2022العدد 191دراسات

الجهود العربية لمواجهة مخاطر الإرهاب السيبراني الواقع والمأمول

في ظل ما يشهده العالم من تقدم تكنولوجي وثورة تقنية متسارعة في كافة المجالات، أصبحت الدول تتجه للاعتماد كليًّا على ما يوفره الفضاء السيبراني من خدمات ساهمت في خلق النقلة النوعية التي تأملها الدول في جميع مجالات التنمية، خاصة أن الفضاء السيبراني لعب دورًا بارزًا في إزاحة العوائق الحدودية بين الدول وأصبح عاملًا في تقريب المسافات بين الشعوب، وعلى الرغم من أن هذا الفضاء -والذي اعتبر الطفرة التكنولوجية الأهم في القرن الحادي والعشرين- إلا أنه شهد العديد من الهجمات والجرائم السيبرانية التي تعتمد على تقنيات متقدمة كـ(الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وأجهزة تصنت على شبكات الاتصال، وبرمجيات لتشفير العمليات المشبوهة، وبرمجيات خبيثة لاختراق أنظمة أمن الشبكات والحاسبات)؛ لتسخيرها في القيام بعمليات إجرامية وتعاملات مشبوهة دون علم أصحابها، حيث يمكن أن تضم شبكة آلية واحدة عشرات أو مئات الآلاف أو ملايين الحواسب أو الأجهزة المتصلة بالإنترنت التي يمكن استخدامها لتشن هجمات سيبرانية متنوعة، لأغراض إجرامية كـ(التخريب، والإرهاب، والتهديد، والابتزاز).

ويفهم مما سبق، أن التنظيمات والجماعات الإرهابية قد استغلت جيدًا المزايا التكنولوجية كعنصر حيوي لدعم وتحقيق أهدافها، ومنفذ لوجستي داعم وحاضن للنشاط الإعلامي لها في مناطق مختلفة من العالم، فمن خلال شبكات الإنترنت تستطيع تلك التنظيمات والجماعات تصوير أنفسهم وأعمالهم في السياق الذي يريدونه للتأثير على الرأي العام وتجنيد أعضاء جدد وجمع الأموال، ونظرًا لأن الدول العربية كغيرها من دول العالم تسعى لاستغلال الطفرة التكنولوجية والتقدم المتسارع لتدعيم عمليات التنمية لديها، فقد اتجهت هذه الدول نحو الفضاء الإلكتروني على جميع المستويات، مما جعلها عرضة للاستهداف من قبل الجماعات الإرهابية، التي أصبحت أكبر مهدد لأمنها القومي.

وفي ضوء ما سبق، تستهدف هذه الدراسة إلقاء الضوء على الجهود العربية المبذولة في مجال التصدي لهجمات الإرهاب السيبراني في المنطقة العربية، عبر التركيز على عدة محاور وهي: تحديد المقصود بظاهرة الإرهاب الإلكتروني وشبكة المفاهيم الأخرى المرتبطة به، والعوامل والأسباب المؤثرة في انتشار هذه الظاهرة على المستوى العالمي بصفة عامة، وفي المنطقة العربية بصفة خاصة، فضلًا عن إبراز كيفية استخدام التنظيمات الإرهابية للفضاء الإلكتروني، ومؤشرات جرائم الإرهاب الإلكتروني والهجمات السيبرانية على مستوى الدول العربية، بالإضافة إلى توضيح الجهود التي يبذلها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دول المنطقة للتصدي للإرهاب السيبراني بآثاره (الاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، والسياسية المختلفة)، وأخيرًا الوقوف على الآليات المقترحة لـتفعيل تلك الجهود خلال الأعوام المقبلة.

أولًا: تعريف وسمات “الإرهاب الإلكتروني”:

ظهر مصطلح الإرهاب الإلكتروني “Cyber Terrorism” أو “Electronic Terrorism”، عقب الطفرة الكبيرة التي حققتها تكنولوجيا المعلومات، واستخدام الحواسب الآلية والإنترنت في إدارة معظم شؤون الحياة في بداية تسعينيات من القرن العشرين، وهو الأمر الذي دعى نحو 30 دولة إلى التوقيع على “الاتفاقية الدولية لمكافحة الإجرام على الإنترنت” في بودابست عام 2001، والذي يعد من أخطر أنواع الجرائم التي ترتكب عبر شبكة الإنترنت([1]).

وقد تعددت التعريفات المرتبطة بالإرهاب الإلكتروني، والذي أُطلق عليه أيضًا “الإرهاب المعلوماتي” أو “الإرهاب السيبراني” على النحو الذي أدى إلى عدم الاتفاق بين الباحثين حول وجود تعريف شامل جامع له، حيث عرفه “باري كولين” Barry Collin بأنه “هجمة إلكترونية غرضها تهديد الحكومة، أو العدوان عليها، سعيًا لتحقيق أهداف سياسية أو دينية، أو أيديولوجية، وأن الهجمة يجب أن تكون ذات أثر مدمر وتخريبي مكافئ للأفعال المادية للإرهاب”([2]).

وبهذا قدم كولين تعريفًا للإرهاب الإلكتروني يفيد بأنه تجاوزًا للواقع المادي وانتقالًا للعالم الافتراضي، ويعتبر كولين أول من استخدم هذا المفهوم خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين([3]).

ويعرف “دروثي دييننج” Dorothy Denning الإرهاب الإلكتروني بأنه “الهجوم القائم على استهداف الحاسوب أو التهديد به بهدف إجبار الحكومات لتحقيق أهداف معينة باعتمادها على الهجوم التخريبي المدمر لخلق خوف بحيث يكون بنفس فاعلية وكفاءة الهجوم الإرهابي التقليدي”، كما يعرف دروثي الإرهاب الإلكتروني أيضًا بأنه “هجمات غير مشروعة، وبعيدًا عن الحق القانوني، يتم ممارستها ضد الحاسبات والشبكات، والمعلومات المخزنة إلكترونيًّا ويجري توجيهها من أجل الانتقام، والابتزاز أو التأثير في الحكومات والشعوب، بل وحتى التأثير في المجتمع الدولي بأسره لتحقيق أهداف دينية أو سياسية أو اجتماعية معينة”([4]).

ويمكن تعريف الإرهاب الإلكتروني إجرائيًّا بأنه “نشاط أو هجوم ذو دوافع سياسية بغرض التأثير على القرارات الحكومية أو الرأي العام باستخدام الفضاء الإلكتروني كعامل مساعد ووسيط في عملية التنفيذ للعمل الإرهابي أو الحربي من خلال هجمات مباشرة بالقوة المسلحة على مقدرات البنية التحتية للمعلومات، أو من خلال تأثير معنوي ونفسي عبر التحريض على بث الكراهية الدينية وحرب الأفكار، أو أن يتم في صورة رقمية من خلال استخدام آليات الأسلحة الإلكترونية الجديدة في معارك تدور في الفضاء الإلكتروني، والتي قد يقتصر تأثيرها على بعدها الرقمي أو قد تتعدى لإصابة أهداف مادية تتعلق بالبنية التحتية الحيوية”.

ويتضح مما سبق، أن تعريف الإرهاب الإلكتروني لا يختلف كثيرًا عن الإرهاب في معناه التقليدي، إلا أن الإرهاب الإلكتروني يعتمد على استخدام الإمكانات العلمية والتقنية واستغلال وسائل الاتصال والشبكات المعلوماتية، وذلك من أجل تخويف وترويع الآخرين، وإلحاق الضرر بهم أو تهديدهم([5]).

ثانيًا: أهداف وأساليب الإرهاب الإلكتروني:

تتمثل أهداف الإرهاب الإلكتروني، في أهداف إرهابية تنطوي على عنف يستهدف حياة الأفراد وسلامتهم، وإثارة الفوضى ونشر الذعر والرعب بين الأشخاص والدول، وكذلك إلحاق الضرر بالبُنى المعلوماتية وتدميرها، والإضرار بوسائل الاتصالات وتقنية المعلومات، وأيضًا جمع الأموال والاستيلاء عليها أو الإضرار بالمنشآت المالية العامة والخاصة، وأيضًا تعطيل الأداء الطبيعي لنظم السيطرة والرقابة الإلكترونية، وتعطيل عمل الأجهزة والهيئات الحكومية والمرافق الإستراتيجية في الدولة، ونشر الأخبار والشائعات والأكاذيب التي تؤدي إلى نشر الخوف لدى الأفراد….. وغيرها.

أما عن أساليب التنظيمات والجماعات الإرهابية لممارسة الإرهاب الإلكتروني، فتستخدم تلك التنظيمات والجماعات الفضاء الإلكتروني من أجل تحقيق أهداف غير مشروعة عبر العديد من الوسائل والتقنيات، ومنها: التنسيق والاتصال، وتستخدمه الجماعات الإرهابية لتنظيم عملياتها والتخطيط لها، ويحدث ذلك من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تتمثل في البريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لبث ثقافة التطرف والتجنيد وتمويل أنشطتها الإرهابية وتخطيطها وتنفيذها([6]). وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن التنظيمات الإرهابية استغلت الفضاء الإلكتروني لتمويل أنشطتها الإرهابية بعيدًا عن أعين السلطات الأمنية، سواء أكان عن طريق المواقع الإلكترونية الإرهابية، أم شبكات التواصل الاجتماعي التي يتم فيها اصطياد الأشخاص لجمع التبرعات المالية، أم عن طريق قرصنة الحسابات البنكية وبطاقات الائتمان لتحويل الأموال من حساب إلى حساب آخر. والترويج الإعلامي من أجل نشر بياناتها الخاصة بها، فضلًا عن الترويج لأيدولوجياتها، وكذلك نشر الأخبار الكاذبة والشائعات للتحريض على الأعمال الإرهابية والعنف والفتنة، وأيضًا التجسس على المواقع وتدميرها، ويحدث ذلك من قبل مبرمجين متخصصين في اختراق المواقع الإلكترونية. والحرب الدعائية وتستهدف جذب العديد من الأفراد لها وتجنيدهم وخاصة القُصَّر، وأيضًا تستهدف الحصول على الدعم والموارد المالية([7]).

ثالثًا: نماذج تطبيقية للإستراتيجيات العربية لمكافحة مخاطر الإرهاب الإلكتروني

قطعت العديد من الدول العربية شوطًا كبيرًا في مجال حفظ الأمن السيبراني ومواجهة المخاطر المحققة للإرهاب الإلكتروني والتي باتت تهدد فعليًّا أمنها القومي، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى الجهود المبذولة من قبل بعض الدول في هذا المجال على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، على النحو التالي:

  1. على الصعيد الوطني: تختلف سياسات وتشريعات مواجهة الإرهاب الإلكتروني من دولة لأخرى، على النحو التالي:
  2. مصر:

تعد مصر واحدة من أكثر الدول العربية عرضة لخطر الإرهاب الإلكتروني، وهذا وفقًا للإحصاءات والأرقام الصادرة عن بعض الجهات والهيئات الإقليمية والدولية، فبحسب مؤشر الجاهزية للأمن السيبراني الصادر عن “الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2018″، جاءت مصر في الترتيب 23 ما بين 155 دولة شملها المؤشر([8])، كما وفقًا لتقرير نشرته شركة “ترند مايكروا”، فإن مصر احتلت المرتبة الأولى في قارة إفريقيا عام 2018 من حيث تعرضها للهجمات الإلكترونية، حيث اكتشفت الشركة وجود ما يقرب من 242411 برمجة خبيثة يتعرض لها القطاع الصناعي للدولة بالدرجة الأولى، كما جرت محاولات اختراق للأنظمة المصرفية والأسواق المالية، علاوة على الدور الخطير الذي تؤديه عمليات تمويل الجماعات الإرهابية وقيادتها من مخاطر فرض عقوبات اقتصادية على الدولة، حيث دائمًا ما كان هناك ارتباط فيما بين تمويل جماعة الإخوان المسلمين للجماعات الإرهابية الدولية؛ لتجد الدولة المصرية نفسها أمام حرب اضطرار لتجفيف منابع تمويل الجماعات ومراقبة عمليات التحويل والتمويل التي تتم عبر شبكة الإنترنت([9]).

وقد شرعت الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها في اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لخلق بيئة سيبرانية آمنة داخل الدولة، ومن أبرز هذه الجهود، تشكيل هيئات وطنية للأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب الإلكتروني مثل: “المركز الوطني للاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي” (سيرت) في عام 2009، ويستهدف حماية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، وقد نجح هذا المركز بالفعل منذ عام 2012 في تقديم الدعم الفني لمختلف المؤسسات بالدولة والقطاعات لمواجهة الأخطار السيبرانية بما فيها المساعدة على مواجهة خطر الهجمات الإرهابية السيبرانية([10]).

كما أصدر رئيس مجلس الوزراء السابق ” إبراهيم محلب” قرارًا بتأسيس “المجلس الأعلى للأمن السيبراني” في 16 ديسمبر 2014، ويرأسه وزير الاتصالات، ويهدف المجلس إلى وضع خطط إستراتيجية للتصدي للهجمات الإلكترونية، فضلًا عن الإشراف على كيفية تنفيذ تلك الإستراتيجية وتحديثها المستمر([11]).

يُضاف إلى ذلك إدخال تعديلات على القانون رقم 94 لسنة 2015، بشأن استبدال المادتين (36) و(53) فقرة أولى من قانون مكافحة الإرهاب، الصادر بالقانون رقم 94 لسنة 2015، والتي أقرها مجلس النواب المصري، وهو قانون شامل للتصدي لجرائم الإرهاب بجميع أشكاله وتمويله من الناحيتين (الموضوعية، والإجرائية)، وقد استمدت أحكام هذا القانون من قرارات مجلس الأمن والاتفاقات الدولية والإقليمية في مجال مكافحة الإرهاب([12]).

  • لبنان:

حققت لبنان جهودًا ملموسة في مجال مكافحة تهديدات الإرهاب الإلكتروني، ومنها إنشاء الهيئة الناظمة للاتصالات في عام 2007، والتي أصبحت عضوًا فاعلًا في الشراكة الدولية المتعددة الأطراف لمكافحة التهديدات والهجمات السيبرانية، إضافة إلى إقرار قانون التنصت رقم (140)، وقانون حقوق الملكية الفكرية رقم (75)، هذا فضلًا عن إنشاء مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية التابع لقسم المباحث الجنائية الخاصة، ضمن وحدة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وتتمثل مهمة هذا المكتب في مكافحة الجرائم التي تستخدم فيها التقنيات المعلوماتية العالية، وجرائم التعدي على الملكية الفكرية([13]).

  • العراق:

اتخذت الحكومة العراقية خطوات عدة لتفكيك البنية الاتصالية والإعلامية لأهم وأخطر التنظيمات الإرهابية وهو تنظيم “داعش”؛ إدراكًا منها بأن البدء بتفكيك البنية الاتصالية والإعلامية للتنظيم يشل حركته، ويفقده الاتصال بين قواته من جهة، وبين مراكز القيادة من جهة أخرى؛ حيث قامت الحكومة في يونيو 2014 بقطع الإنترنت وحجب مواقع التواصل مثل: (فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب،وسكايب، وفيبر)؛ وذلك بسبب تأثير “داعش” على الساحة الإلكترونية، وعلى الرغم من أن أعضاء التنظيم وجدوا لهم مخرجًا بتحميل تطبيق آخر مخصص للتليفونات الذكية، إذ أعلن “داعش” عن كونه أول تنظيم جهادي يصمم تطبيقًا مجانيًّا يسمح بنشر التغريدات الخاصة به، لكن سرعان ما قام موقع جوجل بحذفه، بالإضافة إلى قيام إدارة تويتر بإغلاق عديد من الحسابات التي تدعم “داعش” وتروج له، حتى لو لم يتبنَّها التنظيم رسميًّا([14]).

كما أكد وزير الخارجية العراقي “فؤاد حسين” في 20 نوفمبر 2021 أن العراق بصدد تبنِّي إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب بما فيها “الإرهاب السيبراني” وعلى رأسها عصابات تنظيم “داعش” الإرهابي، ومنعه من التغلغل في أوساط المجتمع أو السيطرة على المدن([15]).

  • دول مجلس التعاون الخليجي:

قطعت دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الماضية شوطًا كبيرًا في مجال مكافحة الإرهاب السيبراني، فالإمارات قامت بإصدار قوانين وتشريعات لتجريم أي عناصر ترتبط بالتنظيمات الإرهابية ومن هذه القوانين مرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، كما أسست الإمارات مركز “صواب” في مارس 2015، وهي مبادرة تفاعلية للتراسل الإلكتروني تهدف إلى دعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد التطرف والإرهاب، ويتطلع المركز إلى إيصال أصوات الملايين من المسلمين وغير المسلمين في جميع أنحاء العالم ممن يرفضون ويقفون ضد الممارسات الإرهابية والأفكار الكاذبة والمضللة التي يروجها أفراد التنظيم، كما يعمل مركز “صواب” على تسخير وسائل الاتصال والإعلام الاجتماعي على شبكة الإنترنت من أجل تصويب الأفكار الخاطئة ووضعها في منظورها الصحيح([16]).

أما بالنسبة للسعودية: فقد أصدرت قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية بموجب المرسوم الملكي رقم (17) بتاريخ 26 من مارس لعام 2007، كما قامت وزارة الاتصالات والمعلومات السعودية بإصدار العديد من القرارات المنظمة للتعاملات الإلكترونية، فضلًا عن اقتراحها للإستراتيجية الوطنية لأمن المعلومات الخاصة بالمملكة العربية السعودية في عام 2011 ([17]).

وكذلك تولي مملكة البحرين أولوية كبيرة تجاه مكافحة التطرف والإرهاب وهي تقوم على ذلك من خلال الأجهزة الحكومية باختلاف مهامها، وضمن هيكلها الدستوري للهيئات (التنفيذية، والتشريعية، والقضائية)، والبحرين تجرم كافة أشكال الإرهاب بموجب المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعدل بقانون (54) و(25) و(26) وقانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية والمعدل بقانون (68) و(20)، كما تواصل وزارة الخارجية البحرينية- وعبر قنواتها الدبلوماسية- العمل مع شركاء المملكة وحلفائها لتعطيل تمويل الإرهاب من خلال تحديد وعرقلة مصادر تمويل الإرهاب وتجميد أصول الإرهابيين ومن يدعمهم ومنع الإرهابيين من الوصول إلى النظام المالي للدولة عبر الشبكات المالية الإلكترونية([18]). وبالتواصل مع الجهود البحرينية من الداخل، بحث وزير الداخلية الشيخ “راشد بن عبدالله آل خليفة”، من خلال زيارته الرسمية مع وزير الأمن الداخلي الأمريكي “أليخاندرو مايوركاس” في يوليو 2022 _الموضوعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والأمن السيبراني الكفيلة بتعزيز التعاون الأمني من خلال تبادل الزيارات والخبرات، ووقع الوزيران على خلفية هذه الزيارات 3 مذكرات تفاهم بين الوزارتين لتعزيز التعاون المشترك في مكافحة تمويل الإرهاب والأمن السيبراني([19]).

كما تحرص الكويت على استمرار التعاون مع الجهات الخارجية في مجال مكافحة الإرهاب الإلكتروني، إذ نظم وفد الكويت الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة في “فيينا” فعالية أممية لعرض مساهمة دولة الكويت في مجال التصدي للإرهاب بأشكاله المختلفة وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وقد أكد سفير الكويت لدى جمهورية النمسا “محمد معرفي”، في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) “إن الهدف من تنظيم هذه الفعالية هو إبراز جهود دولة الكويت وأجهزتها المعنية في مكافحة الجريمة العابرة للحدود، ولا سيما الإرهاب الإلكتروني بعدما أصبحت هذه الجريمة تهدد أمن واستقرار كافة الدول”، وأضاف أن “هذه الفعالية جاءت للتأكيد على التزام دولة الكويت بالاتفاقيات الدولية، انطلاقًا من روح المسؤولية المشتركة والتزامها المطلق بدعم التعاون الدولي والإقليمي في مكافح الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولاتها الملحقة بها، ولا سيما التصدي للجرائم الإلكترونية” ([20]).

  • على المستوى الإقليمي:

تمكنت الدول العربية من تعزيز جهود التعاون (الأمني، والقضائي، والتقني) بينها في مجال مكافحة الإرهاب الإلكتروني من خلال التوقيع على الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات المحرَّرة في القاهرة بتاريخ 21 ديسمبر عام 2010، والتي تضم العديد من الجرائم الإلكترونية([21])، مثل: سرقة بطاقات الائتمان، وجرائم الإنترنت والإرهاب الإلكتروني، وتصنيع الفيروسات أو نشرها، والقرصنة واختراق الأنظمة، والوصول والاختراق غير المشروع … وغيرها، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية في محاربة الجرائم الإلكترونية، وتؤكد على أهمية تنفيذ قوانين حقوق الملكية، وتطبيق العقوبات على منتهكي شروط ولوائح الاتفاقية.

كما أقرت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي مرسوم رقم 27 لسنة 2008 بشأن اتفاقية لمكافحة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله بما فيها الإرهاب السيبراني في إطار المسؤولية الجماعية في المحافظة على الأمن والاستقرار، بناءً على مبدأ الأمن الجماعي، واعتبار أمن واستقرار دول المجلس كلًا لا يتجزأ، ورغبة من دول المجلس في وقاية مجتمعاتها وشعوبها ومكتسباتها التاريخية ومنجزاتها الحضارية ومصالحها من خطر الإرهاب([22]).

أما على صعيد المؤتمرات الإقليمية، فنذكر على سبيل المثال: المؤتمر الإقليمي للأمن السيبراني، والذي قامت مصر بالإشراف عليه في مدينة “شرم الشيخ” المصرية في أكتوبر 2016، وهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون الدولي؛ لمكافحة الإرهاب الإلكتروني وجرائم الفضاء السيبراني وتبادل الخبرات حول العالم([23]).

وقد ناقشت دول الخليج في فاعليات مؤتمر “مواجهة التطرف الفكري”، والذي انعقد في دولة الكويت في شهر يناير 2017، مقترح إنشاء جيش خليجي إلكتروني لمواجهة الإرهاب عبر الإنترنت، على أن يتكون هذا الجيش المقترح من خبراء تقنيين واجتماعيين وشرعيين لتحليل المعلومات التي تم جمعها، خاصة وأن المنطقة الخليجية تحظى بالكفاءات والخبرات النادرة في هذا المجال، والتي أثبتت قدرتها وكفاءتها ([24]).

وأيضًا منتدى “فرست الإقليمي” للمنطقة العربية والإفريقية، والذي استضافته مصر بمدينة شرم الشيخ في الفترة من 2–3 نوفمبر 2016، وتم من خلاله التأكيد على أهمية تبادل الخبرات والتعاون بين الدول والمنظمات الدولية والإقليمية. وكان من النجاحات المترتبة على هذا المؤتمر، عمل منصة تواصل مع المنظمات الأمنية العالمية الكبيرة كالاتحاد الدولي للاتصالات، وفريق الاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي([25]).

  • على المستوى الدولي:

تحرص العديد من الدول العربية على المشاركة في الفاعليات الإقليمية والدولية لمكافحة جرائم الإرهاب السيبراني مثل: التوقيع على الاتفاقيات وحضور المؤتمرات الدولية التي تَعنى بأمن الفضاء السيبراني، كما شاركت بعض الدول العربية في الإشراف على تنظيم العديد من المؤتمرات العالمية مثل: المشاركة في مؤتمر المنطقة المركزية للاتصالات في عام 2017 في العاصمة الأمريكية “واشنطن”.

وقد شهد المؤتمر مشاركة عدة دول عربية لبحث تعزيز فرص الاستجابة لحوادث التهديد التي يشكلها الإرهاب السيبراني، وقدم المؤتمر فرص للوفود لتبادل الاستشارات والتوصيات ووجهات النظر من قبل الدول ذات التجارب الدولية الناجحة في الحد من الهجمات الإرهابية الإلكترونية، وأيضًا المشاركة في المنتدى الإقليمي للاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية (ITU) ومنظمة فرست للمنطقة العربية والإفريقية في عام 2017 في العاصمة التنزانية “دار السلام”([26]).

رابعًا: مقترحات تفعيل الجهود العربية لمكافحة ظاهرة الإرهاب الإلكتروني:

اتسمت الجهود العربية خلال الأعوام الأخيرة في مجال مكافحة تزايد مخاطر ظاهرة الإرهاب الإلكتروني وتحقيق أمن الفضاء السيبراني، بالجدية والمصداقية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الظاهرة شهدت تحولات نوعية، كان أهمها أنها أصبحت عابرة لحدود الدول عبر شبكات المعلومات “الإنترنت”، مما زاد من خطر الظاهرة الإرهابية على الأمن القومي العربي. كما أنه على الرغم من أن أزمة تفشي وباء فيروس كورونا فرضت تحديات كثيرة على الدول من قبيل سبل التعامل مع العدوى وآليات الوقاية والعلاج_ إلا أن ذلك لم يمنع التنظيمات المتطرفة عن ممارسة الأعمال الإرهابية، فقد فرض تحديًّا أمنيًّا مرتبطًا بالإرهاب الإلكتروني، حيث شهدت العديد من دول العالم هجمات إلكترونية شكلت تهديدًا لأمن واستقرار الدول، ويمكن الإشارة إلى بعض المقترحات الداعمة للجهود العربية في هذا المجال، على النحو التالي:

  1. أهمية تفعيل قوانين مكافحة الجريمة الإلكترونية خاصة في الدول التي لم تقطع شوطًا في هذا الشأن، من أجل تجفيف منابع الفكر المتطرف.
  2. تشجيع نشر مواقع إلكترونية معتدلة من الناحية الفكرية والأيديولوجية، وذات استقلال فكري عن تجاذبات التيارات الفكرية والمصالح السياسية.
  3. تأسيس وحدات للأمن الإلكتروني داخل المؤسسات العسكرية وتزويدها بكفاءات بشرية مدربة ولديها خبرة أسوةً بتجارب الدول والمنظمات الدفاعية التي استطاعت التصدي لهذا النوع من التهديدات، مع مراجعة أنظمة الاتصال في تلك المؤسسات من وقت لآخر من خلال تأسيس كتائب دفاعية إلكترونية، وخصوصًا في الدول التي تشهد تقدمًا مطردًا في اعتمادها على تكنولوجيا المعلومات، خاصة وأن التطور الحادث في هذا المجال يتسارع، والثغرات التكنولوجية فيه تتسع، وهو الأمر الذي يستلزم مواجهة كفؤة متخصصة للحد من احتمالات نجاح التهديدات الإرهابية في هذا المجال.
  4. إنشاء مراكز للدراسات والأبحاث المتخصصة في الأمن المعلوماتي والبرمجيات بهدف تطوير إستراتيجيات فاعلة لمكافحة جريمة الإرهاب الإلكتروني.
  5. أهمية تعميم مهارات وآليات (المواطنة الرقمية) في المنطقة العربية لمواجهة الإرهاب الإلكتروني الذي يعد أبرز التحديات التي تواجهها الشعوب العربية لاسيما فئة الشباب، حيث تهدف (المواطنة الرقمية) إلى تزويد الفرد بآليات ومهارات إلكترونية عدة تستطيع من خلالها أن يفعل التكنولوجيا لصالحه وليس ضده وتحميه من المشاركة في حملات ضد وطنه أو حملات تحريضية أو متطرفة أو غير أخلاقية …وغيرها، وتضمن (المواطنة الرقمية) للفرد القدرة على إدارة أجهزته وصفحاته الإلكترونية بشكل يضمن سلامته الإلكترونية([27]).
  6. أهمية التنسيق العربي في أعمال مكافحة الإرهاب عن طريق الشبكة العنكبوتية الإلكترونية، وتشجيع قيام اتحادات عربية تسعى للتصدي لجرائم الإرهاب الإلكتروني.

([1]) نورا بينداري عبد الحميد، “دور وسائل التواصل الاجتماعي في تجنيد أعضاء التنظيمات الإرهابية دراسة حالة” “داعش””، المركز الديمقراطي العربي، 19 يوليو 2016، على الرابط التالي:

https://www.democraticac.de/19-7-2016.

([2]) عادل عبد الصادق، “الإرهاب الإلكتروني: القوة في العلاقات الدولية: نمط جديد وتحديات مختلفة”، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2009)، الطبعة الأولى، ص 109.

([3]) Jonalan Brickey, “Defining Cyber terrorism: Capturing a Broad Range of Activities in Cyber Space”, (CTC) Sentinel, Combating Terrorism Center, Volume (5), Issue (8) August 2012: https://www.CTC.westpoint.edu/August2012.

 ([4])Maura Con Way, “Cyber terrorism: Hype and Reality”, P.5, available at website: https://www.Core.ac.Uk.

([5]) عادل عبد الصادق، “هل يمثل الإرهاب الإلكتروني شكلًا جديدًا من أشكال الصراع الدولي”، ملف الأهرام الإستراتيجي، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية)، العدد 156، ديسمبر 2007، ص18.

([6]) “تحليل وسائل التواصل الاجتماعي”، الإنتربول، على الرابط التالي:           http://www.interpol.int

([7]) “استخدام الإنترنت في أغراض إرهابية”، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، يونيو 2013، ص6، على الرابط التالي:       https://www.unodc.org/June2013

وانظر أيضاً:

Gabriel Weimann, Terror on the Internet: The New Arena, The New Challenges Washington, D.C: United States Institute of Peace Press, 2006, PP37-38.

([8]) Global Cyber Security Index GCI, “International Telecommunication union”, Report, 2018, P.57.          http://www.itu.int.

([9]) “تقرير تريند مايكرو: مصر من الدول الأفريقية الأكثر عرضة للهجمات”، موقع اليوم السابع، 2018، على الرابط التالي:                                        https://www.youm7.com

([10]) طارق عثمان، “المركز الوطني للاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي”، صحيفة الدستور، العدد (12)، ديسمبر 2012.

([11]) “المجلس الأعلى للأمن السيبراني”، رئاسة مجلس الوزراء المصري، ديسمبر 2014. على الرابط التالي:

https://www.escc.gov.eg

([12]) “السيسي يصدق على تعديلات قانون مكافحة الإرهاب”، موقع مصراوي، 11 نوفمبر 2021، على الرابط التالي:           https://www.masrawy.com/11-11-2021

([13]) النقيب روني حداد، “الإرهاب الإلكتروني وتحديات مواجهته”، مجلة الجيش، العدد 394، إبريل 2018، الموقع الرسمي للجيش اللبناني.                 https://www.Lebarmy.gov.Lb/ar/content/April2018

([14]) نورا بينداري عبد الحميد فايد، مرجع سابق.

([15]) “العراق: تتبنى إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب”، أخبار اليوم، 20 نوفمبر 2021، على الرابط التالي:                                               https://www.m.akhbareyoum.com/20-11-2021

([16]) “مكافحة الإرهاب والتطرف”، وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة، 27 أغسطس 2021، على الرابط التالي:

https://www.mofaic.gov.ae/ar-ae/the-ministry/the-foreign-policy/combating-terrorism-and-extremism.

([17]) رانيا سليمان (وآخرون)، سياسات مكافحة الإرهاب الإلكتروني.. مصر والسعودية نموذجًا، المركز العربي للبحوث والدراسات، 2 فبراير 2020،          https://www.acrseg.org/41483/2-2-2020

([18]) “مكافحة الإرهاب وتمويله”، وزارة الخارجية البحرينية، على الرابط التالي:https://www.mofa.gov.bh.

([19]) “البحرين وأمريكا تبحثان التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني”، موقع اليوم السابع، 27 يونيه 2022. على الرابط التالي:                                       https://www.m.yyoum7.com

([20]) “سفارة دولة الكويت والوفد الدائم لدى الأمم المتحدة فيينا – النمسا”، موقع السفارة الكويتية، على الرابط التالي: https://www.kuwaitembassy.at/index.php/ar/115-the-state-of-kuwait-permanent-missioin-to-the-un-sheals-light-on-efforts-against-terrorism.

([21]) شرف الدين وردة، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد (10)، 2018، ص 93.

([22]) “اتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب”، الميزان (البوابة القانونية القطرية)، 23 يوليه 2022، على الرابط التالي:

https://www.ameezan.qa/Agreementspage.asp?id=1231&Language=ar.

وانظر أيضًا: أمير فرج يوسف، “جريمة مكافحة الإرهاب الإلكتروني” “الإرهاب الرقمي” في دول الخليج العربي في ظل اتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب”، (القاهرة: دار الكتب والدراسات العربية)، الطبعة الأولى، 2016.

([23]) “مصر تستضيف المؤتمر الإقليمي للأمن السيبراني ومنتدى فرست الإقليمي”، وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، 30 أكتوبر 2016.                      https://www.lomcit.gov.eg/30-10-2016

([24]) “تفاصيل مقترح إنشاء جيش خليجي إلكتروني لمواجهة الإرهاب”، العين الإخبارية، 23 يناير 2017، على الرابط التالي:                                https://www.al-ain.com/23-1-2017

([25]) “FIRST Regional Symposium For Arab and African Regions”, Sharm El-Sheikh (EGY) 02-03 November, 2016, available at website: https://www.First.org/3-11-2016

([26]) “المنتديات الإقليمية للتنمية التي ينظمها الاتحاد الدولي للاتصالات”، موقع الاتحاد الدولي للاتصالات. على الرابط التالي:https://www.itu.int/2017.

([27]) “خبير كويتي: تعميم (المواطنة الرقمية) لمواجهة الإرهاب الإلكتروني”، وكالة الأنباء الكويتية (كوتا)، 8 نوفمبر 2017، على الرابط التالي:                        https://www.kuna.net.kw/8-11-2017

اظهر المزيد

شرين فهمي

مدرس النظم السياسية المقارنة بكلية الإعلام جامعة ا...

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى