2024العدد 197ملف ثقافي

سبع وصايا للعرب لاستضافة دورة أوليمبية

في 18 سبتمبر 1989، أعلنت اللجنة الأوليمبية الدولية في أثناء اجتماعاتها في طوكيو فوز مدينة أتلانتا الأمريكية باستضافة دورة 1996، وكان اختيار أتلانتا مفاجئًا لكثيرين توقعوا إقامة هذه الدورة تحديدًا في مدينة أثينا، التي أرادت أن يشاركها العالم كله الاحتفال بمرور مئة عام على إقامة أول دورة أوليمبية في العصر الحديث استضافتها أثينا في أبريل 1896، ورأى هؤلاء الكثيرون أن إقامة هذه الدورة في أثينا كان ضروريًّا؛ احترامًا للتاريخ وحقًا وتكريمًا لمدينة اخترعت الألعاب الأوليمبية في العصر القديم واستضافت أولى دوراتها في العصر الحديث، ولم يكن هذا الكلام مقنعًا سواء للأمريكيين الذين أرادوا هذه الدورة في مدينتهم أتلانتا، أو (لـلإنجليز، ومانشيستر، والكنديين، وتورنتو، والأستراليين، وملبورن اليوغوسلاف، وبلجراد)، ولم يصمد كل هؤلاء أمام الحق التاريخي لأثينا والنفوذ السياسي والمالي لأتلانتا، وتوالت جولات التصويت التي أبعدت الآخرين فلم يتبقَ إلا أثينا وأتلانتا، وفي الجولة الأخيرة للتصويت اختار 51 عضوًا باللجنة الأوليمبية الدولية مدينة أتلانتا، مقابل 35 عضوًا فقط منحوا أثينا أصواتهم. ورغم أنها لم تكن المرة الأولى التي تفوز فيها مدينة باستضافة دورة أوليمبية، ولم يكن يتوقع فوزها كثيرون، ولم تكن المرة الأولى أيضًا التي يستند فيها الاختيار النهائي للسياسة وحساباتها والمال وإغراءاته، إلا أن اختيار مدينة أتلانتا وليس أثينا لاستضافة آخر دورات القرن العشرين كان نقطة فاصلة في المسار الأوليمبي، وأصبحت حكاية مهمة وشهيرة تعلم معها ومنها كثيرون أن فوز أي مدينة باستضافة دورة أوليمبية لا يشترط أن تملك المدينة شهرة عالمية كبيرة أو حقًا تاريخيًّا وإنسانيَّا أو مكانة ونجاحات رياضية، فـ(العدالة، والتاريخ، والحقوق) لم يعودوا بعد أزمة أثينا وأتلانتا أهم عوامل وأسباب الفوز باستضافة أي دورة أوليمبية

ولابد أن تستوعب هذا الدرس أي مدينة عربية بدأت تريد وتحلم باستضافة دورة أوليمبية، ليس فقط درس أثينا وأتلانتا، إنما المدن التي فازت من قبل باستضافة دورات أوليمبية وتلك التي حاولت وخططت لكنها أبدًا لم تنجح في ذلك، فالسباق بدأ الآن لاستضافة دورة 2036؛ فدورة 2024 ستقام في باريس، ودورة 2028 ستقام في لوس أنجلوس، ودورة 2032 ستقام في مدينة بريسبان الأسترالية. وقد يتخيل البعض أن لا يزال سابقًا لأوانه التفكير في دورة 2036، وليس ذلك صحيحًا، فحتى الآن أعلنت بعض الدول رغبتها في استضافة دورة 2036: تركيا تريدها في إسطنبول، والهند في أحمد آباد، وإندونيسيا في نوسانتارا. ودول أخرى أعلنت بشكل مبدئي رغبتها: قطر في الدوحة، مصر في العاصمة الإدارية، المجر في بودابست، إيطاليا في فلورنسا أو تورينو، ألمانيا في برلين، كوريا الجنوبية في سول، الدنمارك في كوبنهاجن، كندا في تورنتو ومونتريال معًا، الصين في شنج دو، شيلي في سانتياجو. وكانت هناك دول تريد تلك الدورة ثم تراجعت: إسبانيا في مدريد، بريطانيا في لندن، أوكرانيا في أوديسا، المكسيك في مكسيكو سيتي وجوادا لاخار. وهذا هو الحال في بداية 2024، وبالتأكيد ستكون هناك دول ومدن أخرى محتمل أن تنضم مستقبلًا لهذا السباق، وأخرى ستعتذر عن عدم المشاركة فيه؛ إما لأنها أدركت أن التكلفة المالية اللازمة للاستضافة تفوق قدراتها الاقتصادية، أو تأكدت أنه ليست لديها أي فرصة للفوز قياسًا بإمكانات وعلاقات المنافسين، أو اكتشفت أن هناك اتفاقات وتحالفات أوليمبية غير معلنة فلم تشأ المخاطرة باستكمال هذا السباق.  

وأهم ما يعنينا هو أن يدرك العرب أن التاريخ الرياضي لمصر لا يكفي للفوز؛ بدليل فشل أثينا في استضافة دورة 1996، رغم أنها التي اخترعت أصلًا الدورات الأوليمبية، ومدن أخرى كثيرة امتلكت التاريخ والنجاحات الرياضية ولم تفز رغم ذلك مثل: (مدريد، وميلانو، وبوينس آيريس، وبودابست، وسانت بطرسبورغ)، وأن القدرة المالية لقطر ليست وحدها ضمانًا للفوز؛ بدليل فشل نيويورك في استضافة دورتي (2008 و2012)، رغم ما تملكه من مال هي ومدن أخرى مثل: (فرانكفورت، وشيكاغو، وهامبورج، وديترويت، وسان فرانسيسكو)، ولابد أن تدرك ذلك أيضًا أي دول عربية أخرى ستبدأ قريبًا بالتفكير في خوض سباق دورة 2036 الأوليمبية، ويتطلب هذا الإدراك الرجوع للتاريخ الأوليمبي بكل ملفاته وحكاياته سواء تجارب عربية سابقة، أو محاولات وحكايات عشرات المدن التي حلمت وحاولت ولم ينجح بعضها وفشل معظمها، وقد حاول العرب من قبل خمس مرات استضافة دورة أوليمبية، ثلاث محاولات لمصر هي الإسكندرية في (1916 و1936)، والقاهرة في 2008، ومحاولتان لقطر هي الدوحة (2016 و2020)، ولم تنجح الخمس محاولات العربية لأسباب مختلفة منها على سبيل المثال: اتفاق أوروبي سري بمنح دورة 1916 لبرلين، رغم أن اللجنة الأوليمبية الدولية كانت تميل للإسكندرية؛ لتكون أول دورة أوليمبية في إفريقيا ويتحقق حلم “البارون دي كوبرتان” مؤسس اللجنة الأوليمبية الدولية بمشاركة العالم كله في استضافة دوراته، ولم تُقم دورة 1916 أصلًا؛ بسبب الحرب العالمية الأولى التي شهدت أوروبا تحارب أوروبا، ومنها أيضًا رؤية غربية قررت اكتفاء الدوحة باستضافة مونديال كرة القدم وأن أوروبا لم ولن تقبل أو تسمح بأن تنجح الدوحة أو أي مدينة عربية خلال أعوام قليلة في استضافة أهم حدثين رياضيين في العالم (المونديال، والدورة الأوليمبية)، والأهم كانت الشكوك الكثيرة في قدرة مدينة عربية على هذه الاستضافة؛ حيث لم تكن الدوحة وقتها قد استضافت المونديال بالفعل ونجحت في تنظيمه بشهادات عالمية كثيرة.

ويحفل هذا التاريخ الأوليمبي بحكايات وغرائب وصفقات رابحة وخاسرة واتفاقات سرية ومعلنة لابد من التوقف أمامها قليلًا وتأملها واستخلاص دروسها وحقائقها، فمن 1896 حتى 2020، أقيمت 29 دورة أوليمبية استضافتها 23 مدينة: 12 مدينة أوروبية هي (أثينا، وباريس، ولندن، وإستكهولم، وأنتيويرب، وأمستردام، وبرلين، وهلسنكي، وروما، وميونيخ، وموسكو، وبرشلونة)، و4 مدن في أمريكا الشمالية هي (سانت لويس، ولوس أنجلوس، وأتلانتا، ومونتريال)، و3 مدن في آسيا هي (طوكيو، وسول، وبكين)، ومدينتان في أستراليا هما (ملبورن، وسيدني)، ومدينتان في أمريكا اللاتينية هما (مكسيكو سيتي، وريو دي جانيرو). وهناك 5 مدن استضافت أكثر من دورة أوليمبية هي (أثينا، وباريس، ولندن، ولوس أنجلوس، وطوكيو)، وأقيمت الدورات الأوليمبية في 13 مدينة هي عواصم بلدانها: أثينا عاصمة اليونان، باريس عاصمة فرنسا، لندن عاصمة إنجلترا، استكهولم عاصمة السويد، أمستردام عاصمة هولندا، برلين عاصمة ألمانيا، هلسنكي عاصمة فنلندا، روما عاصمة إيطاليا، طوكيو عاصمة اليابان، مكسيكو سيتي عاصمة المكسيك، موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي، ثم روسيا، سول عاصمة كوريا، بكين عاصمة الصين. وفي المقابل، استضافت 9 مدن دورات أوليمبية وهي ليست عواصم بلدانها: سانت لويس، ولوس أنجلوس، وأتلانتا في الولايات المتحدة، (مليبورن، وسيدني) في أستراليا، أنتيويرب في بلجيكا، ميونيخ في ألمانيا، مونتريال في كندا، برشلونة في إسبانيا، ريو دي جانيرو في البرازيل- التي أصبحت عاصمتها منذ 1960 هي برازيليا- وأشهر العواصم التي فشلت في استضافة دورة أوليمبية هي: العاصمة المجرية بودابست رغم ست محاولات، والعاصمة الإسبانية مدريد، والعاصمة الأرجنتينية بوينس آيريس (ولكل منهما أربع محاولات)، والعاصمة البلجيكية بروكسيل، والعاصمة الكوبية هافانا (ولكل منهما ثلاث محاولات)، والعاصمة التشيكية براغ التي حاولت مرتين.

وتبقى أغرب حكاية فشل هي حكاية مدينة لوزان السويسرية، التي حاولت خمس مرات استضافة أي دورة أوليمبية دون أن تنجح في أي مرة، ووجه الغرابة أن لوزان هي العاصمة الأوليمبية والمقر الدائم للجنة الأوليمبية الدولية وفيها يقيم ويعمل رئيس اللجنة وكبار مسؤوليها، وغير لوزان السويسرية، كانت ديترويت الأمريكية هي أكثر المدن في التاريخ التي حاولت وأرادت وفشلت في استضافة دورة أوليمبية، فلم تنجح ديترويت في أي من محاولاتها السبعة ولم تحاول مرة أخرى بعد فشل استضافة دورة 1972، التي فازت بها ميونيخ الألمانية، أما لوس أنجلوس الأمريكية أيضًا، فقد حاولت تسع مرات لكنها نجحت في استضافة ثلاث دورات أوليمبية (1932 و1948)، بالإضافة لدورة 2028، وليست هناك في العالم كله سوى مدينة واحدة فقط هي لندن التي كلما أرادت وتقدمت لاستضافة دورة أوليمبية تفوز بالفعل باستضافتها، جرى ذلك في أربع محاولات (1908 و1944)، التي تم إلغاؤها لاحقًا؛ بسبب الحرب العالمية الثانية، و1948، و2012، وإذا كانت لندن قد فازت بكل محاولاتها، فهناك ثمانِي مدن طلبت استضافة دورة أوليمبية ولم ينافسها أحد، والبداية كانت أثينا بالطبع التي استضافت أول دورة أوليمبية 1896، وباريس حين استضافت الدورة الثانية 1900، وأمستردام 1928، ولوس أنجلوس (1932، و1984، و2028)، وطوكيو ثم هلسنكي لدورة 1940 التي تم إلغاؤها، ولندن 1944 التي ألغيت أيضًا و1948، وبريسبان 2032

وفي المقابل، شهدت بعض الدورات سباقات ساخنة أو عاصفة أو حروبًا، امتزجت فيها السياسة بالمال بالنفوذ بالصفقات غير المعلنة، وكانت البداية دورة 1924، التي تنافست على استضافتها (باريس، وأمستردام، وروما، ولوس أنجلوس، وبراغ، وبرشلونة)، وفازت باريس. وفي دورة 1952 كانت المنافسة بين (هلسنكي، وديترويت، وأمستردام، ولوس أنجلوس، وشيكاغو، وفيلادلفيا، ومينابوليس)، وفازت هلسنكي. وفي دورة 1960 كانت المنافسة بين (روما، وديترويت، ولوزان، وبودابست، وبروكسيل، ومكسيكو سيتي)، وفازت روما. وفي دورة 1992 كانت المنافسة بين (برشلونة، وباريس، وبرمينغهام، وبلجراد، وأمستردام)، وفازت برشلونة. وفي دورة 2004 تنافست (أثينا، وبوينس آيريس، وريو دي جانيرو وليل، وروما، وسانت بطرسبورغ، وكيب تاون، وإشبيلية، وإسطنبول وإستكهولم، وسان خوان بورتو ريكو)، وفازت أثينا، وفي دورة 2008 تنافست (بكين، وتورنتو، والقاهرة، وهافانا، وباريس، ولايبزيج، وموسكو، ومدريد، وإسطنبول، ونيويورك)، وفازت بكين. وفي دورة 2012 تنافست (لندن، وريو دي جانيرو، وهافانا، وباريس، ولايبزج، وموسكو، ومدريد، وإسطنبول، ونيويورك)، وفازت لندن. وفي دورة 2016 كانت المنافسة بين (ريو دي جانيرو، وباكو، وبراغ، وطوكيو، والدوحة، ومدريد، وشيكاغو)، وفازت ريو دي جانيرو.

وكان من الضروري هذا التوقف أمام التاريخ الأوليمبي قبل أي حديث عن حق وحلم أي مدينة عربية باستضافة دورة أوليمبية، ففي هذا التاريخ دروس شديدة الأهمية والوضوح أيضًا، لمن لا يرى التاريخ مجرد حواديت كانت وانتهت، إنما إحدى وسائل البحث عن مستقبل دون أخطاء وخسارات الماضي، وفي هذا التاريخ أيضًا وصايا لازمة لأي مدينة عربية تخطط وتحلم وتريد الآن ومستقبلًا باستضافة دورة أوليمبية، وقبل الدروس والوصايا لابد من التأكيد على أن العرب رياضيًّا ليسوا هم نفس العرب قبل 2022؛ فبعد نجاح قطر في استضافة وتنظيم مونديال 2022، وإشادة العالم بهذا النجاح، ثم البطولات الرياضية العالمية ونجومها الكبار التي بدأت تقام في السعودية، ثم اختيار المغرب للمشاركة في استضافة مونديال 2030، لم يعد الحلم العربي باستضافة دورة أوليمبية مستحيلًا أو بعيدًا، لم يعد وهمًا أو خيالًا إنما هو حق مشروع لأي مدينة عربية تريد ذلك، وسواء نجحت هذه المدينة أو لم تنجح، فلن تكون جنسيتها العربية هي سبب نجاحها وفشلها، فالنجاح والفشل الأوليمبي لهما أسباب وحكايات وحسابات كثيرة لابد من مراعاتها والانتباه لها قبل قرار الدخول في أي سباق أوليمبي.

والوصية الأولى أو الدرس الأول الذي نخرج به من هذا التاريخ الأوليمبي: هو أنه ليست هناك قواعد ثابتة ودائمة تستند إليها اللجنة الأوليمبية الدولية ورئيسها وأعضاؤها عند اختيار المدينة الفائزة باستضافة دورة أوليمبية، فأحيانًا تكون المعايير الأهم هي الملاعب والقرية الأوليمبية، وأحيانًا قياسات البيئة ومعدلات التلوث، وأحيانًا قضايا ليست رياضية وأوليمبية مثل: حقوق الإنسان، وأحيانًا أخرى مكانة المدينة سواء السياسية أو الرياضية واقتناع واحترام أعضاء اللجنة الأوليمبية الدولية لها. وفي التسع والعشرين دورة أوليمبية التي أُقيمت حتى ما قبل باريس 2024، لم يكن هناك سبب واحد دائم استند إليه أعضاء اللجنة الدولية سواء في اختيار مدينة أو رفض مدينة أخرى، إنما اختلفت الأسباب من دورة لأخرى وتغيرت في كل فترة زمنية حسب متغيرات السياسة أو الاقتصاد وحتى الحسابات الرياضية نفسها؛ فقد استضافت مدينة مونتريال الكندية دورة 1976 ليس لأنها كانت الأفضل أو الأحق؛ ولكن لأن المدينتين اللتين كانتا تريدان هذه الدورة هما (لوس أنجلوس، وموسكو)، وانقسم العالم بين المدينتين في ظل حرب باردة كانت قائمة بين (الغرب، والشرق)، فكان الحل الأمثل هو أن تفوز مونتريال بالدورة بدلًا من غضب الأمريكيين أو السوفييت، الذين تمت مراضاتهم ففاز السوفييت بالدورة التالية 1980، وفاز الأمريكيون بدورة 1984.

والوصية أو الدرس الثاني: هو عدم الاعتماد على العدالة والمنطق، فهناك مدن فازت ولم تكن هي الأفضل والأحق، وخسرت مدن توقع كثيرون فوزها وكانت لديهم أسبابهم الواضحة والموضوعية والحقيقية التي تم تجاهلها عند التصويت والاختيار، فعلى سبيل المثال: تم إسناد دورة 1920 لمدينة أنتيويرب البلجيكية الصغيرة، رغم أن العاصمة الهولندية أمستردام خاضت نفس السباق وكانت تريد هذه الدورة، وأيضًا العاصمة المجرية بودابست، ولم تقم اللجنة الأوليمبية الدولية وقتها بأي مقارنة بين المدن الثلاثة لكن كان القرار والاختيار هو أنتيويرب. وفي دورة 1924، كانت العدالة تقتضي منح الدورة لمدن كبرى لم يسبق لأي منها استضافة دورة أوليمبية مثل (روما، ولوس أنجلوس، وبرشلونة، وأمستردام، وبراغ)، لكن تم منح الدورة لباريس، التي سبق أن استضافت دورة 1900. وفي المقابل، استضافت سول دورة 1988، رغم أن مدينة ناغويا اليابانية كانت صاحبة الملف الأفضل لأن اليابان سبق لها استضافة دورة 1964، بينما لم يسبق أن استضافت كوريا الجنوبية أي دورات أوليمبية، وقيل وقتها أن نجاح سول في تنظيم مسابقة ملكة جمال العالم 1980، كان أيضًا أحد أهم وأقوى أسباب اختيار سول؛ حيث جرى التصويت في العام التالي في مدينة بادن بادن في ألمانيا الغربية.

والوصية أو الدرس الثالث: هو ضرورة معرفة إذا كان هناك اتفاق مسبق على المدينة واستقرار نهائي على اختيارها لاستضافة الدورة الأوليمبية، وفي هذه الحالة يبدأ السباق ويستمر ويظل المتنافسون يحلمون ويضغطون ويستثمرون علاقاتهم وكل إمكاناتهم، بينما المدينة الفائزة معروفة سلفًا، ورغم أنه من المفترض والطبيعي أن تبقى مثل هذه الاتفاقات سرية إلا أن هذه السرية ليست مطلقة إنما يمكن اختراقها ومعرفة تفاصيلها، ويعتقد كثيرون أن دورة 2012 كانت للندن حتى قبل أن يبدأ السباق، وهو سباق شهد منافسة شرسة وقاسية استنادًا إلى قوة ونفوذ المدن الراغبة في الاستضافة (باريس، ونيويورك، وموسكو، ومدريد، وإسطنبول، وهافانا، وريو دي جانيرو، ولايبزج)، وبالنسبة لهؤلاء الكثيرين كانت باريس هي صاحبة الملف الأفضل والمرشحة الأقوى، وبمنتهى الهدوء تركت لندن كلًا من (باريس، ونيويورك، وموسكو، ومدريد) يتنافسون ويتسابقون ويبذلون الجهد والوقت والمال بينما فازت بالدورة لندن في النهاية.

والوصية أو الدرس الرابع: هو ضرورة التجاهل التام لشعار زائف اسمه “لا رياضة في السياسة ولا سياسة في الرياضة”، شعار رفعه الغرب والشمال وصدقه الشرق والجنوب، وعلى سبيل المثال: لم تنجح أي مدينة شرقية في الفوز باستضافة دورة أوليمبية في الفترة من 1952 حتى 1979، وهي سنين الحرب الباردة بين (الغرب، والشرق)، ولم يكن الغرب ليقبل أن تنال أي دولة شرقية هذا الشرف الأوليمبي، فتوالت الدورات في البلدان البعيدة عن الاتحاد السوفييتي وحلفائه: فنلندا 1952، وأستراليا 1956، وإيطاليا 1960، واليابان 1964، والمكسيك 1968، وألمانيا الغربية 1972، وكندا 1976، وبكثير من الضغوط ونتيجة لهدنة على صفيح ساخن بين (الغرب، والشرق)، فازت موسكو بدورة 1980. وفي 2015، بدأ سباق استضافة دورة 2024؛ حيث تنافست (لوس أنجلوس، وباريس، وروما، وهامبورج، وبودابست)، وأدرك مسؤولو (روما، وهامبورج، وبودابست) أنهم واقعيًّا خارج السباق؛ لأن الضغوط السياسية غير المعلنة فرضت الاختيار بين (لوس أنجلوس، وباريس) فقط فانسحب الآخرون، واضطرت اللجنة الأوليمبية الدولية نتيجة نفس الضغوط والمواءمات السياسية إلى اقتسام الأمر بين القوتين الكبيرتين ففازت باريس بدورة 2024 لتحتفل بمرور مئة سنة على دورة 1924، وفازت لوس أنجلوس بدورة 2028، وبالطبع ونتيجة لغياب أي ضغوط سياسية حقيقية لبلدان إفريقيا، ظلت إفريقيا هي القارة الوحيدة- حتى الآن- التي لم تستضف أي دورة أوليمبية، وبالتالي يتعين على أي مدينة عربية تسعى لاستضافة دورة أوليمبية أن تحشد كل أوراقها السياسية قبل أي حديث عن إمكانات رياضية أو اقتصادية.

والوصية أو الدرس الخامس: هو عدم خوض أكثر من مدينة عربية نفس السباق، وعلى الرغم من أنه لا يمكن واقعيًّا وسياسيًّا وجغرافيًّا اعتبار المدن العربية تنتمى لدولة واحدة، إلا أنها بالنسبة للعالم حولنا مدن تتشابه في أنها كلها عربية، ولابد من الاستفادة من الدرس الأمريكي؛ فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح لمدنها بالتقدم بملفات منفصلة لاستضافة دورات أوليمبية وأن تتنافس فيما بينها. ففي دورة 1952، على سبيل المثال، تنافست على استضافتها المدن الأمريكية (ديترويت، ولوس أنجلوس، وشيكاغو، وفيلادلفيا، ومينا بوليس)، وفي النهاية فازت هلسنكي. ولم تستوعب المدن الأمريكية الدرس، فتسابقت لاستضافة الدورة التالية 1956 كل من (ديترويت، ولوس أنجلوس، وشيكاغو، وفيلادلفيا، ومينا بوليس، وسان فرنسيسكو)، وفازت مونتريال بالدورة. وإذا تقدمت أكثر من مدينة عربية لاستضافة نفس الدورة، فهذا يعنى احتمال أكبر بالخسارة وليس الفوز، وأشهر حكاية تخص التنافس العربي كانت في انتخابات الفيفا 2016، بعد السقوط المدوي لبلاتر وإرغامه على تقديم استقالته، وخاض سباق تلك الانتخابات “جياني إينفانتينو” مرشحًا أوروبيًّا أمام اثنين من العرب، البحريني الشيخ “سلمان بن إبراهيم آل خليفة” رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، والأمير الأردني “علي بن الحسين” نائب رئيس الفيفا، وكانت النتيجة الطبيعية هي فوز إينفانتينو بالرئاسة، ففي الجولة الأولى نال إينفانتينو 88 صوتًا، والشيخ سلمان 85 صوتًا، والأمير علي 27 صوتًا، وهي أرقام تعني أنه لو نال الشيخ سلمان أصوات الأمير علي لم يكن إينفانتينو ليفوز بالمنصب، وكان الشيخ سلمان سيصبح أول عربي يجلس على مقعد رئاسة الفيفا.

والوصية أو الدرس السادس: هو حسن التصدي لأسباب قد يعلنها مسؤولو اللجنة الأوليمبية الدولية، ويرون أنها قد تمنع إقامة دورة أوليمبية في مدينة عربية، وعلى سبيل المثال: قد يقال أن الدورات الأوليمبية الصيفية من المعتاد إقامتها في شهري (يوليو، وأغسطس)، وهما شهران قد لا تتناسب فيهما درجات الحرارة العالية في المدن العربية المنافسات والسباقات الأوليمبية، وسيقال أيضًا أنه يصعب إقامة الدورة الأوليمبية الصيفية بعيدًا عن أشهر الصيف، وليس ذلك صحيحًا؛ ففي 1956 استضافت ملبورن الدورة في شهر نوفمبر، وفي 1964 استضافت طوكيو الدورة في شهر أكتوبر، وفي 1968 استضافت مكسيكو سيتي الدورة في شهر أكتوبر أيضًا، وفي 2000 استضافت سيدني الدورة في شهر سبتمبر.

والوصية أو الدرس السابع: هو الحرص على تأكيد وتوضيح ما ستربحه اللجنة الأوليمبية من مال بعد إقامة هذه الدورة الأوليمبية في مدينة عربية، ففي النهاية يبقى الربح المادي هو الرهان الأول والأكبر للجنة الأوليمبية الدولية، وقد أصبحت المدن التي تتنافس على استضافة الدورات الأوليمبية يتناقص عددها عامًا بعد آخر نتيجة تكلفة الاستضافة التي بدأت منذ 2016 تزيد عن الخمسة مليارات دولار، وهناك دورات زادت تكلفة استضافتها عن هذا الرقم كثيرًا مثل: دورة بكين 2008، التي بلغت تكلفة استضافتها 40 مليار دولار بعكس دورة لوس أنجلوس 1984، التي كانت اقتصاديًّا هي الدورة الأكثر نجاحًا في كل التاريخ الأوليمبي، والنفقات المالية المتزايدة تمنح أفضلية لبعض المدن العربية التي تملك الحلم والرغبة في استضافة دورة أوليمبية، وتملك أيضًا المال اللازم لذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى