2018العدد 174ملف اجتماعي

دور المرأة العربية في تكوين النّخب المثقّفة في عصر العولمة

مقدمة

عانت المرأة العربية لعصور عديدة من التهميش والظلم، تحت سلطة دينية زائفة قائمة على شرعية مبهمة مبنية على نصوص سيء فهمها، أو سلطة عرف قبلي بدائي نسجت من أوهام أساطير ذكورة حالمة، تحصر دور المرأة في نطاق بيولوجي لا يخرج عن دائرة التزاوج والتكاثر، وكأنها لم تخلق إلا لتلك الوظيفة التي فطرت عليها كل الإناث في مخلوقات الله.

وضع المرأة الآن قد تغير عما كان عليه منذ عقود – حتى وإن كانت معاناتها باقية واضحة للعيان في عديد البلدان وعلى كثير من المستويات، فالمرأة اليوم جزء لا يتجزأ من نخبة المجتمع وعضو فاعل في المشهد الثقافي، بإسهاماتها الفكرية ومنتجها الثقافي الذي ينتشر في كل العالم وبكل اللغات.

وعليه أصبح لا مناص من التفكير في تجاوز هذا الدور الكلاسيكي للمرأة في الساحة الثقافية العربية، واعتبار الرقي بها إلى أدوار أخرى، ضرورة ملحة في ظل عولمة تكتسح العالم في كل المجالات، وعلى كل الأصعدة. ينبغي أن نفكر في انتقال المرأة من دور الفاعل الثقافي إلى دور المكون للنخب المثقفة، لما لها من مؤهلات تجعلها جديرة بهذا الدور، ولحاجة المجتمع العربي بشكل خاص، والعالمي عامة، لتكوين النخب المثقفة التي تضطلع بدورها الريادي في الحياة الفكرية والثقافية في المجتمع، بما تحدثه من تغيرات عميقة في درجات الوعي، وممارسة السلوك الحضاري الذي تسعد به الأمم. 

واقع المرأة العربية في عصر العولمة

شكلت العولمة صدمة حضارية، تركت بصمتها في تاريخ الإنسانية بأفكار مثيرة للجدل بنيت على أطروحات فلسفية توجزها نظرية نهاية التاريخ بحتمية النموذج الرأسمالي، والتي تجسدت في أفكار الفيلسوف الأمريكي فرنسيس فوكوياما وما احتواه بشكل واضح كتابه نهاية التاريخ وخاتم البشر ([1]).

والواقع أن العولمة تكشفت عن خلفيات فكرية، تجاوزت إطارها الفلسفي إلى ممارسة اقتصادية “… فقد مثلت العولمة موجة اقتصادية جديدة تلت الثورتين الزراعية والصناعية بنهاية القرن التاسع عشر، وحاول منظروها بلورتها كأداة رأسمالية وأسلوب استعماري جديد نتج عن منجزات الثورة الصناعية وثورة المعلومات والاتصالات وما رافقها من تطور في مجالي الاتصال والإعلام” ([2]). لقد تباينت مواقف المثقفين العرب من العولمة فمنهم من أيد أفكارها اقتناعًا بفلسفتها أو مكرها تحت سطوتها. ومنهم من رفضها متحرزًا لصد هجماتها الثقافية والاقتصادية، ناظرًا إليها بعين الريبة خاصة فيما يتعلق بأثرها على الهويات الثقافية للشعوب المغلوبة على أمرها اقتصاديًا وسياسيًا. وعين الرأي – عندنا – أن نترفع عن الأحكام الجاهزة سواء في التأييد أو الرفض، فما كل ما يذم فيها طالح وما كل ما يمدح فيها صالح.

ويجرنا سياق الحديث في هذا المقام، أن نستدل بواقع المرأة العربية في عصر العولمة لنوضح وجهة نظرنا في الحكم على العولمة الذي أبديناه آنفًا، وأن نعرض مثلاً ماذا جنت المرأة العربية من العولمة وماذا جنت عليها:

أ-  ما جنته المرأة العربية من العولمة:

في اعتقادنا أن ما جنته المرأة العربية من العولمة يتلخص في عنصرين هامين:

الحريات:

قد نتهم بالمبالغة إذا قلنا إن ما حققته المرأة من مكاسب في مجال الحريات الفردية في هذا العصر هي غنيمة من غنائم العولمة، وحجتنا في هذا أننا نرى أن أغلى ما جنته المرأة العربية في عصر العولمة، هو تمتعها بحرية التواصل مع العالم بما سمحت به تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية ممثلة في شكل بارز في شبكة الانترنت والهاتف المحمول، حيث صار بإمكانها التواصل مع العالم الخارجي في أي مكان، ولم يعد الحيز المكاني معاملاً مهمًا في معادلة تواصلها، بل غدت اليوم طرفًا فاعلاً في معادلة التواصل العالمي.

لقد فتحت العولمة للمرأة عن طريق الانترنت حرية الاستهلاك المادي والثقافي رغم ما يشوبه من مخاطر على ثقافتها الاستهلاكية ونمط حياتها في مجتمعها، وأصبح بإمكان المرأة أن ترفع مستواها العلمي، أن تثقف نفسها وتسمع صوتها للعالم.

كفلت للمرأة في ظل العولمة الحماية القانونية التي طالما فقدها في كثير من البلدان والأزمنة، وصارت القوانين الدولية والمعاهدات الدولية والإقليمية ضامنة لحرياتها الشخصية والمعنوية.

بإمكان المرأة اليوم التعبير عن الظلم الذي تتعرض له دون خوف، فالعالم أصبح مكشوف الجوانب على صفحات الانترنت ولا يمكن أن تخفى فيه الحقائق أو تكتم فيه أسرار الجرائم التي تمارس ضدها في أي بقعة من الأرض. لقد أصبح بإمكان المرأة أن تشارك برأيها، تسمعه وتدافع عنه أيضًا بواسطة التكنولوجيا الحديثة للاتصالات والانترنت، تفعل ذلك.    

الانفتاح الاجتماعي:

انفتح الفرد العربي على ثقافات وأفكار جديدة، فرضت عليه الانضمام إلى نسق عالمي، متخليًا عن سياقات اجتماعية كان يعيش في دائرتها. والمرأة باعتبارها فردًا من هذا المجتمع، مستها هذه التغيرات الاجتماعية التي حدثت، فتغير وضعها الاجتماعي في كثير من البلدان العربية على جميع المستويات، وتغيرت نظرة المجتمع إلى دور المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، فمكنت من التعليم بمختلف أطواره، وشاركت في العمل السياسي والقيادي، بل ارتقت إلى قائدة بترشيح الرجال وانتخابهم عليها لما أظهرته من قدرات في مجال تخصصها وتميز في ممارستها المهنية والوظيفية متخطية بذلك، جملة الأعراف البالية والذهنيات المتحجرة التي ظلمتها لدهر من الزمن لم تكن المرأة فيه شيئًا مذكورا أو حتى إنسانًا يمارس حقه في العيش الكريم.     

ب- ما جنته العولمة على المرأة العربية:

جنت العولمة على المرأة العربية كما جنت منها لأن من معلوم طبائع الأشياء في عالمنا عدم الكمال والتنزيه، وقد جنت العولمة على المرأة العربية في عديد المجالات ولعل أبرز مظاهر هذه الجنايات:

الاستغلال السيئ للمرأة:

تعددت وجوه الاستغلال السيئ للمرأة في عصر العولمة واختلفت ولعل أهمها:

الاستغلال في ميدان الإعلام والإشهار: تحولت المرأة العربية في فضاء الإعلام العربي والعالمي إلى وسيلة نمطية للإشهار والدعاية للمنتجات والسلع وجلب المتابعين للقنوات الفضائية وقنوات اليوتيوب، وأصبحت وسيلة من وسائل الإغراء والإثارة واللعب للمراهنة على جذب أكبر عدد ممكن من الباحثين على المتعة والشهوة من مرضى النفوس والمراهقين.

الاستغلال في الميدان السياسي: استغلت قضايا المرأة العربية في الخطاب السياسي العربي والعالمي ووظفت قضاياها في كثير من مواطن الصراعات السياسية المحلية والدولية لأغراض شخصية ضيقة.

الاستغلال في الميدان الاقتصادي: أدى التكالب الاقتصادي للشركات العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات على البحث عن اليد العاملة الرخيصة للتقليل من تكلفة إنتاج السلع، فوجدت في النساء والقصر ضالتها في كثير من بلدان العالم العربي التي يعاني شعبها الفقر أو ضعف الاقتصاد بفعل الهيمنة الاقتصادية لبعض الدول على اقتصاد العالم.

التيهان الثقافي للمرأة العربية:

تعاني المرأة العربية في هذا العصر من تيهان ثقافي، إذ أنها لم تستطع أن تصنع من نفسها نموذجًا ثقافيًا يفرض نفسه في العالم بخصوصيته الحضارية والاجتماعية، والسبب برأيي أنها تعجلت حمل الأفكار الغربية – وهي لا تزال ساخنة، بعقل سافر اليدين، ولو أنها حملتها واقية نفسها بحائل من القيم العربية الإسلامية ما أحرقت هذه الأفكار عقلها وما شوهت هويتها، كما أن عاصفة العولمة وجدت المرأة العربية في حالة جهل وتخلف من آثار الاستعمار، وهو ما جعل مقاومتها الثقافية ضعيفة للاغتصاب الهوياتي الذي تمارسه العولمة على الشعوب المتخلفة.    

التحديات التي تواجه المرأة العربية في تكوين النخب المثقفة

تواجه المرأة العربية تحديات جمة في طريق تحقيق هدفها في تكوين النخبة المثقفة، ولعل أبرز هذه التحديات:

 أ-  التحديات الاجتماعية:

أكبر التحديات الاجتماعية التي تواجهها المرأة العربية في كثير من البلدان العربية هي منزلتها الاجتماعية ومدى قبولها اجتماعيًا كفرد له مكانته وحريته، فإشكالية – إذا صح القول عقدة – وجود كيان كامل وذاتي اسمه (البنت، الفتاة، الزوجة) في المجتمع لا تزال قائمة، وتحكمه ذهنيات وأعراف تتناقض مضامينها مع ما يدعيه أصحابها من تعاليم الدين الذين يتبعونه.

قد لا يكون هذا الوضع عامًا في كل البلدان العربية، لكن إذا سلمت المرأة في بعض البلدان من إشكالية الاعتراف بالكيان الإنساني وقعت في إشكالية الاعتراف بالكيان الفكري الثقافي؛ وهو ما يحرمها من الحق في اكتساب الثقافة وممارستها نشاطها الثقافي الفكري، وتبقى أفكارها حبيسة عقلها أو أوراقها لا ينتفع بها أو يلقى لها بال.

ب- تحديات ثقافية:

تواجه المرأة العربية تحديات ثقافية على شقين، شق له علاقة بالثقافة العربية وشق آخر له علاقة بالثقافة الغربية.

فأما ما يتعلق بالثقافة العربية فيرتبط خاصة بما يدور في الواقع الثقافي العربي وما بقي فيه من آثار الجهالة المعرفية والجاهلية الدينية في عصرنا خاصة عندما يجد أن “الخطاب المنتج حول المرأة في العالم العربي المعاصر خطاب في مجمله طائفي عنصري بمعنى أنه خطاب يتحدث عن مطلق المرأة / الأنثى ويضعها في علاقة مقارنة مع مطلق الرجل / الذكر…” ([3]). هذا الخطاب ولّد ردات فعل فكرية عنيفة  تجاهه، فلم تعد المرأة العربية اليوم تقبله أو ترضى عن مروجيه، وأعادت كرّة التاريخ الذي أبى أن يخل بالسنن التي سجلها، ولم تمح من كتب التاريخ قصص الرافضات والمتمردات المثقفات اللآتي قاومن ثقافة القهر الذكوري و”تقريبا لا تخلو ثقافة ذكورية من امرأة شقت عصا الطاعة وشكلت صورة المرأة المفكرة والأديبة الثائرة والتي غالبًا ما توسم بالتمرد والخروج عن أخلاق المجموعة وأوامر الدين حتى حوكمت إسبازيا وقتلت الفيلسوفة هيباتيا على أيدي الكهنة والرهبان بتهمة الإلحاد وإغواء الشعب” ([4]). إذن فالتحدي الأول الذي تواجه المرأة العربية في القيام بدورها في تكوين النخبة المثقفة هو تحد ثقافي محلي عربي بالدرجة الأولى قبل أن يكون غربيًا، وعليها أن تكافحه دون يأس، فالتاريخ قد سجل لمثيلاتها أخبارًا في ذلك خدلت بطولاتهن.

وأما ما يتعلق بشق الثقافة الغربية فالأمر فيه قائم على مواجهة عصف ثقافي غربي بالهوية الثقافية للمرأة العربية على جميع مستوياتها، بداية من ثقافة اللباس والزينة وصولا إلى ثقافة الحوار والنقاش وممارسة التقاليد الشعبية. ومما لاشك فيه أن هذا التحدي عظيم هو الأخر فثقافة العولمة تمتاز “بعدم التوطين” – كما قال جون توملينسون – لأنها “لا تنتج ثقافة عالمية، ولكنها تنتج بالأحرى كوكبًا تختلط فيه الثقافات، وتتعايش أو تتصارع” ([5])، وما دام التصارع ممكنًا كإمكانية التعايش فالتحدي قائم في الحالتين.

مراحل تكوين النخب المثقفة

تعددت المفاهيم ووجهات النظر التي تناولت مفهوم المثقف باعتباره نخبة المجتمع سواء في إطار الثقافة العربية أو الغربية،([6]) “… وإذا نظرنا في تعريفات كثير من الكتاب المعاصرين لـ (المثقف) فإننا نجد أنهم يؤكدون على أن المثقف الحقيقي هو صاحب دور نضالي في الوقوف إلى جانب الحق، وفي نقد الممارسات الاجتماعية والإدارية الخاطئة إلى جانب امتلاك روح التضحية بكثير من مصالحه من أجل الجهر بآرائه وأفكاره وملاحظاته” ([7])، وهذه الفكرة هي جوهر نظرة تشومسكي إلى المثقف حينما وصفه بالذي يحمل الحقيقة في وجه القوة.

وإذن فالنخبة المثقفة هي جملة المثقفين الذين يسعون إلى تغيير أوضاعهم الثقافية والاجتماعية بصدق وإخلاص دون الخوف من القيود الاجتماعية أو السلطة الدينية أو السياسية، أداتهم في ذلك روحهم الفكرية الناقدة وقيمهم الحضارية الراقية وأكثر من ذلك جرأتهم على الصدع بالحق في وجه الباطل ولو كان طاغية يُخشى شره.

وقد لا يهمنا في هذا المقام التوسع في طرح النظريات والمفاهيم المتعلقة بالمثقف والنخب المثقفة – وهو أمر ناقشه كثير من الباحثين والمفكرين في عديد الكتب كما قدمنا – بقدر ما يهمنا كيفية تكوينها ودور المرأة العربية في ذلك. لذا نرى أن هذا الدور يتحقق عبر مرحلتين اثنتين، وهو ما سنبينه فيما يلي:   

المرحلة الأولى: تكوين الذات:

هذا المرحلة مهمة في نظرنا لأنها تبنى عليها قاعدة تكوين النخب المثقفة، ولن تستطيع المرأة العربية أن تتجاوزها إلى مراحل أخرى ما لم تتجاوزها بسلام وأداء تام له، وهو ما يتحدد وفق: 

الأولوية الأولى: تكوين المرأة نفسها

حرص المرأة على تكوين ذاتها الثقافية فريضة، أوجبها الشرع في الحث على التعلم، وأقرها العصر لأنها أداة لفهمه والعيش فيه والتعايش مع أهله، فكلما كانت المرأة أكثر حرصًا على النيل من بستان الثقافة العربية والعالمية، قديمها وحديثها، كانت قادرة على فهم تغيرات العالم واتخاذ موقف إيجابي منها، ومؤهلة أيضًا للقيام بتكوين الأجيال من أبناء أمتها وغيرهم.

الأولوية الثانية: تكوين المرأة  لأبنائها

إن أولى الناس بالتكوين الثقافي عند المرأة العربية هم أبناؤها، لأنها مسؤولة عنهم أكثر من غيرها ولأنهم أشد تعلقًا بها من شخص آخر و”إن التربية الصحيحة التي يطبقها الوالدان مع أبنائهما هي أمثل ما يقدم لهم.. وربما استطاع الأبناء تعويض ما لم يقدمه الوالدان لهم من مال ورفاه، لكنهم لا يستطيعون أن يعوضوا شيئًا من القيم إذا لم يرضعوها من الوالدين وهم يرضعون حليب البقاء الحياتي” ([8]).

ويكون تكوينها لهم ثقافيًا بتربيتهم على حب التعلم والقراءة الموجهة، دون تعصب أو نبذ لثقافة الأخر، كما يجب عليها تعليمهم روح الحوار وممارسة النقد البناء، فعصرهم عصر انفتح فيه العالم على كل الثقافات ويسّر ذلك الانفجار المعلوماتي والتوسع الشبكي، وبمعنى أخر يجب عليها تكوينهم لخوض معترك الحياة الثقافية بعلم وافر وحصانة كافية تمكنهم من المقاومة في أعتى عواصف العولمة الثقافية.

المرحلة الثانية: تكوين الآخر:

في هذه المرحلة تتجاوز المرأة العربية دور تكوين الذات إلى تكوين الآخر بقسميه العربي والعالمي لترتقي بذلك إلى مستويات عليا من تكوين النخب المثقفة وتزداد درجة مسؤوليتها وصعوبة مهمتها.

في هذه المرحلة تبدأ بـ:

1–  الأخر العربي (تكوين المثقف العربي):

على المرأة في هذا المستوى من هذه المرحلة الحرص على تبليغ إنتاجها الثقافي وأفكارها النقدية إلى المهتمين بالثقافة في الوطن العربي عامة، مبتدئة بمحيطها، ثم توسيع الدائرة ما أمكنها ذلك.

ولا يقتصر التبليغ هنا على الرسالة الثقافية بمفهومها الإبداعي فقط، بل المعنى هنا يتعداه إلى حمل رسالة وعي بالكائن الثقافي العربي ومحاولة توظيف إضاءات تراثنا في تغيير واقعنا لأنه كما يقول الدكتور عبد الكريم بكار “الأمة التي تعجز عن توظيف تراثها النفسي والاجتماعي ستكون أشد عجزًا عن الانتفاع بتراث الآخرين ومنجزاتهم” ([9]). في المقابل يجب عليها أن تعلم المثقف العربي كيف يتعامل مع الوافد الحضاري الأجنبي بشكل حضاري يمكننا من استغلاله بالشكل الذي وجد من أجله والوظيفة التي أريدت له.

على المرأة العربية العمل على نشر ثقافة نبذ الارتزاق الثقافي لأن فئة كثيرة من النخبة المثقفة في العالم العربي اليوم ينطبق عليها اصطلاح المرتزقة الذي استعمله بولانتزاس Poulantzas ([10])، في تقديم مفهوم النخبة التي توظفها الدولة في حمل شعارات معينة ونقل أفكار للمجتمع مقابل تمكين وهمي في السياسة وصنع القرار، ومعلوم أن سبب مآسي كثير من البلدان العربية هم هذه الفئة التي تخلت عن دورها الحضاري مقابل عرض من الدنيا قليل فلا هي سعدت بما نالت ولا مجتمعاتها خرجت مما كانت فيه.

 فالعمل على تكوين نخبة مثقفة تحمل هم الأمة بصدق ولا تبيع ذممها لأي سلطة مهما كانت، سيكون بشارة خير لتغيير حال العالم العربي مستقبلاً كما من شأنه أن يعيد شعلة الأمل في شعوبه اليائسة من مستقبلها في ظل غياب فعلي للنخبة المثقفة.

2الأخر العالمي (تكوين المثقف في العالم):

ننظر على هذا البعد من زاوية استشرافية لدور المرأة العربية في تكوين النخب المثقفة، وهو برأيي ليس بعيد المنال إذا تم تحقيق ما مر بنا من مراحل؛ لأن المرأة العربية ستكون حينها مؤهلة لدور أكبر بما اكتسبته من خبرات وتمرس في الميدان الثقافي وما تمتعت به من حصانة وقوة فكرية، ستتولى أمر تكوين نخب مثقفة عالمية بمفهوم الاحتواء الفكري الإيجابي للمنتج الثقافي العالمي، لتعلمهم حمل رسالة فكرية عالمية باطنها الإنسانية ولا شيء سواها انطلاقًا من قناعة صلاحية فكرها العربي الإسلامي لقيادة الحضارة العالمية اليوم وغدًا كما قادها في الماضي عندما كان العرب والمسلمون صناع حضارة وفكر.

خاتمة

ما يمكننا قوله في ختام هذا المقال، على كل امرأة عربية أن تعي بفطنتها المرحلة التي تعنيها من المراحل التي أشرنا إليها وحدودها التي يجب عليها الوقوف عندها، فكل تجاوز غير مدروس يسقطها ويخل بدورها في تكوين النخب المثقفة، لأننا  اليوم في حاجة إلى امرأة عربية مثقفة قابضة على قيمها مندمجة في حبل الثقافة العالمية بخيط يميزها عن باقي ألوان الحبل الذي يحمل ثقافات العالم فتجمع بين فضيلة التأصيل وشرف التمثيل.


([1]) فرنسيس فوكوياما، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، الطبعة الأولى، مصر، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1993.

([2]) رمضان عيسى الليموني، سم العولمة، الطبعة الأولى، لندن، بريطانيا، إصدارات أي-كتاب، 2015، ص11.

([3]) نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، الطبعة الثالثة، المغرب، المركز الثقافي العربي، 2004، ص29.

([4]) عفاف خليفي، “اختراق المثل الذكورية يؤثم المرأة المثقفة”، مجلة سورمي، العدد 12، أيار-حزيران 2016،   جمعية جارجرا للثقافة الكردية، 2016، ص8 (نسخة الكترونية بصيغة pdf من موقع مجلة سورمي على الرابط: http://sormey.com/ar).

([5]) زين الدين محمد الرماني، اقتصاد العولمة  انبهار أم انهيار، الطبعة الأولى،  السعودية، مكتبة الرشيد للنشر والتوزيع، 2003، ص9.

([6]) ناقش إدوارد سعيد مجموعة من التعريفات للمثقف عند المفكرين الغربيين والعرب في كتابه “خيانة المثقفين”، يُنظر: إدوارد  سعيد، خيانة المثقفين، ترجمة أسعد حسين، بدون طبعة، دمشق، سوريا، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع،2011، ص36 وما بعدها.

([7]) عبد الكريم بكار، تكوين المفكر: خطوات عملية، الطبعة الثانية، مصر، دار السلام للطباعة والنشر،  2010، ص19.

([8]) نهى سعد صيام، حسن على دبا، في الرضاعة الثقافية للطفل المسلم، الطبعة الأولى، مصر، دار البشير للثقافة والعلوم، 1996، ص5.

([9]) طارق السويدان، فيصل عمر باشراحيل، صناعة الثقافة، الطبعة الثالثة، شركة الإبداع الفكري، الكويت،2011، ص32.

([10]) نيكوس بولانتزاس (1936-1979)، مفكر وفيلسوف ماركسي من أصل يوناني وجنسية فرنسية، عرف بأفكاره السياسية المناهضة للفاشية وفلسفة التجديد في مفهوم المجتمع المعاصر.

اظهر المزيد

د. عبدالقادر طالبي

أستاذ محاضر بالمركز الجامعى نور البشير بالبيًض- الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى