2020العدد 184ملف عربي

النشاط الفرنسي في المنطقة العربية : الدوافع والحساسيات والمآلات”

تجنبًا للتسرّع في التوصيف وبالتالي بناء تحليل ضعيف المقومات، يجدر التذكير أحيانًا ببديهيات تاريخية وسياسية يكاد بعض الباحثين يتجاهلها ظنًّا منهم بوجوب احترام مستوى ثقافة القارئ أو على الأقل، سعيًا منهم لاختصار الموضوع والذهاب مباشرةً إلى الأساسيات التي يمكن لها أن تطرح تصورهم للموضوع المراد الخوض فيه، ومن تلكم البديهيات أثناء التطرق إلى ملف العلاقات الفرنسية مع المنطقة العربية ـــ الإشارة إلى التاريخ الاستعماري لفرنسا في المنطقة، وبالطبع سيَهزّ كثيرٌ من القراء رؤوسهم متعجبين من التذكير بهذا الأمر المعروف للقاصي وللداني، لكن بمعزل عن القراءة الثقافوية للدور الاستعماري والذي تُبنَى عليه كثيرٌ من المفاهيم الصحيحة أو المغلوطة في محاولة استيضاح الأسس التي تقوم عليها السياسة الفرنسية الخارجية المعاصرة، والتي في قسم أساسي منها، تُركّز على العلاقات مع الدول العربية.

كان لفرنسا، كما لبريطانيا الدور الأساسي في رسم الخارطة الجيوسياسية العربية القائمة من خلال دورهما الاستعماري كما ما بعد الاستعماري. إنَّ اتفاقية (سايكس بيكو) التي وقَّعتها سنة 1916 م القوتان الأوروبيتان العظمتان في حينه، والتي تستند إليها كنصٍّ أساسيّ أدبيات سياسية وتاريخية عديدة محصورة بالقراءة المتعجلة للتاريخ العربي الحديث، وهي وهْم أكثر منها حقيقة. فلقد أثبتت الدراسات الموثقة بأنَّها بقيت حبرًا على ورق وما تم تنفيذه في المنطقة يرتبط أكثر باتفاقية (سان ريمو) المُوقّعة سنة 1920 م، والتي نادرًا ما توقفت عندها القراءات العربية، هذه الاتفاقية الأخيرة هي التي حددت فعليًا تقاسم المنطقة المشرقية العربية بين الجمهورية الفرنسية والمملكة المتحدة غداة نهاية الحرب العالمية الأولى.

وعلى الرغم من نهاية حقبة الاستعمار المباشر وبروز قوى فاعلة دولية أخرى مع نهاية الحرب العالمية الثانية مثل (أمريكا والاتحاد السوفييتي)، وعلى الرغم من أنَّ القوى الإقليمية المؤثرة رفعت من فاعليتها ومن محاولاتها التأثير على الساحة العربية كـ (الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية التركية،) إلاَّ أنَّ السياسة الفرنسية الخارجية ما زالت متأثرة بحقبة السيطرة الاستعمارية، ليس سعيًا بالطبع لإعادة إنتاجها؛ بل بسبب تراكمات بنيوية مؤثرة في ثقافة العمل السياسي وفي الأسلوب المتبع لإنجازه.

لقد سعى الجنرال شارل ديغول ـــ في خمسينات وستينات القرن الماضي، والذي تم إحياء ذكرى وفاته الخمسين في نوفمبر المنصرم ـــ إلى تمييز سياسة بلاده عن السياسات الأمريكية، وقد برز ذلك بوضوح في سنوات الستينات من القرن الماضي ولم ينفِ الجنرال ديغول ــ الذي ارتبط اسمه بتحرير فرنسا من الاحتلال النازي ـــ الدور الأمريكي في تحرير بلاده من النازية مع الإنزال البحري في منطقة النورماندي في (السادس من حزيران/ يونيو سنة 1944 م). كما لم يُنكرْ الآثار الإيجابية لخطة مارشال التي ساهمت في إعادة البناء، إلاَّ أنَّ ميله للاستقلالية عن القرار الأمريكي دفعه للوقوف في وجه السعي الأمريكي للهيمنة غير المباشرة والتأثير في قرارات أوروبا في العلاقات الدولية. وقد عبّر عن ذلك مبكرًا برسالة موجهة للقيادتين الأمريكية والبريطانية سنة 1958 م منتقدًا الحلف الأطلسي. وفي (مارس سنة 1966 م ) أعلن ديغول إيقاف مشاركة فرنسا في القيادة المشتركة للحلف مشيرًا إلى مسألة السيادة الوطنية ورفض وجود قوات أجنبية على الأراضي الفرنسية. ولم يمنعه هذا الموقف من التنويه إلى استمرار وقوف فرنسا إلى جانب الحلفاء في أيّة أزمة عسكرية مع المعسكر الشرقي. واستمر هذا الموقف على الرغم من تعاقب اليمين واليسار على الحكم في فرنسا إلى أن قرر الرئيس نيكولا ساركوزي سنة 2009  م عودة فرنسا إلى القيادة المشتركة للحلف الأطلسي.

هذه الاستقلالية (الرمزية) على الأقل عن السياسة الأمريكية، كان لها وقعها في عملية إدارة الملفات المرتبطة بالمنطقة العربية كالقضية الفلسطينية وحروب الخليج المتعاقبة. وحاولت فرنسا أن تلعب دورًا قياديًّا أوروبيًّا ليس فقط في وضع السياسات الداخلية للاتحاد وتطبيقها، وإنَّما أيضًا ــ وخصوصًاــ في إدارة علاقات القارة (العجوز) بجاراتها من الدول العربية في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط. وانطلقت من باريس محاولات إقليمية متنوعة سعت لأن تلعب فرنسا دورًا مفتاحيًّا في المنطقة. إلاَّ أنَّ الواقع أَظهر أنَّ اللعب مسموح في هوامش محددة لا يمكن لها أن تكون أساسية ما لم تكن برغبة الهيمنة الأمريكية، كما بدا ذلك في عهد باراك أوباما بالانسحاب جزئيًا من إدارة شؤون المنطقة، وقد تجسّد هذا في التدخل الفرنسي المباشر في ليبيا كما السعي للعودة بقوة الى الساحة اللبنانية إضافة إلى مواجهة الطموحات التركية في شرق المتوسط وصولًا إلى تعزيز العلاقات مع بعض دول الخليج العربي ومحاولة التأثير في الملف النووي الإيراني.

لقد لعبت فرنسا دورًا أساسيًّا في توقيع الاتفاقية النووية مع إيران سنة 2015 م، وقاومت بشدة سعي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى إلغائها. بالمقابل ،لم تنجح الدبلوماسية الفرنسية بأخذ أي مقابل لهذا الموقف الإيجابي من إيران التي استمرت في سياساتها الهادفة إلى  الهيمنة في منطقة الخليج كما عبَّر تدخلها العسكري في سوريا وفي اليمن وفي سيطرتها على القرار الداخلي اللبناني وتأثيرها في توجيه الوضع العراقي.

الملفات الأهم التي عملت الدبلوماسية الفرنسية على محاولة معالجتها وسجَّلت فشلًا يمكن أن يوصف حتى الساعة بالذريع، هي الملف اللبناني والملف الليبي وملف شرق المتوسط.

ففي الملف اللبناني؛ وتمسكًا بالدور التاريخي لفرنسا في إنشاء الدولة سنة 1920 م والدور الجمهوري العلماني الفرنسي في ترسيخ الطائفية اللبنانية عبر ميثاق 1943 م وتعديلاته سنة 1989 م، فقد طار الرئيس الفرنسي إلى بيروت غداة انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس الماضي. ومن خلال السعي الفرنسي لمعالجة هذا الملف دون أن تسجل فشلًا فيه، حيث ترغب أيضًا في العودة بقوة إلى هذا البلد، والذي على الرغم من التأثير النظري للسياسة والثقافة الفرنسية فيه، إلاَّ أنَّ ملفه سُحِب من بين يديها منذ فترة طويلة؛ لتعبث به عواصم إقليمية ودولية على حدة أو بتوافقات غامضة أحيانًا ومكشوفة في أحيان أخرى. وشَكَّلت كارثة الانفجار فرصة استعراضية للرئيس ماكرون ؛ ليقفز إلى مقدمة الدول المؤثرة في هذا الملف جامعًا القوى السياسية جُلّها ومُسمعًا إيَّاها كلامًا قاسيًا يعيد لفرنسا دورًا انتدابيًّا غير مرئيّ على لبنان، وقد بدا واضحًا من خلال معالجته للملف أنَّه لم يُحطْ تمامًا بتعقيدات المسألة اللبنانية. فبيروت لا يمكن أن تعالج ملفها كما سبق لفرنسا أن بَنت سياستها الأفريقية جنوب الصحراء حيث كان يمكن لباريس أن تفرض شروطها عبر الهاتف، ويظهر بشكلٍ واضحٍ أنَّ عدم امتلاك أيّة قدرة على التأثير في الأطراف المختلفة داخل لبنان يمنع باريس من إمكانية فرض أيّ حل أو حتى تصور مبدئي لهذا الحل. كما أنَّ عدم فهم، أو تجاهل الرهانات الإقليمية المرتبطة بهذا البلد، عزَّز من فشل هذه المهمة الاستعراضية التي تمخضت عنها زيارتان ومؤتمرات صحفية وتصريحات حاسمة وشديدة اللَّهجة وفارغة التنفيذ. وفي المحصلة، انتهى المشهد بتصريح الرئيس إيمانويل ماكرون أمام الصحافة بأنَّه “يشعر بالعار” وبأنَّ المسؤولين اللّبنانيين قد “خانوا شعبهم” وبأنَّ “الفساد ينخر عظام البلاد” وبأنَّه لا حول ولا قوة له بعد هذا.

فشلٌ آخر تجسّد على الساحة اللّيبية، فعلى الرغم من اعتراف فرنسا بحكومة الوفاق كحكومة شرعية، دعمت باريس قوات خليفه حفتر بالسلاح وبالمواقف. وقد ابتعدت فرنسا إراديًّا عن التنسيق في هذا الملف مع روما، حليفتها في الاتحاد الأوروبي وفي حلف الأطلسي. علمًا بأنَّ للإيطاليين معرفة أشمل وأعمق للملف اللّيبي بحكم تاريخهم الاستعماري في البلاد، وقد وصف بعض المراقبين الموقف الفرنسي في ليبيا بأنَّه غير مقروء، ويبدو بأنَّ ذلك كان موقف بعض الدبلوماسيين الفرنسيين أنْفسهم، حيث أعفيت سفيرة فرنسية في طرابلس؛ لأنَّها لم تفهمْ ما تريده تحديدًا باريس. وقد أضعف الموقف الفرنسي من دور المبعوث الأممي غسان سلامة ودفعه للاستقالة، علمًا بأنَّه من أبرز المتخصصين في العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط وهو أستاذ كبير في الحقل الأكاديمي الفرنسي. وأخيرًا، ساهم هذا الموقف في عزل باريس نسبيًّا ومنعها من لعب أيّ دور في المفاوضات اللّيبية ـ اللّيبية، والتي أطلقتها الأمم المتحدة في شهر أكتوبر المنصرم والتي بدأت في إعطاء نتائج إيجابية للتقريب بين الأطراف المتناحرة في المشهد اللّيبي الداخلي.

في ملف شرق المتوسط، تَبنى الرئيس الفرنسي موقفًا تصعيديًّا تجاه نظيره التركي رجب طيب أردوغان والذي بادله بأكثر من المثل. وبدا أن التحدي الشخصي بين الرجلين قد انعكس سلبًا على أيّ بادرة انفتاح دبلوماسي، وقد أرسلت فرنسا قطعًا أساسية من أسطولها البحري وقامت بمناورات مشتركة مع اليونان وقبرص قرب مناطق التوتر. وقد برز موقف سياسي فرنسي صارم في دعم الجانب اليوناني وفي مواجهة الجانب التركي، وتمت ترجمته بخطوات عسكرية كما ذكرنا إضافة إلى تصريحاته النارية.

 لقد ارتبط هذا بالموقف الحاد بطبيعة العلاقات الفرنسية ــ التركية منذ عدة سنوات،حيث مارست الحكومات الفرنسية المتعاقبة مقاومة شديدة لأيّ محاولة تركية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من وجود تركيا كأحد أهم جيوش الحلف الأطلسي، إلاَّ أنَّ الإدارات الفرنسية وجدت تحفظات متراكمة على انتماء تركي للمشروع الأوروبي. وفي هذا، يعتبر بعض المحللين بأنَّ السبب يعود إلى الخشية من الإسلام التركي وتعديل الوجه (الثقافي) لمجموع الدول الأوروبية. أمَّا البعض الآخر فيعيد السبب إلى طبيعة المؤسسة السياسية التركية التي وإن التزمت بشروط مجلس أوروبا منذ بداية الألفية الثالثة فيما يتعلق بتعديل القوانين الداخلية، إلاَّ أنَّها تبقى في نظر بعض الدول الرئيسية في القرار الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا، غير مكتملة لشروط الانضمام إلى البيت الأوروبي.

وقد تطور السجال الدبلوماسي بين أنقرة وباريس إلى نوع من التحدي اللّفظي وصدور بعض العبارات القاسية، خصوصًا من أردوغان بحق ماكرون، مما فاقم من حدة التوتر وأَثَّر سلبًا على الملفات المتعلقة بالخلاف التركي الفرنسي في المنطقة ومنهاــ إضافة لأزمة بحر إيجة ـــ المسألة السورية والمسالة اللّيبية. هذا النفور والتوتر بين الدولتين أثَّر سلبًا على علاقة باريس مع برلين. فألمانيا تحافظ على علاقات هادئة مع تركيا على كل الأصعدة وتحسب كل الحسابات لأسباب عدة، منها العلاقة التاريخية بين البلدين والتي تتخطى تاريخ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة. كما يعتبر وجود أكثر من 3 ملايين مهاجر تركي أومن أصل تركي في ألمانيا مؤشر صريح على أهمية البعد الاجتماعي / الثقافي في طريقة النظر والتعامل مع ملف العلاقات بين البلدين. ومن خلال المتابعة الزمنية، يبدو جليًا بأنَّ السياسة الخارجية الألمانية تُفضّل عمومًا أسلوب التفاوض الهادئ البعيد عن الأضواء لدرجة مقاربة السرّية، في حين تتميّز طريقة أداء السياسة الخارجية الفرنسية في السنوات الأخيرة بأقصى مستويات العلنية المتوجة بالتصريحات النارية في صورة أقرب ما تكون استعراضًا.  

في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن ملاحظة وجود بعض النقاط التي تجعل مسار إيمانويل ماكرون السياسي في اتجاه الوصول إلى قصر الأليزية يتقارب مع مسار دونالد ترامب الذي اختطه للوصول إلى البيت الأبيض. لقد تم ذلك بطريقة فاجأت المراقبين وإن تمت عبر الانتخابات التي خاضاها في وجه الطبقة السياسية التقليدية، وقد اعتبرت مجمل أقلام المحللين السياسيين بأنَّهما قد انبثقا من خارج هذه الطبقة، كما تماثل أداؤهما بالسعي شبه المستمر للظهور بمظهر القادة المتميزين عن بقية أترابهم من القادة السياسيين التقليديين في المشهد الغربي المحيط. بالمقابل، كان واضحًا من خلال متابعة أداء ترامب، وتركيزه المستمر على شعار “أمريكا أولًا”، بأنَّه كان يسعى إلى تنمية مفهوم الدبلوماسية الأحادية على حساب أنماط الدبلوماسية الأخرى. في حين، حاول ماكرون أن يلعب دور المُتصدر العالمي للترويج لدبلوماسية متعددة الأطراف، وقد تُرجم ذلك في أكثر من ملف أهمها الملف النووي الإيراني وملف اتفاقية المناخ. وفيما يخص ملف حماية البيئة والذي تمخّض عن اتفاقية باريس للمناخ التي وقعت سنة 2015 م، فقد أهمل ترامب هذا الملف وشكك بالخطر المحدق بالكرة الأرضية عبر تصريحات غير مسؤولة ترجمت جهلًا حادًا بالحقائق العلمية التي تُنذر بخراب مرتقب مع التغييرات المناخية السائدة. وأدى هذا الموقف السلبي من القضية البيئية إلى انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس. وأخيرًا، وفي ترجمة فعلية للنظرة الفردانية للدبلوماسية، فقد قام الرئيس ترامب بالانسحاب من عديد من المنظمات الأممية مثل منظمة اليونسكو والتي تتخذ باريس مقرًا لها.

إنَّ ثقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتضخمة بقدراته على إقناع محاوريه، بدءًا من فلاديمير بوتين مرورًا بالزعماء اللّبنانيين ووصولًا إلى دونالد ترامب، اصطدمت بقدرات ترامب على المساومة على الرغم من أنَّ علاقتهما الشخصية كانت تتميّز بالحرارة. ومنذ قرابة العام، توترت العلاقة مجددًا إثر تصريح ماكرون بأنَّ الحلف الأطلسي في حالة موت دماغي، وقد اعتبر ترامب أنَّ هذا التصريح يُقارب توجيه الشتيمة للدول الأعضاء في الحلف، وقد تبيَّن أنَّ موقف ماكرون في تقييمه هذا للحلف يستند أساسًا إلى عضوية تركيا فيه، وفي هذا ترجمة واضحة للتوتر الحاد في العلاقات بين باريس وأنقرة في ملفات عديدة بدءًا من الشمال السوري، مرورًا بمياه المتوسط وثرواتها والعلاقة مع ليبيا، ووصولًا إلى إقليم كاراباخ.

عند وصول إيمانويل ماكرون إلى سدة الرئاسة سنة 2017 م، تميّز المشهد الدولي بالتعقيد وتراكم المشكلات البنيوية، مما لم يمنحه فرصة استغلال القدرات الخارجية الفرنسية لرسم سياسات فاعلة. فهو دخل قصر الإليزية في مرحلة يسود فيها التوجه السياسي المتصف بالشعبوية في الكثير من العواصم المفتاحية كواشنطن مع الرئيس دونالد ترامب وموسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، إضافة إلى تقدم الشعبوية اليمينية المتطرفة في النمسا وهنغاريا وإيطاليا وبولونيا، وكلها دول أعضاء الاتحاد الأوروبي، وقد سعى ماكرون، من شدة ثقته بمقدراته الإقناعية والتفاوضية، إلى ما ظنَّ أنَّه سحب للبساط من تحت أقدام محاوريه الأصعب، كـ (ترامب وبوتين). وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، لجأ إلى تطوير دبلوماسية العلاقات الشخصية محاولًا التقرب من كليهما عبر دعوة ترامب كضيف شرف في احتفالات الثورة الفرنسية وترتيب عشاء عائلي في مطعم برج إيفل في باريس كما رتب لقاءً مع بوتين في استراحته الصيفية جنوب فرنسا، وهي ممارسات نادرًا ما لجأ إليها القادة الفرنسيون من قبله. وقد باءت تلك هذه المحاولات بالفشل. كما تبيّن من خلال السنوات الثلاث الماضية أنَّ ثقته الزائدة بالنفس قد ساهمت في إفشال مساعيه المبذولة في إدارة ملفات السياسة الخارجية ،حيث همّش من دور وزارة الخارجية مكتفيًا بالاستماع إلى بعض الاستشارات دون الأخذ بها حتمًا، والاستناد فقط على تحليله الذاتي بمساعدة من الخلية الدبلوماسية في القصر.

اظهر المزيد

د. سلام الكواكبي

باحــث سوري في العلوم السياسية - فرنسا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى