2022العدد 189ملف دولى

هل هناك إرهاصات لإقامة محاور استراتيجية بين الدول الكبرى ؟

تؤشر التحركات الدولية والسياقات التي تجري في إطارها إلى أن العالم بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في العلاقات بين أطرافه الفاعلة؛ حيث تجري محاولات حثيثة من قبل بعض الفاعلين الدوليين لإعادة صياغة أوزان القوى الدولية، وإعادة توزيع الحصص في المصالح والثروات بطريقة تتناسب وموازين القوى الجديدة الآخذة في التبلور بعد فترة من الزمن سيطرت فيها الولايات المتحدة الأمريكية على تفاعلات مسرح الحدث الدولي، وحاولت تشكيل عالم بدون منافسين، وهو ما يبدو أنها حقبة بدأت تعيش أيامها الأخيرة في ظل تحرك أقطاب دولية جديدة، تعتقد أنها باتت تملك من عناصر القوّة ما يؤهلها للعب دور موازٍ، إن لم يكن أكبر من دور الولايات المتحدة الأمريكية.

غير أن الأطراف الصاعدة تدرك صعوبة موازنة القوّة الأمريكية منفردة، وبنفس الوقت، لم يعد باستطاعتها الوقوف جانبًا ومراقبة سلسلة التغيرات في ميزان القدرة العسكرية والاستراتيجية، لذا ثمة اتجاه دولي للبحث عن صيغ لكسر منظومة الهيمنة الإقليمية تتبناه الصين وروسيا، وحتى بعض دول أوروبا الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، يشي باحتمالية عودة المحاور الاستراتيجية باعتبارها شكلًا من أشكال التحالف يمكن من خلالها تجميع الموارد وحشد الطاقات لتحقيق التوازن في مواجهة الطرف الأمريكي المهيمن.

تتمثل الأهداف المتوخاة من هذا التحوّل في مواقف الأطراف المشار إليها، بتحقيق أعلى قدر من توازن المصالح نتيجة اعتقادها أن الوضع الدولي الراهن لا يحفظ لها مصالحها على كافة المستويات (الأمنية والاقتصادية والسياسية)، وهي مصالح مختلة في ظل موازين قوة مائلة للطرف الأمريكي، كما تفرض عليها التغيرات البنيوية في البيئة الاستراتيجية الدولية الإسراع في إيجاد صيغ تضمن لها حضورًا عالميًّا فاعلًا يوازي حجم تطلعاتها لأدوار مؤثرة في المرحلة الزمنية المقبلة.

المحاور كأدوات لتحقيق التوازن والمصالح:

ليس الغرض من صناعة محاور جديدة مجرد استعراض للقوة، أو حتى وسيلة لإخبار الأطراف الدولية عن وجود تكتل قوي جديد يزاحم على الهيمنة في العالم، بقدر ما قد يبدو أحيانًا حاجة تكتيكية واستراتيجية تفرضها متغيرات البيئة الدولية، وحسابات اللاعبين لمستقبل أوضاعهم وتصوراتهم للأدوار التي يطمحون للقيام بها، وتقديرهم للقوة التي باتوا يمتلكونها.

ويمكن اعتبار المحاور، شكلًا من أشكال التحالفات في العلاقات الدولية، وينطبق عليها تعريف التحالف الذي تقوم فلسفته على  أساس اجتماع دولتين أو أكثر، ضمن إطار معين لمواجهة قوى أخرى بهدف تحقيق التوازن بينهما، وحماية الأمن القومي لهذه الدول والدفاع عن مصالحها الوطنية.

وثمة هدف آخر يتمثل في ردع الخصوم عن التفكير في العدوان على الأطراف المشكّلة للتحالف، أو منعها من التعدي على مصالحها الحيوية، وخاصة فيما تعتبره هذه الأطراف مجالات نفوذ لها، وهو ما نشهده اليوم بشكلٍ صريح من خلال التركيز الكبير في ديناميات الصراع الجيوسياسية حول مناطق النفوذ (أوكرانيا وسوريا وبحر الصين الجنوبي)، والتي تصنف في التقييم الاستراتيجي كمناطق جذب استراتيجي مهمة.

وتأخذ التحالفات أشكالًا عديدة حسب طبيعتها وما تريده الأطراف المشكلة لها منها، والسياقات الاستراتيجية التي صنعتها، فهناك تحالفات غير رسمية، وهي لا تتطلب تعهد رسمي يقوم على وجود تنسيق بين عمليات صنع القرار، وتحالفات دفاعية وهي تنشأ بدافع الخوف من خطر مشترك يتهدد الدول المتحالفة دفاعًا عن الكيان الإقليمي للدول المتحالفة وحماية لأمنها القومي، وهناك أيضًا تحالفات مؤقتة، يكون لها مدة زمنية معينة تنقضي معها طالت أم قصُرت.

روسيا والصين محور قيد التشكّل:

من أبرز الأمثلة على إرهاصات المحورة الاستراتيجية الراهنة، الشكل العلاقاتي المتطور بين روسيا والصين بعد الاتفاقيات التي وقعها الطرفان على هامش زيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للصين بمناسبة افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، والبيان الصادر عن القمة التي جمعته مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، والمكون من 5300 كلمة، والذي يبدو أنه أكثر من بيان رئاسي بقدر ما هو إعادة تعريف للديمقراطية والعلاقات الدولية.

في خلفية هذه التطورات، تقف مخاوف روسيا والصين من مخاطر تشكّلها أحلاف وقوى أخرى، وفي تقديرات روسيا والصين أنهما باتا في الربع الساعة الأخيرة قبل أن تطبق عليهما الأطراف المعادية، وتقضم مجالاتهما الحيوية وتلغي أي إمكانية لتغيير أوضاعهما الجيوسياسية في المستقبل المنظور.

في الغرب، تجد روسيا نفسها محاصرة من قبل “حلف الناتو”، الذي يحاصرها من عدة جهات، وتطالب باحترام الوعود الشفهية التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعطتها لروسيا، عشية تفكك الاتحاد السوفيتي، فيما يتعلّق بعدم توسّع النّاتو إلى ما وراء خطّ (أودر-نايسه)، الّذي يفصل بين ألمانيا وبولندا، وهو الأمر الذي رفضته الإدارة الأمريكية معتبرة أنها ضد أي فكرة من شأنها تقييد توسع الناتو،  في حين رأت بريطانيا أن مثل هذا الطلب يتعارض مع خيارات الشعوب وقراراتها الحرة في اختيار ما تريده.

وفي الشرق، تتابع الصين بقلق وتوتر تسارع الخطوات الأمريكية في بحرها الجنوبي، والتي لا تخف هدفها المتمثل بمحاصرة النشاط الصيني المتصاعد الذي يهدد- برأي واشنطن- مصالح حلفائها في المنطقة، ويجعل الصين لاعبًا أساسيًّا في المحيط الهادي، في حين يطوي الموقف الأمريكي ضمنًا هدفًا آخر يتمثل بمنع الصين من التحوّل إلى أكبر قوّة اقتصادية وعسكرية في المستقبل، وليس سرًّا أن ” تحالف أكوس” بين (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا)، الذي تم الإعلان عنه في صيف 2021 مخصصٌ للقيام بهذا الدور.

من المهم الإشارة هنا إلى الصبغة الجيوبولوتيكية في هذه الصراعات القائمة، ففي حين يجري حصار روسيا بريًّا عبر أوروبا الشرقية- باعتبار روسيا أكبر قوّة برية في العالم- وانطلاقًا من الضرورات الأمنية لحماية قلب أوروبا الغربية، التي تشكّل الكتلة الأساسية في حلف الناتو، فإن الصين يجري مواجهتها عبر البحار من قبل قوى تعتبر تاريخيًّا من أقوى القوى البحرية في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا)، وباعتبار أن الهدف من هذا الصراع هو السيطرة على ما بات يعتبر أهم مناطق العالم استراتيجية في المرحلة المقبلة (المحيطان الهادي والهندي)، اللذَان تتركز على شواطئهما جزءًا كبيرًا من الثروة العالمية.

تنطبق على العلاقة بين روسيا والصين صفة المحور، ربما لتشابه ظروف العلاقة بينهما مع الظروف التي نشأ بها تحالف دول المحور(ألمانيا وإيطاليا واليابان) في الحرب العالمية الثانية، حيث تبرُز روسيا والصين قوتين رافضتين للقيود التي تمنعهما من توسيع مجالات نفوذهما، وهذا المنع ليس ناتجًا عن عقوبات دولية كالتي كانت تعاني منها ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، بل هو منع ناتج عن وجود بيئة إقليمية متخوفة من هذا النفوذ، ومن جهة أخرى فرضته ظروف تحوّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى القطب العالمي الأساسي، الذي أعاد توزيع القوى في النظام الدولي المعاصر بما يتوافق مع حساباته الأمنية والاستراتيجية ومصالحه القومية.

من جهة ثانية، تبرُز الصين وروسيا قوتين “رأسماليتين” تسعيان إلى إعادة توزيع حصص النفوذ والثروات العالمية، بدلًا من تفرد السيطرة الغربية عليها، وهما في ذلك تتقاربان مع ألمانيا وإيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، لكن هذه المطالبة تأتي على حساب شعوب حددت خياراتها في الانتماء للقيم الغربية، سواء باختيارها الديمقراطية كنظم سياسية، كما هو حاصل في دول أوروبا الشرقية_ أو باختيارها نمط القيم الأمريكية، كدول جنوب شرق آسيا وأي محاولة لإعادة تصويب مسارات التاريخ لن تؤدي سوى إلى تحطيم الاستقرار العالمي.

يمكن القول أن الصين وروسيا شكلتا اللبنات الأساسية لقيام محور جغرافي في أوراسيا، عبر اتفاقيات الطاقة الموقعة بينهما، والتقاطعات الهائلة في الرؤى السياسية، ورغم أن ذلك كله لا يصل إلى حد التحالف، إلا أن البيان الصادر عنهما في نهاية قمة (بوتين- بينغ)، يمثل عرضًا  مقصودًا للتضامن وأكثر من أي وقتٍ مضى، ويمكن تفسيره على أنه تعهد بالوقوف جنبًا إلى جنب ضد الولايات المتحدة والغرب، أيديولوجيًّا وعسكريًّا.

برلين- باريس محور متجدّد:

كشفت التطورات الأمنية الأخيرة في أوروبا- والمتمثلة بالتهديد الروسي ضد أوكرانيا-اختلاف المقاربات الفرنسية والألمانية مع الولايات المتحدة الأمريكية في طريقة إدارة الأزمة، حيث كان واضحًا ميل كل من (باريس وبرلين) باتجاه المساعي الدبلوماسية ومنحها أكبر فرصة ممكنة- عبر قنوات الحوار المباشر- وهو ما تجلى بزيارتي كل من الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، والمستشار الألماني “أولاف شولتس” لموسكو ومباحثاتهما مع الرئيس فلاديمير بوتين، وهو الأمر الذي أقلق إدارة بايدن من قلّة انصياع الحكومة الألمانية الجديدة، فقد منعت برلين تحليق الطّائرات البريطانية المُحمّلة بالأسلحة الموجّهة إلى أوكرانيا فوق أراضيها، كما طالبت  بأن تفصل المسألة الأوكرانية عن مسألة وضع أنبوب الغاز الروسي “نورد ستريم 2” الأساسي لاقتصادها في الخدمة.

أما الرئيس الفرنسي، فقد سعى إلى إعادة الاعتبار لصيغة “نورماندي الرباعية” التي تضم طرفي الأزمة (روسيا وأوكرانيا) بوساطة فرنسا وألمانيا، بهدف تطبيق اتّفاقات مينسك وتهدئة الوضع في أوكرانيا.

هذا الاختلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس وليد ظروف آنية، بل هو تباعد بات يفرضه اختلاف مصادر الخطر بالنسبة للطرفين، ففي الوقت الذي تعتبر فيه الصين خطرًا داهمًا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لا يعتبر الأمر كذلك بالنسبة لأوروبا التي تواجه مخاطر من نوع مختلف، بالإضافة إلى حسابات المصالح التي أصبحت متعارضة، وقد كشفت مرحلة إدارة الرئيس دونالد ترامب جزءًا من مشهد هذا التعارض بعد قيامه بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الألمانية والفرنسية ومطالبته للدولتين برفع نسب مساهماتهما في موازانات حلف الناتو، وهو ما اعتبرته الدولتان أمرًا غير منطقيًا.

أصبحت أوروبا بقيادة محور (برلين- باريس)، ترى أنه من الصعب الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف دائم، ليس للأوروبيين، وسبق للألمان أن قالوا إنه لا يمكن الاعتماد على سياسة خارجية أمريكية متغيرة كل أربعة أعوام.

وقد ظهرت دعوات- قادتها فرنسا- تدعو إلى ضرورة تطوير القدرات الاستراتيجية لأوروبا، في إطار تنامي اهتمام القارة بتطوير قدراتها الاستراتيجية بالتوازي مع الحفاظ على شراكتها عبر الأطلسي، وفيما يُصطلح على تسميته بـ”الاستقلال الاستراتيجي”؛ بما يسمح للاتحاد الأوروبي بنشر أصوله العسكرية بشكلٍ مستقل عن القوى الأخرى.

هذه التوجهات، أعطتها صفقة “أوكوس” زخمًا جديدًا، حيث رسخت قناعة (باريس- برلين) أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تضع أمن القارة الأوروبية في أعلى سلم أولوياتها، وهذا أمر طبيعي تحتمه المصالح القومية المتأثرة بالمتغيرات الدولية، لذا ترى دوائر صنع القرار، وخاصة في فرنسا وألمانيا، ضرورة إعداد مقاربات أمنية جديدة تتناسب مع المعطيات الدولية الراهنة، حتى لا تجد أوروبا نفسها أمام مأزق استراتيجي خطير، بدأ تظهر ملامحه، ليس من خلال فقدان الوزن الأوروبي في التأثير على مسارح الصراع العالمية، وإنما أيضًا عبر ضعف تأثيرها في ضبط الأمن في القارة الأوروبية نفسها، وقد برز ذلك من خلال الأزمة الأوكرانية التي بدت وكأنها صراع أمريكي بريطاني- روسي.

محاور “تحالفات” تكتيكية.

تكشف التطورات المتلاحقة على مسرح الحدث الدولي، أن المعادلات الدولية تتغير بسرعة، من عالم كان يتم توجيهه وإدارته من قبل قوى واحدة “الولايات المتحدة الأمريكية”، على الأقل في الثلاثين سنة الماضية، والتي يمكن قياس تأثيرها في تلك السنوات بأكثر من 75 بالمئة من التفاعلات الجارية في النظام الدولي، إلى عالم تتزاحم فيه القوى الإقليمية والدولية على إحداث تأثيرات بارزة، وقد شكّل هذا الحراك الدولي تأثيرًا كبيرًا بالقوّة الأمريكية إلى الحد الذي هدّد باستنزاف قوتها، وهو ما برز من خلال استجابتها لهذه التطورات، عبر انسحابها، أو تخفيض نسبة مشاركتها إلى حدود بعيدة في (أفريقيا والشرق الأوسط، وحتى أوروبا) في محاولة للتركيز على المناطق ذات القيمة الاستراتيجية لمصالحها.

هنا يبدو مهمًّا قراءة الاستراتيجيتين (الصينية والروسية) القائمتين على قاعدة التشتيت والاستنزاف، حيث عمدتا بدرجة كبيرة على القيام بأعمال بدت منسقّة أحيانًا، مثل: (زيادة التوتر حول تايوان والتهديد الروسي لأوكرانيا)، مع دمج ذلك في سياقات الصراعات الإقليمية الأخرى في (سوريا وليبيا وأفريقيا)، والهدف وضع الولايات المتحدة الأمريكية في بيئة استراتيجية مشتعلة لا تستطيع إدارتها بالكامل، ودفعها تاليًا إلى حصر خياراتها بما يتناسب مع قدراتها، وبما يسمح للخصوم باصطياد تنازلات ممكنة في صراعها التفاوضي مع واشنطن.

بيد أن استراتيجية التشتيت طوت بداخلها استراتيجية محورية موازية يطلق عليها في العلاقات الدولية مسمى “استراتيجية التفكيك” أو” استراتيجية الوقيعة” التي تهدف إلى تفكيك التحالفات المعادية المهددة للأمن القومي للدولة، وذلك من خلال اللعب على التناقضات المصلحية بين أطرافه، أو رفع تكلفة الاستمرار فيه، بما يدفعها في النهاية إلى التفكير في الانسحاب منه، أو على الأقل تحييد نفسها عن أي صراعات قائمة، حيث تذهب تفضيلات الأطراف إلى الاهتمام بالمصالح المباشرة والتهديدات الملحة، وهو ما وجدته الصين مفيدًا لها في دعم تحركات روسيا على حدود أوكرانيا، لدفع أوروبا للابتعاد عن استراتيجية واشنطن القاضية بحصار الصين، كما وجدت فيه روسيا وسيلة مثلى لتفكيك مواقف “حلف الناتو”، وإضعاف تماسكهاعبر إبراز التناقضات بين جناحية (الأوروبي والأمريكي.)

تؤشر هذه التحركات على وجود أزمة حقيقية أصابت النظام العالمي الحالي؛ وذلك لأن التحالفات الاستراتيجية القائمة هي نتاج كثرة التغييرات والتقلبات، وتشابك المصالح، وهو أمر غير قابل للاستمرار، بمعنى التحالفات الجارية الآن لم تستقر بشكل تحالفات نهائية، مثل أن التحالفات القائمة باتت عرضة للاهتزاز والاختراق، ويكشف عن ذلك عدم الاتساق في المواقف ولا وضوح في الاستراتيجيات.

ويكمن السبب وراء ذلك تعقّد العلاقات الدولية والتشابكات المصلحية بين الأطراف ودرجة الاعتمادية العالية التي فرضتها العولمة، فإذا كانت مصالح الصين تلتقي مع مصالح روسيا في ظرف معين وموضوع محدد، فإن الصين تعتمد بدرجةٍ كبيرة على التبادل الاقتصادي مع الولايات المتحدة الأمريكية، مثل اعتماد روسيا على التجارة والتكنولوجيا الأوروبية، ما يشكّل مانعًا أمام هاتين الدولتين في إعلان تحالف مضاد بشكلٍ علني ضد الغرب، فضلًا عن الشك والريبة اللذَيْن يحكمان علاقات الصين وروسيا أصلًا، نظرًا للتدافع الجيوسياسي بينهما في منطقة نفوذ واحدة، (آسيا الوسطى، وخوف النخب الروسية من إمكانية هيمنة الصين القوية على روسيا المتراجعة.

كل ذلك، يجعل العلاقات التحالفية بين الأطراف تأخذ طابعًا تكتيكيًّا مؤقتًا، وبصيغة لا مركزية، حيث تذهب الأطراف إلى اختيار ما يناسبها من السياسات والاستجابات دون أن تكون ملزمة بسياسة موحدة.

متى يمكن حصول التحالف؟ يمكن القول أننا إزاء لبنة محاور جاهزة للتحوّل إلى أحلاف رسمية في حال تغيرت اتجاهات الأحداث الدولية أو وقعت بالفعل حروب دولية على شكل صدام مباشر بين هذه القوى، باستثناء ذلك، ستبقى هذه المحاور غير مفعّلة تشغيليًّا، رغم استفادة أطرافها من مخرجاتها السياسية.

اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى