2019العدد 179ملف عربي

صفقة قاصرة أم سلام مراوغ

أولاً مدخل:

لست أسعى في هذا المقام إلى سرد تفصيلي لما أطلق عليه خطة أو مبادرة السلام طريق الرخاء تحت عنوان آخر هو خطة لسلام في الشرق الأوسط للرئيس ترامب، وربما لبحث الشق الاقتصادي منها في اجتماع استضافته البحرين 25-26 يونيه 2019.

المسعى الذى أقصده هو محاولة تفسير الجوهر الكامن وراء هذه المبادرة، غاياتها وآلياتها كما أعدها أركان إدارة البيت الأبيض، والثلاثة الكبار (الترويكا)”جاريد كوشنر” مستشار ترامب للشرق الأوسط، وزوج ابنته، و”جاسون جرين بلات” محاميه الخاص والمفاوض الدولي، و”ديفيد فريد مان” سفير الولايات المتحدة في إسرائيل والمدافع عن سياستها الاستيطانية.

ثانياً:

أما ورشة البحرين فكانت “الآلية الاقتصادية لتمرير الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لا طرح رؤية سياسة ولا إطار سياسي للتهرب من أي مرجعيات دولية حاكمة للتسوية.

ورشة البحرين قدمت وثيقة من أربعين صفحة تشمل 179 مشروعًا وبرنامجًا اقتصاديا واجتماعيا، واقترحت التمويل بخمسين بليون دولار من (دول خليجية وأوروبية مانحة) تشمل قطاعات تنموية وبنية أساسية وخدمية مليئة بالحوافز والمغريات والاستثمارات دون حديث عن السيطرة أو السيادة أو الاحتلال أو الاستيطان أو المسئول عن تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ورغم ذلك وصف ترامب الخطة بأنها الأكثر طموحا وشمولاً قدمت للشعب الفلسطيني حتى الآن.

ثالثاً:

كان لخبراء الأمن القومي الإسرائيلي تقديرات هامة ذات دلالات سلبية خطيرة مؤثرة على الأمن القومي لإسرائيل إذا طبقت هذه الخطة (بعد تسريب معلومات عن الشق السياسي المتوقع عن تطبيق القانون الإسرائيلي وضم الأراضي، أو فرض السيادة على كل أو أجزاء من الضفة الغربية لتكون هذه النتائج هي المرجعية الوحيدة لأي إطار للسلام بعد فوز “ناتنياهو” في الانتخابات الجديدة 17 سبتمبر وفوز “ترامب” بولاية جديدة في الفترة من (21 – 2025).

ويرى خبراء الأمن القومي الإسرائيلي أن الخطة تستبعد “حل الدولتين” وتستهدف أساسا غاية إستراتيجية أكبر وأشمل من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وهي تشكيل ملامح جديدة للشرق الأوسط ـ هي الواقع الجديد على الأرض فقط، فلا دولة ولا حق للعودة ولا إزالة للمستوطنات، وفي ذلك أكبر الخطر على الأردن ولبنان ولا تبقى إلا دولة إسرائيل التي سوف تحول الفلسطينيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية وتمنحهم المواطنة الإسرائيلية في ظل نظام تفرقة عنصرية (آبارتايد) وهو ما يؤدي إلى هدم السلطة الفلسطينية، وانفجار المقاومة وزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.

رابعاً:

كثيرون من الخبراء الأمنيين والعسكريين يساورهم جميعا شكوك عميقة في جدية الخطة، وفي فعاليتها واحتمالات نجاحها، ومن هؤلاء الخبراء مسئولون عن السياسات الإقليمية الذين يرون أن الأمريكيين اختاروا الطريق الخطأ، ذلك أن الحل الاقتصادي يحث الفلسطينيين على التخلي عن تطلعاتهم القومية ولا يتوقعون لورشة البحرين أي نجاح، وينضم إليهم في الرأي خبراء آخرون متخصصون في الشرق الأوسط، بالقول إن أي خطة اقتصادية تستلزم أن يوازيها حل سياسي وتنسيق مع السلطة الفلسطينية أما الخطة المعروضة فلا تحدد الهدف هل هو “حل الدولتين” أم مجرد حكم ذاتي محلي محدود.

خامساً:

هذا الموقف الرافض أو التحذيري لخبراء الأمن القومي والسياسات الإقليمية أو الشرق الأوسط عامة، تدعمه بقوة اتجاهات عدد من جنرالات الجيش الإسرائيلي في رسالة مفتوحة ترى أن ضم المستوطنات والضفة الغربية لإحدى نتائج الخطة تؤثر سلبا على الأمن القومي الإسرائيلي، وتفرض على الجيش إعادة الانتشار في كافة الأراضي الفلسطينية أي استمرار الوجود العسكري والاحتلال إلى ما لانهاية والصدام إلى مالا نهاية أيضا.

وإذ ينظر الخبراء العسكريون إلى الخطة من هذه الزاوية الأمنية، فهم يرون أن فرض إسرائيل على الفلسطينيين الاختيار بين المشروعات الصحية والتعليمية والمشروعات الاستثمارية ومنهم المواطنة (من الدرجة الثانية) مع الإسرائيليين وإما حرمانهم من كل هذه المشروعات (الشق الاقتصادي)، وفي ذلك تحويل إسرائيل إلى نظام التفرقة العنصرية، ونهاية “الحلم الصهيوني أو الرؤية الصهيونية رأى هؤلاء الخبراء، بما يؤثر على الطابع اليهودي والديمقراطي” كذا” ويصرح لإسرائيل الخبراء العسكريون أن هذا التقدير هو من منطلق تجاربهم الطويلة وليس لمجرد التخويف أو الرفض.

سادساً:

وإذا ما نظرنا من منظور آخر إلى آراء لبعض الساسة والقادة الإسرائيليين المؤثرين في صنع القرار، بل والمنتمين لحزب الليكود، نرى ظاهرة التأييد المطلق للخطة بسبب هذا الانتماء للجناح اليميني المتطرف أو أقصى اليمين حتى داخل الليكود نفسه برئاسة “ناتنياهو” رئيس الوزراء خاصة قبل الانتخابات الجديدة في 17 سبتمبر 2019 ويمكن أن نطلق على هؤلاء اليمينيين المتطرفين المؤيدين للخطة أنهم رؤوس الحربة في الفترة القادمة أو بعبارة أخرى أركان حرب “ناتنياهو” في سعيه لتولي رئاسة الوزارة.

يؤيد هؤلاء الخطة داخل الكنيست وداخل الحكومة، وفي المؤتمرات والاجتماعات العامة ويناورون بتطبيق السياسة التي تنطوي على إسقاط حل الدولتين، وضم الأراضي الفلسطينية ـ كحق تاريخي ثابت لإسرائيل ـ ورفض عودة اللاجئين.

ومن أبرز رموز هؤلاء، نائب وزير الخارجية، وعضو الكنيست الإسرائيلي الناشطة الإسرائيلية المهاجرة من جورجيا “تسيبى هوتوفلى”ـ التي دفعها “ناتنياهو” للصفوف الأولى لحماسها الشديد للسيطرة الكاملة على الأراضي المحتلة خاصة المنطقة (حـ) التي تشكل 60% من الضفة الغربية وتقع فيها معظم المستوطنات وإعلانها أنها سوف تعمل على الاعتراف الدولي بالمستوطنات لأنها كما تقول هي أرضنا وأرض إسرائيل.

كانت “هوتوفلى” نائب وزير الخارجية تمثل تيار يهود شرق أوروبا مثل ليبرمان وزير الدفاع والخارجية السابق قد ألقت خطابا (في مؤتمر لصحيفة “جيروزاليم بوست” في نيويورك ) تعليقا على كلمة سفير واشنطن في إسرائيل الذي قال فيه حان وقت السيطرة على يهوذا والسامرة فروت هي باستخدام كلمة السيادة .

عضو ليكودي آخر يرفض أي انسحاب من أرض الأجداد هو وزير العلوم والتكنولوجيا في حكومة “ناتنياهو” هو “أوفير أكونيس” من المهاجرين بعد عام 1948 حيث طالب بإنهاء صيغة الأرض مقابل السلام لأنه حين تنسحب إسرائيل يختفي السلام ويندلع الإرهاب والعنف وهو يؤيد الحل الاقتصادي فقط.

سابعاً:

تقديرات المتخصصين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تكشف بوضوح عن غياب أي توافق حول خطة ترامب ومعارضيها من اتجاهات مدنية وعسكرية وأمنية وبدرجات متفاوتة، من نقد لاذع إلى تحذيرات من المخاطر، وإسرائيل من الداخل يسودها انقسام واستقطاب حاد يبدو وأنه سوف يدفع مبادرة “ترامب” إلى طريق مجهول ربما غير مأمون العواقب مسدود لربط الشق الاقتصادي بالموافقة على الحل السياسي الجائر.

ومن أكبر مراكز البحث في الولايات المتحدة من أكد أن الرضوخ لمطالب إسرائيل من شأنه الحكم بالفشل على ورشة البحرين ثم على الخطة بأكملها.

نعود لإلقاء بعض الضوء على دور اليهود الأمريكيين المؤثرين في وضع القرار وفي البيت الأبيض فقد هاجمت مراكزهم ومنتدياتهم خطة “ترامب” علنا في منشور مفتوح لها لتجاهل الحل السياسي، ودافعت بقوة عن حل الدولتين، مؤكدة أن الأهم بالنسبة للفلسطينيين هو كيان الدولة قبل الأوضاع الاقتصادية وأن الخطة مجرد سراب وهمي وخليط مشوه من مبادرات سابقة .

وركز خبراء آخرون على انتقاد موقف جاريد كوشنر الممثل الخاص للرئيس ترامب في الشرق الأوسط فيما طرحه في مستهل ورشة البحرين لكل من سبقوا إدارة “ترامب” في طرح مبادرات خذلت في رأيه الفلسطينيين يقصد انتقاد القيادة الفلسطينية لفشلها في إقامة الدولة، ودعا إلى التعامل مباشرة مع الشعب الفلسطيني بالخطة الاقتصادية ويؤكد الخبراء فساد هذا المنهج الذي أهمل كل المبادرات السابقة وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، وهو تماما ما دعا إليه بصراحة وجرأة غريبة “جرين بلات” في اجتماع خاص 23 يوليو2019 مع مجلس الأمن وكرر فيه نفس المعاني داعيا للواقعية والصراحة ونسيان قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

إلا أن بعض الخبراء المشهود لهم بالخبرة الطويلة “دينيس روس” وهو يهودي أمريكي متمرس في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في أكثر من إدارة قد وصف خطة “كوشنر” بأنها قد تتيح بعض الفرص أو ومضات الأمل وسط الواقع الأليم للفلسطينيين لكنه دعا الإدارة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ثامناً:

تحليل مواقف الدول العربية من خلال المشاركة في ورشة البحرين وقبلها وبعدها يبرز موقفين عربيين أساسيين لانفرادهما بعلاقات سلام مع إسرائيل هما مصر والأردن.

  1. مصر:

 قبل الحديث عن موقف مصر كدولة شاركت بمستوى معين في ورشة البحرين يبادر بالقول أن الرئيس “عبد الفتاح السيسي” استقبل وأجرى مباحثات في الحادي والثلاثين من يوليو 2019 خلال اجتماعه مع “جاريد كوشنر” الممثل الشخصي للرئيس “ترامب” للشرق الأوسط ومهندس خطة السلام هو الطريق إلى الرخاء مع “جرين بلات” المحامي الخاص “لترامب” والمفاوض الدولي، وكذلك “برايان هوك” المستشار السياسي لوزير الخارجية الأميركي بومبيو وأكد الرئيس المصري موقف مصر القائم على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما نراه متطابقا مع الموقف الفلسطيني وذلك للحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة المضطربة.

هذا الاجتماع وإن كان يختزل كل أبعاد الموقف المصري لكن المشاركة في ورشة البحرين كانت كاشفة لأبعاد كثيرة وهي عدم الاعتداد بالشق الاقتصادي دون حل سياسي وتأكيد رفض أي توطين للفلسطينيين في البلاد التي لجؤوا إليها بعد حرب 48، 67 مثل مصر ولبنان والأردن وغيرها واستبعاد أي توطين في شبه جزيرة سيناء (رئيس الدولة ووزير الخارجية) في تصريحاتهما وفسر الخبراء موقف مصر بأنه جاء رغم علاقات التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة، ولشن حرب ضد الإرهاب شمال سيناء ورفض نقل مسئولية اللاجئين الفلسطينيين إليها وتأثير الصدام المتقطع بين حماس في غزة وإسرائيل على الأمن والاستقرار في المنطقة وفي مصر.

  • الأردن

من أولى الدول العربية التي تتضرر من تطبيق الخطة خاصة بعد الإعلان بأنها أي الخطة لن تستهدف حل الدولتين ولا عودة اللاجئين مما أثار أعمق المخاوف بوجود خطر جسيم على الكيان الأردني بحجة تحويله إلى “وطن بديل” .

وهكذا يقع الأردن بين مطرقة مثل هذا الحل (الخطة) وبين سندان علاقته باتفاقية السلام مع إسرائيل وعلاقته الوثيقة مع واشنطن أمنيا واقتصاديا وعسكريا فيصبح كل ذلك في مهب الريح بل ويفجر صراعات داخلية تؤثر على الأمن القومي والإقليمي، وقد حرص الأردن على التنسيق مع مصر فقام الملك “عبد الله الثاني” بزيارة القاهرة وإجراء مباحثات مع الرئيس “السيسي” حول هذه الأمور في الأسبوع الأخير من يوليو 2019 .

  • السعودية

الدولة الرائدة في المحيطين العربي والإسلامي فقد شاركت في ورشة البحرين في ظل تأكيد عاهلها خادم الحرمين بأن “السعودية تقبل ما يقبله الفلسطينيون وترفض ما يرفضونه” مثلما أكد ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” بأن موقف السعودية من القضية الفلسطينية لم يتغير مطلقا والموقف هو مبادرة السلام العربية منذ عام 2002 وزيادة مساعداتها المالية ودعمها السياسي، وهي كذلك حريصة على علاقاتها الأمنية والعسكرية الوثيقة بالولايات المتحدة خاصة في الإطار الخليجي لمواجهة التمدد والتهديدات الإيرانية.

  • المغرب

 أيضا شاركت في ورشة البحرين مع حرص واضح على علاقاتها مع واشنطن ولها في إسرائيل 600000 مواطن من أصول مغربية مرتبطون بمصالح في المغرب وفوق هذا تولى المغرب رئاسة “لجنة القدس” مما يخلع عليها دورا دينيا سياسيا.

ويلمس المراقب في هذا كله درجات متفاوتة من قدر من التحفظ أو القبول المشروط في المشاركة بالالتزام بالحل السياسي حل الدولتين وبالحقوق الفلسطينية ومراعاة علاقاتها كدول مشاركة أو حليفة أو مرتبطة بمساعدات مع الولايات المتحدة.

  • البحرين

الدولة المضيفة للاجتماع عبر عن موقفها بكل وضوح وزير خارجيتها الشيخ “خالد بن حمد آل خليفة” مؤيدا مبادرة الرئيس “ترامب” وخطة “كوشنر” مع الإشارة إلى ثوابت موقف البحرين من القضية الفلسطينية، بيد أن الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيليين نقلت عنه من التصريحات ما استوجب التوضيح والتفسير أكثر من مرة.

  • الاتحاد الأوروبي

 كذلك لم يكن يتمشى مع الموقف الأمريكي سواء مبادرة “ترامب” أو خطة “كوشنر” لعدم مبالاة الإدارة بالتشاور مع الاتحاد الأوروبي إلا في اللحظات الأخيرة وباعتباره ممولاً محتملاً لمشروعات الخطة الاقتصادية فحسب التي يصفها بأنها نوع من الوهم وأن المبادرة أقرب إلى نظام “آبارتايد” وتعبر عن إفلاس الإدارة ومحاولة لعزل وتهميش القضية الفلسطينية واتهام القيادة الفلسطينية بالعناد وتحميلها مسئولية الاحتلال وتدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة.

تاسعاً:

الموقف الفلسطيني: أصحاب القضية والمعنيون بالدرجة الأولى بالمسائل المطروحة سواء السلطة الفلسطينية بقياداتها، وسواء رجال الأعمال الفلسطينيون أو الخبراء منهم، نلمس شبه إجماع على رفض المبادرة والخطة والمشاركة في ورشة البحرين برغم استثناء قلة قليلة من بعض رجال الأعمال الفلسطينيين المرتبطين بمصالح تجارية واستثمارية خاصة مع الإسرائيليين.

فقد وصف “صائب عريقات” مثلاً وهو الرئيس السابق للمفاوضات بأن المسألة كلها مجرد نكتة واتهم “ترامب وكوشنر” بالانحياز المطلق لإسرائيل وتدمير حل الدولتين .

أما “نبيل شعث” المفاوض المتمرس في “أوسلو” فقد اتهم إسرائيل والاحتلال بإحباط اتفاقيات “أوسلو” اقتصاديا واتهم واشنطن بتبديد أي ثقة في وعود جديدة لتحرير الاقتصاد الفلسطيني.

هذا الاتجاه العام الرافض والهجوم على المبادرة، والخطة والورشة تتهم “ترامب” و”كوشنر” بمحاولة القضاء على الطموحات الفلسطينية وكل الحقوق السياسية والاقتصادية وأن الخطة ليست إلا “إعادة تغليف” الأفكار القديمة الفاشلة، وبطرح المشروعات وإجلاء المستوطنات، ويرى المحللون الفلسطينيون أنه إن كان للخطة فضيلة فهي توحيد جبهة المعارضة في صف واحد للحفاظ على الحقوق والطموحات الفلسطينية.

وفي حديث شامل لرئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” نشرته وكالات الأنباء والصحف الإسرائيلية أكد أن السلطة وإن كانت بحاجة للمال فهي ترفض أن تتحول إلى عبيد للفريق الأميركي” كوشنر وجرين بلات وديفيد فريد مان” مؤكدا أن مؤتمر البحرين مآله الفشل، وأن الصراع مع إسرائيل صراع سياسي ولن نقبل اختزال القضية السياسية في بعض المشروعات الاقتصادية” .

ونلاحظ في هذا السياق أن رد “ناتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي على الموقف الفلسطيني الرافض بقوله إنه سوف يستمع إلى الخطة بشكل محايد ومنصف وعقل مفتوح وأن إسرائيل لن تتخلى عن وادي الأردن (أي التمسك بسياسة الاحتلال مع مهاجمة الفلسطينيين للخطة مسبقا قبل قراءتها. (

رجال الأعمال الفلسطينيون، (ما عدا القلة القليلة) وقفت وراء قيادتها في رفض مبادرة “ترامب” وخطة “كوشنر” مطالبين بالحرية لا بالمال، وأن إنهاء الصراع لن يتحقق إلا بالمسار الدبلوماسي نحو إقامة الدولة الفلسطينية.

الباحثون والناشطون السياسيون الفلسطينيون قاموا بتشريح المبادرة والخطة ونقدهما نقدا مريرا إذ لا محل فيها لأي حقوق ولا حقوق الإنسان أو تقرير المصير.

والخطة ليست إلا “إعادة تدوير” ـ كما سبق القول ـ لأفكار فاشلة، وتتجنب الإشارة لآثار الاحتلال أو التحضير لضم الضفة الغربي، هذه الخطة في تقدير الباحثين الفلسطينيين تحمل الفلسطينيين، وإدارتهم الفاسدة أو حكمهم الفاشل، وفسادهم المالي المسئولة عن معاناتهم، كما أن الخطة لم تجب على تساؤلات ملحة مثل وحدة الأراضي الفلسطينية ومواضع الخط الأخضر الفاصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وعدم ذكر القدس أو المستوطنات أو الدولة .

عاشراً: الخلاصة والاستنتاجات

هذه المبادرة الأمريكية الجديدة للرئيس “ترامب” لم تكن لتفاجئ المحللين لسياسات الرئيس الأمريكي تجاه إسرائيل والشرق الأوسط، منذ اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017 ثم قطع المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين، ثم فرض سيادة إسرائيل على الجولان وضمها لإسرائيل، والاعتراف بهذا الوضع الجديد، ثم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ولإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس لتلحق بالسفارة وفي سياق شرق أوسطى أوسع كانت أولويات الاستراتيجية الأمريكية تركز على مواجهة التهديد والخطر الإيراني على مصالحها وعلى الأمن الإسرائيلي.

هذه الخطوات تمثل أجراس إنذار لصفقة مخادعة أطلق عليها مجازا “صفقة القرن”، وهي في تقديري أقرب ما تكون إلى “خديعة القرن” أو خطة السلام المراوغ، التي يكاد يجمع على رفضها أو على الأقل انتقادها كثيرون حتى داخل إسرائيل من معارضة ومراكز أبحاث وجامعات وقادة عسكريين متقاعدين، كما رفضتها أو انتقدتها مراكز أبحاث وشخصيات مؤثرة وبارزة بين أوساط اليهود الأمريكيين وواضح لي تماما الانقسام والاستقطاب العميق حتى بين المعروفين بتأييدهم لإسرائيل والليكود، ولم يعد لها من مؤيد سوى أنصار اليمين المتطرف أو أقصى اليمين، ومن ورائهم القوة السياسية الغاشمة للإدارة الأمريكية.

كذلك الرفض أو القبول المشروط المرتبط ببعض التحفظات كان هو الاتجاه السائد في الجانب العربي، وكان يحكم موقف الجانب الرسمي العلاقات الخاصة المتميزة مع الولايات المتحدة والتحالف لمواجهة الخطر الإيراني.

أما المبادرة ذاتها فيبدو لي أنها على أرجح التقديرات قد قضي عليها بالفشل أو التجميد العميق على أقل تقدير، فكيف سوف تتصرف الإدارة الأمريكية في عام يستعد فيه ترامب لولاية جديدة بعد انتخابات رئاسية العام القادم ويستعد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي لمعركة انتخابية في سبتمبر من هذا العام .

اظهر المزيد

د. رضا شحاته

مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى