المملكة العربية السعودية عام  2008 م، وفي عام 2014 م تم عقد الدورة الأولى للمنتدى في “الرياض” بالمملكة العربية السعودية، فيما عقدت الدورة الثانية في “دوشنبيه” بجمهورية طاجاكستان. ويعقد المنتدى دورة لوزراء الخارجية من الجانبين كل سنتين، يرتكز جدول أعمالها على تعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تتضمن آلية المنتدى عقد اجتماع مشترك لاتحادات الغرف العربية ورجال الأعمال مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان.

  • منتدى التعاون العربي التركي:

تعتبر “تركيا” من الدول القوية الإقليمية المهمة_ خاصةً في ظل موقعها الجيو-استراتيجي، واقتصادها المتطور، بجانب علاقاتها التاريخية مع المنطقة. وقد تم التوقيع على إطار لإقامة منتدى التعاون العربي التركي على هامش مؤتمر دول الجوار الذي عقد في إسطنبول عام 2007م  على أن يعقد المنتدى سنويًا بحضور وزراء الخارجية من الجانبين، وكان في البداية مقصورًا على  “ترويكا” مجلس الجامعة على المستوى الوزاري والقمة، ومن ثم ارتأت الدول العربية حضور جميع الدول العربية الراغبة. وقد عقد المنتدى خمس دورات بالتناوب كان أولها في إسطنبول عام 2008 م وآخرها في إسطنبول عام 2012 م. كما تمخض عن تفاهمات المنتدى إقامة اجتماعات لوزراء الاقتصاد والاستثمار والصناعة من الجانبين، وكذلك ورش عمل حول الأمن الإقليمي وحوارًا برلمانيًا عربيًا تركيًّا. لكن التحولات التي شهدتها السياسة الخارجية التركية والتدخلات المتزايدة في الشؤون العربية أدت إلى تجميد أعمال المنتدى، وذلك تعبيرًا عن الرفض العربي لهذه التدخلات.

ثالثًا: الحوار العربي الأوروبي:

تعود فكرة الحوار العربي الأوروبي إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي، وخاصةً بعد الحظر النفطي الذي قامت به الدول العربية، ما أصاب الدول المستوردة للبترول بالذعر، خاصةً في ظل الاعتماد الكبير_ آنذاك _على النفط العربي. وقد لا يكون منطقيًا حصر الحوار العربي الأوروبي حول هذه النقطة بعينها في ظل الروابط التاريخية التي تجمع دول الإقليمين. فبجانب الاعتبارات التاريخية والسياسية والأمنية، يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للدول العربية حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين( 330 مليار دولار) عام 2018 م، وقد أدركت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أهمية خلق أطر مؤسساتية للتعاون مع الجار الأوروبي، خاصةً في ظل التأثير المتبادل لقضايا وأزمات دول الإقليمين على الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وقد خطى التعاون العربي الأوروبي خطوات ثابتةً نحو شراكة أكثر مؤسسةَ، الأمر الذي أسفر عن عقد أول قمة عربية أوروبية، والتي استضافتها جمهورية مصر العربية في مدينة شرم الشيخ في( فبراير 2019 م)، فيما سيضيف الجانب الأوروبي القمة الثانية عام 2022 م. وأتى انعقاد القمة ؛ ليجسد الإدراك المشترك من قبل الجانبين حول الفرص الوافرة للتعاون، بالتالي محورية هذه العلاقة، والقواسم المشتركة التي تنبع من الحتمية الجغرافية للإقليمين.

وتجدر الإشارة إلى أن آليات التعاون العربي الأوروبي تتمحور، بجانب اجتماعات القمة، حول اجتماعات دورية تعقد على مستوى وزراء الخارجية كل سنتين، حيث عقدت حتى الآن خمس دورات للاجتماع الوزاري كان آخرها في “بروكسل” في (فبراير 2019 م). فيما يعقد اجتماع سنوي للسادة المندوبين الدائمين لجامعة الدول العربية مع سفراء اللّجنة السياسية والأمنية لدى الاتحاد الأوروبي، وقد تم عقد أول لقاء في مقر الأمانة العامة عام2012 م، فيما تم عقد اللّقاء الثامن في “بروكسل” في (يناير 2020 م). وتشمل أجندة الاجتماع كافة القضايا التي تهم الجانبين _خاصةً في المجالين السياسي والأمني_ مثل: ( القضية الفلسطينية، الأزمات الإقليمية القائمة في المنطقة، مكافحة الإرهاب، الهجرة…إلخ).

ويعقد على هامش هذا الاجتماع الاجتماعات الخاصة بمجموعات العمل الخاصة بالتعاون في بعض المجالات على مستوى الخبراء، مثل: ( مجالات الإنذار المبكر وإدارة الأزمات، الهجرة، عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل والحد من التسلح، مكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة عبر الوطنية…إلخ). وقد تم إقامة آلية جديدة للتعاون وهي اجتماع الخلوة الذي يعقد على هامش انعقاد اجتماع كبار المسؤولين السابق ذكره، بحيث تخصص لموضوع معين، وكان التغير المناخي موضوع اجتماع الخلوة الأول الذي عقد في (يناير2020 م). ويتوجب الإشارة هنا إلى أنّ الجانبين يعقدان في إطار التعاون القائم بينهما عددًا كبيرًا من ورش العمل وفقًا لبرنامج تعاون يتم اعتماده بشكل دوري بينهما، يغطي العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك.

رابعًا: الشراكة العربية الأفريقية:

تعتبر القارة الأفريقية ثاني أكبر قارة من حيث المساحة وتعداد السكان، ويقدر ناتجها الإجمالي بنحو( 3.4 تريليون دولار)، وتتمتع أفريقيا بموقع جغرافي لا يقل أهمية عن الموقع الجغرافي للعالم العربي، إضافةً إلى كونها غنية بالموارد المعدنية والزراعية، وتربطها بالعالم العربي صلات (تاريخية وثقافية ) وثيقة، ويقع معظم سكان الدول العربية في النطاق الأفريقي من العالم العربي. وتقاسم الجانبان الدعم في مسائل النضال والتنمية عبر العقود.

وقد أدركت الدول العربية أهمية هذه العلاقة، حيث عقدت أول قمة عربية أفريقية عام 1977 م بالقاهرة ،إلا أنّها توقفت بسبب التطورات السياسية التي مرت بها المنطقة. واستأنفت القمة انعقادها عام 2010 م في مدينة “سرت” الليبية، وتأجل انعقاد القمة العربية الأفريقية الخامسة التي من المقرر أن تستضيفها المملكة العربية السعودية بسبب تفشي وباء كورونا، ومن المتوقع عقدها في أقرب فرصة، وتعقد القمة العربية الأفريقية كل ثلاث سنوات بالتناوب، كما يعقد على هامشها عددًا من الفعاليات مثل اجتماع وزراء الاقتصاد والتجارة والمالية، والمنتدى الاقتصادي. كما توجد آليات أخرى تعزز من هذا التعاون مثل الاجتماع الوزاري الخاص بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي، وتقوم الأمانة العامة ومفوضية الاتحاد الأفريقية بالإشراف على عملية تعزيز عملية الشراكة العربية الأفريقية من خلال خطة العمل العربية الأفريقية المشتركة التي يتم إقرارها بشكلٍ من قبل وزراء الخارجية والقادة من الجانبين وتتضمن الأنشطة والفعاليات التي تشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمدة ثلاث سنوات. كما تعقد اجتماعات على مستوى كبار المسؤولين، مثل لجنة تنسيق الشراكة العربية الأفريقية التي تعقد اجتماعين سنويًا على مستوى كبار المسؤولين بالتناوب، وتعقد اجتماعًا على المستوى الوزاري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتتكون عضوية هذه اللّجنة من “ترويكا “القمة من الجانبين، وبعض الجهات الأخرى المعنية بالتعاون العربي الأفريقي.

خامسًا: التعاون مع دول أمريكا الجنوبية:

أولت الأمانة العامة اهتمامًا كبيرًا للعلاقات مع دول أمريكا اللاتينية_ لاسيما في ظل الروابط الشعبية والمتمثلة في وجود جاليات من أصول عربية مؤثرة في بعض هذه البلدان، ناهيك عن المصالح المتبادلة والتوافق في وجهات النظر حيال الكثير من القضايا الإقليمية والدولية.

وقد أخذ التعاون الجماعي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية منحنى إيجابيًا وفعالًا مع عقد أول قمة عربية مع دول أمريكا الجنوبية عام 2005 م في برازيليا، ومنذ ذلك الحين بات التعاون بين الجانبين في تطور مستمر، حيث عقدت أربع قمم، كان آخرها قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية الرابعة التي استضافتها المملكة العربية السعودية في الرياض عام 2015 م، وهناك آليات متعددة على المستوى الوزاري حيث عقد عددًا من الاجتماعات لوزراء الخارجية، وكذلك بالنسبة لوزراء الاقتصاد، وأيضًا لوزراء التربية والتعليم، ووزراء البيئة، ووزراء الشؤون الاجتماعية، ووزراء السياحة، وذلك بجانب اجتماعات كبار المسؤولين الدورية، كما عقد أربعة مؤتمرات لرجال الأعمال من الجانبين العربي والأمريكي الجنوبي.

سادسًا: التعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات أخرى:

بدأ التعاون بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وتطور بشكلٍ تدريجي عبر الزمن ليأخذ أشكالًا متعددةً، منها المشاركة في الاجتماعات بصفة مراقب وتبادل الوثائق والتنسيق على مستوى الأمناء العامين، إضافة إلى تنفيذ بعض البرامج المشتركة في مجالات اقتصادية واجتماعية وتنموية متعددة.

وقد توصلت المنظمتان إلى اتفاقية تعاون عام 1989 م، والتي أصبحت تشكل إطارًا عامًا للتعاون بينهما، بالإضافة إلى اتفاقيات تعاون بين المنظمات المتخصصة التابعة لكل منظمة. ويعقد اجتماعًا عامًا للتعاون بين المنظمتين كل سنتين، كان أولها عام 1983 م في “تونس”، وتوالت اجتماعات التعاون العام، والذي يشارك فيه المنظمات والوكالات المتخصصة من الجانبين، حيث عقد حتى الآن نحو أربعة عشر اجتماعًا عامًا للتعاون، كان آخرها في “جنيف” عام 2018 م، ويتخلل هذه الاجتماعات عقد اجتماعات قطاعية للتعاون بشكلٍ دوريٍّ حول المواضيع ذات الأولوية للجانبين. وفي سبيل تعزيز التعاون بين المنظمتين بما يتواكب مع التطورات والتحديات التي تشهدها الساحتين الإقليمية والدولية، وفي ظل الأولويات الخاصة بكل منظمة، تم توقيع بروتوكول إضافي في (سبتمبر 2016 م) من قبل رئيسي المنظمتين، تم بموجبه تحديث وتطوير بعض جوانب اتفاقية التعاون الموقعة عام 1989 م، بما يجعلها تتضمن مواضيع جديدة للتعاون، وشهد التعاون بين الجانبين نقلة أخرى بعد افتتاح الأمم المتحدة لمكتب اتصال لها بـ”القاهرة” في منتصف عام2019 م، بهدف تعزيز التواصل وتنسيق آليات التعاون بشكلٍ أكبر بينهما.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الاجتماعات رفيعة المستوى التي يعقدها الأمين العام للأمم المتحدة كل عامين مع رؤساء المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية تمثل فرصة لمزيد من التعاون وتطوير أساليبه، وتبادل وجهات النظر حيال ذلك وغيره من القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما يتوجب الإشارة هنا إلى عملية التنسيق المستمرة بين المبعوثين الشخصيين للأمين العام للأمم المتحدة حيال قضايا المنطقة والأمين العام وكبار المسؤولين في الأمانة العامة، وخاصةً فيما يتعلق بالقضايا والأزمات الإقليمية _على وجه الخصوص_.

منظمة الأمن والتعاون في أوروبا:

ترتبط جامعة الدول العربية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بعلاقات تعاون منذ سنوات، حيث تحرص المنظمتان على تبادل الزيارات وتبادل الحضور للاجتماعات رفيعة المستوى من حين لآخر، وعادة ما تتم دعوة الأمانة العامة لحضور الاجتماعات الوزارية للمنظمة وغيرها من الفعاليات المتعلقة بمجموعة شركاء المتوسط، وقد تعمقت علاقة التعاون هذه مع تبادل الزيارات بين رئيسي المنظمتين منذ عام 2011  م_ على وجه الخصوص_ ويعقد ورشة عمل دورية بين الأمانتين حول القضايا ذات الأهمية بالنسبة لهما، بحضور رئيسي المنظمتين، كان آخرها عام 2018 م في “فيينا”. كما تعقد من فترة لأخرى بعض الفعاليات المشتركة بين الأمانتين، مثل إطلاق بعض الكتب المترجمة، وكان آخرها في (فبراير عام  2020م).

سابعًا: قضايا الحد من التسلح ونزع السلاح

تولي جامعة الدول العربية اهتمامًا كبيرًا لقضايا الحد من التسلح ونزع السلاح، وذلك منذ أنّ قامت في عام  1974 م بتكليف الدول الأعضاء فيها بإدراج بند على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية 29( في ديسمبر 1974  م) تحت عنوان “إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط”، ومنذ ذلك الحين وهي مستمرة في متابعة هذا الموضوع، وقد أنشأت لجنة فنية عربية من قبل مجلس الجامعة الوزاري ؛ لمتابعة التطورات على الساحة الدولية والإقليمية فيما يخص أسلحة الدمار الشامل وأخلاء الشرق الأوسط.

كما تقوم الأمانة العامة بالتنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى تعاونها مع المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، التي أصبح لها دور هام في التعريف بقضايا السلاح. وبجانب الاهتمام بموضوعات أسلحة الدمار الشامل، فإنّ الأمانة العامة تهتم بموضوعات الأسلحة التقليدية وعلى رأسها مكافحة الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة (غير المشروعة)، وهناك مشروع تعاون مشترك بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ؛ لمكافحة ظاهرة الإتجار بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة (غير المشروعة).

اظهر المزيد

د.خالد الهباس

الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى