2018التطورات الإقليمية والدولية للمشكلة السوريةالعدد 174

الضربة الصاروخية على سوريا المعنى – الجدوى – التداعيات

أولاً- تمهيد

تمثلت مقدمات هذه الضربة التي تمت يوم 14 إبريل 2018 في حملة مكثفة من الولايات المتحدة ضد النظام السوري متهمة إياه باستخدام الأسلحة الكيماوية في قصف المعارضين له في “دوما” بالغوطة الشرقية، والتهديد بعقاب النظام السوري لاستخدامه أسلحة دمار شامل غير إنسانية، وصاحب الحملة ما يحاول تأكيد آثارها البشعة من صور وأفلام وبرامج تستدر السخط على من تجاسر واستخدم هذا السلاح، والتهديد بعقابه جزاءً وفاقًا لارتكابه هذا الجرم، وهو ما نفاه النظام السوري بشدة مشيرًا إلى أنه سبق أن تم تفكيك ما لديه من أسلحة كيماوية عام 2013، تحت إشراف المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، وترجيح أن تكون المعارضة قد حصلت على هذا السلاح من أطراف إقليمية أو دولية يهمها خلط الأوراق على الساحة السورية وتصعيد المواجهة، والمطالبة بأن يتم التحقق من هذه المزاعم والادعاءات قبل اتخاذ أية خطوات غير صائبة بناءً عليها.

ووقف الفيتو الروسي حائلاً دون استصدار الولايات المتحدة قرارًا من مجلس الأمن يدعم مواقفها ومزاعمها، مما أدى إلى تفريغ الخطوة الأمريكية من أي شرعية دولية، وذلك رغم مشاركة بعض حلفاء الولايات المتحدة في تلك الضربة وتحديدًا المملكة المتحدة وفرنسا دون غيرهما من حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلنطي، وهو إن كان قد أضفى بعض المصداقية السياسية على الضربة الأمريكية كونها لم تأتِ منفردة، إلا أنها لم تعوض غياب الغطاء الدولي على نحو ما ذكرناه.

ويجدر الإشارة إلى أن الضربة قد تمت عشية وصول مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى سوريا، وقبل أن يتسنى لهم مباشرة مهمتهم في دوما، وهو ما يعطي الحق للجانب الروسي في التشكيك في مصداقية العملية العسكرية الأمريكية وأنه كان يتعين على الولايات المتحدة أن تنتظر تقرير فريق المفتشين قبل أن تقوم بهذا العدوان.

ولم يغير من الأمر شيئًا لجوء بعض الصحف، ومن بينها صحف غربية، إلى الحديث عن أخطاء فنية حالت دون نجاح الطائرات والقطع البحرية في إطلاق بعض الصواريخ، وعددت صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية حالات الفشل بحيث أطلقت فرنسا بحسب الصحيفة 12 صاروخًا من إجمالي 16 كان الجيش الفرنسي مكلفًا بها، بل وتحدثت إحدى الصحف عن أن الولايات المتحدة استخدمت في الضربة صواريخ كانت تحتاج إلى التجديد، ورددت وكالات الأنباء التابعة لروسيا وحلفائها أن الصواريخ الدفاعية السورية نجحت في التصدي للعديد من هذه الضربات، وأشارت إلى أنه من بين 103 صاروخ قد أطلقتها الدول الثلاث فقد فشل 70 منها في الوصول إلى أهدافها. ومن جانب آخر فقد أكدت بيانات الدول الثلاث المعتدية أن الصواريخ أصابت أهدافها بالكامل، ونفت روايات النظام السوري وحليفته روسيا حول اعتراض القذائف المعتدية. ومهما قيل على هذا الجانب أو ذاك، فقد وقعت الضربة العسكرية الأمريكية طبقًا لما أشرنا، ومن الطبيعي أن يكون لها أهدافها المعلنة والكامنة، وأن يكون لها تداعياتها.

ولفهم دوافع الضربة الأمريكية وأبعادها يتعين توضيح السياق العام لتعامل الولايات المتحدة مع الصراع الدائر في سوريا منذ اندلاعه، فعلى الرغم من تبني إدارة أوباما موقفًا صارمًا بضرورة رحيل الأسد عن السلطة، إلا أن الخطوات الفعلية لواشنطن تكشف أن هذا الموقف لم يتعد كونه موقفًا سياسيًا لم يترجم في شكل خطوات عملية على أرض الواقع، بل إن مجمل التدخلات الأمريكية في سوريا قد استهدفت تحقيق مصالح وأهداف لا ترتبط بجوهر الصراع الدائر على الساحة السورية، وبوجه خاص الأهداف التالية :

  • محاربة تنظيم داعش وجبهة النصرة للحيلولة دون نجاح هذه التنظيمات في توسيع تواجدها على نحو يحول التهديد الإرهابي  في سوريا إلى تهديد عالمي قد يستهدف الولايات المتحدة ذاتها على غرار ما حدث بالنسبة لتنظيم القاعدة في أفغانستان.
  • الحيلولة دون استخدام الأسلحة الكيماوية على نحو متكرر في الصراع العسكري من قبل النظام السوري وذلك باعتبار أن الولايات المتحدة تعد أسلحة الدمار الشامل من التهديدات الاستراتيجية التي تمس أمنها مباشرةً بغض النظر عن الإطار الذي تستخدم فيه تلك الأسلحة.
  • مواصلة مساعيها لإقامة إقليم كردي شرق الفرات، مع الحرص على تفاهمات مع تركيا لاستيعاب مخاوفها لتحقيق هدف استراتيجي هو إقامة حاجز كبير يحول دون تمدد النفوذ الإيراني من العراق إلى سوريا.
  • الأهداف الظرفية التي فرضتها تطورات الأوضاع على الساحة السورية، وما اتسع منها ليشمل بالضرورة المستويين الإقليمي والدولي. ومن بينها إرسال رسائل لمختلف الأطراف وأن يقر في ذهن الجميع أن الولايات المتحدة ما زالت الرقم الكبير في المعادلة الدولية، وأن توضع مواقفها في الاعتبار حتى لو غابت من الناحية العملية، وأن تؤخذ مواقفها المعلنة بجدية وبخاصة موقفها من الاتفاق مع إيران حول وقف برامجها النووية.

ولا غرو أن شاركت كل من فرنسا وبريطانيا في هذه الضربة، دون غيرهما من الدول الأوروبية، لانخراطهما التاريخي في شئون المنطقة بصورة عامة منذ بداية القرن الماضي، وحرصهما على مواصلة التنسيق السياسي والعسكري للتعامل مع تطورات الأزمة السورية في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ومن البديهي أن يكون لكل منهما أجندته الخاصة، إذ تسعى فرنسا إلى تعزيز دورها كطرف فاعل على الساحة السورية وهو ما انعكس في اتجاهها إلى زيادة قواتها في شمال سوريا تحسبًا لملء الفراغ المحتمل حدوثه إذا ما سحبت الولايات المتحدة قواتها من هناك. وشاركت فرنسا في الضربة العسكرية الأخيرة اعتقادًا منها بأنها خطوة تدعم من شعبية الرئيس الفرنسي ماكرون، وأشارت بعض التقارير أن هذا قد تحقق بالفعل في الداخل الفرنسي. ويلمس البعض أن هذا لم يمنع الحرص الفرنسي على إيضاح التباينات القائمة بين فرنسا والولايات المتحدة تجاه أزمات المنطقة، وبوجه خاص الموقف من سوريا وكذلك الاتفاق النووي مع إيران، بهدف تعزيز صورتها كقوة دولية تتبنى سياسات متميزة عن القوى الرئيسية الأخرى.

ثانياً- معنى الضربة ودوافعها

يمكن فهم الأهداف المتوخاة من الضربة الأمريكية في ظل السياق العام المشار إليه سابقًا بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة إزاء الصراع السوري، فاتساقًا مع الميل الأمريكي لعدم انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الأزمة السورية، هذا الاتجاه الذي ازداد وضوحًا في ظل إدارة الرئيس ترامب الذي أكد صراحةً أن واشنطن قد تكبدت أثمانًا باهظة جراء تدخلها في حروب لا جدوى منها في المنطقة دون أي عائد مباشر للمصالح الأمريكية، فقد جاء رد الفعل الأمريكي على مزاعم استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضد عناصر المعارضة السورية لينصب على ردع أي استخدام لأسلحة الدمار الشامل من قبل أطراف الصراع، وهو هدف يرتبط في الواقع بصورة أكبر باستراتيجية الدفاع الأمريكية على نطاق عالمي أكثر منه تحقيق مصالح ترتبط بالسياق السوري في حد ذاته.

ويعزز هذا الاستنتاج إعلان الولايات المتحدة عزمها توجيه هذه الضربة قبلها بوقت كاف يسمح للطرف الآخر بالاستعداد لتلقيها، وجاء تنفيذها على نطاق محدود استهدف منشآت وقواعد عسكرية سورية بعينها، وضح أنها تجنبت تحقيق خسائر بشرية، كما ابتعدت عن مواقع تمركز القوات الروسية والقواعد الإيرانية، فقد استهدفت الضربة بصفة خاصة معهد البحوث العلمية في برزة بريف دمشق ومركز الأبحاث العلمية في ريف حماة ومبنى المختبرات العلمية في جمرايا بزعم أنها مواقع لإنتاج السلاح الكيماوي، وعدد من المواقع والمطارات والمستودعات، وهي أهداف ترجح أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية أنها معنية بإنتاج وتخزين ما تبقى من ترسانة الأسلحة الكيماوية التي كان يمتلكها النظام، وبالتالي لم تستهدف الضربة أهدافًا مثل تشكيلات عسكرية سورية أو البنية التحتية العسكرية للنظام بحيث ترجح كفة الصراع العسكري لصالح المعارضة، بمعنى أنها لم تغير من ميزان القوى العسكرية بصورة ملموسة على الأرض. ويلاحظ أيضًا بصورة جلية أن الضربة ذاتها لم يتبعها موقف أمريكي يسعى إلى دفع عملية التسوية السياسية من خلال الدعوة لاستئناف المفاوضات بين النظام والمعارضة، ومن ثم يصعب الزعم بأن الضربة جاءت للضغط على النظام السوري للاستجابة لتلك المساعي وذلك في ظل ابتعاد الموقف الأمريكي بوجه عام عن مسار التسوية للأزمة السورية. 

ومما لا شك فيه أن محدودية نطاق الضربة العسكرية الأمريكية كانت بدافع تجنب الوقوع في أي تصعيد عسكري مع الطرف الروسي، فعلى الرغم من إعلان موسكو معارضتها الشديدة لقيام الولايات المتحدة بضرب النظام  السوري ردًا على ما قيل عن واقعة استخدامه أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية، إلا أن واشنطن قد رجحت أن روسيا لا مصلحة لها في الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة طالما أن الضربة الأمريكية لن تستهدف تغيير موازين القوى العسكرية في الصراع السوري، ومن ثم يمكن القول إن الخطوة الأمريكية جاءت في سياق وجود ما يمكن أن نطلق عليه حالة من “الردع الضمني المتبادل” بين واشنطن وموسكو، بما دفع الجانب الأمريكي لتضييق نطاق الضربة العسكرية في مقابل إحجام الجانب الروسي عن التصعيد ردًا على ذلك، الأمر الذي يرجح ما تناقلته تقارير إخبارية عديدة بإقدام الولايات المتحدة والدول المشاركة معها في الضربة – بريطانيا وفرنسا –  بإخطار الجانب الروسي بالأهداف المحددة التي سوف يشملها العمل العسكري ضد النظام السوري، وذلك من خلال قنوات الاتصال العسكرية القائمة مع الجانب الروسي أو من خلال طرف ثالث لتأكيد تلك الرسالة.

ثالثًا- جدوى الضربة الأمريكية

إن تقييم الجدوى من الضربة العسكرية الأمريكية ضد أهداف النظام السوري ونتائجها لابد وأن يتم أخذًا في الاعتبار مواقف الأطراف المختلفة المعنية بالأزمة السورية. فبالنسبة للولايات المتحدة، يمكن القول إن الضربة جاءت لتحقيق مكسب دعائي لإدارة الرئيس ترامب بتبني موقف قوي ضد انتهاك النظام السوري للنظام الدولي، دون أن يطرأ نتيجة لذلك أي تغيير على الاستراتيجية الأمريكية إزاء الصراع السوري. بل إن هناك شواهد ترجح أن تلك الضربة جاءت لتعزز ميل الإدارة الأمريكية للانسحاب من الصراع الدائر في سوريا، وهو ما يتضح إذا ما نظرنا الى ردود فعل تلك الخطوة على صعيد الداخل الأمريكي. فقد كشفت استطلاعات الرأي انقسام الرأي العام الأمريكي حول إقدام واشنطن على الضربة مناصفة بين مؤيد ومعارض، ولكن الدلالة تكمن في أن أغلب المعارضين للضربة يمثلون القاعدة الشعبية المؤيدة للرئيس ترامب والتي رأت في العمل العسكري الأمريكي ما يوحي بتراجع ترامب عن وعده بعدم الانخراط في صراعات المنطقة، وهو ما قد يفسر إسراع ترامب بعد الضربة مباشرةً على تأكيد موقفه الذي سبق وأعلنه بسحب القوات الأمريكية المتواجدة في  سوريا وقوامها حوالى 2000 جندي، وذلك في رسالة لطمأنة القاعدة السياسية المؤيدة له بأن الضربة العسكرية تمثل مجرد خطوة عابرة لن تغير من الموقف الأمريكي العام إزاء الأزمة السورية.

ومن الملفت أن إعلان ترامب عن نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا قوبل باعتراض شبه صريح من قبل وزارة الدفاع الأمريكية التي تمسكت ببقاء القوات الأمريكية لدعم قوات سورية الديمقراطية (قسد) الكردية في صراعها ضد داعش وتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا. وبينما لم يتبين حتى الآن ما إذا كانت الإدارة قد حسمت هذا الجدل حول بقاء القوات الأمريكية في سوريا من عدمه، إلا أن ما يلاحظ مؤخرًا من سعي الجانب الأمريكي لحث دول عربية – وبوجه خاص السعودية والإمارات والبحرين ومصر – على إيفاد قوات لتحل محل القوات الأمريكية لملء الفراغ في حالة انسحابها، أمر لا يخلو من دلالة بالنسبة لبقاء التواجد العسكري الأمريكي في سوريا على المدى المنظور. وقد أعلنت السعودية صراحة استجابتها لذلك، بينما تحفظت مصر بأن مسألة إرسال القوات غير مثارة على المستوى الرسمي، وأن مهمة قواتها هي الدفاع عن أراضيها وخروجها مرهون بإجراءات قانونية ودستورية محكمة.

يضاف إلى ما تقدم أن نجاح الولايات المتحدة في تحقيق الهدف المرجو من الضربة العسكرية، والمتمثل في ردع استخدام السلاح الكيماوي ضد عناصر المعارضة، أمر لم يتضح بعد. إذ أن اضطرار الجانب الأمريكي إلى اللجوء إلى القوة العسكرية للمرة الثانية بعد مرور عام على الضربة الأمريكية ضد أهداف سورية لذات السبب يمثل في حد ذاته فشلاً ضمنيًا لمصداقية الردع الأمريكي، خاصةً وأن تكرار استخدام السلاح الكيماوي من أي طرف أمر لا يمكن استبعاده مستقبلاً أخذًا في الاعتبار مجريات الصراع المسلح على الأرض. ويلاحظ في هذا السياق أن الجانب الأمريكي لم ينتظر دخول فرق التفتيش التابعة لمنظمة حظر السلاح الكيماوي للمناطق التي تعرضت للهجوم بواسطة السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية لتتبين حقيقة الموقف، ويفترض أن تتابع  نتائج تحقيقات فرق التفتيش قبل اتخاذ الإجراء المضاد، الأمر الذي يضفي ظلالاً من الشك على جدية الموقف الأمريكي في التعامل مع ملف نزع السلاح الكيماوي في سوريا بشكل كامل.

من ناحية أخرى فلا شك أن الضربة الأمريكية جاءت لتمثل مصدر حرج بالغ للجانب الروسي ومصداقية موقفه الداعم للنظام السوري، فلم تتمكن الاعتراضات الروسية شديدة اللهجة في مجلس الأمن وخارجه، من إثناء واشنطن عن الإقدام على تلك الخطوة والتي تعتبر المرة الثانية لقيام الجانب الأمريكي على ضرب أهداف سورية، وهو ما ترتب عليه ليس فقط المساس بمصداقية الاستراتيجية الروسية في سوريا وإنما تمثل مصدر حرج بالغ للرئيس بوتين داخليًا. ومع ذلك فمن المؤكد أن حرص الجانب الروسي على تعزيز تواجده العسكري في سوريا ردًا على الضربة العسكرية الأمريكية العام الماضي ضد قاعدة حميميم العسكرية وفي مناطق حيوية أخرى بعد ما قيل عن واقعة استخدام الكيماوي في عين شيخون، قد نجح في تحقيق  “ردع ضمني” أدى إلى تحجيم نطاق الضربة الأمريكية على نحو ما أوضحناه سابقًا، الأمر الذي يرجح استمرار الجانب الروسي على هذا النهج حيث أعلنت هيئة الأركان العامة للجيش الروسي أنها تنوي تسليم سوريا منظومات دفاع جوي متطورة قريبًا، وتردد مصادر إعلامية أن ذلك يشمل نظام صواريخ س-300 المتطور ونظام س-400 الأكثر تطورًا، وذلك لإعطاء رسالة مفادها أن موسكو لا زالت تملك اليد العليا التي تؤثر على مجريات الصراع في سوريا وأن تمادي الجانب الأمريكي في استخدام القوى العسكرية ضد النظام السوري يحمل في طياته مخاطر التصعيد العسكري بين روسيا والولايات المتحدة.

رابعا- التداعيات

في ظل مجمل ما تقدم يمكن إيجاز التداعيات المترتبة على الضربة الأمريكية ضد أهداف النظام السوري في النقاط التالية:

  • أن الضربة العسكرية الأمريكية ردًا على الاستخدام المزعوم من قبل النظام السوري للسلاح الكيماوي لم يكن له أي انعكاس مباشر أو غير مباشر على مجريات الصراع العسكري على الأرض، إذ يلاحظ أن هذا الإجراء لم يحل دون تحقيق النظام السوري مكاسب عسكرية في الغوطة الشرقية ضد قوات المعارضة وإخلاء مناطق محددة ومنها “دوما” ذاتها من عناصرها. ويأتي ذلك اتساقًا مع الاستراتيجية الأمريكية بوجه عام إزاء الملف السوري واستمرار تردد واشنطن في الانخراط بشكل مباشر في مجريات الحرب الدائرة على الساحة السورية، ومن ثم اقتصار تدخلها العسكري على الحد الأدنى الذي يحقق المصالح الضيقة للجانب الأمريكي في هذا الصدد.
  • ما من شك أن من ضمن النتائج المترتبة على الضربة الأمريكية زيادة حدة الاستقطاب السياسي بين واشنطن وموسكو إزاء الملف السوري على نحو يرجح معه استبعاد أي توافق أمريكي-روسي مستقبلاً لدفع عملية التسوية للأزمة السورية المتمثلة في مسار جنيف، الأمر الذي يرجح انفراد الجانب الروسي بملف التسوية السورية من خلال مسار أستانة، بالتوافق مع كل من تركيا وإيران، ولمحاولة تثبيت الوضع العسكري على الأرض من خلال ترتيبات محددة لفرض وقف لإطلاق النار في مناطق بعينها على الساحة السورية.  
  • جاء رد الفعل العسكري الأمريكي على نحو ما وضحناه سابقًا والاعتبارات التي حكمت تلك الخطوة الأمريكية لتضفي قدرًا من الغموض حول جبهة المواجهة المتوقع تفاقمها بين إسرائيل وإيران في الجنوب السوري، ففي الوقت الذي تتصاعد فيه نذر المواجهة العسكرية بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي في محاولة من الأخيرة لكبح جماح التواجد العسكري الإيراني في الساحة السورية، فإن اتجاه الجانب الأمريكي للانسحاب تدريجيًا من الساحة السورية وفقًا للاعتبارات التي حكمت تصرفه الأخير بالنسبة للضربة العسكرية ضد أهداف النظام السوري، لا ينبئ بوجود رغبة أمريكية للانخراط في جبهة المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية، وذلك على الرغم من التصعيد السياسي الأمريكي ضد إيران حول الاتفاق النووي، بل وانسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق رغم معارضة رفقائها لهذه الخطوة، ومع ذلك يصعب القول إنه يمثل بادرة لدخول واشنطن كطرف مباشر إلى جانب إسرائيل في صراع عسكري مع إيران، خاصةً وأن مجمل السياسة الأمريكية في المنطقة لا تكشف عن مؤشرات لموقف أمريكي حاسم يحد من تمدد دائرة النفوذ الإيراني في أي من ساحات الصراع في المنطقة سواء في لبنان، أو اليمن، أو العراق، وجاءت الاعتبارات الأخيرة لتوحي بأن هذا النهج الأمريكي ينسحب أيضًا على الساحة السورية.
  • ويرجح أن تؤخر الضربة الثلاثية لفترة من الخطط العسكرية التي كان يعتزمها النظام السوري بعد سيطرته على الغوطة الشرقية، بامتداد قواته إلى الجبهة الجنوبية لتطهيرها من فصائل المعارضة.

ويتبين أيضًا مما سبق أنه من المرجح أن تحكم الخطوات الأمريكية في المستقبل المنظور نفس الاعتبارات التي احتسبتها في مواجهاتها مع القوى المؤثرة على الساحة السورية، ومن بينها إيران إذ قد تكتفي بخروجها من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات اقتصادية عليها كنوع من الضغط السياسي لتحجيمها، والتأثير عليها في الداخل، ودرء تدخلها في الشأن العربي والإسرائيلي، مع إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لتوجيه ضربات عسكرية إلى الوجود الإيراني في سوريا، دون المساس بالأراضي الإيرانية ذاتها في إطار التصعيد المحسوب.

اظهر المزيد

سيد أبو زيد

كـاتب وبـاحث سيـاسي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى