2020العدد 183عروض كتب

أزمة الهوية وتداعياتها على الاستقرار السياسِي في الوطن العربي

تناولت الباحثة في هذه الدراسة موضوعًا في غاية الأهمية، يمثل الخطر الأكبر الذى يهدد بقاء الدولة العربية واستمراريتها، كما يعيق عملية تقدمها ونهوضها خاصة في السنوات الأخيرة التي اندلع فيها ما يسمى بثورات الربيع العربي، والتي حملت معها الكثير من التحديات التي تهدد الاستقرار السياسي للدولة العربية الحديثة .

وقد حددت الكاتبة مشكلة الدراسة بالسؤال التالي: ما هي أزمة الهوية وتداعياتها على الاستقرار السياسي في الوطن العربي؟ ومن هذا التساؤل تفرعت منه تساؤلات أخرى؛ لفهم حقيقة أزمة الهوية وجذورها السياسية، وأسبابها، ودراسة هذه الأزمة في ليبيا

أما عن الكتاب فهو مكون من ستة فصول: الفصل الأول بعنوان (تأثير أزمة الهوية عل الاستقرار السياسي للدول العربية).

­ حيث تقول الكاتبة أن العالم العربي لم يعرف الدولة الوطنية خلال قرون طويلة، فقد زالت ملامح الدولة الوطنية لصالح دول أكثر اتساعًا من البعد القطري فيما عرف عبر التاريخ العربي بدولة الخلافة، ورغم حدوث محاولات عبر هذا التاريخ للاستقلال وإقامة الدولة الوطنية الحديثة إلا أن هذه المحاولات باءت جميعها بالفشل لاعتبارات كثيرة، يعود بعضها لعدم جاهزية العقل العربي لهذا النمط من الدول .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية بعدها وإلغاء الخلافة سقطت كل العقبات أمام ظهور الدولة الوطنية، وبدأت التفاعلات مع كل إقليم عربي بهدف الوصول إلى الاستقلال النهائي عن الاستعمار الذي تكرس فعليًا من خلال اتفاقية (سايكس بيكو) .

 بعد ذلك بدأت الدولة الوطنية في العالم العربي تستكمل ملامحها وإن كان ذلك بخطى بطيئة، وبدأ الحديث عن كيفية بناء الدولة الحديثة ومواجهة المعضلات التي تراكمت على مدار عقود من التبعية والاستعمار.

لقد عملت كل دولة عربية على الحفاظ على هويتها وسيادتها واستقلالهـــــا، لكنها عانت خلال تاريخها من تفاعلات ارهاصات انعكست سلبيًا على الهوية الوطنية للدولة، فمع حجم التحديات الكبيرة التي واجهتها الدولة العربية، بدأت كل منها تبحث لنفسها عن هوية تمهد لها الطريق للتغلب على الصعاب الكبيرة التي تواجهها، ولكي يتم بناء دولة وطنية حديثة وعصرية، يجب تحقيق الانسجام السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، وهو أمر لن يُكتب له النجاح إلا إذا نجحت الدولة في اكتشاف هويتها .

وفى هذا السياق تركز الباحثة على موضوع في غاية الأهمية ويمس معظم الدول العربية _خاصة في السنوات الأخيرة _التي اندلعت فيها الثورات العربية وحملت معها كثيرًا من التحديات التي تهدد الاستقرار السياسي لتلك الدول، ومن هنا تعطى الكاتبة نموذجًا هامًا في هذا الفصل وهو( النموذج الليبي )،وفيها تستدل الكاتبة بدراسة للباحث (بول سالم، وأماندا كادليك )بعنوان ” تحديات العملية الانتقالية في ليبيا “. حيث يرى الباحثان أن ليبيا بعد سقوط القذافي تمر بمرحلة انتقالية صعبة_ خاصة في ظل غياب المؤسسات التي من المفترض أن تدير هذه المرحلة _، ويعتقد الباحثان أن أكبر التحديات التي تواجهها ليبيا تتمثل في وجود الميليشيات المسلحة، وانتشار الجماعات الإرهابية، والنزاعات القبلية والمنطقية ،وأزمة الهوية التي يعاني منها المجتمع الليبي، حيث تتوزع ولاءاته على أسس قبلية ومناطق جغرافية، ويرى أيضًا أن الدولة الوطنية وقعت أسيرة الصراع الذي استنزف إمكانيات الدولة الوطنية، في معارك بعيدة تمامًا عن المصلحة الوطنية لكل دولة، لذلك جاءت ثورات الربيع العربي كتعبير عن الرفض لما وصلت إليه الأوضاع بسبب هذا الصراع .

وهناك اعتقاد أنه بالرغم من أن الصراع بين التيارين هو فكرى من الأساس لكن ذلك لم يمنع المساس بالبقايا الوطنية لكل دولة، وبذلك أصبحت الدولة الوطنية والهوية العربية هي الضحية لهذا الصراع _خاصة أن المتبارين المتصارعين فشلا في تقديم مقاربة حقيقية لأزمات الدولة الوطنية في كل قطر عربي._

وتوصل الباحثان في نهاية الدراسة إلى أن إعادة بناء الدولة الليبية لن يكتب لها النجاح إلا عبر اتفاق وطني عام على من يحكمها، من خلال نظام سياسي دستوري يضمن الشراكة والتعددية والحريات ويجتذب ولاء المواطنين من مختلف المناطق والقبائل تحت راية هوية واحدة تجمع الكل الليبي .

أما الفصل الثاني من الكتاب فعنوانه (نشأة الدولة العربية الحديثة )

حيث تشير الكاتبة إلى مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت في بناء الدولة العربية الحديثة، وشجعت التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية العربية على محاولة استنساخ النموذج الغربي للدولة الوطنية وتقليده، ثم تكييف هذا النموذج في مراحل لاحقه مع واقع البلاد العربية ليناسب أطروحاتها (الفكرية، الأيديولوجية ،السياسية، التاريخية ،والاجتماعية.(

ومع تعرض المنطقة العربية لموجة الاستعمار الغربي، وعلى الرغم من دور الاستعمار في تكريس الدولة الوطنية العربية من خلال تقسيم (سايكس بيكو)، إلا أن البلاد العربية بدأت تعمل على التخلص من الاستعمار، ولم يكن البديل المتاح عن الاستعمار سوى إقامة الدولة الوطنية على أسس وطنية، والتخلص من رواسب الاستعمار، وهو ما سيكون طوق النجاة أمام هذه البلدان ؛ للتخلص من التبعية والفقر والتخلف، وهكذا بدأت تتبلور قناعة لدى حركات التحرر العربية، بأن الدولة الوطنية غير التابعة للقوى الاستعمارية الطريق الوحيد أمامها للحاق بالحضارة الغربية بعد قرون التبعية، وما أن حققت معظم البلدان العربية استقلالها وأقامت دولها الوطنية ،حتى تحولت جهودها نحو بناء دولة وطنية حديثة تستطيع مواجهة التحديات الكبرى التي وجدت نفسها في مواجهتها بعد الاستقلال، كالتنمية، والتخلص من بقايا الاستعمار، والديمقراطية، وبناء دولة المواطنة .

وفى هذا الفصل تقدم الباحثة الجذور التاريخية لنشأة الدولة الوطنية العربية الحديثة، من خلال استعراض العوامل التي ساهمت في نشأتها، ثم تتطرق إلى الخصائص، والسمات التي تميز الدولة الوطنية في العالم العربي عن غيرها من دول العالم .

أما الفصل الثالث :فعنوانه( أزمة الهوية في الوطن العربي).

حيث تحتل مسألة الهوية اليوم حيزًا هامًا، في النقاشات لدى النخب العربية (السياسية، الاجتماعية ،الفكرية، الاعلامية، والاكاديمية )، فهي قضية العصر وموضوع اللحظة، وتأخذ هذه القضية أبعادًا شتى في كافة أنحاء العالم، لكنها في العالم العربي تحتل مكانة متميزة وبارزة، فقد تزايد الاهتمام بموضوع الهوية في النصف الثاني من القرن العشرين، وساهم (صعود الوعى القومي، والثوري، وحركات التحرر الوطني، ومواجهة التبعية، ومتطلبات تصفية الاستعمار، وانتشار الحركات الإسلامية ) في تزايد الاهتمام بهذه القضية، وبدأ ظهور ما يعرف بخطاب الهوية، الذى يشكل تصورًا خاصًا من كافة التشكيلات داخل المجتمعات العربية للهوية الوطنية الجامعة، التي ينطوي الجميع تحت لوائها، والتي تعطى الشرعية للنضال السياسي، والاجتماعي في المجتمعات العربية، في معاركها لبناء الدولة الحديثة، وتحقيق التنمية والحداثة .

والباحثة ترى أيضًا في هذه الجزئية أن هناك إشكالية مرتبطة بمفهوم الهوية حيث ينظر الكثيرون للهوية على أنها مجرد موروثات من الماضي تورث من جيل إلى آخر، لكن هؤلاء يتناسون أن الهوية في جزء منها هي مشروع مستقبلي منفتح دائمًا على القابلية للتجدد وإعادة التشكيل واكتساب سمات جديدة، فالخطر الذى يمكن أن يترتب على وجود أزمة هوية على المدى البعيـــد، هو أن وجود هذه الأزمة سوف يؤدي مع التراكم التاريخي لهذه الأزمة إلى الحرب الأهلية التي تهدد بتفتيت السيادة وتمزيق الوحدة الوطنية داخل الدولة ،كما سيفتح الباب أمام التدخل الخارجي، مما سيؤدى إلى انتزاع السيادة ونقلها إلي كيانات دولية وإقليمية أكبر كالنظام الشرق أوسطى الجديد .

وبناء على ذلك، فإن العالم العربي يعيش هذه اللحظة أزمة هوية طاحنة، تهدد بضياع جميع المكتسبات الوطنية التي حققها العرب على مدار تاريخهــــــم، حتى وإن كانت قليلة، فالخطر الذى يهددهم هو زوال الدولة الوطنية الحديثة، وتفككها لصالح اجندات غير وطنية وغير قومية، ويمكن القول :أن العرب دفعوا ثمنًا باهظًا بسبب تشتتهم، حيث تفرقت جهودهم، وأصبحوا عاجزين عن مواجهة التحديات والمعضلات الكبرى، فكيف يكون الحال إذا تزايد التشتت، فى عالم لا يعترف إلا بالأقويـــاء؟.

أما الفصل الرابع :فعنوانه (الثورة الليبية وسقوط القذافي).

 تشير الكاتبة إلى أن ليبيا مرت عبر تاريخها الطويل بتحولات كبيرة، ومنعطفات هامة، أثرت في رسم التطورات التي شهدتها ليبيا في العصر الحديث، وكان مصيرها ومستقبلها خلال فترات طويلة شديد الارتباط بما يحدث في محيطها العربي الإسلامي، وفى هذا الفصل توضح الباحثة أيضًا، جذور أزمة الهوية في الدولة الليبية، حيث تقول: “أنه مع وصول معمر القذافي للحكم في ليبيا عام 1969، بدأ يعمل على تجسيد الهوية العربية الليبية، لكنه تذبذب على مدار سنوات حكمه بين هويات متعددة:( فتارة هوية إفريقية، وتاره هوية اشتراكية، وتاره هويه أممية عالمية)، وفى زحمة الهويات انحسر الشعب الليبي في هوية فرعية استندت للمنطقة أو القبلية”.

 ولكى نفهم التركيب الاجتماعي للمجتمع الليبي، يجب العودة إلى الأصول التاريخية للمجتمع، فقبل الفتح الإسلامي لليبيا، بدأت عملية تعريب للسكان البربر وحدث انصهار وتزاوج بين (الفاتحين العرب والسكان البربر )، وتوحد الشعب من العربي والبربري لغةً ودينًا وحياةً وتقاليدًا وأوضاعًا اجتماعية، وباختصار فإن المجتمع الليبي يغلب عليه الطابع القبلي، والقبلية في ليبيا لا تختلف في بنائها الاجتماعي عن القبلية العربية والقبيلة وطن أي أرض ننتقل فيها ونملكها ونحميها.

وعلى هذا فإن المجتمع الليبي مجتمع قائم أساسًا على القبيلة، التي تمثل حجر الأساس في الدولة الليبية، وتشير التقديرات أن ليبيا تضم حوالى 140 قبيلة وعشيرة بعضها يمتد من مصر إلى تونس، ويشكل العرب غالبية سكان ليبيا يليها الأمازيغ فالأفارقة فالطوارق، وتتوزع هذه المجموعات على قبائل تستوطن ليبيا حيث تنتشر القبائل العربية من حدود مصر إلى الساحل الليبي وصولًا إلى تونس وتمتد في عمق الصحراء .

ثم تشير الباحثة بعد ذلك إلى سياسات القذافي التي كانت لها أثارًا وخيمةً على الاستقرار والانسجام الاجتماعي، فقد أدت سياسة الإقصاء والتهميش لكافة مكونات المجتمع الليبي إلى ظهور أزمة هوية ألقت بظلالها على جميع نواحي الحياة، وأدت بتراكماتها على مدار عقود إلى الأزمة الليبية الحالية .

أما الفصل الخامس :فقد اختص بالحديث عن (أزمة الهوية في ليبيا ).

حيث تكاد جميع المشاكل السياسية في العالم العربي تنحصر بمسألة الهوية، ففي رأى الباحثة أن الواقع السياسي يقول :”أن الكثير من الدول العربية أنشئت بقرار من المستعمر، إلا بعض الدول ومنها الدولة المصرية التي تمتد جذورها إلى عبق التاريـــــــخ، والسعودية التي قامت على فتوحات “عبد العزيز آل سعود” لمعظم أجزاء جزيرة العرب وتوحيدها في الشكل، أوجدت الدول هوية وطنية رسمية تتجلى في (الوثائق الشخصية، بطاقة هوية، جواز سفر )، لكن الهوية الوطنية الحقيقية التي تعبر عن انتماء الفرد تعيش أزمة تخبط، وضياع تعلو وقت الأزمات، وتنخفض عند ظهور حكم قوى، والدليل على ذلك أن بعض المواطنين يعرفون أنفسهم بمنطقتهم ،أو اثنيتهم ،أو دينهم ،أو مذهبهم، وفى بعض الأحيان قبيلتهم، أو الجهة القادم منها جنوبي أو شمالي، غربي أو شرقي، وفى ليبيا كان الحال كما هو عليه في الدول العربيـــــة .

هذا وقد مرت ليبيا عبر تاريخها الطويل بتحولات كبرى، وكان مصيرها ومستقبلها خلال فترات طويلة مرتبط بجوارها، وبعدها العربي، والاسلامي، والافريقي، ولأن المجتمعات العربية في الغالب مجتمعات قبلية، وبينها تنوع اثنى أو طائفي، فقد أثرت التركيبة الاجتماعية في ليبيا على مجمل الحياة السياسية للدولة الليبية بعد الاستقلال، فلم تنجح الدولة في جمع الكل الليبي تحت لواء هوية واحدة، بسبب التباينات القبلية، والعصبية بين الأقاليم لاسيما وأن الدولة الحديثة سارت في غير طريق الديمقراطية، ومع تولى القذافي مقاليد الحكم في ليبيا ساهمت أيضًا سياساته في ظهور أزمة هوية كانت كامنة في عهده ؛ بسبب سياسات القمع ،لكنها طفت إلى السطح بعد سقوطه وشكلت عامل هدم للدولة الليبية، ومنجزات الشعب الليبي، فقد فكك القذافي كل الروابط الجامعة للمجتمع الليبي حسب قول الباحثة، وأسس مفاهيم جديدة للحكم، ومع اندلاع الثورة الليبية وسقوط نظام القذافي كان هناك أمل في ظهور عهد جديد تتركز فيه جهود الجميع نحو بناء دولة عصرية على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة الجميع في صنع القرار، لكن الأمل تبخر _ حيث لم تستطع المنظومات القائمة أن تسد الفجوة _، فقد خلق انهيار نظام القذافي فراغًا في السلطة في كل أنحاء ليبيا، وهو ما فتح الباب لجميع الأطراف لاستغلال الوضع لصالحها، فقد تأزمت الأوضاع الأمنية وانتشرت الميليشيات المسلحة، وتزايدت حدة الانقسامات والاستقطابات السياسية بين الفرقاء الليبين وتغلبت الولايات القبلية والجهوية والمنطقية على الولاء الوطني، ولم تعد هناك هوية جامعة تجمع الكل الليبي حول أهداف وطنية عليا، مما ينذر قريبًا بكارثة التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي .

أما الفصل السادس والأخير من الكتاب :عنوانه( مستقبل الدولة الوطنية الليبية  سيناريوهات استشرافية ).

وهنا توضح الباحثة أن البحث في أزمة الهوية في العالم العربي وتطبيق ذلك علي الحالة الليبية هو محاولة لاستشراف الاستراتيجيات المحتملة، التي من الممكن أن يتخذها مسار تطورها، خاصة مع التحولات السياسية الكبرى في العالم العربي، وغيرت شكل هذه الدولة في كثير من البلدان خاصة بعد اندلاع الربيع العربي، ونشوب خلافات وصراعات أهلية داخل البلد الواحد.

فاستشراف مستقبل الدولة الوطنية الليبية _كما تري الباحثة_ يسير وفقًا لثلاثة سيناريوهات محتملة، وما تسفر عنه من مسارات محتملة، مع ترجيح أي منها، وأيها أكثر واقعية وقابلية للحدوث بما يتلاءم مع المعطيات علي أرض الواقع.

السيناريو الأول: (سيناريو الانفراج والتسوية) ويتمثل في أن الأوضاع السياسية والأمنية ستشهد تحسنًا ملحوظًا في ليبيا، وذلك علي الرغم من الخلافات الكبيرة الموجودة بين الفرقاء الليبيين، وباختصار يعبر هذا السيناريو عن الأمل في انتهاء حالة التوتر والاستقطاب بين الأطراف الليبية، ونتائج هذا السيناريو هو المصالحة الوطنية الشاملة بين كل الأطراف، والتأكيد علي وجود تعددية سياسية حقيقية من خلال التهيئة لحياة حزبية سليمة، وجمع السلاح من كافة الجماعات، وتوحيد الميليشيات في جيش ليبي واحد دون تفرقة بين جماعة وأخري، وإعادة الاعتبار لمفهوم السلطة الشرعية الواحدة، وبدأ عملية بناء مؤسسات الدولة الحديثة.

أما السيناريو الثاني : يتمثل في أن الأوضاع في ليبيا ستبقي كما هي ،كما أنها في المقابل لن تتجه نحو مزيد من التوتر ويفترض هذا السيناريو وجود حكومة ليبية تحظي باعتراف دولي وعربي مما يعطيها شرعية التخطيط لمستقبل ليبيا، لكنها في الوقت ذاته لا تملك مقومات التنفيذ علي أرض الواقع ،ووجود خلافات وتباينات فكرية وسياسية وأيديولوجية وقبلية يمنع من التوصل إلي نقاط مشتركة تدفع باتجاه حل الأزمة الليبية_ فالأطراف كلها تتصلب خلف مواقفها-،فارتباط بعض أطراف الأزمة بأجندات خارجية يحرم الأطراف الداخلية من المبادرة نحو حل الأزمة أو التصعيد إلا بما يتوافق مع مصالح الأطراف الخارجية.

وعن نتائج ذلك السيناريو واستمرار الأزمة الليبية، واستمرار حالة غياب الدولة، وانتشار الميليشيات المسلحة وهذا السيناريو مبني علي أساس أن الظروف في ليبيا ليست مواتية لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الأطراف، وباختصار يشير هذا السيناريو إلي حالة من الضبابية حول مستقبل الدولة الليبية لأن خياري التسوية والتصعيد كلاهما متاح، لكن الأمور ليست واضحة حول أي الخيارين أقرب إلي الواقع، ففي ظل المعطيات الحالية هناك حالة من عدم اليقين تدفع للاعتقاد بأن الأزمة الليبية ستبقي كما هي، وقضية تطورها، أو حلها مرتبطة بالتغيرات التي يحملها المستقبل.

أما السيناريو الثالث: (تصاعد الأزمة) حيث يمثل هذا السيناريو الجانب السلبي لمستقبل الدولة الوطنية الليبية، ويتمثل هذا السيناريو في أن الأزمة لن تبقي عند المستوي الحالي، بل ستشهد مزيدًا من التوتر والتصعيد، وينطلق هذا السيناريو من احتمالات سوداوية تستند علي الافتراضات الأتية:

  • وجود حكومة تحظي بالاعتراف علي المستوي العربي والدولي، يعطي هذه الحكومة شرعية في التصرف وفقًا لأجندتها المقبولة خارجيًا، وهو ما سيصطدم بواقع ليبي قائم علي القبلية والتشرذم وانتشار الإرهاب، مما سيزيد من حدة الاستقطاب والصراع.
  • وجود خلافات حقيقية وعميقة داخل المجتمع الليبي، خلافات قبلية وأخري علي موارد الثروة، وثالثة علي مناطق السيطرة والنفوذ، أدت إلي حالة من الاستقطاب الحاد، وهو ما يجعل الصدام وتصاعده أمر لا مفر منه.
  • تزايد التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية الليبية، ومحاولة الأطراف الدولية تأجيج الصراع داخل ليبيا، وتوجيه الأحداث داخل ليبيا مع سياستها ومصالحها في المنطقة.

أما نتائج هذا السيناريو سيؤدي إلي سعي كل طرف إلي توسيع سيطرته ومناطق نفوذه بالقوة المسلحة، وبالتالي سوف يتعاظم دور الميليشيات علي حساب وحدة السلطة، والأخطر أن التدخلات الخارجية سوف تزداد ويتعاظم معها دور القوي الخارجية، التي تريد صياغة الإقليم بما يتماشى مع مصالحها وهيمنتها وتسوية حساباتها، دون أي اعتبار لمصالح الشعب الليبي، ولا يستبعد أن تلعب هذه الدول دورًا خفيًا يؤدي إلي تقسيم البلاد مع تأجيج الصراع المسلح والوصول به إلي أقصي درجات العنف.وفي النهاية نشير إلي أن هدف تلك الدراسة كان معرفة السباق السياسي لنشأة الدولة العربية وسماتها، والتعرف علي أزمة الهوية ومخاطرها بالإضافة إلي دراسة الأزمة الليبية ومعرفة جذورها وتداعياتها.

وقد اعتمدت الدراسة لتحقيق أهدافها علي عدة مناهج بحثية كان أبرزها المنهج الوصفي التحليلي؛ لوصف وتحليل العلاقة بين أزمة الهوية وبين الأوضاع السياسية في هذه الدول، والمنهج التاريخي؛ لدراسة ظروف نشأة الدولة الوطنية الحديثة، واستعراض الجذور التاريخية للأزمات التي تعاني منها الدولة الوطنية في الوطن العربي، وتتبع جذور الأزمة الليبية.

اظهر المزيد

عماد الدين حلمي عبدالفتاح

الأمانة العامة لجامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى