2018العدد 176ملف دولى

المسارات الآمنة لاحتواء التشابك بين السياسات الأمريكية والروسية

على الرغم من سعي روسيا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق مع نهاية ثمانينيات القرن المنصرم إلى الانخراط والاندماج في النظام الدولي الجديد ومؤسساته التي تهمين عليهما الولايات المتحدة، إلا أن القيادة الروسية اليوم باتت تنظر إلى هذا النظام على أنه يمثل تهديدًا لمصالح موسكو وطموحاتها إلى استعادة نفوذها الدولي. وهو الأمر الذي دفعها لاتخاذ سياسات تتعارض مع المصالح والأمن القومي الأمريكي، وإعادة الانتشار في المناطق التي تنسحب منها واشنطن، ليصبح للرئيس “فلاديمير بوتين” موطئ قدم في كل من الصراعات الدولية، وتلك التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وأن يكون فاعل ومؤثر رئيسي في أي تسوية أو حل لتلك الأزمات والصراعات، وبدونه لن تنجح أي تسوية.

ومع التدهور الحادث في العلاقات الأمريكية-الروسية منذ فترة ليست بالقصيرة، وسباق التسلح النووي النوعي، والدفاعات الصاروخية، والحروب السيبرانية بينهما، بدأ كثيرون يستخدمون مصطلح “الحرب الباردة الجديدة” لتوصيف هذا التدهور الخطير في العلاقات بين الدولتين منذ عقود.

الرؤية الأمريكية لتهديد الروسي

تتفق كافة الوثائق الرسمية للمؤسسات الأمريكية، السياسية والأمنية والدفاعية، التي صدرت منذ أداء الرئيس “دونالد ترامب” اليمين الدستورية في العشرين من يناير ٢٠١٧ على أن روسيا أضحت قوة تعديلية في النظام الدولي. بمعني أن القيادة الروسية الحالية لا ترضي عن وضع موسكو في النظام الدولي الراهن الذي تهمين عليه الولايات المتحدة كقوة عظمي منفردة، وأنها تسعي مع الصين إلى تشكيل نظام دولي جديد يقوم على قيمهما ومبادئها غير الليبرالية، بما يخدم مصالحهما بالأساس.

 وهذا، ما نصت عليه استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب لعام 2017. ولذلك حولت وزارة الدفاع الأمريكية أولوياتها من محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي بعد خسارته مناطق نفوذه في سوريا والعراق، إلى مواجهة النفوذ الروسي المتنامي عالميًّا، والذي يُهدد الدور القيادي للولايات المتحدة لنظام الدولي ومؤسساته التي أسستهما واشنطن في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي تخدم مصالحها وحلفائها الأوروبيين بصورة أساسية، وتحافظ على الاستقرار والأمن الدوليين.

وتقتنع كافة المؤسسات الأمريكية (السياسية والأمنية والتشريعية) بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٦؛ لمساعدة المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” للفوز في انتخابات الرئاسية التي أجريت في الثامن من نوفمبر ٢٠١٦، وهو الاتهام الذي يرفضه “ترامب” في الوقت الذي لم تثبت فيه التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة “روبرت مولر” أن هناك تواطؤًا محتملاً بين مقربين من “ترامب” و”بوتين” خلال الانتخابات حتى الآن. وتوقعت تلك المؤسسات أيضًا تدخلاً روسيا في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في السادس من أكتوبر ٢٠١٨، وأنها ستتدخل في الانتخابات الرئاسية القادم المقرر لها في ٢٠٢٠ للنيل من الديمقراطية الأمريكية.

التشابك الروسي الأمريكي

تعارض روسيا القيادة الأمريكية المنفردة للنظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وقد تجلي ذلك بصورة واضحة في خطاب الرئيس “فلاديمير بوتين” في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير ٢٠٠٧، الذي أظهر فيه العداء للهيمنة الأحادية الأمريكية، واستخدام الولايات المتحدة المفرط للقوة العسكرية في إدارة علاقاتها الدولية، الذي أغرق العالم – من وجهة نظره – في هاوية الصراعات الدائمة، ولتجاوزها حدودها الوطنية.

وتطمح موسكو تحت قيادة الرئيس “بوتين” إلى المشاركة في قيادة النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منفردة منذ تسعينيات القرن المنصرم. وتؤكد على حقها التاريخي في المناطق التي كانت ضمن حدود الاتحاد السوفيتي السابق باعتبارها وريثته الشرعية. وكذلك عدم السماح للدول الغربية بالتمدد في نطاقها الحيوي، حتى لو استدعي ذلك استخدام القوة العسكرية التقليدية.

ومنذ الحرب الروسية-الجورجية في عام ٢٠٠٨ أيقن الرئيس الروسي أن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة لا يملك أدوات ردع قوية تحول دون التحرك الروسي واستخدامها القوة العسكرية خارج أراضيها لنشر نفوذها واستعادة مكانتها الدولية، وأن التكلفة التي فرضتها واشنطن وحلفائها إثر تلك الحرب كانت ثانوية على موسكو ولا يعتد بها. وقد خلص “بوتين” من تلك الحرب أن الغرب والقوة الأمريكية في طريقها للأفول، وأن موسكو قادرة على التوسع في استخدام القوة العسكرية وانتهاك القانون الدولي وتحقيق مكاسبها دون تبعات مؤلمة تترتب على سياساتها العدوانية. وهو ما يفسر التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في عام ٢٠١٤، وكذلك انخراطها العسكري في سوريا في عام ٢٠١٥، ودعم نظام “بشار الأسد” وحمايته، وعرقلة أي قرارات أممية بمجلس الأمن من شأنها تفويض الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي باستخدام القوة العسكرية ضد النظام السوري. وهو الأمر الذي يكشف عن رغبة روسية في منازعة الولايات المتحدة على مكانتها في منطقة الشرق الأوسط.

وتعمل روسيا على نشر أفكارها السلطوية، حيث لم يعد الصراع بين الرأسمالية والشيوعية كما كان إبان الحرب الباردة، ولكنه اليوم بين الديمقراطية الليبرالية والسلطوية الروسية. وفي إطار مساعي موسكو لنشر أفكارها ومبادئها السلطوية، واستهداف الديمقراطيات الليبرالية الغربية، وفي القلب منها الأمريكية، قامت الحكومة الروسية باستثمارات ضخمة في محطات التليفزيون والإذاعة، وشبكات التواصل الاجتماعي، والإنترنت لاستهداف تلك الديمقراطيات الليبرالية، وتقديم الدعم للسياسيين السلطويين في كافة أنحاء العالم.

وهذا ما يفسر التدخل الروسي غير المسبوق في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت في الثامن من نوفمبر ٢٠١٦، وهذا التدخل لاستهداف الديمقراطية الأمريكية لم يحدث من فراغ، حيث أنه جزء من جهد سياسي وجيوسياسي اتبعه الرئيس الروسي “بوتين”؛ لإضعاف الولايات المتحدة، واستهداف حلفائها الأوروبيين، وتوسيع النفوذ الروسي في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا. ويأتي التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٦ على خلفية اتهامات روسية بالتدخل الأمريكي في الانتخابات الروسية الرئاسية والتشريعية خلال عامي ٢٠١١ و٢٠١٢.

وعلى الرغم من تأكيد تقارير عديد من الوكالات الاستخباراتية والأمنية الأمريكية التدخل الروسي لاستهداف مرشحة الحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون” التي نادت بسياسة خارجية أمريكية متشددة تستهدف روسيا، لصالح المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” الذي أعرب أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية خلال عام ٢٠١٦ عن إعجابه بالرئيس الروسي، وانتقاده سياسات الإدارة السابقة المتشددة تجاه موسكو، فإن الأخيرة تنفي تلك المزاعم.

ويتركز الرفض الروسي على ثلاث حجج رئيسية، يتمثل أولها في أن الولايات المتحدة تواجه انقسام داخلي، وأزمة هوية وطنية وسياسية. ويتعلق ثانيها بأن الديمقراطيين يبررون فشلهم في الانتخابات الرئاسية. ويتصل ثالث تلك الحجج بأن شيطنة روسيا أحد وسائل الليبراليين الأمريكيين لتحقيق أهدافهم السياسية.

وقد انخرطت روسيا في أزمات منطقة الشرق الأوسط، في وقت انسحبت فيه الولايات المتحدة من معالجة تلك الأزمات، تاركة تلك المهمة إلى دول المنطقة، بوصفها قوة عالمية يجب أن تلعب دورًا في المنطقة، وأن تمتلك مقعدًا على طاولة المفاوضات والقرارات الرئيسية. وابتداءً من سبتمبر ٢٠١٥ تدخلت روسيا من خلال سلسلة من الضربات الجوية في سوريا عسكريًّا بشكل كبير ومستدام في النزاع السوري. وكان التدخل الروسي في سوريا سببًا رئيسيًا لصعود روسيا الإقليمي. وعلى الأراضي السورية التي اعتبرتها موسكو مسرحًا للعمليات العسكرية اختبر الجيش الروسي بصورة مكثفة أسلحة وأساليب عسكرية جديدة محققًا نتائج إيجابية للمصالح والنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وعلى الساحة الدولية.

مسارات الاحتواء

بعد أن عملت الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة لبناء مزيد من العلاقات البنيوية مع روسيا، تحولت الأخيرة تحت قيادة الرئيس “فلاديمير بوتين” إلى تهديد للقيادة الأمريكية للنظام الدولي، وللمصالح والأمن القومي الأمريكي. وخلال المديين القصير والمتوسط، لا يتوقع أن تتغير السياسيات الروسية، لاستمرار “بوتين” في حكم البلاد، وصعوبة تبني النظام الروسي المبادئ الديمقراطية. واستمرار تبني القيادة الروسية سياسات عدائية لقناعتها أن شعبيتها في الداخل واستقرار نظامها مرتبطان بالانخراط العسكري في الخارج، ولإدراكها أن ثمن أعمالها الأحادية وانتهاكها للقانون الدولي ليست باهظة قياسا بالمكاسب التي تجنيها وتحقيق طموحاتها الاستراتيجية. 

ومع عودة الحديث مجددا عن حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن على الأولي تبني استراتيجية قائمة على الاحتواء الحازم للثانية، لكبح جماح سياساتها الدولية وفي منطقة الشرق الأوسط، التي تهدد المصالح والأمن القومي الأمريكي، مع العمل على تعزيز مجالات التعاون بين البلدين متي تتوافر مصالح مشتركة تخدمهما.

وتقوم الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء التشابك بين السياسات الأمريكية والروسية على المستوي الدولي وفي منطقة الشرق الأوسط، وردع موسكو عن استهداف وتهديد المصالح الأمريكية على عدد من المحددات، التي لا تتضمن دخول الدولتين في حرب عسكرية مباشرة لارتفاع تكلفتها للطرفين، ولرفضهما لها، ومنها:

أولاً: العقوبات الأمريكية على النظام الروسي وشخصيات موالية له

 تحت ضغط من الكونجرس الأمريكي بمجلسيه (مجلس النواب والشيوخ) والمؤسسات البيروقراطية الفاعلة في صنع القرار الأمريكي الخارجي مثل (وزراتي الدفاع والخارجية، ومجلس الأمن القومي، ومجمع الاستخبارات) فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية على النظام السياسي الروسي وشخصيات قريبة منه، للتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٦، ولانتهاكاتها لحقوق الإنسان، فضلاً عن تدخلها العسكري في شرق أوكرانيا، وتقديم الدعم العسكري لنظام “بشار الأسد”.

وتستهدف العقوبات الأمريكية بصورة رئيسية الاقتصاد الروسي، مثل: معاقبة البنوك التابعة للدولة، أو منعها من التعامل بالدولار الأمريكي، وهي خطوة رآها رئيس الوزراء الروسي “ديميتري ميدفيديف” كأنها “إعلان حرب اقتصادية”.

وتري العديد من الدراسات والتحليلات الأمريكية ضرورة عمل الولايات المتحدة عن كثب مع شركائها الأوروبيين لتوسيع العقوبات وتنفيذ وتجميد أصول وحظر سفر المسئولين والكيانات المعروف أنها تدخلت في الانتخابات الأمريكية، لا سيما أن موسكو أضحت أكثر اعتمادا على التجارة مع الدول الغربية أكثر من الاتحاد السوفيتي السابق، فهي المورد الرئيسي للنفط والغاز إلى الكثير من دول أوروبا الشرقية والغربية. وهذا ما يعطي الدول الغربية مزيد من النفوذ على روسيا.

وتشير الكثير من التحليلات أن العقوبات الغربية المفروضة على استيلاء موسكو بعد ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014 ألحقت الضرر بالاقتصاد الروسي. وفي المقابل فإنها لم تتسبب في أثر يذكر على الاقتصاد الأوروبي. كما أن كبار المسئولين ورجال الأعمال المقربين من الرئيس “بوتين” يُضارون من تلك العقوبات، حيث لديهم أصول في الدول الغربية، ويفضلون قضاء عطلاتهم وتعليم أبنائهم في دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا. وهذا ما يمكن الولايات المتحدة وحلفائها من الأدوات لعزل النظام الروسي وداعميه من رجال الأعمال والسياسيين، وإلحاق المزيد من الضرر بهم.

واستمرار المؤسسات الأمريكية في موقفها المتشدد تجاه موسكو وسلوكها الدولي المفروض داخل واشنطن سيقوض من آمال الرئيس “ترامب” وطموحاته بإقامة علاقات جيدة مع روسيا، وعلاقات شخصية حميمية مع الرئيس “بوتين”.

ثانيًّا: الحوار مع روسيا

 يؤمن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بأن الدبلوماسية والحوار أفضل من الصراع والعداء، وأنه خلال اللقاءات والقمم الثنائية مع خصوم ومنافسي الولايات المتحدة يستطيع الحصول على تنازلات؛ لإيمانه بقدراته التفاوضية، وإنجاز الصفقات كتلك التي كان يحققها في مجال العقارات.

لكن القمة التي جمعت الرئيسيين الأمريكي والروسي في هلسنكي في السادس عشر من يوليو ٢٠١٨، أظهرت قوة بوتين وصعود روسيا كقوة فرضت نفوذها على الساحة الدولية، مع الكشف عن مدي تراجع القوة الأمريكية دوليًّا، والأداء الضعيف للرئيس الأمريكي. وهو الأمر الذي دفع العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي من حزب الرئيس (الحزب الجمهوري) إلى وصف الاجتماع بأنه “خطأ مأساوي”، وتراجع جديد للولايات المتحدة، واتهام “ترامب” بأنه تقاعس عن الدفاع عن بلاده، وأن الرئيس غلب المصالح الروسية على مصالح الولايات المتحدة. كما وجهت له اتهامات بأنه يعمل لصالح موسكو.

ثالثًا: ردع النووي لروسيا

 في استعادة لإرث الحرب الباردة الذي كان يقوم على سياسات “الردع النووي” بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، أجرت إدارة “ترامب” مراجعة للموقف النووي الأمريكي في وثيقة أصدرتها وزارة الدفاع في فبراير ٢٠١٨ بعنوان “مراجعة الموقف النووي” التي كشفت عن نية الإدارة لتطوير ترسانتها النووية لتكون أكثر ردعًا لأعدائها وخصومها، لا سيما أن الرئيس الأمريكي على قناعة بأن الوضع النووي لدولته مزري مقارنة بالترسانة النووية الروسية والصين.

ولهذا، كتب وزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” في تقديمه للوثيقة أنها تمثل ردًا على التوسع الروسي في امتلاك الأسلحة النووية. وهو ما يتفق مع دعا إليه بعد أسبوع من توليه منصبه رسمياً بأهمية مراجعة القدرات النووية الأمريكية، بحيث يكون الردع النووي للولايات المتحدة حديثًا وقويًّا وقادرًا على ردع التهديدات التي يشهدها القرن الحادي والعشرين، ولطمأنة الحلفاء.

واتساقًا مع أهداف إدارة “ترامب” لضرورة تجديد القدرة النووية الأمريكية، أعلن الرئيس الأمريكي في أكتوبر ٢٠١٨ عن نوايا الولايات المتحدة للانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى “معاهدة القوى النووية المتوسطة” الموقّعة بين الدولتين في عام 1987، والتي تحظر تصنيع أو تجريب أو نشر أي صواريخ باليستية أو مجنحة أو متوسطة، وتدمير كافة منظومات الصواريخ التي يتراوح مداها المتوسط بين 1000-5500 كلم، ومداها القصير ما بين 500-1000 كلم.

رابعًا- تعزيز الأمن الأوروبي

 من خلال التأكيد على المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلنطي “حلف الناتو” التي تنص على أن على أن الهجوم على إحدى دول الحلف سوف يعامل على أساس أنه هجوم على بقية أعضاء الحلف، وأن الحلفاء ملزمون بالرد عليه، وأن استخدام القوة العسكرية يعد أحد الخيارات في هذه الحالة. ومع ضرورة العمل على تعزيز استراتيجيات الدفاع والردع للحلف. وهذا يعني الحفاظ على المستوي الحالي من القوات الأمريكية المنتشرة في أوروبا على الأقل، في ظل رغبة الرئيس “ترامب” تقليل تكلفة وعبء حماية الولايات المتحدة للدول الأوروبية.

خامسًا: تقليل الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية

 من خلال عمل الكونجرس على إزالة القيود المفروضة على صادرات النفط والغاز الطبيعي الأمريكي، وتشجيع بناء خطوط أنابيب للغاز تتجنب روسيا (مثل من تركمانستان عبر أذربيجان وتركيا إلى أوروبا)، وحث دول حلف شمال الأطلنطي وغيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مواصلة بدائل لخط أنابيب نورد ستريم ٢، بما في ذلك تسهيل مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال من مصادر أخري. 

سادسًا: تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا

 بهدف التغيير الجذري في ميزان القوى على الأرض داخل كييف، بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وتقديمها المساعدات العسكرية والسياسية لانفصاليين الموالين لها داخل أوكرانيا. وفي هذا الشأن، وافقت إدارة الرئيس “ترامب” على منح الأخيرة أسلحة فتاكة، وتبديل الأسلحة والمواد العسكرية التي تم تسلمها في السابق، إضافة إلى تقديم الدعم اللوجيستي وإجراء التدريبات العسكرية على أن تواصل واشنطن تقديم الدعم الاستخباراتي لكييف.

وعلى الرغم من اعتراضات روسيا فقد باعت الولايات المتحدة لأوكرانيا صواريخ مضادة للدبابات بهدف تمكينها من حماية سيادتها وسلامة أراضيها. ومع تمتع موسكو بمزايا عسكرية كبيرة، إلا أن المساعدات العسكرية لأوكرانيا ستعمل على الحد من السياسيات العدوانية الروسية ضد حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين على نطاق واسع.

سابعًا: تسجيل الشركات والمؤسسات الإعلامية التابعة لروسيا ومقرها داخل الولايات المتحدة كعملاء أجانب

 وذلك للكشف عن بياناتهم المالية والأنشطة التي تقوم بها داخل واشنطن، حيث يلزم القانون الأمريكي الشركات الأجنبية بتسجيل نفسها كعميل أجنبي إذا كانت تشارك في نشاط سياسي أمريكي. وكثيرا ما تتهم تقارير الاستخبارات الأمريكية قنوات روسية مثل “روسيا اليوم” بالدعاية لصالح الكرملين داخل الولايات المتحدة، وأنه كان لها دور في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.

ثامنًا: البحث عن سبل للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا

 على الرغم من نظر الساسة الأمريكيين إلى روسيا على أنها التهديد الرئيسي للولايات المتحدة باعتبارها قوة تعديلية في النظام الدولي بجانب الصين، فإن هذا لا يعني عدم بحث واشنطن عن سبل لمواصل التعاون مع روسيا لأن ذلك يصب بصورة رئيسية في المصلحة القومية الأمريكية. لكن المساحات المشتركة بين البلدين في تراجع لا سيما مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي كانت روسيا جزء منه، وتخليها عن نهج حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي تدعمه موسكو، وكذلك اتهام الأخيرة بأنها تنتهك عقوبات الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية عن طريق توظيف عمال كوريين شماليين وتسهيل المعاملات غير القانونية مع بيونج يانج.

في التحليل الأخير، يتزايد التحدي الجيوسياسي الذي تمثله روسيا للولايات المتحدة منذ تولي الرئيس “فلاديمير بوتين” سد الحكم مجددًا في عام ٢٠١٢، حيث غزت موسكو شبة جزيرة القرم وضمتها إليها، ونشرت قواتها العسكرية في سوريا لدعم نظام “بشار الأسد” في استهداف مواطنيه العزل بالأسلحة الكيميائية، والتوسع الكبير في قواتها العسكرية، وإجراء مناورات عسكرية تهدف إلى تخويف الحكومات الأوروبية الشرقية، والتدخل السياسي في أنظمة تلك الدول، ناهيك عن التهديد بقطع إمدادات الغاز إلى الدول الأوروبية.

تتطلب السياسة الروسية تحت قيادة الرئيس “بوتن” الساعية لدور إقليمي وعالمي أكبر  إضعاف القوة الأمريكية، وهو ما دفع موسكو إلى شن هجوم كبير على دعائم الديمقراطية الأمريكية، والسعي إلى تقويض السلم الاجتماعي في الولايات المتحدة وأوروبا، ومعارضة السياسة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يدفع الكثيرون إلى الحديث عن حرب باردة جديدة مع موسكو، ما يتطلب تبني إدارة “ترامب” التي تنظر العديد من مؤسساتها الأمنية والسياسية والعسكرية لروسيا على أنها قوة تعديلية في النظام الدولي، وأنها التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، استراتيجية حازمة لاحتواء النفوذ والتهديد الروسي عالميًّا.

اظهر المزيد

عمرو عبدالعاطي

باحث متخصص في الشئون الأمريكية-موسسة الأهرام-القاه...

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى