2018العدد 175ملف عربي

العقوبات الأمريكية على إيران تداعياتها وإمكانية تحقيق أهدافها

بعد مضي أكثر من سنتين على توقيع الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي مع الولايات المتحدة وما عرف بـ “مجموعة 5+1” (روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، وبعد أكثر من عشرة أعوام من التفاوض، شهدت حالات من المد والجزر والتوتر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من هذا الاتفاق.

تذرع الرئيس ترامب بأسباب عدة لتبرير هذا الانسحاب من الاتفاق الذي وقع في تموز/يوليو 2015 ودخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016. فإيران بالنسبة إلى ترامب لم تلتزم ببنود هذا الاتفاق، لأنها مستمرة في تطوير منظومتها الصاروخية الباليستية، التي يجب أن تكون جزءًا من هذا الاتفاق، وهي لم تغير سلوكها في الشرق الأوسط، ولم تتوقف عن دعم الحركات التي تعتبرها واشنطن إرهابية مثل حماس وحزب الله. كما اعتبر ترامب أن إيران تشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي (تجاه إسرائيل والمملكة السعودية بشكل خاص).

لكن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو أعلن في الوقت نفسه استعداد بلاده للتفاوض على اتفاق  جديد مع إيران بعد أن حدد مطالب الولايات المتحدة من طهران على الشكل التالي:

1- الكشف عن كل التفاصيل المرتبطة ببرنامج طهران النووي والسماح لوكالة الطاقة الذرية بالتفتيش المستمر.

2- التوقف عن تخصيب اليورانيوم، وغلق المفاعل الذي يعمل بالماء الثقيل.

3- منح الوكالة الدولية نفاذًا شاملاً لكل المحطات النووية الإيرانية.

4- وضع حد لانتشار الصواريخ البالستية والصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية.

5- إطلاق سراح الأمريكيين وكل المواطنين الحاملين لجنسيات من دول حليفة لواشنطن المحتجزين في إيران.

6- وضع حد لدعم المجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط.

7- وضع حد لدعم حركة طالبان والقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى.

8- وضع حد لدعم فيلق القدس في الحرس الثوري.

9- وضع حد لتصرفات طهران تجاه إسرائيل والدول الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط.

10- نزع سلاح المليشيات الشيعية في العراق.

11- وضع حد لدعم ميليشيات جماعة الحوثي في اليمن.

12- الانسحاب من سوريا وسحب مليشيات الحرس الثوري الإيراني هناك.

وفي الوقت الذي حدد فيه بومبيو هذه الشروط لعودة واشنطن إلى التفاوض مجددًا مع طهران، أعلن أن بلاده “مستعدة للقيام بخطوات تجاه الشعب الإيراني، ووضع حد للعقوبات، وإعادة العلاقات التجارية ودعم تحديث الاقتصاد الإيراني ودمجه في الاقتصاد العالمي، إذا رأينا تغييرات واضحة ومستدامة وتخلي إيران عن برنامجها”. ودعا الكونجرس الأمريكي إلى دعم سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران، مشيرًا إلى ضرورة مواصلة هذه السياسة إلى ما بعد الإدارة الحالية.

وأعلن بومبيو أن بلاده ستفرض عقوبات مالية “غير مسبوقة وقد تكون الأقسى في التاريخ” ضد إيران، على خلفية برنامجها النووي. (المدن، 21/5/2018).

أثار قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي موجات من ردود الفعل في أنحاء العالم كافة. خاصة وأن هذا الاتفاق لم يتم التوصل إليه إلا بعد سنوات طويلة من التفاوض وسلسلة من العقوبات الأمريكية والأوروبية والدولية (مجلس الأمن) التي فرضت على إيران منذ مطلع التسعينيات إلى حين توقيع الاتفاق.

التداعيات على المستوى الإيراني

كان عام 2015 عامًا استثنائيًا بالنسبة إلى إيران بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب. فقد اعتبر الرئيس روحاني وفريقه المفاوض أن إيران أنجزت اتفاقًا تاريخيًا حول هذا البرنامج الذي نص على الاعتراف بحق إيران في التخصيب السلمي للطاقة النووية، خلافًا للشروط السابقة التي وضعتها الولايات المتحدة والتي كانت تؤكد على منع الإيرانيين من الاستمرار في برنامجهم النووي.

كما رأى الإيرانيون في رفع العقوبات بعد سنوات طويلة من الحصار الذي ضيق على اقتصادهم، فرصة لاستعادة موقعهم ودورهم ولجذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا وأن الدول الغربية أيضًا كانت تنتظر إشارة الانطلاق للعودة بكثافة إلى السوق الإيرانية. وقد ربط الرئيس روحاني وعوده لتحسين الاقتصاد وفرص العمل وخفض مستوى البطالة، بهذا الاتفاق الذي سيجعل الشركات والمؤسسات الدولية تستثمر بمئات مليارات الدولارات في إيران. ولذا كان الرئيس روحاني أول المتضررين من قرار ترامب، بحيث بدأت الأصوات المعارضة من الاتجاه المحافظ ومن أوساط الحرس الثوري، بالعودة إلى التأكيد على صوابية خيار عدم التفاوض مع الولايات المتحدة.

لم يكتف ترامب بقرار الانسحاب من الاتفاق، بل أعلن أيضًا عن سلسلة جديدة من العقوبات ضد إيران، كان أخطرها منعها من تصدير نفطها بالكامل الذي يفترض أن يبدأ في تشرين الثاني/نوفمبر 2018. ما يعني محاولة واضحة لخنق الاقتصاد الإيراني ودفع الطبقات الشعبية إلى الاحتجاج والخروج إلى الشارع، ونقل المعركة مع النظام إلى الداخل الإيراني.

وفي 6 آب/أغسطس 2018 دخلت كما كان متوقعًا، أول دفعة من العقوبات الأمريكية حيّز التنفيذ، استبقتها الحكومة الإيرانية بإعلان خطة جديدة لقواعد الصرف المالي الأجنبي. وبموجب الخطة، يلغي الحظر على مكاتب الصرافة لبيع العملة الصعبة بالأسعار الحرة لأغراض مثل السفر. كذلك تسمح الخطة للمصدرين ببيع العملة الصعبة إلى المستوردين، مع عدم وضع سقف لتدفقات العملة أو الذهب الداخلة إلى إيران. في الأثناء، أعلن القضاء الإيراني اعتقال مساعد البنك المركزي لشؤون العملات، إلى جانب أحد الصرافين وأربعة من السماسرة. (الأخبار 6/8/2018).

العقوبات الأمريكية المفروضة ستطال أمورًا عدة، من بينها شراء الأوراق النقدية بالدولار الأمريكي من قبل الحكومة الإيرانية، بالإضافة إلى تجارة الذهب أو المعادن الثمينة، فضلاً عن البيع المباشر أو غير المباشر أو العرض أو النقل من وإلى طهران للجرافيت والمعادن الخام أو نصف المصنعة مثل الألومنيوم والفولاذ والفحم. كما ستشمل العقوبات المعاملات الهامة المتعلقة بشراء أو بيع العملة الإيرانية، بالإضافة إلى قطاع السيارات. (CNN بالعربية 6/8/2018).

أما الحزمة الثانية من العقوبات فستكون في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر (2018)، وتستهدف قطاع الطاقة وكل الأنشطة المتعلقة بالنفط وعمليات البنك المركزي الإيراني. (الجزيرة.الوكالات 3/7/2018).

ومع بدء العقوبات ستكون الحكومة الإيرانية أمام استحقاق مستعجل، يتمثّل بالاستعاضة عن الدولار في التبادلات التجارية الخارجية، وأبرزها تصدير النفط. وهو ما يفترض أن الحكومة أعدت له مسبقًا، واستبقته ببعض الخطط الموائمة للمرحلة، من بينها استخدام اليورو في المعاملات التي لا تزال تُغطَّى بالدولار، وفي أمكنة أخرى مبادلة النفط بالبضائع. على أن تبقى المرحلة الحالية أقل صعوبة في المواجهة من المرحلة الثانية من العقوبات، حيث سيكون الضغط الأمريكي أكبر على كلٍّ من إيران والدول المستوردة لنفطها، بغضّ النظر عن العملة المستخدمة.

لم يكن بمقدور الرئيس الإيراني أن يبقى على دبلوماسيته المعهودة، وعلى الدفاع عن خيارات التفاوض التي  تمسك بها في المرحلة الماضية. وهذا التحول في خطاب الرئيس الإيراني “المعتدل” كان أول تداعيات هذه العقوبات. فقد كان التهديد بمنع إيران من تصدير نفطها بعد الانسحاب من الاتفاق قضية لا يمكن التعامل معها بالليونة والدبلوماسية. خاصة وأن هذه القرارات جعلت الرئيس روحاني نفسه في موقع صعب. لذا انتقل هذا الأخير إلى لغة التشدد والتصعيد، متوعدًا الولايات المتحدة بقوله: “إن أحدًا لن يتمكن من تصدير نفطه إذا منعت إيران من ذلك”. وكان لافتًا مسارعة قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى تأييد تصريحات روحاني، ما خلق حالة من التضامن الوطني الداخلي في إيران خلافًا لتوقعات ترامب والفريق الذي كان يتوقع أن تزيد العقوبات الانقسام الداخلي في إيران.

على المستوى الأوروبي:

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي حول الاتفاق النووي الكثير من ردود الفعل؛ المؤيدة والمعارضة. فقد سارعت المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي والدول الأوربية الموقعة على الاتفاق، وروسيا والصين، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى رفض الموقف الأمريكي، والمطالبة بالحفاظ على الاتفاق وتنفيذ بنوده. وقالت مفوضة الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية، فيديريكا موغيريني، إنه لا يحق لبلد بمفرده أن ينهي الاتفاق وأضافت أنه اتفاق متين يضمن رصد التخصيب ومتابعته. وعبرت عن انزعاجها من موقف الرئيس ترامب تجاه الاتفاق النووي الذي استغرق سنوات من المباحثات.

وقد صرَّحت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول التي فاوضت على الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، بأنَّها تنوي الوفاء بالتزاماتها وأنَّها ستستمر في علاقاتها التجارية مع إيران. وقد طلبت هذه الدول من الإدارة الأمريكية منحها إعفاءاتٍ لتحمي شركاتها في القطاعات المهمة، كالقطاع المصرفي، وقطاعات الطاقة والطيران وصناعة الدواء. لكنَّ الإدارة الأمريكية أبلغتها أن الباب مغلق تمامًا بهذا الشأن، وصرَّح مسؤولٌ في وزارة الخارجية: “إنَّنا لا نمنح أيَّ إعفاءات”.

ويخشى الأوروبيون من الخسائر التي ستلحق باقتصادهم وبشركاتهم إذا تم تنفيذ العقوبات على إيران. وعلى سبيل المثال اعتبر “فولكر تيرير” رئيس أنشطة التصدير بغرفة التجارة الألمانية “أن صادرات البلاد إلى إيران يمكن أن تتضاعف إلى حوالي خمسة مليارات يورو خلال عامين فقط وليس في خمس سنوات. وقال إن 80 شركة ألمانية لديها وحدات تابعة في إيران إضافة إلى ألف شركة أخرى لها ممثلون هناك. وتحرص شركات مثل فولكسفاجن وسيمنز وآلاف الشركات الأخرى المملوكة لأسر إلى استعادة دورها في تصدير شحنات إلى إيران.

وتوقع رئيس اتحاد الصناعات الألمانية “أن ترتفع الصادرات الألمانية إلى إيران إلى أكثر من عشرة مليارات يورو (11 مليار دولار) في الأجل المتوسط من 2.4 مليار دولار العام الماضي حيث من المرجح أن تستفيد من ذلك قطاعات صناعة السيارات والكيماويات والرعاية الصحية والطاقة المتجددة. (السفير 30/7/2015).

كما صرّح وزير الاقتصاد الفرنسي، ميشال سابان، “أن فرنسا تأمل بالمضي حتى النهاية في اتفاق يصب في مصلحة إيران وبقية العالم”. ولاحظ الوزير الفرنسي أن هناك “رسائل متناقضة” تصدر من الرئيس الأمريكي وإدارته بالنسبة إلى الاتفاق النووي وموضوعات أخرى. وقال “الرد الأفضل هو تبني موقف واضح وقوله بوضوح والتزامه بحزم”. (موقع إيلاف 5/3/2017).

اعتبر الأوروبيون أن انسحابهم من الاتفاق يعني حكمًا وقف إيران لالتزاماتها به، الأمر الذي سيؤدي إلى أمرين أساسيين:

1- وقف جميع عقود الاستثمار بين عدة دول أوروبية وإيران، وما يعنيه ذلك من ضياع فرص اقتصادية ومالية مهمة ستؤمنها لهم تلك العقود، بعد الانفتاح الأوروبي اقتصاديًا على سوق إيران الذي كان متعطشًا لتلك الاستثمارات، بعد إلغاء العقوبات عليها.. لذا فإن وقف هذه العقود تبعًا لإلغاء الاتفاق النووي سيشكل ضربة اقتصادية واجتماعية صاعقة للاتحاد الأوروبي قد لا يمكنه مواجهتها، خاصة في ظل الركود الاقتصادي وفي ظل الهجمة الصناعية الآسيوية على أسواق هذا الاتحاد.

2- من الطبيعي أن إلغاء الاتفاق مع إيران والذي سيترافق طبعا مع تشنج دولي واسع، سيجُبر الأخيرة على تفعيل قدراتها وتجاربها الصاروخية، وأيضًا على معاودة تفعيل برنامجها النووي، والذي حينها قد لا يكون فقط لأغراض سلمية تتعلق بالطاقة فقط، بل ربما سيتعداه إلى امتلاك قدرات نووية عسكرية، الأمر الذي سينتج عنه حكمًا استنفار خليجي وإسرائيلي يؤدي على الأقل إلى سباق محموم وواسع نحو التسلح، وستفرض الولايات المتحدة الأمريكية نفسها المستفيد الأول من صفقات الأسلحة هذه. وستكون دول الاتحاد الأوروبي قد انجرت، بعلمها أو بغيره، من خلال مساهمتها بإلغاء الاتفاق النووي إلى ضرب اقتصادها ومجتمعها. (جريدة الوفاق الإيرانية، 15/10/2017).

موسكو وتركيا والصين:

انتقدت موسكو إستراتيجية ترامب حيال إيران، ووصفتها “بالخطاب العدائي والمهدد”، مؤكدة أن الاتفاق النووي مع طهران لا يزال سليمًا. وقالت إن “رئيس الولايات المتحدة لديه سلطات عديدة، ولكن ليست هذه السلطة.” (الجزيرة.نت 14/10/2017).

وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف، في تصريحات على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك إن “صفقة إيران النووية وافقت عليها الأمم المتحدة ولا يمكن تعديلها وهذا ليس موقف روسيا فقط بل والمشاركين الآخرين في المفاوضات.” وأضاف لافروف أن “كل أمور تثير القلق بشأن إيران يجب تسويتها في إطار ثنائي من دون ربطها بالصفقة النووية”. (سبوتنيك.23/9/2017).

وصف الرئيس الصيني، شي جين بينج، العقوبات الأمريكية بـ “الأنانية وقصيرة النظر والمغلقة والضيقة”، مضيفًا: “يجب أن نرفض عقلية الحرب الباردة والمواجهات بين الكتل، ونعارض السعي للحصول على الأمن الذاتي المطلق على حساب الآخرين، ونسعى لتحقيق الأمن للجميع”، مؤكدًا لنظيره الإيراني استعداد بلاده “للعمل مع روسيا والدول الأخرى للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة”.

ويعتبر الموقف المشترك الصيني الإيراني من الاتفاق النووي ومن السياسة الأمريكية تجاه هذا الاتفاق، فرصة إضافية لتعميق التعاون الصيني الإيراني، لاسيما في المجال التجاري. وقد وصف الرئيس روحاني العلاقات بين البلدين بـ “التعاون الاستراتيجي” الذي أكد أنه “سيستمر في كل المجالات”، معتبرًا أن الصين هي “الشريك التجاري الأول لإيران في السنوات الأخيرة”. وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية، فإن الرئيس الصيني تطرق خلال اللقاء مع روحاني إلى “دور التعاون المصرفي واستخدام العملة المحلية في تطوير التعاون الثنائي”، مؤكدًا اعتزام بلاده “تنفيذ العقود المبرمة بينهما بشكل كامل”. ووقع الجانبان أربع وثائق للتعاون، أبرزها مذكرة تفاهم للتعاون التقني في المجال المالي والمصرفي، ومذكرة تفاهم للتعاون في إطار «مشروع الحزام والطريق» الصيني العملاق. (الأخبار 11/6/2018).

وفي موقف لافت، قال وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، في 27/6/2018، إن بلاده تركيا لا تعتبر نفسها ملزمة بالامتثال لمساعي الولايات المتحدة لوقف صادرات النفط الإيرانية بدءًا من تشرين الثاني/نوفمبر2018 ، وأنها ستعمل على ضمان عدم تضرر “البلد الشقيق” من هذه الخطوة الأمريكية. وقال زيبكجي خلال اجتماع في أنقرة بشأن التجارة مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية في أنقرة، إن القرار الأمريكي غير ملزم لتركيا، وإنها ستعمل على ضمان عدم تضرر إيران. وأضاف: “القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة ليست ملزمة لنا. سنلتزم )فقط) بأي قرارات تتخذها الأمم المتحدة”. وتابع: “سنحاول الاهتمام بالأمر بحيث لا تتعرض إيران، وهي بلد صديق وشقيق، لأي ظلم أو أذى”. (رويترز 27/6/2018).

في المقابل رحبت السعودية والبحرين والإمارات بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وطالبت بضرورة أخذ تهديدات إيران في المجالات غير النووية في الحسبان، وجاء أكثر المواقف ترحيبًا بالاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران من إسرائيل؛ فقد هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الرئيس الأمريكي ترامب على استراتيجيته الجديدة فور إعلانه عنها، ووصف نتنياهو قرار ترامب بعدم التصديق على الاتفاق النووي الإيراني بـ “الشجاع”، وقال إن “ترامب يواجه بجرأة نظام إيران الإرهابي” وأن ترامب “خلق فرصة لإصلاح هذه الصفقة السيئة ولصد عدوانية إيران ومواجهة دعمها الإجرامي للإرهاب” وأنه “إذا لم يحدث تغيير في الاتفاق النووي الإيراني فإن أقدم نظام إرهابي في العالم سيكون لديه ترسانة من الأسلحة النووية”.

هل ستحقق العقوبات أهدافها ؟

وما الذي تريده الولايات المتحدة فعليًا من جراء هذه العقوبات التي أعقبت انسحابها من الاتفاق النووي؟ وهل يمكن أن تؤدي هذه العقوبات إلى جذب إيران إلى التفاوض من جديد حول برنامجها النووي كما تطمح إلى ذلك الإدارة الأمريكية ؟.

يبدو أن الإدارة الأمريكية تهدف من جراء انسحابها من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات جديدة، ممارسة أقسى الضغوط على النظام في إيران لتحقيق هدفين أساسيين:

  • الأول هو تأليب الرأي العام في الداخل الإيراني ضد النظام بحيث يتحول إلى احتجاجات شعبية كما حصل في نهاية عام 2017، وبحيث تتمكن الولايات المتحدة من التدخل ومن دعم هذه الاحتجاجات التي يفترض أن تؤدي إلى إسقاط النظام أو إلى إضعافه كما تتوقع واشنطن.
  • الثاني هو قطع الموارد المالية عن النظام الإسلامي، ومحاصرته اقتصاديًا وتجاريًا وماليًا بحيث ينكفئ النظام إلى الداخل، ويضطر إلى “تغيير سلوكه”. والمقصود بهذا التغيير هو أن تمتنع طهران عن تهديد إسرائيل، وأن تقطع علاقاتها مع الحركات التي تعتبرها واشنطن وإسرائيل حركات إرهابية مثل حماس وحزب الله والحشد الشعبي في العراق.

وتتوقع واشنطن بعد العقوبات أن تتفاوض مع إيران على اتفاق جديد تتضمن بنوده قدرات إيران الصاروخية الباليستية، ونفوذها في الشرق الأوسط. ما يعني عمليًا تحجيم دور إيران، وإضعافها اقتصاديًا وابتعادها عن حلفائها … بحيث يسهل لاحقًا التفكير في توجيه ضربة عسكرية لها.   

أما إيران فقد اعتمدت في مواجهة العقوبات استراتيجية متعددة الأبعاد، توزعت على الشكل التالي:

  • إجراءات داخلية لمنع التدهور وتطويق تداعيات العقوبات، من ذلك مثلاً تغيير محافظ البنك المركزي والسماح بإدخال العملة الصعبة والدولار بشكل خاص إلى البلاد من دون أي قيود. كما حافظت على أسعار السلع الأساسية بحيث لم تتأثر هذه الأسعار بالارتفاع الذي حصل للدولار. كما شنت السلطات حملة واسعة بدعم من المرشد الأعلى لمحاربة “المفسدين الاقتصاديين”، بحيث تم منع أكثر من 100 شخص من أصحاب مناصب حكومية، من مغادرة البلاد”. (الأخبار 13/8/2018).
  • استعراض قوتها العسكرية والتهديد بإغلاق مضيق هرمز والإيحاء بأن المنطقة ستشتعل إذا منعت إيران من تصدير نفطها. أعلن الحرس الثوري الإيراني إجراء مناورات عسكرية في الخليج في الأيام الماضية. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن المتحدث باسم “الحرس”، رمضان شريف، قوله إن التدريب البحري “أجري بهدف ضبط وحماية أمن الممر المائي الدولي، وفي إطار برنامج تدريبات الحرس العسكرية السنوية”.
  • حركة سياسية ودبلوماسية نشطة مع الدول المتضررة من قرار العقوبات الأمريكي من تركيا إلى الصين والهند وروسيا، والاتحاد الأوروبي، بحيث يتم عزل القرار الأمريكي، وتأمين مصالح شركات هذه الدول التي تريد العمل في طهران، والاستمرار في ضخ النفط إليها.
  • عمدت طهران في الوقت نفسه إلى اتباع الطرق القانونية؛ إذ تقدمت بشكوى أمام محكمة العدل الدولية ضد إعادة فرض العقوبات. وأشار وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى أن الشكوى تهدف إلى “تحميل الولايات المتحدة مسؤولية إعادة فرضها عقوبات أحادية في شكل غير مشروع”، مضيفًا أن “إيران تتمسك بسيادة القانون في مواجهة ازدراء الولايات المتحدة للدبلوماسية والالتزامات القانونية. يجب التصدي لخرقها المعتاد للقانون”. (رويترز، أ ف ب، الأناضول 18/7/2018).

وعلى مستوى تصدير النفط الإيراني في حال نفذت واشنطن عقوباتها عليه، فإن معظم الدول لن تلتزم بعدم شراء هذا النفط. وحاليًا تصدر إيران معظم إنتاجها (مليوني برميل ونصف يوميًا) إلى الصين والهند وتركيا. وسيتحول النفط الذي تشتريه اليابان وكوريا الجنوبية، التي من المتوقع أن تلتزم بالعقوبات (نحو 750 ألف برميل) إلى الصين والهند ودول أخرى. ما يعني أن إيران لن تواجه عقبات فعلية جراء الحظر الأمريكي على تصدير نفطها إلى العالم. وقد تناقلت الوكالات في 11/8/2018 “أن شركة CNPC الصينية حلت محل توتال في حقل بارس الجنوبي 11 بنسبة 80 في المائة”.

أما بالنسبة إلى دعوة الولايات المتحدة إلى التفاوض، في ظل الضغوط المفروضة والانسحاب من الاتفاق فقد ربط الرئيس الإيراني بين هذه الدعوة وتراجع واشنطن عن قرار الانسحاب، وعن العقوبات. ولا يبدو أن هناك أي فرصة من الجانب الإيراني لقبول مثل هذا العرض الأمريكي، خاصة بعدما أعلن مرشد الثورة “أنه لن يكون هناك حرب ولن يكون هناك تفاوض مع الولايات المتحدة” (13/8/2018).

لا شك أن إيران تواجه صعوبات وضغوطًا اقتصادية تحتاج إلى جهود كبيرة ومتنوعة للتعامل مع العقوبات، والحد من تأثيراتها السلبية. وتحتاج إلى ثبات الدول على مواقفها في استمرار التعاون وفي حماية شركاتها، خاصة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. لكن هذه الصعوبات لن تؤدي إلى أي تهديد للنظام السياسي، أو حتى للنظام الاقتصادي. في حين أن الاعتراض  الدولي  الواسع على هذه العقوبات وعلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، جعل الرئيس ترامب أكثر عزلة على المستوى الدولي، وأتاح لإيران أن تبدو في موقع الضحية التي يريد العالم أن ينقذها، وهو يدافع عن مصالحه، من خلال تمتين العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية معها.

اظهر المزيد

د. طلال العتريسي

استاذ علم الاجتماع ، الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى