2018العدد 176ملف عربي

التداعيات المحتملة لإسقاط الطائرة الروسية

يشكل اسقاط الطائرة الروسية في سورية، وما تبعها من قيام روسيا بنصب منظومة “اس 300” المتطورة في شمال غرب سورية ووسطها وبالقرب من دمشق، تحولا هائلا في مسار أزمة الصراع بين الأطراف الدولية والإقليمية في سورية، ومن الواضح ان انتهاء الصراع الداخلي، أو خفوت حدته، فتح الباب اما صراعات الأطراف الخارجية التي تحاول فرض رؤيتها على الحل القادم في سورية وحفظ مصالحها التي رسمتها في مرحلة الصراع الدامي.

واذا كانت حادثة اسقاط الطائرة لم تؤد إلى صدام مباشر بين روسيا واسرائيل، فإنها افرزت ما يعتبره الكثير من المراقبين، وضعاً لا يقل خطورة، اي تزويد سورية بصواريخ “اس 300″ ، الأمر الذي يعني لإسرائيل واميركا توفير مظلة لإيران كي تمارس نشاطها في سورية ولبنان دون الخوف من الرادع الإسرائيلي، وهذا يعني، بمنطق العلاقات الدولية، انحياز إلى طرف معين في الصراع ” ايران”، ونزع اوراق القوة من يد طرف أخر” اسرائيل” بما يخل بالتوازنات القائمة في المنطقة والتي كانت روسيا أحد أطراف إدارتها على مدار السنوات الأخيرة، ويحتم بالتالي البحث عن صيغة جديدة لإدارة المرحلة القادمة التي تتميز بالدقة والخطورة.

مرحلة متوترة

يأتي سقوط الطائرة الروسية، التي جرى تحميل مسئولية اسقاطها على اسرائيل، في بداية مرحلة تتميز بالتعقيد وانسداد الافق، وإذا كانت الأطراف الإقليمية والدولية، قد أنجزت عملية انهاء الثورة، عبر سلسلة من التفاهمات، وأخضعت الاطراف المحلية، نظام ومعارضة، تحت سقف أولوياتها و بما يتناسب مع رؤاها السياسية، كما فعلت كل من روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، فإن الجزء الأصعب في الحل السوري لم يأت بعد، وقد كشف فشل مبادرات روسيا ومناوراتها، عبر طروحات عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، عن الهوّة العميقة التي تفصل رؤى كل طرف والتكتيكات التي يستخدمها لفرض رؤيته للحل، كما كشفت التطورات وجود موقف دولي- عربي، تم التعبير عنه من خلال ” المجموعة المصغرة” المتشكلة من أميركا وفرنسا والمانيا وفرنسا ومصر والاردن والسعودية، يطالب بحصول عملية انتقالية مقابل المشاركة في إعمار سورية، وهو موقف مناقض تماماً للرؤية الروسية للحل.

والوضع الطبيعي في مثل هذه الظروف، ان تحريك الديناميات الساكنة وإعادة تفعيل المسارات، يحتاج إلى حرب تخلط الأوراق من جديد، وتعيد ترتيب مواقع اللاعبين، وتسمح بطرح صيغة جديدة للحل وما يتضمنه من مصالح مختلف اللاعبين، لكن الأطراف المختلفة لا تريد الحرب المباشرة لمخاطرها وتداعياتها التي لا يستطيع اي طرف تحمّلها، وقد إلتقت هذه الأطراف على عقد إتفاق “سوتشي” الخاص بادلب للهرب من شبح الحرب الذي ظهرت نذره عندما اعلن الغرب ” أميركا وفرنسا وبريطانيا” عدم التهاون أو السماح بحصول مجازر لابد انها ستحصل اذا حركت روسيا التها العسكرية الضخمة باتجاه مجمع سكاني يأوي أكثر من ثلاث ملايين مدني لم يعد لهم مكان يذهبون اليه سوى اوروبا التي تتمزق على وقع صعود اليمين، المؤيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمعادي لهجرة السوريين، وهو ما لم تعد النخب السياسية الحاكمة في اوروبا قادرة على تحمله.

الانقلاب على خرائط التفاهم القديمة

تشكل السماء السورية مسرح عمليات لطائرات الدول المنخرطة في الصراع السوري، أو إدارته بطريقة أصح، وتكاد طبقات السماء السورية لا تخلو من حركة هذه الطائرات، الروسية والأمريكية والإسرائيلية والفرنسية والبريطانية، وحتى التركية، وقد جرى تنظيم هذه الشبكة الهائلة عبر أليتين إثنتين: تحديد القطاعات بشكل دقيق بحيث يكون لكل طرف مساراته وقطاعاته الخاصة، والالية الثانية عبر عملية تنسيق يومية ومشتركة بين القوات الأمريكية والروسية في المناطق التي تتجاور فيها عملياتهما.

وكان لإسرائيل وضع خاص في هذه الوضعية، وقد تواضعت مع روسيا على تفاهمات خاصة تسمح لإسرائيل باستخدام القطاع الذي تسيطر عليه روسيا لضرب الأهداف الإيرانية، او تلك التي يشتبه بها انها تحمل اسلحة الى ” حزب الله”، شريطة أن يتم ابلاغ الجانب الروسي بوقت كاف قبل القيام بالعملية، وعلى مدار ثلاث سنوات نجحت هذه الالية، رغم ما كشفته روسيا من إخلال إسرائيلي على مستوى إبلاغ الطرف الروسي بالممليات، فمن اصل (200) عملية قامت بها الطائرات الإسرائيلية لم تبلغ اسرائيل سوى عن (25) عملية، حسب تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

لم يكن تسامح روسيا بالمجان، ذلك ان ثمة إعتبارات كثيرة فرضت هذا الواقع، ويأتي على رأس قائمة هذه الاعتبارات أهمية إسرائيل في إمكانية اصلاح علاقات روسيا مع الغرب، وبالتحديد أميركا، فقد عوّلت روسيا كثيراً على طلب إسرائيل من اللوبي اليهودي في أميركا للضغط من أجل رفع العقوبات التي فرضتها ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

من جهة ثانية، تدرك روسيا ان الصراع في منطقة الشرق الأوسط صراع معقد متشابك بخلفيات اثنية ودينية، وخاصة وأن ايران ترفع علناً شعار ازالة اسرائيل من الوجود، وبالتالي لا تريد روسيا الظهور بمظهر المؤيد والداعم لإيران، بما يشكّله ذلك من ارباك ان على مستوى علاقاتها الاوروبية الأمريكية، او حتى على مستوى علاقاتها مع اليهود الروس في روسيا نفسها والذين يشكلون مراكز قوى وتأثير مهمة.

لكن ما الذي تغير لتنعطف السياسة الروسية بهذه الحدّة وتنقلب على سياساتها السابقة؟.

–   حاجة روسيا الى تغيير قواعد اللعبة، فالقواعد القديمة تأكلت ولم تعد تشتغل لصالح روسيا، بل أن استمرار اسرائيل بالعمل على هذه الشاكلة يطيح بسمعة روسيا ويشكك بقدرتها على ادارة الأوضاع في سورية.

–   توجيه رسالة إلى اللاعبين المنخرطين في الصراع السوري، وخاصة أميركا وبريطانيا وفرنسا، التي تحاول التدخل عند كل منعطف، ان الأمور بدأت تأخذ مسارات مختلفة، وما على هذه الأطراف سوى احترام هذه المتغيرات.

–   رفع سوية نظام الأسد، العسكرية والسياسية، ودفعه الى ساحة التفاوض بأوراق تفاوضية جديدة وفاعلة، فمنظومة الصواريخ جرى تسليمها للجيش السوري وهو من سيقوم بتشغيلها وإتخاذ قرارات مواجهة الأهداف المعادية.

–   المعطى الأخير فيث هذا السياق، استسهال القيادات العسكرية الإسرائيلية ضرب الأهداف في سورية دون مراعاة الحرج الذي تسببه لروسيا، فالعملية الاخيرة مثلاً إستهدفت اللاذقية، وهي منطقة القواعد الروسية، كما أن إسرائيل لم تبلغ روسيا بالعملية الا قبل دقيقة من وقوعها، وهذا ما جعل القيادات العسكرية الروسية تشعر بالمهانة.

 جاء نشر منظومة صواريخ «إس 300» في سوريا على نحو غير متوقع كحل يمكن روسيا وأطرافاً أخرى في الصراع من حفظ ماء الوجه بعد تبادل تصريحات قاسية بداية الأزمة، ويساعد نشر منظومات إضافية مضادة للطائرات روسيا أمام الرأي العام الروسي على إظهار أن الكرملين لن يتراجع عن وعوده، التي اعقبت سقوط الطائرة مباشرة،  بـ”معاقبة إسرائيل”، خصوصاً أن قطاعاً واسعاً مما يطلق عليه الرأي العام الوطني الذي يحمل بداخله مشاعر عداء تجاه اليهود، كان ينتظر تحركات حاسمة من جانب الكرملين.

“اس300” واقع شرق اوسطي مختلف

تشير عملية نصب منظومة “اس 300” في سورية إلى رغبة روسيا الاعلان أن مرحلة الفوضى قد إنتهت، وأنه قد أن الاوان للقوى المختلفة الاعتراف بخقيقة سيطرة روسيا على الأوضاع في سورية، وهو مؤشر على ان روسيا لم تعد مهتمة بالتفاهمات السابقة التي ساعدتها على فرض سيطرتها على الجغرافية السورية، وهذه التفاهمات أنجزت مهمتها ويستوجب تحديثها بما يراعي المعطيات الجديدة الممثلة بإعادة سيطرة قوات النظام السوري، المدعومة روسياً، على أجزاء واسعة من سورية، وبالتالي فإن سلوك الأطراف الخارجية يجب ان يراعي هذا التغيير ويخضع له.

لم تعد العمليات العسكرية التي تقوم بها اسرائيل مرغوبة من قبل الروس، بعد ان تكفّلت روسيا بإبعاد الإيرانيين عن حدود هضبة الجولان أكثر من مئة ميل، حسب زعم وزير الدفاع سيرجي شويغو، والمطلوب روسياً العودة إلى موسكو، من قبل اي طرف خارجي يرى ان له مصالح في سورية يريد الحفاظ عليها، لا التصرف بشكل منفرد، وإلا فعلى الجميع مواجهة الواقع الجديد الممثل بمنظومة “اس 300” ومن لديه حلول أخرى فليتقدم بها.

وتعتبر منظومة “اس 300” من أحدث منظومات الدفاع الجوي في العالم، وهي منظومة عملانية يمكنها التعامل مع أكثر من مئة هدف بوقت واحد ويبلغ مداها 300كلم، بما يصعب على الطرف المهاجم تحقيق اهدافه ببساطة، أو يتطلب ذلك إتباع وسائل مكلفة وغير تقليدية، والمعلوم أن إسرائيل كانت تنفذ عملياتها عبر طائرات “اف 15” و”اف 16″، وهي الطرازات الأكثر توفراً لديها، لكن هذه الانواع يصعب عليها تخطي واختراق منظومة “اس 300″، وهو ما يفاقم مشكلة اسرائيل ويطيح بقوتها الردعية والتي طالما وضعت اسرائيل في خانة القوّة المسيطرة في الشرق الأوسط، ومن خلالها ضربت اهداف خصومها في سورية ولبنان والعراق وحتى تونس.

التداعيات المحتملة على القوى الخارجية

بالنسبة لسورية، سيضمن تفعيل هذه الأنظمة الاعتماد السوري على روسيا على مدى العقود القادمة، واذا كانت روسيا قد ضمنت بقاءها وسيطرتها من خلال الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية التي وقعتها مع النظام، فإن هذه الأنظمة سترسخ هذا الواقع اكثر، وخاصة مع قيام روسيا بإعادة هيكلة الجيش السوري بشكل كامل وبناء قوى داخل هذا الجيش تتبع لروسيا مباشرة، على غرار “الفيلق الخامس”، الذي يراد له أن يتحول إلى أقوى قوّة ضاربة في المؤسسة العسكرية السورية.

بالمقابل، فإن تفعيل هذه الأنظمة سيبعد خطر استهداف رأس النظام السوري في أي مرحلة قادمة، وخاصة وأن اسرائيل كانت قد لمحت إلى إمكانية ضرب قصر الشعب واستهداف الأسد مباشرة في محاولة للضغط على روسيا وخلط الأوراق في وجهها، ولا شك أن دعم النظام السوري بتكنولوجيا عسكرية متطورة، من شأنه إضعاف أوراق القوى الخارجية، بقدر ما من شأنه تثبيت نظام الأسد في أي معادلة سياسية قادمة.

اسرائيل واقع جديد معقد

يعتقد الخبراء الإسرائيليون أن التداعيات الأخطر للأزمة هي في تأثيرها السلبي المحتمل على العلاقات الثنائية بين روسيا وإسرائيل، ذلك أن تراجع هذه العلاقات قد يشجع أطرافاً أخرى في المنطقة على تجاوز “الخطوط الحمراء” التي وضعتها إسرائيل لغاية الآن في ما يتعلق بسورية، وهذا ما سيؤثرعلى المكانة الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة، لأن تراجع وتراخي العلاقات الثنائية الحالية بين روسيا وإسرائيل من شأنه أن يشجع إيران على محاولة التغلغل واستغلال هذا الوضع الجديد لصالح تعزيز مواقعها في سورية.

ورغم إعتراف اسرائيل، عبر صحفها وتقييمات خبراءها العسكريين، بأن الجانب التكنولوجي يشكل تحدياً لسلاحها الجوي، الا أنه بمقدوره في نهاية المطاف التغلب عليه، ولا سيما في ظل عدم خبرة الجانب السوري بتفعيل مثل هذه المنظومات، على اساس أن الخبراء الروس هم من سيتولى تشغيل هذه المنظومة، غير ان هذا البعد بالذات هو ما سيضع اسرائيل أمام معضلة، حيث ستكون مضطرة إلى إعادة النظر جديا في قصف بطاريات “إس 300” إذا كان من يقوم على تشغيلها الجانب الروسي.

وبلاحظ المراقبون أن الحوار بين موسكو وتل أبيب ازداد تعقيداً وينجرف تدريجياً بعيداً عن الشراكة الصامتة التي كانت قائمة قبل أزمة إسقاط الطائرة الروسية الأخيرة.

لكن ما هي خيارات اسرائيل؟

تبدو خيارات اسرائيل معقدة في ظل هذه التطورات، وقد خسرت هامش المناورة الواسع الذي كانت تتمتع به في الأجواء السورية في مرحلة سابقة، وباتت خياراتها محدودة وذات طبيعة خطرة:

الخيار الأول: اللجوء الى إستخدام طائرات ( ف 35)، وهي السلاح الوحيد الذي لديه قدرة تقنية على تخطي منظومة “اس 300” دون امكانية رصدها أو استهدافها، وتملك اسرائيل 10 طائرات من هذا الطراز، ولكن وفق معلومات اسرائيلية هناك رفض اميركي لإستخدام هذه الطائرات في مواجهة روسيا، ذلك أن إحتمال اصابة احداها ولو بالصدفة سيكون له تأثير مدمر على مستقبل صناعة هذه الطائرة وترويجها في المستقبل، لذا تفضل أميركا البحث عن خيارات أخرى.

الخيار الثاني: استخدام ادوات الحرب الالكترونية للتشويش على الطائرات الروسية في المجال الجوي السوري، وتملك إسرائيل قدرة كبيرة في هذا المجال وهي جهة متطورة، إذا اضيف لها الخبرات الأمريكية، فإنها ستحدث ضرراً كبيراً بحركة سلاح الجو الروسي في سورية، لكن مشكلة هذا الخيار انه لا يخدم هدف اسرائيل في منع تمدد إيران في سورية ونقل الأسلحة إلى لبنان، وهو خيار ذو طبيعة انتقامية من روسيا، ما يعني ان روسيا قد تلجأ لخيارات انتقامية مقابلة، وستكون عبر تدعيم اعداء اسرائيل وتعزيز قوتهم.

الخيار الثالث: نقل الصراع إلى لبنان، وذلك من خلال استهداف قوافل الاسلحة القادمة من سوريا، بالرغم من ان عملية رصدها  أكثر تعقيداً، اما للطبيعة التضاريسية التي تعبرها القوافل، جبال واودية، أو لأن حزب الله يتبع طرق معقدة للتمويه عن عمليات النقل، وخاصة عبر نقلها بكميات قليلة وتفكيكها لأجزاء واعادة تركيبها، كما أن للحزب مواقع ومعسكرات في القصير وريف دمشق ملاصقة تماما لمعسكراته في البقاع وبالتالي من الصعب على اسرائيل رصد  عمليات النقل تلك.

لكن يبدو أن اسرائيل بدأت تميل لهذا الخيار أكثر من غيره، وقد هدد رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو باحتمالية توجيه ضربات لمناطق في بيروت تزعم اسرائيل ان ” حزب الله” يقوم بتخزين السلاح فيها.

ايران: هل يؤثر القرار على نشاط ايران؟

على الرغم من الإعتقاد بأن ايران ستكون الطرف الأكثر إستفادة من هذا الواقع، إنتهاء التفاهمات الروسية – الإسرائيلية في سوريا، على اعتبار ان ذلك سيؤدي الى منحها هامشاً اوسع للعمل على تحقيق اهدافها في سورية ولبنان، بعد أن تتخلص من ضغط هجوم سلاح الطيران الإسرائيلي.

غير ان الواقع ليس بهذه الصورة، اذا تدرك روسيا ان كل ما تعرضت له من احراجات وخلافات مع الأطراف الخارجية يعود سببه بالدرجة الاولى إلى نشاط إيران في سورية، واستمرار هذا الوضع من شأنه تهديد مصالح روسيا والعصف بإنجازاتها السورية، كما انه قد يورط روسيا بصراعات ليست مستعدة لها في الوقت الحاضر.

وبناء على ذلك، بدأت روسيا بالقيام بإجراءات، الواضح منها ضبط الوجود الإيراني في سورية، بداية من اخراج القوات الإيرانية من مطار ال”تي فور”، القريب من تدمر، وهو المطار الذي تعرض أكثر من مرة لهجمات اسرائيلية، وكذلك توجّه روسيا الى السيطرة على المنطقة الوسطى في سورية، حمص وحماة وجوارهما، وهي المناطق التي تربط لبنان بسورية، وليس أخراً استلام روسيا السيطرة على مناطق البوكمال والميادين شرق سورية على الحدود العراقية السورية.

لكن، مشكلة روسيا مع ايران مشكلة معقدة وليست بالبساطة المتصورة، فروسيا لا زالت بحاجة لإيران، سواء على المستوى الميداني، حيث لا يزال هناك بعض الحروب في الشمال والشرق التي لا تستبعد روسيا امكانية خوضها لتثبيت سيطرتها على كامل الجغرافية الروسية، ودور ايران وميليشياتها حاسم في هذا المجال نتيجة الضعف الهائل لدى قوات الأسد، ومن جهة أخرى، تشكل ايران ورقة مهمة بيد روسيا، تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وهي لا تريد التفريط بهذه الورقة دون الحصول على مقابل من هذه الأطراف، وبنفس الوقت، تدرك روسيا ان السلوك الايراني قد يجرها الى مخاطرة الحرب مع اسرائيل وجلب الخطر على النظام السوري، وهو ما من شأنه تقويض كل ما صنعته روسيا في المرحلة السابقة، وبناء على ذلك، فإن التقديرات تذهب بأن روسيا قد تواصل القبول القبول بترك المجال مفتوحا أمام إسرائيل للقيام بعملياتها في سورية على المدى المتوسط والبعيد لتحقيق توازن يحفظ قدرتها على ضبط الامور لصالحها.

أميركا والتحالف الدولي

يعمل التحالف الدولي ضد داعش، والذي تقوده أميركا، في مناطق شرق الفرات، وهي بالتأكيد خارج إهتمامات منظومة “اس 300″، كما انه من غير الممكن تصور أن هذه المنظومة سيتم تفعيلها للتشويش على طائرات التحالف لعدة أسباب أهمها، أن العمل في منطقة شرق الفرات يدخل في اطار التنسيق الأميركي – الروسي، وقد ادار الطرفان العملية بنجاح طوال المرحلة السابقة، بالإضافة لذلك، تعرف روسيا ان التحالف الدولي لديه امكانيات تكنولوجية هائلة للتصدي لأي نشاط روسي ضده، وبالتالي فإن روسيا لن تغامر بخوض هذه التجربة.

لكن ثمة وظيفة أخرى للمنظومة الروسية في مواجهة أميركا وحلفاءها، فلطالما استخدم هؤلاء الطيران في ضرب مواقع لقوات الأسد بعد كل ضربة كيماوية نفذها في سورية، كما جرى التهديد بضربه مرات عديدة، وكانت روسيا تهدد بعد كل ضربة يتلقاها النظام بتزويده منظومة” اس 300″، وتأمل روسيا ان يدفع هذا الأمر تلك الأطراف الى اعادة حساباتها وعدم استسهالها توجيه ضربة للنظام مستقبلاً.

الاحتمالات:  نقل الملف الى العلاقات الروسية الامريكية

 وقد اكد هذا الاتجاه تصريح وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو “إننا نحاول إيجاد أساس لتفاهم مشترك والتعاون مع الروس”، والرد الروسي عليه بابداء الاستعداد لمناقشة الأحداث في سورية مع الولايات المتحدة، بشرط ألا تحاول فرض إملاءاتها على روسيا، ويؤشر، ذلك بشكل صريح، الى نقل ملف الأزمة الروسية – الإسرائيلية إلى مستوى مجمل العلاقات الروسية- الأميركية والتسويات الجارية، سواء في في الشرق الاوسط أو في مناطق أخرى في العالم، وخاصة في الملفات العالقة بين روسيا والولايات المتحدة، وبالتالي فإن مستقبل الأزمة الروسية- الإسرائيلية الحالية ينتقل حاليا إلى مرحلة جديدة تتعلق بما قد تتمخض عنه الاتصالات الروسية الأميركية عموما.

وللطرفان مصلحة في تجاوز ما جرى، ذلك انه في حال تكراره سيكون كارثيا ويسقط هيبة الردع لدى الطرفين معا عبر مستخدمي خيرة انتاجهما العسكري في سوق عالمية تشهد ازدحاما وتنافسا ما عاد حكراً على قطبي العالم إبان الحرب الباردة، بعد دخول أطراف عديدة سوق انتاج الأسلحة، كالصين والهند، فضلاً عن دول اوروبا الغربية.

والأرجح في هذه الحالة أن تتجه روسيا واسرائيل إلى اتفاق على إعادة صوغ التفاهمات المبرمة بينهما على نحو يؤدي إلى تجنب وقوع مواجهة، ويُمكَّن روسيا من حماية قواتها في قاعدة حميميم وخارجها، ولا يمنع إسرائيل من شن ضربات سريعة داخل سوريا، مع إعادة تعريف نوع الخطر الذي يتيح لها ذلك، والتزامها بالتنسيق مع الروس قبل كل عملية بوقت كاف.

اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى