2022الحرب الأوكرانيةالعدد 190

الأزمة الأوكرانية: هل تنتهي بتحقيق أهداف روسيا المُعلنة أم بتوازن اللانصر واللاهزيمة؟

في 24 فبراير 2022، أطلقت روسيا عملية عسكرية شاملة في عمق الأراضي الأوكرانية، جاء القرار بعد يومين من إعلان روسيا اعترافها باستقلال إقليمي (لوغانسك ودونيتسك) الانفصاليين في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، في ظل مساعي الرئيس الأوكراني “فلاديمير زيلنيسكي” لضم بلاده إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهو ما ترفضه روسيا بشدة.

جاء رد الغرب سريعًا، إذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والناتو حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية القاسية على كيانات وشخصيات روسية، شملت الرئيس فلاديمير بوتين والدائرة المحيطة به، وفي الوقت نفسه، دخل حلف الناتو إلى أوكرانيا بدعم ضخم وغير مسبوق من الأسلحة المتطورة والنوعية.

الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة في هذه المرحلة من الأزمة كثيرة، إلا أن أبرزها يتركز حول المدى الذي يمكن أن تنتهي إليه الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا؟ وهل الهدف الرئيس لروسيا من إثارتها لهذه الحرب هو تحييد أوكرانيا ونزع سلاحها وإبعادها عن الناتو أم يتجاوز ذلك بمحاولتها تغيير النظام الدولي من أحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب؟ وهل نجح الغرب في توريط روسيا واستدراجها إلى المستنقع الأوكراني بحيث يصعب خروجها منه، إلا بعد استنزاف طاقات روسيا واقتصادها ومواردها؟ وما هو الهدف من إصرار الرئيس بوتين على تحقيق الأهداف التي خطط لها؟

جذور الأزمة الأوكرانية (ديسمبر1991 _ فبراير  2022)

انهار الاتحاد السوفيتي، ومعه انهارت المنظومة الاشتراكية بكل تبعاتها والتزاماتها، لتنتهي عند حدود الجغرافية الروسية منهكة ومتداعية في مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، واجهت روسيا تحديات كثيرة، وصاحب ذلك انكفاء واضح إلى الداخل وتراجع دورها دوليًّا وإقليميًّا إلى حد أفقدها نفوذها في المناطق المتاخمة لها والقريبة منها والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأمنها القومي ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.

بعد أن نالت أوكرانيا استقلالها في ديسمبر 1991، بدا الانقسام حول هوية الدولة في أوكرانيا، ففي الشرق يرى الأوكرانيون أنهم أقرب إلى روسيا، أما في الغرب فيرون أنفسهم أقرب إلى أوروبا. يبدو أن توجه أنظار أوكرانيا نحو الغرب أثار قلق الروس، بيد أنه لم يصل إلى مرحلة الصراع بين روسيا وأوكرانيا؛ لأن الغرب في حينها لم يسعَ لضم أوكرانيا، ولم تكن روسيا قد تعافت من كبوتها على النحو الذي تتيح لها قدراتها الاقتصادية والعسكرية الدخول في مواجهات عنيفة غير محسوبة أو مأمونة النتائج مع الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة .

على مدار الثلاث عشرة سنة اللاحقة، فشلت النخبة السياسية الأوكرانية في إنهاء الانقسامات السياسية الداخلية، وفي بناء اقتصاد قوي يضمن استقرار الدولة، وهو ما أدى إلى اندلاع الثورة البرتقالية في أوكرانيا في نوفمبر 2004، في إطار ما عرف بالثورات الملونة في دول شرق أوروبا، على إثرها تم توجيه الاتهامات للرئيس الأسبق “فيكتور يانكوفيتش” الموالي لروسيا بتزوير الانتخابات، وقد أجبرت الثورة يانكوفيتش حينها على إعادة الانتخابات، وأسفرت نتائجها عن فوز زعيم المعارضة “فيكتور ياشنكو” الموالي للغرب، وهو ما أثار حفيظة روسيا.

ويأتي ذلك في إطار المساعي الأمريكية مواصلة دفع روسيا بعيدًا خلف أسوار الطوق السوفيتي القديم، تطبيقًا لنصيحة مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق “زبيغنيو بريجنسكي”: ” إذا أردنا التخلص من روسيا علينا أن نفصلها عن أوكرانيا”.

من هذا المنطلق، أدرك القادرة الروس أن هدف الغرب هو تنصيب حكومات موالية له في جوار روسيا الجغرافي، بهدف تحجيم النفوذ الروسي في منطقة (أوراسيا والبلقان وشرق أوروبا)، ووفقًا للمنظور الروسي لم تكن المصلحة الغربية في دعم الديمقراطية في أوكرانيا، بل في خلق مناطق نفوذ غربية على تخوم روسيا، الأمر الذي يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وروابطها الاقتصادية مع أوكرانيا.

كان القصف الجورجي لأوسيتيا الجنوبية في أغسطس 2008، بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير؛ حيث اندلعت على إثرها مواجهة روسية- جورجية، وهي تعد بداية لتخلي روسيا عن الصمت إزاء التدخل الأمريكي في المجال الحيوي لها، وقد تمثل الهدف الأساسي لروسيا من تلك الحرب آنذاك في منع توسع الناتو في جورجيا؛ لكونها منطقة نفوذ روسية خالصة، وخط دفاع أول للأمن القومي الروسي.

كانت دعوة الولايات المتحدة في قمة الناتو في إبريل 2008 إلى قبول طلبات انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف، وهو ما أثار حفيظة روسيا واعتبرته تحديًا أمريكيًّا لوصول الناتو على حدودها، وقد أكد بوتين آنذاك أنه في حال انضمت أوكرانيا إلى حلف الناتو “فإن وجود الدولة ذاته قد يكون موضع شك”، وقد تكرر هذا الأمر في عام 2014، فكان الموقف الروسي أكثر صرامة؛ بسبب الأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها أوكرانيا لدى روسيا.

تمثل أوكرانيا جيوستراتيجيًّا بوابة أوربا إلى روسيا، وهي العمق الثقافي والديني وقلب الإمبراطورية الروسية، ومع مشروع “الإحياء الروسي”، الذي يقوده بوتين منذ عقدين، وعودة روسيا قوة عظمى مؤثرة في السياسة الدولية_ احتلت أوكرانيا تلقائيًّا صلب الأجندة الخارجية الروسية، ليس لإعادة ضمها إلى روسيا فحسب، وإنما لضمان عدم تحولها إلى خاصرة رخوة لها، وساحة يستغلها الغرب ضدها.

استشرف “جورج كينان” مهندس الحرب الباردة، ما يجري على الجبهة الروسية ــــ الأوكرانية حاليًّا، فقد حذر في وقت سابق، من أي محاولة لتوسع الناتو شرقًا مفضلًا “إستراتيجية الاحتواء”؛ كي لا تستفز روسيا وتجنح نحو خيارات عسكرية كالتي نشهدها اليوم، كما لم تلق نصائح “جون ميرشايمر” أستاذ العلوم السياسية وأحد مؤسسي الواقعية السياسية_ آذانًا صاغية، كي تتخلى الولايات المتحدة وحلفاؤها عن خطتهم “تغريب” أوكرانيا مفضلًا تحويلها إلى منطقة عازلة بين حلف الناتو وروسيا .

قدرة روسيا بوتين على تحقيق أهدافها الإستراتيجية

منذ تولي الرئيس “فلاديمير بوتين” مقاليد السلطة فعليًّا في 26 مارس 2000، أفصح عن رؤيته بوضوحٍ بالغ في رسالته التي وجهها في أواخر عام 1999، وحملت عنوان “روسيا على العتبة الألفية الجديدة”، لقد رفض “بوتين” أن تتموضع بلاده في خانة الدرجة الثانية وربما الدرجة الثالثة بالنظام العالمي، وبدأت روسيا في تغيير سياستها وإستراتيجياتها للأمن القومي، ولكن برؤية وآليات تتفق مع مقتضيات العصر، سعيًا لانبعاث روسي يضعها في مصاف الدول الخمس العظمى .

 التفتت عيون روسيا تجاه مناطق النفوذ المهمة التي هي محل اهتمامها وتشددها، لقد أضحى المجال الحيوي بكل استحقاقاته (العسكرية والأمنية والاقتصادية) أولوية بالنسبة لروسيا، وثابت مصيري في علاقاتها الإقليمية والدولية، وأنها لن تتسامح مع أي تهديد يصدر من خارجها القريب، ولا تقبل بتحالفات عسكرية على حدودها، فروسيا لن تسمح لحلف الناتو بأن يقوم بمزيد من التوسع شرقًا والتي تقع أوكرانيا وجورجيا ضمن دائرتها، وفي الوقت نفسه، تحذير لأي دولة أخرى تعدها روسيا داخل نطاق نفوذها الإقليمي، أن تتجه نحو الاندماج مع الغرب، ولم يكن التدخل الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 إلا دليل على ذلك، فروسيا عدَّت انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو خطًّا أحمرًا لا يمكن تجاوزه.

كان الهدف المحوري لهذه الحرب تحييد أوكرانيا ونزع سلاحها وإبعادها عن الناتو، ويحتل أولوية لدى القيادة الروسية، وهو ما تم التأكيد عليه مع انطلاق العمليات العسكرية، وبعد مرور قرابة ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب، يبدو أن القيادة الروسية بدأت تفقد بوصلة إدارتها للحرب، وهو ما يعد مظهر من مظاهر التعثر والتخبط؛ فالأهداف الحالية ليست الأهداف المعلنة التي بدأت بها روسيا حربها من أجلها وتتحمل في سبيلها كل هذه الأعباء والتكاليف الباهظة بكل المعايير، وهو ما أثار علامات استفهام كثيرة، وبات الحفاظ على وجود روسيا العسكري في (لوغانسيك، ودونيتسك، وماريوبول، والدونباس) الهدف المحوري حاليًّا، ويبقى ذلك رهينًا بتطور الأوضاع والظروف، بما فيها احتمال إخراجها بفعل اشتداد حدة المقاومة الأوكرانية المسلحة من المناطق التي ترابط فيها قواتها الآن، وبدا حلف الناتو في طريقه إلى التوسع والاقتراب أكثر من حدود روسيا بعد أن بات انضمام السويد وفنلندا وشيكًا، وهو ما يعني أن الحرب زادت من تهديد الناتو لأمن روسيا بدلًا من أن تزيل هذا التهديد بتحييد أوكرانيا وإبعادها عن الناتو، ولم يعد نزع سلاح أوكرانيا هدفًا إستراتيجيًّا آخر بعد أن دخل حلف الناتو وقدم كل أشكال الدعم اللوجيستي الضخم والعسكري بالأسلحة المتطورة والنوعية، وأصبحت الساحة الأوكرانية تعج بالمقاتلين والمتطوعين للقتال بجانب أوكرانيا، وهو ما يجعل من هذا الهدف شبه مستحيل، إذ لم يحدث نزع سلاح في أي ساحة من الساحات الصراع الإقليمي أو الدولي حتى يحدث في أوكرانيا.

بيد أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو، لماذا كانت الحرب الوسيلة الوحيدة التي لجأت إليها القيادة الروسية لدفع التهديد المتوقع من ذهاب أوكرانيا نحو الغرب؟ خصوصًا أن روسيا تمتلك العديد من الأوراق المهمة التي كان يمكن استخدامها للضغط على أوكرانيا ومنعها من الانضمام إلى الناتو؛ فروسيا هي مصدر الطاقة الرئيس لأوكرانيا، وكان باستطاعتها إيقاف ضخِّ الغاز الروسي ومحاصرة الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود؛ لتركيع حكومة كييف كلية، لكن يبدو واضحًا أن الرئيس الروسي عقد العزم منذ البداية على انتهاج طريقة مختلفة لتحقيق أهدافه.

حسابات موسكو تجاه الأزمة الأوكرانية:

 بعد أن ضاق الخناق والحصار الغربي حول روسيا إلى هذا الحد، يبقى السؤال المهم وهو عن خيارات روسيا حاليًّا، وهل ستستمر في حربها مهما كانت النتائج مُكلِّفة؟ أم أنها سوف تجد نفسها مُرغمة على التوقف والخروج من أوكرانيا كما خرجت الولايات المتحدة من أفغانستان؟

من الصعوبة بمكان الجزم بكيفية انتهاء هذه الحرب والوقت المتوقع لذلك، بالنظر إلى سرعة تغير الأوضاع على الأرض وحالة السيولة التي تشهدها، وما إن كان الصمود الأوكراني سيستمر ويحافظ على زخمه أم ينهار ويفرض الجيش الروسي سيطرته على مفاصل البلاد.

يبدو جليًّا أن الغرب نجح في استدراج روسيا إلى المستنقع الأوكراني وتوريطها بشكلٍ لم تعد تعرف كيف تنهي هذه الحرب مع فشلها في تحقيق الأهداف التي سعت إليها وخططت لها، في ظل الدعم العسكري الغربي الغير مسبوق لأوكرانيا، وتدفق أسلحة نوعية ومتطورة عالية الدقة، ما يعني توازن الأوضاع ميدانيًّا، وبالتالي إطالة أمد الحرب، واستنزاف روسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا، ومضاعفة خسائرها، وهذا يعني تورط روسيا بمعركة ربما أشبه بمعركة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، إذ لم تكن حسابات وترتيبات روسيا في محلها بعد أن كانت تتوقع سقوطًا سريعًا لأوكرانيا، وألحقت تلك التكتيكات خسائر لا حصر لها في الأمن والمصالح الروسية.

مع كل تلك الحسابات الخاطئة، يبدو أنها لن تثني بوتين على الأرجح عن المضي قدمًا في بلوغ هدفه المتمثل في إخضاع أوكرانيا، برغم الصعوبات التي تواجه الجيش الروسي في أوكرانيا، من حيث افتقاده للقوة البشرية اللازمة لتغطية كل مسرح العمليات الأوكراني، وضعف الإمدادات اللوجستية، كما أن خيار الانسحاب الروسي من دون مبررات كافية بات مستحيلًا.

من غير المرجح أن تتوقف الحرب قبل أن تحصل روسيا على تعهدات واضحة بأن الناتو لن يقوم بالتمدد شرقًا على حدودها، ولا مجال هنا لموازنة روسيا لأرباحها وخسائرها؛ لأن بقاء المشروع الأطلسي في أوكرانيا وتعاظم قوته، يعني بالضرورة تهديد المصالح الحيوية والمصيرية لروسيا، فالقضية بالنسبة إلى روسيا لم تعد تتعلق بحسابات الربح والخسارة بقدر ما تتعلق بالأمن القومي الروسي الذي ينبغي المحافظة عليه بأي ثمن.

لذلك، تدرك روسيا تمامًا حجم الخسائر التي ستترتب على الحرب، لكنها في الوقت نفسه، تدرك العواقب الوخيمة لصمتها في حال استمر حلف الناتو في التوسع شرقًا، ومن ثم فإن روسيا- التي تنظر إلى أوكرانيا بوصفها قضية أمن قومي روسي- لن تركع بسهولة لمجرد فرض حزم من العقوبات الاقتصادية عليها، خصوصًا وأن الولايات المتحدة لا تعُدُّ أوكرانيا بالأهمية الإستراتيجية نفسها بالطريقة التي تنظر إليها روسيا.

وإذا كان من الصعب في هذه الحرب أن يكون هناك منتصر أو مهزوم، فإن خسائرها مُكلِّفة على الطرفين، إلا أن خسائر أوكرانيا سوف تكون الأكبر والأطول مدى، باعتبار أن الحرب تجري على الساحة الأوكرانية وليس على الساحة الروسية، ومن غير المرجح أن تتمكن أوكرانيا من الانضمام إلى عضوية الناتو في المستقبل القريب، وهي دولة ذات نزاع حدودي مع بلد آخر، ثم إن عودة إقليمي (لوغانيسك ودونيتسك) الانفصاليين في إقليم دونباس إلى الحضيرة الأوكرانية باتت من شبه المستحيل، لا سيّما بعد اعتراف روسيا باستقلالهما عن أوكرانيا في 22 فبراير 2022. 

بالنسبة لروسيا، بوتين تهاون في المواجهة الأوسع نطاقًا مع الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة- خصوصًا وأن  الغرب سوف يواصل هدف إذلال روسيا وتدميرها- ومهما كانت نتيجة المواجهة في أوكرانيا وتكاليفها، ستخرج من الحرب أكثر تصميمًا على الحفاظ على موقعها ودورها كقوة كبرى بالفعل، فهي غنية بالموارد، وتحتفظ بمقدرات تسليح توازي المقدرات الأمريكية، وكان المصرف المركزي الروسي قد أعاد تكوين احتياطياته ما بعد فرض العقوبات عام 2014، ورفعها إلى 670 مليار دولار  وهو ما يمنح روسيا الوقت والأدوات الكافية للتقليل من آثار العقوبات ومواصلة خيار المواجهة، خصوصًا بعد التعهدات الصينية بشراء الكميات الإضافية من الغاز الروسي، في حال أدت العقوبات إلى تقليص حصة روسيا في الأسواق العالمية، إضافة إلى تقديم الصين التغطية السياسية والاقتصادية الكاملة للعملية، وهو ما اتضح في البيان المشترك الروسي – الصيني الذي يُعد أحد أركان العملية الحالية. 

في النهاية: وما لم نشهد انقلابًا جذريًّا على بوتين وسياساته، تبدو روسيا مجبرة على انتهاج سياسة قطبية، وعلى السعي إلى توسيع دائرة حلفائها في أوروبا- إن أتيحت لها الفرصة- كما في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

بالمجمل، يبدو أن روسيا لم تحقق أهدافها من هذه الحرب حتى اللحظة، وما تزال بعيدة تمامًا عن نقطة الحسم النهائي، ويبدو أيضًا أن الأزمة الأوكرانية سوف تمتد وتطول بطبيعتها كساحة حرب بين روسيا والغرب، لأن الأخير يرى فيها فرصته المواتية لتدمير شرايين الاقتصاد الروسي وتعطيل آلة الحرب الروسية وعدم تمكين بوتين من الانطلاق بقدراته العسكرية المتعاظمة أبعد مما وصلت إليه في أماكن الصراعات والأزمات من العالم، حتى بات من أخطر اللاعبين الدوليين الكبار على الساحة الدولية، ولن يتأتى ذلك إلا بإغراق روسيا في مستنقع الحرب الأوكرانية وقطع الطريق أمام خروجها منه إلا بعد أن تكون قد دفعت ثمنًا باهظًا جراء ذلك.

ومع ذلك، فإن الحرب في نهاية المطاف ستصل إلى نهايتها، وربما يتوصل الطرفان إلى ما يسمي بتوازن “اللانصر واللاهزيمة” وهو الأمر الذي يحفظ لهما ماء الوجه ويُظهر كل منهما بمظهر المنتصر أمام رأيه العام ولو رمزيًّا؛ وذلك ربما عبر إعلان أوكرانيا التزامها سياسة الحياد وتقديم ضمانات بعدم انضمامها إلى حلف الناتو حاضرًا أو مستقبلًا، وذلك مقابل انسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية وفق خريطة يتفق عليها الطرفان، ويتم تنفيذها تحت اشراف دولي وبضمان الأمم المتحدة، لكن متى تأتي هذه اللحظة؟ فذلك أمر يصعب التكهن به في الوقت الراهن.

اظهر المزيد

محمد عبدالحفيظ الشيخ

باحث متخصص في الدراسات الإقليمية والدولية ـــ ليبيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى