2021العدد 186ملف دولى

المقاربة الأمريكية لحقوق الإنسان بين المبادئ والمصالح

إنَّ للسياسة الأمريكية في علاقاتها مع مختلف دول العالم _عدة أدوات تستخدمها في إطار تحقيق المصالح الأمريكية العليا، والمصالح المشتركة مع الحلفاء والأصدقاء، وبعض الدول في مناطق تجاذب القوى والمصالح مع المنافسين والخصوم، وتندرج هذه الأدوات من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة، أو المزج بينهما بدرجات في إطار ما اشتهرت به الولايات المتحدة الأمريكية من اتباع سياسة “العصا والجزرة”.

منذ عام 1977 م ، مع النمو الملحوظ في العديد من الدول لمنظمات المجتمع المدني، والجمعيات الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات العامة- أصبحت قضايا حقوق الإنسان من بين أدوات السياسة الخارجية الأمريكية؛ حيث تعتقد أنَّها تقع عليها مسؤولية خاصة للدفاع عن ما تسميه (منظومة المبادئ والقيم الأمريكية) التي تُعلي شأن حرية الاختيار والديمقراطية ، حرية العقيدة والعبادة ، حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، حرية التجمع وإنشاء الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي تهدف إلى خدمة جموع الناس وذلك دون تفرقة بسبب (العرق أو الجنس أو اللون أو العقيدة) وحرية التنقل والإقامة، وحرمة الحريات الشخصية، والحق في الرعاية الصحية والاجتماعية، وعدم استغلال الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.

وقد أدى تحوّل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وإقرار ميثاقه الذي أضاف إلى منظومة المبادئ والقيم الأمريكية مسائل أخرى تتعلق بـ (الحكم الرشيد، والشفافية، والحوكمة… وغيرها)، أدى ذلك كله إلى اتساع دائرة المحاسبة والتدخل والمتابعة من قبل المجلس وأعضائه لمدى التزام الدول الأعضاء في المجلس وغير الأعضاء باحترام وتطبيق المبادئ العامة لحقوق الإنسان.

التقارير الأمريكية لحقوق الإنسان في العالم:

تتولى السفارات الأمريكية في عواصم العالم المختلفة إعداد تقارير سنوية عن أوضاع حقوق الإنسان في هذه الدول، ويلاحظ أنَّها تولي تركيزًا واهتمامًا كبيرين ببعض المناطق وبعض الدول، وبصفةٍ خاصة الدول المنافسة للولايات المتحدة أو الدول التي تعتبر أنَّها تمثل تهديدًا محتملًا (مباشر أوغير مباشر) للمصالح الحيوية الأمريكية، وكذلك الدول التي تختلف عنها في النظم السياسية والاجتماعية والثقافية. وتتخذ السفارات الأمريكية في إعداد تقاريرها معايير الرؤية الأمريكية النظرية لحقوق الإنسان والحريات العامة-بغض النظر عن اختلاف الظروف السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية في الدول الأخرى.

وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” -عند إطلاق التقرير الأمريكي عن حقوق الإنسان في العالم لعام 2020 م، وذلك في 31 مارس 2021م-: “أنَّ وضع حقوق الإنسان في العالم مستمر في السير في الاتجاه الخاطئ”. و”تعهد بالدفاع عن حقوق الإنسان أينما كانت، سواءً لدى شركاء الولايات المتحدة أو خصومها، وأضاف أنَّهم سيستخدمون كل أدواتهم الدبلوماسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة الذين يرتكبون الانتهاكات بغض النظر عن صفتهم، وأنَّ بعض الحكومات استخدمت جائحة كورونا ذريعةً لتقييد الحريات وترسيخ الحكم الاستبدادي”. وأضاف: “أنَّه يتفق مع سلفه وزير الخارجية السابق “مايك بومبيو” في أنَّ الصين ترتكب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في إقليم (شينجيانج) الذي تسكنه أقلية الإيجور المسلمة”.

وقد جرى العمل على أن تتضمن التقارير الأمريكية عن حقوق الإنسان في مختلف دول العالم الموضوعات التالية، مع تفاوتها من دولة لأخرى:

  • عمل الحكومات والمؤسسات الرسمية على إضعاف الجمعيات التي تحمي (حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية)، وتَعرُّض هذه الجمعيات للإغلاق أو الحد من نشاطها، وتَعرُّض القائمين عليها لمضايقات مستمرة، وقد تصل إلى سجنهم بتُهم ترويج معلومات وبيانات غير حقيقية وتبنِّي أجندات خارجية.
  • الفساد وما له من آثار سلبية للغاية على ممارسة حرية الاختيار والديمقراطية، واحترام حقوق الآخرين وحكم القانون التي هي من أهم حقوق الإنسان. ويؤدي الفساد إلى تضاؤل المصداقية في المؤسسات الرسمية، ولا يتوقع الناس أن يحظوا بمحاكمة عادلة أو غير متحيزة لمعالجة مظالمهم، كما لا يأملون في الحصول على خدمات حكومية أساسية بدون رشوة، ولا تُتَاح أمامهم الفرص المتساوية للمشاركة بفاعلية في العمل السياسي.
  • حالات اعتقالات عشوائية أثناء تجمعات أو تظاهرات بدون ارتكاب المعتقلين أعمال عنف أو تخريب، وأن الاتهامات توجه إليهم بعد اعتقالهم.
  • امتداد فترات الاعتقال أو الاحتجاز في السجون لمددٍ طويلة خارج إطار المدد التي يحددها القانون ودون تقديمهم للمحاكمة أو السماح لهم بالتعبير عن وجهة نظرهم ومواقفهم علانيةً أو الدفاع عن أنفسهم في مواجهة ما هو منسوب إليهم من اتهامات – وقد تمتد مدة اعتقالهم ما بين سنة وثلاث سنوات ثم يُفرج عنهم دون محاكمة وتكون مدة حبسهم دون حكم محكمة وفقًا للقانون.
  • انتهاك حقوق التجمع السلمي، وفرض قيود على تأسيس الجمعيات الأهلية، وتسجيل المنظمات غير الحكومية، وحظر أو التضييق على أنشطة جمعيات حماية حقوق الإنسان.
  • ممارسة سلطات الأمن والشرطة العنف والتعذيب مع المعتقلين والمحتجزين والسجناء، سواءً المتهمين بارتكاب جرائم جنائية أو اجتماعية أو المعتقلين السياسيين، الأمر الذي يتطلب إعادة تأهيل رجال الأمن والشرطة وتعريفهم بالحقوق الأساسية للمواطنين وأهمية وضرورة احترام القوانين.
  • عدم توفير المحاكمات العلنية للمعتقلين والمتهمين، والعمل على التأثير على الدفاع عنهم ورجال القضاء بوسائل مختلفة، وهو ما يحرمهم من تحقيق العدالة والإنصاف للمتهمين.
  • تحويل محاكمة المدنيين إلى محاكم أمنية أو عسكرية، وذلك يؤدي إلى عدم تمتع المواطنين بحقهم الأصيل في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي وفقًا للقوانين المدنية.
  • الانتهاك غير القانوني للخصوصية بمراقبة الاتصالات والمراسلات الشخصية دون سند قانوني، وعادةً ما يتعرض لهذا الانتهاك أشخاص عبَّروا عن آرائهم في بعض القضايا العامة، خاصةً القضايا السياسية، أو لمجرد اشتباه السلطات الأمنية بأنَّهم على اتصال بهيئات أو جهات أجنبية لا تريد لهم التعامل أو الاتصال معها.
  • فرض قيود ووضع عراقيل وعقبات على حرية ترشح المواطنين المؤهلين، وفقًا للقانون، للدخول في العمليات الانتخابية والالتقاء في تجمعات مع الناخبين، وفقًا للقانون، والحيلولة دون تحقق المنافسة العادلة بين المرشحين.
  • تجريم عمالة الأطفال والقُصَّر واعتبارها تمثل عائقًا أساسيًّا أمام ضلوعهم في العملية التعليمية وتنمية قدراتهم، وانتشار ظاهرة عمل الأطفال للاستغلال الجنسي وانتهاك براءتهم وحقوقهم الإنسانية.
  • انتقاد تجريم السلوك الجنسي بين المثليين من الذكور والإناث بالتراضي، واعتبار أن هذه الممارسات حق طبيعي لهم ومن حقهم أن يكفله القانون لهم، ولا تأخذ واشنطن بعين الاعتبار اختلاف العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية من مجتمع لآخر وربما، لا تنتبه إلى أنَّ داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تختلف القوانين من ولاية لأخرى رغم أنَّهم في دولة واحدة.
  • رصد ما تقوم به منظمات وكيانات عابرة للقوميات مثل )داعش، بوكوحرام، جماعة الشباب، والطالبان( بانتهاكات صادمة لحقوق الإنسان، وخروقات صارخة للقانون الإنساني الدولي- بما في ذلك الإبادة العرقية، وجرائم ضد الإنسانية موجهة إلى الأقليات الدينية أو العرقية في بعض الدول.
  • انتهاك حرية العقيدة الدينية، وحرية أصحاب كل ديانة وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية دون تفرقة أو اضطهاد أو وضع العراقيل أمامهم، وأهمية المساواة في حق العقيدة بين الجميع دون إكراه أو إقصاء أو حرمان من حقوق المواطنة القانونية.
  • انتهاكات حرية الإعلام بعدة وسائل منها ملاحقة الصحفيين المعارضين أو المنتقدين وتعرضهم للتحقيقات والاعتقال الذي قد يصل إلى السجن لفترات طويلة، ووضع العراقيل أمام إصدار صحف أو مجلات أو إطلاق قنوات تليفزيونية أو محطات إذاعية أو مواقع إلكترونية، والتضييق على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بكل أنواعها.

وقد تتفاوت درجات استخدام قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة في السياسة الخارجية الأمريكية من إدارة جمهورية إلى أخرى ديمقراطية، ولكن لم يمنع ذلك من استمرار وزارة الخارجية الأمريكية- عن طريق بعثاتها في مختلف دول العالم- في إصدار تقاريرها السنوية عن حالة حقوق الإنسان في مختلف الدول، استنادًا إلى مجموعة من المبادئ العامة المعروفة لحقوق الإنسان، ولكن برؤية أمريكية.

كما أنَّ التناول السياسي والدبلوماسي والإعلامي الأمريكي لمضمون هذه التقارير -يتفاوت بدرجة ملحوظة من إبراز انتهاكات حقوق الإنسان من دولة لأخرى -وفقًا لطبيعة العلاقات الأمريكية مع هذه الدولة أو تلك، ومدى حالة المنافسة أو الاحتقان في تلك العلاقات- وهو الأمر الذي يُظهر مدى ازدواجية المعايير الأمريكية تجاه نفس الموضوعات باختلاف الدول. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، موقف الولايات المتحدة من الانتهاكات الصارخة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني من اعتقالات قسرية لمجرد الاشتباه أو لمشاركة الشباب الفلسطينيين في مظاهرات ضد إجراءات الحصار الإسرائيلية أو ضد تحكم سلطات الاحتلال الإسرائيلية في أعداد أو أعمار من تسمح لهم بالصلاة في المسجد الأقصى، بل أنَّها تلجأ أحيانًا إلى إغلاقه أمام المصلين الفلسطينيين، أو تعوق قدوم الفلسطينيين من المدن الأخرى للصلاة في المسجد الأقصى في المناسبات الدينية الإسلامية والأعياد.

 وقد يمر تقرير السفارة الأمريكية في إسرائيل على ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من انتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني مرورًا سريعًا، وقلَّما يتناولها المسؤولون والدبلوماسيون الأمريكيون والإعلام الأمريكي، بل كثيرًا ما يبررونها ويدافعون عنها.

والحقيقة أنَّ الوصاية الأخلاقية للولايات المتحدة الأمريكية في مجال تشجيع وحماية حقوق الإنسان لم يعد لها نفس الأهمية والتأثير الذي كانت تحظى به في السابق؛ وذلك بسبب انتهاكاتها المستمرة لهذه الحقوق من ناحية، وازدواجية المعايير وتغليب المصالح الأمريكية على قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة من ناحية أخرى.

حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية:

قال الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” وهو في حالة ابتئاس شديد: “أنَّه بالنسبة لملايين الأمريكيين، تُعد المعاملة بطريقة مختلفة على أساس العرق أمرًا طبيعيًّا على نحو مأسوي ومؤلم، وباعث على الجنون”.

وقالت ميشيل باشليت -مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان- في يونيو  2020 م: “أن الاحتجاجات التي أثارتها وفاة “جورج فلويد”، وهو أمريكي من أصل إفريقي، لم تسلط الضوء على قضية وحشية الشرطة ضد الأشخاص من أصول أفريقية فحسب، لكنها أبرزت -بجلاء أيضًا- عدم المساواة والتمييز العرقي في الصحة والتعليم والتوظيف في الولايات المتحدة الأمريكية”.

وقد تناولت منظمة العفو الدولية ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقاريرهما_حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت أهم النقاط التي تضمنتها هذه التقارير:

  • لجأت السلطات الأمريكية بشكلٍ متزايد إلى إساءة استخدام العدالة الجنائية ؛لتهديد ومضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين، ومن يكشفون انتهاكات حقوق الإنسان من قبل السلطات، وغيرهم.
  • الاحتجاز التعسفي لطالبي اللجوء، وفصل عائلاتهم عن بعضهم البعض وما يسببه ذلك من معاناة سواءً للأطفال أو القُصَّر ولذويهم.
  • العنف ضد النساء والفتيات من السكان الأصليين للولايات المتحدة، اللاتي يتعرضن لمستويات عالية من حوادث الاغتصاب والعنف الجنسي، وتعرضهن في عدة حالات للقتل في عدة ولايات.
  • ارتكاب جرائم على الهُوية العرقية أو الجنسية بسبب الكراهية المرتبطة بالنوع، والتقاعس عن فرض عقوبات وفقاً للقانون في عدة ولايات على هذا النوع من الجرائم.
  • تعرُّض الأمريكيون المدافعون عن حقوق اللاجئين والمهاجرين لأعمال الترهيب والتهديد والمضايقة والتحقيقات الجنائية، بما ينتهك حقهم في عدم التعرض للتمييز بسبب الآراء السياسية أو غيرها، والإساءة لمن يوثقون أو يواجهون الانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان على أيدي السلطات الأمريكية، خاصة ًضد المهاجرين وطالبي اللجوء.
  • استمرار اعتقال نحو 40 شخصًا في قاعدة “جوانتانامو” الأمريكية إلى أجل غير مسمى ودون تقديمهم للمحاكمة منذ عام 2011 م، مما يمثل انتهاكًا للقانون الدولي. ولم يكن أي من هؤلاء المعتقلين يحصل على رعاية طبية ملائمة، كما لم توفر لهم خدمات إعادة التأهيل، خاصةً من تعرضوا منهم لعمليات التعذيب على أيدي مسؤولين أمريكيين، وقُدّم عدد منهم للمحاكمة أمام لجان عسكرية أمريكية وهذا مخالف للقانون الدولي والمعايير الدولية، حيث لا يجوز محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية.
  • العنف بسبب استخدام الأسلحة النارية الذي يَحرم أشخاصًا من حقهم في الحياة أو يصيبهم بعاهات، إلى جانب عدم توفر الأمن الشخصي. وتعتبر الولايات المتحدة من أعلى دول العالم من حيث حيازة الأفراد للأسلحة النارية بالنسبة لعدد السكان، وهو ما أدى إلى انتشار العنف؛ لعدم وجود قيود للحصول على الأسلحة النارية وحيازتها واستخدامها.
  • استخدام القوة المفرطة، حيث قُتِل حوالي ألف شخص في عام 2018 م على أيدي الموظفين المكلّفين بإنفاذ القانون، وارتفع العدد في العامين التاليين وكانت نسبة من قتلوا من الأمريكيين من أصول أفريقية 23% بينما هم لا يمثلون إلَّا 13% فقط من السكان.
  • عدم تقديم أي من المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن ارتكاب جرائم تعذيب والاختفاء القسري الذي أدارته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى ساحة العدالة.
  • الخسائر التي تقع بين المدنيين وأعمال قتل غير مشروع محتملة نتيجة تبني الولايات المتحدة استخدام القوة المميتة في ضربات في بلدان في أنحاء العالم، واستخدام طائرات بدون طيار، وهو ما يُعد انتهاكًا لالتزاماتها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما يؤدي إلى عمليات قتل وإصابات بين المدنيين، ودائمًا ما تهمل واشنطن الرد على الإيضاحات التي تطلبها الأمم المتحدة أو يتسم ردَّها بعدم الشفافية.
  • معاناة الأمريكيين الآسيويين من خطاب الكراهية وجرائم دافعها الكراهية، خاصةً بعد انتشار جائحة كورونا، واعتبرت الإدارة الأمريكية السابقة أنَّ الأمريكيين من أصول آسيوية هم مصدر انتشار الجائحة في الولايات المتحدة، وقد أظهرت جائحة كورونا مدى عدم كفاءة الرعاية الصحية الأمريكية، وتزايد أعداد المصابين والذين توفوا بسبب الجائحة من السكان الأصليين والسود، واللاتينيين.
  • إنَّ الأزمة الاقتصادية الأمريكية أدَّت إلى انتشار ظاهرة من لا سكن لهم ونشوء مجتمعات من الخيام في الحدائق العامة في كل المدن الأمريكية- وإزاء غياب الرعاية الصحية والاجتماعية- فإنَّ كثير من هؤلاء يعانون من مشكلات صحية، وعدم استقرار عاطفي، ومشكلات نفسية قد تمتد لشهور أو سنوات.
  • عقد مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة في 17 يوينو 2020 م مناقشة عاجلة حول العنصرية، وكانت المرة الأولى في تاريخ المجلس التي يُعقد فيها اجتماعٌ عاجلٌ حول قضايا حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي اجتماع المجلس في 9 نوفمبر 2020 م تعرضت الولايات المتحدة لانتقاد شديد من قبل المجتمع الدولي بسبب التمييز العنصري، وأنَّ العنصرية في الولايات المتحدة مُروعة حيث يستخدم (القوميون البيض، والنازيون الجدد، وتنظيم “كو كلوكس كلان”)، بشكلٍ علني، شعارات وهتافات وتحيَّات عنصرية للترويج لتفوق البيض، والتحريض على التمييز والكراهية على أساس عرقي. كما أدى الاستخدام المتزايد للغة انقسامية، ومحاولات تهميش الأقليات العرقية والإثنية والدينية في الخطاب السياسي- إلى تسهيل العنف وعدم التسامح والتعصب الأعمى.
  • واتخذت إدارة ترامب قرارًا بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة في عام 2018 م بدعوى أنَّه مجلس يتسم بالنفاق والتحيز ضد إسرائيل، ولكنَّ هذا الانسحاب يحمل في ثناياه انزعاجًا أمريكيًّا من تطرق المجلس إلى تناول أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد قررت إدارة الرئيس “بايدن” العودة إلى المجلس ولكن بصفة مراقب، وقال وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن”: ” أنَّه يعلم أن مجلس حقوق الإنسان هيئة مليئة بالعيوب، وتحتاج إلى تعديل برنامجها وعضويتها وأولوياتها، بما في ذلك الاهتمام غير المتناسب الذي توليه لإسرائيل، وأنَّ واشنطن يجب أن تكون موجودة وأن تستخدم كامل ثقل دورها الرائد في الدبلوماسية، وأنَّ المجلس يمكن أن يكون منتدى لمن يكافحون الظلم والاستبداد”.

 والحقيقة أنَّ عودة الولايات المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة -بصفة مراقب- ترجع إلى أنَّها لاتريد الظهور بمظهر من يهرب إلى الأمام فى مواجهة الحقائق الدامغة لانتهاكاتها لحقوق الإنسان ، وأن تُظهر أمام إسرائيل ،التي تحظى بحمايتها فى كل المحافل الدولية ،أنَّها لم تتراجع كليةً عن قرار الانسحاب وعادت مراقبًا فقط؛ لتمارس تأثيرها على أعمال المجلس بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية .

الموازنة الأمريكية بين المبادئ المثالية والمصالح الواقعية:

إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى تَتَّبع سياسات عالمية تحمي وتُدافع وتُنمّي مصالحها وارتباطاتها الاستراتيجية في جميع مناطق العالم، وتواجه منافسين دوليين سواء من بين الخصوم، أو من بين الحلفاء والأصدقاء، وتجد أنَّ عليها أن تتصدى للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية وضد الخصوم والمنافسين الذين يزاحمونها في مناطق حيوية ذات أهمية عالية في أنحاء مختلفة.

ومن ثَمَّ فإنَّ الإدارات الأمريكية تعمل على الموازنة بين ما تنادي به من مبادئ وقيم أمريكية مثالية لا تُطَبَّق كاملة حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وبين المصالح الحيوية الاستراتيجية والمحافظة على علاقات جيدة مع الحلفاء والأصدقاء، وعدم الوصول إلى حد المقاطعة والصدام مع الخصوم، خصوصًا الأقوياء منهم.

ولا شك أنَّ وراء الاهتمام الأمريكي الرسمي بقضايا حقوق الإنسان والحريات العامة في العالم قوى أمريكية ضاغطة تتمثل في منظمات المجتمع المدني، وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام التقليدية والحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، وما تمثله جميعًا من قوى ضاغطة على أعضاء الكونجرس الأمريكي بمجلسيه (النواب والشيوخ)، وعلى الإدارة الأمريكية على مستوى الولايات والمستوى الاتحادي. كما أنَّ هذه المنظمات والجمعيات على اتصال بنظيراتها في الدول الأخرى، وتتبادل الدعم القانوني والمعلوماتي والمادي. ويُلاحظ أنَّ تأثير هذه المنظمات والجمعيات كبير على الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي يمثل النقابات العُمَّالية والأقليات العرقية والثقافية الأمريكية، أحد مصادر قوته في الانتخابات، وهي جميعًا تولي اهتمامًا خاصًا بحقوق الإنسان والحريات العامة؛ لاتصالها المباشر بحياة أعضائها.

ولكنَّ الحقيقة أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ليست أفضل مَنْ يتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم؛ فلديها في الداخل الأمريكي الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامة، وأصبح التناقض واضحًا بين مجموعة القيم والمبادئ في القوانين وبين ما هو قائم في الممارسات العملية وما تنطوي عليه من عنصرية وعدوانية وعدم احترام لحقوق الأقليات العرقية ذات الأصول الإفريقية والآسيوية واللاتينية.

لذا فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية في دفاعها عن حقوق الإنسان والحريَّات العامة في العالم، تتحدث بصوتٍ عالٍ وقويّ على المستويات السياسية والدبلوماسية، ولكنَّها عند التطبيق العملي، وعند لحظة الاختيار، فإنَّها تُعلي -في معظم إن لم يكن كل الأحوال- المصالح الحيوية والاستراتيجية وتعطيها الأولوية حتى وإن استمرت في استخدام انتقاداتها لممارسات انتهاكات حقوق الإنسان كوسيلة للضغط والحصول على تنازلات مهما صغُرت في بعض الأحيان؛ ولإرضاء قوى الضغط الأمريكية وإبداء التجاوب مع مطالبها.

وتتفاوت درجات الاهتمام الأمريكي بحقوق الإنسان والحريات العامة تفاوتًا ملحوظًا بالنسبة لكل مجموعة من الدول، فإنَّ الدول الحليفة للولايات المتحدة إذا وقعت في بعضها انتهاكات لحقوق الإنسان ورصدتها تقارير السفارات الأمريكية، فإنَّها قد لا تثار علانية وتبقى طي هذه التقارير، إلَّا في بعض الحالات التي يحدث فيها تعارض في المصالح الحقيقية بين واشنطن ودولة حليفة، كما هو الحال مع تركيا، وشرائها منظومة صواريخ (S-400). والمثال الآخر ،على النقيض من ذلك، هو إسرائيل، وانتهاكها لجميع حقوق الإنسان للفلسطينيين ومع ذلك لا تلقى إلَّا تجاهلًا أمريكيًّا بل أحيانًا تلقى دفاعًا عنها وتبريرها.

أمَّا مجموعة الدول الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تهتم باستقرار هذه العلاقات وخدمة المصالح المشتركة والمحافظة على قربها دائمًا من السياسات والأهداف الأمريكية_ فإن التناول الأمريكي لما قد يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان أو الحريات العامة في هذه الدول يكون في إطار محسوب بدقة ما بين ممارسة الضغوط وإرضاء الجماعات الحقوقية والرأي العام، وما بين المحافظة على المصالح المشتركة وعدم إتاحة الفرصة للمنافسين أو الخصوم للحصول على مكاسب على حساب المصالح الأمريكية.

وقد يختلف الوضع بالنسبة لمجموعة دول الخصوم عن المجموعتين السابقتين حيث الصوت الأمريكي في إدانة أي انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامة يكون قويًّا وعاليًا ويصل إلى حملات مستمرة على المستويات السياسية والإعلامية والدبلوماسية، ولكن رغم ذلك ورغم ما قد تتخذه واشنطن من إجراءات عقابية ضد هيئات أو شخصيات في هذه الدول، إلَّا أنَّها تبقي دائمًا على قنوات الاتصال والحوار بشأن كل ما يتصل بالمصالح المشتركة التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأمن والسلم والاستقرار العالمي، وما قد يكون من مصالح فعلية للشركات الأمريكية متعددة الجنسيات.

الخلاصة:

نخلص من مجمل العرض السابق إلى ما يلي:

  1. أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ستستمر في تبني الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في العالم، باعتبارها قوة عظمى، ولديها قوى ضاغطة في هذا الاتجاه من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية الأمريكية، والتي تطالب بالتمسك بما تسميه “منظومة القيم والمبادئ الأمريكية”.
  2. يتفاوت الدفاع الأمريكي عن قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة من دولة إلى أخرى وفقًا لمدى ارتباطها بالمصالح الحيوية الأمريكية، ومدى توافقها مع السياسات الأمريكية، أو مدى ابتعادها عنها.
  3. بدأت الإدارة الأمريكية تدرك أنَّ المجتمع الأمريكي ذاته يعاني من انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان والحريات العامة بوسائل وصور مختلفة، ومن ثَمَّ فإنَّ تماديها أبعد من خطوط معينة في انتقاد ومهاجمة دول أخرى لنفس الأسباب، سيرتد إليها خاصةً من خلال مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة.
  4. أن المصالح الأمريكية الاستراتيجية والحيوية ستبقى لها اليد العليا في السياسة الخارجية الأمريكية، مهما علا الصوت الأمريكي في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة التي تأمل جميع شعوب العالم أن تتحقق، وتُحترم، وتعم وتسود جميع أنحاء العالم.
اظهر المزيد

رخا أحمد حسن

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى