2018العدد 174ملف عربي

الشرط الثالث عشر الغائب في الرؤية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط

قد تكون نقطة البداية في إدراك وتحليل تداعيات الموقف الاستراتيجي الراهن اليوم والماثل أمام عيوننا في الشرق الأوسط من زاوية تفاعلاته مع أحدث تجليات السياسة الخارجية الأمريكية كما طرحها منذ أيام وزير خارجية الإدارة الأمريكية “مايك بومبيو” في الحادي والعشرين من شهر أيار/مايو، ومن زاوية ما سبق أن طرح إرهاصاتها ومهّد لها الرئيس الأمريكي نفسه في خطابه الهام في الثامن من مايو بإعلان انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران ومجموعة 5+1 (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين)، وهي آخر وثيقتين تصدران عن الإدارة الأمريكية تعكسان بقوة انعطافات حادة في إدارة الصراعات الدولية في مناخ تشتد فيه رياح الحرب الباردة شديدة السخونة وهي كلها متغيرات سوف تؤثر ولأمد بعيد قد يطول كثيرًا على مقدرات الشرق الأوسط ومصائر شعوبه حربًا أو سلمًا أو اضطرابًا شديدًا ما بين حالتي اللاحرب واللاسلم.

وقد تكون نقطة البداية أيضًا هي التكهن بآثار ذلك البرنامج الاثني عشري الكاشف لرؤية استراتيجية أمريكية للشرق الأوسط وما وراء الشرق الأوسط من فواعل دولية عدة بهدف خلق موازين جديدة للقوى، بل قد تكون نقطة البداية ثالثًا هي بحث الهدف الحقيقي من وراء هذه الرؤية الاستراتيجية الأمريكية ـ بنقاطها الاثنتي عشرة – بما تهدف إليه من بناء أمني إقليمي مختلف هو الأقرب – لو تحقق وتجسد – إلى الانقلاب التام في معادلات القوى النسبية بين دول الإقليم، عربية وغير عربية، وإلى انقلاب موازٍ في علاقات المنطقة بقطبي القوى العظمي أو القوتين العظميين، روسيا والولايات المتحدة، وتأثير ذلك بالضرورة على مستقبل النظام الدولي والأمن والاستقرار في العالم لعقود قادمة.

وحتى لو كانت نقطة البداية هي القراءة المقارنة بين شكل ومضمون تفاعل القوى الدولية المؤثرة والقوى الشرق أوسطية، روسيا أو الصين والاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأقصى وجنوب آسيا (النووية)، أو القراءة المدققة لتفاعل الخبراء، أمريكيين وغير أمريكيين، من خارج دائرة أتباع فكر المحافظين الجدد الذين بشروا وأرهصوا بالفرص المتاحة التي سوف تنفتح أمام الشرق الأوسط من وراء مثل هذا الطرح الأمريكي الدرامي، الذي وصفه أحد أكثر الخبراء الأمريكيين معرفة ودراية بقضية الانتشار النووي وبالسياسة الأمريكية، بأن هذا الطرح ليس إلا “أوهامًا دخانية”، بل بقوله صراحة إن هذا الطرح الأمريكي الجديد أو الرؤية الأمريكية الاستراتيجية للإقليم ليست بهدف التوصل إلى اتفاق أفضل بل بقصد هدفٍ آخر هو إيران ذاتها بممارسة أقصي درجات الضغط المتاحة من أجل تغيير النظام لا مجرد تغيير السلوك.

وبغض النظر عن نقطة البداية هذه، وأيًا ما كانت الزاوية التي يمكن أن تقرب من خلالها لإدراك تداعيات هذه الرؤية الاثني عشرية للشرق الأوسط ما بعد (إسقاط) الاتفاق النووي، تظل الحقيقة المجردة هي أن جوهر تلك الرؤية الأمريكية، دون زيادة أو نقصان هي بكل الوضوح، التخطيط لإعادة رسم الخريطة وتوزيع الأوزان النسبية للقوى الإقليمية عربية وغير عربية، في الشرق الأوسط، استهدافًا منها ، أي من الرؤية الأمريكية المطروحة، لوقف الزحف والتقدم الإيراني في المنطقة مع كبح جماح قدراتها النووية والتسليحية الصاروخية العابرة، وتكنولوجيتها الدفاعية التي طورها النظام الإيراني، ثم تقطيع أوصال إيران وأذرعها بعد أن امتدت غربًا إلى العراق وسوريا ولبنان، للوصول بهلاله الشيعي كما يقال، ثم الأهم استهداف قلب الأمن الإسرائيلي من خلال وكلائه وشبكاته وخلاياه (فيلق القدس والميلشيات الموالية لها، وعناصر الحرس الثوري الإيراني).

 بيد أنه قبل هذا وذاك، فالمستهدف هو الوجود الإيراني ذاته، الراسخ والمتجذر في الأراضي السورية عبر سنوات دموية سبعة من الحرب الأهلية بذلت طهران فيها جهودًا مستميتة للسريان داخل شرايين ومفاصل الدولة السورية، ولربما أصبح مصير سوريا وثيق الصلة بمصير النظام في إيران ذاتها حيث أصبحت العقيدة العسكرية لهذا النظام هي عقيدة الدفاع المتقدم أو الدفاع الأمامي، يعني الدفاع عن إيران خارج الأراضي الإيرانية على مسارح قتالية في دول المشرق العربي، سوريا ولبنان وربما حتى الأراضي الفلسطينية.

هذه الرؤية الاستراتيجية الأمريكية تشكل المنطقة ومستقبلها وإن وُضعت موضع التطبيق اختزلت وصف تلك الظواهر كلها في تعبير كاشف وشديد الإيحاء ودقة التشخيص لما سوف يتتبعه من خطوات بما في ذلك وصف الممارسات الإيرانية أو امتدادات النظام إلى بغداد ودمشق وبيروت بل وإلى غزة، وكما تقول الرؤية الأمريكية بالحرف بأنه نفوذ خبيث أو بتعبير آخر مرضٌ خبيث وبماذا يعالج مثل هذا الوباء الخبيث؟ الذي لا يجدي معه العلاج الوقائي وبات يتطلب الجراحة والاستئصال.

 الطرح الأمريكي الإقليمي الجديد من خلال نقاطه الاثنتي عشرة تسير اليوم في مسارين متوازيين: أولهما في المسارح العملياتية في سوريا ولبنان واليمن، وذلك هو المسار الأول الذي انخرط فيه في المنظور الأمريكي الإرهاب الإيراني فكرًا وتسليحًا وتمويلاً وتدريبًا، والمسار الثاني هو الانخراط القتالي بخلاياه وميلشياته في الحروب الأهلية، بالوكالة من خلال عناصر متعددة الجنسيات ذات انتماءات مذهبية خاصة، لكنها وثيقة الصلة بالنظام في طهران من خلال فيلق القدس وعناصره الحرس الثوري الإيراني، سواء في اليمن أم في سوريا وربما في جبهات قتالية محتملة في جنوب سوريا ـ الجولان ـ القنيطرة ـ القلمون وهي ساحات قتال مفتوحة في المستقبل مع إسرائيل، وكل ذلك تفاصيل أفاضت في طرحها وشرحها تقارير معهد دراسات الحرب الأمريكية، ووزارة الدفاع، وتقارير الأمن القومي الإسرائيلي وخبرائه المتخصصين في الشأن الإيراني، والشأن الأمريكي والشأن الإسرائيلي على نحو يكاد يخلق مناخًا هستيريًا بنذر حرب قادمة لا محالة، ويكاد يرفع الستار الإقليمي عن دقات المسرح الثلاثة التقليدية قبل بدء حرب إسرائيلية إيرانية وشبكة أطلقت إنذاراتها مبكرًا خاصة منذ إذاعة الرؤية الأمريكية الدرامية.

ربما يكون من أهداف تلك الرؤية الأمريكية بطروحاتها الخطيرة، لكنه بالقطع ليس من أولوياتها العليا، العمل على حظر انتشار الأسلحة النووية، لكن أهدافها عمليًا ليست كذلك، وإلا لجاءت الطروحات الأمريكية أكثر شمولاً وعالمية في التعامل مع قضية نزع السلاح النووي لا تستثني أحدًا لا إيران ولا إسرائيل ولا غيرهما، بل ربما كان الهدف هو خدمة الاستراتيجية الأمريكية العليا للشرق الأوسط، في مواجهة القوى الكبرى ـ روسيا ـ وربما الصين أيضًا بإحياء أو طرح مشروع لمظلة أمنية أمريكية فضفاضة تتسع أبعادها لتغطي فواعل عربية (خليجية ومشرقية) وغير عربية (إسرائيل في المقام الأول وإيران وتركيا) في منظومة أمريكية شرق أوسطية محورها سوف يكون دائمًا ضمان الأمن الإسرائيلي في الجوهر والقلب، وهذا تاريخيًا طرحٌ قديم جديد أخفق في أن يرى النور من قبل رؤية وقد لا يجد طريقًا للظهور دون وفاق دولي جديد يحدد شكل الشرق الأوسط وبناءه الأمني المعد له بعد نزع القدرات النووية التسليحية للدول الحائزة على تلك القدرات المحظورة دوليًا، فهل تصطدم تلك الرؤية الاستراتيجية الأمريكية مع الرؤية الروسية لمستقبل وجودها في الشرق الأوسط ومصالحها الحيوية في إيران وسوريا وشرق المتوسط ؟.

وهل يكون الحديث عن حسم الأزمة السورية وحربها الأهلية الممتدة وإخفاقات الوساطة الدولية، وتعثر مسار جنيف وطرح مسار الأستانة والترويكا الإيرانية التركية الروسية، هل يجد هذا كله موضعًا له وسط هذا الزخم الأمريكي الجديد ؟ أم أن كل هذا سوف يتبدد أمام رؤية أمريكية قد تثير من التساؤلات والإشكاليات أكثر مما تحسم من الصراعات ؟.

الشأن السوري حتى من المنظور الأمريكي يجب ألا يكون مجرد شأن سوري إيراني أو سوري روسي أو حتى سوري إسرائيلي فحسب، بل هو شأن سوري وطني في المقام الأول، يجب أن تعود مقاليده إلى الشعب السوري نفسه، ثم هو شأن وثيق الصلة بالأمن القومي العربي، ودون مشاعر قومية مبالغ فيها فالشأن السوري بكل اليقين سيظل شاغلاً وهاجسًا يمس الأمن القومي العربي بشكل مباشر سواء على الساحة السورية ذاتها من صدام بدأت نذره بضربات إسرائيلية متتالية في الأسابيع الأخيرة لأهداف ومواقع إيرانية على الأراضي السورية.

هذا الواقع السوري وآفاق المستقبل السوري يفرض بقوة أن نأخذ في الاعتبار التداعيات المحتملة للرؤية الاستراتيجية الأمريكية على المصالح العربية أولاً ثم المصالح الإقليمية والدولية وكذلك ما يتعلق بروسيا (الضامن) الأول لاتفاقيات توصلت لها مع حليفيها تركيا وإيران والتي قد تتحول بين يوم وليلة إلى اتفاقيات غير ذات موضوع ما لم تتوافق القوتان العظميان الولايات المتحدة وروسيا على مخرج آمن لكليهما من الأزمة السورية التي كلما اقتربت من نقطة الانفراج ازدادت ابتعادًا لتداخل رؤى إسرائيلية وأمريكية تستهدف تغير لا خريطة سوريا ذاتها بل خريطة الموازين والقوى في المنطقة على اتساعها.

ماذا لو امتدت نيران الحرب على الأرض السورية، بين إيران وإسرائيل لتصيب وكلاء طهران أو قيادات طهران أو النظام الحليف لإيران في سوريا، ماذا سوف يكون رد الفعل الإيراني ؟ هل سيكون خوض معركة الوجود والبقاء بمثلما هي معركة الوجود والبقاء لنظم المنطقة بتحالفاتها المتناقضة، حتى وإن لم تكن درجة التحالف فيما بينهما على نفس الدرجة من القوة والعمق ؟.

هل ستقود معركة استئصال النفوذ الإيراني الخبيث (والورم الإيراني الخبيث) بكل مظاهره إلى معارك أوسع وأطراف أعمق انخراطًا في حروب غير مباشرة ؟، هل تقود معركة استئصال هذا الورم الإيراني الخبيث إلى زعزعة الاستقرار والأمن الإقليمي بأكثر مما هو عليه من فوضى واضطراب وخلخلة ؟، وهل سوف تؤدي إلى انزلاق غير مرغوب أو مطلوب إلى قاع السقوط لدول أو كيانات أخرى في المشرق العربي ترتد بالمنطقة إلى مستنقع من الحروب مجهولة النهاية أو الأجل ؟.

هل الخطة الاستراتيجية الاثنا عشرية هي إيذان بشتاء عربي شديد القسوة وإلى صقيع سياسي تتجمد فيه الحركة التنموية والحضارية وتتذبذب فيه أسعار الطاقة وتتقلب فيه الأسواق وحركات الأموال وتنسحب الاستثمارات ويسود فيها اللايقين في العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي وقد تمتد السلبيات الأمنية إلى الدول العربية الفاعلة المؤثرة ذات الكيانات الوطنية المتماسكة والصامدة فضلاً عن الكيانات الهشة والمكشوفة لها ؟.

هل يحتمل النسيج الاجتماعي والعرقي في الاتحاد الأوروبي موجات جديدة متدفقة من اللاجئين والمهاجرين بآثارها العميقة أمنيًا وسياسيًا وإنسانيًا إذا اتسعت آثار الانفجار الشرق أوسطي، والذي قد تمتد آثاره شرقًا إلى آسيا وشرقها الأقصى واعتمادها بشبه المطلق على مصادر الطاقة التي تمتد شرايينها من إيران والخليج عبر خطوط النقل والمنافذ وطرق الملاحة البحرية الدولية في الخلجان والمضايق والممرات المائية التي لا تبعد كثيرًا عن مسارح الشرق العربي من باب المندب إلى قناة السويس إلى شرق المتوسط إلى البحر الأحمر فخليج عدن ومضيق هرمز وبحر العرب وهى كلها ساحات مفتوحة لمواجهة تتجاوز سوريا ولبنان وإسرائيل والهلال الخصيب كله ولا تستثني شرارات الصراح المسلح فيها طرفًا واحدًا.

ويظل السؤال الحائر الذي لم تجد له الخطة الأمريكية الاثنا عشرية الجديدة إجابات أو حلولاً في بنائها الأمني الشرق أوسطي الجديد، فهل يمكن الحديث عن بناء أو هيكل أمنى جديد للشرق الأوسط بإحداث مثل هذا التحول الجراحي في موازين العلاقات الإقليمية هكذا بإرادة منفردة ؟.

وأخطار الانتشار النووي التسليحي لأي دولة في الشرق الأوسط هاجس خطير يراود كل القيادات العليا المنوط بها الأمن القومي في كل بلاد المنطقة والمشرق العربي خاصة، وهي قضية لها أبعادها وعناصرها المعقدة بيد أنه من الخطورة أيضًا ألا توضع في سياقها الصحيح، والسياق الصحيح هو التأكيد على التوافق الدولي الصارم بالالتزام بعالمية اتفاق حظر الانتشار النووي دون احتكار ودون انفراد ودون استثناء وإلا انهارت الاتفاقية من أساسها داخل الشرق الأوسط وخارجه، وتلك هي الدعوة، بتطبيق عالمية الاتفاقية، التي طالما دعت إليها الدبلوماسية المصرية ودافعت عنها، دون جدوى للأسف، عقودًا طويلة في كل مؤتمرات المراجعة الدولية والتجديد الأبدي لها، لكن الموقف المصري لم يلق إلا استجابة واحدة هي الرفض وربما المقاومة إلى حد الإحباط والوأد بأكثر التعبيرات تهذيبًا والإصرار على استمرار نمط المعايير المزدوجة والاحتكار والانفراد الذي يتناقض مع أسس اتفاقية حظر الانتشار النووي.

الحديث عن غايات الطرح الأمريكي الاثنتي عشرة للشرق الأوسط (الجديد) لا يقتصر عن قضية انتشار أو حظر انتشار القدرات النووية والتسليحية لإيران، بل هو طرح شامل متكامل لقضايا الإرهاب والحروب الأهلية وأزمات سوريا ولبنان واليمن وفلسطين وغيرها، بجدول أعمال كامل ومشروع شديد الطموح يفترض بحث قضايا الأمن والسلام والتعاون في الشرق الأوسط بدءًا من الأزمات السورية مسارها ومصيرها وأطرافها الدولية والإقليمية وقواها الفاعلة روسيا وإيران وتركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والقوى العربية المؤثرة، ولكن نموذج الأمن والتعاون الإقليمي وإجراءات بناء الثقة والتجارب المثيلة في المناطق الأخرى في إدارة الأزمات وحسم الصراعات يجب أن تكون كلها بنودًا هامة في مثل هذا البرنامج الأمريكي الذي يحتاج إلى إعادة الصياغة وسد الفجوات الكثيرة.

الحديث عن القوى الإقليمية الحائزة للقدرات النووية والتكنولوجيا التسليحية في المنطقة والقوى غير الحائزة للقدرات النووية والالتزامات المتبادلة لكل منها هو جدول أعمال مثقل وخطير لا يكفي لشغل مؤتمر واحد بل عدة مؤتمرات تمتد سنوات طويلة.

وما لم تعالج هذه القضايا الشائكة بجداول أعمالها المتشابكة فإن استراتيجية واحدة تطرح بمثل هذه الثغرات والفجوات سوف تكون قاصرة كل القصور في العثور على إجابات صحيحة في الوقت الصحيح ولن يكون لها من نتيجة سوى الدفع نحو طرق بديلة وخلفية لسباق التسلح النووي، الذي نريد جميعًا تفاديه وعدم الانزلاق إليه حتى لا تفتح أبواب الجحيم على هذه المنطقة تبتلع اقتصادياتها وتهدم طروحها الأمنية الهشة وتبدد طاقاتها البشرية.

يكفي ما سبق وضعه من عقبات هائلة أمام الحديث الجاد عن الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط بإعلانات خطيرة عن امتداد فعلي للاحتلال الإسرائيلي بالكامل إلى القدس الشرقية بنقل السفارة الأمريكية إليها، يكرس الاحتلال والاستيطان، ثم الإرهاصات التي نسمع نذرها بالإعداد لضم الجولان السورية المحتلة إلى إسرائيل واحتمالات الاعتراف الأمريكي بهذا الضم، وذلك مقرونًا ومسبوقًا بقانون الكنيست الذي فوض رئيس وزراء إسرائيل سلطات إعلان الحرب في ظل ظروف استثنائية، فأين هذا كله من طرح رؤية أمريكية استراتيجية ترسم حدودًا وآفاقًا جديدة للأمن الإقليمي للشرق الأوسط ؟.

تجديد مثل هذا الحديث بمثل هذه المقدمات المتتابعة ليس معناه إلا وضع أحزمة ناسفة حول أي آفاق محتملة لتوافق إقليمي أو دولي لحسم الصراعات المزمنة في المنطقة، ومثل هذا الحديث يبدو لنا اليوم سابقًا لأوانه ما لم يكن الأمن القومي العربي هو المحور والمدار في معالجة قضاياه، شأنه شأن الأمن القومي لكل الأطراف الإقليمية والدولية، الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل للخليج والمشرق العربي، ولابد أن يكون للقوى العربية الفاعلة والمؤثرة فيه مواقف وإسهامات حتى لا يقام بناء أمنى إقليمي لا يكون لنا فيه رؤية أو فكر، وحتى لا يتداعى مثل هذا البناء القائم على غير أساس راسخ.

المطروح أمريكيًا على الشرق الأوسط اليوم من خلال البرنامج ذي الاثنتي عشرة نقطة كما جاء في هذا الخطاب الهام لوزير خارجية أمريكا تجسيدًا لرؤية الرئيس الأمريكي الجدية للعلاقات الدولية في مختلف الاتجاهات، ليس المقصود به فقط هو عقاب إيران، أو ردعها أو حصارها أو احتواؤها أو حتى تغيير نظمها، فسلوكيات إيران الإقليمية والدولية تؤثر في المجتمع الدولي والشرق أوسطى كله، لكن المطروح أمريكيًا – كما نحاول أن نفهمه – هو المنظور الأمريكي للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط في شكل معادلات جديدة ومستحدثة، وهذا أمر – أي الأمن الإقليمي – غاية في الخطورة يجب ألا يتشكل في غيبة رؤية عربية بقواها الفاعلة والحاضرة والمشاركة قبولاً أو رفضًا لبعض أو حتى لكل عناصر هذه الرؤية الأمريكية أو غير الأمريكية إذا تناقضت مع المصالح العربية في الحاضر أو في المستقبل.

فماذا يمكن أن يكون المطروح عربيًا في المقابل ؟. الحديث عن منظور استراتيجي جديد للعلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط يحتم أن يكون لنا في مصر ـ مع أشقائنا العرب – رأي رصين، وفكر هادئ ومحسوب، وموقف واع ومدرك لتعقيدات العلاقات الدولية اليوم، بحيث نبلور ذلك كله في مؤسساتنا الرسمية، وهيئاتنا المجتمعية والبحثية والأمنية، تحدد فيها معالم الرؤية، وتحدد المحاذير والخطوط الحمراء وحدود الأمان الاستراتيجي لدولنا وشعوبنا ضمانًا للحقوق ووفاء للالتزامات، حتى لا تخرج قوانا العربية الفاعلة والباقية من المعادلات الاستراتيجية الجديدة والمستحدثة التي يجري اليوم إعادة تشكيلها، وحتى تظل فواعلنا العربية فقط هي المكافئ، وهي المعادل الموضوعي، القادر بحق على الحفاظ على الهوية العربية وعلى الأمن القومي العربي في مواجهة أخطار داهمة تحيط به الآن من كل اتجاه.

اظهر المزيد

د. رضا شحاته

مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى