2021العدد 188ملف دولى

الخلفيات الاستراتيجية لإلغاء صفقة الصواريخ وانعكاساتها على التحالف الأمريكي الأوروبي.

سلَّطت أزمة الغواصات النووية بين )فرنسا وأستراليا( الضوء على أزمة علاقات عميقة بين الدول الأنجلو سكسونية الغربية(أمريكا وبريطانيا وأستراليا ودول أوروبا)، ذلك أن القضية تجاوزت البعد الاقتصادي إلى استبعاد أوروبا من الترتيبات الأمنية والعسكرية التي بدأت تجريها هذه الدول في مناطق عالمية حساسة، وفي مواجهة قطب دولي صاعد هو الصين، حيث تتكاثر المؤشرات عن نذر حرب باردة بدأت تلوح في أفق العلاقات الدولية تشبه إلى حد ما الحرب الباردة التي عاشها العالم إبان حقبة الصراع مع الاتحاد السوفيتي في النصف الثاني من القرن العشرين.

لم يسبق أن مرّ التحالف الغربي المكون من (الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا) بمثل هذا النمط من الأزمات، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية- التي طالما تم وصفها بزعيمة الغرب- أدارت العلاقات مع الطرف المقابل من دول المحيط الأطلسي بأسلوب لا يعتمد كثيرًا على قاعدة الربح والخسارة، ولم تعتمد سياسات التهميش تجاه الأطراف الغربية، بل أنها قامت بمبادرات استفاد منها الغرب الأوروبي لدرجة أنها كانت تأسيسية في مجال نهضته الاقتصادية مثل مبادرة “مارشال” لإعمار أوروبا بعد الحرب، كما تولت حماية أمن أوروبا عبر نشر جيوشها على خطوط التماس مع الاتحاد السوفيتي، ووصل الأمر إلى حد وضع أوروبا تحت مظلتها النووية.

غير أن التغيرات في الموقف الأمريكي تجاه أوروبا ليست وليدة اللحظة، حيث أظهرت حرب العراق 1990 تمايزًا ملحوظًا بين الطرفين، إذ أظهرت إدارة جورج بوش الابن استهتارًا واضحًا بمكانة أوروبا الدولية وتأثيرها على مسرح الأحداث، ووصفها وزير الدفاع الأمريكي “دونالد رامسفيلد” بالقارة العجوز، كناية عن عدم فعاليتها وضعفها، ووصلت العلاقة إلى أدنى مستوياتها في عهد إدارة دونالد ترامب، الذي طالب أوروبا بزيادة مساهمتها في ميزانية حلف الناتو متذرعًا بأن أمريكا ليست ملزمة بتأمين حماية مجانية لأوروبا، وذهب أبعد من ذلك حين رفع التعرفة الجمركية على الكثير من المنتجات الأوروبية، الأمر الذي ساهم في إضعاف الصادرات الأوروبية إلى أمريكا واختلال الميزان التجاري، ورغم أن القادة الأوروبيين استبشروا خيرًا بوصول جوزيف بايدن للحكم وحديثه عن إعادة تصحيح العلاقة مع أوروبا، إلا أن الظاهر حتى اللحظة لا يشي بإمكانية إعادة العلاقة إلى ما كانت عليه في وقتٍ سابق.

تحوّل استراتيجي.

أطلق الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ورئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” ورئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون” في 15 سبتمبر 2021- شراكةً أمنية ثلاثية، هي تحالف “أوكوس” AUKUS  الاسم مكون من الأحرف الأولى من أسماء الدول الثلاثة، هذا التحالف له هدف محدد أشار إليه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حين قال:” أن الهدف هو التعامل مع البيئة الاستراتيجية الموجودة في منطقة المحيط الهادي والهندي”، مؤكدًا أن “مستقبل الدول الثلاثة، بل مستقبل العالم يعتمد على منطقة المحيط هندي – هادئ مستقرة ومزدهرة، ومفتوحة الملاحة فيها للجميع”.

يعيد تحالف” أوكوس” ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ، ويتأسس هذا التحالف بناء على تقديرات أمريكية بأن الصين أصبحت قوّة خطرة في منطقة حسّاسة من العالم، ما يستدعي تكافل القوى صاحبة المصالح في إتباع استراتيجيات جديدة في مواجهتها، والتزوّد بآليات رادعة لتعزيز استراتيجية المواجهة معها، وفي هذا السياق تأتي عملية إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية التقليدية واستبدالها بغواصات نووية أمريكية،  وذكر رئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون” أنه أشار للرئيس الفرنسي “ماكرون” قبل عدة أشهر إلى تغير البيئة الاستراتيجية المحيطة ببلاده، وملمحًا بطريق غير مباشر إلى عدم فاعلية الغواصات التقليدية الفرنسية لمواجهة أعباء تلك البيئة الجديدة.

معنى ذلك في الحسابات الاستراتيجية أن أستراليا أرادت تحقيق أهداف بعيدة المدى، فهي عبر شرائها للغواصات النووية الأمريكية تتقارب من واشنطن التي لديها استراتيجية واضحة في التصدي للقوّة الصينية الصاعدة، بعكس فرنسا التي تطالب بإدارة النزاع بوسائل دبلوماسية، كما تضمن أستراليا تحقيق توازن قوى مع الصين عبر التشارك مع الأمريكيين في تحالف أمني يظلل منطقة الهادي، من جهة أخرى، ثمّة فارق أكيد بين التكنولوجيا العسكرية الأمريكية والفرنسية لصالح الأولى، في مواجهة التكنولوجيا العسكرية الصينية التي تشهد تطورًا متناميًا في السنوات الأخيرة.

بالمعنى الاستراتيجي تعكس هذه التطورات تحولات استراتيجية عميقة في بنية العلاقات بين الدول الكبرى على أكثر من مستوى، ومن المتوقع أن يكون لها تداعيات على أنماط التعاون الاقتصادي بين الدول في المدى البعيد.

الخلفيات الاستراتيجية.

ليس إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية الأسترالية، وتأسيس حلف” أكوس” مقطوعَ الصلة بمعطيات الاستراتيجية الدولية، بل يمكن القول أنهما نتاج طبيعي لوقائع مسارات السياسة العالمية، والتي تبلورت بشكلٍ واضح من خلال:

  • اختلاف المقاربتين (الفرنسية والأمريكية) للعلاقة مع الصين، ففي حين تفضِّل فرنسا الطرق والأساليب الدبلوماسية والتفاهمات للتوصل إلى حلول وسط للخلاف مع الصين، وتعتقد أن الدول الغربية لديها من الأوراق التفاوضية ما يكفي لجعلها تحترم مصالح هذه الدول، ترى إدارة بايدن أن العلاقة مع الصين تجاوزت الطابع التنافسي إلى حدود الخطر، ما يستوجب ردعها، وبناء تحالف في مواجهتها تكون من مواصفاته مشاركة أعضائه نفس القناعات الأمريكية.

يتفق هذا التوجه، التوجُّه الأمريكي مع طموح بريطاني في العودة إلى “منطقة الأندوباسفيك” وتحقيق دور عالمي، فمنذ عام 2019 وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي بدأت بريطانيا في التوجه شرقًا وإنشاء قواعد عسكرية في أسيا، وتأكيدًا على ذلك أرسلت بريطانيا في 21 يوليو 2021 مجموعة ضاربة بقيادة حاملة الطائرات “إتش إم إس إليزابيث” عبر بحر الصين الجنوبي في طريقها إلى اليابان، وفي 19 سبتمبر 2021، قالت “ليز تروس” وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة في مقال بصحيفة “صنداي تلغراف”: “إن الاتفاق الأمني الجديد الذي أبرمته بلادها مع (أستراليا والولايات المتحدة) يبرهن على استعدادها لـ”التصلب” في الدفاع عن مصالحها”، مُضيفةً أن ” الاتفاق يبرز أيضًا التزام بريطانيا بالأمن والاستقرار في منطقة المحيطين (الهندي والهادي)”.

  • اتجاه الولايات المتحدة نحو إعادة ترتيب تحالفاتها القديمة لكي تناسب الواقع الجديد، إذ أخذت على عاتقها حماية مصالحها الاستراتيجية بدلًا من الحفاظ على مراكز حلفائها الأوروبيين التقليديين في القيادة العالمية إلى جانبها، كما اختارت أمريكا كشركاء لتحالفها الجديد، من تعتقد أن لديهم مصالح حقيقية في السير معها إلى أبعد الحدود في هذا الاتجاه أستراليا، التي بدأت تشعر بثقل مخاطر التمدّد الصيني داخل حدود مياهها الإقليمية، وبريطانيا المعزولة أوروبيًّا والباحثة عن فضاءات جيوسياسية تنقذها من العطالة الاستراتيجية التي بدأت نذرها تحوم حول الجزيرة البريطانية.

ورغم وعود إدارة بايدن بإعادة تفعيل علاقاتها الاستراتيجية مع الأوروبيين وإشراكهم في الترتيبات العالمية الجديدة، خلافًا لمرحلة إدارة دونالد ترامب التي خلقت ثغرات عديدة في العلاقة بين الطرفين، إلا أنه يبدو أن هذا الشكل من العلاقة بين الطرفين قد تمأسس وأخذت تتحكم به البيروقراطية الأمريكية، أو أنه تأثر بالنهج الانسحابي الأمريكي من مواقع تراها النخب الأمريكية خارج حسابات المصالح.

إلا أن ثمّة بعد مهم شكّل خلفية للموقف الأمريكي، وهو عدم النظر للأوروبيين كحلفاء يستحقون الثقة، وخصوصًا عندما يتصل الأمر بمواجهاتها مع الصين، باستثناء بريطانيا، التي تتفق سياساتها وتطلعاتها مع الأمريكيين.

والملاحَظ، أنه رغم اختلاف الأشخاص والأحزاب في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن السياسات بقيت كما هي؛ وذلك لارتكازها على أسس تعتمد على حسابات الترشيد في الإنفاق والالتفات للداخل والتواجد في القضايا والمناطق ذات العائدية المباشرة على المصالح الأمريكية.

  • استتباعًا لما سبق، يمكن التأكيد على مركزية العامل الاقتصادي في إطار التفاعل الدولي، وبين الأمريكيين والأوروبيين، حيث باتت المصالح الاقتصادية تشكّل محددًا للعلاقات بين دول القوى العظمى، وهنا يمكن ملاحظة التفارق في النظر للعلاقة مع الصين، إذ لم تعد دول الاتحاد الأوروبي تشارك الولايات المتحدة النظرة المبنية على التنافس والخطر القادم من الصين، بل أصبحت ترى ضرورة خلق قنوات للتعاون بدلًا من التنافس معها، لذلك توجهت إلى إنشاء اتفاقية صينية أوروبية للاستثمار.

إلا أن شعور واشنطن بتهديد أوروبي لمصالحها الاقتصادية أدى إلى تجميد توقيع الاتفاقية بسبب انزعاج إدارة بايدن منها.

  • تحميل فرنسا ضريبة سياساتها الداعية إلى استبدال حلف الناتو بقوة ذات هوية أوروبية خالصة، أو” حكم ذاتي استراتيجي” لأوروبا، وقد دعى الرئيس الفرنسي “مانويل ماكرون” أكثر من مرّة إلى ضرورة بناء قوّة أوروبية؛ لمواجهة المخاطر التي تواجه أوروبا، سواء الآتية من جهة روسيا، أو عبر المنظمات الإرهابية، وعلى الرغم أنه لا يوجد تأييد أوروبي واضح للفكرة الفرنسية، إلا أن تآكل الدور الأوروبي على المستوى العالمي، وحاجة أوروبا إلى سياسات دفاعية حازمة تجاه المخاطر الأمنية العديدة التي تواجهها القارة -قد يدفع ببقية شركاء فرنسا الأوروبيين إلى التفكير الجدِّي بإنشاء قوّة أوروبية خاصة.

ومن الأمور المساعدة على احتمالية تبني هذا التوجه، ما بدأت تستشعره دول القارة الأوروبية من ميل أمريكي نحو الاستقلالية الاستراتيجية عن دول الناتو، فيما يبدو أنه تطبيق لشعار” أمريكا أولًا”، والذي ظهرت ترجمته بشكلٍ صريح في قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والذي تم دون إجراء التنسيق الكافي مع الاتحاد الأوروبي أو حتى في إطار الناتو، وقد كشف هذا السلوك عن أن الآمال التي سيطرت على أذهان الدوائر الأوروبية، والتي ركزت على أن التخلص من ترامب سيؤدي حتمًا إلى استعادة التعاون بين شطري الأطلنطي وإلى تعزيز أداء الـناتو -لم تكن سوى أوهام سرعان ما كشفتها سياسات إدارة بايدن.

ولكن، وبالرغم من بحث أمريكا عن تحالفات عسكرية خارج الناتو، إلا أن ذلك لا يعني استغناءها عن الحلف الذي يشكل أحد أهم أدوات هيمنتها على المستوى العالمي، والأوروبي بشكلٍ خاص، كما أن احتمالية تأسيس قوّة أوروبية خاصة، قد تصبح منافسًا للهيمنة الأمريكية على المدى البعيد، وتخصم من رصيد قوّة أمريكا على مستوى العالم، الأمر الذي سيزيد من تعقيد المشهد العالمي في الوقت الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إخضاع القوّة الصينية الصاعدة، وهو الأمر الذي ترصد له موارد ضخمة، وبالتالي فهي في غنى عن بروز تحديات جديدة لقوتها في أوروبا، في المديين القريب والمتوسط.

التداعيات المحتملة.

ظاهريًا،  تم تجاوز الأزمة الدبلوماسية التي خلفها إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية، واضطر بايدن إلى إعلان أسفه للرئيس الفرنسي أثناء اجتماعه به على هامش قمة العشرين في روما، معترفًا بأن التصرف الأمريكي كان أحمقًا، مبررًا ذلك بنقص المعلومات لدى الإدارة الأمريكية بخصوص الصفقة الفرنسية الأسترالية.

غير أن هذا الإعلان لن يكون كافيًا لردم الهُوُّة التي تشكّلت بين الأمريكيين والأوروبيين، ولا إزالة الشكوك التي بدأت تترسخ حول التزام أمريكا بالدفاع عن شركائها، لقد أضاف اتفاق “أوكوس” أزمة جديدة لدول حلف الناتو الذي أصبح يعاني كثيرًا في الفترة الأخيرة من غياب التنسيق للموقف الموحد بين أعضائه، وأزمات أخرى تتعلق بالتمويل وحصص الدول المشاركة فيه، بالإضافة إلى التحديات الأمنية المتزايدة التي خلفتها الهجمات الروسية على (جورجيا وأوكرانيا) وتهديدها للكيان الأوروبي بأسره، وظهور التنظيمات الإرهابية على مسافة قريبة من دول حلف الناتو.

ومن المتوقع أن تظهر جملة من التداعيات لهذه الأزمة، بدأت ملامح بعضها بالتبلور:

  • بحث أوروبا عن صيغ جديدة لاستراتيجية دفاعية خاصة، وقد تجلَّى ذلك من خلال دعوة الرئيس ماكرون إلى ” استقلالية استراتيجية أوروبية” والتخلي عن السذاجة، واستخلاص العبر من الخيارات الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة التي تتركز على خصومتها مع الصين.

وقد لخص ماكرون على هامش المؤتمر الذي عقده مع الرئيس اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” بعد توقيع اتفاقية بين البلدين تشتري بموجبها اليونان ثلاث فرقاطات من فرنسا، واجبات أوروبا في المرحلة المقبلة بالآتي:

  • ضرورة فرض أوروبا احترامها على القوى الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال آليات عديدة تملكها أوروبا، وتستطيع من خلالها إثبات قدرتها في الدفاع عن نفسها.
  • الإقرار بالتفارق الحاصل في المصالح الاستراتيجية بين أمريكا وأوروبا، وخاصة بعد تركيز الاستراتيجية الأمريكية على الصين والمحيط الهادي، وقد ألمح ماكرون إلى أن هذا التفارق نهائي، معتبرًا أنه من السذاجة عدم رؤية أوروبا لهذا التحوّل.
  • أن تتحمل أوروبا مسؤولية تأمين حمايتها الخاصة، حتى في ظل استمرار التزامها بحلف الناتو، بما يعني عدم الاعتماد المطلق على الحماية الأمريكية بعد حصر الموارد العسكرية والاستراتيجية الأمريكية للتحشيد في منطقة الهادي.

لكن لا يبدو أن هذه الخيارات ممكنة في الوقت الراهن، إذ يؤكد أغلب الخبراء الأوروبيين على أن دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تواجه تحدي توفير التمويل اللازم من أجل تعزيز صناعاتها العسكرية بصورة مستقلة عن الحليف الأمريكي، كما أن (الاتحاد الأوروبي، وفرنسا) لا يزالان يعتمدان على المظلة الأمنية الأمريكية لمواجهة التهديدات الأمنية النابعة من روسيا والصين.

  • الانعكاس الأبرز، والذي سيظهر على المدى البعيد، نتيجة الصفقات غير الشفافة، على شاكلة صفقة بيع الغواصات النووية إلى أستراليا، والتي جرى الاتفاق عليها على حساب الصفقة مع فرنسا، يتمثل في تآكل الثقة بين أطراف النظام الدولي، والانخراط في تفاعلات متضاربة على نحو قد يهدد بإجراءات تصعيدية مثل “الإجراءات الحمائية” أو “الانسحاب من اتفاقات أوسع” أو “فرض عقوبات أحادية” من الدول المتضررة.

ولا تتوقف المشكلة هنا على بعدها الاقتصادي- رغم حساسيته- بل كونها تزامنت إلى حد بعيد مع الإعلان عن حلف” أكوس” ذي الطبيعة العسكرية، ومن كونه أداة جديدة في السياسة الدولية سيكون لها تأثير حتمي على توازنات القوى في منطقة الهادي- التي أصبحت في التقييم الاستراتيجي الدولي- منطقة ذات أهمية كبيرة لمصالح الكثير من اللاعبين، بما فيهم الإتحاد الأوروبي، وفرنسا على وجه الخصوص التي تملك تواجدًا في بعض الجزر في تلك المنطقة.

ونتيجة ذلك، تشير التقديرات إلى احتمالية انخفاض التنسيق الأمريكي الأوروبي إلى مستويات أقل عما كان في السابق بعد حلف “أوكوس”، وستُمنَح الأولوية للمصالح الخاصة، وهو ما قد يؤدي إلى تشابك التحالفات والاتفاقيات لتعدد المصالح والأهداف القومية للدول، وربما يعزز ظهور الحلف الأمني بين (واشنطن ولندن وكامبيرا)- فجأة ودون تنسيق مع الحلفاء الآخرين- حالة انعدام الثقة المتزايدة في العقد الأخير، وهو ما يرجح أفقًا مجهول المعالم في خارطة التحالفات القديمة، وهو ما بدأته فرنسا من خلال تعزيز التنسيق مع الهند أحد اللاعبين المؤثرين في منطقة المحيطين (الهادي والهندي)، وقد يصبح هذا التطور نموذجًا لبقية دول الإتحاد الأوروبي.

وثمّة إشكالية في العلاقات التي يؤطرها تحالف الناتو بين أعضائه، ذلك أن هذا التحالف القديم لم يطور آلياته ومنهجياته بشكلٍ كافٍ للتعامل مع التحديات المتزايدة للدول الأعضاء، ولا مع تشابك المصالح والأهداف لدول الحلف مستقبلًا، ما يرجح بحث الأطراف المنضوية في هذا التحالف البحث عن صيغ تحالفية أكثر قدرة على التعامل مع المتغيرات الجديدة في السياسة الدولية، أو إعادة تصميم الحلف؛ ليشمل جميع التحديات الجيوسياسية للدول المنضوية في إطاره، وهو ما لا يبدو أمرًا سهلًا نتيجة تضارب المصالح واختلاف الرؤى في تعريف مصادر الخطر وأسلوب التعامل معها.

اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى