2021العدد 185ملف عربي

القضية الفلسطينية تحديات جديدة…ومصائر جديدة

يصادف العام الجديد نشوء تغيرات كبيرة وتحديات جديدة تواجهها قضية فلسطين والحركة الوطنية الفلسطينية، يأتي في مقدمتها التغيّر الحاصل في الإدارة الأمريكية، وتوجه بعض الأنظمة العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وانفتاح مسار المصالحة الفلسطينية؛ لإنهاء الانقسام من مدخل تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية وهو ما يمكن تفصيله في الآتي:

أولًا: التغيُّر في الإدارة الأمريكية:

لا شكّ أن خروج الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) من البيت الأبيض، ومجيء إدارة جديدة برئاسة (جو بايدن)، أضْفَيَا نوعًا من الاطمئنان والارتياح على القيادة الفلسطينية، التي رأت في هذا التغيير مخرجًا لها من حال الانسداد أو التأزم الحاصل في علاقتها مع إدارة البيت الأبيض، وأيضًا كمخرج من انغلاق المسيرة السياسية، بعد أن أتت إدارة (ترامب) بنفسها عن مكانتها كراعٍ لعملية المفاوضات. وفوق هذا وذاك فقد رأت القيادة الفلسطينية أنَّ مجيء إدارة (بايدن) سيعني أيضًا وضع حد لما عُرف بـ (صفقة القرن) ، بما يعيد الولايات المتحدة الأمريكية إلى الالتزام بسياستها التقليدية إزاء القضية الفلسطينية، بعد الخطوات الدراماتيكية الخطيرة التي كان اتخذها الرئيس السابق (دونالد ترامب)، وضمنها الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، وتشريع المستوطنات في الأراضي المحتلة، وتصفية قضية اللاجئين – لاسيما بوقف تمويل منظمة أونروا-، وطي خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

بالطبع، ليس القصد هنا تقييم مراهنة القيادة الفلسطينية على الإدارة الأمريكية الجديدة، سلبًا أو إيجابًا، وإنَّما الغرض فقط التوضيح بأنَّ التغيّر الحاصل في الولايات المتحدة الأمريكية جعل تلك القيادة في موقع أفضل بالقياس لوضعها السابق في ظل إدارة (ترامب). بيد أنَّ ذلك يفترض التنويه إلى ملاحظتين:- الأولى: وتفيد بأنَّ الفارق بين الإدارتين هو شكلي، على ما سنأتي إليه بعد قليل. والثانية: تفيد بأنَّ ذلك الفارق ناجم من حقيقة مفاده أن القيادة الفلسطينية تتصرف في الأغلب من واقع كونها سلطة أكثر من كونها حركة تحرر وطني، وهذا يعني أنَّها معنية بالحفاظ على وجودها وعلى كيانها (وهذا ينطبق على سلطة حماس في غزة) أكثر من أي شيء آخر.

على ذلك ثمة مسألة مهمة يفترض بالفلسطينيين، وكياناتهم الجمعية، وقياداتهم ملاحظتها، ومفاده أنَّ التغيّر في الإدارة الأمريكية، أو في السياسة الأمريكية إزاء قضايا الشرق الأوسط – لاسيما قضية فلسطين – لا يمكن المراهنة عليه، إذ لا يبدو أنَّ الرئيس الأمريكي الجديد (بايدن) بصدد النكوص تمامًا، ومن ناحية عملية عن المواقف التي اعتمدها سلفه (ترامب) في السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية. والمعنى من ذلك بأنَّ أي تغيير قد يحصل سيقتصر- على الأرجح – على الجوانب الشكلية، كمثل إعادة تمويل منظمة أونروا (الخاصة باللاجئين)، واستئناف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتدوير عجلة المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويستنتج مما تقدم أن كل تلك المواقف لن تصل غالبًا إلى حد التراجع عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة الأمريكية منها مثلًا. ففي تلك الحيثية قد تذهب إدارة (بايدن) إلى القول أنَّها تريد القدس عاصمة للجانبين، وأنَّ مصيرها سيحسم في المفاوضات (كما جاء في تصريح وزير الخارجية الأمريكية الجديد) في تعويم لتلك المسألة، وتبهيت الموقف الفلسطيني. أمَّا فيما يخصّ مسألتي الاستيطان والحدود فإنَّه في الغالب سيتم التعامل معهما بحيث يجري توظيفهما كأداة ضغط على الفلسطينيين؛ لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل كالعادة؛ ولدفعهم نحو الدخول في الدوامة التفاوضية مرة أخرى.

هكذا فإنَّ مثل تلك المواقف قد تكون بمثابة سُلَّم للقيادة الفلسطينية؛ لتشجيعها على النزول عن السقف الذي وصلته، أو تغطي عليها إزاء شعبها لا أكثر، وربما كان هذا هو المطلوب للقيادة الفلسطينية – وهو أضعف الإيمان – وفقًا لحال العجز لديها، ووفقًا للتهميش الذي باتت تعاني منه.

والخُلاصة فإنَّ القيادة الفلسطينية ستكون إزاء تغيّر في الشكل من دون تغيّر في المضمون، إذ ستتغير اللّهجة من خشنة في ظل إدارة (ترامب) إلى ناعمة في ظل إدارة (بايدن)، ومن وسائل الضغط في ظل (ترامب) إلى وسائل الدبلوماسية في ظل (بايدن)؛ لأنَّ ذلك هو ما يُعبر عن الموقف العملي الحقيقي لكل الإدارات الأمريكية.

ثانيًا: التطبيع مع إسرائيل:-

كما شهدنا، ففي السنوات القليلة المنصرمة لم تقف القيادة الفلسطينية إزاء مخاطر، أو إزاء تحديات خطة (صفقة القرن) وتخلي الولايات المتحدة عن دورها راعيًا لعملية المفاوضات، وعن مواقفها التقليدية المنسجمة مع قرارات الأمم المتحدة ولو لفظيًّا، لكنها واجهت أيضًا انشغال النظام العربي بتحديات ومشكلات أخرى صرفته عن القضية الفلسطينية، التي ظلت لسبعة عقود مضت بمثابة القضية المركزية للأمة العربية.

وبالطبع فإنَّ ثمة أسباب لكل ذلك:- أولها: حالة الضعف التي يعاني منها الوضع الفلسطيني نتيجة الانقسام بين فتح وحماس، وانقسام الكيان الفلسطيني بين سلطتي فتح في الضفة وحماس في غزة. ويأتي ضمن ذلك السياسات اليمينية والاستعمارية والاستيطانية والعنصرية التي تنتهجها إسرائيل، والمعطيات غير المواتية للفلسطينيين على الصعيدين العربي والدولي. وثانيها: بحكم انشغال النظام العربي عن قضية فلسطين؛ بسبب التحديات والمشكلات الداخلية التي يعاني منها، وأيضًا بحكم التخوف من التدخلات الخارجية – لاسيما من الفاعلين الإقليميين الآخرين – بخاصة إيران التي أضحت تتبجَّح بأنَّها تهيمن على عواصم عربية أربع أو خمس (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وغزة). وتركيا أيضًا التي بات لها وجود عسكري في (سوريا وليبيا والصومال وقطر). وثالثها: نشوء واقع يفيد بأنَّ إسرائيل أضحت بمثابة الدولة الأقوى في المنطقة، بلا أي منازع ولا أي مهدّد، وفوق ذلك فهي باتت بأمان أكثر من أي فترة في تاريخها، إذ لم يعد هناك جيوش بمعنى الكلمة في الدول المجاورة (باستثناء مصر التي تفصلها عنها شبه جزيرة سيناء)، في حين غابت الجبهة الشرقية تمامًا (سوريا والعراق) أيضًا؛ فقد أضحت إسرائيل تتمتَّع اليوم بدعم أقوى دول العالم، إضافة إلى الولايات المتحدة فهي باتت تحظى بدعم (روسيا والصين والهند)، وذلك إضافة إلى احتكارها السلاح النووي، وترسانتها الحربية المتفوقة على الدول المحيطة بها.

المعنى هنا أنَّ القضية الفلسطينية تراجعت في سلم الاهتمامات العربية – ولو الشكلية بالقياس إلى السابق – وأنَّ الأمر تجاوز ذلك إلى ذهاب عديد من الأنظمة نحو التطبيع مع إسرائيل في مختلف النواحي، وهو أمر يفترض بالفلسطينيين ملاحظته، بغض النظر عن رأيهم به، والتعامل مع التحديات التي تنبثق عنه بحكمة ومرونة؛ لأنَّهم الطرف الأضعف في المعادلة، والطرف الذي له مصلحة في عدم تركه مكشوفًا أمام إسرائيل وسياساتها الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية.

 ولعل هذا الوضع يفترض أن يحث الفلسطينيين على ملاحظة أن عملية التطبيع الجارية كسرت أسطورتين – طالما ارتكنوا إليهما ،أو بنوا أوهامهم عليهما-.

 الأولى: مفاده أنَّ فلسطين هي بمثابة قضية مركزية للأمة العربية وبالتالي للنظام العربي، وهذا كان له تمثلات (نظرية أو دعائية) فقط بحكم هامشية المجتمعات العربية، وضعف مشاركتها في السياسة، وبحكم توظيف الأنظمة لقضية فلسطين كل منها تبعًا لأجندته الخاصة.

 والثانية: مفاده أنَّ السلام يبدأ من فلسطين وأنَّ الحرب تبدأ من فلسطين، وأنَّ العرب لا يمكن أن يطبّعوا  بدون إيجاد حل لقضية الشعب الفلسطيني، وفقًا لمبدأ المبادرة العربية للسلام: (تطبيع كامل مقابل سلام كامل)، يتضمن إقامة دولة للفلسطينيين – بيد أنَّ ذلك تبيّن أنَّه من الماضي – إذ اتضح أنَّه يمكن للأنظمة أن تقيم علاقات عادية مع إسرائيل وأن تطبع معها – بمعزل عن قضية فلسطين، وبمعزل عن رأي القيادة الفلسطينية. وفي هذا المجال يجد الفلسطينيون أنفسهم، وضمنهم قيادتهم، أمام واقع جديد لم يعتادوا عليه، ولم يهيئوا أنفسهم له ولا يمكن لهم التهرب منه، حتى لو كانوا لا يقبلونه، أو حتى لو كان يضر بهم كونهم الطرف الأضعف في تلك المعادلة، سواء (إزاء إسرائيل، أم إزاء الأنظمة العربية).

ثالثًا: المصالحة والانتخابات:-

بعد جولات من الحوار الفلسطيني بدأت في (تموز/يوليو من العام الماضي) أصدر الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) المرسوم الخاص بتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهي الثالثة من نوعها منذ إقامة السلطة الفلسطينية (الأولى في العام 1996 م والثانية في العام 2006 م)، علمًا بأنَّها انتخابات تأخرت كثيرًا (15) عامًا؛ بسبب الخلاف بين حركتي (فتح و حماس)، وانقسام الكيان الفلسطيني بين سلطتي (الضفة وغزة).

وتأتي أهمية التوجه نحو الانتخابات من كون الفلسطينيين كانوا قد عقدوا آمالًا كبيرة على إمكان نجاح مساعِ الحوار والمصالحة بين حركتي (فتح وحماس)؛ لاستعادة وحدة الكيان الفلسطيني، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإخراج العمل الوطني الفلسطيني من الأزمة التي تعيش فيها على كافة الأصعدة، على الأقل تلك الناجمة عن انقسام بدأ في العام 2007 م أي قبل (14) عامًا، وكانت تلك العملية بدأت مع اجتماع (فيديو كونفرانس) شارك فيه القياديان (جبريل الرجوب) عن فتح و(صالح العاروري) عن حماس (يوم 2 يوليو/تموز/2020 م)، وقد تعززت تلك الجهود مع اجتماع الفصائل الفلسطينية الـ (14) في رام الله وبيروت (وفق تقنية فيديو كونفرنس، يوم 3 أيلول/سبتمبر/2020 م) وقد نجم عن ذلك – وفقًا للتصريحات التي صدرت عن القياديين في الحركتين المذكورتين – رفعٌ لمنسوب الأمل بإمكانية التخلص من هذا الملف العبثي والمؤلم والمضر.

أيضًا، تتأتى أهمية العملية الانتخابية التي يجري التحضير لإجرائها في (أيار/مايو 2021 م) من كونها تأخّرت (15) عامًا عن موعدها، مع ذلك فثمة ملاحظات عديدة  (سياسية وقانونية) ، يمكن إجمالها في الآتي:

أولًا: افتقاد تلك الانتخابات إلى مرجعية قانونية، إذ أنَّ السلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس باتت تسيطر أيضًا على السلطتين التشريعية (بعد حل المجلس التشريعي 2018 م)، والقضائية، مع معرفتنا بأنَّ قيادة منظمة التحرير التي يترأسها (محمود عباس) (رئيس السلطة وحركة فتح) هي المرجعية للسلطة، على الرغم من أنَّ السلطة هي مركز ثقل المنظمة التي تم تهميشها منذ زمن.

ثانيًا: لا أحد يفهم ماذا تعني الجملة في مرسوم الانتخابات والتي تفيد بأن الانتخابات ستُجرى لـ (دولة فلسطين) وليس (لـلسلطة الوطنية الفلسطينية)، ولـ (رئيس دولة فلسطين)، وليس (لرئيس السلطة الوطنية)، أو كيف سيتم ترجمة ذلك؟ فهل تظن القيادة الفلسطينية بأنَّ مجرد تغيير عبارة في ورقة كافيًا؟ أو أنَّه دلالة على تغيير في الواقع حقًا؟ ثم هل باتت السلطة في واقع دولة بكل معنى الكلمة؟

ثالثًا: كل الحديث عن المتابعة إلى حد الوصول لانتخاب المجلس الوطني لمنظمة التحرير جاء عامًّا، فالمقصود أنَّ أعضاء المجلس التشريعي (المنتخبين) هم أعضاء طبيعيون في المجلس الوطني القادم، وأنَّ ما سيُجرى مجرد استكمال لباقي الأعضاء فقط لا غير! وهي كلمة تفيد بتعيين الباقين – كما جرت العادة- ما يضعنا إزاء نظامين انتخابين، وما يعيد الأمر (بالتعيين) إلى الرئيس ذاته.

رابعًا: لا أحد يمكن أن يجزم، إن كانت تلك الانتخابات ستجري حقًا أو لا، إن كانت الانتخابات الرئاسية ستُجرى في حال جرت الانتخابات التشريعية، وبالتأكيد لا أحد يضمن عملية استكمال ذلك بالنسبة إلى المجلس الوطني، وبالنسبة إلى إعادة بناء منظمة التحرير.

خامسًا: واضح أنَّ الانتخابات أتت وصُممت؛ لتعويم النظام السياسي القائم، وهي في أحسن الحال – تفيد بنوعٍ من الشراكة بين الحركتين المهيمنتين على النظام السياسي الفلسطيني.

سادسًا: لا توجد أيّ ضمانات بخصوص إقرار أي من الحركتين الكبيرتين بنتائج الانتخابات في حال جاءت النتيجة بما يُضعف مكانة أي منهما في الضفة أو في غزة لأي سبب كان.

سابعًا: تلك العملية على أهميتها وضرورتها وكونها مدخلًا لتحديد التوازنات؛ ولتحديد مكانة كل فصيل، لا يُستشف منها إلَّا أنَّها تأتي كجزء من محاولة فلسطينية لإعادة بناء البيت الفلسطيني، واستنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، باعتبار أنَّ أي عملية انتخابية من دون رؤية تضمن ذلك، لن تقدم شيئًا جديدًا في الواقع الراهن والمعطيات السائدة.

والفكرة من كل ذلك أنَّه لا يوجد في إدراكات القيادة الفلسطينية (وهي قيادة المنظمة والسلطة) نوعًا من الحسم باتجاه وضع قواعد؛ لإحداث تغيير سياسي حقيقي في الكيانات الوطنية الفلسطينية الجمعية، وباتجاه تجديد شباب تلك الكيانات، واستعادة طابعها كحركة تحرر وطني – وهي الأمور التي باتت بأمس الحاجة إليها- بعد أن ارتهنت لواقع كونها سلطة في مركباتها، وفي رؤاها السياسية، وفي نمط إعادة تعويم ذاتها، وبعد أن ارتهنت إلى خيار (أوسلو) منذ (27) عامًا، من دون أن ينفتح أي أفق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

رابعا: استنتاجات.

واضح مما تقدم أنَّ كل واحدة من المتغيرات المذكورة تضع (القضية الفلسطينية، وشعب فلسطين، وحركته الوطنية) إزاء تحديات جديدة ومختلفة- لاسيما أنَّ الوضع الدولي والعربي هو الأكثر تأثيرًا في تحديد مكانة إسرائيل، ومكانة الفلسطينيين، وضَمن ذلك  تحديد طبيعة علاقة إسرائيل بالفلسطينيين.

بيد أنَّ الإقرار بتلك الحقيقة (أي دور العوامل الخارجية) لا يلغي مسؤولية قيادة العمل الوطني الفلسطيني في تردِّ أحوال الحركة الوطنية الفلسطينية، وانحسار دورها وفاعليتها. وبالنسبة لقدرة الفلسطينيين على تغيير قواعد اللّعبة – كما أثبتت التجربة التاريخية- بغض النظر عن ضعفهم ، وبغض النظر أيضًا عن مدى ترجمتهم أو استثمارهم لتضحياتهم وصمودهم ، وهو ما أثبتوه لاسيما في الانتفاضتين الأولى (1987 م – 1993 م)، والثانية (2000 م – 2004 م).

ولعل ما يفترض تَذكُره هنا، رغم كل التراجعات، ورغم أنَّ إسرائيل استطاعت تجويف الحركة الوطنية الفلسطينية بإزاحتها عن أهدافها الأساسية المتمحورة حول الصراع ضدها كمشروع (استعماري استيطاني عنصري)، بحصر تصارعها حول مجرد إقامة دولة في (22%) من أرض فلسطين لجزء من شعب فلسطين – إلَّا أنَّ ذلك لا يعني هزيمة الشعب الفلسطيني، أو تسليمه لإسرائيل، كما لا يعني ذلك أنَّ إسرائيل نجحت تمامًا في فرض أجندتها.

على ذلك فإنَّ الفلسطينيين معنيون أساسًا – ورغم كل الضغوط والتحوّلات والمعطيات الخارجية غير المواتية، وقبل أي شيء آخر، وعوضًا عن مجرد الاهتمام بمكانة السلطة أو باستئناف المفاوضات – بالتركيز على مراجعة مسيرتهم الطويلة (المضنية والمكلفة ) بطريقة نقدية ومسؤولة وحاسمة، والتوجه نحو: (إعادة بناء بيتهم، وتنظيم أحوالهم، واستنهاض قدراتهم) على قواعد وطنية مؤسسية وتمثيلية وديمقراطية، ومعنيون أيضًا بصوغ إجماعاتهم الوطنية، وتعزيز إدراكاتهم لذاتهم كـ(شعبٍ واحدٍ، وقضية واحدة، وأرض واحدة، ورواية تاريخية واحدة)، وكما أثبتت التجربة الفلسطينية الغنية؛ فإنَّه من دون بناء البيت أي (الكيان الوطني الجامع)، ومن دون صوغ إجماعات وطنية لكل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده، فإنَّه لا يمكن الحديث عن حركة وطنية، أو عن حقوق وطنية.

 في هذا الإطار يفترض أن يأتي الشروع في الانتخابات الفلسطينية، التي يفترض أن تأتي وفق عقد اجتماع واضح وسليم، وأن تصل إلى انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يشمل كل الفلسطينيين، والذي يمكن عبره إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.

اظهر المزيد

ماجد كيالي

بــاحــث فلسطيــني - سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى