2021العدد 188ملف عربي

إلى أين تتجه العلاقات الجزائرية-المغربية؟

لم تعرف منطقة المغرب العربي توترات متعددة الأبعاد كما هو الحال في الوقت الراهن، إذ نجد أن تونس في وضع استثنائي وتخوض حربًا ضد الفساد وتشهد منذ عدة أشهر تدابير استثنائية. وفي ليبيا ومع اقتراب موعد الانتخابات المرتقبة، فقد تجددت المخاوف من احتمالات عدم الاستقرار؛ نظرًا لاستمرار حالة الاستقطاب السياسي في ظل توتر الأوضاع بين الحكومة والبرلمان. وأخيرًا وليس آخرًا إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية، في الوقت الذي نجد فيه أن الوضع العام في المغرب العربي لا يحتمل مثل هذا التصعيد بين بلدين محوريين في المنطقة هما في أمس الحاجة إلى التضامن والوحدة والتقارب في ضوء ما يحدق بمنطقة المغرب العربي من أخطار.

  • خلفية تاريخية:

يُعتبر النزاع على إقليم الصحراء الغربية سببًا رئيسًا في توتر العلاقات الجزائرية-المغربية منذ عقود، إذ تدعم الجزائر “جبهة البوليساريو” التي تطالِب باستقلال الإقليم، فيما يعتبره المغرب جزءًا لا يتجزأ من أرضه ويتعهد بمنحه حكمًا ذاتيًّا تحت سيادته. وجدير بالذكر أنه سبق أن أعلنت المغرب في عام 1976 قطع العلاقات مع الجزائر وذلك في ضوء إعلان “جبهة البوليساريو” تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وقد جاء هذا الإعلان من مقر الجبهة في الجزائر، حيث أعلنت الأخيرة اعترافها بالجمهورية الصحراوية، ولقد استمرت القطيعة حتى عام 1988 عندما تم استئناف العلاقات بين البلدين بعد وساطة سعودية، ولقد استمر الصراع المسلح بين “جبهة البوليساريو” والمغرب ولم يتوقف حتى صدور قرار الأمم المتحدة في عام 1991 والخاص بوقف إطلاق النار، والذي تمخض عنه قيام البعثة الأممية “المينورسو” بمراقبة سريان وقف إطلاق النار، مع التعهد بتنظيم استفتاء على الاستقلال في العام التالي وهو ما لم يحدث حتى اللحظة الراهنة مع فشل كافة محاولات تنظيمه قبل أن تغادر بعثة حفظ السلام الأممية.

وعليه فقد شهدت العلاقات الجزائرية-المغربية محطات مختلفة من الخلافات والتوتر عبر العقود الماضية، على أن وتيرة هذه التجاذبات قد شهدت تصاعدًا ملحوظًا في ديسمبر 2020، وذلك في ضوء توقيع الرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ترامب” على إعلان اعترفت الولايات المتحدة بموجبه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

  • قرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط:

لم يكن القرار الذي اتخذته الجزائر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط مفاجئًا، بل كان منتظَرًا وذلك في ضوء التصعيد الدبلوماسي بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة والذي تمثل في قيام وزير الخارجية الجزائري “رمطان العمامرة” بإثارة قضية الصحراء الغربية في اجتماع لمنظمة عدم الانحياز خلال شهر يوليو 2021، حيث رد عليه مندوب المغرب في الأمم المتحدة “عمر هلال” بموجب مذكرة قام بتوزيعها على أعضاء المنظمة يستنكر فيها إثارة “العمامرة” للقضية معلنًا في نفس الوقت دعم بلاده “لحق تقرير مصير شعب القبائل” الأمازيغي في الجزائر.

وفي سياق التصعيد الدبلوماسي المتواصل بين البلدين قامت الجزائر باستدعاء سفيرها في الرباط “فورًا للتشاور”، وفي ضوء قرارها “بإعادة النظر” في علاقاتها مع المغرب بسبب ما وصفته بـ “الأفعال العدائية المتكررة” من طرف الرباط ضدها- أعلنت الجزائر يوم الثلاثاء الموافق 24 أغسطس 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية وسحب سفيرها من الرباط.

ولم تكتفِ الجزائر بإعلان قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بل أردفته ببيان أوضحت فيه الأسباب التي قادتها إلى قرار قطع العلاقات، حيث قدم وزير الخارجية الجزائري “رمطان العمامرة” بيانًا استعرض فيه تاريخ العلاقات بين البلدين موضحًا الأسباب التي استندت إليها الجزائر في قرار القطيعة الدبلوماسية مع الرباط ومشيرًا إلى أن المملكة المغربية لا تزال مستمرة فيما وصفه “بالأعمال غير الودية والعدائية ضد الجزائر”، ولم تتأخر الرباط كثيرًا في الرد؛ إذ أعربت عن “أسفها لهذا القرار غير المبرر تمامًا”. واعتبرت وزارة الخارجية المغربية في بيان لها أن القرار كان “متوقعًا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة”، مشددة على رفضها لما أسمته “بالمبررات الزائفة”، كما أوضحت الخارجية المغربية أن المملكة “ستظل شريكًا موثوقًا ومخلصًا للشعب الجزائري وستواصل العمل بكل حكمة ومسؤولية من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبناءة”.

وجدير بالذكر أن هذه القطيعة الدبلوماسية لا تبدو كلية باعتبار أن البعثة القنصلية لكل بلد ستواصل عملها في تدبير شؤون رعاياها بنفس الوتيرة المعهودة.

  • ملفات خلافية بين الجانبين:

على الرغم من أن ملف الصحراء الغربية يُعد القضية الأهم في الصراع المغربي-الجزائري منذ حصول البلدين على استقلالهما، إلا أن ثمة ملفات خلافية أخرى زادت من حدة التوتر بينهما في الفترة الأخيرة، والتي تمثلت فيما يلي:

  • ملف القبائل:

تتهم الجزائر الرباط بدعمها لعناصر من قبائل الأمازيغ داخل الجزائر، حيث ألقت السلطات الجزائرية باللوم على جارتها لدعمها المزعوم لـ “حركة استقلال منطقة القبائل” والتي تعرف اختصارًا باسم “ماك”، وتطالب حركة “ماك” “بالحكم الذاتي في منطقة القبائل التي غالبية سكانها من الأمازيغ، وقد صنفتها الحكومة الجزائرية في مايو 2021 ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وذلك في ضوء النشاطات المكثفة للحركة واتصالاتها مع دول أوروبا ومشاركتها في الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.

  •  ملف الحدود:

ويُعد من أوائل القضايا الخلافية بين البلدين وقد شهد هذا الملف عدة تطورات خلال الفترة الأخيرة، فبعد فترة من إعلان المغرب عن قراره بترسيم حدودها البحرية، أعلنت الجزائر و”جبهة البوليساريو” عن قرار “ترسيم الحدود بينهما”، وهي الخطوة التي فسرها بعض المراقبين السياسيين بأنها جاءت ردًا على فتح معبر “الكركرات” بين المغرب وموريتانيا، مما أدى إلى تقليص نفوذ “جبهة البوليساريو” هناك، ومن ثم يمكن لقرار ترسيم الحدود بين الجبهة والجزائر أن يُسهم في توفير مساحة حركة أمام البوليساريو.

  •  حرائق الغابات في الجزائر:

تعرضت الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة من شهر أغسطس 2021 لموجة واسعة من الحرائق الضخمة التي اجتاحت شمال البلاد، والتي ترددت بشأنها مزاعم حول تواطؤ المغرب من خلال مساندته لإحدى الحركتين “رشاد” و”الماك” المتهمتين بإشعال الحرائق واللتين تصنفهما الجزائر باعتبارهما منظمتين إرهابيتين.

 وفي هذا الإطار كان نائب رئيس مجلس الأمة الجزائري “فؤاد سبوتة” قد ندد بالتدخلات الخارجية وما تقوم به “رشاد” و”الماك”(*)، وأنه يجب القضاء على عناصرها مثل الإرهابيين -الذين كانوا في فترة التسعينيات في الجزائر- كما أشار أيضًا إلى أن “ما ستُفضي إليه التحقيقات مع المتورطين في إشعال الحرائق هي التي ستحدد مستويات التصعيد من دونه مع المغرب”، كما وصف الفريق “السعيد شنقريحة” رئيس أركان الجيش الجزائري أن ما شهدته الجزائر من حرائق مؤخرًا بأنها “عينة من مؤامرة شاملة تُحاك ضد البلاد”.

  •  أزمة التجسس على المسؤولين الجزائريين:

أعربت الخارجية الجزائرية عن قلقها إزاء ما نشرته بعض التقارير الغربية حول مزاعم بتجسس مغربي على بعض السياسيين والمسؤولين الجزائريين، وعلى الرغم من نفي الرباط لهذه الاتهامات، إلا أن الجزائر قد عمدت إلى تصعيد لهجة خطابها ضد المغرب بعد نشر هذه التقارير.

  •  التقارب مع إسرائيل:

يعتبر قرار المملكة المغربية بالتطبيع مع تل أبيب محددًا هامًا في تصاعد حدة التوتر بينها وبين الجزائر، ويرى العديد من المراقبين السياسيين أن المغرب قد اتخذ هذه الخطوة للحصول على اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربية، فضلًا عن تعزيز نفوذها في المنطقة على حساب جارتها.

وفي هذا السياق جاءت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لبيد” خلال زيارته للمغرب في 12 أغسطس 2021 بشأن قلق بلاده من التقارب الجزائري الإيراني؛ لتثير من جديد التوتر بين الجارتين وتؤدي إلى تعميق الأزمة بينهما.

  • قراءة تحليلية في القرار الجزائري بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب:

في دراسة أعدها “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy”، بتاريخ 27 أغسطس 2021 بعنوان “التصدع الجزائري المغربي”، أشارت الدراسة إلى أنه من المرجح أن الانقسام الدبلوماسي الأخير بين البلدين يعكس رغبة الجزائر في صرف الانتباه عن التحديات التي تواجهها الحكومة في الداخل والمتمثلة في كونها لا تحظى بالشعبية المطلوبة في السنوات الأخيرة، وذلك في ضوء تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية من قبل المعارضة -خاصةً في ظل تراجع حاد للاقتصاد الوطني.

كما تشير الدراسة أيضًا إلى دور الفاعلين الدوليين والإقليميين في تصاعد التوتر بين البلدين، فمن ناحية جاء القرار الأمريكي في نهاية العام الماضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؛ لُيعيد تأجيج الملفات الخلافية مرة أخرى بعد فترة من الهدوء النسبي في العلاقات. وتستبعد الدراسة أن يكون هناك إسهام أمريكي فعال فيما يتعلق بالوساطة بين البلدين.

من ناحية أخرى تلعب السياسات الأوروبية تجاه المنطقة المغاربية دورًا كبيرًا في تعزيز الانقسام بين الرباط والجزائر، حيث تمثل الدولتان سوقًا رئيسًا للبضائع الأوروبية، فضلًا عما تمثله من مورد عام للنفط والغاز.

 ومن ثَم تقتضي المصالح الأوروبية عدم وجود موقف مغاربي موحد، وذلك حتى تستطيع القوى الأوروبية تعزيز نفوذها في المنطقة عبر استغلال حالة التوتر القائمة، كذلك مثل الدور الإسرائيلي المتنامي في المنطقة والذي عززته اتفاقية التطبيع مع الرباط عاملًا رئيسًا في تأجيج الصراع بين الدولتين الجارتين.

  • ردود الأفعال الإقليمية والدولية:

أثار القرار الجزائري بشأن قطع العلاقات مع المغرب العديد من ردود الأفعال الإقليمية والدولية، فعلى الصعيد الإقليمي أجرى وزير الخارجية المصري اتصالين هاتفيين بنظيريه (الجزائري والمغربي) تناول خلالهما حيثيات التطورات الأخيرة في علاقة الدولتين وسُبل تعزيز التعاون وتجاوز الظروف الراهنة. فيما أعربت المملكة العربية السعودية عن أسفها لما آلت إليه تطورات العلاقات بين البلدين مشيرة إلى تطلعها إلى عودة العلاقات بين الدولتين في أقرب وقت ممكن، داعية إلى تغليب الحوار والدبلوماسية لإيجاد حلول للخلافات بينهما. ومن جانبها أعلنت الخارجية الإماراتية عن أسفها لقطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، مشيرة إلى حرص أبو ظبي على متانة وقوة العلاقات العربية الإيجابية ووحدتها بما يحقق مصالح الشعوب الشقيقة ويعزز ازدهارها ونهضتها.

كما دعت الكويت الطرفين إلى تجاوز المسائل الخلافية، لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد أعربت وزارة الخارجية الليبية عن أسفها لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، حيث دعت الدولتين إلى “ضبط النفس وعدم التصعيد، والتمسك بالمبادئ والأهداف المشتركة التي أسس من أجلها اتحاد المغرب العربي خدمة لتطلعات شعوبنا”.

ومن جهته أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” عن أسفه البالغ حيال ما آلت إليه العلاقات بين الجزائر والمغرب، داعيًا البلدين إلى ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد. وبدوره أعرب البرلمان العربي عن قلقه البالغ إزاء تطورات العلاقات بين الجزائر والمغرب، داعيًا كلا البلدين إلى الانخراط في حوار بناء لتهدئة التوتر ومناقشة القضايا الخلافية بينهما.

وعلى الصعيد الدولي طالبت منظمة التعاون الإسلامي بضرورة اعتماد لغة الحوار لتسوية الملفات الخلافية لحل ما قد يطرأ من اختلاف في وجهات النظر وتغليب المصالح العليا للبلدين. وكذلك أعرب الاتحاد الأفريقي عن أسفه حيال التطورات الأخيرة وقطع العلاقات بين المغرب والجزائر، مشيرًا إلى استعداده لدعم أي مبادرة لاستئناف العلاقات.

ومن جانبها دعت فرنسا كلًّا من (الجزائر والمغرب) إلى العودة إلى الحوار؛ لتعزيز الاستقرار في منطقة المغرب العربي. ومن جانبه أوضح مسؤول في الخارجية الأمريكية أن تحسين العلاقات بين الجزائر والمغرب، سيدعم مواجهة التحديات الإقليمية بشكلٍ أفضل، وشدد المسؤول أن تحسين العلاقات سيمكن البلدين من معالجة القضايا الإقليمية والثنائية بشكلٍ أفضل.

  • خطوات تصعيدية:

وفي خطوة تصعيدية وبعد نحو شهر من إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب قرر المجلس الأعلى للأمن بالجزائر بتاريخ 22 سبتمبر 2021 الإغلاق الفوري للمجال الجوي الجزائري أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وقد اتخذ القرار إثر اجتماع للمجلس برئاسة الرئيس “عبد المجيد تبون” خصص لدراسة التطورات على الحدود مع المملكة المغربية، مشيرًا إلى أن استمرار الاستفزازات والممارسات العدائية من الجانب المغربي قد دفع الجزائر إلى اتخاذ القرار بغلق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية.

وقد تجددت المخاوف من تنامي التصعيد بين البلدين وذلك في ضوء تلميح وزير الطاقة الجزائري “محمد عرقاب” إلى أن جميع إمدادات الغاز الطبيعي الجزائري نحو إسبانيا ستتم عبر أنبوب “ميدغاز”، والذي يصل مباشرة بين الجزائر وإسبانيا، في إشارة إلى إمكانية الاستغناء عن خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، والذي يمر عبر المملكة وصولًا إلى إسبانيا.

وفي هذا الإطار ألمحت الصحافة الجزائرية إلى أن خطوة تحويل مسار إمدادات الغاز الجزائري لإسبانيا ستلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد المغربي مشيرة إلى أن قيمة واردات المغرب من الغاز الطبيعي لعام 2020 قد وصلت إلى 750 مليون متر مكعب وفر الأنبوب المغاربي-الأوروبي منها 600 مليون متر مكعب، أي أن المغرب يعتمد بصورة أساسية على الغاز الجزائري، وأن تحويل مسار إمدادات الغاز الجزائري إلى إسبانيا مباشرة يعني أن يبحث المغرب عن بدائل لسد احتياجاته ربما تكلف اقتصاده الكثير.

  • تداعيات القطيعة الدبلوماسية بين البلدين:

لا مراء أن قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب سيكون له العديد من التداعيات على البلدين وعلى السياق الإقليمي ككل، فمن المرجح أن تنتقل العلاقات بين البلدين إلى وضع جديد ستتعطل بموجبه كل أشكال التعاون الممكنة بينهما خاصة في المجالين (السياسي والأمني). وعلى الصعيد الاقتصادي يرى العديد من المراقبين أنه من المرجح أن ملف أنبوب الغاز الذي ينتقل من الحقول الجزائرية إلى أوروبا مرورًا بالأراضي المغربية سيكون أحد الأوراق التي ستضغط بها الجزائر على المغرب.

من ناحية أخرى ترجح غالبية التقديرات أنه في ظل محدودية التبادل التجاري(*) بين البلدين، فإن التداعيات الاقتصادية للتوتر الراهن لا يتوقع أن تكون كبيرة، لكن يمكن أن تكون التداعيات الاقتصادية مؤثرة في إطار تفاعلات الأطراف الخارجية خاصة القوى الأوروبية، والتي ربما تسعى للاستفادة من هذه التصدعات لتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة المغاربية.

ويبدو أن التداعيات الإقليمية للقطيعة بين البلدين الأكثر ترجيحًا في ظل تصاعد مستوى العنف والفوضى في منطقة شمال أفريقيا، فربما يؤدي التوتر بين الجارتين إلى تأجيج الصراع والتوتر في الداخل الليبي من جديد، وهو الأمر ذاته بالنسبة لحالة تونس التي تعاني في الوقت الراهن من أوضاع هشة. وفي ظل ما تشهده منطقة الساحل الأفريقي من تصاعد ملحوظ في وتيرة العنف والعمليات الإرهابية، فمن المتوقع أن تحاول الجماعات الإرهابية استغلال حالة التوتر الراهنة بين البلدين لتوسيع نطاق تواجدها في منطقة شمال أفريقيا.

  • رؤية مستقبلية:

بادئ ذي بدء يتعين الإشارة إلى أن تاريخ العلاقات بين الجزائر والمغرب ليس كله سلبيًا، بل إن هذا التاريخ نفسه لو تمعنا فيه بموضوعية سنجد فيه محطات إيجابية ساد فيها التضامن والتقارب، وذلك بما يشجع على البناء عليه واستدعائه في لحظات التوتر. بعبارة أخرى أنه على الرغم من كل هذه الخلافات القائمة في الوقت الراهن، فإن التضامن والتقارب هو الأصل والتوتر مهما طال يظل مؤقتًا وعابرًا؛ وذلك لأن للجغرافيا والتاريخ أحكامهما على البلدين.

وجدير بالذكر أنه على الرغم من تدهور العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة، إلا أن معظم المراقبين السياسيين يستبعدون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، ويرتأون أن الوضع الراهن للمنطقة المغاربية يحتم حدوث التقارب وتجاوز التوتر القائم على اعتبار أن الاستقرار الحقيقي في المنطقة لن يتحقق إلا بالتوصل إلى حل سياسي تتوافق عليه جميع الأطراف.

وزيادة على ذلك فإن تراكم الخلافات بين الجانبين دون أن تنثبق آليات مشتركة لاحتوائها وإجهاض تأثيرها السلبي على العلاقات بينهما تزيد الأمور تعقيدًا. الأمر الذي يتطلب العمل على إيجاد آلية مشتركة لتسوية الأزمة الراهنة برعاية وسيط حيادي قادر على التوصل إلى توافقات شاملة بعد مراجعة لأبعاد الملفات الخلافية بينهما مما يسهم في حلحلة الأزمة بين البلدين.

وبناءً على ما تقدم فمن المرجح أن تشهد منطقة شمال أفريقيا خلال الفترة المقبلة مزيدًا من التصعيد الدبلوماسي والسياسي والذي سيكون له انعكاساته السلبية على العديد من الملفات الإقليمية، إلا أن سيناريو الصدام العسكري بين البلدين سيظل مُستبعدًا.


(*) تُعد حركة استقلال منطقة القبائل المعروفة اختصارًا بـ “ماك” من الحركات المعارضة للحكومة الجزائرية، وقد تأسست هذه الحركة عام 2001، وتتخذ من باريس مقرًا لها. وقد تم تأسيس هذه الحركة على يد “فرحات مهنا” للمطالبة بالحكم الذاتي في منطقة القبائل التي غالبية سكانها من الأمازيغ. ولدى الحركة اتصالات مكثفة بالعديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا. أما حركة “رشاد” فقد تأسست في أبريل 2007 من قبل مجموعة من الجزائريين المستقلين الذين يعتبرونها حركة مقاومة جزائرية معارضة للنظام لا تؤمن باستخدام العنف وتتبنى الطرق والاحتجاجات السلمية. وأحد أبرز مؤسسي الحركة “المنسق العام للحركة” هو القيادي السابق في “جبهة الإنقاذ الإسلامية” “مراد دهينة”. وقدتم تصنيف الحركتين من قبل الحكومة الجزائرية في مايو 2021 ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.

(*) تراجعت الصادرات المغربية إلى الجزائر من 173 مليون دولار في عام 2018 إلى 133 مليون دولار في عام 2020، كذلك تراجعت الصادرات الجزائرية إلى المغرب في الفترة ذاتها من 742 مليون دولار إلى 433 مليون دولار.

اظهر المزيد

سامية بيبرس

وزير مفوض- الامانة العامة لجامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى