2019العدد 178ملف خاص

توافق ديمقراطي عربي لا ديمقراطية توافقية

لقد أصبحت الديمقراطية أعظم قوة حضارية معاصرة فقد أصبحت غاية شعبية كنظام، وصارت وسيلة مثلى لحل المشاكل في العالم. فعُرفت الديمقراطية بأنها اتفاق المختلفين بالسلام. والتشارك في الأمور. كونها آلية تنظيم أمور الحكم. ومنهاجا لممارسة السلطة. ونظاما حياتيا لبني البشر لكي يتعلموا أن يعيشوا بسلام.

وهناك العديد من أشكال الديمقراطية إلا أن هذا المقال سيتطرق فقط إلى نوعين هما الديمقراطية التوافقية والتوافق الديمقراطي . متطرقين إلى محاولة للاقتراب من نموذج ديمقراطي عربي يراعي الخصوصية الثقافية العربية دون افتئات على جوهر قيمة الديمقراطية.

الديمقراطية التوافقية Consensus democracy

ظهر مصطلح الديمقراطية التوافقية كرد فعل على العديد من الأحداث والمصادمات التي وقعت في الدول حديثة الاستقلال ذات التعددية الاجتماعية الواضحة سواء على المستوى القومي أو الجغرافي أو الإثني أو الديني ، الأمر الذي وضع علماء الاجتماع السياسي أمام تحد حقيقي ينبغي مواجهته ديمقراطيا حيث ظهرت  ثلاثة أنواع من الحلول لمعالجة المشاكل السياسية في هذا النوع من المجتمعات  مع الحفاظ على طبيعته الديمقراطية :

أولا: إزالة الطابع التعددي للمجتمع أو تقليصه بصورة جوهرية عبر الاستيعاب وهي طريقة ذات احتمالات ضئيلة في النجاح على المدى القصير خصوصا. وقد ثبت فشل هذا الحل في العديد من دول العالم الثالث التي حاولت عمل استيعاب شكلي ظاهري في البداية أعقبته باستيعاب أمني كان ثمنه آلاف الضحايا من المدنيين من أبناء الجماعات الأساسية في المجتمع على غرار حروب الهوتو والتوتسي في بورندي أو الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة.

ثانيا: الحل التوافقي الذي يقبل بالانقسامات التعددية باعتبارها لبنات البناء الأساسية لنظام ديمقراطي مستقل. وهو حل رغم صعوبته إلا أنه أكثر الحلول السلمية وجاهة واستيعابا لواقع التعددية بكافة أشكالها في المجتمع وقد تم تطبيقه في العديد من التجارب خاصة في الدول حديثة الاستقلال مثل إندونيسيا.

ثالثًا: تقليص التعدد عبر تقسيم الدولتين إلى دولتين منفصلتين متجانستين أو أكثر. وهو حل تفتيتي سهل ، يقفز على المشكلة على حساب الأولويات الوطنية ومقتضيات الأمن القومي ، ويفتح الطريق أمام جماعات أخرى مختلفة مع الجماعة الأم ليكون لها أيضا تطلعات انفصالية تحت دعوات إثنية تارة ودينية تارة وقومية تارة أخرى .

من هنا ظهرت فكرة الديمقراطية التوافقية التي ولدت من رحم الاحتمال الثاني وهو الحل التوافقي الذي يقبل الانقسامات التعددية، حيث اعتبر هذا النموذج الديمقراطي نموذجا يعتمد على تقسيم السلطة بين الجماعات داخل الدولة حسب نسب معينة (وهناك عدة طرق لهذه النسب) وهذه الجماعات يمكن أن تكون عرقية أو دينية أو قومية أو مذهبية تجمعهم صفتان رئيستان هما المواطنة والولاء للدولة (نموذج سويسرا، بلجيكا) ويختص نموذج الديمقراطية التوافقية لنفسه مجموعة من الخصائص أهمها:

  • الحكومة الائتلافية تتكون من ممثلي كافة الجماعات داخل الدولة. وهذه الجماعات تكون إما إثنية أو قبلية أو حتى أيدلوجية دينية.
  • أن ممثلي هذه الجماعات المختلفة أحيانا ما يتمأسسون داخل كيانات مدنية حديثة قد تكون على شكل أحزاب سياسية أو منظمات أهلية مدنية أو هكذا تبدو.
  • أن النخب الممثلة لهذه الجماعات عادة ما يتمتعون بحق النقض داخل مراكز صنع القرار سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو حتى قضائية.
  • أن ممارسة هذا الحق (حق النقض) يكون مسموحًا به في حالة وجود قرار يمس بحقوق جماعة معينة ويؤثر على وضعيتها الاجتماعية والسياسية وحقوقها المكتسبة.

وبالتالي فالديمقراطية التوافقية تفترض اتفاقا على ترتيبات إجرائية محددة لضمان تمثيل مختلف الهويات الموجودة في المجتمع، بما في ذلك تلك التي يقل عدد المنتمين إليها، فهي شكل من أشكال الحكم المطبقة في بعض البلدان غير المتجانسة شعبيا. وهي تقضي بإعطاء حق الحكم بالتوافق فيما يتعلق ببعض الأمور الأساسية للجماعات المتمايزة عن بعضها البعض، والمكونة في مجموعها للدولة، والتمايز يكون سببه عادة اختلافا في الأصول الإثنية أو اللغوية أو الدينية. ويزداد التمايز عندما تكون لدى كل جماعة هواجس معينة تجعلها خائفة دوما من احتمال طمس هويتها من قبل الجماعات الأخرى، أو ذوبانها ضمن الأغلبية السكانية أو الانتقاص من حقوق أفرادها الخاصة أو العامة فيتماسك الأفراد داخل كل جماعة مكونين بذلك قوة سياسية تتنافس مع غيرها من القوى الأخرى مثيلاتها ، وقد يصل بهم الأمر إلى حد التعصب لهويتهم الخاصة أو العامة فيتماسك الأفراد داخل كل جماعة مكونين بذلك قوة سياسية تتنافس مع غيرها من القوى الأخرى مثيلاتها ،وقد يصل بهم الأمر إلى حد التعصب لهويتهم الخاصة بهم فيشعر المواطن نتيجتها أن له هويتين ، هوية نابعة من انتمائه إلى جماعته وأخرى نابعة من انتمائه السياسي إلى الوطن الذي يحمل جنسيته، وعندما تحتدم العصبيات بين الجماعات يتنازع الفرد هاتين الهويتين،  بحيث تطغى في الغالب هويته الخاصة ،ذات الطبيعة العنصرية الضيقة ، على هويته الوطنية وهنا يتوزع شعب هذه الدولة بين قوى سياسية لكل منها خلفياتها وخصوصياتها التي تجعلها مختلفة أو متمايزة عن غيرها،  ويتم اللجوء إلى التوافق في حال انعدمت الثقة المتبادلة بين هذه القوى الخائفة من بعضها البعض أو في حال عجزت هذه القوى المتنافسة عن تحديد الغايات والآمال المشتركة التي تكفل عادة جميع المواطنين وصهرهم ضمن بوتقة وحدة وطنية صلبة ومتماسكة . فهي تعتبر نوعًا من الكونفدرالية حيث تؤخذ الآراء بالإجماع، ويكون لكل جماعة فيتو يمنع صدور أي قرار في الأمور المصيرية من دون موافقتها.

عيوبها

الديمقراطية التوافقية تعتبر نموذجًا أوليًا لديمقراطية حقيقية تستهدف في الأساس حكم الأكثرية دون افتئات على حقوق الأقلية إلا أن أهم ما يعيبها هو:

  • أنها ليست على درجة كافية من الديمقراطية: حيث إنها لا تتمتع بالقدرة الكافية على تحقيق حكومة مستقرة وفعالة فحكومة الائتلاف الواسع تستلزم حتما إما معارضة صغيرة وضعيفة أو غياب أية معارضة رسمية في المجلس التشريعي، والمعارضة هي مكون جوهري في الديمقراطيات الراسخة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وضعفها أو اختفاؤها يهدد الفكرة الديمقراطية في حد ذاتها.
  • نخبوية سياسية: حيث إنها تستلزم سيادة النخبة المنظمة كما تستلزم بالمقابل دورا امتثاليا لكافة الجماعات غير النخبوية وتقع على عاتق زعماء الجماعات الأقلوية المهمة العسيرة المتمثلة في القيام بالتسويات السياسية مع زعماء بقية الجماعات وتقديم التنازلات لهم والحفاظ على ثقة قواعدهم لذلك يكون من المفيد أن يمتلكوا سلطة مستقلة كبيرة وموقعا آمنا في القيادة كما أنها تخضع لاحتمال عجزها عن إحلال الاستقرار السياسي والحفاظ عليه.
  • التردد وعدم الفعالية: فالحكم بواسطة الائتلاف الواسع يعني أن عملية صنع القرارات ستكون بطيئة. وسيصبح هناك فيتو متبادل ينطوي على خطر إضافي يتمثل في تجميد القرارات كليا.
  • النسبية كمعيار للتوظيف في مؤسسات الدولة: لتوظيف العاملين في الإدارات الحكومية يستتبع أولوية للعضوية في قطاع محدد أو جماعة محددة أعلى من الأولوية التي يوليها للكفاءة الفردية وقد تكون على حساب الفعالية الإدارية. الأمر الذي يجعل الديمقراطية التوافقية نمطا مكلفا في الحكم.

التوافق الديمقراطي Democratic consensus

يقصد به نوع من التراضي العام على مبادئ وأسس وقواعد التطور الديمقراطي وهو يحدث بين أحزاب وقوى وجماعات واتجاهات سياسية وأيدلوجية، أي يدور الخلاف بينها حول مواقف وبرامج يختارها أنصارها بإرادتهم، وليس حول هويات أولية يولدون بها. وربما يجوز تشبيه هذا التوافق بالأساس الخرساني الذي يوضع تحت الأرض عند بناء أي مبنى، فحين نشرع في مثل هذا البناء يجوز أن نختلف على كل شيء فيه، إلا مواصفات ومستلزمات الأساس الذي يقام عليه المبنى، فإذا اختلفنا على هذا الأساس يكون ما نفعله مقدمة لانهيار المبنى فور بنائه.

والنظام السياسي الديمقراطي لا يختلف في الجوهر، إذ يجوز أن نختلف على كل شيء فيه فيما عدا المقومات الأساسية للدولة التي ينبغي أن نتوافق عليها، لأنها لا تتغير من انتخابات لأخرى، فلا يمكن أن تؤدي انتخابات مثلا إلى دولة دينية فيما تقود الانتخابات التالية لها إلى دولة علمانية. فهناك مقومات نتوافق عليها ولا يغيرها أحدنا بمفرده ،حتى إذا حصل على أغلبية كبيرة .

والتراضي العام الذي يتركز بهذا المعنى في مقومات الدولة، ينصرف أيضًا إلى المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي والاجتماعي والمحددات الرئيسية لتنظيم العلاقة بين أطرافه سواء بين الحكم والمعارضة، أو بين قوى المعارضة بعضها البعض، وهو ما يعرف عموما بقواعد اللعبة. فلا فرق في الجوهر بين التنافس السياسي والثقافي والفكري والتنافس في أي مجال من مجالات الحياة ،ولا يستقيم أي تنافس بدون قواعد ينطلق منها المتنافسون ويعودون إليها كلما اقتضى الأمر ،فإذا لم يرتض فريقان، وهما في الملعب ، القانون الذي ينظم اللعبة ،تنتفي أهم مقومات التنافس وتنهار المسابقة التي يلعبان في إطارها ،وكذلك الحال إذا ارتضى أحدهما هذا القانون بينما أراد الثاني تطبيق قانون ينظم لعبة أخرى مختلفة .ولذلك نقول إنه من الصعب المضي قدما نحو إطلاق التنافس السياسي دون قيود في غياب توافق عام أو تراض عام على بعض من أهم مقومات الدولة .

ولهذا فالتراضي العام يعتبر ذا أهمية محورية في النظام الديمقراطي تحديدًا ، حيث لا مجال له في النظم الأوتوقراطية الفردية ، التي يفرض فيها نظام الحكم ما يرتضيه هو دون غيره ،في الغالب الأعم ، فالتراضي هو بطبيعته عمل من أهم الأعمال الديمقراطية بل يجوز القول إنه العمل المؤسس لأي ممارسة تستحق أن توصف بأنها ديمقراطية وذلك لسببين :

  • أولهما أنه يتحقق عبر حوار لا يمكن أن يستمر ويثمر بدون التزام حقيقي بالديمقراطية من أطرافه كافة.
  • ثانيهما أن الديمقراطية التي تفتقد إلى التراضي، تصبح صعبة المنال أو قابلة للتعثر السريع أو الانتكاس الفوري، فالديمقراطية لا تمارس في الهواء وإنما على أرض محددة، وإذا لم تكن هذه الأرض ثابتة فهي تميد بمن يقف عليها.

وأخطر ما يواجه أي تطور ديمقراطي هو أن يظن أطرافه أو بعضهم أن الديمقراطية هي بمثابة تنافس منفلت من أي قواعد ومعايير، وأن الشعب يختار من يريده بين المتنافسين بمنأى عن إطار ينظم التنافس ويحدد ما هو ثابت لفترة معينة وما هو متغير.

ولذلك يحدث التوافق الديمقراطي عادة على مبادئ وقواعد يلتزم الجميع بها لضمان سلامة العملية الديمقراطية واستمرارها وتجنب ما يمكن أن يؤدي إلى تعثرها أو انتكاسها بغض النظر عن نتائج الانتخابات ومن يفوز بها أو يخسر.

نحو مفهوم وطني للديمقراطية:

واتساقًا مع المفاهيم والمصطلحات سالفة الذكر فإن الإطار الديمقراطي غالبا ما يضع في اعتباره البيئة التي يعمل من خلالها وخصوصية تلك البيئة حيث اتفق معظم منظري الديمقراطية على أنها مشروع نسبي تتغير أنماطه وأشكاله بتغير المجتمعات وباختلاف الخصوصيات. فهي من المفاهيم التي لا تأخذ شكلاً محددًا لا يمكن التغيير فيه، بل هي مصطلح قابل للتطور من حيث الشكل والمضمون معا. وتأخذ صورًا وأشكالاً متغيرة عبر الزمن. لذلك قد يكون من الصعب الآن على العديد من القوى السياسية إنكار الديمقراطية أو التحجج بكونها لا تصلح كنظام حكم إلا أنه ينبغي أن يوضع في الاعتبار أهمية أقلمة هذا المفهوم بالشكل الذي يلائم بيئتنا وأولوياتنا الوطنية مع الوضع في الاعتبار أن الديموقراطية التي نعنيها هي في الجوهر تلك التي جربتها البشرية وطمحت لها في دول كثيرة من دول العالم وأنها تبنى على خبرات مشتركة بين مختلف الشعوب وليست شيئا يتم تعريفه لأول مرة ولا هي مفهوم يؤخذ بشكله الظاهري دون الولوج إلى فلسفة هذا النوع من أنظمة الحكم ولا هو أيضا نظام حكم يؤخذ كإطار خارجي لتجميل وجه نظام معين للتغطية على ممارسات تسلطية استبدادية بعيدة كل البعد عن الديموقراطية.

كما لابد أيضا أن يبدأ أي مفهوم وطني للديموقراطية بالاعتراف بأن الوطن العربي  هو أيضا كيان ثقافي متميز ومنتمٍ إلى عدد من الدوائر الحضارية المتداخلة(الإسلامية والعربية والآسيوية والإفريقية) كما أن له ظروفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخاصة وتقاليده السياسية الممتدة والمتجذرة وخاصة فيما يتعلق بالتأكيد على قيم العدالة وأنه قادر على إثراء مفهوم الديموقراطية والتمتع بتجربة أصيلة لا تقوم على تقليد أو نسخ لغيرها من التجارب وأن التوق لتجربة ديموقراطية أصيلة لا يمكن أن يعني الإجحاف بأي شكل من الأشكال بالقيم المشتركة للإنسانية أو بالمبادئ والمعايير الأساسية للديموقراطية، وإنما يعني تجسيد هذه القيم بصورة تستجيب للحاجات الأصيلة والمشروعة لكل القوى الاجتماعية الكبرى ولحاجات الوطن العربي ككل وللضرورات التي يمليها التكوين الثقافي العربي ،فالديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي أو كيان قانوني شكلي فحسب بل إن لها ماهية و فحوى يتلمسها الناس بالتجربة وبالممارسة أيضا، وأن كل استخدام لقاعدة قانونية شكلية ديموقراطية لتحقيق نتائج معاكسة للهدف منها أو للغرض الذي وضعت لتحقيقه هي غدر بالديموقراطية وإجحاف بها. ومن هذا المنطلق فإنه يجب أن نضع نصب أعيننا الفحوى الجوهرية للديموقراطية في كل العصور وهي أنها النظام الذي يقوم على سلطة الشعب وسيادة الأمة.

وتحتاج الديموقراطية إلى شروط تمهيدية أساسية وهي شروط تسمح بتطور ديموقراطي سليم وصحي دون أن تكون بذاتها جزءا من تعريف الديموقراطية. وتشمل هذه الشروط العناصر الأساسية التالية:

  • استقلال الإرادة الوطنية: إذ يصعب أن تعيش الديموقراطية في ظل فقدان الاستقلال السياسي والحد الأدنى من الاستقلال الاقتصادي الوطني.
  • التوافق على القيم الجوهرية للمجتمع وأركان ثقافته الوطنية: مع الوعي بالإضافات العظيمة التي يمكن أن تؤدي إليها الممارسة الثقافية الخلاقة والأصيلة التي تترجم الأهداف السامية والأساسية للمجتمع ,والدين الإسلامي. حيث إن هناك ضرورة على التوافق على الدور الكبير الذي يلعبه الإسلام في تكويننا الثقافي والأخلاقي والقومي .فتعزيز هذا الدور مطلوب وضروري .ويجب البناء على القيم الأخلاقية الرفيعة التي أكدها الإسلام، وتأصلت في نسيجنا الحضاري  والمجتمعي. إلا أن جانبا من هذا التوافق ينبغي أن يقوم على استبعاد بناء دولة دينية بمعنى منح أي جماعة-وخاصة رجال الدين-امتيازا سياسيا ما. وبالمقابل فإن بناء الدولة ونظامها وسياساتها يجب ألا يصطدم أو يتناقض مع القيم الأساسية للدين الإسلامي.
  • التوافق على معاني الاعتراف بالآخر والتسامح السياسي والفكري: توافق يراعي حقوق المواطنة المتساوية وإقامة الممارسة السياسية على قاعدة المشاركة في الوطن والمساواة في حقوق المواطنة واستبعاد كل صور التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الأصل العرقي أو جهة الميلاد والإقامة أو أي اعتبار غير شخصي آخر. ويجب بصورة خاصة أن تتم مكافحة جميع صور الطائفية وتأكيد الوحدة الوطنية وأبعاد المؤسسات الدينية عن المجال السياسي، واعتبارها مرافق عامة مفتوحة ومتاحة للجميع يرأسها أشخاص يتمتعون بالاحترام العام على ألا يسمح لهم بمزاولة الوظائف أو الأدوار السياسية أثناء شغل وظائفهم الدينية. وفي الحد الأدنى يجب إقامة العلاقات الدينية على أساس التسامح والاحترام المتبادل وتحصين المعتقدات الدينية من الهزل والسخرية أو الإهانة دون إجحاف بحق المناقشة العاقلة والمفيدة لكل الأفكار والنصوص أو الممارسات في سياقات تضمن حرية البحث والإبداع.
  • تحقيق الحد الأدنى من النهوض الاقتصادي والمجتمعي. وذلك يعتبر شرطًا ضروريًا لمواصلة وتنمية تجربة ديموقراطية ذات معنى وقابلة للحياة والازدهار. وفي هذا السياق فإن أي نظام ديموقراطي يفقد جانبا كبيرا من ضرورته إن لم يُمكن المجتمع من الانطلاق والنهضة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإحداث شبه قطيعة مع الفقر والتخلف.

وبالتالي فإن توافقا ديمقراطيا عربيا يراعي ما سبق ذكره، يعتبر مدخلا ضروريا لأي عملية تحول ديمقراطي تدريجي حقيقي في مجتمعاتنا العربية ، ويجعل من نموذج الديمقراطية التوافقية – والذي ثبت فشله في العديد من الدول الذي طبق بها وتحديدا في لبنان وإندونيسيا بعد الاستقلال-  لا نستطيع أن نستدعيه للتطبيق في بيئتنا العربية باعتباره يشكل مثيرًا نشطًا للخلافات الطائفية والعرقية والدينية في المنطقة التي يبدو أنها تحتاج إلى إطار وطني يراعي ثراء الخصوصية الثقافية العربية وتدرجية التطبيق الذي يجنب المنطقة ويلات الصدمات السياسية التي اكتوت بنارها منطقتنا العربية من المحيط إلى الخليج.

اظهر المزيد

خالد فياض

مستشار سياسي بمعهد البحرين للتنمية السياسية -مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى